ما أنت بفاعل. قال: بلى لأفعلن. قال قلت: ما أنت بفاعل. قال: لم؟ قلت: لأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه وأبو بكر رضي الله عنه وهما أحوج منك إلى المال فلم يخرجاه.
فقام فخرج. لفظ آخر:
قال شقيق: جلست إلى شيبة بن عثمان في المسجد الحرام فقال لي: جلس إلي
عمر بن الخطاب رضي الله عنه مجلسك هذا فقال: لقد هممت أن لا أترك فيها - أي في الكعبة -
صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها. قال شيبة فقلت: إنه كان لك صاحبان فلم يفعلاه: رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه. فقال عمر: هما المرءان أقتدي بهما.
3 - وعن الحسين: إن عمر بن الخطاب قال: لقد هممت أن لا أدع في الكعبة صفراء
ولا بيضاء إلا قسمتها فقال له أبي بن كعب: والله ما ذاك لك. فقال عمر: لم. قال: إن الله
قد بين موضع كل مال وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: صدقت.
نحن لا نناقش الحساب في تعيين الملقن لحكم القضية، غير أن هذه الروايات
تعطينا خبرا بأن كل أولئك الرجال كانوا أفقه من الخليفة في هذه المسألة، فأين قول
صاحب الوشيعة: إن عمر أفقه الصحابة وأعلمهم في زمنه على الإطلاق؟.
61 - إجتهاد الخليفة في الطلاق الثلاث
1 - عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين
- وسنين - من خلافة عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة فقال عمر رضي الله عنه: إن
الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.
مسند أحمد 1 ص 314، صحيح مسلم 1 ص 574، سنن البيهقي 7 ص 336،
مستدرك الحاكم 2 ص 196، تفسير القرطبي 3 ص 130 وصححه، إرشاد الساري 8
ص 127، الدر المنثور 1 ص 279.
2 - عن طاوس قال: إن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم أنما كانت الثلاث تجعل
واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وثلاث في إمارة عمر رضي الله
عنه؟ قال ابن عباس: نعم.
صحيح مسلم 1 ص 574، سنن أبي داود ص 344، أحكام القرآن للجصاص 1
ص 459، سنن النسائي 6 ص 145، سنن البيهقي 7 ص 336، الدر المنثور 1 ص 279.
إن أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك ألم يكن طلاق الثلاث على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه واحدة؟ قال: قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر
رضي الله عنه تتابع الناس في الطلاق فأمضاه عليهم - فأجازه عليهم -
صحيح مسلم 1 ص 574، سنن البيهقي 7 ص 336.
صورة أخرى:
كان أبو الصهباء كثير السؤال لابن عباس قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق
امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر و
صدرا من إمارة عمر؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما: بلى كان الرجل إذا طلق امرأته
ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه
وصدرا من إمارة عمر رضي الله عنه، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال: أجيزوهن عليهم
سنن أبي داود 1 ص 344، سنن البيهقي 7 ص 339، تيسير الوصول 2 ص 162،
الدر المنثور 1 ص 279.
3 - أخرج الطحاوي من طريق ابن عباس أنه قال: لما كان زمن عمر رضي الله
عنه قال: يا أيها الناس قد كان لكم في الطلاق أناة، وإنه من تعجل أناة الله في الطلاق
ألزمناه إياه. وذكره العيني في عمدة القاري 9 ص 537 وقال: إسناد صحيح.
4 - عن طاوس قال: قال عمر بن الخطاب: قد كان لكم في الطلاق أناة فاستعجلتم
أناتكم، وقد أجزنا عليهم ما استعجلتم من ذلك.
(كنز العمال 5 ص 162 نقلا عن أبي نعيم)
5 - عن الحسن إن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: لقد هممت
أن أجعل إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس أن أجعلها واحدة، ولكن أقواما جعلوا
على أنفسهم فألزم كل نفس ما لزم نفسه، من قال لامرأته: أنت علي حرام. فهي حرام، ومن
قال لامرأته: أنت بائنة. فهي بائنة، ومن طلق ثلاثا فهي ثلاث.
(كنز العمال 5 ص 163 نقلا عن أبي نعيم)
قال الأميني: إن من العجب أن يكون استعجال الناس مسوغا لأن يتخذ الانسان
كتاب الله ورائه ظهريا ويلزمهم بما رأوا، هذا الذكر الحكيم يقول بكل صراحة:
الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. إلى قوله تعالى: فإن طلقها فلا
تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره. فقد أوجب سبحانه تحقيق المرتين والتحريم
بعد الثالث، وذلك لا يجامع جمع التطليقات بكلمة - ثلاثا - ولا بتكرار صيغة الطلاق
ثلاثا متعاقبة بلا تخلل عقدة النكاح بينها.
أما الأول: فلأنه طلاق واحد وقول - ثلاثا - لا يكرره ألا ترى؟ أن الوحدة
المأخوذة في الفاتحة في ركعات الصلاة لا تكرر لو شفعها المصلي بقوله: خمسا أو
عشرا، ولا يقال: إنه كرر السورة وقرأها غير مرة.
وكذلك كل حكم اعتبر فيه العدد كرمي الجمرات السبع فلا يجزي عنه رمي
الحصيات مرة واحدة، وكالشهادات الأربع في اللعان لا تجزي عنها شهادة واحدة
مشفوعة بقوله - أربعا -.
وكفصول الأذان المأخوذة فيها التثنية لا يتأتى التكرار فيها بقراءة واحدة و
إردافها بقول - مرتين -.
وكتكبيرات صلاة العيدين الخمس أو السبع المتوالية - عند القوم - قبل القرائة (1)
لا تتأتى بتكبيرة واحدة بعدها قول المصلي خمسا أو سبعا.
وكصلاة التسبيح (2) وقد أخذ في تسبيحاتها العدد عشرا وخمسة عشر فلا تجزي
عنها تسبيحة واحدة مردوفة بقوله عشرا أو خمسة عشر. وهذه كلها مما لا خلاف فيه.
وأما الثاني فإن الطلاق يحصل باللفظ الأول، وتقع به البينونة، وتسرح به
المعقودة بالنكاح، ولا يبقى ما بعده إلا لغوا، فإن المطلقة لا تطلق، والمسرحة لا
تسرح، فلا يحصل به العدد المأخوذ في موضوع الحكم، بل تعدد الطلاق يستلزم تخلل
عقدة الزواج بين الطلاقين ولو بالرجوع، ومهما لم تتخلل يقع الطلاق الثاني لغوا و
يبطله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا طلاق إلا بعد نكاح. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا طلاق قبل نكاح. وقوله
(1) السنن الكبرى 3 ص 285 - 291.
(2) صلاة التسبيح هي المسماة بصلاة جعفر عند أصحابنا، ولا خلاف بين الفريقين في فضلها
وكمها وكيفها، غير أن أئمة القوم أخرجوها في الصحاح والمسانيد عن ابن عباس.