المرحلة الثانية - رویه الله بین التنزیه والتشبیه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رویه الله بین التنزیه والتشبیه - نسخه متنی

عبدالکریم البهبهانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


المرحلة الثانية




استدلّ الأشاعرة على وقوع رؤية
الله سبحانه في الآخرة من قبل المؤمنين
بالآيات التالية:


1 ـ قوله تعالى: (وجوه يومئذ
ناضرة * الى ربّها ناظرة) [14] .


2 ـ قوله تعالى: (كلا انّهم عن
ربّهم يومئذ لمحجوبون) [15] .


3 ـ قوله تعالى: (للذين أحسنوا
الحسنى وزيادة) [16] .


4 ـ قوله تعالى: (لهم ما يشاؤون
فيها ولدينا مزيد) [17] .


5 ـ قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا
بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإنَّهَا
لَكَبِيرَةٌ إلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ*
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أ نَّهُمْ
مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأ نَّهُمْ
إلَيْهِ رَاجِعُونَ) [18] .


هذه هي جملة الآيات التي
استدلّ بها الأشاعرة على أنّ المؤمنين
سيرون الله سبحانه وتعالى في الآخرة ، وقد
كانت معركة للآراء بينهم وبين أهل التنزيه
المحض، تجد ذلك مفصلاً في المصادر
الكلامية والتفسيرية من الفريقين [19] ،
خاصة الآية الاُولى التي كانت مورداً لنقض
وإبرام مترامي الأطراف من الفريقين الى
الحد الذي يجعل الباحث يتساءل : هل أن
ألفاظ الآية غامضة بحيث تسمح بظهور معركة
فكرية واسعة حولها؟


وهذا السؤال بالذات جعلنا نبحث
عن طريق أوضح وأكثر اختصاراً من الطريق
الذي سلكه متكلمو ومفسّرو الفريقين، وهو
أنّ حجة الأشاعرة من هذه الآيات تتم فيما
لو أنها تدل على وقوع الرؤية دلالة حتمية
بنحو لا يحتمل وجهاً آخر ودلالة اُخرى ،
بينما لا يحتاج مخالفوهم في إثبات مطلوبهم
الى أكثر من بيان وجه محتمل في هذه الآيات
يخالف الرؤية.


وسرّ الفرق بينهما أنّ
الأشاعرة يدّعون أمراً مخالفاً للمألوف ،
وهو تحقق الرؤية بلا كيفية، فيحتاجون الى
الإثبات القطعي الذي لا يقبل احتمالاً
مخالفاً، فإذا جاء مخالفوهم باحتمال
معارض كان ذلك كافياً لاسقاط ادّعاء
الرؤية، وبسقوطه يكون مطلوب أهل التنزيه
المحض قد تحقق، وهو انتفاء رؤية الله
سبحانه وتعالى. فالأصل هو انتفاء رؤية ما
لا جسم ولا كيفية له، والبيّنة على من
يدّعي خلافه، فإذا أقامها بنحو لا يقبل
الشبهة والترديد فهو المطلوب، وإذا
أقامها بنحو يقبل الشبهة والترديد فهو كمن
لم يقمها، وكأنه أراد الادّعاء
بالادّعاء، وقد قيل: إذا جاء الاحتمال بطل
الاستدلال، وحينما يبطل الاستدلال نعود
الى الأصل وهو انتفاء الرؤية.


وبهذا الطريق يمكننا أن نختصر
النقاش بين الطرفين، فإنّ الأشاعرة مهما
تمسّكوا بهذه الآيات، فإنّهم ليس بوسعهم
الادّعاء بأنّ هذه الآيات لا تقبل معنىً
آخر غير الرؤية البصرية، وغاية ما يمكنهم
الادّعاء به هو أنّ الرؤية البصرية هي
الاحتمال الراجح في هذه الآيات، وهذا بحد
ذاته لا يكفي لاثبات الرؤية البصرية ولا
يعني أ نّهم قد اقاموا الدليل القرآني
عليها لوجود عدّة احتمالات معارضة له.
ونحن هنا نعتبرها احتمالات، تنزلاً،
وإلاّ فإنّ أصحابها من أهل التنزيه المحض
يرونـها هـي المعنى الصحيح والمراد
المطلوب من تلك الآيات. ففـي الآيـة
الاُولى هناك احتمال أن يكون المراد بـ (وجوه
يومئذ ناضرة * الى ربّها ناظرة) انتظار رحمة
الله وفضله وثوابه، وهناك شواهد قرآنية
ولغوية كثيرة تؤيد أنّ النظر لا يلازم
الرؤية ، فقد يقترن بها ، وقد يفترق عنها،
لأنّ النظر هو مدّ الطرف نحو الشيء رآه أو
لم يره، وإذا أصرّ الأشاعرة على التلازم
بين النظر والرؤية فإنّ التلازم المدّعى
لا يدل حتماً على الرؤية البصرية، لاحتمال
أن يكون المراد بالرؤية حينئذ الرؤية
القلبية التي هي من خواص المؤمنين في
الدنيا والآخرة ، ومن الممكن أن تكون
رؤيتهم القلبية لله سبحانه وتعالى في يوم
القيامة أشد وأجلى بحيث تكون من أكبر
النعم التي سينعمون بها، وقد أحسن الشيخ
محمد مهدي النراقي المتوفّى سنة (1209 هـ )
تصوير وتقرير هذا المعنى في بحث رائع ضمن
كتابه جامع السعادات نقتطف منه ما يناسب
المقام ، حيث كتب يقول:


