المُناظرة الرابعة والعشرون
(مناظرة الصاحب بن عباد(1) وفي مناقب أمير المؤمنين عليهم السلام)
قالت: أبا القاسم استَخْفَفْتَ بالغــــَزَل
قالت: أُريد اعتــذاراً منكَ تظهـــرُهُ
قالت: أُلِحُّ على تكريـــرمسألتـــي
قالــت: أُريد رشـاداً منكَ أتبعُـــهُ
قالـــت: أبِنْهُ فانـي جدُّ سامعـــة
قالت: وكيف اقتضاك الشيبُ تركَ هوىً
قالت: فما اختـــرتمن دينٍ تفوزُ بهِ
قالت: أقلَّدت أم قـــد دنت عننظـرٍ
قالت: فكيف عرفتَ الحقَّ هات بـــه
قالت: فهل هذه الاَجســام محدثــةٌ
قالت: أُريدُ دليلاً فيـــه مختصـراً
فقلت: أنْ ليس فيهـــا غيرُ مُنْتَقلِ
ِفقلتُ: ما ذاك من همِّي ولا شغلـي
فقلتُ: عذراً وما أخشى مـن العَذَلِ
فقلتُ: ما أنا عن رأيي بذي حـوَلِ
فقلتُ: سمعاً فانَّ الرشدَ مــن قبلي
فقلتُ: كيف اجتماعُ الشيـب والغزل
فقلتُ: فــيالشيب إدناءٌ من الاَجَلِ
فقلت: إنـــي شيعيٌّ ومعتزلي(2)
فقلت: كلاّ فإنـــي واحـدُ الجدَلِ
فقلت: بالفكر فـيالاَقــوالِ والعِلَل
فقلت: جدّاً وإنْ رمتِ الدليلَ سلــي
فقلت: أنْ ليس فيهـــا غيرُ مُنْتَقلِ
فقلت: أنْ ليس فيهـــا غيرُ مُنْتَقلِ
(في صفات الباري عزّ وجلّ)
قالت: فهل صانعٌ تدعو إليــه أجِبْ
قالت: فهـــل من دليلٍ فيه تذكرهُ
قالت: فهــل هو ذو شِبْهٍ وذو مثلٍ
قالت: أبِنْ لـي أجسمٌ ذاك أم عَرَضٌ
قالت: وما ضرَّ لــو اثبتَّهُ جسـداً
قالت: فقلْ لي أبالاَبصارنـــدركُهُ
قالت: ولِمْ ذا وهـل شــيءٌ يغيِّبُهُ
قالت: لعلَّ حجاباً عنــكيستُــرُهُ
قالت: فما القولُ في القـرآن سُقْهُ لنا
قالت: فأينَ دليلُ الخَلْقِ فيـه أبــِنْ
قالت: فــأعمالُنا منْ ذا يكوِّنُهــا
قالت: ولِمْلا يكــونُ اللهُخالقَهــا
قالت: أيُلــزم نفساً فوق طاقتِهــا
قالت: يشاءُ معاصينــا ويؤثِرهُــا
فقلت: لو شاءها لــم نَخْشَ من زَلَل
فقلت: لا بدّ قـولاً غيـــرَ ذي مَيَل
فقلت: بيتٌ بلا بــانٍ مـن الخَطـَل
فقلت: قد جلّ عنشبــه وعـن مَثَل
فقلت: بل خــالقُ الجِنسَين فانتقلـي
فقلت: لا توجدُ الاَجسام فــي الاَزل
فقلت: جَلَّ عـنالاِدراكِ بالـــمُقلِ
فقلت: ما هــو محجوبٌ فيظهرُ لي
فقلت: أخبرتِ عن شخصٍ وعن طَلَل
فقلت: ذاك كـــلامُ الله أينَ تُلــي
فقلت: تركيبُهُ مـــن أحرفِ الجُمَلِ
فقلت: نحنُ مقالاً صِيْنَ عـــن خَلَل
فقلت: لـــو كُنَّ خلْقاً لم يكنْ عملي
فقلت: حاشاه هذافعــــلُ ذي خَبَل
فقلت: لو شاءها لــم نَخْشَ من زَلَل
فقلت: لو شاءها لــم نَخْشَ من زَلَل
(في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام)
قالت: فمــن صاحبُ الدين الحنيف أجبْ
قالت: فهــل معجزٌ وافى الرسولُ بــه
قالت: فَمَنْ بعده يُصفـْى الــولاء لــه
قالت: فهل أحَدٌ فـي الفضــلِ يقــدمُهُ
قالت: فَمــَـنْأوَّلُ الاَقــوام صــدقَهُ
قالت: فمــن بـاتمن فوق الفراش فدىَ
