حكم أمير المؤمنين عليه السلام
باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام
ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله والكلام القصير الخارج في سائرأغراضه1 - قَال عليه السلام : كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ[1] ، لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ ، وَلاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ .
2 - وقَالَ عليه السلام : أَزْرَى[2] بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَشْعَرَ[3] الَّطمَعَ ، وَرَضِيَ بِالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ ضُرَّهُ ]عَنْ ضُرِّهِ[ ، وَهَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ[4] عَلَيْهَا لِسَانَهُ .
3 - وقال عليه السلام : الْبُخْلُ عَارٌ ، وَالْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ ، وَالفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ ، وَالْمُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ[5] .
4 - وقال عليه السلام : الْعَجْزُآفَةٌ ، وَالصَّبْرُ شَجَاعَةٌ ، وَالزُّهْدُ ثَرْوَةٌ ، وَالْوَرَعُ جُنَّةٌ[6] ، وَنِعْمَ الْقَرِينُ الرِّضَى .
5 - وقال عليه السلام : الْعِلْمُ وِرَاثَةٌ كَرِيمَةٌ ، وَالادابُ حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ ، وَالْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ .
6 - وقال عليه السلام : صَدْرُ الْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ ، وَالْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ[7]الْمَوَدَّةِ ، وَالاِحْتَِمالُ[8] قَبْرُ العُيُوبِ .
وروي أنّه عليه السلام قال في العبارة عن هذا المعنى أيضاً : المُسالَمَةُ خِبَاء[خَبءُ] الْعُيُوبِ .
7 - وقال عليه السلام : مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُ عَلَيْهِ ، والصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ ، وَأَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي عَاجِلِهِمْ ، نُصْبُ أَعْيُنِهِمْ فِي آجِلِهِمْ .
8 - وقال عليه السلام : اعْجَبُوا لِهذَا الاِْنْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْم[9] ، وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْم[10] ، وَيَسْمَعُ بِعَظْم[11] ، وَيَتَنَفَّسُ مِنْ [في] خَرْم ! !
9 - وقال عليه السلام : إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ ، وَإِذَا أَدبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .
10 - وقال عليه السلام : خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ .
11 - وقال عليه السلام : إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .
12 - وقال عليه السلام : أَعْجَزُ النَّاس مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاِْخْوَانِ ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .
13 - وقال عليه السلام : إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ[12] فَـلاَ تُنَفِّرُوا أَقْصَاهَا[13] بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .
14 - وقال عليه السلام : مَنْ ضَيَّعَهُ الاَْقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ[14] الاَْبْعَدُ .
15 - وقال عليه السلام : مَا كُلُّ مَفْتُون[15] يُعَاتَبُ[16] .
16 - وقال عليه السلام : تَذِلُّ الاُْمُورُ لِلْمَقَادِيرِ ، حَتَّى يَكُونَ الْحَتْفُ[17]فِي التَّدْبِيرِ .
17 - وسئل عليه السلام عن قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - «غَيِّرُوا الشَّيْبَ[18] ،وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» ، فَقَال عليه السلام : إِنَّمَا قَالَ صلى الله عليه وآله وسلم ذلِكَوَالدِّينُ قُلٌّ[19] ، فَأَمَّا الانَ وَقَدِ اتَّسَعَ نِطَاقُهُ[20] ، وَضَرَبَ بَجِرَانِهِ[21] ، فَامْرُؤٌ وَمَا اخْتَارَ .
18 - وقال عليه السلام في الذين اعتزلوا القتال معه : خَذَلُوا الْحَقَّ ، وَلَمْ يَنْصُرُوا الْبَاطِلَ .
19 - وقال عليه السلام : مَنْ جَرَى فِي عِنَانِ[22] أَمَلِهِ عَثَرَ بِأَجَلِهِ[23] .
20 - وقال عليه السلام : أَقِيلُوا ذَوِي الْمُرُوءَاتِ عَثَرَاتِهِمْ[24] ، فَمَا يَعْثُرُ مِنْهُمْ عَاثِرٌ إِلاَّ وَيَدُ اللهِ ]بِيَدِهِ يَدُهُ بِيَدِ الله[ يَرْفَعُهُ .
21 ـ وقال عليه السلام : قُرِنَتِ الْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ[25] ، وَالْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ[26] ، وَالْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ، فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ .
