في الفرق بين سياسة عليّ وسياسة معاوية وأتباعه - فصول المائة فی حیاة أبی الائمة أمیرالمؤمنین علی بن ابیطالب جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فصول المائة فی حیاة أبی الائمة أمیرالمؤمنین علی بن ابیطالب - جلد 2

سید اصغر ناظم زاده قمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


في الفرق بين سياسة عليّ وسياسة معاوية وأتباعه


قال الدكتور طه حسين المصري: إنّ الفرق بين عليّ عليه السلام ومعاوية في السيرة والسياسة كان عظيماً بعيد المدى، عرفت أنّ معاوية كان ينتظر عليّاً في ثبات وثقة واطمئنان، كان الفرق بين الرجلين عظيماً في السيرة والسياسة، فقد كان عليّ مؤمناً بالخلافة.. يرى أنّ من الحقّ عليه أن يقيم العدل بأوسع معانيه بين النّاس، لا يؤثر منهم أحداً على أحد، ويرى أنّ من الحقّ عليه أن يحفظ على المسلمين مالهم لا ينفقه إلّا بحقّه، فهو لا يستبيح لنفسه أن يصل النّاس من بيت المال، بل هو لا يستبيح لنفسه أن يأخذ من بيت المال لنفسه وأهله إلّا ما يقيم الأود لا يزيد عليه، فأمّا معاوية.. لا يجد في ذلك بأساً ولا جناحاً، فكان الطامعون يجدون عنده ما يريدون، وكان الزاهدون يجدون عند عليّ عليه السلام ما يحبّون.

وما رأيك في رجل جاء أخوه عقيل مسترفداً، فقال لابنه الحسن: 'إذا خرج عطائي فسر مع عمّك إلى السوق فاشتر له ثوباً جديداً، ونعلين جديدتين'، ثمّ لم يزد ذلك شيئاً، وما رأيك في رجل آخر - يعني معاوية - يأتيه عقيل هذا نفسه بعد أن لم يرضَ صلة أخيه فيعطيه من بيت المال مائة ألف؟

وعليّ عليه السلام لا يداهن في الدين، ولم يكن يبغض شيئاً كما يبغض وضع درهم من بيت مال المسلمين في غير موضعه أو إنفاقه في غير حقّه، كما كان يبغض المكر والكيد، وكلّ ما يتّصل بسبب من أسباب الجاهليّة الاُولى.

[ عليّ وبنوه للدكتور طه حسين: 59.]


وقال أبو عثمان الجاحظ ما ملخّصه: وربّما رأيت بعض من يظنّ بنفسه العقل والعلم ويظنّ أنّه من الخواصّ - وهو من العوامّ - يزعم أنّ معاوية كان أبعد غوراً، وأصحّ فكراً، وأجود مسلكاً من عليّ عليه السلام!! وليس الأمر كذلك، وسأرمي إليك بجملة تعرف موضع غلطه؛ وذلك أنّ عليّاً عليه السلام كان لا يستعمل في حروبه إلّا ما يوافق الكتاب والسنّة، وكان معاوية يستعمل ما يخالفهما كاستعماله ما يوافقهما، ويسير في الحرب بسيرة ملك الهند إذا لاقى كسرى، وخاقان إذا لاقى رُتبيل.

وكان عليّ عليه السلام يقول لأصحابه: 'لا تبدأوهم بالقتال حتّى يبدأوكم، ولا تتبعوا مدبراً، ولا تُجهزوا على جريح، ولا تفتحوا باباً مغلقاً'، هذه سيرته في ذي الكلاع، وفي أبي الأعور السُّلمي، وفي عمرو بن العاص، وفي حبيب بن مَسلمة، وفي جميع الرؤساء كسيرته في الحاشية والأتباع، ولكنّ أصحاب الحروب إنّما يقصدون الوجه الّذي به هلاك الخصم، وينتظرون وجه الفرصة، سواء كان مخالفاً للشريعة، كالحريق والغريق ودسّ السموم والتضريب بين النّاس بالكذب وإلقاء الكتب في العسكر بالسعاية أو موافقاً للشريعة، فعليّ عليه السلام كان ملجماً بالورع عن جميع القول إلّا ما هو للَّه رضا، وممنوع اليدين من كلّ بطش إلّا ما هو للَّه رضا، ولا يرى الرضا إلّا فيما يرضاه اللَّه ويحبّه، ولا يرى الرضا إلّا فيما دلّ عليه الكتاب والسنّة دون أصحاب الدهاء والنكراء والمكائد، فلمّا رأت العوامّ نوادر معاوية في المكائد، وكثرة غرائبه في الخداع، وما اتّفق له، وتهيّأ على يده، ولم يروا ذلك من عليّ عليه السلام ظنّوا بِقِصَرِ عقوله، وقلّة علومهم أنّ ذلك من رجحان عند معاوية ونقصان عند عليّ عليه السلام.