قالت: فمــن ذا الذي أخــاه عـن مِقَةٍ
قالت: فمـن زوُجَ الزهــراءَ فاطمــةً
قالت: فمــن والــدُ الـسبطَيْنِ إذ فَرَعا
قالت: فمـن فاز فــي بــدرٍ بمفخرها
قالت: فمــن ســاد يوم الرَّوْع في أُحُدٍ
قالت: فمن فــارسُ الاَحــزاب يفرسُها
قالت: فخيبـــرُ مــن ذا هدَّ مــعقلها
قالت: فيــوم حنينٍ مَنْ بــرى وفـَرى
قالت: فمن صاحبُ الرايــات يحملُهــا
قالت: بـــراءةُمَنْ أدّى قــوارعَهــا
قالت: فمن ذا دعــي للطيــر يأكلــهُ
قالت: فمـــنراكــعٌ زكّى بــخاتمه
قالت: ففيمــن أتى في (هل أتى) شرفٌ
قالت: فمــنتلـــوهُ يوم الكساء أجبْ
قالت: فمن بَاهَــل الطهــرُ النبيُّ بـه
قالت: فمن ذا قسيـمُ النــار يــسهِمُها
قالت: فمن شبــههــارون لنعــرفه
قالت: فمــن ذا غــدا باب المدينةِ قُلْ
قالت: فمــن ســاد في يوم الغدير أبِن
قالت: فمــن قاتــل الاَقـوامَ إذ نكثوا
قالت: فمن حارب الاَنجــاس إذ قسطوا
قالت: فمن قارع الاَرجـــاسَ إذ مرقوا
قالت: فمن صاحبُ الحوض الشريف غداً
قالت: فمن ذا لـواءُ الحمــد يحملــهُ
قالت: أكُلُّ الذي قــد قلتَ في رجــلٍ
قالت: ومَن هو هذا المرء(4) سمِّ(5) لنا
قالت: مـعاويــةالطــاغي أتلعنــهُ
قالت: تُكَفِّـرهُ فيمــا أتــى وعَتــا
قالت: أهَلْ لك مــن نظــمٍ لِنَرْوِيَـه
قالت: فَأملِ على هذا الفتـى عَجــِلاً
قالت: أمُبتَدِهاً فــي القــول مرتجلاً
قالت: أتيـتَ ابنَ عــبادٍ بمعجــزةٍ
قالت: فهل منشــدٌ ترضىلينشــدها
فقلت: ابنُ صالحٍ النحريرُ ينشد لي(6)
فقلت: أحمدُ خيــرُ الســـادةالرُّسُل
فقلت: القرآنُ وقد أعيــاعلـى الاَوَلِ
فقلت: الوصيُّ الذي أربــىعلى زحل
فقلت: هل هضبةٌ تـرقى علــى جبل
فقلت: مَنْ لم يصِرْ يومـاً إلى هُبَــلِ
فقلت: أثْبَتُ خلــق الله في الوَهــَلِ
فقلت: مَنْ حاز ردَّ الشمس فـي الطَّفَلِ
فقلت: أفضلُ من حــافٍ ومُنْتَعــلِ
فقلت: سابق أهــلالسَّبــق في مَهَل
فقلت: أضـْرَبُ خلــق الله للـقُلَـلِ
فقلت: مَنْ هالهم بأسـاًولــم يُهَــلِ
فقلت: قاتل عمرو الضيغمِ البـــَطَل
فقلت: سائق أهل الكفـرفـــي عُقُل
فقلت: حاصدُ أهل الشـركفـي عَجَل
فقلت: مَنْ حِيطَ عن غشٍ وعـن وغل
فقلت: مَنْ صِينَ عن خَتلٍ وعن دغـل
فقلت: أقـــربُ مرضــيٍ ومُنتحَل
فقلت: أطعنُهم مُذْ كــان بـــالاَسَل
فقلت: أبْــذَلُ خلـــــقالله للنَّفَل
فقلت: أنْجــَبُمكســُوٍّ ومُشْتَمِــل
فقلت: تاليــه فــي حلٍّ ومـرتحل
فقلت: مَن رأيُهُ أذكى مــنالشُّعَــل
فقلت: مَن لم يَحُل يومـاً ولــم يَزُل
فقلت: مَن سألوهالعلـــمَ لم يَســل
فقلت: مَن صــار للاِسلام خيرَ ولي
فقلت: تفسيرهُ فــي وقعــة الجملِ
فقلت: صفِّين تُبدي صـــفحةالعمَل
فقلت: معناه يوم النهــروانِ جلــي
فقلت: مَن بيتُه في أشــرف الــحِلَلِ
فقلت: مَن لم يكن في الرَّوْع بالوَكل(3)
