موسوعة الامام علی بن ابی طالب فی الکتاب و السنة و التاریخ جلد 8

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موسوعة الامام علی بن ابی طالب فی الکتاب و السنة و التاریخ - جلد 8

محمد محمدی ری شهری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


الضربة- وأومأ بيده إلى هامته- فهزم اللَّه قريشاً والعرب بذلك، وبما كان منّي فيهم من النكاية. ثمّ التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: وأمّا السادسة يا أخا اليهود، فإنّا وردنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مدينة أصحابك خيبر على رجال من اليهود وفرسانها من قريش وغيرها، فتلقّونا بأمثال الجبال من الخيل والرجال والسلاح، وهم في أمنع دار وأكثر عدد، كلّ ينادي ويدعو ويبادر إلى القتال، فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلّا قتلوه، حتى إذا احمرّت الحدق، ودعيتُ إلى النزال، وأهمّت كلُّ امرىٍ نفسه. والتفت بعض أصحابي إلى بعض وكلٌّ يقول: يا أباالحسن انهض. فأنهضني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى دارهم، فلم يبرز إليّ منهم أحد إلّا قتلته، ولا يثبت لي فارس إلّا طحنته، ثمّ شددت عليهم شدّة الليث على فريسته، حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسدّداً عليهم، فاقتلعت باب حصنهم بيدي، حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي أقتل من يظهر فيها من رجالها، وأسبي من أجد من نسائها حتى افتتحتها

___________________________________

في المصدر: 'أفتتحها'، والصحيح ما أثبتناه كما في بحارالأنوار نقلاً عن المصدر. وحدي، ولم يكن لي فيها معاون إلّا اللَّه وحده. ثمّ التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين.

فقال عليه السلام: وأمّا السابعة يا أخا اليهود، فإنّ رسول للَّه صلى الله عليه و آله لمّا توجّه لفتح مكّة أحبّ أن يعذر إليهم ويدعوهم إلى اللَّه عزّ وجلّ آخراً كما دعاهم أوّلاً، فكتب إليهم كتاباً يحذّرهم فيه وينذرهم عذاب اللَّه، ويَعِدهم الصفح، ويُمنّيهم مغفرة ربّهم، ونسخ لهم في آخره سورة براءة ليقرأها عليهم. ثمّ عرض على جميع أصحابه المضيَّ به، فكلّهم يرى التثاقل فيه، فلمّا رأى ذلك ندب منهم رجلاً

فوجّهه به، فأتاه جبرئيل فقال: يا محمّد، لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك. فأنبأني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بذلك، ووجّهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكّة، فأتيت مكّة وأهلها من قد عرفتم؛ ليس منهم أحد إلّا ولو قدر أن يضع على كلّ جبل منّي إرباً لفعل، ولو أن يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله، فبلّغتهم رسالة النبيّ صلى الله عليه و آله، وقرأت عليهم كتابه، فكلّهم يلقاني بالتهدّد والوعيد، ويبدي لي البغضاء، ويظهر الشحناء من رجالهم ونسائهم، فكان منّي في ذلك ما قد رأيتم. ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: يا أخا اليهود، هذه المواطن التي امتحنني فيه ربّي عزّ وجلّ مع نبيّه صلى الله عليه و آله، فوجدني فيها كلّها بمنّه مطيعاً، ليس لأحد فيها مثل الذي لي، ولو شئت لوصفت ذلك، ولكنّ اللَّه عزّ وجلّ نهى عن التزكية.

فقالوا: يا أميرالمؤمنين، صدقت واللَّه، ولقد أعطاك اللَّه عزّ وجلّ الفضيلة بالقرابة من نبيّنا صلى الله عليه و آله، وأسعدك بأن جعلك أخاه، تنزل منه بمنزلة هارون من موسى، وفضّلك بالمواقف التي باشرتَها، والأهوال التي ركبتَها، وذخر لك الذي ذكرتَ وأكثر منه ممّا لم تذكره، وممّا ليس لأحد من المسلمين مثله، يقول ذلك من شهدك منّا مع نبيّنا صلى الله عليه و آله ومن شهدك بعده، فأخبرنا يا أميرالمؤمنين، ما امتحنك اللَّه عزّ وجلّ به بعد نبيّنا صلى الله عليه و آله فاحتملتَه وصبرتَ؟ فلو شئنا أن نصِف ذلك لوصفناه، علماً منّا به، وظهوراً منّا عليه، إلّا أنّا نحبّ أن نسمع منك ذلك كما سمعنا منك ما امتحنك اللَّه به في حياته فأطعته فيه.