ثمّ انظر بعد ذلك كلّه، هل يعدّ لمعاوية من الخُدع إلّا رفع المصاحف في صفّين، ثمّ انظر هل خدع بها إلّا من عصى رأي عليّ عليه السلام وخالف أمره عن أصحابه؟!

فإن زعمت أنّه قال ما أراد من الاختلاف فقد صدقت، وليس في هذا اختلفنا، ولا عن غرارة أصحاب عليّ عليه السلام وعجلتهم وتسرّعهم وتنازعهم دفعنا، وإنّما كان البحث في التمييز بينه وبين معاوية في الدهاء والمكر وصحّة العقل والرأي إلى آخره.

[ شرح ابن أبي الحديد 228:10.]


قال الشارح المعتزلي: ومن تأمّل هذا الكلام بعين الإنصاف، ولم يتّبع الهوى علم صحّة جميع ما ذكره، وأنّ أمير المؤمنين عليه السلام دُفع - من اختلاف أصحابه وسوء طاعتهم له ولزومه سنن الشريعة ومنهج العدل، وخروج معاوية وعمرو بن العاص عن قاعدة الشرع في استمالة النّاس إليهم بالرغبة والرهبة - إلى ما يُدفع إليه غيره، فلولا أنّه عليه السلام كان عارفاً بوجوه السياسة وتدبير أمر السلطان والخلافة وحاذقاً في ذلك، لم يجتمع عليه إلّا القليل من النّاس، وهم أهل الآخرة خاصّة، الّذين لا ميل لهم إلى الدنيا، فلمّا وجدناه دَبّر الأمر حين وليه، واجتمع عليه من العساكر والأتباع ما يتجاوز العدّ والحصر، وقاتل بهم أعداءه الّذين حالهم حالهم، فظفر في أكثر حروبه، ووقف الأمر بينه وبين معاوية على سواء، وكان هو الأظهر والأقرب إلى الانتصار، علمنا أنّه من معرفة تدبير الدول والسلطان بمكان مكين.

[ المصدرالسابق 231:10، من أراد الاطّلاع على حيل معاوية وبعض حالاته يراجع المصدر السابق 334:1.]


موارد ممّا طعن على سياسة عليّ والجواب عنها


قال عبّاس محمود العقّاد ما محصّله: تسري في صفحات التأريخ أحكام مرتجلة يتلقّفها فم من فم، ويتوارثها جيل عن جيل، ويتّخذها السامعون قضيّة مسلّمة، مفروغاً عن بحثها والاستدلال عليها، ومن تلك الأحكام المرتجلة قولهم: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام رجلٌ شجاع، ولكن لا علم له بخدع الحرب والسياسة.

وقد شاع هذا الرأي في عصر عليّ عليه السلام بين أصحابه كما شاع بين أعدائه، وعزّر القول به أنّه خالف الدهاة من العرب فيما أشاروا به عليه، وأنّه لم ينجح بعد هذه المخالفة في معظم مساعيه، ولذا صار فشلاً في علمه وحكومته.

ثمّ قال: وهذه الأحكام الّتي خالفه فيها الدهاة أو خالفه فيها نقدة التاريخ الّذين نظروا إليها من الشاطئ ولم ينظروا إليها نظرة الربّان في غمرة العواصف والأمواج يمكن أن تنحصر في المسائل التالية. إلى آخر كلامه الّذي ذكر فيه عدّة اُمور، منها: عزل معاوية، وقبول التحكيم، وعزل قيس بن سعد عن ولاية مصر، تم أجاب عن جميعها.

[ عبقرية الإمام عليّ عليه السلام: 119.]


