فصول المهمة فی معرفة الائمة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فصول المهمة فی معرفة الائمة - جلد 2

علی بن محمد ابن صباغ

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ذكر طرف من أخباره و مدة خلافته


روى جماعة

[حقّاً روى هذه الخطبة جماعة من أهل السير مع شي ء يسير من التقديم والتأخير وكذلك الزيادة والنقصان، انظر تاريخ الطبري: 6 / 91، و: 4 / 121، الإرشاد: 2 / 7- 9، مقاتل الطالبيّين: 62، صفة الصفوة: 1 / 126، الأغاني: 18 / 162، شرح النهج لابن أبي الحديد: 4 / 11 و 12، و: 16 / 30، بحار الأنوار: 43 / 62 ح 4، مستدرك الحاكم: 3 / 172 و 143، الكامل لابن الأثير: 3 / 202 و 173، خصائص النسائي: 6، الطبقات: 3 / 38، العقد الفريد: 4 / 360، الأخبار الطوال: 199، ناسخ التواريخ، معالم العترة النبوية: "مخطوط": ورق 22 / 118، تيسير المطالب في ترتيب أمالي السيّد أبي طالب "مخطوط": ورق 120 باب 14 وفي الطبعة الاُولى : 179.

وانظر تفسير البرهان: 4 / 124، مجمع الزوائد: 9 / 146، تفسير فرات: 70 و 72، أمالي الشيخ الطوسي: 40 مجلس 10، أو: 2 / 174 و ما بعدها، أنساب الأشراف: 2 / 754، تاريخ دمشق: ترجمة مروان، المناقب آل أبي طالب: 4 / 38، تفسير الطبري: 25 / 25، غاية المرام: 306، الصواعق المحرقة: 101 و 136 و 170 ب 11 فصل 1، اُسد الغابة: 5 / 367 الطبعة الاُولى ، الفصول المختارة للشيخ المفيد: 93 و 114، شرف النبي للخرجوشي: 269 باب 27 ح 27 الطبعة الاُولى ، تفسير الثعالبي: 4 / 329. فضائل الخمسة: 2 / 67، ذخائر العقبى: 138 و 140، سمط النجوم العوالي: 2 / 533.

وانظر أيضاً أمالي الشيخ الصدوق: 262 / 4، كفاية الأثر: 160، نظم درر السمطين: 147- 148، فرائد السمطين: 2 / 120 / 421. جواهر العقدين: 2 / 328، كشف الغمّة: 2 / 173، مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 126، حياة الصحابة: 3 / 526، جمهرة الخطب: 2 / 7، ينابيع المودّة: 225 و 270 و 301 و 479 و 482، و: 2 / 212 و 13 و 358 و 359 و 454، و: 1 / 40، و: 3 / 363، العوالم: 9 / 136 و 137 وما بعدهما ط اُسوة.

وقد جاء في كتاب معالم الذرية الطاهرة: أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ، وأنا ابن الوصي وأنا ابن البشير.... وجاء في تيسير المطالب والمقاتل وغيرهما كالصواعق: أيّها الناس.... فأنا الحسن بن محمّدصلى الله عليه وآله وأنا ابن البشير النذير... وفي سمط النجوم العوالي: أيّها الناس من عرفني فانا الّذي يعرف، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ عليه السلام ابن عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله أنا ابن البشير النذير السراج المنير، أنا ابن من بعث رحمةً للعالمين وسخطاً على الكافرين، أنا ابن من بعث إلى الجنّ والإنس، أنا ابن المستجاب الدعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أوّل من ينفض رأسه من التراب، أنا ابن أوّل من يقرع باب الجنّة، أنا ابن من قاتلت معه الملائكة، نصر بالرعب من مسيرة شهر.

هذه الخطبة الّتي خطبها الإمام الحسن عليه السلام تلقّاها أكثر أهل الكوفة وفيهم من المهاجرين والأنصار والتابعين ومن المحبين والمناوئين مايبلغ عددهم اُلوفاً، وفي هذه الخطبة إشارات لانريد أن نقف عندها ولكن نشير إليها فقط لأننا بصدد تحقيق الكتاب ولقد اعتمدنا في نقل الخطبة على مصادر كثيرة ولكن جعلنا معالم العترة النبوية هو المصدر الأساسي للتصحيح، وذلك حسب اعتقادنا أنّ صاحب الفصول قد أخذ منه الخطبة، واللَّه العالم.

فقد أشار عليه السلام إلى:

"أ" أنه رجل لايسبقه الأوّلون بعمل ولايدركه الآخرون حقّاً، إنه عليه السلام كذلك أفضل من سبق ومن تأخر إلّا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فإنّ خروجه خروج موضوعي واستثناؤه معلوم لاشك فيه،فراجع فصل إسلامه وعبادته.

"ب" أنه رجل يحبّ اللَّه ورسوله ويحبّه اللَّه ورسوله، فراجع الروايات الّتي أوردناها في الفصل الأوّل.

"ج" إعطائه صلى الله عليه وآله الراية له عليه السلام وقتال جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله، وهذه من فضائله عليه السلام، فراجع حديث الراية.

"د" أنه ماترك على أهل صفراء ولابيضاء إلّا 700 درهماً، وهذا هو نهاية الزهد والتقوى، فراجع ذلك أيضاً.

"ه": انّ حقّ الإمامة والخلافة له وحده بعد أبيه عليه السلام ولاتصل النوبة إلى معاوية... وأنّ خلافته خلافة نبوية ووصاية إلهيه، وأنه من أهل البيت الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا وذلك في قوله ''أنا ابن النبيّ وابن الوصيّ...'' وقوله ''أنا ابن محمّدصلى الله عليه وآله'' فهوعليه السلام يقرّر ويصدع ويتصدّى للمغرضين الحاقدين، ولذا نجده عليه السلام في مناسبات اُخرى يذكر معاوية بهذه الحقيقه القرآنية حتّى تظلمّ الدنيا بوجه معاوية، وقد قال له ذات مرة: أمّا أنك ياحسن قد كنت ترجو أن تكون خليفة، ولست هناك، فقال الحسن عليه السلام: أمّا الخليفة فمن سار بسيرة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وعمل بطاعة اللَّه عزّوجلّ، وليس الخليفة من سار بالجور، وعطّل السنن واتخذ الدنيا اُمّاً وأباً وعباد اللَّه خولاً وماله دولاً، ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكاً، فتمتع منه قليلاً، وكان قد انقطع عنه....

انظر الاحتجاج: 1/419، والخرائج والجرائح: 218، وذخائر العقبى: 140، والمحاسن والمساوي: 1 / 133، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 16 / 49، ومقاتل الطالبيّين: 73، وتحف العقول: 164.

"و" حقيقه وهي أنّ مودتهم عليهم السلام فرضها اللَّه على كلّ مسلم وهي فريضه إلهية على كلّ من يعتقد باللَّه المتعال ورسوله الأكرام صلى الله عليه وآله وكتابه العزيز.

"ز" حقيقه اُخرى وهي أنه الخليفة الشرعي والإمام المنصوب بعد أبيه عليه السلام ولذا اخذ يعرّف نفسه بكلمات مخصوصة.

"ح" الليلة العظيمة الّتي استشهد فيها عليّ بن أبي طالب عليه السلام وهي الليلة الّتي عرج فيها عيسى بن مريم وقبض فيها يوشع بن نون، ففي تلك الليلة انتقل سيّد المتقين وحامي الدين، فهي أشرف الليالي عنداللَّه سبحانه.] من أصحاب السِير وغيرهم أنّ الحسن بن عليّ عليه السلام خطب في صبيحة الليلة الّتي قُبض فيها أمير المؤمنين عليّ عليه السلام فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى الله عليه وآله ثمّ قال: لقد قُبِضَ في هذهِ الليلةِ رجلٌ لم يَسبِقْه الأوّلون "بعمل"ولم يدركه الآخِرون "بعمل"لقد كانَ يُجاهِدُ مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فَيقِيهِ بنفسه، وكانَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وآله يُوجِّهُهُ برايتهِ فيكنفه

[في "أ": فيكتفه.] جبرئيلُ عن يمينهِ وميكائيلُ عن يساره

[في "أ": شماله.]، فلا يَرجعُ حتّى يفتح اللَّهُ على يديهِ. ولقد تُوفِّي "في"الليلةِ الّتي عُرِجَ فيها بعيسى بن مريم، وفيها قُبِضَ يُوْشَعُ بن نونٍ عليه السلام "وصيُّ موسى " وما خلّفَ صفراءَ ولا بيضاءَ إلّا سبعمائة

[هذا ماأكدّته المصادر السابقة ولكن في بعضها كالطبري في تاريخه: 4 / 121 قال ''... إلّا ثمانمائة أو سبعمائة أرصدها لخادمه'' وفي تفسير البرهان: 4 / 124 قال ''... إلّا سبعمائة وخمسون درهماً'' وفي خصائص النسائي: 6 ''إلّا تسعمائة'' وفي البحار: 43 / 363 / 6 نقلاً عن كفاية الأثر: 160 ''ماخلف درهماً ولاديناراً إلّا أربعمائة درهم'' وفي العقد الفريد: 4 / 360 ''ماترك إلّا ثلاثمائة درهم''.] درهمٍ فضُلَتْ من عطائه، وأراد أنْ يبتاعَ بها خادماً لأهله

[أجمعت المصادر السابقة على هذا ماعدا أمالي الطوسي: 2 / 174 بلفظ ''خادماً لاُمِّ كلثوم'' ومثله في تفسير البرهان: 4 / 124، وفي الفتوح: 4 / 146 زاد ''وقد أمرني أن أردّها إلى بيت المال''.] ثمّ خنقته

[في "أ": خنقه البكاء.] العبرة فبكى وبكى الناس معه

[في "ب، ج": من حوله.]

ثمّ قال عليه السلام: أنا ابن البشير "أنا ابن" النذير، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن الداعي إلى اللَّه بإذنهِ، أنا ابن الذين أذهبَ اللَّه عنهم الرِجسَ وطهّرهم تطهيراً، أنا من أهل بيتٍ افترض اللَّهُ تعالى حبّهم

[في "أ": مودّتهم.] في كتابه فقال عزّ من

قائل: "قُل لَّآ أَسَْلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ و فِيهَا حُسْنًا".

[الشورى : 23.] فالحسنة مودّتنا أهل البيت .

[تقدّمت تخريجاته.] ثمّ جلس فقام عبد اللَّه بن العباس بين يديه فقال: معاشر الناس إنّ هذا ابن بنت نبيكم ووصيُّ إمامكم فبايعوه "فاستجابوا له، وقالوا: ما أحبّه إلينا وأحقّه بالخلافة" فتبادر الناس إلى بيعته

[وردت العبارة في الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 8 هكذا: فقام عبد اللَّه بن عبّاس "رحمه الله" بين يديه فقال: معاشر الناس هذا ابن "بنت" نبيكم ووصيّ إمامكم فبايعوه، فاستجاب له الناس فقالوا: ما أحبّه إلينا وأوجبَ حقّه علينا، وتبادروا إلى البيعه له بالخلافة... ومثل ذلك في شرح النهج لابن أبي الحديد: 16 / 29، ومقاتل الطالبيّين: 62، إعلام الوري: 209، كشف الغمّة: 2 / 164، إثبات الهداة: 5 / 139 و 134 و 136.