22 - وقال عليه السلام : لَنَا حَقٌّ ، فَإِنْ أُعْطِينَاهُ ، وَإِلاَّ رَكِبْنَا أَعْجَازَ الاِْبِلِ ، وَإِنْ طَالَ السُّرَى .
قال السيد الشريف الرضي رضي الله عنه : وهذا من لطيف الكلام وفصيحه ، ومعناه : أنّا إن لم نعط حقّنا كنا أذلاّء . وذلك أن الرديف يركب عجُزَ البعير ، كالعبد والاسير ومن يجري مجراهما .
23 - وقال عليه السلام : مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ .
24 - وقال عليه السلام : مِنْ كَفَّارَاتِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ ، وَالتَّنْفِيسُ عَن الْمكْرُوبِ .
25 - وقال عليه السلام : يَابْنَ آدَمَ ، إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يُتَابِـعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ .
26 - وقال عليه السلام : مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ ، وصَفَحَاتِ وَجْهِهِ .
27 - وقال عليه السلام : امْش بِدَائِكَ مَا مَشَى بِكَ[27] .
28 - وقال عليه السلام : أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّهْدِ .
29 - وقال عليه السلام : إِذَا كُنْتَ فِي إِدْبـَار[28] ، وَالْمَوْتُ فِي إِقْبَال[29] ، فَمَا أسْرَعَ الْمُلْتَقَى !
30 - وقال عليه السلام : الْحَذَرَ الْحَذَرَ ! فَوَ اللهِ لَقَدْ سَتَرَ ، حتَّى كَأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ .
31 - وسُئِلَ عليه السلام عَنِ الاْيِمَانِ ، فَقَالَ : الاِْيمَانُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ : عَلَى الصَّبْرِ ، والْيَقِينِ ، وَالْعَدْلِ ، وَالْجِهَادِ .
وَالصَّبْرُ مِنْهَا عَلَى أَربَعِ شُعَب : عَلَى الشَّوْقِ ، وَالشَّفَقِ[30] ، وَالزُّهْدِ ، والتَّرَقُّبِ : فَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةِ سَلاَ عَنِ الشَّهَوَاتِ ; وَمَنْ أشْفَقَ مِنَ النَّارِ اجْتَنَبَ المُحَرَّمَاتِ ; وَمَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا اسْتَهَانَ بِالْمُصِيبَاتِ ; وَمَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ سَارَعَ إِلَى الْخَيْرَاتِ .
وَالْيَقِينُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَب : عَلَى تَبْصِرَةِ الْفِطْنَةِ ، وَتَأَوُّلِ الْحِكْمَةِ[31] ، وَمَوْعِظَةِ الْعِبْرَةِ[32] ، وَسُنَّةِ[33] الاَْوَّلِينَ . فَمَنْ تَبَصَّرَ فِي الْفِطْنَةِ تَبَيَّنَتْ لَهُ الْحِكْمَةُ ; وَمَنْ تَبَيَّنَتْ لَهُ الْحِكْمَةُ عَرَفَ الْعِبْرَةَ ; وَمَنْ عَرَفَ الْعِبْرَةَ فَكَأَنَّمَا كَانَ فِي الاَْوَّلِينَ .
وَالْعَدْلُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَب : عَلَى غائِص الْفَهْمِ ، وَغَوْرِ الْعِلْمِ[34] ; وَزُهْرَةِ الْحُكْمِ[35] ; وَرَسَاخَةِ الْحِلْمِ ، فَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ ; وَمَنْ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ صَدَرَ عَنْ شَرَائِعِ الْحُكْمِ[36] ; وَمَنْ حَلُمَ لَمْ يُفَرِّطْ فِي أَمْرِهِ وَعَاشَ فِي النَّاس حَمِيداً .
وَالْجِهَادُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَب : عَلَى الاَْمْرِ بالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَالصِّدْقِ فِي الْمَوَاطِنِ[37] ، وَشَنَآنِ[38] الْفَاسِقِينَ : فَمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظُهُورَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَنْ نَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ أَرْغَمَ أُنُوفَ الْكَافِرِينَ ; وَمَنْ صَدَقَ فِي الْمَوَاطِنِ قَضَى مَا عَلَيْهِ ; وَمَنْ شَنِىءَ الْفَاسِقِينَ وَغَضِبَ للهِ ، غَضِبَ اللهُ لَهُ وَأَرْضَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَالْكُفْرُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ : عَلَى التَّعَمُّقِ[39] ، وَالتَّنَازُعِ ، وَالزَّيْغِ[40] ، وَالشِّقَاقِ[41] : فَمَنْ تَعَمَّقَ لَمْ يُنِبْ[42] إِلَى الْحَقِّ ; وَمَنْ كَثُرَ نِزَاعُهُ بِالْجَهْلِ دَامَ عَمَاهُ عَنِ الْحَقِّ ; وَمَنْ زَاغَ سَاءَتْ عِنْدَهُ الْحَسَنَةُ ، وَحَسُنَتْ عِنْدَهُ السَّيِّئَةُ ، وَسَكِرَ سُكْرَ الضَّلاَلَةِ ; وَمَنْ شَاقَّ وَعُرَتْ[43] عَلَيْهِ طُرُقُهُ ، وَأَعْضَلَ[44] عَلَيْهِ أَمْرُهُ ، وَضَاقَ عَلَيْهِ مَخْرَجُهُ .
وَالشَّكُّ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبِ : عَلَى: الَّتمَارِي[45] ، وَالْهَوْلِ[46] ، وَالتَّرَدُّدِ[47]وَالاْسْتِسْلاَمِ[48] فَمَنْ جَعَلَ الْمِرَاءَ[49] دَيْدَناً[50] لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُهُ[51] ; وَمَنْ هَالَهُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ[52] ; وَمَنْ تَرَدَّدَ فِي الرَّيْبِ[53] وَطِئَتْهُ سَنَابِكُ الشَّيَاطِينِ[54] ; وَمَنِ اسْتَسْلَمَ لِهَلَكَةِ الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ هَلَكَ فِيهِمَا .
قال السيد الشريف الرضي رضي الله عنه : وبعد هذا كلامٌ تركنا ذكره خوف الاطالة والخروج عن الغرض المقصود في هذا الكتاب .
32 - وقال عليه السلام : فَاعِلُ الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنْهُ ، وَفَاعِلُ الشَّرِّ شَرٌّ مِنْهُ .
33 - وقال عليه السلام : كُنْ سَمِحاً[55] وَلاَ تَكُنْ مُبَذِّراً ، وَكُنْ مُقَدِّراً[56]وَلاَ تَكُنْ مُقَتِّراً[57] .
34 - وقال عليه السلام : أَشْرَفُ الْغِنَى تَرْكُ الْمُنَى[58] .
35 - وقال عليه السلام : مَنْ أَسْرَعَ إِلَى النَّاس بِمَا يَكْرَهُونَ ،قَالُوا فِيهِ بِمَا لاَ يَعْلَمُونَ .
36 - وقال عليه السلام : مَنْ أَطَالَ الاَْمَلَ[59] أَسَاءَ الْعَمَلَ .
37 - وقال عليه السلام وقد لقيه عند مسيره إلى الشام دهاقين الانبار[60] ، فترجلوا له[61] واشتدوا بين يديه[62] ، فقال عليه السلام :
مَا هذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ ؟ فقالوا : خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا ، فقال : وَاللهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهذَا أُمَرَاؤُكُمْ ! وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ[63] عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ ، وَتَشْقَوْنَ[64]بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ . وَمَا أخْسَرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ ، وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ[65] مَعَهَا الاَْمَانُ مِنَ النَّارِ !
38 - وقال عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام :
يَابُنَيَّ ، احْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً ، وَأَرْبَعاً ، لاَ يَضُرَّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ : إِنَّ أَغْنَى الْغِنَى الْعَقْلُ ، وَأَكْبَرَ الْفَقْرِ الْحُمْقُ ، وَأَوحَشَ الْوَحْشَةِ الْعُجْبُ[66] ، وَأَكْرَمَ الْحَسَبِ حُسْنُ الْخُلُقِ .
يَا بُنَيَّ ، إِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الاَْحْمَقِ ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرَّكَ ; وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْبَخِيلِ ، فَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَنْكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ ; وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْفَاجِرِ ، فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِالتَّافِهِ[67] ; وإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْكَذَّابِ ، فَإِنَّهُ كَالسَّرَابِ[68] : يُقَرِّبُ عَلَيْكَ الْبَعِيدَ ، وَيُبَعِّدُ عَلَيْكَ الْقَرِيبَ .