أقول: كلمة حقّ وقعت في محلّها؛ إذ مَن لم ينظر إلى أحكام عليّ عليه السلام نظرة الربّان في غمرة العواصف والأمواج، يرى أنّ أحكامه عليه السلام ليست عن حسن الرأي والتدبير وجودة السياسة، ولذا لا بدّ أن ينظر إليها مع الدقّة في ظروف تلك الأعصار وإمكاناتها ثمّ أظهر النظر في أحكامه عليه السلام.

وفيما يلي نذكر موارد ممّا طعن به على عليّ عليه السلام مع جوابه:

الطعن الأوّل من مطاعنهم: قالوا: إنّه قصّر في طلب الخلافة عند بيعة أبي بكر، وقد كان اجتمع له من بني هاشم وبني اُميّة وغيرهم من أفناء الناس من يتمكّن بهم من المنازعة وطلب الخلافة فقصّر عن ذلك، لا جُبناً؛ لأنّه كان أشجع البشر، ولكن قصور تدبير، وضعف رأي؟!

والجواب: ما أشار عليه السلام إليه في مواضع مختلفة، فقال في خطبته بمكّة في أوّل إمارته: 'وإيمُ اللَّه! ولا مخافة الفُرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر، ويبور الدين، لكنّا على غير ما كنّا لهم عليه، فَوَليَ الأمرَ ولاة لم يألوا النّاس خيراً'.

[ راجع: شرح ابن أبي الحديد 307:1.]


وقال عليه السلام في خطبته عند مسيره للبصرة: 'فرأيت أنّ الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفكِ دمائهم، والنّاس حديثُو عهد بالإسلام، والدينُ يُمخَضُ مَخْضَ الوَطْب، يُفِسُده أدنى وَهَن، ويعكسه أقلّ خُلْف، فوليَ الأمر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهاداً ثمّ انتقلوا إلى دار الجزاء' الحديث.

[ المصدر المتقدّم 308:1.]


وفي موضع ثالث: قال في جواب فاطمة عليهاالسلام حين حرّضته يوماً على النهوض والوثوب، فسمع صوت المؤذّن: أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه'، فقال لها: 'أيسرّك زوال هذا النداء من الأرض؟'، قالت: 'لا'، قال: 'فإنّه ما أقول لك'.

[ المصدر المتقدّم 113:11.]


الثاني من مطاعنهم: قالوا: لو كان حين بويع له بالخلافة في المدينة أقرّ معاوية على الشام إلى أن يستقرّ الأمر له ويتوطّد ويبايعه معاوية وأهل الشام، ثمّ يعزله بعد ذلك لكان قد كفى ما جرى بينهما من الحرب.

والجواب: قال العقّاد في مقام الجواب: وعندنا أنّ الإمام عليه السلام لم يكن مستطيعاً أن يقرّ معاوية في عمله لسببين:

أوّلهما: أنّه أشار على عثمان بعزله أكثر من مرّة، وكان إقراره وإقرار أمثاله من الولاة المستغلّين أهمّ المآخذ على حكومة عثمان في رأي عليّ عليه السلام وذوي الصلاح والاستقامة بين الصحابة، وكثيراً ما اعتذر عثمان من إقرار معاوية بأنّه من ولاة عمر بن الخطّاب... فكان عليّ عليه السلام لا يقبل هذا العذر ولا يزال يقول له: إنّه كان أخوف لعمر بن الخطّاب من غلامه - يرفأ - ولكنّه بعد موت عمر لا يخاف، فإذا أقرّه وقد وَلي الخلافة، فكيف يقع هذا الإقرار عند أشياعه؟ ألا يقولون: إنّه طالب حكم لا يعنيه إذا وصل إلى بغيته ما كان يقول وما سيقوله النّاس.

وثانياً: وإذا هو أعرض عن رأيه الأوّل، فهل في وسعه أن يُعرض عن آراء الثائرين الّذين بايعوه بالخلافة لتغيّر الحال والخروج من حكم عثمان إلى حكم جديد... الخ.

[ عبقرية الإمام عليّ عليه السلام: 124.]


وقال ابن أبي الحديد في الجواب عن هذا الايراد: انّ قرائن الأحوال حينئذٍ قد كان علم أمير المؤمنين عليه السلام منها أنّ معاوية لا يبايع له وإن أقرّه على ولاية الشام، بل كان إقراره له على إمرة الشام أقوى لحال معاوية، وآكد في الامتناع من البيعة، إلى آخره.

[ شرح ابن أبي الحديد 232:10.]