وقوله ''ووصيّ إمامكم'' قول فيه دلالة واضحة على أنهم يعلمون بأنّ الإمام عليّ عليه السلام وصيّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كما أوضحنا سابقاً وأن الأئمّة منصوص عليهم من قبل النبيّ صلى الله عليه وآله ولذا يؤكد الإمام عليّ عليه السلام قِبل وحين استشهاده على أنّ الإمام والخليفة من بعده هو الإمام الحسن عليه السلام ولذا جاء في العقد الفريد: 4 / 475: أنّ عليّ بن أبي طالب أصار الأمر إلى الحسن. وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: 1 / 57: وعهد بها إلى الحسن عليه السلام عند موته. وفي المناقب للخوارزمي: 278: أنّ جندب بن عبد اللَّه دخل على عليّ عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إن فقدناك فلا نفقدك فنبايع الحسن؟ قال: نعم...

وقال ابن كثير في البداية والنهاية: 6 / 249:... لأن عليّاً أوصى إليه، وبايعه أهل العراق... وقال صاحب الأغاني: 6 / 121: وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول اللَّه وابنه وسليله وشبيهه في خلقه وهديه... ومثل ذلك في تيسير المطالب: 179. وفي إثبات الوصية: 152 وقال المسعودي: ان أميرالمؤمنين عليه السلام قال: واني اُوصي إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوا أمرهما... وقال في مروج الذهب: 2 / 413: لأنهما شريكاه في آية التطهير، وهذا قول كثير ممّن ذهب إلى القول بالنصّ... وفي إثبات الهداة: 5 / 140: وعن عليّ: عليه السلام أنتَ يا حسن وصيي والقائم بالأمر بعدي... وفي الكافي: 1 / 299: يابُني أنتَ وليّ الأمر، ووليّ الدم.

وخلاصة القول: إنّ الشيعة أطبقت على أنّ عليّاًعليه السلام نصّ على ابنه الحسن. ولذا بعد استشهاده عليه السلام انثالوا عليه يبايعونه وهم ''إنّما يبايعون اللَّه ورسوله'' وأول من بايعه قيس بن سعد الأنصاري كما ذكر ابن خلدون: 2 / 186 وابن الأثير: 3 / 174 وابن الوردي: 1 / 166. وفي الإستيعاب: 1 / 385 قال: بايعه أكثر من أربعين ألفاً... وفي تهذيب التهذيب: 2 / 299 قال: بايع أهل الكوفة الحسن بن عليّ... وقريب من هذا في تاريخ الطبري: 6 / 93.

ومن هذا وذاك يتبيّن لنا خطأ كثير من المؤرّخين كالمسعودي في التنبيه والأشراف: 260 حيث يقول إنّ الإمام بويع بعد وفاة أبيه بيومين... والصحيح كما ذكرنا بويع صبيحة الليلة الّتي دفن فيها أمير المؤمنين عليه السلام. وكذلك خطأ الاُستاذ محمّد فريد وجدي في دائرة المعارف: 3 / 443 حيث قال: بويع له في الخلافة قبل وفاة والده، ولمّا انتهت البيعة توفّي والده... ولعلّ الاُستاذ وجدي توهّم ذلك من خلال سؤال الناس للإمام عليّ عليه السلام قبل استشهاده فقالوا: يا أمير المؤمنين أرأيت إن فقدناك ولانفقدك أنبايع الحسن؟ وسؤالهم هذا عن البيعة للخلافة الظاهرية والحكومة والإمارة العرفية، ويدلّ على ذلك جريان الصلح والتفويض يومئذٍ لأنّ الولاية الحقيقية الإلهية غير قابلة للتفويض والإعراض.

ويتبيّن خطأ الاستاذ محمّد الخضري أيضاً في إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء حيث قال: نظر الحسن إلى بيعته في أنها ليست كبيعة أبيه لأنها ليست عامة، ولكنها قاصرة على شيعتهم من أهل العراق... ونطرح السؤال هنا على الاُستاذ الخضري: كيف تجيب على من قال قد بايعه أكثر من أربعين ألفاً؟ اللّهمّ إلّا أن يعتبر الاُستاذ الخضري توقف بعض ممّن كان يرى رأي العثمانية ولم يظهروا أنفسهم بذلك بل هربوا إلى معاوية من البصرة، هؤلاء هم غالبية المسلمين، وإلّا كيف يصوّر لنا قول المؤرّخين فانثالوا عليه...؟ وكيف يفسّر قول ابن قتيبة: أنّ الإمام كلّما قصدته كوكبة من الناس لتبايعه يلتفت إليهم قائلاً: تبايعون لي على السمع والطاعة، وتحاربون من حاربت وتسالمون من سالمت...؟ ونجد في بطون التاريخ أنه بايعه فقط من أهل الكوفة اثنان وأربعون ألفاً، وكذلك بايعه أهل البصرة والمدائن وجميع أهل العراق وفارس على يد زياد ابن أبيه، وبايعه أهل الحجاز واليمن على يد جارية بن قدامة وماتخلّف عن البيعة سوى معاوية كما تخلف عن بيعة أبيه عليه السلام: وكيف يفسّر الاُستاذ كلمة ابن كثير في البداية والنهاية: 8 / 41: وأحبوه أشدّ من حبهم لأبيه.

أمّا رأي الدكتور طه حسين في كتابه ''عليّ وبنوه'': 195 فهو رأي عجيب يصدر من شخص أديب حيث قال: ومهما يكن من شي ء فلم يعرض الحسن نفسه على الناس، ولم يتعرّض لبيعتهم وإنما دعا إلى هذه البيعة قيس بن عبادة فبكي الناس واستجابوا واُخرج الحسن للبيعة... لانريد أن نطيل في الجواب بل نقول كان على المؤرّخ أن يرجع قليل إلى الوراء ليمعن النظر في خطبة الإمام الحسن عليه السلام بعد استشهاد أبيه عليه السلام والّتي أشرنا إليها سابقاً، وأن يتحرّى الدقة، وذلك أنّ الدعوة للبيعة كانت بعدما أنهى الإمام خطبته ولم تكن قبل الخطبة، وأنّ الّذي دعا إليها هو عبد اللَّه بن عباس، وأول من بايع قيس، وهنالك فرق أيّها الدكتور بين أوّل من دعا وأوّل من بايع، فتأمل يرحمك اللَّه.

وهذا مثل قول ابن خلدون: 2 / 188 والّذي جافى فيه الحقيقة وتسامح في تحقيق الحكومة الإسلامية وعمّم مفهومها وقال معلّقاً على حديث ''الخلافة في اُمتى ثلاثون سنة...'' كما جاء في سنن الترمذي: 323: إنّ معاوية تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة... مع أنّ كتب التاريخ تؤكد أن بني اُمية هم ملوك ومن شرار الملوك فكيف يساويهم في الفضل والعدالة والصحبة وهم بني الزرقاء مع أنّ الخليفة الحق بواجب عليه أن يتصدّى بذلك الأمر ويعدو عده ويتوسّل حتّى يحتاز الحكومة الظاهرية والإمارة العرفية، وأنّ الناس بعد بيان تكاليفهم مختارون في اتباع الحقّ وإطاعة الأمر والعمل بالحكم وما على الرسول إلّا البلاغ المبين.

نعم، على الناس أن يختاروا خليفة الحق ويتبعوا سبيله ويطيعوا أمره ويهتدوا بهداه "أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ " وقوله صلى الله عليه وآله: أنّى تارك فيكم الثقلين... هذا مقام محفوظ ومرتبة روحانية ثابتة، لامجعولة بجعل الناس واعتبارهم، ولامقدّرة بانتخابهم واتفاقهم، ولامربوطة بالمقامات الدنيوية المادية. والنصوص الدالّة على خلافته الحقيقية الإلهية قد ذكرناها سابقاً، من حسبه ونسبه وبعد ميلاده... وأنهما سيدا شباب أهل الجنّة... و من وآية التطهير... وأنّ الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا....]

وبعض هذه الخطبة قد أوردها أحمد بن حنبل في مسنده

[مسند ابن حنبل: 2 / 669، وانظر المصادر السابقة.] عن هبيرة "بن مريم"وكان ذلك في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة. وقيل: الأحد ليلة الثالث والعشرين منه على ما جاء في اختلاف الروايات المتقدّمة في مقتل عليّ عليه السلام، فرتّب العُمّال، وأمَّرَ الاُمراءَ، وجنّد الجنود، وفرّق العطيّات

[ذكر ابن الأثير في البداية والنهاية: 8 / 41 أنه... وأعطى الأوامر الحازمة إلى الاُمراء وزاد في عطاء الجيش مائة مائة، وكان الإمام عليّ قد فعل ذلك يوم الجمل... ومثل ذلك في أعيان الشيعة: 4 / ق 1: 15. وهذا النّص يكشف لنا عن موقف الإمام الجاد من الحرب ومجابهة معاوية بالقوة، وإلّا فما معنى زيادة المقاتلة في العطاء؟ وما هو إلّا لدفع النفوس وترغيبها التأهب للقتال. وانظر المقاتل للاصفهاني: 64 بزيادة:... والحسن فعله- أي العطاء- على حال الاستخلاف، فتبعه الخلفاء من بعد ذلك....]

ولمّا بلغ معاوية وفاة

[في "أ": موت.] عليّ وبيعة الحسن عليه السلام دسّ

[في "أ": أنفذ.] رجلاً من حِمْيرَ إلى الكوفة

ورجلاً من بلقين

["أ": وآخر من بني القين. والظاهر أصله بنو القين والنسبة قيني إحدى قبائل العرب، انظر القاموس المحيط:- قين- 4 / 262، الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 9، المقاتل: 62، شرح النهج لابن أبي الحديد: 4 / 11، و: 16 / 31، الأغاني: 18 / 162، البحار: 44 / 45.] إلى البصرة ليكتبا إليه

["أ": ليطالعاه.] بالأخبار ويُفسدا على الحسن عليه السلام الاُمور

[في "أ": الأمر.] ويغيّرا عليه قلوب الناس، فعرف بهما الحسن عليه السلام فأخذهما وقتلهما وكتب إلى معاوية: أمّا بعدُ، فإنّكَ دَسَستْ الرجال "للاحتيال والاغتيال"وأرصدت العيونَ كأنّكَ تُحبُّ اللقاءَ، ولوترى العافية وما أوشك

[في "ب": أشك.] في ذلك فتوقّعه إن شاء اللَّه تعالى

[انظر المصادر السابقة.]

