ومن كلام له عليه السلام - خطبه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

خطبه - نسخه متنی

السید جعفر الحسینی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ومن كلام له عليه السلام

وقد أَرسل رجلاً من أصحابه . يعلم له
علم أحوال قوم من جند الكوفة ، قد همّوا
باللحاق بالخوارج ، وكانوا على خوف منه 7 ،
فلمّا عاد إِليه الرجل قال له : «أأمِنُوا
فَقَطَنُوا [2364] ، أم جبنوا
فَظَعَنُوا [2365] » فقال الرجل :
بل ظَعَنُوا يا أَمير المؤمنين . فقال 7 :

بُعْداً لَهُمْ كَمَا بَعِدَتْ
ثَمُودُ ! أَمَا لَوْ أُشْرِعَتِ [2366]
الاَْسِنَّةُ إِلَيْهِمْ وَصُبَّتِ
السُّيُوفُ عَلَى هَامَاتِهمْ [2367] ، لَقَدْ
نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ . إِنَّ
الشَّيْطَانَ الْيَوْمَ قَدِ
اسْتَفَلَّهُمْ [2368] ، وَهُوَ غَداً
مُتَبَرِّىءٌ مِنْهُمْ ، وَمُتَخَلٍّ
عَنْهُمْ . فَحَسْبُهُمْ بِخُرُوجِهمْ [2369]
مِنَ الْهُدَى ، وَارْتِكَاسِهِمْ [2370] فِي
الضَّلاَل وَالْعَمَى ، وَصَدِّهِمْ [2371] عَنِ
الْحَقِّ ، وَجِمَاحِهمْ [2372] فِي التِّيهِ [2373]
.

ومن خطبة له عليه السلام

روي عن نوف البكالي قال : خطبنابهذه
الخطبة أمير المؤمنين 7 بالكوفة وهو
قائم على حجارة ، نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي
، وعليه مِدْرَعَةٌ من صُوف [2374] وحمائل
سيفه لِيفٌ ، وفي رجليه نعلان من لِيف،
وكأنّ جبينه ثَفِنَةُ [2375] بعير . فقال عليه
السلام :

حمد الله واستعانته

الْحَمْدُ لله الَّذِي إِلَيْهِ
مَصَائِرُ الْخَلْقِ ، وَعَوَاقِبُ
الاَْمْرِ . نَحْمَدُهُ عَلَى عَظِيمِ
إِحْسَانِهِ ، وَنَيِّرِ بُرْهَانِهِ ،
وَنَوَامِي [2376] فَضْلِهِ
وَامْتِنَانِهِ ، حَمْداً يَكُونُ لِحَقِّهِ
قَضَاءً ، وَلِشُكْرِهِ أَدَاءً ، وَإِلَى
ثَوَابِهِ مُقَرِّباً ، وَلِحُسْنِ
مَزِيدِهِ مُوجِباً . وَنَسْتَعِينُ بِهِ
اسْتِعَانَةَ رَاج لِفَضْلِهِ ، مُؤَمِّل
لِنَفْعِهِ ، وَاثِق بِدَفْعِهِ ، مُعْتَرِف
لَهُ بِالطَّوْلِ [2377] ، مُذْعِن لَهُ
بِالْعَمَلِ وَالْقَوْلِ . وَنُؤْمِنُ بِهِ
إِيمَانَ مَنْ رَجَاهُ مُوقِناً ، وَأَنَابَ
إِلَيْهِ مُؤْمِناً ، وَخَنَعَ [2378] لَهُ
مُذْعِناً ، وَأَخْلَصَ لَهُ مُوَحِّداً ،
وَعَظَّمَهُ مُمَجِّداً ، وَلاَذَ بِهِ
رَاغِباً مُجْتَهِداً .

