تحرير محل النزاع
ولقد أجمع المسلمون بشتى
مذاهبهم على عدم وجوب التكتف في الصلاة ثم
دار الخلاف فيه بين المذاهب ـ بعد نفي
الوجوب ـ على عدة آراء هي:
1 ـ الاستحباب مطلقاً، في
الصلاة الواجبة والمستحبة; وهو قول
الحنفية والشافعية والحنابلة، وذكر
النووي أن أبا هريرة وعائشة وآخرين من
الصحابة وعدداً من التابعين مثل: سعيد بن
جبير والنخعي وأبو مجلد، وعدداً من
الفقهاء مثل: سفيان وإسحاق وأبو ثور وداود
وجمهور العلماء على هذا القول [1] .
2 ـ الجواز في الصلاة المستحبة،
والكراهة في الصلاة الواجبة.
روى هذا الرأي ابن رشد القرطبي
عن إمامه مالك [2] . وذكر النووي: أن
عبدالحكم روى عن مالك الوضع، فيما روى ابن
القاسم عنه الإرسال، وهو الأشهر [3] ،
ونقل السيد مرتضى عن مالك والليث بن سعد
أنهما يريان القبض لأجل طول القيام في
النافلة [4] .
3 ـ التخيير بين الوضع
والإرسال، رواه النووي عن الأوزاعي [5] .
4 ـ الحرمة والمبطلية للصلاة
وهو رأي الإمامية المشهور في المسألة،
وادعى السيد المرتضى الاجماع عليه [6] ،
ونقل النووي في المجموع أن عبدالله بن
الزبير والحسن البصري والنخعي وابن سيرين
كانوا يرون الإرسال ويمنعون التكتف [7] .
والآراء الثلاثة الاُولى
يمكننا أن نعتبرها وجوهاً للجواز بالمعنى
الأعم من الكراهة والاستحباب. فتكون
مسألتنا دائرة بين قولين أساسيين هما:
الجواز والحرمة، فإذا انتفت الحرمة وثبت
الجواز أمكننا الانتقال بعد ذلك الى البحث
في وجوه الجواز وما يتفرع عليها من القول
بالكراهة والاستحباب والتخيير، وإذا
انتفى الجواز وثبتت الحرمة لم يبق وجه
للقول بالاستحباب والتخيير وانتفت الحاجة
الى البحث فيهما.
وحينئذ، فالمفتاح الأساس للبحث
في هذه المسألة هو السؤال التالي: ماهو
الأساس في كون الشيء في العبادة جائزاً أو
حراماً ؟ وهل التكتف في الصلاة ينطوي
على سبب للتحريم أم لا؟