ومن
كلام له عليه السلام
في صفة من يتصدى للحكمبين الاُمة وليس لذلك بأَهل :
إِنَّ
أَبْغَضَ الْخَلاَئِقِ إِلَى اللهِ
رَجُلاَنِ :
رَجُلٌ
وَكَلَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ [286] ; فَهُوَ
جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ [287] ،
مَشْغُوفٌ [288] بِكَلامِ بِدْعَة [289] ، وَدُعَاءِ
ضَلاَلَة ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ
افْتَتَنَ بِهِ ، ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ
كَانَ قَبْلَهُ ، مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى
بِهِ في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ ،
حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ ، رَهْنٌ ) رهين
(بِخَطِيئَتِهِ [290] .
وَرَجُلٌ
قَمَشَ جَهْلاً [291] ، مُوضِعٌ فِي
جُهَّالِ الاُْمَّةِ [292] ، عَاد [293] ) غادر( في
أَغْبَاشِ [294] الْفِتْنَةِ ، عَم [295] بِمَا في
عَقْدِ الْهُدْنَةِ [296] ; قَدْ سَمَّاهُ
أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً وَلَيْسَ بِهِ ،
بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْع ; مَا
قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَحَتَّى
إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاء آجِن [297] ،
وَاكْتَثَرَ [298] ) اكتنز( مِن غَيْرِ
طَائِل [299] ، جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ
قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ [300] مَا
الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ [301] ، فَإِنْ
نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ
هَيَّأَ لَهَا حَشْواً [302] رَثّاً [303] مِنْ
رَأْيِهِ ، ثُمَّ قَطَعَ بِهِ ، فَهُوَ
مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ في مِثْلِ نَسْجِ
الْعَنْكَبُوتِ . لاَ يَدْرِي أَصَابَ
أَمْ أَخْطَأَ ; فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ
يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ ، وَإِنْ أَخْطَأَ
رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ . جَاهِلٌ
خَبَّاطُ [304] جَهَالاَت ،
عَاش [305]
رَكَّابُ عَشَوَات [306] ، لَمْ يَعَضَّ
عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْس قَاطِع . يَذْرُو [307] ) يذري(
الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ ) اذراء( الرِّيحِ
الْهَشِيمَ [308] . لاَ مَلِيٌّ [309]
ـ وَاللهِ ـ بِإصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ ،
وَلاَ أَهْلٌ لِمَا قُرِّظَ بِهِ [310] ) فوّض
إليه( لاَ يَحْسَبُ الْعِلْمَ في شَىْء
مِمَّا أَنْكَرَهُ ، وَلاَ يَرَى أَنَّ
مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً
لِغَيْرِهِ ، وَإنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ
أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ [311] لِمَا يَعْلَمُ
مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ ، تَصْرُخُ مِنْ
جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ ، وَتَعُجُّ [312]
مِنْهُ الْمَوَارِيثُ . إِلَى اللهِ
أَشْكُو مِنْ مَعْشَر يَعيِشُونَ جُهَّالاً ،
وَيَمُوتُونَ ضُلاَّلاً ، لَيْسَ فِيهمْ
سِلْعَةٌ أَبْوَرُ [313] مِنَ الْكِتَابِ
إِذَا تُِليَ حَقَّ تِلاوَتِهِ، وَلاَ
سِلْعَةٌ، أَنْفَقُ [314] بَيْعاً وَلاَ
أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا
حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ، وَلاَ
عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ ،
وَلاَ أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْكَرِ !
ومن
كلام له عليه السلام
في ذم اختلاف العلماءفي الفتيا
ذم
أهل الرأي
تَرِدُعَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ في حُكْم
مِنَ الاَْحْكَامِ فَيَحْكُمُ فِيهَا
بِرَأْيِهِ ، ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ
الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ
فَيَحْكُمُ فِيها بِخِلافِ قَوْلِهِ ) بخلافه(
، ثُمَّ يَجْتَمعُ الْقُضَاةُ بِذلِكَ
عِنْدَ الاِْمَامِ الَّذِى اسْتَقْضَاهُمْ [315] ،
فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً ـ
وَإِلـهُهُمْ واحِدٌ ! وَنَبِيُّهُمْ
وَاحِدٌ ، وَكِتَابُهُمْ ، وَاحِدٌ !