فقال عليه السلام: يا أخا اليهود، إنّ اللَّه عزّ وجلّ امتحنني بعد وفاة نبيّه صلى الله عليه و آله في سبعة مواطن، فوجدني فيهنَّ- من غير تزكية لنفسي- بمنّه ونعمته صبوراً.

أمّا أوّلهنّ يا أخا اليهود، فإنّه لم يكن لي خاصّة دون المسلمين عامّة أحد

آنس به أو أعتمد عليه أو أستنيم

___________________________________

استنام: سكن "لسان العرب: 596:12". إليه أو أتقرّب به غير رسول صلى الله عليه و آله، هو ربّاني صغيراً، وبوّأني

___________________________________

الباءة والباء: النكاح والتزويج "لسان العرب: 36:1". كبيراً، وكفاني العيلة، وجبرني من اليتم، وأغناني عن الطلب، ووقاني المكسب، وعال لي النفس والولد والأهل. هذا في تصاريف أمر الدنيا، مع ما خصّني به من الدرجات التي قادتني إلى معالي الحقّ

___________________________________

كذا، وفي بحارالأنوار نقلاً عن المصدر: 'معالي الحظوة'. عند اللَّه عزّ وجلّ، فنزل بي من وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ما لم أكن أظنّ الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به، فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط نفسه، ولا يقوى على حمل فادح ما نزل به؛ قد أذهب الجزع صبره، وأذهل عقله، وحال بينه وبين الفهم والإفهام، والقول والإسماع، وسائر الناس من غير بني عبدالمطّلب بين معزٍّ يأمر بالصبر، وبين مساعد باكٍ لبكائهم، جازع لجزعهم، وحملتُ نفسي على الصبر عند وفاته بلزوم الصمت، والاشتغال بما أمرني به من تجهيزه وتغسيله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ووضعه في حفرته، وجمع كتاب اللَّه وعهده إلى خلقه، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة، ولا هائج زفرة، ولا لاذع حرقة، ولا جزيل مصيبة، حتى أدّيت في ذلك الحقّ الواجب للَّه عزّ وجلّ ولرسوله صلى الله عليه و آله عليَّ، وبلّغت منه الذي أمرني به، واحتملته صابراً محتسباً. ثمّ التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين.

فقال عليه السلام: وأما الثانية يا أخا اليهود، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أمرّني في حياته على جميع اُمّته، وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لأمري، وأمرهم أن يبلّغ الشاهد الغائب ذلك، فكنتُ المؤدّي إليهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أمره

إذا حضرته، والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شي ء من الأمر في حياة النبيّ صلى الله عليه و آله، ولا بعد وفاته.

ثمّ أمر رسول صلى الله عليه و آله بتوجيه الجيش الذي وجّهه مع اُسامة بن زيد عند الذي أحدث اللَّه به من المرض الذي توفّاه فيه، فلم يدَع النبيّ أحداً من أفناء العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ممّن يخاف على نقضه ومنازعته، ولا أحداً ممّن يراني بعين البغضاء ممّن قد وترتُه بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلّا وجّهه في ذلك الجيش، ولا من المهاجرين والأنصار، والمسلمين وغيرهم، والمؤلّفة قلوبهم، والمنافقين؛ لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته، ولئلّا يقول قائل شيئاً ممّا أكرهه، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيّته من بعده.

ثمّ كان آخر ما تكلّم به في شي ء من أمر اُمّته أن يمضي جيش اُسامة ولا يتخلّف عنه أحد ممّن أنهض معه، وتقدّم في ذلك أشدّ التقدّم، وأوعز فيه أبلغ الإيعاز، وأكّد فيه أكثر التأكيد، فلم أشعر بعد أن قبض النبيّ صلى الله عليه و آله إلّا برجال من بعث اُسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم، وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيما أنهضهم له وأمرهم به وتقدّم إليهم؛ من ملازمة أميرهم، والسير معه تحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه، فخلّفوا أميرهم مقيماً في عسكره، وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضاً إلى حلّ عقدة عقدها اللَّه عزّ وجلّ لي ولرسوله صلى الله عليه و آله في أعناقهم فحلّوها، وعهدٍ عاهدوا اللَّه ورسوله فنكثوه، وعقدوا لأنفسهم عقداً ضجّت به أصواتهم، واختصّت به آراؤهم من غير مناظرة لأحد منّا بني عبدالمطّلب، أو مشاركة في رأي، أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي، فعلوا ذلك وأنا برسول اللَّه صلى الله عليه و آله مشغول، وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود، فإنّه