الله الواحد وعظيم
قدرته

لَمْ يُولَدْ سُبْحَانَهُ فَيَكُونَ
فِي الْعِزِّ مُشَارَكاً ، وَلَمْ يَلِدْ
فَيَكُونَ مَوْرُوثاً هَالِكاً . وَلَمْ
يَتَقَدَّمْهُ وَقْتٌ وَلاَ زَمَانٌ ، ولَمْ
يَتَعَاوَرْهُ زِيَادَةٌ وَلاَ نُقْصَانٌ [2379]
، بَلْ ظَهَرَ لِلْعُقُولِ بِمَا أَرَانَا
مِنْ عَـلاَمَاتِ التَّدْبِيرِ الْمُتْقَنِ
، وَالْقَضَاءِ الْمُبْرَمِ .فَمِنْ
شَوَاهِدِ خَلْقِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ
مُوَطَّدَات [2380] بِـلاَ عَمَد ،
قَائِمَات بِلاَ سَنَد . دَعَاهُنَّ
فَأَجَبْنَ طَائِعَات مُذْعِنَات ، غَيْرَ
مُتَلَكِّئَات [2381] وَلاَ مُبْطِئَات
; وَلَوْلاَ إِقْرَارُهُنَّ لَهُ
بِالرُّبُوبِيَّةِ وَإِذْعَانُهُنَّ
بِالطَّوَاعِيَةِ ، لَمَا جَعَلَهُنَّ
مَوْضِعاً لِعَرْشِهِ ، وَلاَ مَسْكَناً
لِمَـلاَئِكَتِهِ ، وَلاَ مَصْعَداً
لِلْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ
الصَّالِحِ مِنْ خَلْقِهِ . جَعَلَ
نُجُومَهَا أَعْـلاَماً يَسْتَدِلُّ بِهَا
الْحَيْرَانُ فِي مُخْتَلِفِ فِجَاجِ
الاَْقْطَارِ . لَمْ يَمْنَعْ ضَوْءَ
نُورِهَا ادْلِهْمَامُ [2382] سُجُفِ [2383]
اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، وَلاَ اسْتَطَاعَتْ
جَـلاَبِيبُ [2384] سَوَادِ
الْحَنَادِس [2385] أَنْ تَرُدَّ مَا
شَاعَ [2386] فِي السَّمَاوَاتِ مِنْ تَلالـُؤِ
نُورِ الْقَمَرِ". فَسُبْحَانَ مَنْ لاَ
يَخْفَى عَلَيْهِ سَوَادُ غَسَق دَاج [2387]
، وَلاَ لَيْل سَاج [2388] ، فِي بِقَاعِ
الاَْرَضِينَ الْمُتَطَأْطِئَاتِ [2389] ، وَلاَ
فِي يَفَاعِ السُّفْعِ [2390]
الْمُتَجَاوِرَاتِ ; وَمَا يَتَجَلْجَلُ
بِهِ الرَّعْدُ [2391] فِي أُفُقِ
السَّمَاءِ ، وَمَا تَـلاَشَتْ [2392] عَنْهُ
بُرُوقُ الْغَمَامِ ، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ
وَرَقَة تُزِيلُهَا عَنْ مَسْقَطِهَا
عَوَاصِفُ الاَْنْوَاءِ [2393] وَانْهِطَالُ
السَّمَاءِ [2394] ! وَيَعْلَمُ
مَسْقَطَ الْقَطْرَةِ وَمَقَرَّهَا ،
وَمَسْحَبَ الذَّرَّةِ وَمَجَرَّهَا ، وَمَا
يَكْفِي الْبَعُوضَةَ مِنْ قُوتِهَا ، وَمَا
تَحْمِلُ الاُْنْثَى فِي بِطْنِهَا .
وَالْحَمْدُ لله الْكَائِنِ قَبْلَ أَنْ
يَكُونَ كُرْسِيٌّ أَوْ عَرْشٌ ، أَوْ
سَمَاءٌ أَوْ أَرْضٌ ، أَوْ جَانٌّ أَوْ
إِنْسٌ . لاَ يُدْرَكُ بِوَهْم [2395] ، وَلاَ
يُقَدَّرُ بِفَهْم ، وَلاَ يَشْغَلُهُ
سَائِلٌ [2396] ، وَلاَ يَنْقُصُهُ نَائِلٌ [2397]
، وَلاَ يَنْظُرُ بِعَيْن ، وَلاَ يُحَدُّ
بِأَيْن [2398] ، وَلاَ يُوصَفُ بِالاَْزْوَاجِ [2399]
، وَلاَ يَخْلُقُ بِعِلاَج [2400] ، وَلاَ
يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ ، وَلاَ يُقَاسُ
بِالنَّاس .الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى
تَكْلِيماً ، وَأَرَاهُ مِنْ آيَاتِهِ
عَظيماً ; بِلاَ جَوَارِحَ وَلاَ أَدَوَات ،
وَلاَ نُطْق وَلاَ لَهَوَات [2401] . بَلْ
إِنْ كُنْتَ صَادِقاً أَيُّهَا
الْمُتَكَلِّفُ [2402] لِوَصْفِ رَبِّكَ
، فَصِفْ جبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَجُنُودَ
الْمَـلاَئِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ ، فِي
حُجُرَاتِ [2403] الْقُدْس
مُرْجَحِنِّينَ [2404] ، مُتَوَلِّهَةً [2405]
عَقُولُهُمْ أَنْ يَحُدُّوا أَحْسَنَ
الْخَالِقِينَ . فَإِنَّمَا يُدْرَكُ
بِالصِّفَاتِ ذَوُو الْهَيْئَاتِ
وَالاَْدوَاتِ ، وَمَنْ يَنْقَضِي إِذَا
بَلَغَ أَمَدَ حَدِّهِ بِالْفَنَاءِ . فَـلاَ
إِلهَ إِلاَّ هُوَ ، أَضَاءَ بِنُورِهِ كُلَّ
ظَـلاَم ، وَأَظْلَمَ بِظُلْمَتِهِ كُلَّ
نُور .

الوصية بالتقوى

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى
اللهِ الَّذِي أَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ [2406]
، وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمُ الْمَعَاشَ ; فَلَوْ
أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إلَى الْبَقَاءِ
سُلَّماً ، أَوْ لِدَفْعِ الْمَوْتِ
سَبِيلاً ، لَكَانَ ذلِكَ سُلَيمانَ بنَ
دَاوُودَ عَلَيْهِ السَّـلاَمُ ، الَّذِي
سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ الْجِنِّ وَالاِْنْس ،
مَعَ النُّبُوَّةِ وَعَظِيمِ الزُّلْفَةِ .
فَلَمَّا اسْتَوْفَى طُعْمَتَهُ [2407] ،
وَاسْتَكْمَلَ مُدَّتَهُ ، رَمَتْهُ قِسِيُّ
الْفَنَاءِ بِنِبَالِ الْمُوْتِ ،
وَأَصْبَحَتِ الدَّيَارُ مِنْهِ خَالِيَةً ،
وَالْمَسَاكِنُ مُعَطَّلَةً ، وَوَرِثَهَا
قَوْمٌ آخَرُونَ . وَإِنَّ لَكُمْ فِي
الْقُرُونِ السَّالِفَةِ لَعِبْرَةً !
أَيْنَ الْعَمَالِقَةُ وَأَبْنَاءُ
الْعَمَالِقَةِ ! أَيْنَ الْفَرَاعِنَةُ
وَأَبْنَاءُ الْفَرَاعِنَةِ ! أَيْنَ
أَصْحَابُ مَدَائِنِ الرَّسِّ الَّذِينَ
قَتَلُوا النَّبِيِّينَ ، وَأَطْفَؤُوا
سُنَنَ الْمُرْسَلِينَ ، وَأَحْيَوْا سُنَنَ
الْجَبَّارِينَ ! أَيْنَ الَّذِينَ سَارُوا
بِالْجُيُوشِ ، وَهَزَمُوا بِالالـُوفِ ،
وَعَسْكَرُوا الْعَسَاكِرَ ، وَمَدَّنُوا
الْمَدَائِنَ !