أَفَأَمَرَهُمُ اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ
بِالاِخْتِلاَفِ فَأَطَاعُوهُ ؟! أَمْ
نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ؟!!! .
الحكم
للقرآن
أَمْأَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً
فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ ؟
أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ ، فَلَهُمْ
أَنْ يَقُولُوا ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى
؟ أَمْ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ دِيناً
تَامَّاً فَقَصَّرَ الرَّسُولُ صلى الله
عليه واله عَنْ تَبْلِيغِهِ وَأَدَائِهِ ؟
وَاللهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ : (مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء) [316]
وَفِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيء ،
وَذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ
بَعْضُهُ بَعْضاًوَأَنَّهُ لاَ اخْتِلاَفَ
فِيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ : (وَلَوْ كَانَ
مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ
اخْتِلاَفاً كَثِيراً) [317] . وَإِنَّ
الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ [318]
وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ ، لاَ تَفْنَى
عَجَائِبُهُ ، وَلاَ تَنْقَضِي غَرَائِبُهُ ،
وَلاَ تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إلاَّ بِهِ .
ومن
كلام له عليه السلام
قال للاشعث بن قيس وهو على منبر الكوفةيخطب ، فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه
الاشعث فيه ، فقال : يا أمير المؤمنين ،
هذه عليك لا لك ، فخفض عليه السلام إليه
بصره ثم قال :
مَا
يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي ،
عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللهِ وَلَعْنَةُ
اللاَّعِنِينَ ! حَائِكٌ ابْنُ حَائِك !
مُنَافِقٌ ابْنُ كَافِر ! وَاللهِ لَقَدْ
أَسَرَكَ الْكُفْرُ مَرَّةً وَالاِْسْلامُ
أُخْرى ! فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَة
مِنْهُمَا مَالُكَ وَلاَ حَسَبُكَ ! وَإِنَّ
امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ
السَّيْفَوَسَاقَ إِلَيْهِمُ الْحَتْفَ ،
لَحَرِىٌّ أَنْ يَمْقُتُهُ الاَْقْرَبُ ،
وَلاَ يَأْمَنَهُ الاَْبْعَدُ !
قال السيد الشريف الرضي رضي الله عنه
: يريد عليه السلام أنه أسر في الكفر مرة وفي
الاسلام مرة . وأما قوله : «دل على قومه
السيف» فأراد به حديثاً كان للاشعث مع خالد بن
الوليد باليمامة ، غرّ فيه قومه ومكر بهم
حتّى أوقع بهم خالد ، وكان قومه بعد ذلك
يسمونه «عُرْفَ النار» وهو اسم للغادر عندهم .
ومن
خطبة له عليه السلام
فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْمَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ
لَجَزَعْتُمْ وَوَهِلْتُمْ [319] ،
وَسَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ ، وَلكِنْ
مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا ،
وَقَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ !
وَلَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ ،
وَأُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ ،
وَهُدِيتُمْ إِنْ اهْتَدَيْتُمْ ،
وَبِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ : لَقَدْ
جَاهَرَتْكُمُ الْعِبَرُ [320] . وَزُجِرْتُمْ
بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ . وَمَا يُبَلِّغُ
عَنِ اللهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاءِ [321]
إِلاَّ الْبَشَرُ .
ومن
خطبة له عليه السلام
وهي كلمة جامعة للعظةوالحكمة
فَإِنَّ
الْغَايَةَ أَمَامَكُمْ ، وَإِنَّ
وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ [322] تَحْدُوكُمْ [323] .
تَخَفَّفُوا [324] تَلْحَقُوافَإِنَّمَا
يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ .
قال السيد الشريف الرضي رضي الله عنه
: أقول : إن هذا الكلام لو وزن ، بعد كلام
الله سبحانه وبعد كلام رسول الله صلى الله
عليه واله ، بكل كلام لمال به راجحاً ،
وبرّز عليه سابقاً . فأما قوله عليه السلام
: «تخففوا تلحقوا» فما سمع كلام أقل منه
مسموعاً ولا أكثر محصولاً ، وما أبعد غورها
من كلمة ! وأنقع [325] نطفتها [326] من حكمة !
وقد نبهنا في كتاب «الخصائص» [327] على عظم
قدرها وشرف جوهرها .
ومن
خطبة له عليه السلام
حين بلغه خبر الناكثينببيعته
وفيها
يذم عملهم ويلزمهم دم عثمان ويتهددهم بالحرب
أَلاَوَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ذَمَّرَ حِزْبَهُ [328] ،
وَاسْتَجْلَبَ جَلَبَهُ [329] ، لِيَعُودَ
الْجَوْرُ إلَى أَوْطَانِهِ ، وَيَرْجِعَ
الْبَاطِلُ إِلى نِصَابِهِ [330] .
وَاللهِ
مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً ، وَلاَ
جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نَصِفاً [331] .
وَإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقَّاً هُمْ
تَرَكُوهُ ، وَدَماً هُمْ سَفَكُوهُ :
فَلَئِن كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ
لَهُمْ لَنَصِيبَهُمْ مِنْهُ ، وَلَئِنْ
كَانُوا وَلُوهُ دُوني ، فَمَا
التَّبِعَةُ إِلاَّ عِنْدَهُمْ . وَإِنَّ
أَعْظَمَ حُجَّتِهِمْ لَعَلَى أَنْفُسِهِمْ ،
يَرْتَضِعُونَ أُمّاً قَدْ فَطَمَتْ [332] ،
وَيُحْيُونَ بِدْعَةً قَدْ أُمِيتَتْ .
يا
خَيْبَةَ الدَّاعِي ! مَنْ دَعَا ! وَإِلاَمَ
أُجِيبَ ؟ وَإِنِّي لَرَاض بِحُجَّةِ اللهِ
عَلَيْهِمْ وَعِلْمِهِ فِيهمْ . فَإِنْ
أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ
وَكَفَى بِهِ شَافِياً مِنَ الْبَاطِلِ ،
وَنَاصِراً لِلْحَقِّ !
وَمِنَ
الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَىَّ أَنْ أَبْرُزَ
لِلطِّعَانِ ! وَأَنْ أَصْبِرَ لِلْجِلادِ !
هَبِلَتْهُمُ [333] الْهَبُولُ [334] !
لَقَدْ كُنْتُ وَمَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ ،
وَلاَ أُرْهَبُ بِالضَّرْبِ ! وَإِنِّي
لَعَلَى يَقِين مِنْ رَبِّي ، وَغَيْرِ
شُبْهَة مِنْ دِيني .
ومن
خطبة له عليه السلام
وتشتمل على تهذيبالفقراء بالزهد وتأديب الاغنياء بالشفقة
تهذيب
الفقراء
أَمَّابَعْدُ ، فَإِنَّ الاَْمْرَ يَنْزِلُ مِنَ
السَّمَاءِ إِلَى الاَْرْضِ كَقَطَرَاتِ
الْمَطَرِ إلَى كُلِّ نَفْس بِمَا قُسِمَ
لَهَا مِنْ زِيَادَة أَوْ نُقْصَان ،
فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ لاَِخِيهِ
غَفِيرَةً [335] في أَهْل أَوْ مَال
أَوْ نَفْس فَلاَ تَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً ;
فَإنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ
يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ فَيَخْشَعَ لَهَا
إِذَا ذُكِرَتْ ، وَيُغْرَى بِهَا لِئَامُ
النَّاسِ ، كَانَ كَالْفَالِجِ [336]
الْيَاسِرِ [337] الَّذِي
يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَة مِنْ قِدَاحِهِ
تُوجِبُ لَهُ الْمَغْنَمَ ، وَيُرْفَعُ
بِهَا عَنْهُ الْمَغْرَمُ وَكَذلِكَ
الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ الْبَرِيءُ مِنَ
الْخِيَانَةِ يَنتَظِرُ مِنَ اللهِ إِحْدَى
الْحُسْنَيَيْنِ : إِمَّا دَاعِيَ اللهِ
فَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لَهُ ،
وَإِمَّا رِزْقَ اللهِ فَإِذَا هُوَ ذُو
أَهْل وَمَالوَمَعَهُ دِينُهُ وَحَسَبُه .