كان أهمّها، وأحقّ ما بدئ به منها. فكان هذا- يا أخا اليهود- أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزيّة وفاجع المصيبة، وفقد من لا خلف منه إلّا اللَّه تبارك وتعالى، فصبرتُ عليها إذ

___________________________________

في المصدر: 'إذا' وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه كما في بحارالأنوار نقلاً عن المصدر. أتت بعد اُختها على تقاربها وسرعة اتّصالها. ثمّ التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أ ليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين.

فقال عليه السلام: وأما الثالثة يا أخا اليهود، فإنّ القائم بعد النبيّ صلى الله عليه و آله كان يلقاني معتذراً في كلّ أيّامه، ويلوم غيره ما ارتكبه من أخذ حقّي، ونقض بيعتي، ويسألني تحليله، فكنت أقول: تنقضي أيّامه ثمّ يرجع إليّ حقّي الذي جعله اللَّه لي عفواً هنيئاً من غير أن اُحدث في الإسلام- مع حدوثه وقرب عهده بالجاهليّة- حدثاً في طلب حقّي بمنازعة، لعلّ فلاناً يقول فيها: نعم، وفلاناً يقول: لا، فيؤول ذلك من القول إلى الفعل، وجماعة من خواصّ أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله أعرفهم بالنصح للَّه ولرسوله ولكتابه ودينه الإسلام يأتوني عوداً وبدءاً وعلانيةً وسرّاً فيدعوني إلى أخذ حقّي، ويبذلون أنفسهم في نصرتي، ليؤدّوا إليّ بذلك بيعتي في أعناقهم، فأقول: رويداً وصبراً قليلاً؛ لعلّ اللَّه يأتيني بذلك عفواً بلا منازعة، ولا إراقة الدماء، فقد ارتاب كثيرٌ من الناس بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله، وطمع في الأمر بعده من ليس له بأهل، فقال كلّ قوم: منّا أمير، وما طمع القائلون في ذلك إلّا لتناول غيري الأمر.

فلمّا دنت وفاة القائم وانقضت أيّامه صيّر الأمر بعده لصاحبه، فكانت هذه اُخت اُختها، ومحلّها منّي مثل محلّها، وأخذا منّي ما جعله اللَّه لي، فاجتمع إليّ من أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله ممّن مضى وممّن بقي ممّن أخّره اللَّه من اجتمع، فقالوا لي فيها مثل الذي قالوا في اُختها، فلم يعُد قولي الثاني قولي الأوّل، صبراً واحتساباً

ويقيناً وإشفاقاً من أن تفنى عصبة تألّفهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله باللين مرّة وبالشدّة اُخرى، وبالنُّذر مرّة وبالسيف اُخرى، حتى لقد كان من تألّفه لهم أن كان الناس في الكرّ والفرار والشبع والريّ واللباس والوطاء والدثار، ونحن أهل بيت محمّد صلى الله عليه و آله لا سقوف لبيوتنا، ولا أبواب ولاستور إلّا الجرائد وما أشبهها، ولا وطاء لنا، ولا دثار علينا، يتداول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا، ونطوي الليالي والأيّام عامّتنا، وربّما أتانا الشي ء ممّا أفاءه اللَّه علينا وصيّره لنا خاصّة دون غيرنا- ونحن على ما وصفتُ من حالنا- فيؤثر به رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أرباب النعم والأموال تألّفاً منه لهم.

فكنتُ أحقّ من لم يفرّق هذه العصبة التي ألّفها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ولم يحملها على الخطّة التي لا خلاص لها منها دون بلوغها، أو فناء آجالها؛ لأنّي لو نصبت نفسي فدعوتهم إلى نصرتي كانوا منّي وفي أمري على إحدى منزلتين؛ إمّا متّبع مقاتل، وإمّا مقتول إن لم يتّبع الجميع، وإمّا خاذل يكفر بخذلانه إن قصّر في نصرتي أو أمسك عن طاعتي، وقد علم اللَّه أنّي منه بمنزلة هارون من موسى، يحلّ به في مخالفتي والإمساك عن نصرتي ما أحلّ قوم موسى بأنفسهم في مخالفة هارون وترك طاعته. ورأيت تجرّع الغصص، وردّ أنفاس الصعداء، ولزوم الصبر حتى يفتح اللَّه أو يقضي بما أحبّ أزيد لي في حظّي، وأرفق بالعصابة التي وصفت أمرهم 'وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا'.

