ومن خطبة له عليه السلام
في مدح الرسول الاكرم صلى الله عليه وآلهوالتحذير من الفتن
) وَأَحْمَدُ اللهَ( وَأَسْتَعِينُهُ
عَلَى مَدَاحِرِ [1920] الشَّيْطَانِ
وَمَزَاجِرِهِ وَالاِعْتِصَامِ مِنْ
حَبَائِلِهِ وَمَخَاتِلِهِ [1921] . ) وَأَشْهَدُ
أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ( وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ،
وَنَجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ .لاَ يُوازَى
فَضْلُهُ ، وَلاَ يُجْبَرُ فَقْدُهُ
أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلاَدُ بَعْدَ
الضَّلاَلَةِ الْمُظلمَةِ ، وَالْجَهَالَةِ
الْغَالِبَةِ ، وَالْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ;
وَالنَّاسُ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيمَ ،
وَيَسْتَذِلُّونَ الْحَكِيمَ ;
يَحْيَوْنَ عَلَى فَتْرَة [1922] ، وَيَمُوتُونَ
عَلَى كَفْرَةِ ! ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ
الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلاَيَا قَدِ
اقْتَرَبَتْ . فَاتَّقُوا سَكَرَاتِ
النِّعْمَةِ ، وَاحْذَرُوا بَوَائِقَ [1923]
النِّقْمَةِ ، وَتَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ
الْعِشْوَةِ [1924] ، وَاعْوِجَاجِ
الْفِتْنَةِ عِنْدَ طُلُوعِ جَنِينِهَا ،
وَظُهُورِ كَمِينِهَا ، وَانْتِصَابِ
قُطْبِهَا ، وَمَدَارِ رَحَاهَا تَبْدَأُ ) تبدو(
فِي مَدَارِجَ ، خَفِيَّة ، وَتَؤُولُ إِلَى
فَظَاعَة جَلِيَّة . شِبَابُهَا [1925]
كَشِبَابِ الْغُـلاَمِ ، وَآثَارُهَا
كَآثَارِ السِّلاَمِ [1926] ، يَتَوَارَثُهَا
الظَلَمَةُ بالْعُهُودِ ! أَوَّلُهُمْ
قَائِدٌ لاِخِرِهِمْ ، وَآخِرُهُمْ مُقْتَد
بأَوَّلِهِمْ; يَتَنَافَسُونَ في دُنيَا
دَنِيَّة ، وَيَتَكَالَبُونَ عَلَى
جِيفَة مُرِيحَة [1927] . وَعَنْ قَلِيل
يَتَبَرَّأُ التَّابِعُ مِنَ المَتُبوعِ ،
وَالْقَائِدُ مِنَ الْمَقُودِ ،
فَيَتَزَايَلُونَ [1928] بالْبِغْضَاءِ ،
وَيَتَلاَعَنُونَ عِنْدَ اللِّقَاءِ .ثُمَّ
يَأتِي بَعْدَ ذلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ
الرَّجُوفِ [1929] ، وَالْقَاصِمَةِ [1930]
الزَّحُوفِ ، فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعْدَ
اسْتِقَامَة ، وَتَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ
سَلاَمَة; وَتَخْتَلِفُ الاَهْوَاءُ عِنْدَ
هُجُومِهَا ، وَتَلْتَبِسُ الاْرَاءُ عِنْدَ
نُجُومِهَا [1931] . مَنْ أَشْرَفَ
لَهَا قَصَمَتْهُ ، وَمَنْ سَعَى فِيهَا
حَطَمَتْهُ; يَتَكَادَمُونَ [1932] فِيهَا
تَكَادُمَ الْحُمُرِ فِي الْعَانَةِ [1933]
! قَدِ اضْطَرَبَ مَعْقُودُ الْحَبْلِ ،
وَعَمِيَ وَجْهُ الاَْمْرِ . تَغِيضُ [1934]
فِيهَا الْحِكْمَةُ ، وَتَنْطِقُ فِيهَا
الظَلَمَةُ ، وَتَدُقُّ [1935] أَهْلَ الْبَدْوِ
بِمِسْحَلِهَا [1936] ،
وَتَرُضُّهُمْ [1937] بِكَلْكَلِهَا [1938]
! يَضِيعُ فِي غُبَارِهَا الْوُحْدَانُ [1939]
، وَيَهْلِكُ فِي طَرِيقِهَا الرُّكْبَانُ ;
تَرِدُ بِمُرِّ الْقَضَاءِ ، وَتَحْلُبُ
عَبِيطَ الدِّمَاءِ [1940] ، وَتَثْلِمُ
مَنَارَ الدِّينِ [1941] ، وَتَنْقُضُ
عَقْدَ الْيَقِينِ . تَهْرُبُ ) يَهرُبُ(
مِنْهَا الاَكْيَاسُ [1942] ، وَتُدَبِّرُهَا ) يُدَبِّرُهَا(
الاَْرْجَاسُ [1943] ، مِرْعَادٌ
مِبْرَاقٌ ، كَاشِفَةٌ عَنْ سَاق ! تُقْطَعُ
فِيهَا الاَرْحَامُ ، وَيُفَارَقُ عَلَيْهَا
الاِسْلاَمُ ! بَرِيُّهَا سَقِيمٌ ،
وَظَاعِنُهَا مُقِيمٌ !
منها :
بَيْنَ قَتِيل مَطْلُول [1944] ،
وَخَائِف مُسْتَجِير ، يَخْتِلُونَ [1945]
بِعَقْدِ الاَيْمَانِ وَبِغُرُورِ
الاِْيمَانِ; فَـلاَ تَكُونُوا أَنْصَابَ [1946]
الْفِتَنِ ، وَأَعْلاَمَ الْبِدَعِ ;
وَالْزَمُوا مَا عُقِدَ عَلَيْهِ حَبْلُ
الْجَمَاعَةِ ، وَبُنِيَتْ عَلَيْهِ
أَرْكَانُ الطَّاعَةِ; وَاقْدَمُوا عَلَى
اللهِ مَظلُومِينَ ، وَلاَتَقْدَمُوا
عَلَيْهِ ظَالِمِينَ; وَاتَّقُوا مَدَارِجَ
الشَّيْطَانِ وَمَهَابِطَ الْعُدْوَانِ ;
وَلاَتُدْخِلُوا بُطُونَكُمْ لُعَقَ [1947]
الْحَرَامِ ، فَإِنَّكُمْ بِعَيْنِ [1948] مَنْ
حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَعْصِيَةَ ،
وَسَهَّلَ لَكُمْ سُبُلَ الطَّاعَةِ .
