مسألة المسح على الأرجل في
الوضوء
مقدّمة:
لقد اختلف المسلمون في اُمور من
شؤون العقيدة وجوانب الشريعة، والمتتبع
لهذه الاختلافات، يلاحظ أن بعضها مما
يُتوقع ظهوره، لأن موضوعاتها متشابكة
ومعقّدة، وتنطوي على ملابسات كثيرة، بحيث
لا يتيسر لكل أحد من الناس الخوض فيها،
فإذا خاض فيها من ليس أهلاً لها، ظهر
الاختلاف والتبس الأمر على الناس، وخفيت
الحقيقة، مثل مسألة الجبر والتفويض،
ومسألة خلق القرآن، ومسألة المعاد
الجسماني، وأكثر مسائل العقيدة من هذا
النوع. فلو وقفت ظاهرة الاختلاف بين
المسلمين عند حد هذا النوع من المسائل
التي للخلاف فيها مناشئ مألوفة لما كانت
هذه الظاهرة مثيرة للاستفهام والتساؤل.
لكن المتتبع لها يجدها قد تجاوزت هذا الحد
ودخلت في اُمور يُستبعد فيها الخلاف،
كالخلاف في كيفية الوضوء، والخلاف في أن
البسملة جزء من السورة في الصلاة أم لا؟
والخلاف في حال اليدين أثناء الصلاة،
وأمثال ذلك من الاُمور التي كانت مورداً
لعمل النبي(صلى الله عليه وآله) بنحو
يوميٍّ متكرر وعلى مدى ثلاث وعشرين عاماً،
وبمرأى ومسمع من المسلمين، فإن الخلاف في
مثل هذه الاُمور يشكل ظاهرة غريبة تستحق
المزيد من البحث والتحقيق على الصعيد
التاريخي من أجل التوصل الى العامل
الحقيقي الذي كان وراء ظهور هذه
الاختلافات غير الطبيعية، ويشكل البحث
التاريخي فيها مقدمة ضرورية للبحث الفقهي.
ومسألة حكم الرِجلين في الوضوء
من حيث المسح أو الغسل من جملة هذه المسائل
التي يفترض وضوحها وعدم وقوع الخلاف فيها،
لكنها وخلافاً للمتوقع كانت معركة الآراء
بين الفقهاء، والمدارس الفقهية. بين قائل
بوجوب المسح ـ وهم الإمامية، وعليه ابن
عباس [1] ـ وقائل بوجوب الغسل ـ وهم
بعض أئمة أهل السنة [2] ـ وقائل
بالتخيير ـ كمحمد بن جرير الطبري، والحسن
البصري، فيما نقله الرازي وغيره عنهما [3]
ـ وقائل بوجوب الجمع بينهما في الوضوء،
وعليه داود بن علي الظاهري، والناصر للحق
من الزيدية [4] .