«ثم أهل السنّة قالوا: إنّ
الرؤية في الآخرة ـ مع تنزهها عن التخيّل
والتصوير والتقدير بالشكل والصورة
والتحديد بالجهة والمكان ـ تكون بالعين
دون القلب، وهو عندنا باطل. إذ الرؤية
بالعين محال في حقّ الله تعالى، سواء كانت
في الدنيا أو في الآخرة، فكما لا تجوز رؤية
الله سبحانه في الدنيا بالعين والبصر،
فكذلك لا تجوز في الآخرة، وكما تجوز رؤيته
في الآخرة بالعقل والبصيرة لأهل البصائر ـ
أعني غاية الانكشاف والوضوح بحيث تتأدّى
الى المشاهد واللقاء ـ فكذلك تجوز رؤيته
في الدنيا بهذا المعنى، والحجاب بينه وبين
خلقه ليس إلاّ الجهل وقلّة المعرفة دون
الجسد، فإنّ العارفين وأولياء الله
يشاهدونه في الدنيا في جميع أحوالهم
ومنصرفاتهم، وإن كان الحاصل في الآخرة
أزيد انكشافاً وأشد انجلاء بحسب زيادة
صفاء النفوس وزكائها وتجردها عن العلائق
الدنيوية ـ كما تقدّم مفصلاً ـ وقد ثبت ذلك
من أئمتنا الراشدين العارفين بأسرار
النبوّة، روى شيخنا الأقدم محمد بن يعقوب
الكليني وشيخنا الصدوق محمد بن علي بن
بابويه ـ رحمهما الله تعالى ـ باسنادهما
الصحيح عن الصادق(عليه السلام): أنّه سئل
عما يروون من الرؤية ، فقال: الشمس جزء من
سبعين جزء من نور الكرسي، والكرسي جزء من
سبعين جزء من نور العرش، والعرش جزء من
سبعين جزء من نور الحجاب، والحجاب جزء من
سبعين جزء من نور الستر، فإن كانوا صادقين
فليملأوا أعينهم من نور الشمس ليس دونها
سحاب.


وباسنادهما عن أحمد بن اسحاق
قال: كتبت الى أبي الحسن الثالث(عليه
السلام) أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه
الناس، فكتب : لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين
الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر، فإذا
انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصح
الرؤية وكان في ذلك الاشتباه، لأن الرائي
متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما
في الرؤية وجب الاشتباه، وكان ذلك
التشبيه، لأن الأسباب لابدّ من اتّصالها
بالمسببات.


وعن أبي بصير عن الصادق(عليه
السلام) قال: قلت له: أخبرني عن الله ـ عزّ
وجلّ ـ هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال:
نعم! وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت: متى؟
قال: حين قال لهم : (ألست بربّكم، قالوا بلا...)ثم
سكت ساعة، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في
الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في
وقتك هذا؟ قال أبو بصير: فقلت له: جعلت فداك!
فاُحدّث بهذا عنك؟ فقال: «لا ! فإنّك إذا
حدّثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما
تقوله، ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر . وليست
الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى
الله عما يصفه المشبهون والملحدون». وسُئل
أمير المؤمنين(عليه السلام): هل رأيت ربّك
حين عبدته؟ فقال: ويلك! ما كنت أعبد ربّاً
لم أره. قيل: وكيف رأيته؟ قال: ويلك! لا
تدركه العيون في مشاهدة الأبصار، ولكن
رأته القلوب بحقائق الإيمان [20] .


وقال سيد الشهداء(عليه السلام) :
كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر
إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك،
حتى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتى تحتاج
الى دليل يدل عليك، ومتى بعدت حتى تكون
الآثار هي التي توصل إليك، عميت عين لا
تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم
تجعل من حبّك نصيباً». وقال (عليه السلام):
تعرفت لكل شيء فما جهلك شيء وقال: وأنت
الذي تعرفت إليَّ في كل شيء، فرأيتك
ظاهراً في كل شيء، وأنت الظاهر لكل شيء [21]
، وأمثال ذلك مما ورد عنهم(عليهم السلام)أكثر
من أن تُحصى» [22] .