ومن خطبة له عليه السلام
في صفات الله جل جلاله ، وصفات أئمة الدينالْحَمْدُ لله الدَّالِّ عَلَى
وَجُودِهِ بِخَلْقِهِ ، وَبِمُحْدَثِ
خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِيَّته;
وَبِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لاَ شَبَهَ
لَهُ . لاَ تَسْتَلِمُهُ [1949] الْمَشَاعِرُ ،
وَلاَ تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ ،
لاِفْتِرَاقِ الصَّانِعِ وَالْمَصْنُوعِ ،
وَالْحَادِّ وَالمحْدُودِ ، وَالرَّبِّ
وَالْمَرْبُوبِ ; الاَْحَدِ بِـلاَ
تَأْوِيلِ عَدَد ، وَالْخَالِقِ لاَ
بِمَعْنى حَرَكَة وَنَصَب [1950] ، وَالسَّمِيعِ
لاَ بِأَدَاة [1951] ، وَالْبَصِيرِ
لاَ بِتَفْرِيقِ آلَة [1952] ، وَالشَّاهِدِ
لاَ بِمُمَاسَّة ، وَالْبَائِنِ [1953] لاَ
بِتَرَاخِي مَسَافَة ، وَالظَّاهِرِ لاَ
بِرُؤْيَة ، وَالْبَاطِنِ لاَ بَلَطَافَة .
بَانَ مِنَ الاَْشْيَاءِ بالْقَهْرِ لَهَا ،
وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا ، وَبَانَتِ
الاَْشْيَاءُ مِنْهُ بِالْخُضُوعِ لَهُ ،
وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ . مَنْ وَصَفَهُ
فَقَدْ حَدَّهُ [1954] ، وَمَنْ حَدَّهُ
فَقَدْ عَدَّهُ ، وَمَنْ عَدَّهُ فَقَدْ
أَبْطَلَ أَزَلَهُ ، وَمَنْ قَالَ : كَيْفَ؟
فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ ، وَمَنْ قَالَ :
أَيْنَ؟ فَقَدْ حَيَّزَهُ . عَالِمٌ إِذْ لاَ
مَعْلُومٌ ، وَرَبٌّ إِذْ لاَ مَرْبُوبٌ ،
وَقَادِرٌ إِذْ لاَ مَقْدُورٌ .
أئمة الدين
منها : قَدْ طَلَعَ طَالِعٌ ، وَلَمَعَ
لاَمِعٌ ، وَلاَحَ [1955] لاَئِحٌ ،
وَاعْتَدَلَ مَائِلٌ; وَاسْتَبْدَلَ اللهُ
بِقَوْم قَوْماً ، وَبِيَوم يَوْماً;وَانْتَظَرْنَا
الْغِيَرَ [1956] انْتِظَارَ
الُْمجْدِبِ الْمَطَرَ . وَإِنَّمَا
الاَئِمَّةُ قُوَّامُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ
، وَعُرَفَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ; وَلاَ
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَهُمْ
وَعَرَفُوهُ ، وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ
إِلاَّ منْ أَنْكَرَهُمْ وَأَنْكَرُوهُ .
إِنَّ اللهَ تَعَالَى خَصَّكُمْ
بِالاِْسْلاَمِ ، وَاسْتَخْلَصَكُمْ لَهُ ،
وَذلِكَ لاَِنَّهُ اسْمُ سَلاَمَة ،
وَجِمَاعُ [1957] كَرَامَة .
اصْطَفَى اللهُ تَعَالَى مَنْهَجَهُ ،
وَبَيَّنَ ، حُجَجَهُ ، مِنْ ظَاهِرِ عِلْم ،
وَبَاطِنِ حِكَم .لاَ تَفْنَى غَرَائِبُهُ ،
وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ . فِيهِ
مَرَابِيعُ النِّعَمِ [1958] ، وَمَصَابِيحُ
الظُّلَمْ ، لاَ تُفْتَحُ الْخَيْرَاتُ
إِلاَّ بِمَفَاتِيحِهِ ، وَلاَ تُكْشَفُ
الظُّلُماتُ إِلاَّ بِمَصَابِيحِهِ . قَدْ
أَحْمَى حِمَاهُ [1959] ، وَأَرْعَى
مَرْعَاهُ . فِيهِ شِفَاءُ المُشتَفِي ) الْمُسْتَشْفِي(
، وَكِفَايَةُ الْمُكْتَفِي .
ومن خطبة له عليه
السلام
صفة الضال
وَهُوَ فِي مُهْلَة مَنَ اللهِيَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ ، وَيَغْدُو
مَعَ الْمُذْنِبِينَ ، بلاَ سَبِيل قَاصِد ،
وَلاَ إِمَام قَائِد .
صفات الغافلين
منها : حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَهُمْعَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ ،
وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلاَبِيبِ
غَفْلَتِهِمُ اسستَقْبَلُوا مُدْبِراً ،
وَاسْتَدْبَرُوا مُقْبِلاً فَلَمْ
يَنْتَفِعُوا بَمَا أَدْرَكُوا منْ
طَلِبَتِهِمْ ، وَلاَبِمَا قَضَوْا مِنْ
وَطَرِهِمْ . وإِنِّي أُحَذِّرُكُمْ ،
وَنَفْسِي ، هذِهِ الْمَنْزِلَةَ .
فَلْيَنْتَفِعِ امْرُؤٌ بِنَفْسِهِ ،
فَإِنَّمَا الْبَصِيرٌ مَنْ سَمِعَ
فَتَفَكَّرَ ، وَنَظَرَ فَأَبْصَرَ ،
وَانْتَفَعَ بِالْعِبَرِ ، ثُمَّ سَلَكَ
جَدَداً وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيهِ
الصَّرْعَةَ فِي الْمَهَاوِي ، وَالضَّلاَلَ
فِي الْمَغَاوِي [1960] وَلاَ يُعِينُ
عَلَى نَفْسِهِ الْغُوَاةَ بِتَعَسُّف فِي
حَقٍّ ، أَوْ تَحْرِيف فِي نُطْق ، أَوْ
تَخَوُّف مِنْ صِدْق .