ومنها :

قَدْ لَبِسَ لِلْحِكْمَةِ جُنَّتَهَا [2408]
، وَأَخَذَهَا بِجَمِيـعِ أَدَبِهَا ، مِنَ
الاِْقْبَالِ عَلَيْهَا ، وَالْمَعْرِفَةِ
بهَا ، وَالتَّفَرُّغِ لَهَا ; فَهِيَ عِنْدَ
نَفْسِهِ ضَالَّتُهُ الَّتِي يَطْلُبُهَا ،
وَحَاجَتُهُ الَّتِي يَسْأَلُ عَنْهَا .
فَهُوَ مُغْتَرِبٌ إِذَا اغْتَرَبَ
الاِْسْـلاَمُ ، وَضَرَبَ بِعَسِيبِ
ذَنَبِهِ [2409] ، وَأَلْصَقَ
الاَْرْضَ بِجِرَانِهِ [2410] ، بَقِيَّةٌ مِنْ
بَقَايَا حُجَّتِهِ ، خَلِيفَةٌ مِنْ
خَـلاَئِفِ أَنْبِيَائِهِ .

ثم قال عليه السلام :

أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي قَدْ
بَثَثْتُ لَكُمُ الْمَوَاعِظَ الَّتِي
وَعَظَ الاَْنْبِيَاءُ بِهَا أُمَمَهُمْ ،
وَأَدَّيْتُ إِلَيْكُمْ مَا أَدَّتِ
الاَْوصِيَاءُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ ،
وَأَدَّبْتُكُمْ بِسَوْطِي فَلَمْ
تَسْتَقِيمُوا ، وَحَدَوْتُكُمْ
بِالزَّوَاجِرِ فَلَمْ تَسْتَوْسِقُوا [2411]
. لله أَنْتُمْ ! أَتَتَوَقَّعُونَ إِمَاماً
غَيْرِي يَطَأُ بِكُمُ الطَّرِيقَ ،
وَيُرْشِدُكُمُ السَّبِيلَ ؟!!!

أَلاَ إِنَّهُ قَدْ أدبَرَ مِنَ
الدُّنْيَا مَا كَانَ مُقْبِلاً ،
وَأَقْبَلَ مِنْهَا مَا كَانَ مُدْبِراً ،
وَأَزْمَعَ التَّرْحَالَ عِبَادُ اللهِ
الاَْخْيَارُ ، وَبَاعُوا قَلِيلاً مِنَ
الدُّنْيَا لاَ يَبْقَى ، بِكَثِير مِنَ
الاْخِرَةِ لاَ يَفْنَى . مَا ضَرَّ
إِخْوَانَنَا الذِّينَ سُفِكَتْ
دِمَاؤُهُمْ )

وَهُمْ( بِصِفِّينَ أَلاَّ
يَكُونُوا الْيَوْمَ أَحْيَاءً ؟ يُسِيغُونَ
الْغُصَصَ وَيَشْرَبُونَ الرَّنِقَ [2412]
! قَدْ ـ وَاللهِ لَقُوا اللهَ فَوَفَّاهُمْ
أُجُورَهُمْ ، وَأَحَلَّهُمْ دَارَ
الاَْمْنِ بَعْدَ خَوْفِهمْ .

أَيْنَ إِخْوَانِي الَّذِينَ
رَكِبُوا الطَّريقَ ، وَمَضَوْا عَلَى
الْحَقِّ ؟ أَيْنَ عَمَّارُ [2413] ؟
وَأَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ [2414] ؟
وَأَيْنَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ [2415] ؟
وَأَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ
الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ ،
وَأُبْرِدَ بِرُؤُوسِهِمْ [2416] إِلَى
الْفَجَرَةِ ؟!!

قال : ثمّ ضرب بيده على لحيته الشريفة
الكريمة ، فأطال البكاء ، ثمّ قال عليه السلام :

أَوِّهِ [2417] عَلَى إِخْوَانِي
الَّذِينَ قَرَؤوا الْقُرْآنَ
فَأَحْكَمُوهُ وَتَدَبَّرُوا الْفَرْضَ
فَأَقَامُوهُ ، أَحْيَوُا السُّنَّةَ
وَأَمَاتُوا الْبِدْعَةَ . دُعُوا
لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا ، وَوَثِقُوا
بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ .

ثمّ نادى بأعلى صوته :

الْجِهَادَ الْجِهَادَ عِبَادَ اللهِ
! أَلاَ وَإِنِّي مُعَسْكِرٌ فِي يَوْمي هذَا
; فَمَنْ أَرَادَ الرَّوَاحَ إِلَى اللهِ
فَلْيَخْرُجْ !

قال نوْفٌ : وعقد للحسين 7 في عشرة آلاف
، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف ، ولابي أَيوب
الانصاري في عشرة آلاف ، ولغيرهم على أعداد
أخر ، وهو يريد الرجعة إلى صفين ، فما دارت
الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه الله ،
فتراجعت العساكر فكنّا كأغنام فقدت راعيها ،
تختطفها الذئاب من كل مكان !

ومن خطبة له عليه السلام

الْحَمْدُ لله الْمَعْرُوفِ مِنْ
غَيْرِ رُؤْيَة ، الْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ
مَنْصَبَة [2418] . خَلَقَ
الْخَـلاَئِقَ بِقُدْرَتِهِ ،
وَاسْتَعْبَدَ الاَْرْبَابَ بِعِزَّتِهِ ،
وَسَادَ الْعُظَمَاءَ بِجُودِهِ ; وَهُوَ
الَّذِي أَسْكَنَ الدُّنْيَا خَلْقَهُ ،
وَبَعَثَ إِلَى الْجِنِّ وَالاِْنْس
رُسُلَهُ ، لِيَكْشِفُوا لَهُمْ عَنْ
غِطَائِهَا ، وَلِيُحَذِّرُوهُمْ مِنْ
ضَرَّائِهَا ، وَلِيَضْرِبُوا لَهُمْ
أَمْثَالَهَا ، وَلِيُبَصِّرُوهُمْ
عُيُوبَهَا ، وَلِيَهْجُمُوا [2419]
عَلَيْهِمْ بِمُعْتَبَر [2420] مِنْ تَصَرُّفِ [2421]
مَصَاحِّهَا [2422] وَأَسْقَامِهَا ،
وَحَـلاَلِهَا وَحَرَامِهَا ، وَمَا أَعَدَّ
اللهُ لِلْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ
وَالْعُصَاةِ مِنْ جَنَّة وَنَار ،
وَكَرَامَة وَهَوَان .

أَحْمَدُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا
اسْتَحْمَدَ [2423] إِلَى خَلْقِهِ ،
وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْء قَدْراً ، وَلِكُلِّ
قَدْر أَجَلاً ، وَلِكُلِّ أَجَل كِتَاباً .