وإِنَّ الْمالَ والْبَنِينَ حَرْثُ
الدُّنْيَا ، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ
حَرْثُ الاخِرَةِ ، وَقَدْ يَجْمَعُهُمَا
اللهُ تَعَالَى لاَِقْوَام ، فَاحْذَرُوا
مِنَ اللهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ ،
وَاخْشَوْهُ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِير [338] ،
وَاعْمَلُوا في غَيْرِ رِيَاء وَلاَ سُمْعَة
; فَإِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللهِ
يَكِلْهُ اللهَ [339] لِمَنْ عَمِلَ
لَهُ . نَسْأَلُ اللهِ مَنَازِلَ
الشُّهَداءِ ، وَمُعَايَشَةَ
السُّعَدَاءِ ، وَمُرَافَقَةَ
الانْبِيَاءِ .
تأديب
الاغنياء
أَيُّهَاالنَّاسُ ، إِنَّهُ لاَ يَسْتَغْنِي
الرَّجُلُ ـ وَإِنْ كَانَ ذَا مَال ـ عَنْ
عَشِيرَتِهِ ) عِتْرَتِهِ( وَدِفَاعِهِمْ
عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ ،
وَهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً [340] مِنْ
وَرَائِهِ ، وَأَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ [341] ،
وَأَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَة
إِذَا نَزَلَتْ بِهِ . وَلِسَانُ
الصِّدْقِ [342] يَجْعَلُهُ اللهُ
لِلْمَرْءِ في النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ
الْمَالِ يُوَرِّثُهُ غَيْرَهُ .
ومنها :
أَلاَ لاَ يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ
الْقَرَابَةِ يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ [343]
أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لا يَزِيدُهُ
إِنْ أَمْسَكَهُ وَلاَ يَنْقُصُهُ إِنْ
أَهْلَكَهُ [344] ; وَمَنْ يَقْبِضْ
يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ ، فَإِنَّمَا
تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ ،
وَتُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْد كَثِيرَةٌ
; وَمَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ
قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ .
قال السيد الشريف الرضي رضي الله عنه
: أقول : الغفيرة ها هنا الزيادة والكثرة ،
من قولهم للجمع الكثير : الجم الغفير ،
والجماء الغفير . ويروى «عِفْوة من أهل أو
مال» والعِفْوة : الخيار من الشيءيقال : أكلت
عِفْوةَ الطعام ، أي خياره . وما أحسن
المعنى الذي أراده عليه السلام بقوله : «ومن
يقبض يده عن عشيرته ... » إلى تمام الكلام ،
فإن الممسك خيره عن عشيرته إنما يمسك نفع يد
واحدة ; فإذا احتاج إلى نصرتهم ، واضطر إلى
مرافدتهم [345] قعدوا عن نصره ،
وتثاقلوا عن صوته ، فمنع ترافد الايدي
الكثيرة ، وتناهض الاقدام الجمة .
ومن
خطبة له عليه السلام
الدعوة إلى طاعة اللهوَلَعَمْرِي مَا عَلَيَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ
خَالَفَ الْحَقَّ ، وَخَابَطَ الْغَيَّ [346] ،
مِنْ إدْهَان [347] وَلاَ إيِهَان [348] .
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ،
وَفِرُّوا إِلَى اللهِ مِنَ اللهِ [349] ،
وَامْضُوا فِي الَّذِي نَهَجَهُ لَكُمْ [350] ،
وَقُومُوا بِمَا عَصَبَهُ بِكُمْ [351] ،
فَعَلِيٌّ ضَامِنٌ لِفَلْجِكُمْ [352]
آجِلاًإِنْ لَمْ تُمْنَحُوهُ عَاجِلاً .