عظة الناس
فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْسَكْرَتِكَ ، وَاسْتَيْقِظْ مِنْ غَفْلَتِكَ
، وَاخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ ، وَأَنْعِمِ
الْفِكْرَ فِيَما جَاءَكَ عَلَى لِسَانِ
النَّبِيِّ الاُْمِّيِّ ـ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ مِمَّا لاَ
بُدَّ مِنْهُ وَلاَ مَحِيصَ عَنْهُ ;
وَخَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذلِكَ إِلَى
غَيْرِهِ ، وَدَعْهُ وَمَا رَضِيَ
لِنَفْسِهِ ; وَضَعْ فَخْرَكَ ، وَاحْطُطْ
كِبْرَكَ ، وَاذْكُرْ قَبْرَكَ ، فَإِنَّ
عَلَيْهِ مَمَرَّكَ ، وَكَمَا تَدِينُ
تُدَانُ ، وَكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ ، وَمَا
قَدَّمْتَ الْيَوْمَ تَقْدَمُ عَلَيْهِ
غَداً ، فَامْهَدْ [1961] لِقَدَمِكَ ،
وَقَدِّمْ لِيَوْمِكَ . فَالْحَذَرَ
الْحَذَرَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ !
وَالْجِدَّ الْجِدَّ أَيَّهَا الْغَافِلُ ! (وَلاَ
يُنَبِّؤكَ مِثْلُ خَبِير) [1962] .
إِنَّ مِنْ عَزَائِمِ اللهِ فِي
الذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، الَّتِي عَلَيْهَا
يُثِيبُ وَيُعَاقِبُ وَلَهَا يَرْضَى
وَيَسْخَطُ ، أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ عَبْداً ـ
وَإِنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ ، وَأَخْلَصَ
فِعْلَهُ ـ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا ،
لاَقِياً رَبَّهُ بِخَصْلَة مِنْ هذِهِ
الْخِصَال لَمْ يَتُبْ مِنْهَا : أَنْ
يُشْرِكَ بِالله فِيَما افْتَرَضَ عَلَيْهِ
مِنْ عِبَادَتِهِ ، أَوْ يَشْفِيَ غَيْظَهُ
بِهَلاَك نَفْس ، أَوْ يَعُرَّ [1963] بِأَمْر
فَعَلَهُ غَيْرُهُ ، أَوْ يَسْتَنْجِحَ [1964]
حَاجَةً إِلَى النَّاس بِإِظْهَارِ بِدْعَة
فِي دِينِهِ ، أَوْ يَلْقَى النَّاسَ
بِوَجْهَيْنِ ، أَوْ يَمْشِيَ فِيهِمْ
بِلِسَانَيْنِ .اعْقِلْ ذلِكَ فَإِنَّ
الْمِثْلَ دَلِيلٌ عَلَى شِبْهِهِ .
إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمُّهَا
بُطُونُهَا ; وَإِنَّ السِّبَاعَ هَمُّهَا
الْعُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا; وَإِنَّ
النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِينَةُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَالْفَسَادُ فِيهَا ; إِنَّ
الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَكِينُونَ [1965] . إِنَّ
الْمُؤْمِنينَ مُشْفِقُونَ . إِنَّ
الْمُؤْمِنينَ خَائِفُونَ .
ومن خطبة له عليه السلام
يذكر فيها فضائل أهل البيت:وَنَاظِرُ قَلْبِ [1966] اللَّبِيبِ بِهِ
يُبْصِرُ أَمَدَهُ ، وَيَعْرِفُ غَوْرَهُ [1967]
وَنَجْدَهُ [1968] . دَاع دَعَا ،
وَرَاع رَعَى ، فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي ،
وَاتَّبِعُوا الرَّاعِيَ .
قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الفِتَنِ ،
وَأَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ .
وَأَرَزَ [1969] الْمُؤمِنُونَ ،
وَنَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ .
نَحْنُ الشِّعَارُ [1970] وَالاَْصْحَابُ ،
وَالْخَزَنَةُ وَالاَْبْوَابُ ; وَلاَ
تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلاَّ مِنْ
أَبْوَابِهَا; فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ
أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً .
منها :
فِيهِمْ كَرَائِمُ [1971] الْقُرْآنِ ،وَهُمْ كُنُوزُ الرَّحْمنِ .إِنْ نَطَقُوا
صَدَقُوا ، وَإِنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا
. فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ ،
وَلْيُحْضِرْ عَقْلَهُ ، وَلْيَكُنْ مِنْ
أَبْنَاءِ الاْخِرَةِ ، فَإِنَّهُ مِنْهَا
قَدِمَ ، وَإِلَيْهَا يَنْقَلِبُ .
فَالنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ ، الْعَامِلُ
بِالْبَصَرِ ، يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ
أَنْ يَعْلَمَ : أَعَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ
لَهُ ؟ ! فَإِنْ كَانَ لَهُ مَضَى فِيهِ ،
وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقَفَ عَنْهُ .فَإِنَّ
الْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْم كَالسَّائِرِ
عَلَى غيْرِ طَرِيق . فَـلاَ يَزِيدُهُ
بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ إِلاَّ
بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ .وَالْعَامِلُ
بالْعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ
الْوَاضِحِ . فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ :
أَسَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ ؟ !
وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِر
بَاطِناً عَلَى مِثَالِهِ ، فَمَا طَابَ
ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ ، وَمَا خَبُثَ
ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ . وَقَدْ قَالَ
الرَّسُولُ الصَّادِقُ ـ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ ـ : «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الْعَبْدَ ، وَيُبْغِضُ عَمَلَهُ ،
وَيُحِبُّ الْعَمَلَ وَيُبْغِضُ بَدَنَهُ» .
وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ عَمَل
نَبَاتاً . وَكُلُّ نَبَات لاَ غِنَى بِهِ
عَنِ الْمَاءِ ، وَالْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ ;
فَمَا طَابَ سَقْيُهُ ، طَابَ غَرْسُهُ
وَحَلَتْ ثَمَرَتُهُ ، وَمَا خَبُثَ
سَقْيُهُ ، خَبُثَ غَرْسُهُ وَأَمَرَّتْ
ثَمْرَتُهُ .