فلمّا بلغ معاوية كتابه وقتلِه الرجلين سار بنفسه إلى العراق

[انظر الفتوح لابن أعثم: 2 / 289 قال: ثمّ جمع معاوية الناس وخرج في ستين ألفاً يريد العراق... الخرائج والجرائح: 296، رجال الكشّي: 112 / 179، كشف الغمّة: 1 / 566، أمالي الشيخ الطوسي: 2 / 171، وانظر الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 10 قريب من هذا وزاد: فلمّا بلغ جسر منبج- بلد باالشام- تحرّك الحسن عليه السلام وبعث حُجربن عدي... شرح النهج للمعتزلي: 16 / 33، مقاتل الطالبيّين: 69، البحار: 44 / 39.] وتحرّك الحسن وبعث حُجْرَ بن عَديّ واستنفر

[في "أ": واستعدّ.] الناس للقتال، فتثاقلوا عنه ثمّ خفّ

[في "أ": خفوا.] معه أخلاطاً من الناس بعضهم من شيعته وشيعة أبيه عليه السلام وبعضهم من المحكّمة

[المحكّمة: الخوارج، انظر الملل والنحل: 1 / 106، والقاموس المحيط: 4 / 98. وقد تقدّم التعريف بهم فراجع ذلك في فصل الإمام عليّ عليه السلام والخوارج.] الذين يؤثرون

[في "أ": يودّون.] القتال- قتال معاوية- بكلّ حيلة

[في "أ": حال.]، وبعضهم من أصحاب طمع في الغنائم، وبعضهم

أصحاب عصبية اتّبعو رؤساءهم ورؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين

[في "أ": شي ء.] ثمّ سار حتّى نزل ساباط "دون" القنطرة وبات هناك، فلمّا أصبح أرادعليه السلام أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في طاعته ليميز أولياءه من أعدائه ويكون على بصيرةٍ من لقاء معاوية، فأمر أن ينادي في الناس الصلاة جامعة، فاستجمعوا فصعد المنبر فخطبهم

[في "أ": وخطبهم.] فقال:

الحمد للَّه كلّما حمده حامد

[في "أ": الحامدون.] وأشهد أن لا إله إلّا اللَّه كلّما شهد له شاهد

[في "أ": الشاهدون.] وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالحق وائتمنه على الوحي

[في "أ": بالوحي.] صلى الله عليه وآله. أمّا بعد، فواللَّه إنِّي لأرجو أنّ أكون قد أصبحتُ بحمد اللَّه ومَنِّه وأنا أنصح خلق اللَّه تعالى لخلقهِ، وما أصبحتُ محتملاً على امرئً مسلمٍ ضغينةً ولا مريد له بسوء ولا غايلة، وإنّما تكرهون في الجماعة خيرٌ لكم ممّا تحبّون في الفرقه "ألا" وإنّي ناظرٌ لكم "خيراً من نظركم"ولأنفسكم فلا تخالفوا أمري ولا تَردُّوا عليَّ "رأيي"وإنّي غفر اللَّه لي ولكم وأرشدني وإيّاكم لما فيه المحبّة والرضا ناظراً لما فيه مصالحكم، والسلام

[وردت هذه الخطبة في مصادر عديدة مع زيادة في بعض المصادر، فانظر مثلاً الارشاد للشيخ المفيد: 2 / 11 ولكن بدون لفظ ''ناظراً لما فيه مصالحكم والسلام'' وكذلك في مقاتل الطالبيّين: 71، شرح النهج لابن أبي الحديد: 4 / 13 ولكن بزيادة ''لايرجعون إلى دين فسار حتّى أتى حَمّامَ عُمَرَ- أي قرية- ثمّ أخذ على دير كَعْب فنزل ساباط دون القنطرة'' وانظر تاريخ الطبري: 4 / 121، الأخبار الطوال:199، مستدرك الحاكم: 3 / 174.

وفي ابن الأثير: 3 / 175، وابن خلدون: 2 / 186، والإصابة ترجمة الحسن بن عليّ، وابن الوردي: 1 / 166 ما يقرب من مضامين الطبري والأخبار الطوال، وانظر مروج الذهب: 2 / 53. وانظر كشف الغمّة: 161 و 170، المسعودي هامش ابن الأثير: 6 / 61 و 62، ابن كثير: 8 / 18، تاريخ الطبري: 6 / 93، البحار: 10 / 114 الطبعة القديمة.]

"قال:" فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا: ما ترونّه يريد أن يصنع؟ قالوا: نظنّه

[في "أ": نظنّ.] أنه يريدُ أن يصالح معاوية ويسلّم الأمر إليه "فقالوا: كفر واللَّه الرجل"فشدّوا على فُسطاطه فانتهبوه حتّى أخذوا مصلّاه من تحته. ورداءه من عاتقه "ثمّ شدّ عليه عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن جعال الأزدي، فنزع مِطرفَه من عاتقه، فبقي جالساً متقلّداً السيف بغير رداء"

[ما بين المعقوفتين في "ب" كما جاء في مقاتل الطالبيّين: 72.] فرجع وركب فرسه وتقلّد بسيفه وأحدق به طوائف من خاصّته وشيعته ومنعوا منه مَن أراده

[في "أ": من خواصّ شيعته فمنعوه و طافوا....] "فقال: ادعُوا لي، فدعوا له"وطافوا به ربيعة وهمدان وجماعة من غيرهم وساروا معه، فبادر إليه رجل من بني أسد يقال له

[في "أ": اسمه.] الجرّاح بن سنان

[الجرّاح بن سنان من "بن" قبيصة الأسدي كما جاء في تاريخ اليعقوبي: 2 / 215، والإمام الحسن بن عليّ: 18، لكن في الفتوح: 2 / 290 ''سنان بن الجرّاح''. وانظر الأخبار الطوال: 217، المقاتل: 72. وفي رجال الكشّي: 112 / 179: وطعنه ابن بشير الأسدي.] "فأخذ بلجام بغلته" في يده مِغوَل "

[في خنجر، مِغْوَل وفي "ج": مِعْوَل.] وقال: اللَّه أكبر شركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل"فطعنه به في فخذه فشقّه حتّى بلغ العظم "فاعتنقه الحسن وخرّا جميعاً إلى الأرض" فأكبّ عليه شخصٌ من شيعة الحسن

[هو عبد اللَّه بن حنظل الطائي، فانتزع المِغول من يده فخضخض به جوفه، واكّبّ عليه شخص آخر يدعى بظبيان بن عُمارة فقطع أنفه... انظر الأخبار الطوال: 217 ولكن فيه ''الاخطل'' ''بدل حنظل''. وفي الإرشاد: 2 / 12 ''عبد اللَّه بن خطلٍ''. وانظر المقاتل: 72، وابن أبي الحديد في الشرح: 4 / 15، ومستدرك الحاكم: 3 / 174، وابن الأثير: 3 / 175، وابن خلدون: 2 / 186، و الإصابة ترجمة الحسن بن عليّ، وابن الوردي: 1 / 166.] فقتله

وقتلوا آخر كان معه، وحمل الحسن عليه السلام على سرير من تلك الضربة إلى المدائن

[المدائن جمع المدينة، وكانت مدنأ كلّ واحدة إلى جنب اُخرى على جانب الجنوب من بغداد على مسافة 30 كيلومتراً، وبقيت منها الإيوان المنسوبة إلى كسرى، وقريبة منها قبر سلمان وحذيفةرضى الله عنه.] فنزل بها على سعد بن مسعود الثقفي

[هو سعد بن مسعود الثقفي عمّ المختار بن أبي عبيد كما جاء في تاريخ الطبري: 6 / 92، وجمهرة أنساب العرب: 257، ومستدرك الحاكم: 3 / 74، وابن الأثير: 3 / 175، وابن خلدون: 2 / 186، والإصابة ترجمة الحسن وابن الوردي: 1 / 166، المسير ورجال الكشّي: 112 / 179، والبحار: 44 / 60 / 8، وفي الأخبار الطوال: 217 و شرح النهج لابن أبي الحديد 4 / 15.] وكان عاملاً عليها من جهة أبيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأقرّه الحسن على ذلك واشتغل الحسن عليه السلام بمعالجة جرحه. وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة سرّاً واستحثوه على سرعة سرعة السير

[في "أ": المسير.] نحوهم وضمنوا له

[في "ب، ج": إليه.] تسليم الحسن عليه السلام عند دنوِّهم

[في "أ": عند دنوّه منهم.] من عسكره والفتك به

[جاء في علل الشرائع: 1 / 220 ح 1 و: 84 طبعة قديمة، والبحار: 44 / 33 / 1: دسّ معاوية إلى عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وحجّار بن أبجر وشبث بن ربعيّ دسيساً أفرد كلّ واحد منهم بعين من عيونه: أنّك إن قتلت الحسن بن عليّ فلك مائتا ألف درهم وجند من أجناد الشام، وبنت من بناتي، فبلغ الحسن عليه السلام ذلك فاستلأم ولبس درعاً وكفّرها وكان يحترز ولايتقدّم للصلاة بهم إلّا كذلك، فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللّامة...

نقول: استجابت النفوس المريضة لهذه الرشوة بنطاقها الواسع ولأساليب معاوية لأنه عرف الأشخاص الذين تشترى ضمائرهم بالمادة فبذلها لهم بسخاء، وكذلك عرف الأشخاص الذين تشترى ضمائرهم بالمنصب وكذلك عرف الأشخاص الذين تشترى ضمائرهم بالمصاهرة والزواج من بناته. وهذا ممّا يدل على الخسّة والانحطاط في الرذيلة والموبقة.

وهؤلاء من أمثال عمرو بن حريث بن عثمان القرشي المخزومي الكوفي والّذي كان عمره يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وآله اثني عشر سنة، وكان من الطلقاء الصغار ولّي الكوفة عن زياد وابنه عبيداللَّه والّذي توفّي سنة "75 ه" كما ذكر ذلك صاحب تهذيب التهذيب: 7 / 17.

أمّا حجّار بن أبجر العجلي فقد كان أبوه نصرانياً فقال له: يا أبت أرى قوماً قد دخلوا في هذا الدين فشرفوا وقد أردت الدخول فيه، فقال له أبوه: يا بني اصبر حتّى أقدم معك على عمر ليشرفك، وإياك أن تكون لك همة دون الغاية القصوي، ووفد على عمر فقال أبجر لعمر: أشهد ان لا إله إلّا اللَّه وأنّ حجّاراً يشهد أن محمّداً رسول اللَّه، فقال عمر: ومايمنعك أن تقولها أنت؟ فقال أبجر: إنّما أنا هامة اليوم أوغد... وذكر المرزباني في معجم الشعراء أن أبجر مات على نصرانيته في زمن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قبل قتله بيسير، ولمّا مات شيّعته النصارى، وكان حجّار يمش في جانب مع أناس من المسلمين... انظر الاصابة: 1 / 373.

وجاء في بعض المصادر التاريخية: أن حجّاراً كان من الأشخاص الذين راسلوا سيد الشهداء الحسين عليه السلام بالقدوم إلى العراق ولمّا قدم عليه السلام العراق كان هذا الأثيم في طليعة الواثبين عليه. ولذا نجد أنّ الإمام الحسن عليه السلام يخاطبهم بقوله: ويلكم، واللَّه إنّ معاوية لا يفى لأحدٍ منكم بما ضمّنه في قتلى، وإنّي أظنّ أنّي إن وضعت يدي في يده فاُسالمه لم يتركني أدين لدين جدّي صلى الله عليه وآله وإنّي اقدر أن أعبد اللَّه عزّوجلّ وحدي، ولكنّي كأنّي أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويستطمعونهم بما جعل اللَّه لهم فلا يسقون ولا يطعمون، فبعداً وسحقاً لما كسبته أيديهم، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون.

ومن تأثير الرشوة على تلك النفوس المريضة قصة إرسال الإمام عليه السلام قائده الكندي في أربعة آلاف وأمره أن يعسكر بالأنبار وان لا يحدث شيئاً حتّى يأتيه أمره، فلمّا نزل بها وجّه إليه معاوية رسولاً وكتب معه: إنّك إن أقبلت إليَّ اُولِّك بعض كور الشام والجزيرة غير منفس عليك. وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم فقبض الكندي المال وانحاز إلى معاوية في مائتي رجل من خاصّته وأهل بيته، فبلغ ذلك الحسن فقام خطيباً وقال: هذا الكندي توجّه إلى معاوية وغدر بي وبكم، وقد أخبرتكم مرّة بعد مرّة أنّه لاوفاء لكم، أنتم عبيد الدنيا، وأنا موجّه رجلاً آخر مكانه، وإنّي أعلم أنّه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه ولايراقب اللَّه فيَّ ولافيكم. فبعث إليه رجلاً من مراد في أربعة آلاف وتقدّم إليه بمشهد من الناس وتوكد عليه وأخبره أنّه سيغدر كما غدر الكندي، فحلف له بالأيمان الّتي لاتقوم لها الجبال أنّه لايفعل، فقال الإمام عليه السلام: إنّه سيغدر... وكتب إليه معاوية بمثل ما كتب إلى صاحبه وبعث إليه بخمسمائة ألف درهم، ومنّاه... فقلب على الحسن وأخذ طريقه إلى معاوية وبلغ الحسن مافعل المرادي فقام خطيباً وقال: قد أخبرتكم مرّة بعد اُخرى انكم لاتفون للَّه بعهود وهذا صاحبكم المراديّ غدر بي وبكم وصار إلى معاوية... انظر الخرائج والجرائح "المخطوط": 296، وكشف الغمّة: 154، والبحار: 44 / 43 و 33 / 1، 4، وشرح النهج: 16 / 42، أعيان الشيعة: 4 / ق 1: 22، وعلل الشرائع: 1 / 220 / 1

ثمّ إنّ معاوية مدّ اُسلاك مكره إلى عبيداللَّه بن العبّاس فجذبه إليه، وصار اُلعوبة بيده، وقد خان عبيداللَّه بذلك ثقل رسول اللَّه، وترك موكب الحقّ والهدى بعد أن أرسل إليه معاوية رسالة مشاعر حيث قال فيها: ''إنّ الحسن قد راسلني في الصلح، وهو مسلّم الأمر إليَّ، فان دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعاً، وإلّا دخلت وأنت تابع، ولك إن أجبتني الآن أن اُعطيك ألف ألف درهم، اُعجّل لك في هذا الوقت نصفها، وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر... انظر الرسالة كاملة في نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد: 4 / 28، وانظر الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 12 و 13 والّتي يشير فيها قيس بن سعدرضى الله عنه في رسالته إلى الإمام الحسن عليه السلام ويخبره أنّ معاوية أرسل إلى عبيد اللَّه بن العبّاس يرغّبه في المصير إليه وضمن له ألف ألف درهم...

