إنّ نرجس اُمّ الحجّة أسلمت على يد فاطمة
2624/ 1- جماعة عن أبي المفضّل الشيباني، عن محمّد بن بحر بن سهل الشيباني، قال: قال بشر بن سليمان النخّاس- و هو من ولد أبي أيّوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن و أبي محمّد عليه السلام و جارهما ب«سرّ من رآى»-:
أتاني كافور الخادم فقال: مولانا أبوالحسن عليّ بن محمّد العسكريّ عليه السلام يدعوك إليه.
فأتيته فلمّا جلست بين يديه، قال لي: يا بشر! إنّك من ولد الأنصار، و هذه الموالاة لم نزل فيكم يرثها خلف عن سلف، و أنتم ثقاتنا أهل البيت، و إنّي مزكّيك و مشرّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسرّ اُطلعك عليه، و اُنفذك في ابتياع أمة.
فكتب كتاباً لطيفاً بخطّ رومي و لغة روميّة، و طبع عليه خاتمه، و أخرج شقّة صفراء فيها مائتان و عشرون ديناراً، فقال:
خذها و توجّه بها إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السّبايا و ترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس، و شرذمة من فتيان العرب.
فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا و كذا، لابسة حريرين صفيقين، تمتنع من العرض و لمس المعترض و الانقياد لمن يحاول لمسها، و تسمع صرخة روميّة من وراء ستر رقيق.
فاعلم أنّها تقول: واهتك ستراه!
فيقول بعض المبتاعين: عليَّ ثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول له بالعربيّة: لو برزت في زيّ سليمان بن داود و على شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشفق على مالك.
فيقول النخّاس: فما الحيلة و لابدّ من بيعك.
فتقول الجارية: و ما العجلة، و لابدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه و إلى وفائه و أمانته.
فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس، و قل له: إنّ معك كتاباً ملطّفة لبعض الأشراف، كتبه بلغة روميّة و خطّ روميّ، و وصف فيه كرمه و وفاءه و نبله و سخاءه، تناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه و رضيته، فأنا وكيله في ابتياعها منك.
- قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبوالحسن عليه السلام في أمر الجارية-.
فلمّا نظرتْ في الكتاب بكت بكاء شديداً، و قالت لعمر بن يزيد: بعني من صاحب هذا الكتاب، و حلفت بالمحرّجة و المغلّظة أنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.
فما زلت اُشاحّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدّنانير، فاستوفاه و تسلّمت الجارية ضاحكة مستبشرة.
وانصرفت بها إلى الحجيرة الّتي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا عليه السلام من جيبها و هي تلثمه و تطبّقه على جفنها، و تضعه على خدّها، و تمسحه على بدنها.
فقلت تعجّباً منها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟
فقالت: أيّها العاجز الضّعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء! أعرني سمعك،
و فرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الرّوم، و اُمّي من ولد الحواريّين تنسب إلى وصيّ المسيح شمعون، اُنبّئك بالعجب.
إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه، و أنا من بنات ثلاث عشر سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريّين من القسّيسين والرهبان ثلاث مائة رجل، و من ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، و جمع من اُمراء الأجناد و قوّاد العسكر و نقباء الجيوش و ملوك العشاير أربعة آلاف، و أبرز من بهيّ ملكه عرشاً مساغاً من أصناف الجوهر، و رفعه فوق أربعين مرقاة.
فلمّا صعد ابن أخيه و أحدقت الصّلب و قامت الأساقفة عكّفاً، و نشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصّلب من الأعلى، فلصقت الأرض و تقوّضت أعمدة العرش، فانهارت إلى القرار، و خرّ الصاعد من العرش مغشيّاً عليه.
فتغيّرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك! اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدين المسيحي، و المذهب الملكاني.
فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً، و قال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة، و ارفعوا الصّلبان، واحضروا أخا هذا المدبّر العاهر المنكوس جدّه لاُزوّجه هذه الصبيّة، فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.
و لمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأوّل، و تفرّق النّاس، و قام جدّي قيصر مغتمّاً، فدخل منزل النساء، و اُرخيت السّتور.
و اُريت في تلك الليلة كأنّ المسيح و شمعون و عدّة من الحواريّين قد اجتمعوا في قصر جدّي، و نصبوا فيه منبراً من نور يباري السماء علوّاً و ارتفاعاً في الموضع الّذي كان نصب جدّي، و فيه عرشه، و دخل عليه محمّد صلى الله عليه و آله و ختنه و وصيّه عليه السلام وعدّة من أبنائه.
فتقدّم المسيح إليه، فاعتنقه فيقول له محمّد صلى الله عليه و آله: يا روح اللَّه! إنّي جئتك
خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا- و أومأ بيده إلى أبي محمّد عليه السلام ابن صاحب هذا الكتاب-.
فنظر المسيح إلى شمعون، و قال له: قد أتاك الشرف، فصل رحمك برحم آل محمّد عليهم السلام.
قال: قد فعلت.
فصعد ذلك المنبر، فخطب محمّد صلى الله عليه و آله و زوّجني من ابنه، و شهد المسيح عليه السلام و شهد أبناء محمّد عليهم السلام و الحواريّون.