ومن خطبة له عليه السلام
يذكر فيها بديع خلقة الخُفّاشالْحَمْدُ لله الَّذِي انْحَسَرَتِ [1972]
الاَوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ ،
وَرَدَعَتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ ،
فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ
غَايَةِ مَلَكُوتِهِ !
هُوَ اللهُ المَلِكُ الْحَقُّ
الْمُبِينُ ، أَحَقُّ وَأَبْيَنُ مِمَّا
تَرَى الْعُيُونُ ، لَمْ تَبْلُغْهُ
الْعُقُولُ بِتَحْدِيد فَيَكُونَ
مُشَبَّهاً ، وَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ
الاَْوْهَامُ بِتَقْدِير فَيَكُونَ
مُمَثَّـلاً . خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى
غَيْرِ تَمْثِيل ، وَلاَ مَشْوَرَةِ مُشِير ،
وَلاَ مَعُونَةِ مُعِين ، فَتَمَّ خَلْقُهُ
بِأَمْرِهِ ، وَأَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ ،
فَأَجَابَ وَلَمْ يُدَافِعْ ، وَانْقَادَ
وَلَمْ يُنَازِعْ . وَمِنْ لَطَائِفِ
صَنْعَتِهِ ، وَعَجَائِبِ خِلْقَتِهِ ، مَا
أَرَانَا مِنْ غَوَامِض الْحِكْمَةِ فِي
هذِهِ الْخَفَافِيش الَّتِي يَقْبِضُهَا
الضِّيَاءُ الْبَاسِطُ لِكُلِّ شَيْء ،
وَيَبْسُطُهَا الظَّـلاَمُ الْقَابِضُ
لِكُلِّ حَيٍّ; وَكَيْفَ عَشِيَتْ [1973]
أَعْيُنُهَا عَنْ أَنْ تَسْتَمِدَّ مِنَ
الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ نُوراً تَهْتَدِي
بِهِ فِي مَذَاهِبِهَا ، وَتَصِلَ ) تَتَّصِلُ(
بِعَلاَنِيَةِ بُرْهَانِ الشَّمْسِ إِلَى
مَعَارِفِهَا . وَرَدَعَهَا بِتَـلاَ لُؤِ
) تَـلاَ لُؤِ( ضِيَائِهَا عَنِ الْمُضِيِّ
فِي سُبُحَاتِ [1974] إِشْرَاقِهَا ،
وَأَكَنَّهَا فِي مَكَامِنِهَا عَنِ
الذَّهَابِ فِى بَلَجِ ائْتِلاَقِهَا [1975] ،
فَهِيَ مُسْدَلَةُ الْجُفُونِ بِالنَّهَارِ
عَلَى حِدَاقِهَا ، وَجَاعِلَةُ اللَّيْلِ
سِرَاجاً تَسْتَدِلُّ بِهِ فِي الِْتمَاس
أَرْزَاقِهَا ; فَـلاَ يَرُدُّ أَبْصَارَهَا
إِسْدَافُ [1976] ظُلمَتِهِ ، وَلاَ
تَمْتَنِعُ مِنَ الْمُضِيِّ فِيهِ لِغَسَقِ
دُجُنَتِهِ [1977] . فَإِذَا ألقَتِ
الشَّمْسُ قِنَاعَهَا ، وَبَدَتْ أَوْضَاحُ [1978]
نَهَارِهَا ، وَدَخَلَ مِنْ إِشْرَاقِ
نُورِهَا عَلَى الضِّبَابِ فِي وِجَارهَا [1979]
، أَطْبَقَتِ الاَْجْفَانَ عَلَى مَآقِيهَا [1980]
، وَتَبَلَّغَتْ [1981] بِمَا
اكْتَسَبَتْهُ مِنَ الْمَعَاش فِي ظُلَمِ
لَيَالِيهَا . فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ
اللَّيْلَ لَهَا نَهَاراً وَمَعَاشاً ،
وَالنَّهَارَ سَكَناً وَقَراراً ! وَجَعَلَ
لَهَا أَجْنِحَةً مِنْ لَحْمِهَا تَعْرُجُ
بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّيَرَانِ
، كَأَنَّهَا شَظَايَا الاذَانِ [1982] غَيْرَ
ذَوَاتِ رِيش وَلاَ قَصَب [1983] ، إِلاَّ أ نّكَ
تَرَى مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَيِّنَةً
أَعْلاَماً [1984] . لَهَا
جَنَاحَانِ لَمْ يَرِقَّا فَيْنْشَقَّا ،
وَلَمْ يَغْلُظَا فَيَثْقُـلاَ . تَطِيرُ
وَوَلَدُهَا لاَصِقٌ بِهَا لاَجِيءٌ
إِلَيْهَا ، يَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ ،
وَيَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ ، لاَ
يُفَارِقُهَا حَتَّى تَشْتَدَّ أَرْكَانُهُ
، وَيَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَنَاحُهُ ،
وَيَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَيْشِهِ ،
وَمَصَالِحَ نَفسِْهِ . فَسُبْحَانَ
الْبَارِيءِ لِكُلِّ شَيْء ، عَلَى غَيْرِ
مِثال خَلاَ مِنْ غَيْرِهِ [1985] !
ومن كلام له عليه السلام
خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحمفَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذلِكَ أَنْ
يَعْتَقِلَ نَفْسَهُ عَلَى اللهِ ، عَزَّ
وَجَلَّ ، فَلْيَفْعَلْ . فَإِنْ
أَطَعْتُمُوني فَإِني حَامِلُكُمْ إِنْ
شَاءَ اللهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَنَّةِ ،
وَإِنْ كَانَ ذَا مَشَقَّة شَدِيدَة
وَمَذَاقَة مَرِيرَة .
وَأَمَّا فُـلاَنَةُ [1986]
فَأَدْرَكَهَا رَأيُ النِّسَاءِ ،
وَضِغْنٌ غَـلاَ فِي صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ [1987] الْقَيْنِ [1988]
، وَلَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي
مَا أَتَتْ إِلَيَّ ، لَمْ تَفْعَلْ . وَلَهَا
بَعْدُ حُرْمَتُهَا الاُولى ، وَالْحِسَابُ
عَلَى اللهِ تَعَالِى .
