علي و مظلوميّته
عن الحسين بن عليّ عليه السلام، قال: 'قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: يا عليّ، أنت المظلومُ من بعدي، فويلٌ لِمَن ظلمك واعتدى عليك، وطُوبى لمن تبعك ولم يختر عليك. يا عليّ، أنت المقاتل بعدي، فويلٌ لِمَنْ قاتلك، وطُوبى لمن قاتل معك'.
عيون أخبار الرضا 236:1، الباب 27، الحديث 63
لا مظلوم كعليّ
لم يحدّثنا التاريخ عن مظلوم غُصب حقّه مثل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فرغم كلّ التوصيات الّتي أوصى بها النبيّ صلى الله عليه و آله اُمّته والّتي يحثّهم بها على الاقتداء بعليّ عليه السلام، حتّى أنّ ابن مردويه أخرج عن ابن مسعود قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'يا أيّها الرسول بلغ ما اُنزل إليك من ربّك أنّ عليّاً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته، واللَّه يعصمك من النّاس'. [ تفسير الدرّ المنثور 298:2.]
رغم هذا وغيره نجد القوم قد تألّبوا على الإمام عليه السلام بعد رحيل الرسول الأكرم وغصبوه حقّه وآذوا زوجته البتول سلام اللَّه عليها، وانتزعوا منها إرث النبيّ صلى الله عليه و آله اي فدكها، وهكذا أصبح اُسوة العلم والتقوى والفضيلة والكمال وهادي الاُمّة بعد نبيّها ودليلها إلى النور، جليس بيته لخمسٍ وعشرين سنة، ولم يسمحوا له أن ينير المجتمع البشري بنوره، وأن يروّج الإسلام المحمّدي الأصيل.
نعم، لقد صبر أمير المؤمنين عليه السلام للَّه، وتحمّل كلّ المظالم والمشاقّ لأجل بقاء الإسلام والقرآن، والحفاظ على وحدة الاُمّة من التشتّت والتمزّق، فلنستمع إلى مظلوميّته بلسان النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله ولسان عليّ عليه السلام و غيرهما:
1- قال عليّ عليه السلام: 'ما زلت مظلوماً منذ قبض اللَّه تعالى نبيّه إلى يوم النّاس'. [ سفينة البحار 108:2، مادة 'ظلم'، وراجع الشافي في الإمامة سيد المرتضى 225 - 223 :3.]
2- عن مسيّب بن نجبة، قال: بينما عليّ عليه السلام يخطب، وأعرابيّ يقول: وامظلمتاه، فقال عليّ عليه السلام: 'اُدن'، فدنا، فقال: 'لقد ظُلمتُ عدد المدَر والوَبر. [ المدر: قطع الطين اليابس، ويراد به سكنة الحواضر والمدن، والوبر: صوف الإبل والأرانب ونحوها، ويراد به سكنة البادية، أرد بقوله عليه السلام: إنّه ظلمني الجميع.] [ سفينة البحار 108:2، مادة 'ظلم'، وراجع الشافي في الإمامة سيد المرتضى 225 - 223 :3.]
3- وجاء أعرابي يتخطّى فنادى: يا أمير المؤمنين، مظلوم. قال عليّ عليه السلام: 'ويحك، وأنا مظلوم، ظُلمتُ عدد المدر والوبر'. [ سفينة البحار 108:2، مادة 'ظلم'، وراجع الشافي في الإمامة سيد المرتضى 225 - 223 :3.]
4- وعن عمرو بن حريث، قال: انّ عليّاً عليه السلام لم يقم مرّة على المنبر إلّا قال في آخر كلامه قبل أن ينزل: 'ما زلت مظلوماً منذ قبض اللَّه نبيّه'. [ سفينة البحار 108:2، مادة 'ظلم'، وراجع الشافي في الإمامة سيد المرتضى 225 - 223 :3.]
5- وكان أبو ذرّ رضى الله عنه يعبّر عن أمير المؤمنين عليه السلام بالشيخ المظلوم المضطهد حقّه. [ سفينة البحار 108:2، مادة 'ظلم'، وراجع الشافي في الإمامة سيد المرتضى 225 - 223 :3.]