___________________________________

الأحزاب: 38.

ولو لم أتّق هذه الحالة- يا أخا اليهود- ثمّ طلبت حقّي لكنت أولى ممّن طلبه؛ لعلم مَن مضى من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ومن بحضرتكَ منه بأنّي كنت أكثر عدداً، وأعزّ عشيرة، وأمنع رجالاً، وأطوع أمراً، وأوضح حجّة، وأكثر في

هذا الدين مناقب وآثاراً؛ لسوابقي وقرابتي ووراثتي، فضلاً عن استحقاقي ذلك بالوصيّة التي لا مخرج للعباد منها، والبيعة المتقدّمة في أعناقهم ممّن تناولها، وقد قُبض محمّد صلى الله عليه و آله وإنّ ولاية الاُمّة في يده وفي بيته، لا في يد الاُلى تناولوها ولا في بيوتهم، ولأهلُ بيته الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً أولى بالأمر من بعده من غيرهم في جميع الخصال. ثمّ التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أ ليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين.

فقال عليه السلام: وأمّا الرابعة يا أخا اليهود، فإنّ القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الاُمور فيصدرها عن أمري، ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحداً ولايعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري، ولا يطمع في الأمر بعده سواي، فلمّا أن أتته منيّته على فجأة بلا مرض كان قبله، ولا أمر كان أمضاه في صحّة من بدنه، لم أشكّ أنّي قد استرجعت حقّي في عافية بالمنزلة التي كنت أطلبها، والعاقبة التي كنت ألتمسها، وإنّ اللَّه سيأتي بذلك على أحسن ما رجوت، وأفضل ما أمّلت، وكان من فعله أن ختم أمره بأن سمّى قوماً أنا سادسهم، ولم يستوني

___________________________________

كذا في المصدر، وفي الاختصاص: 'يُساوِني'. بواحد منهم، ولا ذكر لي حالاً في وراثة الرسول، ولا قرابة، ولا صهر، ولا نسب، ولا لواحد منهم مثل سابقة من سوابقي، ولا أثر من آثاري، وصيّرها شورى بيننا، وصيّر ابنه فيها حاكماً علينا، وأمره أن يضرب أعناق النفر الستّة الذين صيّر الأمر فيهم إن لم يُنفذوا أمره، وكفى بالصبر على هذا- يا أخا اليهود- صبراً.

فمكث القوم أيّامهم كلّها كلٌّ يخطب لنفسه، وأنا ممسك عن أن سألوني عن أمري، فناظرتهم في أيّامي وأيّامهم، وآثاري وآثارهم، وأوضحت لهم ما لم

يجهلوه من وجوه استحقاقي لها دونهم، وذكّرتهم عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إليهم، وتأكيد ما أكّده من البيعة لي في أعناقهم. دعاهم حبّ الإمارة، وبسط الأيدي والألسن في الأمر والنهي، والركون إلى الدنيا، والاقتداء بالماضين قبلهم إلى تناول ما لم يجعل اللَّه لهم.

فإذا خلوت بالواحد ذكّرتُه أيّام اللَّه، وحذّرته ما هو قادم عليه وصائر إليه، التمس منّي شرطاً أن اُصيّرها له بعدي، فلمّا لم يجدوا عندي إلّا المحجّة البيضاء، والحمل على كتاب اللَّه عزّ وجلّ ووصيّة الرسول، وإعطاء كلّ امرئٍ منهم ماجعله اللَّه له، ومنعه ما لم يجعل اللَّه له، أزالها عنّي إلى ابن عفّان؛ طمعاً في الشحيح معه فيها، وابن عفّان رجل لم يستوِ به وبواحد ممّن حضره حال قطّ، فضلاً عمّن دونهم، لا ببدر- التي هي سنام فخرهم- ولا غيرها من المآثر التي أكرم اللَّه بها رسوله، ومن اختصّه معه من أهل بيته عليهم السلام.