لقد تمثّل في معاوية الكذب الصريح والمكر السافر في قوله ''إنّ الحسن قد راسلني في الصلح...'' لقد تسلّل عبيداللَّه إلى معاوية في غلس الليل البهيم ومعه ثمانية آلاف من الجيش من ذوي الاطماع والأهواء... وأصبحت البقية من الجيش تفتش عن قائدها ليصلّي بها صلاة الصبح فلم تجده، فصلّى بهم قيس بن سعدرضى الله عنه ونظر في اُمورهم، وملك قيس أحاسيس الجيش وشعورهم بخطابه المؤثر حيث قال: إن هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خيراً قط، إنّ أباه عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله خرج يقاتله ببدر... وإنّ أخاه ولّاه عليّ على البصرة فسرق ماله ومال المسلمين... وإنّ هذا ولّاه عليّ على اليمن فهرب من بسر بن أبي أرطاة وترك ولده حتّى قتلوا، وصنع الآن هذا الّذي صنع... انظر الخطبة في مقاتل الطالبيّين: 73، وابن أبي الحديد في شرح النهج: 16 / 40، ورجال الكشّي: 112 / 179، والبحار: 44 / 60 / 8.

وساعد اللَّه قلب الإمام الحسن عليه السلام حينما انتهي إليه هذا النبأ المؤسف، ولكن ازدادت بصيرة الحسن عليه السلام بخذلان القوم له وفساد نيات ''المحكّمة'' فيه....ولم يكتف معاوية بطعنه الجيش العراقي في صميمه بل سلك طرقاً اُخرى منها أشاع في المدائن أنّ قيّس بن سعد قد صالح معاوية وصار معهُ، ولم يشكّ الجّيش في صدق هذه الدعاية لأنّ عبيداللَّه هو أمسّ الناس رحماً بالإمام وقد غدر به فكيف بغيره؟... هذا ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية: 8 / 14، وتاريخ اليعقوبي: 2 / 191.

أمّا الدميري في حياة الحيوان: 1 / 57 فقد ذكر أنّ معاوية أذاع أنّ قيس بن سعد قد قُتل فانفروا... ومزّقت هذه الدعايات الكاذبة أعصاب الجيش، وأماتت نشاطه العسكري وأصبح متفككاً تسوده الفتن والاضطراب، ولم تنفع محاولات الإمام عليه السلام الّتي بذلها من أجل استقامتهم وصلاحهم...

حقّاً لقد كان موقف الإمام موقفاً تمثلت فيه الحيرة والذهول، ينظر إلى معاوية فيرى حربه ضرورياً يقضي به الدين ويلزم به الشرع، وينظر إلى الانقلاب والتفكك الّذي اُصيب به جيشه وإلى المؤامرات المفضوحة إلى اغتياله فينفض يده منهم وييأس من صلاحهم، ومع ذلك أراد أن يمتحنهم ليرى موقفهم من الحرب، فأمر بعض أصحابه أن ينادي في الناس ''الصلاة جامعة'' فاجتمع الجمهور وقام فيهم خطيباً فقال: واللَّه مايثنينا عن أهل الشام شكّ ولّاندم، وانّما كنّا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع، وكنتم في مسيركم إلى صفين وديتكم أمام دنياكم وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم... ألا وإنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ، ولا نصفه، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه "بظبا" بظبات السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذناه بالرضا... ولما انتهى من كلامه ارتفعت الأصوات من جميع جنبات الجمع وهي ذات مضمون واحد. البقية، البقية... انظر ابن الأثير في الكامل: 3 / 204 و 176 ط اُخرى، وحماة الإسلام: 1 / 123، المجتنى لابن دريد: 36.

وروى ذلك الطبري في تاريخه: 6 / 96، و ابن خلدون وغيرهم من المؤرّخين كأعلام الدين للديلمي "مخطوط": 182، والبحار: 44 / 21 / 5.

ومع كلّ هذا تحوم حول صلح الإمام الحسن عليه السلام شبهات كثيرة اثارها أصحاب الظنون والأقوال كالصفدي مثلاً في شرح لامية العجم: 2 / 27 والّذي خبط خبط عشواء حيث قال: وهذا الحسن بن عليّ قال لمعاوية: إن عليَّ ديناً فأوفوه عنّي وأنتم في حلٍّ من الخلافة، فأوفوا دَينه وترك لهم الخلافة... نعوذ باللَّه من هذا الافتراء الكاذب، ونقول للصفدي. متى باع الخلافة على خصمه بوفاء دَينه؟ وهو الإمام المعصوم من الخطأ ولايفعل إلّا مافيه الخير والصلاح لجميع الاُمّة...و... وعلى الصفدي مراجعة البخاري: 2 / 71 بإسناده عن الحسن قال: استقبل واللَّه الحسن بن عليّ عليه السلام معاوية بكتائب أمثال الجبال... وفي: 4 / 141 قريب من هذا، وفي إرشاد الساري: 4 / 411 قال الكرماني: وقد كان يومئذٍ الحسن أحقّ الناس بهذا الأمر، فدعاه ورعه إلى ترك الملك رغبة فيما عنداللَّه، ولم يكن ذلك لعلّة ولا لذلّة ولالقلّة... ومثله في الاستيعاب: 1 / 385 حيث قال: ''... دعاه ورعه وفضله إلى ان ترك الملك والدنيا رغبة فيما عنداللَّه....

وقد حذا فيليب متّى حذو الصفدي في كتابه العرب: 78 حيث قال فانزوى- يعني الإمام الحسن عليه السلام- عن الخلافة مكتفياً بهبة سنوية منحه إياها- يعني معاوية-.

وهذا المستشرق "روايت م. رونلدس" تعرّض- في كتاب ''عقيدة الشيعة'' تعريب ع م ص- لصلح الإمام الحسن عليه السلام و قال: إنّ الحسن كانت تنقصه- والعياذ باللَّه- القوة المعنوية والقابلية العقلية لقيادة شعبه بنجاح...

وكذلك قال "لامنس" الانكليزي الحاقد على الإسلام قريب من كلام رونلدس وقد شحن دائرة المعارف الإسلامية: 7 / 400 بالأكاذيب والبهتان والتهريج على الإسلام وعلى الشيعة بالخصوص. انظر حياة الإمام الحسن عليه السلام لباقر شريف القرشي: 2 / 115 وما بعدها مطبعة الآداب النجف الأشرف.

وهناك عوامل اُخرى أدّت إلى وثيقة الصلح من تضارب الحزبية في الجيش كالحزب الاُموي وأبناء الاُسر البارزة الذين لايهمّهم غير الزعامة الدنيويةوالظفر بالمال والسلطان كعمر بن سعد وقيس بن الأشعث وعمرو بن حريث وحجّاربن أبجر وعمرو بن الحجاج الذين كاتبوا معاوية سرّاً ووعدوه باغتيال الإمام أو تسليمه له أسيراً، وكذلك الحزب الحروري الّذي استولى على عقول السذّج والبسطاء من الجيش، وخيانة القادة أمثال عبيداللَّه بن العباس وخيانة ربيعة بقيادة خالد بن معمر الزعيم اللامع في ربيعة حيث اقبل إلى معاوية فقال له: اُبايعك عن ربيعة كلّها وبايعه على ذلك وفيه يقول الشاعر مخاطباً معاوية:




  • معاوي أكرم خالدبن معمر
    فإنّك لولا خالد لم تؤمر



  • فإنّك لولا خالد لم تؤمر
    فإنّك لولا خالد لم تؤمر



ولذا خاطب الإمام الحسن عليه السلام أهل العراق عند ما سمع بذلك بقوله: يا أهل العراق أنتم الذين أكرهتم أبي على القتال والحكومة، ثمّ اختلفتم عليه، وقد أتاني أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية فبايعوه، فحسبي منكم لاتغرّوني في ديني ونفسي... وكذلك بايع معاوية سرّاً عثمان بن شرحبيل زعيم بني تميم، كما ذكر ذلك صاحب أنساب الأشراف: ق 1: 1 / 223.]

وبلغ الحسن عليه السلام ذلك وتحقّق فساد نيّات أكثر أصحابه وخذلانهم له، ولم يبق معه ممّن يأمن غائلته إلّا خاصّة شيعته وشيعة أبيه، وهم جماعة لا يقومون بحرب أهل الشام، فكتب إلى معاوية في الهدنة والصلح

[في "ب": الصلاح.] فأجابه إلى ذلك وأنفذ إليه كُتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك فيه وتسليمه إليه.

وبعد إجابة

["أ": و وصل "بدل" وبعد إجابة.] معاوية لصلح الحسن

[اختلف المؤرّخون اختلافاً كثيراً فيمن بدر لطلب الصلح، فابن خلدون في تاريخه: 2 / 186 ذهب إلى أنّ المبادر لذلك هو الإمام الحسن عليه السلام حين دعا عمرو بن سلمة الأرحبي وأرسله إلى معاوية يشترط عليه بعد ما آل آمره إلى الانحلال، وقال ابن الأثير في الكامل: 3 / 205 مثل ذلك لأنّ الإمام الحسن عليه السلام رأى تفرّق الأمر عنه، وجاء مثله في شرح النهج لابن أبي الحديد: 4 / 8.

وأمّا ابن أعثم في الفتوح: 2 / 292 قال: ثمّ دعا الحسن بن عليّ بعبد اللَّه بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب بن هاشم وهو ابن اُخت معاوية فقال له: صر إلى معاوية فقل له عني: إنك إن أمنت الناس على أنفسهم... وقريب من هذا في تاريخ الطبري: 6 / 92، والبداية والنهاية: 8 / 15، وابن خلدون: 2 / 186، وتاريخ الخلفاء: 74، والأخبار الطوال: 200، وتاريخ اليعقوبي: 2 / 192.

أمّا الفريق الآخر فقد ذكر أنّ معاوية هو الّذي طلب وبادر إلى الصلح بعد ما بعث إليه برسائل أصحابه المتضمّنة للغدر والفتك به متى شاء معاوية أو اراد، كما ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد: 2 / 13 و14 وصاحب كشف الغمّة: 154، ومقاتل الطالبيّين: 74، وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي: 206 ولكننا نعتقد أنّ معاوية هو الّذي طلب الصلح، وممّا يدل على ذلك خطاب الإمام الحسن عليه السلام الّذي ألقاه في المدائن وجاء فيه: ألا وإنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ ولا نصفه... وقد أشرنا إليه سابقاً.