منها في ذكر القرآن

فَالْقُرْآنُ آمِرٌ زَاجِرٌ ،
وَصَامِتٌ نَاطِقٌ . حُجَّةُ اللهِ عَلَى
خَلْقِهِ . أَخَذَ عَلَيْهِ مِيثَاقَهُمْ )

أخذ
عليهم ميثاقَه( وَارْتَهَنَ عَلَيهِ
أَنْفُسَهُمْ [2424] . أَتَمَّ نُورَهُ
، وَأَكْمَلَ بِهِ دِينَهُ ، وَقَبَضَ
نَبِيَّهُ صلى الله عليه وآله وَقَدْ فَرَغَ
إِلَى الْخَلْقِ مِنْ أَحْكَامِ الْهُدَى
بِهِ . فَعَظِّمُوا مِنْهُ سُبْحَانَهُ مَا
عَظَّمَ مِنْ نَفْسِهِ ، فَإِنَّهُ لَمْ
يُخْفِ عَنْكُمْ شَيْئاً مِنْ دِينِهِ ،
وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً رَضِيَهُ أَوْ
كَرِهَهُ إِلاَّ وَجَعَلَ لَهُ عَلَماً
بَادِياً ، وَآيَةً مُحْكَمَةً ، تَزْجُرُ
عَنْهُ ، أَوْ تَدْعُو إِلَيْهِ ، فَرِضَاهُ
فِيَما بَقِيَ وَاحِدٌ ، وَسَخَطُهُ
فِيَما بَقِيَ وَاحِدٌ .

وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرْضَى
عَنْكُمْ بِشَيء سَخِطَهُ عَلَى مَنْ كَانَ
قَبْلَكُم ، وَلَنْ يَسْخَطَ عَلَيْكُمْ
بِشَيْء رَضِيَهُ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ .
وَإِنَّمَا تَسِيرُونَ فِي أَثَر بَيِّن ،
وَتَتَكَلَّمُونَ بِرَجْعِ قَوْل قَدْ
قَالَهُ الرِّجَالُ مِنْ قَبْلِكُمْ . قَدْ
كَفَاكُمْ مَؤُونَةَ دُنْيَاكُمْ ،
وَحَثَّكُمْ عَلَى الشُّكْرِ ، وَافْتَرَضَ
مِنْ أَلْسِنَتِكُمُ الذِّكْرَ .
وَأَوْصَاكُمْ بِالتَّقْوَى ، وَجَعَلَهَا
مُنْتَهَى رِضَاهُ وَحَاجَتَهُ مِنْ
خَلْقِهِ . فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي
أَنْتُمْ بِعَيْنِهِ [2425] ، وَنَوَاصِيكُمْ
بِيَدِهِ ، وَتَقَلُّبُكُمْ فِي قَبْضَتِهِ .إِنْ
أَسْرَرْتُمْ عَلِمَهُ ، وَإِنْ
أَعْلَنْتُمْ كَتَبَهُ; قَدْ وَكَّلَ
بِذلِكَ حَفَظَةً كِرَاماً ، لاَ
يُسْقِطُونَ حَقّاً ، وَلاَ يُثْبِتُونَ
بَاطِلاً .

وَاعْلَمُوا أنـّهُ مَنْ يَتَّقِ
اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً مِنَ
الْفِتَنِ ، وَنُوراً مِنَ الظُّلَمِ ،
وَيُخَلِّدْهُ فِيَما اشْتَهَتْ نَفْسُهُ ،
وَيُنْزِلْهُ مَنْزِلَةَ الْكَرَامَةِ
عِنْدَهُ ، فِي دَار اصْطَنَعَهَا
لِنَفْسِهِ ; ظِلُّهَا عَرْشُهُ ، وَنُورُهَا
بَهْجَتُهُ ، وَزُوَّارُهَا مَلائِكَتُهُ ،
وَرُفَقَاؤُهَا رُسُلُهُ ; فَبَادِرُوا
الْمَعَادَ ، وَسَابِقُوا الاجَالَ ،
فَإِنَّ النَّاسَ يُوشِكُ أَنْ يَنْقَطِعَ
بِهِمُ الاَْمَلُ ، وَيَرْهَقَهُمُ
الاَْجَلُ [2426] ، وَيُسَدَّ
عَنْهُمْ بَابُ التَّوْبَةِ . فَقَدْ
أَصْبَحْتُمْ فِي مِثْلِ مَا سَأَلَ
إِلَيْهِ الرَّجْعَةَ [2427] مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ ، وَأَنْتُمْ بَنُو سَبِيل ،
عَلَى سَفَر مِنْ دَار لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ
، وَقَدْ أُوذِنْتُمْ مِنْهَا
بِالاِرْتِحَالِ ، وَأُمِرْتُمْ فِيهَا
بِالزَّادِ .

وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهذَا
الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النَّارِ
، فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ ، فَإِنَّكُمْ
قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ
الدُّنْيَا .

أَفَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ
مِنَ الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ ، وَالْعَثْرَةِ
تُدْمِيهِ ، وَالرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ ؟
فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ
مِنْ نَار ، ضَجِيعَ حَجَر ، وَقَرِينَ
شَيْطَان ! أَعَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكاً [2428]
إِذَا غَضِبَ عَلَى النَّارِ حَطَمَ
بَعْضُهَا بَعْضَاً لِغَضَبِهِ ، وَإِذَا
زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا
جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ !

أَيُّهَا الْيَفَنُ الْكَبِيرُ [2429]
، الَّذِي قَدْ لَهَزَهُ الْقَتِيرُ [2430]
، كَيْفَ أَنْتَ إِذَا الْتَحَمَتْ
أَطْوَاقُ النَّارِ بِعِظَامِ الاَْعْنَاقِ
، وَنَشِبَتِ الجَوَامِعُ [2431] حَتَّى أَكَلَتْ
لُحُومَ السَّوَاعِدِ . فاللهَ اللهَ
مَعْشَرَ الْعِبَادِ ! وَأَنْتُمْ
سَالِمُونَ فِي الصِّحَّةِ قَبْلَ السُّقْمِ
، وَفِي الْفُسْحَةِ قَبْلَ الضِّيقِ .
فَاسْعَوْا فِي فَكَاكِ رِقَابِكُمْ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا [2432] .
أَسْهِرُوا عُيُونَكُمْ ، وَأَضْمِرُوا
بُطُونَكُمْ ، وَاسْتَعْمِلُوا
أَقْدَامَكُمْ ، وَأَنْفِقُوا
أَمْوَالَكُمْ ، وَخُذُوا مِنْ
أَجْسَادِكُمْ فَجُودُوا بِهَا عَلَى
أَنْفُسِكُمْ ، وَلاَ تَبْخَلُوا بِهَا
عَنْهَا ، فَقَدْ قَالَ اللهُ
سُبْحَانَهُ : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ
يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)

[2433]
وَقَالَ تَعَالَى : «مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً
فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)

[2434]
فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ مِنْ ذُلٍّ ،
وَلَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ ;
اسْتَنْصَرَكُمْ (وَلَهُ جُنُودُ
السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْض وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

[2435] .
وَاسْتَقْرَضَكُمْ (وَلَهُ خَزَائِنُ
السِّمَاوَاتِ وَالاَْرْض ، وَهُوَ
الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)

[2436] . وَإِنَّمَا
أَرَادَ أَنْ يَبْلُوَكُمْ [2437]
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً . فَبَادِرُوا
بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ
اللهِ فِي دَارِهِ . رَافَقَ بِهمْ رُسُلَهُ ،
وَأَزَارَهُمْ مَـلاَئِكَتَهُ ، وَأَكرَمَ
أَسْمَاعَهُمْ أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ [2438]
نَار أَبَداً ، وَصَانَ أَجْسَادَهُمْ أَنْ
تَلْقَى لُغُوباً وَنَصَباً [2439] : (ذلِكَ
فَضْلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ، وَ
اللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)

[2440] .

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ، وَ اللهُ
الْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِي
وَأَنْفُسِكُمْ ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ !

ومن كلام له عليه السلام

قاله للبرج بن مسهر الطائي ، وقد قال
له بحيث يسمعه : «لاحكم إلا للّه» ، وكان من
الخوارج :

اسْكُتْ قَّبَحَكَ اللهُ [2441] يَا
أَثْرَمُ [2442] ، فَوَ اللهِ
لَقَدْ ظَهَرَ الْحَقُّ فَكُنْتَ فِيهِ
ضَئِيلاً [2443] شَخْصُكَ ،
خَفِيّاً صَوْتُكَ; حَتَّى إِذَا نَعَرَ [2444]
الْبَاطِلُ نَجَمْتَ [2445] نُجُومَ قَرْنِ
الْمَاعِزِ .

ومن خطبة له عليه السلام

حمد اللهِ تعالى

الْحَمْدُ لله الِّذِي لاَ
تُدْرِكُهُ الشَّوَاهِدُ ، وَلاَ تَحْوِيهِ
الْمَشَاهِدُ ، وَلاَ تَرَاهُ النَّوَاظِرُ ،
وَلاَ تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ ، الدَّالُّ
عَلَى قِدَمِهِ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ ،
وَبِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلَى وَجُودِهِ ،
وَبِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لاَ شَبَهَ
لَهُ . الَّذِي صَدَقَ فِي مِيعَادِهِ ،
وَارْتَفَعَ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِه ، وَقَامَ
بِالْقِسْطِ فِي خَلْقِهِ ، وَعَدَلَ
عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِ . مُسْتَشْهِدٌ
بِحُدُوثِ الاَْشْيَاءِ عَلَى
أَزَلِيَّتِهِ ، وَبِمَا وَسَمَهَا بِهِ
مِنَ الْعَجْزِ عَلَى قُدْرَتِهِ ، وَبِمَا
اضْطَرَّهَا إِلَيْهِ مِنَ الْفَنَاءِ عَلَى
دَوَامِهِ . وَاحِدٌ لاَ بِعَدَد [2446] ،
وَدَائِمٌ لاَ بِأَمَد [2447] ، وَقَائِمٌ لا
بِعَمَد . تَتَلَقَّاهُ الاَْذْهَانُ لاَ
بِمُشَاعَرَة [2448] ، وَتَشْهَدُ
لَهُ الْمَرَائِي [2449] لاَ بِمُحَاضَرَة
. لَمْ تُحِطْ بِهِ الاوْهَامُ ، بَلْ
تَجَلَّى لَهَا بِهَا ، وَبِهَا امْتَنَعَ
مِنْهَا ، وَإِلَيْهَا حَاكَمَهَا . لَيْسَ
بِذِي كِبَر امْتَدَّتْ بِهِ النِّهَايَاتُ
فَكَبَّرَتْهُ تَجْسِيماً ، وَلاَ بِذِي
عِظَم تَنَاهَتْ بِهِ الْغَايَاتُ
فَعَظَّمَتْهُ تَجْسِيداً ; بَلْ كَبُرَ
شَأْناً ، وَعَظُمَ سُلْطَاناً .

الرسول الاعظم

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّفِيُّ ،
وَأَمِينُهُ الرَّضِيُّ صلى الله عليه وآله
أَرْسَلَهُ بِوُجُوبِ الْحُجَجِ ، وَظُهُورِ
الْفَلَـجِ [2450] ، وَإِيضَاحِ
الْمَنْهَجِ ; فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ
صَادِعاً [2451] بِهَا ، وَحَمَلَ
عَلَى الَْمحَجَّةِ دالاًّ عَلَيْهَا ،
وَأَقَامَ أَعْـلاَمَ الاهْتِدَاءِ ،
وَمَنَارَ الضِّيَاءِ ، وَجَعَلَ
أَمْرَاسَ [2452] الاِْسْـلاَمِ
مَتِينَةً ، وَعُرَا الاِْيمَانِ وَثِيقَةً .

