مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
ما أشد حاجتنا في هذه الظروف التي تمر بها أمتنا إلى القدوة و المثل ، و ما أكثر النماذج الفاضلة التي عايشت النبي "ص" وتأدبت بآدابه، و تحلت بأخلاقه ، و تمسكت بالقيم و المبادىء الإسلامية . و يجد الباحثون عن القدوة في الإمام علي "ع" ما ينير لهم و لأبنائهم الطريق .
يقول ضرار بن ضمرة الكناني و هو من معاصري أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "ع" حين أرغمه معاوية على أن يقول عن أمير المؤمنين علي "ع" ما يرى فقال : كان و الله بعيد المدى ، شديد القوى يقول فصلا ً، و يحكم عدلاً ، يتفجر العلم من جوانبه ، و تنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا ، و زهرتها ، و يأنس بالليل و وحشته ، و كان غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب ، و كان فينا كأحدنا ، يدنينا إذا أتيناه ، و يجيبنا إذا سألناه ، و نحن و الله مع تقريبه إيانا وقربه منا ، لا نكاد نكلمه هيبة له ، يعظم أهل الدين ، و يقرب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، و لا ييأس الضعيف من عدله .
و لاعجب ، فقد تربى في حجر الرسول "ص" و أسلم على يديه ، و تلقى عنه العلم و الحكمة و فصل الخطاب .
يجد الأطفال في طفولته قدوتهم
و يجد الشباب في شبابه أسوتهم
و يجد الشيوخ في حياته نبراسهم
و لا ريب أن أمير المؤمنين علياً "ع" كان شخصية عظيمة ، فقد ألقت عليها الفروسية الخارقة ، و البيان الساحر ، و المعرفة الغزيرة ، و الزهد الصارم ، و قرابتها من الرسول "ص" نسباً و صهراً ، و تعصب الناس لها أو عليها ، جلالاً مهيباً غامضاً .
و صدق الشعبى في قوله : " كان علي "ع" في هذه الأمة مثل المسيح ابن مريم "ع" في بني اسرائيل ، أحبه قوم فكفروا في حبه ، و أبغضه قوم فكفروا في بغضه . وهذا الكلام كما قال هو نفسه "ع" : هلك فيّ رجلان محب غال ، و مبغض قالِ
و لم يكن بد من أن نحتكم إلى ما بين أيدينا عنه من الأحاديث و الأخبار و الآثار ، فإنها الفيصل الحق في ذلك .
وقد جمع لنا "العلامة القارىء شمس الدين الجزري مناقب الإمام علي "ع" في هذا الكتاب أحاديث مسندة ، مما تواتر و صح و حسن من أسنى مناقب الأسد الغالب مفرق الكتائب ، و مظهر العجائب ، أوردها المصنف بمسلسلات من حديثه ، و بمتصلات من روايته و تحديثه ، و بأعلى إسناد صحيح إليه " ، مما يجعله مرجعا من مراجع السنة المطهرة فيما تضمنه و حواه .
و أرجو أن أكون قد وفيته حقه تحقيقاً و تعليقاً ، وأن ينفع الله به المسلمين جميعا من الباحثين عن المناقب في عالم أصبح فيه القابض على دينه كالقابض على الجمر .
نسأل الله الهداية و التوفيق .
ترجمة المؤلف
هو : الحافظ المقرىء ، شيخ الإقراء في زمانه ، شمس الدين أبو الخير محمد ابن محمد بن محمد بن يوسف الدمشقي الشافعي ، المعروف بابن الجزري ، ولد سنة 751 هجري ، و سمع من أصحاب الفخر البخاري ، و برع في القراءات ، ولى قضاء شيراز ، و انتفع به أهلها في القراءات و الحديث ، كان إماما في القراءات ، لا نظير له في عصره في الدنيا ، حافظا للحديث ، و غيره أتقن منه ، و لم يكن له في الفقه معرفة .
ألف : " النشر في القراءات العشر " ، و هو مطبوع .
و قال السيوطي في كتاب النشر هذا : " لم يصنف مثله " ا ه . و له تخاريج في الحديث .
وله كتابنا هذا : " مناقب الأسد الغالب .." .
وصفه ابن حجر بالحفظ في مواضع عديدة من " الدرر الكامنة " ، مات سنة 833 هجري .
انظر ترجمته في :
1.البدر الطالع 2 /257.
2.ذيل تذكرة الحفاظ 5/ 376 - السيوطي .
3.طبقات الحفاظ ص 543 - 544 .
4.شذرات الذهب 7 / 204 .
5.الضوء اللامع 9 / 255 .
6.طبقات المفسرين للداودى 2/ 59 .
7.هدية العارفين 2/ 187 ، 188 ، و غيرهم .
وصف المخطوط و تويثقه
المخطوط محفوظ ضمن محفوظات دار الكتب المصرية " صانها الله "،تحت فن : " 1619 - حديث " ومصور على ميكروفيلم برقم " 34516 " .