وكذلك اختلف المؤرّخون اختلافاً كبيراً واضطربت كلماتهم في شروط الصلح. فمنهم من قال: إنّ الإمام الحسن عليه السلام أرسل سفيرين إلى معاوية هما عمرو بن سلمة الهمداني، ومحمّد بن الأشعث الكندي ليستوثقا من معاوية ويعلما ما عنده، فأعطاه معاوية هذا الكتاب:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب للحسن بن عليّ من معاوية بن أبي سفيان، إنّي صالحتك على ان لك الأمر من بعدي، ولك عهداللَّه وميثاقه وذمّته وذمّة رسوله محمّدصلى الله عليه وآله، وأشدّ ما أخذه اللَّه على أحد من خلقه من عهد وعقد، لا أبغيك غائلة ولامكروهاً، وعلى أن اُعطيك في كلّ سنة ألف ألف درهم من بيت المال، وعلى أنّ لك خراج بَسَا ودار أبجرد، تبعث إليهما عمّالك، وتصنع بهما ما بدالك. شهد بها عبد اللَّه بن عامر، وعمرو بن سلمة الكندي، وعبدالرحمن بن سمرة، ومحمّد بن الأشعث الكندي، كتب في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين هجرية.

واحتفظ الإمام عليه السلام برسالة معاوية، وأرسل إليه عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل... ولمّا انتهى عبد اللَّه إلى معاوية عرض عليه مهمّة الإمام عليه السلام وهي طلب الأمن العامّ لعموم الناس... فاستجاب له وأعطاه طوماراً وختم في أسفله وقال له: فليكتب الحسن فيه ما شاء... وهذا هو التفويض المطلق للإمام فكتب عليه السلام مارامه من الشروط. فانظر الكامل في التاريخ: 3 / 205، وتاريخ الطبري: 6 / 93.] فاشترط عليه الحسن عليه السلام شروطاً كثيره كان

في الوفاء بها مصالح شاملة منها: أن لا يتعرّض عمّاله إلى سبّ أمير المؤمنين على المنابر،ولا ذكره بسوء، ولا القنوت عليه في الصلوات

[انظر مقاتل الطالبيّين: 75، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 4 / 15، وتاريخ أبي الفداء: 1 / 192.]، وأن يؤمّن شيعته ولا يتعرّض لأحد منهم بسوء

[انظر المصادر السابقة، وتاريخ الخلفاء: 194، وابن كثير: 8/41، والإصابة: 2/12، وابن قتيبة: 150.]، ويوصل كلّ ذي حقّ حقّه.

[المصادر السابقة، وانظر المناقب لابن شهرآشوب: 2 / 167.] فأجابه معاوية إلى ذلك كلّه وكتب بينه وبينه بذلك كتاباً، وهذه صورة الكتاب-كتاب الصلح- الّذي استقرّ بينهم وهو:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما صالح

[في "ب": صلح.] عليه الحسن بن عليّ بن أبي طالب،

معاوية بن أبي سفيان، صالحه

[في "أ": صلحه.] على أن يسلم إليه أمر

[في "أ"، ولاية.] المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب اللَّه وسنّة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسيرة الخلفاء "الصالحين"الراشدين المهديّين المهدين. وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين. وعلى

[في "أ": على.] أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللَّه تعالى في شامهم،ويمنهم، وعراقهم، وحجازهم. وعلى أنّ أصحاب عليّ وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا. وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد اللَّه وميثاقه "وما أخذ اللَّه على أحد من خلقه بالوفاء وبما أعطى اللَّه من نفسه". وعلى أن لا يبغي

[في "أ": لا ينبغي.] للحسن بن عليّ ولا لأخيه الحسين غائلة ولا لأحد من أهل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله غائلة سوء سرّاً أو

[في "ب": ولا.] جهراً، ولا يخيف أحداً منهم في اُفق من الآفاق. شهد عليه بذلك فلان وفلان وكفى باللَّه شهيداً

[لمّا اضطرّ الإمام الحسن عليه السلام إلى الصلح كتب وثيقة الصلح، محمّلةً بأفدح الشروط الّتي تلقي بكافة المسؤوليات على معاوية، وحيث لم ترد كاملة في مصدر واحد فنشير إلى مصادرها فقط:

انظر البحار: 10 / 115 ط القديمه، النصائح الكافيه: 156 ط لبنان، ابن أبي الحديد في شرح النهج: 4 / 8، تاريخ الخلفاء: 194، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 41، الإصابة: 2 / 12 و 13، ابن قتيبة: 150، أعيان الشيعة: 4 / 43، مقاتل الطالبيين 75، الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 200، الطبري في تاريخه: 6 / 92، علل الشرائع: 81، الطبقات الكبرى للشعراني: 23

وانظر حياة الحيوان للدميري: 1 / 57، تهذيب التهذيب: 2 / 229، تهذيب الأسماء واللغات للنووي: 1 / 199، ذخائر العقبى: 139، ينابيع المودّة: 293، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لجمال الحسنى: 52، تذكرة الخواصّ: 206، تاريخ دمشق: 4 / 221، تاريخ دول الإسلام: 1 / 53، جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: 112، تاريخ الخميس: 2 / 323، دائرة المعارف للبستاني: 7 / 38، الفتوح: 2 / 293.

والخلاصة: أنّ وثيقة الصلح تضمّنت خمس مواد وهي:

1- تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب اللَّه وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله وسيرة الخلفاء الصالحين.

2- ليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد من بعده والأمر بعده للحسن،فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين.

3- أن لايسمّيه أمير المؤمنين، وأن يترك سبّ أميرالمؤمنين والقنوت عليه بالصلاة وأن لا يذكر عليّاً إلّا بخير، وان لايقيم عنده شهادة.

4- الأمن العامّ لعموم الناس الأسود والأحمر منهم سواء فيه، والأمن الخاصّ لشيعه أمير المؤمنين وعدم التعرّض لهم بمكروه.

5- استثناء مافي بيت مال الكوفة وهو خمسة آلاف ألف، فلايشمله تسليم الأمر، وأن يفضّل بني هاشم في العطاء، وأن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وأولاد من قتل معه بصفين ألف ألف درهم، وأن يوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه.

وممّا يجدر ذكره أن بعض المؤرّخين والباحثين أصرّ على المغالطات والمجادلات ولعب بالألفاظ وأورد انّ الإمام الحسن عليه السلام قد تنازل عن الخلافة لمعاوية بما لكلمة التنازل من المعنى الخاصّ، ونحن لو رجعنا إلى التاريخ لم نجد ولم يرد على لسان أحد ما يشعر من خطبه عليه السلام أنه تنازل عن الخلافة بل إنّ المصادر تشير إلى أنه عليه السلام سلّم الأمر أو ترك الأمر لمعاوية وذلك من خلال ملاحظتنا للشروط الّتي ورد فيها إسقاطه إيّاه عن إمرة المؤمنين وأنّ الحسن عليه السلام عاهده على أن لايكون عليه أميراً، إذ الأمير هو الّذي يأمر فيؤتمر له، ولذا أسقط الإمام الحسن عليه السلام الائتمار لمعاوية إذ أمره أمراً على نفسه، والأمير هو الّذي أمّره مأمور من فوقه، فدلّ على أنّ اللَّه عزّوجلّ لم يؤمّره عليه ولارسول اللَّه صلى الله عليه وآله أمّره عليه، ولذا لايقيم عنده شهادة، فكيف يقيم الشهادة عند من أزال عنه الحكم؟ لأنّ الأمير هو الحاكم، وهو المقيم للحاكم، ومن ليس له تأمير ولاتحاكم فحكمه هذر ولاتقام الشهاة عند من حكمه هذر.

كذلك أن الإمام عليه السلام علم أنّ القوم جوّزوا لأنفسهم التأويل وسوّغوا في تأويلهم إراقة ما أرادوا إراقته من الدماء وان كان اللَّه عزّوجلّ حقنَه، ولذا اشترط عليه أن لايتعقب على شعية عليّ عليه السلام شيئاً، وأنّ الإمام عليه السلام يعلم أن تأويل معاوية على شيعة عليّ عليه السلام بتعقّبه عليهم مايتعقبه زائل مضمحلّ فاسد، كما أنه أزال إمرته عنه وعن المؤمنين، وأن إمرته زالت عنه وعنهم، وأفسد حكمه عليه وعليهم، وبالتالي تكون حينئذٍ داره دائرة وقدرته قائمة لغير الحسن ولغير المؤمنين فتكون داره كدار بخت نصر وهو بمنزلة دانيال فيها وكدار العزيز وهو كيوسف فيها.

ولانريد أن تطيل في ذلك بأن نقول كما قال أنس ''يوم كُلّم الحسن'' ولم يقل يوم بايع. إذ لم يكن عنده بيعة حقيقية وإنما كانت مهادنة كما يكون بين أولياء اللَّه وأعدائه لامبايعة بين أوليائه وأوليائه، فرأى الحسن عليه السلام رفع السيف مع العجز بينه وبين معاوية كما رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله رفع السيف بينه وبين أبي سفيان وسهل بن عمرو،ولذا قال الإمام الحسن عليه السلام في جوابه لبعضهم:... لاتقل ذلك يا أبا عامر، لم اُذلّ المؤمنين، ولكن كرهت أن أقتلهم على الملك... كما جاء في أعيان الشيعة: 4 ق 1: 52 وقوله عليه السلام:... إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلاً ولم أرَ نفسي لها أهلاً، فكذب معاوية نحن أولى الناس بالناس في كتاب اللَّه عزّوجلّ وعلى لسان نبيه... كما جاء في حياة الحيوان للدميري: 1 / 58. وهذا تصريح خطير بأنّ الولاية له من اللَّه على الناس لازالت قائمة، حتّى تسليم الأمر لمعاوية، وأنّ التسليم ليس إلّا ترك الملك.

وقال عليه السلام وكان معاوية حاضراً:... وليس الخليفة من دان بالجور، وعطّل السنن واتخذ الدنيا أباً واُماً، ولكن ذلك ملك أصاب ملكاً تمتّع به، وكأن قد انقطع عنه واستعجل لذّته، وبقيت عليه تبعته، فكان كما قال اللَّه عزّوجلّ: "وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَعٌ إِلَى حِينٍ ". الأنبياء: 111. وهذا تعريض بمعاوية وأنه ليس أهلاً للخلافة وانما هو ملك يطلب الدنيا... انظر المحاسن والمساوي للبيهقي: 1 / 133، الاحتجاج: 1 / 419 الخرائج والجرائح: 218، ذخائر العقبى: 140، شرح النهج لابن أبي الحديد: 16 / 49، مقاتل الطالبيين: 73، تحف العقول: 164.]