6- روى الحافظ البخاري عن حبيب بن ثابت، عن ثعلبة بن يزيد الحمانى، قال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ: 'إنّ الاُمّة ستغدر بك'. [ التاريخ الكبير، ج 1، القسم الثاني، ص 174، ط حيدرآباد.]
7- أخرج الراوندي: أنّ أعرابيّاً أتى أمير المؤمنين عليه السلام وهو في المسجد، فقال: مظلوم، قال: 'ادن منّي'، فدنا، فقال: يا أمير المؤمنين مظلوم، قال: 'ادن'، فدنا حتّى وضع يده على ركبتيه، قال: 'ما ظلامتك؟'، فشكا ظلامته، فقال: 'يا أعرابي، أنا أعظم ظلامة منك، ظلمني المدر والوبر، ولم يبق بيت من العرب إلّا وقد دخلت مظلمتي عليهم، وما زلت مظلوماً حتّى قعدت مقعدي هذا'، الحديث. [ الخرائج والجرائح 180:1.]
8- روى الحاكم النيشابوري: عن حيّان الأسدي: سمعت عليّاً يقول: 'قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إنّ الاُمّة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملّتي، وتُتقل على سنّتي، مَن أحبَّك أحبّني، ومَن أبغضك أبغَضني، وإنّ هذه سَتُخضب من هذا'، يعني ليحته من رأسه. [ المستدرك 142:3.]
9- و أيضاً: بسنده عن زيد بن وهب، قال: قدم على عليّ عليه السلام وفدٌ من أهل البصرة، وفيهم رجلٌ من الخوارج يُقال له: الجعد بن نعجة، فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى الله عليه و آله، ثمّ قال: اتّق اللَّه يا عليّ! فإنّك ميّت، فقال عليّ عليه السلام: 'لا، ولكنّي مقتول ضربةً على هذا تخضب هذه - قال: وأشار عليّ إلى رأسه ولحيته بيده - قضاءٌ مقضيّ، وعهد معهود، وقد خاب من افترى'.
ثمّ عاب عليّاً في لباسه، فقال: 'لو لبستَ لباساً خيراً من هذا'، فقال عليه السلام: 'إنّ لباسي هذا أبعد لي من الكبر، وأجدر أن يقتدي بي المسلمون'. [ المصدر المتقدّم: 143.]
10- وفي "البحار" عن "كشف الغمّة": روى جابر بن عبداللَّه الأنصاري، قال: دخلت فاطمة عليهاالسلام على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وهو في سكرات الموت، فانكبّت عليه تبكي، ففتح عينه، وأفاق، ثمّ قال: 'يا بنيّة، أنتِ المظلومة بعدي، وأنتِ المستضعفة بعدي، فمن آذاك فقد آذاني، ومن غاظك فقد غاظني، ومن سرّك فقد سرّني، ومن برّك فقد برّني، ومن جفاك فقد جفاني، ومن وصلك فقد وصلني، ومن قطعك فقد قطعني، ومن أنصفك فقد أنصفني، ومن ظلمك فقد ظلمني، لأنّك منّي وأنا منك، وأنت بضعة منّي وروحي الّتي بين جنبيّ'. ثمّ قال صلى الله عليه و آله: 'إلى اللَّه أشكو ظالميكِ من اُمّتي'.
ثمّ دخل الحسن والحسين عليهماالسلام فانكبّا على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وهما يبكيان، ويقولان: 'أنفسنا لنفسك الفداء يا رسول اللَّه'، فذهب عليّ عليه السلام لينحّيهما عنه، فرفع رأسه إليه ثمّ قال: دعهما - يا أخي - يشمّاني وأشمّهما، ويتزوّدان منّي وأتزوّد منهما، فإنّهما مقتولان بعدي ظلماً وعدواناً، فلعنة اللَّه على مَن يقتلهما، ثمّ قال: 'يا عليّ، أنت المظلوم بعدي، وأنا خصم لمن أنت خصمه يوم القيامة'. [ بحار الأنوار 76:28.]