منها في صفه خلق أصناف
من الحيوان

وَلَوْ فَكَّرُوا فِي عَظِيمِ
الْقُدْرَةِ ، وَجَسِيمِ النِّعْمَةِ ،
لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِيقِ ، وَخَافُوا
عَذَابَ الْحَرِيقِ ، وَلكِنِ الْقُلُوبُ
عَلِيلَةٌ ، وَالْبَصَائِرُ مَدْخُولَةٌ !
أَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى صَغِيرِ مَا خَلَقَ
، كَيْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ ، وَأَتْقَنَ
تَرْكِيبَهُ ، وَفَلَقَ لَهُ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ ، وَسَوَّى لَهُ الْعَظْمَ
وَالْبَشَرَ [2453] ! انْظُرُوا إِلَى
الَّنمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا ،
وَلَطَافَةِ هَيْئَتِهَا ، لاَ تَكَادُ
تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ ، وَلاَ
بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ ، كَيْفَ دَبَّتْ
عَلَى أَرْضِهَا ، وَصُبَّتْ عَلَى
رِزْقِهَا ، تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى
جُحْرِهَا ; وَتُعِدُّهَا فِي
مُسْتَقَرِّهَا . تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا
لِبَرْدِهَا ، وَفِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا [2454]
; مَكْفُولَةٌ بِرِزْقِهَا ، مَرْزُوقَةٌ
بِوِفْقِهَا [2455] ; لاَ يُغْفِلُهَا
الْمَنَّانُ ، وَلاَ يَحْرِمُهَا
الدَّيَّانُ ، وَلَوْ فِي الصَّفَا [2456]
الْيَابِس ، وَالْحَجَرِ الْجَامِسِ ! وَلَوْ
فَكَّرْتَ فِي مَجَارِي أَكْلِهَا ، فِي
عُلْوِهَا وَسُفْلِهَا ، وَمَا فِي
الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ [2457]
بَطْنِهَا ، وَمَا فِي الرَّأْس مِنْ
عَيْنِهَا وَأُذُنِهَا ، لَقَضَيْتَ مِنْ
خَلْقِهَا عَجَباً ، وَلَقِيتَ مِنْ
وَصْفِهَا تَعَباً ! فَتَعَالَى الَّذِي
أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا ، وَبَنَاهَا
عَلَى دَعَائِمِهَا ! لَمْ يَشْرَكْهُ فِي
فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ ، وَلَمْ يُعِنْهُ
عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ . وَلَوْ
ضَرَبْتَ فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ
غَايَاتِهِ ، مَا دَلَّتْكَ الدَّلاَلَةُ
إِلاَّ عَلَى أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ
هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ ، لِدَقِيقِ
تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْء ، وَغَامِض
اخْتِلاَفِ كُلِّ حَيٍّ . وَمَا الْجَلِيلُ
وَاللَّطِيفُ ، وَالثَّقِيلُ وَالْخَفِيفُ ،
وَالْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ ، فِي خَلْقِهِ
إِلاَّ سَوَاءٌ .

خلقة السماء والكون

وَكَذلِكَ السَّمَاءُ وَالْهَوَاءُ ،
وَالرِّيَاحُ وَالْمَاءُ . فانْظُرْ إِلَى
الشَّمْس وَالْقَمَرِ وَالنَّبَاتِ
وَالشَّجَرِ ، وَالْمَاءِ وَالْحَجَرِ ،
وَاخْتِلاَفِ هذَا اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ،
وَتَفَجُّرِ هذِهِ الْبِحَارِ ، وَكَثْرَةِ
هذِهِ الْجِبَالِ ، وَطُولِ هذِهِ
الْقِلاَلِ [2458] وَتَفَرُّقِ
هذِهِ اللُّغَاتِ ، وَالاَْلْسُنِ
الُْمخْتَلِفَاتِ . فَالوَيْلُ لِمَنْ
أَنْكَرَ الْمُقَدِّرَ ، وَجَحَدَ
الْمُدَبِّرَ ! زَعَمُوا أَنَّهُمْ
كَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ ، وَلاَ
لاِخْتِلاَفِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ ; وَلَمْ
يَلْجَؤُوا [2459] إِلَى حُجَّة
فِيَما ادَّعَوا ، وَلاَ تَحْقِيق لِمَا
أَوْعَوْا [2460] ، وَهَلْ يَكُونُ
بِنَاءٌ مِنْ غَيْرِ بَان ؟ أَوْ
جِنَايَةٌ مِن غَيْرِ جَان ؟

خلقة الجرادة

وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِي
الْجَرَادَةِ ، إِذْ خَلَقَ لَهَا
عَيْنَيْنِ حَمْرَاوَيْنِ ، وَأَسْرَجَ
لَهَا حَدَقَتَيْنِ قَمْرَاوَيْنِ [2461] ،
وَجَعَلَ لَهَا السَّمْعَ الْخَفِيَّ ،
وَفَتَحَ لَهَا الْفَمَ السَّوِيَّ ،
وَجَعَلَ لَهَا الْحِسَّ الْقَوِيَّ ،
وَنَابَيْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ ،
وَمِنْجَلَيْنِ [2462] بِهِمَا تَقْبِضُ
. يَرْهَبُهَا الزُّرَّاعُ فِي زَرْعِهمْ ،
وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ ذَبَّهَا [2463] ،
وَلَوْ أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ ، حَتَّى
تَرِدَ الْحَرْثَ فِي نَزَوَاتِهَا [2464]
، وَتَقْضِي مِنْهُ شَهَوَاتِهَا .
وَخَلْقُهَا كُلُّهُ لاَ يُكَوِّنُ
إِصْبَعاً مُسْتَدِقَّةً .