فقلت: كلُّ الذي قد قلت فـي رجــل
فقلت: ذاك أميــر المؤمنيــن علي
فقلت: لعنتُهُ أحلـى مــن العســل
فقلت: أي وإلهِ الســهـلوالجبــل
فقلت: إنَّ جوابي فــيه حــيَّ هلِ
فقلت: هـذا ولــم ألْبَثْ ولــم أتُل
فقلت: ما قلتُ شعراً غيرمـــرتَجَل
فقلت: لا تعجبي فالشعر مــن خولي
فقلت: ابنُ صالحٍ النحريرُ ينشد لي(6)
فقلت: ابنُ صالحٍ النحريرُ ينشد لي(6)
(1) هو: أبو القاسم، اسماعيل بن عباد بن العباس، بن أحمد بن إدريس الملقب بالصاحب
(الاِصفهاني) ولد سنة 326 هـ، أحد أقطاب الاَدب العربي، له منهج خاص في الاَدب، واسلوبه
المتميز في نثره وشعره، وقد ترك أثراً كبيراً في دنيا العلم والادب في ذلك العصر الزاهر، والذي
حفظ إلينا بعض الشيء منه، وسماه بالصاحب الاَمير أبو منصور بويه ركن الدولة لما صحبه إلى
بغداد سنة 347 هـ، وأنس منه مؤيد الدولة كفاية وشهامة ولما تولى الحكومة استدعى الصاحب
من أصفهان وولاه الوزارة، ودبرها برأي وثيق، وقد نال من الهيبة والمقام السامي أيام وزارته ما
لم ينل مثله أحد من أمثاله، قرأ الصاحب على الكثير من علماء عصره واُدباءه وروى عنهم،
أمثال العميد، وبن فارس، والسيرافي، وابن كامل وغيرهم، وقد كانت له مكتبة حافلة بأنفس
الكتب، وقيل ان عنده من الكتب ما يحمل على أربعمائة جمل أو أكثر، فكانت من منابع ثقافته
وأدبه. وقد أخذ من كل فن بالنصيب الوافر، وما أوتيه من الفصاحة والاطلاع الواسع بالتفسير
والحديث والكلام واللغة والنحو والعروض والنقد الاَدبي، والتاريخ، والطب، وقد عدَّ له بعضهم
سبعاً وثلاثين مؤلفاً وقد طبع منها اثني عشر كتاباً، وقد أثنى عليه علماء السلف. قال عنه
المجلسي: انه من أفقه فقهاء الشيعة، وعده القاضي في مجالسه من وزراء الشيعة، وعده ابن
شهراشوب من شعراء أهل البيت المجاهرين، وقال الرافعي: وكتبه ورسائله ومناظراته دالة
على قدره، وكان يناظر ويدرس ويصنف ويملى الحديث، ومن اطلع على أدبه اذعن بولائه
الصادق لاَهل البيت: والذي انعكس في شعره والذي لا يخلو أكثره ـ تصريحاً أو تلويحاً ـ
مما يرتبط بالنبوة والاِمامة وفضائل أهل البيت عليهم السلام ومناقبهم، كما ضمنها أيضاً بعض مسائل
التوحيد والعدل ـ انطلاقاً من واجبه الديني الذي يملي عليه، كما هو شأن الموالي صادق العقيدة
، والذي يسخر كل طاقاته في الدفاع عنهم، واظهار فضلهم، وعدم الاكتراث بما يسمعه من
جاحدي حقهم كابن عباد الذي يقول:
فـكـم دعـونـي رافضياً لحبكم
فلم ينثني عنكم طويل عوائهم
فلم ينثني عنكم طويل عوائهم
فلم ينثني عنكم طويل عوائهم
ولذا ضمن قصائده الحوادث والمناظرات والمحاورات التي تتضمن الاَخذ والرد في مجال
العقيدة، فجزى الله الصاحب بن عباد جزاء المحسنين الذي ما فتىء مدافعاً عن عقيدته الصادقة
حياً وميتاً، توفي عليه الرحمة عام 385 هـ ودفن في داره بالري، ثمّ نقل إلى تربة له باصفهان.