ولما اُبرم

[في "أ": ابترم، وفي "ب": انبرم.] الصلح بينهما التمس معاوية من الحسن عليه السلام أن يتكلّم بمجمع من الناس ويُعلِمهم أنه قد بايع معاوية، فأجابه إلى ذلك، فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلّى على نبيّه محمّدصلى الله عليه وآله ثمّ قال: أيّها الناس إنّ أكيّس الكيس التقي، وأحمق الحمق الفجور. "واللَّه" ولو أنكم طلبتم ما بين جابرقا

[بالباء الموحّدة المفتوحة واللام المسكّنة، روى عن ابن عباس أنها بأقصى المغرب وأهلها من ولد عاد. "انظر معجم البلدان: 3 / 32". وفى "ب، ج": جابلق.] وجابرصا

[مدينة بأقصى المشرق، زعم أنّ أولاد نبيهم موسى عليه السلام هربوا أمّا في حرب طالوت أو في حرب بخت نصر. انظر المعجم: 3 / 33". وفي "ب، ج": جابرص.] مَن جدّه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين، وقد علمتم أنّ اللَّه تعالى جلّ ذكره وعزّ اسمه هداكم بجدّي محمّد وأنقذكم "به"من الضلالة، وخلّصكم "به" من الجهالة، وأعزّكم به بعد الذلّة، وكثّركم به بعد القلّة، وانّ معاوية نازعني حقّاً هو لي دونه، فتركته

[في "أ": فنظرت.] لصلاح الاُمّة وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تُسالموا من سالمت

[في "أ": سالمني... حاربني.] وتحاربوا من حاربت، فرأيت أن اُسالم لمعاوية وأضع الحرب بيني وبينه، وقد بايعته

[في بعض النسخ لاتوجد عبارة ''وقد بايعته''.]، وقد رأيت أنّ حقن دماء المسلمين خيرٌ من سفكها، ولم

[في "أ": ولد.] اُرد بذلك إلّا صلاحكم وبقاءكم "وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ و فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ"

[الأنبياء: 111. وانظر كشف الغمّة ص 170، والاستيعاب: 1 / 388 عن الشعبي بزيادة في أول الخطبة: الحمدللَّه الّذي هدى بنا أولكم وحقن بنا دماء أخركم، ألا إنّ أكيس... وقريب من هذا في تاريخ الطبري: 4 / 124، والكامل لابن الأثير: 3 / 176، عيون ابن قتيبة: 2 / 172، العقد الفريد: 4 / 19 البداية والنهاية: 8 / 42، ابن أبي الحديد في شرح النهج: 4 / 10، مستدرك الحاكم: 3 / 170، البحار: 10 / 114. وتوجد هذه الخطبة في الاحتجاج: 1 / 401 ولكنها تختلف كلّياً إلّا في بعض الموارد، وكذلك في البحار: 44 / 70 ح 1 وقريب من الخطبة الأولى - في المتن- في تحف العقول: 232، والبحار: 44 / 41 ح 3، والفتوح لابن أعثم: 2 / 295، الصواعق المحرقة: 136 ب 10 فصل 1.] ثمّ نزل وتوجّه بعد ذلك إلى المدينة الشريفة وأقام بها

[انظر المصادر السابقة، والإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 15 بزيادة: كاظماً غيظه، لازماً منزله، منتظراً لأمر ربّه جلّ اسمه...، ولفتوح: 2 / 298 بزيادة ''وهو عليل'' وانظر شرح النهج: 4 / 6، تحفة الأنام للفاخوري: 67، المسعودي على هامش ابن الأثير: 6 / 97، الكامل: 3 / 208، مقاتل الطالبيين: 80.]

وكانت

[في "ب": فكانت.] مدّة خلافته عليه السلام إلى أن صالح معاوية ستة أشهر وثلاثة أيّام، وقيل: خمسة أيام

[سبق وأن تحدّثنا عن إمامته بحديث ''الحسن والحسين إمامان قاما أوقعدا'' وأعتقد ان ابن الصبّاغ المالكي ينظر هنا إلى الخلافة الظاهرية وليس الإلهية كما أوضحنا ذلك سابقاً، وانظر سنن الترمذي: 323 ولذا نجد الشعراني في طبقاته يقول: وبقى- يعنى الحسن- نحو سبعة أشهر خليفة بالحجاز واليمن والعراق وخراسان وغير ذلك... وفي الاستيعاب: 1 / 287: مكث الحسن نحواً من ثمانية أشهر لايسلّم الأمر إلى معاوية... وفي التنبيه والأشراف: 260: وكانت خلافته إلى أن صالحه ستة أشهر وثلاثة أيّام... وقريب منه في تهذيب التهذيب: 2 / 299.]

وروى شيبة قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: الخلافة ثلاثون سنة ثمّ تكون ملكاً.

وكان آخر ولاية الحسن تمام ثلاثين وثلاثة عشر يوماً من أول خلافة أبي بكر

[أورد الترمذي في سننه: 323 عن سفينة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الخلافة في أُمتي ثلاثون سنة، ثمّ ملك بعد ذلك، ثمّ قال لي سفينة: امسك خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان. ثمّ قال، قال لي: امسك خلافة عليّ، قال: فوجدناها ثلاثين سنة. قال سعيد: فقلت: انّ بني اُمية يزعمون أنّ الخلافة فيهم! قال: كذبوا بني الزرقاء، بل هم ملوك من شرار الملوك. وقال أبو بكر بن العربي في شرحه: زاد بعضهم: والحسن ستة أشهر. وانظر البداية والنهاية: 8 / 41، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 6 المسترشد في إمامة أمير المؤمنين: 449، إكمال الدين للصدوق: 2 / 462، وسبق أن أشبعنا الحديث بحثاً على الرغم من أنّ العلّامة باقر شريف القرشي في حياة الإمام الحسن عليه السلام: 2 / 140 هامش رقم 2 يقول: إنّ هذا الحديث من الموضوعات لأنّ الخلافة قد صارت ملكاً عضوضأ في أيّام عثمان فهو الّذي حولها عن مفاهيمها الخلافة وآثر الأُموبين في الحكم والأموال وأتاح لهم من القوى ماهيّأهم لمنازعة أمير المؤمنين، وقد تحدّث النبيّ صلى الله عليه وآله عمايؤول إليه الأمر من بعده فقال: إن أوّل دينكم بدء نبوة ورحمة، ثمّ يكون ملكاً وجبرية.]

وروى أنه لمّا تمّ الصلح لمعاوية واجتمع عليه الناس دخل عليه سعد بن أبي وقّاص

[تقدّمت ترجمته.] وقال: السلام عليك أيّها الملك، فتبسّم معاوية وقال: ما عليك يا أبا إسحاق لو قلت يا أمير المؤمنين، قال: ما اُحبّ أني وليتها بما ولينها به

[انظر مروج الذهب: 2 / 317، علل الشرائع: 1 / 220 قريب من هذا، العقد الفريد: 3 / 131، تاريخ البديع: ورق 216 مخطوط، أمالي الشيخ الطوسي: 1 / 174.] وروى ذلك صاحب تاريخ البديع.

وروى أبو بشر الدولابي أنّ معاوية أعطى للحسن بعد أن تمّ الصلح بينه وبينه خمسة الآف درهم

[انظر الذرية الطاهرة للدولابي "مخطوط": ورق 25 و لم يذكر في هذا الكتاب من طبعة جامعة مدرسين بتحقيق السيّد محمّد جواد الجلالي.

وانظر أيضاً تاريخ الطبري: 6 / 92، البداية: 8 / 15، ابن خلدون: 2 / 186، تاريخ دول الإسلام: 1 / 53، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 194، وابن كثير: 8 / 41، الإصابة: 2 / 12، ابن قتيبة: 150، وسبق وأن أشرنا إلى ذلك في بنود الصلح وردّ شبهات المستشرقين.] وقيل: بل أعطاه مائة ألف دينار

[جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: 112، وانظر المصادر السابقة، علماً أنّ عبارة ''وقيل بل... دينار'' ذكرت في حاشية الذرية الطاهرة المخطوطة.

ونحن لانريد التعليق على هذه العطايا من قبل معاوية للإمام الحسن عليه السلام أو للامام الحسين عليه السلام بل نكتفي بذكر الرواية الّتي ينقلها صاحب كتاب حياة الإمام موسى بن جعفرعليه السلام في: 2 / 332 قال: قال الإمام موسى ابن جعفرعليه السلام: إنّ الحسن والحسين كانا لايقبلان جوائز معاوية بن أبي سفيان... وإذا سلّمنا بذلك فقد كفانا علماء الفقه الإسلامي مؤونة البحث عن هذه المسألة، فقد ذكروا أنّ صِلّات السلطان الجائر وهداياه جائزة مالم تشتمل على أموال مغصوبة يعلم غصبها على نحو اليقين، فحينئذٍ لايجوز أخذها، وإن اُخذت وجب ردّها إلى أهلها، وأكثر ألاموال الّتي كانت بيد معاوية انما هي من أموال الخراج والزكاة... انظر كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري رحمه الله.]، واللَّه أعلم.

ذكر وفاته و مدّة عمره و إمامته

[حين قرر معاوية بن أبي سفيان أن يجعل ولده يزيداً وليّ عهده، مع علمه بأن هذا الأمر صعب المنال نظراً لأن الصلح الّذي اُبرم بينه وبين الإمام الحسن عليه السلام كان من بين شروطه أن يترك معاوية أمر المسلمين شورى بينهم بعد وفاته.


ولذا سعى في موت الحسن بكل جهده، وأرسل مروان بن الحكم "طريد النبيّ صلى الله عليه وآله" إلى المدينة وأعطاه منديلاً مسموماً وأمره بأن يوصله إلى زوجة الإمام الحسن عليه السلام جعدة بنت الأشعث بن قيس بما استطاع من الحيل لكي تجعل الحسن يستعمل ذلك المنديل المسموم بعد قضاء حاجته و أن يتعهد لها بمبلغ مائة ألف درهم ويزوّجها من ابنه يزيد. فذهب مروان تنفيذاً لأمر معاوية واستفرغ جهده حتّى خدع زوجة الحسن ونفذت المؤامرة.

في المقاتل لأبي الفرج الاصبهاني: 43، و أنساب الأشراف: 1 / 404، وابن أبي الحديد في شرح النهج: 4 / 11 و17:... واراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شي ء أثقل عليه من أمر الحسن بن عليّ وسعد بن أبي وقّاص، فدسّ إليهما سمّاً فماتا منه.

وسبب ثقل أمر الحسن وسعد عليه هو: أنّ سعداً كان الباقي من الستّ أهل الشورى الذين رشّحهم عمر للخلافة من بعده، وأمّا الحسن فلما جاء في معاهدة الصلح بينهما: أن يكون الأمر للحسن من بعده، وليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد. انظر ابن كثير: 8 / 41، تاريخ الخلفاء: 138، الإصابة ترجمة الحسن، ابن قتيبة: 150، ابن أبي الحديد: 4 / 13، الصواعق: 81.

أمّا إنّه كيف اغتالهما؟ فلم نجد من يشرح كيفية اغتيال سعداً، أمّا الحسن فقد روى المسعودي في مروج الذهب بهامش الكامل: 2 / 353، 6 / 55، والمقاتل أيضاً: 73، وتهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر: 4 / 226، وأسماء المغتالين من الأشراف: 44، وتاريخ اليعقوبي: 2 / 225، وابن الأثير: 2 / 197، وابن شحنة بهامش ابن الأثير: 11 / 132، وابن كثير: 8 / 43، وابن أبي الحديد في وشرح النهج: 4 / 4 و 17، وابن حجر في الصواعق المحرقة: 136 ب 10 فصل 1 وغيرهم قالوا: إنّ جعدة بنت الأشعث بن القيس الكنديّ سقته السمّ؛ وقد كان معاوية دسّ إليها: أنّك إن احتلت في قتل الحسن وجّهت إليك بمائة ألف درهم، وزوّجتك يزيد، فكان ذلك الّذي بعثها على سمّه. فلمّا مات وفّى لها معاوية بالمال، وأرسل إليها: إنّا نحبّ حياة يزيد، ولو لا ذلك لوفيّنا لك بتزويجه. وانظر أيضاً تاريخ الدول الإسلامية: 1 / 53، تذكرة الخواصّ: 62، تاريخ أبي الفداء: 1 / 194.