ومن
خطبة له عليه السلام
وقد تواترت [353] عليه الاَخبارباستيلاءِ أَصحاب معاوية على البلاد ،
وقدم عليه عاملاه على اليمن ، وهما عبيد
الله بن عباس وسعيد بن نَمْرَان لما غلب
عليهما بُسْرُ بن أَبي أَرْطَاة فقام عليه
السلام على المنبر ضجراً بتثاقل أَصحابه عن
الجهاد ، ومخالفتهم له في الرأْي ، فقال
:
مَا هِيَ
إِلاَّ الْكُوفَةُ ، أَقْبِضُهَا
وَأَبْسُطُهَا [354] ، إِنْ لَمْ
تَكُوني إِلاَّ أَنْتِ ، تَهُبُّ
أَعاصِيرُك [355] فَقبَّحَك اللهُ !
وتمثل بقول الشاعر :
لَعَمْرُ أَبِيكَ الْخَيْرِ يَا
عَمْرُو إِنَّني عَلَى وَضَر [356]
ـ مِنْ ذَا الاِْنَاءِ ـ قَلِيلِ
ثم قال
عليه السلام :
أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ [357] ،
وَإِنِّي وَاللهِ لاََظُنُّ أَنَّ هؤُلاءِ
الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ [358]
بِاجْتِمَاعِهمْ عَلَى بَاطِلِهمْ ،
وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ ،
وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ في
الْحَقِّ ، وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ في
الْبَاطِلِ ، وَبِأَدَائِهِمُ
الاَْمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ
وَخِيَانَتِكُمْ ، وَبِصَلاَحِهمْ في
بِلاَدِهِمْ وَفَسادِكُمْ . فَلَوِ
ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْب [359]
لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاَقَتِهِ [360]
اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ
وَمَلُّونِيوَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي ،
فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ ،
وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرَّاً مِنِّي اللَّهُمَّ
مِثْ قُلُوبَهُمْ [361] كَمَا يُمَاثُ
الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، أَمَا وَاللهِ
لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِس
مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْم .
هُنَالِكَ ، لَوْ دَعَوْتَ ،
أَتَاكَ مِنْهُمْ فَوَارِسُ
مِثْلُ أَرْمِيَةِ الْحَمِيمِ
ثم نزل عليه السلام من المنبر
قال السيد الشريف الرضي رضي الله عنه
: أقول : الارمية جمع رَميٍّ وهو السحاب ،
والحميم ها هنا : وقت الصيف ، وإنما خص
الشاعر سحاب الصيف بالذكر لانه أشد جفولاً ،
وأسرع خُفوفاً [362] لانه لا ماء فيه ،
وإنما يكون السحاب ثقيل السير لامتلائه
بالماء ، وذلك لا يكون في الاكثر إلا زمان
الشتاء ، وإنما أراد الشاعر وصفهم بالسرعة
إذا دُعوا ، والاغاثة إذا استغيثوا ،
والدليل على ذلك قوله : «هنالك ، لو دعوت ،
أتاك منهم ... »
[286] وكله الله إلى
نفسه : تركه ونفسَهُ.
[287] جائرٌ عن قصد السبيل : هنا عادل عن
جادّتهِ.
[288] المشغوف بشي : المولع به حتى بلغ حبه
شغاف قلبه، وهو غلافه.
[289] كلام البِدْعة : ما
اخترعته الاهواء ولم يعتمد على ركن من الحق
ركين.
[290] رَهْنٌ بخطيئته :
لا مخرج له منها.
[291] قَمَشَ جهلاً :
جمعه، وأصل القَمْش جمع المتفرق.
[292] «مُوضِعٌ في جُهّالِ الامّة» :
مسرع فيها بالغش والتغرير، أوضع البعير :
أسرع وأوضعه راكبه فهو مُوضِعٌ به أي مسرع به.
[293] عاد : جار بسرعة، من عَدَا يَعْدو
إذا جرى .