الثالث من مطاعنهم: قالوا: إنّه ترك طلحة والزبير حتّى خرجا إلى مكّة وأذن لهما في العمرة، وذهب عنه الرأي في ارتباطهما قبله ومنعهما من البعد عنه.

وأجاب عن ذلك الشارح المعتزلي بقوله: إنّه قد اختلفت الرواة في خروج طلحة والزبير من المدينة، هل كان بإذن عليّ عليه السلام أم لا، فمن قال: إنّهما خرجا بغير إذنه عليه السلام فسؤاله ساقط، ومَن قال: إنّهما استأذناه في العمرة، وأذن لهما، فقد روى أنّه قال: 'واللَّه! ما تريدان العمرة، وإنّما تريدان الغَدرة'، وخوّفهما باللَّه من التسرّع إلى الفتنة، وما كان يجوز له في الشرع أن يحبسهما، ولا في السياسة.

أمّا في الشرع: فلأنّه عليه السلام محظور أن يعاقب الإنسان بما لم يفعل، وعلى ما يُظنّ منه، ويجوز ألّا يقع، وأمّا في السياسة، فلأنّه لو أظهر التهمة لهما، وهما من أفاضل السابقين وجلّة المهاجرين لكان في ذلك من التنفير عنه ما لا يخفى، ومن الطعن عليه ما هو معلوم بأن يقال: إنّه ليس من إمامته على ثقة، فلذلك يتّهم الرؤساء، ولا يأمن الفضلاء، ولا سيّما طلحة كان أوّل من بايعه، والزبير لم يزل مشتهراً بنصرته، فلو حبسهما وأظهر الشكّ فيهما لم يسكن أحدٌ إلى جهته ولَنَفر كلُّهم عن طاعته.

فإن قالوا: فهلّا استصلحهما وولّاهما، وارتبطهما بالإجابة إلى أغراضهما؟ |وكان عبداللَّه بن عبّاس على هذا الرأي، فأنكره الإمام عليه السلام|.

[ المصدر المتقدّم 248:10، وبين المعقوفتين من كتاب عبقرية الإمام عليّ عليه السلام: 127.]


قلنا في الجواب: أوّلاً: أنّهما إذا تملّكا رقاب النّاس يستعملان السفيه بالطمع، ويضربان لاضعيف بالبلاء، ويقويان على القويّ بالسلطان، ثمّ ينقلبان عليه أقوى ما كانا بغير ولاية، وقد استفادا من إقامة الإمام لهما في الولاية تزكية يلزمانه بها الحجّة، ويثيران بها أنصاره عليه.

[ عبقرية الإمام عليّ عليه السلام: 127.]


وثانياً: فحوى هذا الكلام أنّكم تطلبون من أمير المؤمنين عليه السلام أن يكون في الإمامة مغلوباً على رأيه، مفتاتاً عليه في تدبيره، فيقرّ معاوية على ولاية الشام غصباً، ويولّي طلحة والزبير مصر والعراق كَرهاً، وهذا شي ء ما دخل تحته أحد ممّن قبله، ولا رضوا أن يكون لهم من الإمامة الاسم، ومن الخلافة اللفظ، ولقد حورب عثمان وحصر على أن يعزل بعض ولاته فلم يجب على ذلك، فكيف تسومون عليّاً عليه السلام أن يفتتح أمره بهذه الدنيّة ويرضى بالدخول تحت هذه الخطّة! وهذا ظاهر.

[ شرح ابن أبي الحديد 248:10.]


الرابع من مطاعنهم: قالوا: تولية أمير المؤمنين عليه السلام محمّد بن أبي بكر مصر، وعزله قيس بن سعد عنها، حتّى قتل بها، واستولى معاوية عليها.

والجواب: أنّه ليس بالإمكان أن يقال: إنّ محمّد بن أبي بكر لم يكن بأهلٍ لولاية مصر؛ لأنّه كان شجاعاً زاهداً فاضلاً، صحيح العقل والرأي، وكان مع ذلك من المخلصين في محبّة أمير المؤمنين عليه السلام والمجتهدين في طاعته، وممّن لا يتّهم عليه، ولا يُرتاب بنصحه، وهو ربيبهُ وخرِّيجه، ويجري مجرى أحدِ أولاده عليه السلام، لتربيته له وإشفاقه عليه.