وحريّ بهذه الأثيمة أن تجيب نداء ابن هند فهي من اُسرة انتهازية لها تاريخها الأسود، فقد جبلت على الطمع وعلى الإستجابه لجميع الدوافع المادية، وقد قال الإمام الصّادق عليه السلام فيها كما في أعيان الشيعة: 4 / 78، والكافي: 8 / 167 / 187: إنّ الأشعث شرك في دم أمير المؤمنين، وابنته جعدة سمّت الحسن، وابنه شرك في دم الحسين. وقريب من هذا وذاك في الاستيعاب: 1 / 389، تاريخ الخلفاء للسيوطى: 74، مستدرك الحاكم: 3 / 176، الإرشاد للشيخ المفيد: 3 / 15، البحار: 44 / 157 و149 / 26 و18، العدد القوية "مخطوط": 73، المناقب لابن شهرآشوب: 3 / 191، كشفه الغمّة: 1 / 584، روضة الواعظين: 200، الاحتجاج للطبرسي: 2 / 11، الكافي: 1 / 462 ح 3، الخرائج والجرائح "مخطوط 125": ح 7.

وبعد كلّ هذا نرى بعض المؤرّخين الحاقدين يبّررون قتل الإمام عليه السلام من قِبل معاوية كابن خلدون في: 2 / 187 قال: وما ينقل من أنّ معاوية دسّ إليه السّم مع زوجته جعدهَ فهو من أحاديث الشيعة، وحاشا لمعاوية من ذلك... اللَّه اللَّه من قول المتعصّب هنا فإنّه يعترف بأنّ معاوية حارب أبا الحسن علياً وهو خليفة رسول اللَّه بإتفاق المسلمين ويقتل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله جمع كثير في هذه المعركة ويحارب الحسن عليه السلام وهو ريحانة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثمّ يستخلف يزيد ابنه وهو شارب الخمر المتهتك الفاسق ثمّ يقتل حجراً وأصحاب حجر ثمّ يعمل أعمالاً دون ذلك؟ وأمّا دسّه السمّ فحاشا له من ذلك؟!

وقد سار على نهج ابن خلدون الدكتور فيليب متّي في كتابه العرب: 79، واستند عبدالمنعم في كتابه التاريخ السياسي: 2 / 20 إلى قول ابن خلدون أيضاً حيث قال:... ولكنا نستبعد قيام معاوية بذلك.

وهنالك أقوال غريبة في هذا الصدد أشار إليها العلّامة باقر شريف القرشي في كتابه الحياة السياسيه للإمام الحسن عليه السلام في: 2 / 479 كقول المستشرق روايت م. رونلدس في كتابه عقيدة الشيعة: 90 والمستشرق لامنس في دائرة المعارف الإسلامية: 7/400 وقد ذهبا إلى أنّ الإمام الحسن عليه السلام مات بالسلّ.

أمّا اُلاستاذ حسين واعظ في روضة الشهداء: 107 فقد قال: مات بسبب عصا مسمومة ضغطها على رجله... وفي البدء والتاريخ: 6 / 5 طبعة باريس أنّه مات بطعنة شخص بظهر قدمه بزجّ مسموم وهو يطوف في بيت اللَّه الحرام فتوفّى على أثر ذلك....

أمّا الدكتور حسن إبراهيم حسن فقد ذهب في كتابه تاريخ الإسلام السياسي: 1 / 398 إلى أنّ الإمام مات حتف أنفه.]

قال أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي في كتابه ''إعلام الورى '' بعد أن تمّ

الصلح بين الحسن بن عليّ ومعاوية وخرج الحسن عليه السلام إلى المدينة وأقام بها عشر سنين سقته زوجته جُعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي السمّ، وذلك بعد أن بذل لها معاوية على سمّة مائة ألف درهم، فبقي مريضاً أربعين يوماً

[إعلام الورى للفضل بن الحسن الطبرسي: 213- 217 دار المعرفه بيروت بالإضافة إلى الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 15 مع إختلاف يسير في اللفظ وفيه: عشر سنين مع إمارته... وأرسل إليها مائة ألف درهم، فسقته جعدة السمّ، فبقي عليه السلام مريضاً أربعين يوماً.

وانظر مقاتل الطالب 73 قريب من هذا بإضافة:... أنّي مُزوِّجُكِ من ابني يزيد... ولم يزوّجها من يزيد... وكذلك في شرح ابن أبي الحديد للنهج: 16 / 49، ونقله المجلسي في البحار: 44 / 155 وفيه: 25... فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلامٌ عيروهم وقالوا: يا بنى مسمَّةِ الأزواج... وفي العدد القوية "مخطوط:" 73 قريب منه، والمناقب لابن شهرآشوب: 3 / 191، الاحتجاج للطبرسي: 2 / 11، الخرائج والجرائح "مخطوط": 125 / 7، الفتوح لابن أعثم: 2 / 322 هامش رقم 1، الاستيعاب: 1 / 389، مروج الذهب: 2 / 50، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 74 بالإضافة إلى المصادر السابقة.]

وقال الحافظ أبو نعيم في حليته: إنّه لمّا اشتدّ الأمر بالحسن قال: أخرجوا فرشي إلى صحن الدار لعلّي أتفكّر

[في "ب": أنظر.] في ملكوت السماوات- يعني الآيات فلمّا خرجوا به قال: اللّهمّ إنّي أحتسب نفسي عندك فإنّها أعزّ الأنفس عليَ

[حلية الأولياء: 2 / 38 عن رقية بن مصقلة وفيه ''لمّا حضر الحسن بن علي- الموت- قال: أخرجونى إلى الصحراء لعلّي أنظر في ملكوت السماوات-يعنى الآيات- فلمّا اُخرج به قال: اللّهمّ إنّى أحتسب نفسي عندك، فإنّها أعزّ الأنفس عليَّ، وكان ممّا صنع اللَّه له أنّه احتسب نفسه''. وقريب منه في كشف الغمّة: 1 / 584- 568، والبحار: 44 / 138 / 5. في طبقات الشعراني. حياة الإمام الحسن عليه السلام ''لمّا نزل به الموت قال: أخرجوا فراشي إلى صحن الدار، فأُخرج فقال: اللّهمّ انّي احتسب نفسي عندك فانّي لم أُصب بمثلها''. وانظر تذكرة الخواصّ: 23، تاريخ ابن عساكر: 4 / 226، صفة الصفوة: 1 / 320.]

وعن عمرو بن إسحاق قال: دخلت أنا ورجل على الحسن بن عليّ نعوده فقال: يا فلان سَلني، فقلت: لا واللَّه لا أسألك حتّى يعافيك اللَّه ثمّ أسألك "قال: فدخل عنّا ثمّ خرج إلينا فقال: يا فلان سَلني قبل أن لا تسألني، قال: بل يعافيك اللَّه تعالى ثمّ أسألك" قال: لقد ألقيت طائفة من كبدي

[الرواية على تقدير صحّتها نصّت على أنّ السمّ أثّر في كبد الإمام عليه السلام حتّى قاء بعضاً منه، وهذا ممّا يرفضه الطبّ الحديث بل يقول: إنّ السمّ يحدث التهاباً في المعدة وبالتالي يؤدّي إلى هبوط في ضغط الدم ويؤدّي إلى التهاب الكبد والكبد هو الجهاز الخاصّ في الجانب الأيمن الّذي يقوم بإفراز الصفراء كما جاء في القاموس: 1 / 332، وتاج العروس: 2 / 481، ويسمّى الجوف بكامله كبداً، وهنا تكون الرواية غير منافية للطبّ حيث إنّه ألقى من جوفه عليه السلام قطعاً من الدم المتخثّر والّتي تشبه الكبد.]، وإنّي سُقيتُ السمّ مراراً فلم اُسقه مثل هذه المرّة"

[انظر حلية الأولياء: 2 / 38، المناقب لابن شهرآشوب: 3 / 202 مع تقديم وتأخير في اللفظ، ونحوه في الإرشاد: 2 / 16 بلفظ: لقد سُقيت السمّ مراراً، ماسقيته مثل هذه المرّة، لقد لفظت قطعةً من كبدي، فجعلت اُقلبها بعودٍ معي... وروضة الواعظين: 200، بحار الأنوار: 44 / 158 / 28، كشف الغمّة: 1 / 584، مروج الذهب: 2 / 427، كفاية الأثر: 226، الإحتجاج: 2 / 11، شرح النهج لابن أبي الحديد: 4 / 17، تاريخ اليعقوبي: 2 / 200، صفة الصفوة: 1 / 320، تهذيب التهذيب: 2 / 300، تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر: 4 / 226.] ثمّ دخلت عليه من الغد "وهو يجود بنفسه" فوجدت أخاه الحسين عند رأسه، فقال له الحسين: "مَن" تتهم

[في "أ": تتهمها.] يا أخي؟ قال: لِمَ؟ لتقتله؟

[في "أ": لأن تقتله.] قال: نعم، قال: إن يكن الّذي أظنّه فاللَّه أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً، وإن لم يكن

[في "أ": يكنه.] فما اُحبُّ أن

يُقتل بي بري ء

[انظر حلية الأولياء: 2 / 38 وفيه ''عن عمير بن إسحاق''، كشف الغمّة: 1 / 584- 568، البحار: 44 / 156 / 5، وفي مروج الذهب: 2 / 427 بلفظ: فقال له الحسين عليه السلام: يا أخي ومن سقاك؟ قال: وما تريد بذلك؟ فإن كان الّذي أظنّه فاللَّه حسيبه، وإن كان غيره فما اُحبُّ أن يؤخذ بي بري ء، فلم يلبث بعد ذلك إلّا ثلاثاً حتّى توفّي صلوات اللَّه عليه... وفي المناقب لابن شهرآشوب: 3 / 202 قريب من هذا بلفظ: ومَن سقاكه؟ قال: ما تريد به؟ أتريد أن تقتله، إن يكن هو هو، فاللَّه أشدّ نقمةً منك، وإن لم يكن هو فما أحبّ أن يؤخذ بي بري ء، وانظر وشرح ابن أبي الحديد: 4 / 17، و: 16 / 49، الاستيعاب: 1/390، مقاتل الطالبيّين:74 والبداية: 8/43 وفيه: ''يا عمير! سلني قبل أن لا تسلني...'' ترجمة الإمام الحسن ضمن تاريخ دمشق: 207- 208، الفتوح: 2 / 322 هامش رقم 3، صفة الصفوة: 1 / 320.]

وروي أنّه لمّا حضرته الوفاة فكأنه جزع لذلك، فقال له أخوه الحسين: ما هذا الجزع؟إنّك

[في "أ": إنّما.] ترد على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وعلى أمير المؤمنين وهما أبواك، وعلى خديجة وفاطمة وهما اُمّاك، وعلى القاسم والطاهر وهما خالاك وعلى حمزة وجعفر وهما عمّاك،فقال له الحسن: يا أخي ما جزعي إلّا أني داخل

[في "أ": أن أدخل.] في أمرٍ من أمر اللَّه لم أدخل في مثله قطّ. وأرى خلقاً من خلق اللَّه لم أرَ مثله

["أ": مثلهم.] قط

[تاريخ الخلفاء: 74، الكافي: 1 / "مولد الإمام الحسن ح 1 قريب من هذا، وجلاء العيون للسيد عبد اللَّه شبّر: 1 / 319، الوافي لملّا محسن الفيض: 2 / 174، البحار: 44 / 150، أمالي الصدوق: 184 / 9، عيون أخبار الرضا: 1 / 236 ح 62.] فبكى. الحسين عند ذلك.

ثمّ قال له الحسن: يا أخي قد حضرت وفاتي وحان فراقي "لك" وإنّي لاحقٌ بربي وأجد كبدي يتقطّع وإنّي لعارف من أين دُهيت وأنا اُخاصمه إلى اللَّه، فبحقّي عليك إن تكلّمت في ذلك بشي ء

[في "أ": لشي ء.]، فإذا أنا قضيتُ "نحبي" فغمِّضني وغسلني وكفّنّي واحملني على سريري إلى قبر جدِّي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لاُجدِّد به عهداً، ثمّ ردّني إلى

[في "ب، ج": على.]