39 - وقال عليه السلام : لاَ قُرْبَةَ بِالنَّوَافِلِ[69] إِذَا أَضَرَّتْ بِالْفَرَائِض .
40 - وقال عليه السلام : لِسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِهِ ، وَقَلْبُ الاَْحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِهِ .
قال السيد الشريف الرضي رضي الله عنه : وهذا من المعاني العجيبة الشريفة ، والمراد به أن العاقل لا يطلق لسانه ، إلاّ بعد مشاورة الروية ومؤامرة الفكرة . والاحمق تسبق حذفاتُ لسانه[70] وفلتاتُ كلامه مراجعةَ فكره[71] ، ومماخضة رأية[72] . فكأن لسان العاقل تابع لقلبه ، وكأن قلب الاحمق تابع للسانه .
41 - وقد روي عنه عليه السلام هذا المعنى بلفظ آخر ، وهو قوله :
قَلبُ الاَْحْمَقِ فِي فِيهِ ، وَلِسَانُ الْعَاقِلِ فِي قَلْبِهِ .
ومعناهما واحد .
42 - وقال عليه السلام لبعض أَصحابه في علة اعتلها : جَعَلَ اللهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حطّاً لِسَيِّئَاتِكَ ، فَإِنَّ الْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ ، وَلكِنَّهُ يَحُطُّ السَّيِّئَاتِ ، وَيَحُتُّهَا حَتَّ[73] الاَْوْرَاقِ . وَإِنَّمَا الاْجْرُ فِي الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ ، وَالْعَمَلِ بِالاَْيْدِي وَالاَْقْدَامِ ، وَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَالسَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عَبَادِهِ الْجَنَّةَ .
قال السيد الشريف الرضي رضي الله عنه : وأقول صدق عليه السلام ، إن المرض لا أجر فيه ، لانه ليس من قبيل ما يستحق عليه العوض ، لان العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل الله تعالى بالعبد ، من الالام والامراض ، وما يجري مجرى ذلك . والاجر والثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد ، فبينهما فرق قد بينه عليه السلام ، كما يقتضيه علمه الثاقب ورأيه الصائب .
43 - وقال عليه السلام في ذكر خباب بن الاَرتّ : يَرْحَمُ اللهُ خَبَّابَ بْنَ الاَْرَتِّ ، فَلَقَدْ أَسْلَمَ رَاغِباً ، وَهَاجَرَ طَائِعاً ، وَقَنِعَ بالْكَفَافِ[74] ، وَرَضِيَ عَنِ اللهِ ، وَعَاشَ مُجَاهِداً .
44ـ وقال عليه السلام : طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ الْمَعَادَ ، وَعَمِلَ لِلْحِسَابِ ، وَقَنِعَ بِالْكَفَافِ ، وَرَضِيَ عَنِ اللهِ .
45 - وقال عليه السلام : لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ[75] الْمُؤْمِنِ بِسَيْفِي هذَا عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَا أَبْغَضَنِي ; وَلَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا[76] عَلَى الْمُنَافِقِ عَلَى أَنْ يُحِبَّنِي مَا أَحَبَّنِي . وَذلِكَ أَنَّهُ قُضِيَ فَانْقَضَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الاُْمِّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ; أَنَّهُ قَالَ : «يَا عَلِيُّ ، لاَ يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يُحِبُّكَ مَُنَافِقٌ» .
46 - وقال عليه السلام : سَيِّئَةٌ تَسُوءُكَ خَيْرٌ عِنْدَ اللهِ مِنْ حَسَنَة تُعْجِبُكَ .
47 - وقال عليه السلام : قَدْرُ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ ، وَصِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ ، وَشَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ ، وَعِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ .
48 - وقال عليه السلام : الظَّفَرُ بالْحَزْمِ ، وَالْحَزْمُ بِإِجَالَةِ الرَّأَيِ ، وَالرَّأَيُ بِتَحْصِينِ الاَْسْرَارِ .
49 - وقال عليه السلام : احْذَرُوا صَوْلَةَ الْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ ، واللَّئِيمِ إِذَا شَبِـعَ .