ثمّ كان المصريّون على غاية المحبّة له، والإيثار لولايته، و لذا لمّا حاصروا عثمان وطالبوه بعزل عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح عنهم، اقترحوا تأميرَ محمّد بن أبي بكر عليهم، فكتب له عثمان بالعهد على مصر وصار مع المصريّين حتّى تعقّبه كتاب عثمان إلى عبداللَّه بن سعد في أمره وأمر المصريّين بما هو معروف، فعادوا جميعاً، وكان من قتل عثمان ما كان، فلم يكن ظاهر الرأي ووجه التدبير إلّا تولية محمّد بن أبي بكر على مصر لما ظهر من ميل المصريّين إليه وإيثارهم له...

فكان من فساد الأمر واضطرابه عليه حتّى كان ما كان، وليس ذلك بعيب على أميرالمؤمنين عليه السلام، فإنّ الاُمور إنّما يعتمدها الإمام عليه السلام على حسب ما يظنّ فيها من المصلحة، ولا يعلم الغيب إلّا اللَّه تعالى.

[ قوله: 'ولا يعلم الغيب الّا اللَّه' صحيح ولكن علم اللَّه تعالى بالغيب بالذات، و لا ينافى أن يكون صلى الله عليه و آله و الامام المعصوم مثل عليّ بن أبي طالب عليه السلام يعلم الغيب باذن اللَّه، كما هو اعتقادنا الامامية على ذلك، و لذا فقد يكون لدى علي عليه السلام من العلم بالحوادث الّذي اختصّه به رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وراجع تفصيل ذلك في فصل: "عليّ عليه السلام والمعجزات والإخبار بالمغيبات".]

وقد ولّى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في مؤتة جعفراً فقتل، وولّى زيداً فقتل، وولّى عبداللَّه بن رواحة فقتل وهزم الجيش، وعاد مَن عاد منهم إلى المدينة بأسوأ حال، فهل لأحدٍ أن يعيب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بهذا ويطعن في تدبيره؟!

[ شرح ابن أبي الحديد 249:10.]


الخامس من مطاعنهم: وقالوا: هلّا إذ ملك شريعة الفرات على معاوية، بعد أن كان معاوية ملكها عليه، ومنعه وأهل العراق منها منع معاوية وأهل الشام منها، فكان يأخذهم قبضاً بالأيدي؟ فإنّه لم يصبر على منعهم على الماء، بل فسح لهم في الورود، وهذا يخالف ما يقتضيه تدبير الحرب.

والجواب: أنّه عليه السلام لم يكن يستحلّ ما استحلّه معاوية من تعذيب البشر بالعطش، فإنّ اللَّه تعالى ما أمر في أحد من العصاة الّذين أباح دماءهم بذلك، ولا فسح فيه في نحو القصاص أو حدّ الزاني المحصَن أو قتل قاطع الطريق أو قتال البغاة والخوارج، وما كان أمير المؤمنين عليه السلام ممّن يترك حكم اللَّه وشريعته، ويعتمد ما هو محرّم فيها لأجل الغلبة والقهر والظفر بالعدوّ، ولذلك لم يكن يستحلّ البَيات

[ يقال: بيت العدوّ، إذا أوقع به ليلاً.]

ولا الغَدر ولا النكث، إلى آخره...

[ شرح ابن أبي الحديد 257:10.]


السادس من مطاعنهم: وقالوا: إنّ جماعة من أصحابه عليه السلام فارقوه وصاروا إلى معاوية كعقيل بن أبي طالب أخيه، والنجاشي شاعره، ورقبة بن مصقلة أحد الوجوه من أصحابه وغيرهم، ولولا أنّه كان يوحشهم ولا يستميلهم لم يفارقوه ويصيروا إلى عدوّه، وهذا يخالف حكمَ السيّاسة، وما يجب من تألّف قلوب الأصحاب والرعيّة.

والجواب: لا ننكر أن يكون كلّ مَن رغب في حطام الدنيا وزخرفها يميل إلى معاوية الّذي يبذل منها كلّ مطلوب، ويسمحُ بكلّ مأمول، ويطعم خراج مصر عمرو بن العاص، ويضمن لذي الكلاع وحبيب بن مسلمة ما يوفي على الرجاء والاقتراح، وعليّ عليه السلام لا يعدل فيما هو أمين عليه من مال المسلمين عن قضية الشريعة وحكم الملّة، حتّى يقول خالد بن معمر السدوسي لعلباء بن الهيثم - وهو يحمله على مفارقة عليّ عليه السلام واللحاق بمعاوية - اتّق اللَّه يا علباء في عشيرتك، وانظر لنفسك ولرحمك، ماذا تأمل عند رجل أردته على أن يزيد في عطاء الحسن والحسين دريهماتٍ يسيرة ريثما يرأبان بها ظلف عيشهما، فأبى وغضب فلم يفعل، هذا أوّلاً.