رب يسر و لا تعسر
بسم الله الرحمن الرحيم
قال شيخنا الإمام العالم العلامة شيخ القراء و المحدثين قاضي القضاة شمس الدين محمد أبو الخير بن محمد بن محمد الجزرى الدمشقى أبقاه الله للمسلمين :
الحمد لله على أن هدانا لدين الإسلام ، ووفقنا لسنة نبيه عليه أفضل الصلاة و السلام ، و حبانا بمحبة أهل بيته الكرام ، و صحابته نجوم الهدى الأعلام عليه أفضل صلاة و أكمل سلام إلى يوم القيامة ، ندخرها أماناً للفزع الأكبر في هول ذلك المقام ، وبعد : فهذه أحاديث مسندةٌ مما تواتر و صح و حسن من أسنى مناقب الأسد الغالب ، مفرق الكتائب ، ومظهر العجائب ، ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه و رضي الله عنه و أرضاه أوردتها بمسلسلات من حديثه ، و بمتصلات من روايته و تحديثه ، و بأعلى إسناد صحيح إليه ، من القران و الصحبة و الخرقة ، التي اعتمد فيها أهل الرواية عليه ، نسأل الله تعالى ، أن يثيبنا على ذلك و يقربنا به لديه .
قول الإمام أحمد في علي
1- أخبرنا جماعة من شيوخنا الثقات منهم القاضي عز الدين أبو عبدالله محمد ابن موسى بن سليمان الأنصاري - رحمه الله - فيما شافهنا به بدار الحديث الأشرفية داخل دمشق المحروسة ، عن الشيخ الإمام أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسى قال : أخبرنا الإمام أبو الفتوح أسعد بن محمود العجلي في كتابه ، أن أبو القاسم إسماعيل بن محمد الحافظ ، أنا أبوبكر أحمد بن علي بن عبدالله الشيرازي ، أنا محمد بن عبدالله الحافظ قال : سمعت القاضى أبا الحسن علي بن الحسن الجراحى يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله "ص" من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه .
من كنت مولاه فعلي مولاه
1.أخبرنا أبو حفص عمر بن الحسن المراغي فيما شافهني به ، عن أبى الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني ، أنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي ، أنا أبو منصور القزاز ، أنا الإمام أبوبكر بن ثابت الحافظ ، أنا محمد بن عمر بن بكير ، أنا أبو عمر يحي بن عمر الأخباري ، ثنا أبو جعفر أحمد بن محمد الضبعى ، ثنا الأشج ، حدثنا العلاء بن سالم ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال : سمعت علياً - رضي الله عنه - بالرحبة ينشد الناس : من سمع النبي "ص" يقول : "من كنتُ مولاه فعليّ مولاه ، اللهم وال من ولاه وعاد من عاده " فقام إثنا عشر بدريا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله "ص" يقول ذلك .
2. هذا حديث حسن صحيح من وجوه كثيرة ، تواتر عن أمير المؤمنين علي ، و هو يتواتر عن النبي "ص" ، رواه الجم الغفير عن الجم الغفير ، و لا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم ، فقد ورد مرفوعاً عن أبي بكر ، وعمر بن الخطاب ، وطلحة بن عبيدالله ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبدالرحمن بن عوف ، و العباس بن عبدالطلب ، و زيد بن أرقم و البراء بن عازب ، و بريدة بن الحصيب ، و أبي هريرة ، و أبي سعيد الخدري ، وجابر بن عبدالله ، و عبدالله بن العباس ، و حبشي بن جنادة ، و عبدالله بن مسعود ، و عمران بن الحصين ، وعبدالله بن عمر ، و عمار بن ياسر ، و أبي ذر الغفاري ، و سلمان الفارسي ، و أسعد بن زرارة ، وخزيمة بن ثابت ، و أبي أيوب الأنصاري ، وسهل بن حنيف ، و حذيفة بن اليمان ، و سمرة بن جندب ، و زيد بن ثابت و أنس بن مالك ، وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم ، و صح عن جماعة منهم من يحصل القطع بخبرهم ، و ثبت أيضاً أن هذا القول كان منه "ص" يوم غدير خم و ذلك في خطبة خطبها النبي "ص" في حقه ذلك اليوم ، و هو الثاني عشر من ذي الحجة سنة إحدى عشر لما رجع "ص" من حجة الوداع .
اللهم وال من والاه
3. كما أخبرنا شيخنا أبو عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى قراءة عليه ، أخبرنا الإمام فخر الدين علي بن أحمد المقدسي ، أنا أبوعلي حنبل بن عبدالله الرصافي ، أخبرنا أبو القاسم الشيباني ، أنا أبو علي بن المذهب ، أنا أحمد بن جعفر ، ثنا على بن حكيم الأودى أنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن وهب و عن زيد بن يثيع قالا : أنشد علي - رضي الله عنه - الناس في الرحبة : من سمع رسول الله "ص" يقول يوم غدير خم ؟ ، قال : فقام من قِبل سعيدٍ ستة ، و من قِبل زيدٍ ستة ، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله "ص" يقول لعلي يوم غدير خم:" أليس اللهُ أولى بالمؤمنين ؟ قالوا بلى . قال : " اللهم من كنتُ مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ مَن والاه و عاد مَن عاداه " .