وصف الايمان
منه : سَبِيلٌ أَبْلَجُ الْمِنْهَاجِ، أَنْوَرُ السِّرَاجِ . فَبِالاِْيمَانِ
يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ ،
وَبِالصَّالِحَاتِ يُسْتَدَلُّ عَلَى
الاِْيمَانِ ، وَبِالاِْيمَانِ يُعْمَرُ
الْعِلْمُ ، وَبِالْعِلْمِ يُرْهَبُ
الْمَوْتُ ، وَبالْمَوْتِ تُخْتَمُ
الدُّنْيَا ، وَبِالدُّنْيَا تُحْرَزُ
الاخِرَةُ ، وَبِالقِيَامَةِ تُزْلَفُ
الجَنَّةُ للمُتقينَ وَتُبرزُ الْجَحِيمُ
لِلْغَاوِينَ . وَإِنَّ الْخَلْقَ لاَ
مَقْصَرَ [1989] لَهُمْ عَنِ
الْقِيَامَةِ ، مُرْقِلِينَ [1990] فِي
مِضْمَارِهَا إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى .
حال أهل القبور في
القيامة
منه : قَدْ شَخَصُوا [1991] مِنْمُسْتَقَرِّ الاَْجْدَاثِ [1992] ،
وَصَارُوا إِلَى مَصَائِرِ الْغَايَاتِ [1993] .
لِكُلِّ دَار أَهْلُهَا لاَ يَسْتَبْدِلُونَ
بِهَا وَلاَ يُنْقَلُونَ عَنْهَا .
وَإِنَّ الاَْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ ،
وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، لَخُلْقَانِ
مِنْ خُلْقِ اللهِ سُبْحَانَهُ ;
وَإِنَّهُمَا لاَ يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَل ،
وَلاَ يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْق وَعَلَيْكُمْ
بِكِتَابِ اللهِ ، فَإِنَّهُ الْحَبْلُ
الْمَتِينُ ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ ،
وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ ، وَالرِّيُّ
النَّاقِعُ [1994] ، وَالْعِصْمَةُ
لِلْمُتَمَسِّكِ ، وَالنَّجَاةُ
لِلْمُتَعَلِّقِ . لاَ يَعْوَجُّ فَيُقَامَ ،
وَلاَ يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ [1995] ، وَلاَ
تُخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدِّ [1996] ،
وَوُلُوجُ السَّمْعِ [1997] . مَنْ قَالَ بِهِ
صَدَقَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ .
وقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين
، أخبرنا عن الفتنة ، وهل سألت رسول الله صلى
الله عليه وآله عنها ؟ فقال عليه السلام :
إنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ
سُبْحَانَهُ ، قَوْلَهُ : (الم أَحَسِبَ
النَّاسُ أَنْ يُتْركُوا أَنْ يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ) عَلِمْتُ
أَنَّ الْفِتْنَةَ لاَ تَنْزِلُ بِنَا
وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله بَيْنَ
أَظْهُرِنَا . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ
الله مَا هذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتي
أَخْبَرَكَ اللهُ تَعَالَى بِهَا ؟ فَقَالَ :
يَا عَلِيُّ ، إِنَّ أُمَّتِي
سَيُفْتَنُونَ مِنْ بَعْدِي ، فَقُلْتُ : يَا
رَسُولَ اللهِ ، أَوَلَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي
يَوْمَ أُحُد حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ
اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ،
وَحِيزَتْ [1998] عَنِّي
الشَّهَادَةُ ، فَشَقَّ ذلِكَ عَلَيَّ ،
فَقُلْتَ لِي : أبْشِرْ ، فَإِنَّ
الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ؟ فَقَالَ لِي :
إِنَّ ذلِكَ لَكَذلِكَ ، فَكَيْفَ صَبْرُكَ
إِذَاً؟ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَيسَ
هذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ ، وَلكِنْ
مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَى وَالشُّكْرِ .
وَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، إِنَّ الْقَوْمَ
سَيُفْتَنُونَ بَعدِي بِأَمْوَالِهمْ ،
وَيَمُنُّونَ بِدِينِهِم عَلَى رَبِّهِمْ ،
وَيَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهُ ،
وَيَأْمَنُونَ سَطْوَتَهُ ،
وَيَسْتَحِلُّونَ حَرَامَهُ بِالشُّبُهَاتِ
الْكَاذِبَةِ ، وَالاَْهْوَاءِ
السَّاهِيَةِ ، فَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ
بِالنَّبِيذِ ، وَالسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ
، وَالرِّبَا بِالْبَيْعِ قُلْتُ : يَا
رَسُولَ اللهِ ، فَبِأَيِّ الْمَنَازِلِ
أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذلِكَ ؟أَبِمَنْزِلَةِ
رِدَّةِ ، أَمْ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةِ ؟
فَقَالَ : بِمَنْزِلَةِ فِتْنَة .
ومن خطبة له عليه السلام
يحث الناس على التقوىالْحَمْدُ لله الَّذِي جَعَلَ
الْحَمْدَ مِفْتَاحاً لِذِكْرِهِ ،
وَسَبَباً لِلْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ ،
وَدَلِيلاً عَلَى آلاَئِهِ وَعَظَمَتِهِ .
عِبَادَ اللهِ ، إِنَّ الدَّهْرَ
يَجْرِي بِالْبَاقِينَ كَجَرْيِهِ
بِالْمَاضِينَ ; لاَ يَعُودُ مَا قَدْ وَلَّى
مِنْهُ ، وَلاَيَبْقَى سَرْمَداً مَا فِيهِ .
آخِرُ فَعَالِهِ كَأَوَّلِهِ .مُتَشَابِهَةٌ
) متسابِقَةٌ (أُمُورُهُ [1999] ، مُتَظَاهِرَةٌ
أَعْلاَمُهُ [2000] . فَكَأ نّكُمْ
بِالسَّاعَةِ [2001] تَحْدُوكُمْ
حَدْوَ الزَّاجِرِ [2002] بِشَوْلِهِ [2003]
; فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ نَفْسِهِ
تَحَيَّرَ فِي الظُّلُماتِ ، وَارْتَبَكَ
فِي الْهَلَكَاتِ ، وَمَدَّتْ بِهِ
شَيَاطِينُهُ ، فِي طُغْيَانِهِ ،
وَزَيَّنَتْ لَهُ سَيِّىءَ أَعْمَالِهِ .