فأمّا عقيل، فالصحيح الّذي اجتمع ثقاتُ الرواة عليه أنّه لم يجتمع مع معاوية إلّا بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام، وثانياً: لم يتوجّه إلى معاوية، بل ذهب إليه ليأخذ مالاً.

[ شرح ابن أبي الحديد 250:10، انظر قصّة عقيل في فصل: "عليّ عليه السلام والعدل".]


وأمّا النجاشي فإنّه شرب الخمر في شهر رمضان، فأقام عليّ عليه السلام عليه الحدّ، وزاده عشرين جلدة، فقال النجاشي: ما هذه العلاوة؟ قال: 'لجرأتك على اللَّه في شهر رمضان'، فهرب النجاشي إلى معاوية.

[ المصدر المتقدّم. وراجع لتوضيح قصّة النجاشي فصل: "عليّ عليه السلام والمساواة أمام القانون".]


وأمّا رقبة بن مصقلة، فإنّه ابتاع سبي بني ناجية وأعتقهم وألطّ بالمال

[ ألطّ بالمال: أي أخذه وجحده.]

وهرب إلى معاوية، فقال عليه السلام: 'فَعَل فِعْلَ السادة، وأبق إباق العبيد'، وعلى هذا فليس تعطيل الحدود وإباحة حكم الدين، وإضاعة مال المسلمين من التألف والسياسة لمن يريد وجه اللَّه تعالى، والتلزّم بالدين، ولا يُظنّ بعليّ عليه السلام التساهل والتسامح في صغير من ذلك ولا كبير.

[ شرح ابن أبي الحديد 251:10.]


السابع من مطاعنهم: وقالوا: إنّه غير مصيب في ترك الاحتراس، فقد كان يعلم كثرة أعدائه ولم يكن يحترس منهم، وكان يخرج ليلاً في قميص ورداء وحده حتّى كمن له ابن ملجم في المسجد فقتله، ولو كان احترس وحفظ نفسه لم يوصل إليه.

والجواب: أنّ هذا إن كان قادحاً في السياسة وصحّة التدبير فليكن قادحاً في صحّة تدبير عمر بن الخطّاب وسياسته، وهو عند النّاس معروف بالسياسة والتدبير، وليكن قادحاً في تدبير معاوية، فقد ضربه الخارجي بالسيف ليلة ضرب أمير المؤمنين عليه السلام، فجرحه، ولم يأت على نفسه، وليكن قادحاً في صحّة تدبير رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقد كان يخرج وحده في المدينة ليلاً ونهاراً مع كثرة أعدائه، وقد كان يأكل ما دعي إليه ولا يحترس، حتّى أكل من يهوديّة شاة مشويّة قد سمّته فيها فمرض وخيف عليه التلف، ولمّا برئ لم تزل تنتفض عليه حتّى مات منها، ولم تكن العرب في ذلك الزمان تحترس، وكان ذلك عندهم قبيحاً يعيّر به فاعله؛ ولأنّ عليّاً عليه السلام كان هيبته قد تمكّنت في صدور النّاس، فلم يكن يظنّ أنّ أحداً يقدم غيلة...!

[ شرح ابن أبي الحديد 260:10.]


فاعتبر أيّها القارئ واعلم أنّ جميع الإيرادات والطعن على سياسة عليّ عليه السلام وتدبيره تنمّ عن عدم الاطّلاع على وقائع عصره وحوادثه، ومن العناد على أمير المؤمنين عليه السلام، وإلّا لا يرد على سياسته طعن، بل هو أسدّ رأياً وتدبيراً في عصره.

وقال الشارح المعتزلي: مَن قال: إنّ تدبيره عليه السلام وسياسته لم تكن صالحة، واضح الفساد، وبان أنّه أصحّ النّاس تدبيراً وأحسنهم سياسة، وإنّما الهوى والعصبيّة لا حيلة فيهما.

[ شرح ابن أبي الحديد 260:10.]


/ 393