فَتَبَارَكَ اللهُ الَّذِي يَسْجُدُ
لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْض
طَوْعاً وَكَرْهاً ، وَيُعَفِّرُ لَهُ
خَدّاً وَوَجْهاً ، وَيُلْقِي إِلَيْهِ
بِالْطَّاعَةِ )

بالطاعة إليهِ( سِلْماً
وَضَعْفاً ، وَيُعْطِي لَهُ الْقِيَادَ
رَهْبَةً وَخَوْفاً ! فَالطَّيْرُ
مُسَخَّرَةٌ لاَِمْرِهِ ; أَحْصَى عَدَدَ
الرِّيش مِنْهَا وَالنَّفَسَ ، وَأَرْسَى
قَوَائِمَهَا عَلَى النَّدَى [2465]
وَالْيَبَس ; وَقَدَّرَ أَقْوَاتَهَا ،
وَأَحْصَى أَجْنَاسَهَا . فَهذَا غُرَابٌ
وَهذَا عُقَابٌ .وَهذَا حَمَامٌ وَهذَا
نَعَامٌ دَعَا كُلَّ طَائِر بَاسْمِهِ ،
وَكَفَلَ لَهُ بِرِزْقِهِ . وَأَنْشَأَ
السَّحَابَ الثِّقَالَ فَأَهْطَلَ [2466]
دِيَمَهَا [2467] ، وَعَدَّدَ
قِسَمَهَا [2468] . فَبَلَّ
الاَْرْضَ بَعْدَ جُفُوفِهَا وَأَخْرَجَ
نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا [2469] .

[2364] قَطَنوا: أقاموا .

[2365] ظَعَنوا: رحلوا .

[2366] أُشرعت: سُدّدت
وصُوّبت نحوهم .

[2367] الهامات: الرؤوس .

[2368] استفلَّهم: دعاهم
للتفلّل: وهو الانهزام عن الجماعة .

[2369] حَسَبُهُم
بخروجهم: كافيهم من الشرّ خروجهم ، والباء
زائدة .

[2370] الارتكاس: الانقلاب والانتكاس .

[2371] صدّهم: إعراضهم .

[2372] الجِماح: الجموح
وهو أن يغلب الفرس راكبه . والمراد تعاصيهم
وغلوّهم وإفراطهم .

[2373] التيه: الضلال .

[2374] المِدْرعة: ثوب
يعرف عند بعض العامة بالدراعية ، قميص ضيق
الاكمام ، قال في القاموس: ولا يكون إلاّ من
صوف .

[2375] الثَفِنَة ـ بكسر
بعد فتح ـ: ما يمس الارض من البعير بعد
البُروك ويكون فيه غلظ من ملاطمة الارض .
وكذلك كان في جبين أمير المؤمنينعليه السلام
من كثرة السجود .

[2376] النوامي: جمع نام
بمعنى زائد .

[2377] الطَوْل ـ بفتح
الطاء وسكون الواو ـ: الفضل .

[2378] خَنَعَ: ذل وخضع .

[2379] يتعاوره: يتداوله
ويتبادل عليه .

[2380] موطَّدات:
مُثبـّتات في مَداراتها على ثقل أجرامها .

[2381] التلكّؤ:
التَوقّف والتباطؤ .

[2382] ادلهمام الظلمة:
كثافتها وشدّتها .

[2383] السُجُف ـ بضمتين ـ: جمع سِجاف ـ
ككتاب ـ: الستر .

[2384] الجلابيب ـ جمع جِلْبَاب ـ : ثوب
واسع تلبسه المرأة فوق ثيابها كأنه مِلْحَفة
. ووجه الاستعارة فيها ظاهر .

[2385] الحَنادس: جمع
حِنْدِس - بكسر الحاء ـ: الليل المظلم .

[2386] شاع: تفرق.

[2387] الغَسَق: الظلمة
، والداجي: الشديد الظلام .

[2388] الساجي: الساكن .

[2389] المُتَطَأطئات:
المنخفضات .

[2390] اليفـاع: التل أو المرتفع مطلقاً
من الارض . والسُفْع ـ جمع سَفْعاء ـ السوداء
تضرب إلى الحمرة ، والمراد منها الجبال ;
عبر عنها بلونها فيما يظهر للنظر على بعد .

[2391] ما يَتَجَلْجَل
به الرعد: صوته ، والجَلْجَلَة: صوت الرّعد .

[2392] تَلاشت: اضمحلت ، وأصله من لَشِىء
بمعنى خَسّ بعد رفعة . وما يضمحل عنه البرق هو
الاشياء التي تُرى عند لمعانه .

[2393] العواصف: الرياح
الشديدة ; وإضافتها للانواء من إضافة الشيء
لمصاحبه عادةً . والانواء ـ جمع نَوْء ـ:
أحد منازل القمر ، يعدّها العرب ثمانية
وعشرين يغيب منها عن الافق في كل ثلاث عشرة
ليلةً منزلةٌ ويظهر عليه أخرى .

[2394] السماء هنا: المطر .

[2395] الوهم هنا:
الفكرة والتوهم .

[2396] «لا يَشْغَلُه سائل»: لاحاطة علمه
وقدرته .

[2397] النائل: العطاء .

[2398] الاين: المكان .

[2399] الازواج: هنا القُرَناء والامثال
، أي لا يقال: ذو قرناء ، ولا هو قرين لشيء .
ويراد من هذا نفي الاثنينية والتعدد عنه جلّ
شأنه .

[2400] «لا يُخْلَقُ
بعلاج»: أي أنه لا يشبه المخلوقات في احتياج
وجودها إلى معالجة ومزاولة ، لانه بذاته
واجب الوجود سبحانه .

[2401] اللَهَوَات ـ جمع
لهَاة ـ: اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى
الفم .

[2402] المتكلف: هو شديد التعرض لما لا
يعنيه .

[2403] الحُجُرات: جمع
حُجْرة - بضم الحاء ـ: الغرفة .

[2404] المُرْجَحِنّ ـ
كالمقشعرّ ـ: المائل لثقله والمتحرك يميناً
وشمالاً .

[2405] متولّهة: أي حائرة أو متخوّفة .

[2406] الرياش: اللباس
الفاخر .

[2407] الطُعْمة ـ بالضم
ـ: المأكلة ، أي ما يؤكل . والمراد الرزق
المقسوم .

[2408] جُنّة
الحِكْمة: ما يحفظها على صاحبها من الزهد
والورع . وأصل الجُنّة الوقاية . ومنه
الدّرع والمجنّ . وما يُتّقَى به .

[2409] عَسِيب الذَنَب:
أصله .

[2410] الجِران ـ ككتاب ـ: مقدّمُ عُنُق
البعير من المذبح إلى المَنْحَر . والبعير
أقل ما يكون نفعه عند بروكه . وإلصاق
جِرانِهِ بالارض كناية عن الضعف .