فَالْجَنَّةُ غَايَةُ السَّابِقِينَ ،
وَالنَّارُ غَايَةُ الْمُفَرِّطِينَ .
اعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ ، أَنَّ
التَّقْوَى دَارُ حِصْن عَزِيز ،
وَالْفُجُورَ دَارُ حِصْن ذَلِيل ، لاَ
يَمْنَعُ أَهْلَهُ ، وَلاَ يُحْرِزُ [2004]
مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ . أَلاَ وَبِالتَّقْوَى
تُقْطَعُ حُمَةُ [2005] الْخَطَايَا ،
وَبِالْيَقِينِ تُدْرَكُ الْغَايَةُ
الْقُصْوَى .
عِبَادَ اللهِ ، اللهَ اللهَ فِي
أَعَزِّ الاَْنْفُس عَلَيْكُم ،
وَأَحَبِّهَا إِلَيْكُمْ; فَإِنَّ اللهَ
قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ سَبِيلَ الْحَقِّ
وَأَنَارَ طُرُقَهُ . فَشِقْوَةٌ لاَزِمَةٌ ،
أَوْ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ ! فَتَزَوَّدُوا
فِي أَيَّامِ الفَنَاءِ [2006] لاَيَّامِ
البَقَاءِ . قَدْ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ
، وَأُمِرْتُمْ بالظَّعْنِ [2007] ،
وَحُثِثْتُمْ عَلَى الْمَسِيرِ; فَإِنَّمَا
أَنْتُمْ كَرَكْب وُقُوف ، لاَ يَدْرُونَ ) تدرون(
مَتَى يُؤْمَرُونَ ) تؤمرون( بِالسَّيْرِ .أَلاَ
فَمَا يَصْنَعُ بِالدُّنْيَا مَنْ خُلِقَ
لِلاخِرَةِ ! وَمَا يَصْنَعُ بِالمَالِ مَنْ
عَمَّا قَلِيل يُسْلَبُهُ ، وَتَبْقَى
عَلَيْهِ تَبِعَتُهُ [2008] وَحِسَابُهُ !
عِبَادَ اللهِ ، إِنَّهُ لَيْسَ لِمَا
وَعَدَ اللهُ مِنَ الْخَيْرِ مَتْرَكٌ ،
وَلاَ فِيَما نَهَى عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ
مَرْغَبٌ .
عِبَادَ اللهِ ، احْذَرُوا يَوْماً
تُفْحَصُ فِيهِ الاعْمَالُ ، وَيَكْثُرُ
فِيهِ الزِّلْزَالُ ، وَتَشِيبُ فِيهِ
الاطْفَالُ .
اعْلَمُوا ، عِبَادَ اللهِ ، أَنَّ
عَلَيْكُمْ رَصَداً [2009] مِنْ أنْفُسِكُمْ
، وَعُيُوناً مِنْ جَوَارِحِكُمْ ،
وَحُفَّاظَ صِدْق يَحْفَظُونَ
أَعْمَالَكُمْ ، وَعَدَدَ أَنْفَاسِكُمْ ،
لاَ تَسْتُرُكُمْ مِنْهُمْ ظُلمَةُ لَيْل
دَاج ، وَلاَ يُكِنُّكُمْ مِنْهُمْ بَابٌ ذُو
رِتَاج [2010] وَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ
قَرِيبٌ .
يَذْهَبُ الْيَوْمُ بِمَا فِيهِ ،
وَيَجِيءُ الْغَدُ لاَ حِقاً بِهِ ،
فَكَأَنَّ كُلَّ امْرِيء مِنْكُمْ قَدْ
بَلَغَ مِنَ الاَْرْض مَنْزِلَ وَحْدَتِهِ [2011]
، وَمَخَطَّ حُفْرَتِهِ .فَيَالَهُ مِنْ
بَيْتِ وَحْدَة ، وَمَنْزِلِ وَحْشَة ،
وَمَفْرَدِ غُرْبَة ! وَكَأَنَّ الصَّيْحَةَ [2012]
قَدْ أَتَتْكُمْ ، وَالسَّاعَةَ قَدْ
غَشِيَتْكُمْ ، وَبَرَزْتُمْ لِفَصْلِ
الْقَضَاءِ ، قَدْ زَاحَتْ [2013]
عَنْكُمْ الاَْبَاطِيلُ ، وَاضْمَحَلَّتْ
عَنْكُمُ الْعِلَلُ ، وَاسْتَحَقَّتْ بِكُمُ
الْحَقَائِقُ ، وَصَدَرَتْ بِكُمْ
الاَْمُورُ مَصَادِرَهَا ، فَاتَّعِظُوا
بِالْعِبَرِ ، وَاعْتَبِرُوا بِالْغِيَرِ ،
وَانْتَفِعُوا بِالنُّذُرِ .
ومن خطبة له عليه السلام
ينبّه فيها على فضل الرسول الاعظم ، وفضلالقرآن ، ثمّ حال دولة بني أميّة
النبي والقرآن
أرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة مِنَالرُّسُلِ ، وَطُولِ هَجْعَة مِنَ الاُْمَمِ [2014]
، وَانْتِقَاض مِنَ الْمُبْرَمِ [2015] ;
فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ
يَدَيْهِ ، وَالنُّورِ الْمُقْتَدَى بِهِ .
ذلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ ، وَلَنْ
يَنْطِقَ ، وَلَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ :
أَلاَ إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأتِي ،
وَالْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي ، وَدَوَاءَ
دَائِكُمْ ، وَنَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ .
دولة بني أمية
ومنها : فَعِنْدَ ذلِكَ لاَ يَبْقَى
بَيْتُ مَدَر وَلاَ وَبَر [2016] إِلاَّ
وَأَدْخَلَهُ الظَلَمَةُ تَرْحَةً [2017] ،
وَأَوْلَجُوا فِيهِ نِقْمَةً . فَيَوْمَئِذ
لاَ يَبْقَى لَهُمْ فِي السَّمَاءِ عَاذِرٌ ،
وَلاَ فِي الاَْرْضِ نَاصِرٌ . أَصْفَيتُمْ [2018]
بِالاَْمْرِ غَيْرَ أَهْلِهِ ،
وَأَوْرَدْتُمُوهُ غَيْرَ مَوْرِدِهِ ،
وَسَيَنْتَقِمُ اللهُ مِمَّنْ ظَلَمَ ،
مَأْكَلاً بِمَأْكَل ، وَمَشْرَباً
بِمَشْرَب ، مِنْ مَطَاعِمِ الْعَلْقَمِ ،
وَمَشَارِبِ الصَّبِرِ [2019] وَالْمَقِرِ [2020]
، وَلِبَاس شِعَارِ الْخَوْف ، وَدِثَارِ
السَّيْفِ [2021] . وَإِنَّمَا هُمْ
مَطَايَا الْخَطِيئَاتِ وَزَوَامِلُ
الاْثَامِ [2022] . فَأُقْسِمُ ،
ثُمَّ أُقْسِمُ ، لَتَنْخَمَنَّهَا
أُمَيَّةُ مِنْ بَعْدِي كَمَا تُلْفَظُ
النُّخَامَةُ [2023] ، ثُمَّ لاَ
تَذُوقُهَا وَلاَ تَطْعَمُ بِطَعْمِهَا
أَبَداً مَا كَرَّ الْجَدِيدَانِ [2024] !
[1920] الدَحْر ـ بفتح
الدال ـ : الطرد . والمَدَاحرِ والمَزاجِر بها
يُدْحَر ويُزْجَر .
[1921] مخاتل الشيطان :
مكائده .
[1922] «على فَتْرة» :
خلوّ من الشرائع الالهية لا يعرفون منها
شيئاً .
[1923] البوائق : جمع
بائقة : وهي الداهية .
[1924] القَتَام ـ كسحاب ـ : الغبار .
والعِشْوة ـ بالكسر وبضم وبفتح ـ ركوب
الامر على غير بيان .
[1925] شِبابها : بكسر
الشين ـ أي بداياتها في عنفوان وشدة كشباب
الغلام وفتوّته .
[1926] السِّلام ـ بكسر
السين ـ الحجارة الصمّ ، واحدها سِلَمة ـ بكسر
السين أيضاً ـ وآثارها في الابدان الرّضّ
والحَطْم .
[1927] أراح اللحمُ فهو
مُريح : أنْتَنَ .
[1928] يتزايلون :
يتفارقون .
[1929] الرَجُوف : شديدة
الرجفان والاضطراب .
[1930] القاصمة : الكاسرة . والزّحوف :
الشديدة الزحف .
[1931] نُجومها : ظهورها .
وهي من نجم ينجم إذا ظهر .
[1932] يتكادمون : يعضّ بعضهم بعضاً .
[1933] العانة : الجماعة
من حُمُر الوحش .
[1934] تَغِيض ـ بالغين
المعجمة ـ تنقص وتغور .
[1935] تَدُقّ : تُفَتّتُ .
[1936] المِسْحَل ـ كمنبر
ـ المِبْرَد أوِ المِنْحَت . والمِسْحَل
أيضاً : حَلْقة تكون في طريف شكيمة اللّجام
مُدْخلة في مثلها .
[1937] الرّضّ : التهشيم .
[1938] الكَلْكَل: الصدر .
[1939] الوُحَدان: جمع واحد ، أي
المتفرّدون .
[1940] عَبيط الدماء:
الطريّ الخالص منها .
[1941] «تَثْلِمُ
مَنَارَ الدين» : تكسره . وأصله من «ثلم
الاناءَ أو السيف ونحوه» : كسر حرفه . ومنار
الدين : أعلامه ، وهم علماؤه ، وثَلْمها :
قتل العلماء وهدم قواعد الدين .
[1942] الاكْياس: جمع كَيّس ، الحاذق
العاقل .
[1943] الارْجاس: جمع
رِجْس - : وهو القذر والنجس ، والمراد
الاشرار .
[1944] مَطْلُول: من «طَلَلْت
دَمَه» هَدَرْته .
[1945] «يَخْتِلون بِعَقْد الايْمان»: أي
يخدعون الناس بحلف الايمان .
[1946] الانْصاب: كل ما
يُنْصَبُ لِيُقْصَدَ .
[1947] اللُعَق: جمع
لُعْقة ـ بضم اللام : وهي ما تأخذه في
المِلْعقة .
[1948] «إنّكم بِعَيْنِهِ»: أي إنه يراكم .
[1949] لا تستلمه المشاعر:
أي لا تصل اليه الحواس .
[1950] النَصَب ـ محرّكة
ـ : التعب .
[1951] الاداة: الالة .
[1952] تفريق الالة: تفريق الاجفان وفتح
بعضها عن بعض .
[1953] البائن: المنفصل عن خَلْقه .
[1954] «مَنْ وَصَفَهُ»:
أي من كيّفه بكيفيّات المُحْدَثين .
[1955] لاح: بدا .
[1956] الغِيَر ـ بكسر
ففتح ـ صُروف الحوادث وتقلباتها .
[1957] جِماعُ الشيء :
مجتمعهُ .
[1958] مَرَابيع: جمع
مِرْباع - بكسر الميم ـ : المكان ينبت نبته في
أول الربيع .
[1959] «أحْمَى حِماه»:
من «أحْمى المكانَ» : جعله حِمىً لا يُقْرَب ،
أي أعز الله الاسلام ومنعه من الاعداء .
[1960] المَغَاوِي: جمع
مِغْواة . وهي الشّبْهة يذهب معها الانسان إلى
ما يخالف الحق .
[1961] مَهَدَ ـ كمَنَعَ
ـ بَسَطَ .
[1962] فاطر: 14 .
[1963] يَعُرّهُ:
يَعِيبُهُ ويلطّخه .
[1964] يستنجح: يطلب نجاح حاجته .
[1965] مستكينون: خاضعون .
[1966] ناظِرُ القلب:
استعاره من ناظر العين : وهو النقطة السوداء
منها . والمراد بصيرة القلب .
[1967] الغَوْر: ما انخفض من الارض .
[1968] النَجْد: ما ارتفع من الارض .
[1969] أرَزَ يأرِز: بكسر
الراء في المضارع أي انقبض وثبت . وأرَزَتِ
الحية : لاذَتْ بجُحْرِها ورجعت اليه .