قبر جدّتي فاطمة بنت أسد فأدفنّي هناك، وباللَّه اُقسم عليك أن لا تهرق في أمري محجمة دم

[انظر الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 17 مع اختلاف يسير في اللفظ وزاد: يا أخي، انّي مفارقك ولاحق بربي جلّ وعزّ وقد سقيت السمّ ورميت بكبدي في الطست، وإنّى لعارف بمن سقاني السمَّ ومن أينَ دُهيتُ وأنا اُخاصمهُ... وستعلم يا ابنَ اُمّ انّ القوم يظنُّون أنّكم تريدون دفني عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فَيُجْلِبُونَ في منعكم عن ذلك وباللَّه أقسم... ما كان وصّى به إليه أمير المؤمنين عليه السلام حين استخلفه وأهَّلَه لمقامهِ، ودلّ شيعَته على استخلافهِ ونصبِه لهم عَلَماً من بعده... وقريب من هذا في ناسخ التواريخ: حياة الإمام الحسن، ومعالي السبطين: 47، جلاء العيون السيّد عبد اللَّه شبّر: 1 / 368، البحار: 44 / 145 ح 13 و: 160 / 29 و: 158 / 28.

وانظر المناقب لابن شهرآشوب: 3 / 204 و202، كفاية الأثر: 226، روضة الواعظين: 200، شرح النهج لابن أبي الحديد: 16 / 10، 13، 14، الكافي: 1 / 302 ح 3، الخرائج والجرائح: 125، عيون المعجزات: 60 و65، أمالي الشيخ الصدوق: 133، مرآة العقول: للعلّامة المجلسي 1 / 226، أعيان الشيعة: 4 / 79، مقتل الحسين للخوارزمي: 137.] ثمّ وصّى إليه بأهله ووُلده وتركاته

[في "أ": تركته.] وجميع ما كان وصّى به إليه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ثمّ قضى نحبه عليه السلام وذلك لخمس خلون من ربيع الأوّل سنة خمسين من الهجرة

[انظر الاستيعاب: 1 / 389 و374، مستدرك الحاكم: 3 / 173، وقد اختلف في سنّ الإمام الحسن عليه السلام وقت وفاته فقيل: إنه توفي وهو ابن ثمان وأربعين سنه كما يذكر السيوطي ذلك في تاريخ الخلفاء: 129 وقيل: توفي وهو ابن ست وأربعين سنة كما ورد في الإمامة والسياسة: 1 / 146 وشرح النهج لابن أبي الحديد: 4 / 18 و16 / 51. وقيل: توفي سنة 49 ه وهذا ما ذهب إليه ابن كثير وابن حجر في التهذيب: 6 / 39، وقيل سنة 51 ه وهذا ما ذهب إليه الخطيب البغدادي في تاريخه. أمّا الشهر الذي توفي فيه فقد اختلف فيه أيضاً، فقيل في ربيع الأوّل لخمس بقين منه، وقيل في صفر لليلتين بقيتا منه، وقيل يوم العاشر من المحرّم يوم الأحد سنة 45 ه كما في المسامرات: 26، أمّا المشهور عند الشيعة فإنّه توفي في صفر في السابع منه. وقد ذكر السيّد مهدي الكاظمي في دوائر المعارف: 23 تفصيل الأقوال في وفاته. وانظر الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 15، مقاتل الطالبيين: 83، المعارف لابن قتيبة: 213، الكافي: 1 / 461 / 2، بحار الأنوار: 44 / 144 / 10 و: 134 / 1 و: 149 / 18، عيون المعجزات: 67، العدد القوية "مخطوط": 73، المناقب لابن شهرآشوب: 2 / 175، و: 3 / 191، كشف الغمّة: 1 / 583 و584، المصباح للكفعمي: 522، الإمام الحسن بن علي للملطاوي: 72، سمط النجوم العوالي: 2 / 539، التنبيه والأشراف: 260، العقد الفريد: 3 / 128، و: 4 / 361، مروج الذهب: 2 / 52، البيان والتبيين: 3 / 360، أنساب الأشراف: 1 / 404.] وصلّى عليه سعيد بن

العاص

[تقدّمت ترجمته. وفي "ب، ج": سعيد بن أبي وقاص.] فإنّه كان يومئذٍ والياً على المدينةمن جهةمعاوية

[انظر العقد الفريد: 3 / 67 و128 و، و: / 361، مستدرك الحاكم: 3 / 173، الاستيعاب: 1 / 389 بزياد: قدّمه الحسين للصلاة على أخيه، وقال: لو لا انّه سنة ما قدّمتك، المعارف لابن قتيبة: 212، شحر النهج لابن أبي الحديد: 4 / 18، ابن الأثير: 3 / 18، الطبقات الكبرى في ترجمة سعيد: 5 / 19-24، المقاتل: 83.] وصلّى عليه الحسين عليه السلام

[انظر تاريخ الخميس: 2 / 323، الكافي: 1 / 302 / 3، البحار: 44 / 142 / 9. وهذا هو الرأي الصحيح لأنّ القول الأوّل بعيد نظراً لتوتّر العلاقات بين الاُمويين والهاشميين فكيف يقدّم الحسين عميدهم للصلاة عليه. ومن الثابت تاريخياً أيضاً انّه لم يحضر أحد من الاُمويين في الصلاة سوى سعيد بن العاص.] ودُفن بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسدعليها السلام

[انظر الاصابة: 1 / 330، تاريخ ابن عساكر: 8 / 228، البداية والنهاية: 8 / 44، الاستيعاب: 1 /389، العقد الفريد: 3 / 128، مروج الذهب: 2 / 51، المناقب لابن شهرآشوب: 2 / 175، رحلة ابن بطّوطة: 76، عيون ابن قتيبة: 2 / 314، الإمام الحسن بن عليّ للملطاوي: 72، وسمط النجوم العوالي: 2 / 539، الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 15، دلائل الإمامة: 61، المقاتل: 74، شرح النهج لابن أبي الحديد: 16 / 49- 51، الخرائج والجرائح: 1 / 242 ح 8، بحار الأنوار: 44 / 156، كفاية الطالب: 268 أمالي الطوسي: 159، الكافي: 1 / 302 / 3، عيون المعجزات: 60- 65، ابن الأثير: 3 / 197.

الفتنة الكبرى :

اتجهت مواكب التشييع نحو المرقد النبوي لتجدّد العهد بجده صلى الله عليه وآله لكن لمّا علم الاُمويون ذلك تجمّعوا وانضمّ بعضهم إلى بعض بدافع الأنانية والحقد والعداء للهاشميين إلى إحداث شغب ومعارضة لدفن الإمام بجوار جدّه لأنهم رأوا أنّ عميدهم عثمان دُفن في حش كوكب- مقبرة اليهود- فكيف يُدفن الحسن عليه السلام مع جدّه فيكون ذلك عاراً عليهم وخزياً فأخذوا يهتفون بلسان الجاهلية الحمقاء: يا ربّ هيجاء، هي خير من دعة، أيُدفن عثمان بأقصى المدينة ويُدفن الحسن عنده جده؟

وانعطف مروان بن الحكم وسعيد بن العاص نحو عائشة وهما يستفزّانها ويستنجدان بها لمناصرتهم بذلك وهما يعرفان دخيلة عائشة وما تنطوي عليها نفسها بما تكنّه من الغيرة والحسد لولد فاطمةعليها السلام قائلين لها: يا اُم المؤمنين، إنّ الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله واللَّه لئن دُفن الحسن بجوار جدّه ليذهبنّ فخر أبيك، وصاحبه عمر إلى يوم القيامة. فألهبت هذه الكلمات نار الثورة في نفسها فاندفعت بغير اختيار لمناصرتهما راكبةً على بغلٍ وهو تقول: مالي ولكم تُريدون أن تُدخِلوا بيتى من لا اُحبُّ؟! وكادت أن تقع الفتنة بين بني هاشم وبني اُمية، فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت، فإنّا ما نريد أن ندفن صاحبنا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بل نريد أن نجدّد العهد به، ثمّ نردّه إلى جدّته فاطمة بنت أسد فندفنه عندها لوصيته بذلك، ولو كان وصّى بدفنه مع النبيّ صلى الله عليه وآله لعلمت انّك أقصر باعاً من ردِّنا عن ذلك، لكنه عليه السلام كان أعلم باللَّه ورسوله وبحرمة قبره من أن يُطرق عليه هدماً كما طرق ذلك غيره، ودخل بيته بغير إذنه.

ثمّ أقبل على عائشة فقال لها: وا سوأتاه! يوماً على بغلٍ ويوماً على جمل... وفي رواية قال ابن عباس: يوماً تجمّلتِ ويوماً تبغّلتِ، وإن عشتِ تفيّلتِ... فأخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي فقال:




  • يا بنت أبي بكر
    لكِ التُسع من الثُمن
    تجمّلتِ تبغّلتِ
    وإن عشتِ تفيّلت



  • لاكان ولا كنت
    وبالكلّ تملّكت
    وإن عشتِ تفيّلت
    وإن عشتِ تفيّلت



هذا الخبر رواه الفريقان من أهل السنّة والشيعة بتغيّر ببعض عباراته كلّ بحسب مذهبه، فانظر الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 18 و19، ودلائل الإمامة: 61، ومقاتل الطالبيين: 82، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 4 / 18، و: 16 / 49- 51، الخرائج والجرائح: 1 / 242 ح 8، البحار: 44 / 156، تذكرة الخواص: 223، تاريخ اليعقوبي: 1 / 200.

وقال الحسين عليه السلام: واللَّه لولا عهد الحسن إليَّ بحقن الدماء وأن لا اُهريق في أمره محجمة دمٍ لعلمتم كيف تأخذ سيوف اللَّه منكم مأخذها... انظر المصادر السابقة وتاريخ أبي الفداء: 1 / 192، روضة الواعظين: 143، والعقد الفريد: 3 / 128، أنساب الأشراف: 1 / 404، المناقب لابن شهرآشوب: 2 / 175، أمالي الشيخ الطوسي: 159 بزيادة فقطبت- عائشة- بوجهها ونادت بأعلى صوتها: أو-ما نسيتم الجمل يابن عباس؟ إنكم لذوو أحقاد، فقلت: أم واللَّه ما نسيته أهل السماء فكيف ينساه أهل الأرض، فانصرفت وهي تقول:




  • فالقت عصاها واستقرّ بها النوى
    كما قرّ عيناً بالإياب المسافر



  • كما قرّ عيناً بالإياب المسافر
    كما قرّ عيناً بالإياب المسافر



.] وعمره "رض" إذ ذاك سبع وأربعون

سنة

[انظر أنساب الأشراف: 1 / 404، المناقب: 3 / 191 بإضافة ''وأشهر''. وانظر المصادر السابقة. وفي الإرشاد: 2 / 15 بلفظ ''ثمان وأربعون سنة''.]، كان منها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله سبع سنين

[انظر الكافي: 1 / 583 بالإضافة إلى المصادر السابقة، وعيون المعجزات: 67.]، ومع أبيه بعد وفات رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثلاثين سنة

[المناقب لابن شهرآشوب: 3 / 191، الصواعق المحرقة: 141 باب 10 فصل 3، الاستيعاب بهامش الإصابة: 1 / 374 بالإضافة إلى المصادر السابقة.]، وعاش بعد أبيه عليه السلام إلى حين وفاته عشر سنين

[انظر الإرشاد: 2 / 15، العدد القوية "مخطوط": 73 الصواعق المحرقة: 141 باب 10 فصل 3 بالإضافة إلى المصادر السابقة.]، وهذه مدّة إمامته عليه السلام.

/ 19