4- و به قال : حدثنا على بن حكيم ، أنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو ذى مر بمثل حديث أبي إسحاق ، يعني عن سعيد و زيد ، و زاد فيه " و انصر من نصره و اخذُل من خَذله " .
هكذا رويناه في مسند الإمام أحمد من حديث ابنه ، وألطف طريق و قع بهذا الحديث و أغربه .
لايحب علياً إلا المؤمن
5- و أخبرنا شيخنا رحلة الآفاق أبو حفص عمر بن الحسن الحابي بقراءتي عليه غير مرة ، أنا أبو الحسن على بن أحمد السعدي ، أنا أبو حفص عمر بن محمد البغدادي ، أنا أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الهروى ، أنا أبو عامر الأزدي ، أنا أبو محمد الجراحي ، أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، أنا أبو عيسى محمد بن عيسى الحافظ ، ثنا واصل بن عبدالأعلى ، ثنا محمد بن فضيل ، عن عبدالله بن عبدالرحمن أبي نصر ، عن المساور الحميرى ، عن أمه قالت : دخلت على أم سلمة - رضي الله عنها - فسمعتها تقول : كان رسول الله "ص" يقول " لا يُحبُّ علياً منافق ، و
لا يَبغضُهُ مؤمن " . رواه الترمذي في " جامعه " وقال : حسن غريب من هذا الوجه .
الرسول يحب علياً
6- و أخبرنا الصلاح بن أحمد الإمام ، أنا الفخر بن أحمد ، أنا حنبل ، أنا هبة الله ، أنا أبوعلي ، أنا أبو جعفر ، ثنا عبدالله ، حدثني أبي : أحمد بن محمد ، ثنا يحيى بن أبي بكير ، ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق عن أبي عبدالله الجدلي قال : دخلت على أم سلمة فقالت لي : أيسب رسول الله "ص" فيكم ؟ قلت : معاذ الله ، أو سبحان الله ، أو كلمة نحوها ، قالت : سمعت رسول الله " ص" يقول : " من سبَّ علياً فقد سبني " . كذا رواه الإمام أحمد و رواه أبو يعلى الموصلى عن عبدالله بن موسى ، عن عيسى بن عبدالرحمن البجلى من بجلية من سليم ، عن السُدي ، عن أبي عبدالله الجدلي قال : قالت لي أم سلمة : أيسب رسول الله "ص" فيكم على المنابر ؟ قال : قلت : وأنى ذلك ؟ قالت : أليس يسب علي ، و من أحبه ، و أشهد أن رسول الله "ص" كان يُحبه .
علي يحبه الله و رسوله
7- أخبرنا أبو عبدالله محمد بن عبدالله الصفوى قراءة عليه بجامع دمشق ، أنا الإمام أبو الحسين على بن الشيخ الإمام محمد ، و أبو عبدالله محمد بن أبي العز ابن مشرف الأنصاري سماعا قالا : أنا أبو عبدالله الحسين بن المبارك الزبيدي ، أنا أبوالوقت عبد الأول بن شعيب السجزي ، أنا أبو الحسن بن عبدالرحمن الدارودي ، أنا أبو محمد عبدالله بن أحمد بن حمويه ، أخبرنا أبو عبدالله محمد ابن يوسف بن مطر الفربري ، ثنا الإمام ، أبو عبدالله محمد ابن إسماعيل الجعفي ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا عبدالعزيز ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد أن رسول الله "ص" قال : " لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله " قال : فبات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها، فقال : " أين عليّ بن أبي طالب ؟ " فقالوا : يشكو عينيه يا رسول الله . قال : " فأرسِلوا إليه فأتوني به " فلما جاء بصق في عينه و دعا له فبرأ حتى كأنه لم يكن به وجع فأعطاه الراية .
الحديث متفق على صحته ، و هذا الحديث هو الصحيح في حديث إعطاء الراية لعلي - رضي الله عنه- .
الجنة لمن يحب أهل البيت
8- أخبرنا أبو عمر محمد بن أحمد بن إبراهيم المقدسي ، أنا الشيخ فخر الدين أبو بن البخاري ، أنا أبو علي الرصافي ، أنا ابن الحصين ، أنا ابن المذهب أنا أنا أبو بكر القطيعي ، ثنا عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل ، حدثني نصر بن علي الأزدي ، أخبرني علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، حدثني أخي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه عن علي بن الحسين ، عن أبيه عن جده أن رسول الله "ص" أخذ بيد حسن و حسين فقال : " من أحبني و أحب هذين وأباهما و أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة " .
حديث حسن الإسناد ، رواه الترمذي عن نصر بن علي .
المهدي منا أهل البيت
ما أخبرنا محمد بن أحمد أنا على أنا حنبل أنا هبة الله أنا الحسن أنا أبوبكر ، ثنا عبد الله حدثني أبى أحمد ، ثنا فضل بن دكين ، ثنا ياسين العجلي ، عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية ، عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله "ص" : " المهديُّ مِنا أهلَ البيت يُصلحه الله في ليلة " .
رواه ابن ماجه في سننه .
انتهى ما أردنا نقله منه
والحمد لله رب العالمين