بداية الخلاف في جيش عليّ
قال الشارح المعتزلي، عن أبي جعفر: ثمّ قام الطفيل بن أدهم حيال عليّ عليه السلام وقام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة، وقام ورقاء بن المعمّر حيال الميسرة، ثمّ نادوا: يا معشر العرب، اللَّه اللَّه في النساء والبنات والأبناء من الروم والأتراك وأهل فارس غداً إذا فنيتم، اللَّه اللَّه في دينكم! هذا كتابُ اللَّه بيننا وبينكم. فقال عليّ عليه السلام: 'اللّهمّ إنّك تعلم أنّهم ما الكتاب يريدون، فاحكُم بيننا وبينهم إنّك أنت الحكم الحقّ المبين'.
فاختلف أصحاب عليّ عليه السلام في الرأي، فطائفة قالت: القتال، وطائفةٌ قالت: المحاكمة إلى الكتاب، ولا يحلّ لنا الحرب، وقد دُعينا إلى حكم الكتاب، فعند ذلك بطلت الحرب ووضعت أوزارها. [ المصدر المتقدّم: 212.]
قال نصر: وروى الشعبي عن صعصعة، قال: وقد كان الأشعثُ بن قيس بدر منه قولٌ ليلة الهرير، نقله الناقلون إلى معاوية، فاغتنمه وبَنى عليه تدبيره، وذلك أنّ الأشعث خَطبَ أصحابه من كندة تلك الليلة، فقال: الحمد للَّه، أحمدُه وأستعينه وأؤمِنُ به وأتوكّل عليه، وأستنصره وأستغفره، وأستجيره وأستهديه، وأستشريه واستشهد به، فإنّ مَنْ هداه اللَّه فلا مضلّ له، ومن يظلل اللَّه فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحدَهُ لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبدُه ورسولهُ صلى الله عليه و آله.
ثمّ قال الأشعث: قد رأيتم - يا معشر المسلمين - ما قد كان في يومكم هذا الماضي، وما قد فَني فيه من العرب، فواللَّه لقد بَلغتُ من السِّنِّ ما شاء اللَّه أن أبلُغ، فما رأيتُ مثلَ هذا اليوم قطّ، ألا فليُبلِّغ الشاهد الغائب، إنّا نحن إن توافقنا غداً، إنّه لفناء العرب، وضيعة الحُرُمات [ فنيت العرب وضيّعت الحرمات "ن خ".] أمّا واللَّه ما أقول هذه المقالة جَزَعاً من الحرب، ولكنّي رجلٌ مُسنٌّ أخافُ على النساء والذراري غداً إذا فَنينا، اللّهمّ إنّك تعلم أنّي قد نظرتُ لقومي ولأهل ديني فلم آلُ، وما توفيقي إلّا باللَّه عليه توكلّت وإليه اُنيب، والرأي يُخطئ ويُصيب، وإذا قضى اللَّه أمراً أمضاه على ما أحبّ العباد أو كرهوا، أقول قولي هذا وأستغفر اللَّه العظيم لي ولكم. [ شرح ابن أبي الحديد 214:2.]
قال الشعبي: قال صعصعة: فانطلقت عيونُ معاوية إليه بخطبة الأشعث فقال: أصاب وربّ الكعبة! لئن نحن التقينا غداً لتملينّ الروم على ذراريّ أهل الشام ونسائهم، ولتميلنّ فارسُ على ذاريّ أهل العراق ونسائهم! إنّما يبصر هذا ذَوُوا الأحلام والنُّهى، ثمّ قال لأصحابه: اربطوا المصاحف على أطراف القَنا.
فثار أهل الشام في سواد الليل ينادون عن قول معاوية وأمره: يا أهل العراق، مَن لذرارينا إن قتلتمونا، ومَن لذراريكم إذا قتلناكم! اللَّه اللَّه في البقيّة! وأصبحُوا وقد رفعوا المصاحِفَ على رؤوس الرماح، وقد قلّدوها الخيل، والنّاس على الرايات قد اشتهوا ما دُعوا إليه، ومصحفُ دمشق الأعظم يحمله عشرة رجال على رؤوس الرماح وهم ينادون: كتاب اللَّه بيننا وبينكم. وأقبل الأعور السُّلميّ على برذون أبيض، وقد وَضَع المصحف على رأسه يُنادي: يا أهل العراق، كتاب اللَّه بيننا وبينكم. [ شرح ابن أبي الحديد 215:2.]
معاودة الاشعث الخلاف
فان اشعث بعد ما رأى موافقة بعض الاصحاب مع عليّ عليه السلام فى ادامة الحرب مع معاوية، قام مُغضباً، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّا لك اليوم على ما كنّا عليه أمس، وليس آخر أمرنا كأوّله، وما من القوم أحدٌ أحنى على أهل العراق ولا أوتر لأهل الشام منّي، فأجب القوم إلى كتاب اللَّه عزّ وجلّ فإنّك أحقّ به منهم، وقد أحبّ النّاسُ البقاء، وكرهوا القتال. فقال عليّ ءعليه السلام: 'هذا أمرٌ يُنظر فيه'، فنادى النّاس من كلّ جانب: الموادعة. [ شرح ابن أبي الحديد 215:2.]