50 - وقال عليه السلام : قُلُوبُ الرِّجَالِ وَحْشِيَّةٌ ، فَمَنْ تَأَلَّفَهَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ .
يتبع
[1] ابن اللَبون - بفتح اللام وضم الباء - ابن الناقة إذا استكمل سنتين .
[2] أزْرَى بها : حَقَرَها .
[3] اسْتَشْعَرَه : تبطّنَه وتخلّق به .
[4] أمّرَ لسانَه : جعله أميراً .
[5] المُقِلّ - بضم فكسر وتشديد اللام - الفقير .
[6] الجُنّة - بالضم - : الوقاية .
[7] الحِبَالَة - بكسر الحاء ، بزِنَة كِتابة - : شَبَكَة الصيد ، ومثله الاحْبُول والاحْبُولَة - بضم الهمزة فيهما - وتقول : حَبَلَ الصيدَ واحْتَبَلَهُ ، إذا أخذه بها .
[8] الاحتمال : تحمّل الاذى .
[9] «يَنْظُرُ بشحْم» : يريد بالشحم شَحْم الحدقة .
[10] «يتَكلّم بلحم» : يريد باللحم : اللسان .
[11] «يَسْمَع بعظْم» : يريد عظام الاذن يضربها الهواء فتقرع عصب الصماخ فيكون السماع .
[12] أطْرَاف النِّعَم : أوائلها .
[13] أقْصاها : أبعدها ، والمراد آخرها .
[14] أُتِيح له : قُدّر له .
[15] المَفْتُون : الداخل في الفتنة .
[16] عاتب عتاباً ومعاتبةً على كذا : اي لامَه .
[17] الحَتْف - بفتح فسكون - : الهلاك .
[18] غَيِّرُوا الشّيْبَ : يريد تغييره بالخِضاب ليراهم الاعداء كُهولاً أقوياء .
[19] قُلّ - بضم القاف - : أي قليل أهله .
[20] النِطَاق - ككتاب - : الحِزام العريض ، واتساعه كناية عن العظم والانتشار .
[21] الجِرَان - على وزن النِطاق - : مقدّم عُنُق البعير يضرب به على الارض إذا استراح وتمكن .
[22] العِنان - ككتاب - : سِير اللجام تُمْسك به الدابة .
[23] «عَثرَ بأجَلِه» : المراد أنه سقط في أجَلِهِ بالموت قبل أن يبلغ ما يريد .
[24] العَثْرَة : السَقْطَة ، وإقالة عَثْرَتِه : رَفْعُهُ من سقطته . والمُرُوءة - بضم الميم - : صفة للنفس تحملها على فعل الخير لانه خير .
[25] قُرِنَتِ الهَيْئة بالخَيْبَة : أي من تهيّب أمراً خاب من إدراكه .
[26] الحَيَاء بالحِرْمَان : أي من أفرط به الخجل من طلب شيء حُرِم منه .
[27] «امْشِ بدائِكَ» : أي ما دام الداء سهل الاحتمـال يمكنك معه العمـل في شؤونك فاعمل ، فان أعياك فاسترح له .
[28] «الادبار» : نقيض الاقبال .
[29] «الموت في إقْبَال» أي : توجه إليك بعد أن تركته خلفك .
[30] الشّفَق - بالتحريك - : الخوف .
[31] تأوّل الحكمة : الوصول إلى دقائقها .
[32] العِبْرَة : الاعتبار والاتعاظ .
[33] سُنّة الاوّلين : طريقتهم وسيرتهم .
[34] غَوْر العلم : سرّه وباطنه .
[35] زُهْرَة الحكم - بضم الزاي - : أي حُسْنه .
[36] الشرائع - جمع شريعة - : أصلها مورد الشاربة ، والمراد هنا الظاهر المستقيم من المذاهب ، و «صدر عنها» :أي رجع عنها بعد ما اغترف ليفيض على الناس مما اغترف فيحسن حكمه .
[37] «الصدق في المَوَاطِن» : مواطن القتال في سبيل الحق .
[38] الشَنَآن - بالتحريك - : البغض .
[39] التَعَمّق : الذهاب خلف الاوهام على زعم طلب الاسرار .
[40] الزَيْغ : الحَيَدَان عن مذاهب الحق والميل مع الهوى الحيواني .