[2411] استَوْسَقَتِ
الابِل: اجتمعت وانضمّ بعضها إلى بعض .

[2412] الرَنِقُ ـ بكسر
النون وفتحها وسكونها ـ: الكَدِر .

[2413] عمار بن ياسر: من
السابقين الاولين .

[2414] أبو الهيثم مالك
بن التّيهان - بتشديد الياء وكسرها: من أكابر
الصحابة .

[2415] ذو الشهادتين: خُزَيْمة بن ثابت
الانصاري ، قبل النبيصلى الله عليه وآله
وسلم شهادته بشهادة رجلين في قصة مشهورة .

[2416] أُبرِدَ برؤوسهم:
أي أُرسلت مع البريد بعد قتلهم إلى الفجرة
البغاة للتشفي منهم رضي الله عنهم .

[2417] أوِّهِ: بفتح
الهمزة وكسر الواو وتشديدها وكسر الهاء ـ:
كلمة توجّع .

[2418] المَنْصبَة ـ
كمصطبة ـ: التعب .

[2419] هجَم عليه ـ كنصر
ـ: دخل غفلة .

[2420] المُعْتَبَرُ مصدر ميمي: الاعتبار
والاتعاظ .

[2421] التصرف هنا: التبدّل .

[2422] المصاحّ جمع مَصِحّة - بكسر الصاد
وفتحها ـ بمعنى الصحة والعافية .

[2423] استَحْمَد: أي
طلب من خلقه أن يحمدوه .

[2424] ارتهَنَ عليهم
أنفسَهم: حبس نفوسهم وجعلها رَهْناً على
الوفاء بميثاقهم .

[2425] يقال «فلان بعين
فلان» إذا كان بحيث لا يخفى عليه منه شيء .

[2426] يَرْهَقُهُم
بالاجل: أي يَغْشاهم بالمنية .

[2427] يريد بالرجعة هنا
مايسأله الانسان المذنب من العودة إلى
الدنيا ليعمل صالحاً كما قال الله تعالى :
ربّ ارجعونِ لعلي أعملُ صالحاً فيما تركت...
المؤمنون : 100 .

[2428] مالك: هو الموكّل
بالجحيم .

[2429] اليَفَن ـ
بالتحريك ـ: الشيخ المسنّ .

[2430] لَهَزَهُ: أي خالطه . والقَتير:
الشيب .

[2431] نَشِبَتْ ـ كفرحت
ـ: عَلِقَت . والجوامع ـ جمع جامعة ـ:
الغُلّ لانها تجمع اليدين إلى العنق .

[2432] غَلِقَ الرهنُ ـ
كفرح ـ: استحقّه صاحب الحق ، وذلك إذا لم يكن
فكاكه في الوقت المشروط .

[2433] محمّد: 7 .

[2434] الحديد: 11 .

[2435] الفتح: 4 .

[2436] المنافقين: 7 .

[2437] يَبْلوكم: يختبركم .

[2438] الحسِيس: الصوت
الخفي .

[2439] لَغِب: كسمع ومنع
وكرم ـ لَغَباً ولُغُوباً: أُعيي أشد
الاعياء . والنَصَب: التعب أيضاً .

[2440] الحديد: 21 .

[2441] قَبَّحَكَ اللهُ
: كسرك ، كما يقال: قبحت الجوزة: كسرتها .

[2442] أثْرَمُ: ساقط
الثنيّة من الاسنان .

[2443] الضئيل: النحيف
المهزول ، كناية عن الضعف .

[2444] نَعَرَ : أي صاح .

[2445] نَجَمَتْ: ظهرت
وبرزت . والتشبيه بقرن الماعز في الظهور على
غير شرف ولا شجاعة ولا قدم ، بل على غفلة .

[2446] واحد لا بعدد: أي
لا يتكون من أجزاء .

[2447] الامَد: الغاية .

[2448] المُشَاعَرة:
انفعال إحدى الحواس بما تحسّه من جهة عُروض
شيء منه عليها .

[2449] المَرَائي ـ جمع
مِرْآة بالفتح ـ: وهي المنظر ، أي تشهد له
مناظر الاشياء لا بحضوره فيها شاخصاً
للابصار .

[2450] الفَلَج: الظفر ،
وظهوره: علو كلمة الدين .

[2451] صادعاً: جاهراً .

[2452] الامراس: جمع
مَرَس بالتحريك وهو جمع مَرَسة - بالتحريك ـ:
وهو الحبل .

[2453] البَشَر جمع
بَشَرة ، وهي ظاهر الجلد الانساني .

[2454] الصَدَر ـ
محرّكاً ـ: الرجوع بعد الورود .

[2455] بِوِفْقِها:
بكسر الواو ، أي بما يوافقها من الرزق ويلائم
طبعها .

[2456] الصَفا: الحجر
الاملس لا شقوق فيه . والجامس: الجامد .

[2457] الشَرَاسِيف:
مَقَاطّ الاضلاع: وهي أطرافها التي تشرف على
البطن .

[2458] القِلال ـ جمع
قُلّة بالضم ـ وهي رأس الجبل .

[2459] لم يلجؤوا : لم
يستندوا .

[2460] أوْعاه: كَوَعاه
- بمعنى حفظه .

[2461] قَمْرَاوَيْن:
أي مضيئين ، كأن كلا منهما ليلة قمراء أضاءها
القمر .

[2462] المِنْجَل ـ
كمنبر ـ آلة من حديد معروفة يُقْضَبُ بها
الزرع . قالوا: أراد بهما هنا ، رِجْلي
الجرادة ، لاعوجاجهما وخُشونتهما .

[2463] ذَبَّها: دفعها .

[2464] نَزَواتها:
وثباتها ، نزا عليه: وثَبَ .

[2465] «الندى»: هنا
مقابل اليَبَس بالتحريك .

[2466] الهَطْل ـ
بالفتح ـ: تتابع المطر والدمع .

[2467] الدِّيَم ـ
كالهِمَم ـ جمع دِيمة: مطر يدوم في سكون بلا
رعد ولا برق .

[2468] تعديد القِسَم:
إحصاء ما قُدّر منها لكل بقعة .

[2469] جُدوب الارض:
يَبَسها لاحتجاب المطر عنها .

/ 35