[294] أغباش : جمع غَبَش
بالتحريك، وأغباش الليل : بقايا ظلمته.
[295] عَم : وصف من العمى والمراد : جاهل.
[296] عَقْدُ الهُدْنة : الاتفاق على
الصلح والمسالمة بين الناس.
[297] الماءُ الاجِنُ :
الفاسد المتغير اللون والطعم.
[298] اكْتَثَرَ : اسْتَكْثَرَ.
[299] غير طائل : دونٌ، خسيسٌ.
[300] التخليص :
التّبْيِين.
[301] التبسَ على غيره : اشتَبَهَ عليه.
[302] الحَشْوُ : الزائد
الذي لا فائدة فيه.
[303] الرّثّ : الخَلَقُ البالي، ضد الجديد.
[304] خَبّاط : صيغة
المبالغة من خبط الليل إذا سار فيه على غير
هدى.
[305] عاش : خابط في الظلام.
[306] العَشَوَات : جمع عَشْوَة مثلثة
الاول : وهي ركوب الامر على غير هدى.
[307] يَذْرُو : ينثر،
وهو أفصح من يُذْرِي إذراءً. قال الله تعالى «فأصبح
هَشيماً تَذْرُوهُ الرّياح».
[308] الهَشِيمُ : ما يَبِسَ من النّبْتِ
وتهشّمَ وَتَفَتّتَ.
[309] اَلملِيّ بالشيء : القَيّمُ به الذي
يجيد القيام عليه.
[310] ولا أهل لما قُرّظَ
به : مُدح، وهذه رواية ابن قتيبة وهي أنسب
بالسياق من الرواية المشهورة.
[311] إكتَتَم به : فوّض
إليه : كتمه وستره لما يعلم من جهل نفسه.
[312] العَجّ : رفع
الصوت، وعجّ المواريث هنا : تمثيل لحدّةِ
الظلم وشدّة الجَوْر.
[313] أبْوَرُ من بَارَت
السّلْعة : كَسَدَتْ.
[314] أنْفَقُ من
النّفَاق - بالفتح - وهو الرّواج .
[315] الامام الذي
استقضاهم : الخليفة الذي ولاّهم القضاء.
[316] الانعام : 38 .
[317] النساء : 82 .
[318] أنيق : حسن مُعْجِبٌ بأنواع البيان
وآنقني الشيء : أعجبني.
[319] الوَهَلُ : الخوف
والفزع، من وَهِلَ يَوْهَلُ.
[320] جَاهَرَتْكُمُ
العِبَرُ : انتصبت لتنبهكم جهراً وصرحت لكم
بعواقب أُموركم، والعِبر جمع عِبْرَة.
والعبرة : الموعظة.
[321] رُسُلُ السماء :
الملائكة.
[322] الساعة : يوم
القيامة.
[323] تَحْدُوكم : تَسُوقكم إلى ما تسيرون
عليه.
[324] تَخَفّفُوا : المراد هنا التخففُ من
أوزار الشهوات .
[325] أنْقَع : من قولهم :
«الماء ناقع ونقيع» أي ناجع، أي إطفاء العطش.
[326] النّـُطْفة : الماء الصافي.
[327] خصائص الائمة
عليهم السلام : ص 112 طبع مجمع البحوث الاسلامية
- 1406 هــق - مشهد .
[328] ذَمّرَ حِزْبَهُ :
حثهم وحضّهم وهو بالتشديد أدلّ على التكثير.
ويروى مخففاً أيضاً من باب ضرب ونصر.
[329] الجَلَب - بالتحريك : ما يُجلب من
بلد إلى بلد، وهو فعلٌ بمعنى مفعول مثل سَلَب
بمعنى مسلوب، والمراد هنا بقوله «استجلب
جَلَبَه» جمع جماعته، كقوله «ذَمّرَ حزبه».
[330] النّـِصَاب - بكسر
النون - الاصل أو المنبت وأول كل شيء .
[331] النّصِف - بالكسر -
المنصف، أي : لم يحكّموا رجلا عادلاً بيني
وبينهم.