فلمّا استيقظت أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل، فكنت اُسرّها ولا اُبديها لهم، و ضرب صدري بمحبّة أبي محمّد عليه السلام حتّى امتنعت من الطعام و الشراب، فضعفت نفسي، و دّق شخصي، و مرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مداين الروم طبيب إلّا أحضره جدّي، و سأله عن دوائي.
فلمّا برح به اليأس قال: يا قرّة عيني! هل يخطر ببالك شهوة فاُزوّدكها في هذه الدّنيا؟
فقلت: يا جدّي! أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من اُسارى المسلمين، و فككت عنهم الأغلال، و تصدّقت عليهم، و منّيتهم الخلاص، رجوت أن يهب المسيح و اُمّه عافية.
فلمّا فعل ذلك تجلّدت في إظهار الصحّة من بدني قليلاً، و تناولت يسيراً من الطعام، فسرّ بذلك و أقبل على إكرام الاُسارى و إعزازهم.
فاُريت أيضاً بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيّدة نساءالعالمين فاطمة عليهاالسلام قد زارتني، و معه مريم بنت عمران، و ألف من وصايف الجنان.
فتقول لي مريم: هذه سيّدة النساء عليهاالسلام اُمّ زوجك أبي محمّد عليه السلام.
فأتعلّق بها و أبكي و أشكو إليها امتناع أبي محمّد عليه السلام من زيارتي.
فقالت سيّدة النساء عليهاالسلام: إنّ ابني أبامحمّد صلى الله عليه و آله لايزورك، و أنت مشركة باللَّه
على مذهب النصارى، و هذه اُختي مريم بنت عمران تبرء إلى اللَّه من دينك، فإن ملت إلي رضى اللَّه تعالى و رضى المسيح و مريم عليهاالسلام و زيارة أبي محمّد عليه السلام إيّاك، فقولي: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أنّ أبي محمّداً رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني إلى صدرها سيّدة نساءالعالمين، و طيّب نفسي، و قالت: الآن توقّعي زيارة أبي محمّد عليه السلام، و إنّي منفذته إليك.
فانتبهت، و أنا أنول و أتوقّع لقاء أبي محمّد عليه السلام، فلمّا كان في الليلة القابلة رأيت أبامحمّد عليه السلام، و كأنّي أقول له: جفوتني يا حبيبي! بعد أن أتلفت نفسي في معالجة حبّك.
فقال: ما كان تأخّري عنك إلّا لشركك، فقد أسلمت و أنا زائرك في كلّ ليلة إلى أن يجمع اللَّه شملنا في العيان.
فلمّا قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
قال بشر: فقلت لها: و كيف وقعت في الاُسارى؟
فقالت: أخبرني أبومحمّد عليه السلام ليلة من الليالي أنّ جدّك سيسيّر جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا و كذا، ثمّ يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكّرة في زيّ الخدم، مع عدّة من الوصايف من طريق كذا.
ففعلت ذلك، فوقفت علينا طلايع المسلمين، حتّى كان من أمري ما رأيت و شاهدت، و ما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك، و ذلك باطّلاعي إيّاك عليه.
و لقد سألني الشيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي، فأنكرته و قلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.
قلت: العجب! أنّك روميّة، و لسانك عربيّ؟
قالت: نعم، من ولوع جدّي و حمله إيّاي على تعلّم الآداب أن أوعز إليّ امرأة ترجمانة له في الاختلاف إليّ، و كانت تقصدني صباحاً و مساء، و تفيدني
العربية حتّى استمرّ لساني عليها واستقام.
قال بشر: فلمّا انكفأت بها إلى «سرّ من رآى» دخلت على مولاي أبي الحسن عليه السلام، فقال:كيف أراك اللَّه عزّالإسلام، و ذلّ النصرانيّة، و شرف محمّد و أهل بيته عليهم السلام؟
قالت: كيف أصف لك يا بن رسول اللَّه! ما أنت أعلم به منّي؟
قال: فإنّي اُحبّ أن اُكرمك، فأيّما أحبّ إليك: عشرة آلاف دينار، أم بشرى لك بشرف الأبد؟
قالت: بشرى بولد لي.
قال لها: ابشري بولد يملك الدُّنيا شرقاً و غرباً، و يملأ الأرض قسطاً و عدلاً، كما ملئت ظلماً و جوراً.
قالت: ممّن؟ قال: ممّن خطبك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله له ليلة كذا، في شهر كذا، من سنة كذا بالروميّة.
قال لها: ممّن زوّجك المسيح عليه السلام و وصيّه؟
قالت: من ابنك أبي محمّد عليه السلام.
فقال: هل تعرفينه؟
قالت: و هل خلت ليلة لم يزرني فيها منذ الليلة الّتي أسلمت على يد سيّدة النساء عليهاالسلام.
قال: فقال مولانا: يا كافور! ادع اُختي حكيمة.
فلمّا دخلت، قال لها: هاهيه، فاعتنقتها طويلاً و سرّت بها كثيراً.
فقال لها أبوالحسن عليه السلام: يا بنت رسول اللَّه! خذيها إلى منزلك، و علّميها الفرائض و السنن، فإنّها زوجة أبي محمّد عليه السلام و اُمّ القائم عليه السلام.
البحار: 51/ 6- 11 ح 12، عن الغيبه للشيخ الطوسى.