راجع ترجمته في: ديوان الصاحب بن عباد: ص 6 ـ 18، الغدير للاَميني: ج 4 ص 42 ـ 81
، أعيان الشيعة للاَمين: ج 3 ص 328، معجم الاَدباء: ج 6 ص 168، يتيمة الدهر: ج 3 ص
188، وفيات الاَعيان: ج 1 ص 228 لسان الميزان: ج 1 ص 413، البداية والنهاية: ج 11 ص
314، المنتظم: ج 14 ص 375 ترجمة رقم (2911)، سير أعلام النبلاء: ج 16 ص 511.
(2) لا مذهباً، بل في بعض الآراء التي وافقوا فيها الاِمامية في بعض مسائل الاعتقاد والتي منها
على سبيل المثال، كمسألة عدم التجسيم ومسألة نفي الرؤية عنه تعالى، ومسألة القبح والحسن
العقليين، ومسالة وجوب اللطف، وغيرها.
قال ابن حجر في لسان الميزان: ج 1 ص 416 في ترجمة الصاحب ـ: قال ابن أبي طي: كان
إمامي الرأي، وأخطأ من زعم انّه كان معتزلياً، وقد قال عبد الجبار القاضي لما تقدّم للصلاة عليه
: ما أدري كيف أصلي على هذا الرافضي، وعن ابن أبي طي: أن الشيخ المفيد شهد بأن الكتاب
الذي نسب إلى الصاحب في الاعتزال وضع على لسانه، ونسب إليه، وليس هو له. وقال العلامة
الاَميني في الغدير: ج 4 ص 62: وهناك نقول متهافتة يبطل بعضها بعضاً تفيد اعتناق الصاحب
مذهب الاعتزال تارة، وتمذهبه بالشافعية اُخرى، وبالحنفية طوراً، وبالزيدية مرّة، وفي
القاذفين من يحمل عليه حقداً يريد تشويه سمعته بكل ما توحي إليه ضغاينه...الخ.
(3) ورد عجزه في بعض النسخ: فقلت خير الملأ الاّتين والاُول.
(4) في بعض النسخ: هذا القرم، وفي المناقب: الفرد.
(5) في المناقب وبعض النسخ: سِمْهُ، وفي بعضها: صِفْهُ.
(6) ديوان الصاحب بن عباد تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين، ص 38 ـ 47، الغدير للاَميني:
ج 4 ص 40 ـ 41، بتفاوت، كما ورد منها البيتان 26 و 27 في المناقب لابن شهر أشوب: ج 1
ص 99، والاَبيات 26 و 28 ـ 43 و 45 ـ 57 في المناقب: ج 2 ص 68 ـ 69. والجدير بالذكر
إنه يوجد للامية الصاحب بن عباد عدة نسخ خطية ـ كما ذكر ذلك العلامة المحقّق الشيخ محمد
حسن آل ياسين محقق ديوان الصاحب بن عباد في ص 16 ـ 17 جزاه الله خير الجزاء، ولا بأس
بالاشارة إليها، وهي: 1 ـ نسخة دار الكتب المصرية في القاهرة، برقم (16 ش تاريخ) وتقع في
ثلاث صفحات، وأسماها مفهرس دار الكتب (المنظومة الفريدة) وجاء في آخرها تمت وبالخير
عمت، الفريدة المشتملة على أفضل كل عقيدة، رحم الله منشئها، وغفر لكاتبها، وكان الفراغ من
زبرها ليلة الاَحد عاشور محرم الحرام سنة تسع وثمانين [وألف].
2 ـ نسخة ايطاليا المحفوظة بالمكتبة الاَمبروزيانية في ميلانو، ضمن مجموعة برقم (74
(ب) وآثار القدم بارزة عليها.
3 ـ شرح هذه القصيدة للقاضي شمس الدين جعفر بن أحمد البهلولي اليماني، وقد عُثر منها
على نسختين: الاُولى، نسخة المكتبة الامبروزيانية بميلانو ـ ايطاليا تحت رقم (205 س) في
(21) ورقة، وعليها تملك تاريخ 1113 هـ. الثانية، نسخة الخزانة التيمورية بالقاهرة، تحت رقم
(380 مجاميع) في (14) ورقة، وليس في آخرها تاريخ.