[332] أُمّاً قد
فَطَمَتْ : أي تركت إرضاع ولدها بعد أن ذهب
لبنها. يشبّه به طلَب الامر بعد فواته.
[333] هَبِلَتْهُم :
ثَكِلَتْهُم.
[334] الهَبُول : بفتح
الهاء - المرأة التي لا يبقى لها ولد. وهو دعاء
عليهم بالموت.
[335] غفيرة : زيادة
وكثرة.
[336] الفالج : الظافر،
فَلَجَ يَفْلُجُ - كنصر ينصر - : ظفر وفاز. ومنه
المثل: «من يأتِ الحكم وحده يَفْلُجُ».
[337] الياسر : الذي يلعب بقِداح الميسر
أي: المقامر. وفي الكلام تقديم وتأخير،
ونَسَقُهُ : كالياسر الفالج . كقوله تعالى
وغرابيب سُود ، وحسَّنَهُ أن اللفظتين صفتان،
وإن كانت إحداهما إنما تأتي بعد الاخرى إذا
صاحبتها.
[338] التعذير : مصدر
عذّرَ تَعْذيراً : لم يثبتْ له عُذْر.
[339] يَكِلُه الله :
يتركه . من وَكَلَ يَكِلُ مثل وزن يزن.
[340] حَيْطة، كبَيْعَة :
رعاية وكلاءة.
[341] الشَعَث - بالتحريك
- : التفرق والانتشار.
[342] لسان الصدق :
حُسْنُ الذكر بالحق .
[343] الخَصَاصة : الفقر
والحاجة الشديدة، وهي مصدر خَصّ الرجل - من
باب عَلِمَ - خَصَاصاً وخَصاصة. وخصاصاً - بفتح
الخاء في الجميع - إذا احتاج وافتقر، قال
تعالى : ويُؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم
خَصاصةٌ.
[344] أهلك المالَ :
بَذَلَهُ.
[345] المُرافَدَةُ :
اُلمعاوَنَة.
[346] خابَطَ الغَيَّ :
صارع الفساد، وأصل الخبْط : السير في الظلام،
وهذا التعبير أشد مبالغة من خَبَطَ في الغي،
إذ جعله والغي متخابطَيْن يخبط أحدهما في
الاخر.
[347] الادْهانُ :
المنافَقَةُ والمصانَعَةُ، ولا تخلو من
مخالفة الباطن للظاهر.
[348] الايهان : مصدر أوْهَنْتُهُ، بمعنى
أضْعَفْته.
[349] فِرّوا إلى الله من الله : اهربوا إلى
رحمة الله من عذابه.
[350] نَهجَهُ لكم :
أوْضَحَهُ وبَيّنَه.
[351] عَصَبَهُ بكم : من باب ضرب ربطه بكم.
أي : كلّفكم به، وألزمكم أداءه.
[352] فَلْجكم : ظَفَركم
وفَوْزكم.
[353] تواترت عليه
الاخبار : ترَادَفَتْ وتواصَلَتْ.
[354] أقْبِضُها
وأبْسُطُها : أي أتصرف فيها كما يتصرف صاحب
الثوب في ثوبه يقبضه أو يبسطه .
[355] الاعاصير : جمع
إعصار، وهي ريح تهب وتمتد من الارض نحو السماء
كالعمود .
[356] الوَضرُ - بالتحريك
- بقية الدّسم في الاناء .
[357] اطّلَعَ اليمنَ :
غَشِيَها بجيشه وغزاها وأغار عليها.
[358] سَيُدَالُونَ منكم
: سيغلبونكم وتكون لهم الدولة بَدَ لَكُمْ.
[359] القَعْب - بفتح
القاف - : القدح الضخم.
[360] عِلاقة القَعْب : - بكسر العين - : ما
يعلق منه من ليف أو نحوه.
[361] مِثْ قلوبهم :
أذِبْها مَاثَهُ يَمِيثه : أذابه.
[362] خُفُوفاً : مصدر
غريب لخَفّ بمعنى انتقل وارتحل مسرعاً،
والمصدر المعروف «خفّاً» .