وهكذا فحتى لو نجحت محاولات
الأشاعرة لاثبات الرؤية بآية أو باُخرى
عبر استشهادات لغوية معينة، فسيبقى عليهم
اثبات أنّ الرؤية المقصودة في الآية رؤية
بصرية لا قلبية، وهذا ما لا سبيل عندهم
إليه.


أما أهل التنزيه المحض فلا
يحتاجون الى اثبات الرؤية القلبية، لأن
الرؤية البصرية أثبتوا استحالتها بالعقل،
والمسألة عندهم عقلية لا سمعية. فإذا جاء
القرآن الكريم بآيات تفيد الرؤية، وباب
الرؤية البصرية مسدود انحصر تفسيرها
عندهم بالرؤية القلبية، حيث لا مانع عقلي
ولا نقلي منها، بينما يحتاج الأشاعرة الى
مرحلتين من الاثبات، مرحلة اثبات دلالة
الآية على الرؤية، ومرحلة اثبات أنّ
الرؤية التي تقصدها الآية رؤية بصرية لا
قلبية، وقد اتّضح عجزهم عن كلتا
المرحلتين، وغالباً ما تتكئ مناقشات أهل
التنزيه للأشاعرة حول دلالة الآيات التي
يعتمدون عليها في اثبات الرؤية على
المرحلة الاُولى، ببيان عدم ثبوت الدلالة
على الرؤية كما هو واضح من مراجعة المصادر
الكلامية والتفسيرية ، وقد اتّضح أنه حتى
لو ثبتت الرؤية فإنّ ذلك لوحده لا يكفي
لاثبات مطلوبهم، بل سيحتاجون الى إثبات أن
الرؤية التي ستحصل في الآخرة هي رؤية
بصرية لا قلبية، وهو أمر متعذّر عليهم ،
لأن كل الآيات التي اُدّعي دلالتها على
الرؤية خالية من الإشارة الى البصر ، ومع
فقدان هذه الاشارة كيف يتاح لهم اثبات
الرؤية البصرية ونفي الرؤية القلبية.


ومجموع البحث في المرحلتين
يفيد اجتماع العجز العقلي مع السمعي عن
اثبات رؤية الله يوم القيامة رؤية بصرية،
ومن هنا نجد أن المعتزلة والإمامية
يعتبرون التنزيه منحصراً بهم، ولا يؤمنون
بما يدّعيه الأشاعرة من التنزيه، إذ لا
يكفي في التنزيه نفي الجسمية عن الله
نفياً لفظياً ، ولابدّ من الالتزام
باللوازم العقلية المترتبة عليه، فإذا
نفى شخص الجسمية ولم ينفِ لوازمها كان في
الحقيقة من جملة المجسمة، وإن أنكرهم
واشتدّ في الإنكارعليهم، وكان صادقاً في
قلبه في ذلك الإنكار ، لكنه في الحقيقة
يبقى منهم، لأنّ مسألة رؤية الله تحتمل
إما التجسيم وإما التنزيه ولا تحتمل أمراً
ثالثاً يتوسط بينهما، والواقع لا يتقبل
هذا الأمر المتوسط، ولذا آمن المجسمة
برؤية الله ، لأنه عندهم جسم من الأجسام،
وهم يعتقدون أن الله لو لم يكن جسماً لم
تصح رؤيته، وقد جعلوا الآيات التي تفيد
رؤيته ـ عندهم ـ من جملة الدلائل على
جسميته.


وفي المقابل عدّ أهل التنزيه
الأشاعرة ومن والاهم من جملة المجسمة،
ولذا قد يقع الباحث في متاهة حينما يطالع
كتب أهل التنزيه فيجد فيها اتّهامات
متوالية لرؤوس الأشاعرة بالتجسيم، ثم
يطالع كتب الأشاعرة فيجدها تنادي
بالتنزيه وشجب التجسيم، والسرّ هو ما
ذكرناه ، ويشتد الاتّهام بالتجسيم على من
ألّف كتاباً في اثبات صفات الله ورؤيته في
يوم القيامة بنحو من التفصيل بحيث يجري
الحديث فيها عن طول الله وعرضه ولحيته
ووجهه ويده...الخ. تعالى عن ذلك علوّاً
كبيراً ككتاب السنّة للخلال، وكتاب
السنّة المنسوب لعبدالله بن أحمد بن حنبل
، وكتاب الابانة لابن بطة، وكتب عثمان بن
سعيد الدارمي، وابطال التأويل لأبي يعلى
والايمان لابن منده، وشرح العقيدة
الطحاوية لابن أبي العز، والتوحيد لابن
خزيمة، وبعض كتب ابن تيمية وتلميذه ابن
القيّم الجوزية، وكتاب العلو للذهبي،
والاستقامة لخشيش بن أصرم.

/ 19