[1970] الشِّعار: ما يلي
البدن من الثياب ، والمراد بِطانة النبي
الكريمصلى الله عليه وآله وسلم .
[1971] الكرائم: جمع
كريمة ، والمراد آيات في مدحهم كريمات .
[1972] انحسرت: انقطعت .
[1973] العَشَا ـ مقصوراً
ـ: سوء البصر وضعفه .
[1974] سُبُحات النور :
درجاته وأطواره.
[1975] الائْتِلاق:
اللمعان . والبَلَج ـ بالتحريك ـ الضوء ووضوحه
.
[1976] أسْدَفَ الليلُ:
أظلمَ .
[1977] الدُجُنّة:
الظُلْمة ، وغَسَقُ الدّجُنّة : شدّتها .
[1978] أوضاح: جمع وَضَح ـ بالتحريك ـ وهو
هنا بياض الصبح .
[1979] الضِّباب ـ ككتاب -
جمع ضَبّ : الحيوان المعروف . والوِجار ـ ككتاب
ـ الجُحْر .
[1980] مآقيها: جمع مَأق
وهو طرف العين مما يلي الانف .
[1981] تَبَلّغَتْ: اكتفت أو اقتاتت .
[1982] شظايا - جمع شظِيّة
- كعطيّة - : وهي الفلقة من الشيء ، أي كأنها
مؤلفة من شقق الاذان.
[1983] القَصَبة: عمود
الريشة أو أسفلها المتصل بالجناح . وقد يكون
مجرداً عن الزّغَب في بعض الحيوانات مما
ليس بطائر ، كبعض أنواع القنفذ والفيران .
[1984] أعلاماً: رسوماً ظاهرة .
[1985] «خلا من غيره»:
تقدّمه من سواه فحاذاه .
[1986] فلانة: كناية عن
عايشة ، وإدراك رأي النساء لها في حرب الجمل
بالبصرة .
[1987] المِرْجَل : القِدْر .
[1988] القَيْن ـ بالفتح
ـ : الحدّاد .
[1989] المَقْصَر ـ كمقعد
ـ : المجلس ، أي لا مستقر لهم دون القيامة .
[1990] مُرْقِلين: مسرعين .
[1991] شخَصُوا: ذهبوا .
[1992] الاجداث: القبور .
[1993] مصائر الغايات:
جمع مصير ، ما يصير اليه الانسان من شقاء
وسعادة .
[1994] نَقَعَ العطش:
أزاله .
[1995] يُسْتَعْتَبُ:
يُطْلَبُ منه العُتْبى حتى يرضى .
[1996] أخْلَقَهُ: ألبسه ثوباً خَلَقاً أي
بالياً . وكثرة الرد : كثرة ترديده على الالسنة
بالقراءة .
[1997] وُلُوج السمع: دخول الاذان والمسامع
.
[1998] حِيزَتْ : حازها
الله عني فلم أنلها .
[1999] مُتشابهةٌ أموره :
لانه - كما كان من قبل - يرفع ويضع ، ويغني
ويفقر ، ويعزّ ويذلّ ، فكذلك هو الان أفعاله
متشابهة ، وروي ) متسابقة( أي كأنّ كلاً منها
يطلب النزول قبل الاخر ، وكأنّها خيلٌ تتسابق
في مضمار .
[2000] متظاهرةً أعلامه : اي دَلالاته على
سَجّيتِه التي عامل الناس بها قديماً وحديثاً
.
[2001] الساعة: القيامة . وحَدْوُها :
سَوْقها وحثّها لاهل الدنيا على المسير
للوصول إليها .
[2002] زاجر الابل : سائقها .
[2003] الشَوْل ـ بالفتح
ـ : جمع شائلة ، وهي من النوق ما مضى عليها من
وضعها سبعة أشهر فخفّ لبنها وارتفع ضرعها .
[2004] لا يُحْرِزُ: لا
يحفظ .
[2005] الحُمَة ـ بضم ففتح ـ : في الاصل
إبرة الزّنبور والعقرب ونحوها تلسع بها ،
والمراد هنا سطوة الخطايا على النفس .
[2006] أيام الفناء: يريد
أيام الدنيا .
[2007] المراد «بالظّعن»
المأمور به ها هنا السير إلى السعادة
بالاعمال الصالحة ، وهذا ما حثنا الله عليه .
[2008] تَبِعَتُهُ : ما
يتعلق به من حق الغير فيه .
[2009] الرّصَد: الرّقيب .
ويريد به هنا رقيب الذمة وواعظ السر .
[2010] الرّتاج ـ ككتاب ـ
: الباب العظيم إذا كان مُحْكَم الغَلْق .
[2011] «منزل وحدته»: هو
القبر .
[2012] المراد «بالصيحـة»
هنا الصيحـة الثانية .
[2013] زاحت: بعدت
وانكشفت .
[2014] الهَجْعة: المرة
من الهجوع ، وهو النوم ليلاً . والمراد نوم
الغفلة في ظلمات الجهالة .
[2015] المُبْرَم:
المُحْكَم ، من أبْرَمَ الحبْلَ إذا أحْكَمَ
فَتْلَه . والمراد الاحكام الالهية التي
أُبرمت على ألسنة الانبياء .
[2016] بيت مَدَر ولا
وَبَر: كناية عن أهل الحاضرة والبادية .
[2017] تَرْحة: حزن .
[2018] أصْفَيْتَه الشيء:
آثرته به واختصصته .
[2019] الصّبِر ـ كَكَتف
ـ عُصارة شجر مرّ .
[2020] المَقِر ـ على وزن
كَتِف ـ السمّ .
[2021] الدّثار ـ ككتاب ـ من اللباس :
أعلاه فوق الملابس . والسيف يكون أشبه
بالدّثار إذا عمّت إباحة الدم بأحكام الهوى .
[2022] الزّوامل: جمع
زاملة ، وهي ما يحمل عليها الطعام من الابل
ونحوها .
[2023] نَخِمَ ـ كفرح ـ:
أخرج النّخامة من صدره فألقاها . والنّخامة ـ
بالضمّ ـ ما يدفعه الصدر أو الدماغ من المواد
المُخاطيّة .
[2024] الجديدان: الليل
والنهار .