[41] الشِقَاق : العِناد .
[42] «لم يُنِبْ» : أي لم يرجع ، أناب يُنِيب : رجع .
[43] وَعُرَ الطريقُ : كَكَرُمَ ووعد وولع : خَشُنَ ولم يسهل السير فيه .
[44] أعْضَلَ : اشتدّ وأعجزت صعوبته .
[45] الَتمَارِي : التجادُل لاظهار قوة الجدل لا لاحقاق الحق .
[46] الهَوْل - بفتح فسكون - : مخافتك من الامر لا تدري ما هجم عليك منه فتدهش .
[47] الترَدّد : انتقاض العزيمة وانفساخها ثم عودها ، ثم انفساخها .
[48] الاسْتِسْلام : إلقاء النفس في تيار الحادثات .
[49] المِرَاء - بكسر الميم - : الجدال .
[50] الدَيْدَن : العادة .
[51] «لم يصبح ليله» : أي لم يخرج من ظلام الشك إلى نهار اليقين .
[52] نَكَصَ على عَقِبَيْه : رجع متقهقراً .
[53] الرَيْب : الظنّ ، أي الذي يتردد في ظنه ولا يعقد العزيمة في أمره .
[54] سَنَابِكُ الشياطين ـ جمع سُنْبُك بالضم ـ : وهو طَرَف الحافر ، ووطئته : داسته . أي تستنزله شياطين الهوى فتطرحه في الهَلَكة .
[55] «كن سَمِحاً» : اي كن من اهل الجود ، ولكن لا تكن مسرفاً .
[56] المُقَدّر : المُقْتَصِد ، كأنه يقدّر كل شيء بقيمته فينفق على قدره .
[57] المُقَتّر : المُضَيّق في النفقة ، كأنه لا يعطي إلاّ القتر ، أي الرمقة من العيش .
[58] المُنى ـ جمع مُنْيَة ـ : وهي ما يتمناه الانسان لنفسه ، وفي تركها غنى كامل ، لان من زهد شيئاً استغنى عنه .
[59] طول الامَل : الثقة بحصول الاماني بدون عمل لها .
[60] الدَهَاقِين ـ جمع دِهْقان ـ : وهو زعيم الفلاحين في العَجَم . والانْبار من بلاد العراق .
[61] «تَرَجّلُوا» أي نزلوا عن خيولهم مُشاةً .
[62] اشتدّوا : أسرعوا .
[63] تَشُقُّون - بضم الشين وتشديد القاف - : من المشقّة .
[64] تَشْقَوْن الثانية - بسكون الشين - : من الشَقَاوَة .
[65] الدَعَة - بفتحات - : الراحة .
[66] العُجْب - بضم فسكون - الاعجاب بالنفس ومن أعجب بنفسه مقته الناس ، فلم يكن له أنيس وبات في وحشة دائمة .
[67] التافه : القليل .
[68] السَرَاب : ما يراه السائر الظمآن في الصحراء فيحسبه ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .
[69] النوافِل : جمع نافلة . وهي ما يتطوع به من الاعمال الصالحات زيادة على الفرائض المكتوبة . والمراد أن المتطوّع بما لم يكتب عليه لا يقربه إلى الله تطوّعه إذا قصّر في أداء الواجب .
[70] حَذَفَاتُ اللسان : ما يلقيه الاحمق من العبارات العَجْلَى بدون روية ولا تفكير .
[71] مراجَعَة الفِكر أي : التروي فيما سبق به اللسان .
[72] مُمَاخَضَة الرأي : تحريكه حتى يظهر زُبْده ، وهو الصواب .
[73] حَتّ الورق عن الشجرة : قَشْرُهُ والصبر على العلّة : رجوع إلى الله واستسلام لقدره ، وفي ذلك خروج اليه من جميع السيئات وتوبة منها ، لهذا كان يَحُتّ الذنوب .
[74] الكَفَاف : العيش الوسط الذي يكفي الانسان حاجاته الاصلية .
[75] الخَيْشُوم : أصل الانف .
[76] الجمّات ـ جمع جَمّة - بفتح الجيم - وهو من السفينة مُجْتَمَعُ الماء المترشّح من ألواحها ، والمراد لو كفأت عليهم الدنيا بجليلها وحقيرها .