ثمّ لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتى ظهرت ندامتهم، ونكصوا على أعقابهم، وأحال بعضهم على بعض، كلّ يلوم نفسه ويلوم أصحابه، ثمّ لم تطُل الأيّام بالمستبدّ بالأمر؛ ابن عفّان حتى أكفروه وتبرّؤوا منه، ومشى إلى أصحابه خاصّة وسائر أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عامّة يستقيلهم من بيعته، ويتوب إلى اللَّه من فلتته، فكانت هذه- يا أخا اليهود- أكبر من اُختها، وأفظع وأحرى أن لا يُصبر عليها، فنالني منها الذي لا يبلغ وصفه، ولا يُحدّ وقته، ولم يكن عندي فيها إلّا الصبر على ما أمضّ وأبلغ منها.

ولقد أتاني الباقون من الستّة من يومهم كلّ راجع عمّا كان ركب منّي يسألني خلع ابن عفّان، والوثوب عليه، وأخذ حقّي، ويؤتيني صفقته وبيعته على الموت تحت رايتي، أو يردّ اللَّه عزّ وجلّ عليَّ حقّي. فوَاللَّه- يا أخا اليهود- ما منعني

منها إلّا الذي منعني من اُختيها قبلها، ورأيت الإبقاء على من بقي من الطائفة أبهج لي وآنس لقلبي من فنائها، وعلمت أنّي إن حملتها على دعوة الموت ركبته.

فأمّا نفسي فقد علم من حضر ممّن ترى ومن غاب من أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله أنّ الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحرّ من ذي العطش الصدى،

___________________________________

الصدى: العطش الشديد "لسان العرب: 455:14". ولقد كنت عاهدت اللَّه عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه و آله أنا وعمّي حمزة وأخي جعفر وابن عمّي عبيدة على أمر وفينا به للَّه عزّ وجلّ ولرسوله، فتقدّمني أصحابي وتخلّفت بعدهم لما أراد اللَّه عزّ وجلّ، فأنزل اللَّه فينا: 'مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ و وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً '

___________________________________

الأحزاب: 23. حمزة وجعفر وعبيدة، وأنا واللَّه المنتظر- يا أخا اليهود- وما بدّلت تبديلاً، وما سكّتني عن ابن عفّان وحثّني على الإمساك عنه إلّا أنّي عرفت من أخلاقه فيما اختبرت منه بما لن يدَعه حتى يستدعي الأباعد إلى قتله وخلعه، فضلاً عن الأقارب، وأنا في عزلة، فصبرت حتى كان ذلك، لم أنطق فيه بحرف من 'لا' ولا 'نعم'.

ثمّ أتاني القوم وأنا- علم اللَّه- كاره؛ لمعرفتي بما تطاعموا به من اعتقال الأموال، والمرح في الأرض، وعلمهم بأنّ تلك ليست لهم عندي، وشديد عادة منتزعة، فلمّا لم يجدوا عندي تعللّوا الأعاليل. ثمّ التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أ ليس كذلك؟ فقالوا: بلى يا أميرالمؤمنين.

فقال عليه السلام: وأمّا الخامسة يا أخا اليهود، فإنّ المتابعين لي لمّا لم يطمعوا في تلك منّي وثبوا بالمرأة عليَّ وأنا وليُّ أمرها، والوصيُّ عليها، فحملوها على الجمل،

وشدّوها على الرحال، وأقبلوا بها تخبط الفيافي،

___________________________________

الفيافي: البراري الواسعة، جمع فيفاء "النهاية: 485:3". وتقطع البراري، وتنبح عليها كلاب الحوأب، وتظهر لهم علامات الندم في كلّ ساعة وعند كلّ حال، في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الاُولى في حياة النبيّ صلى الله عليه و آله، حتى أتت أهل بلدة قصيرة أيديهم، طويلة لحاهم، قليلة عقولهم، عازبة آراؤهم، وهم جيران بدو، وورّاد بحر، فأخرجَتهم يخبطون بسيوفهم من غير علم، ويرمون بسهامهم بغير فهم.

فوقفتُ من أمرهم على اثنتين كلتاهما في محلّة المكروه؛ ممّن إن كففتُ لم يرجع ولم يعقل، وإن أقمت كنت قد صرت إلى التي كرهت، فقدّمت الحجّة بالإعذار والإنذار، ودعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها، والقوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي، والترك لنقضهم عهد اللَّه عزّ وجلّ فيَّ، وأعطيتهم من نفسي كلّ الذي قدرت عليه، وناظرت بعضهم فرجع، وذكّرت فذكر.

ثمّ أقبلت على الناس بمثل ذلك فلم يزدادوا إلّا جهلاً وتمادياً وغيّاً، فلمّا أبوا إلّا هي، ركبتُها منهم، فكانت عليهم الدَّبْرة،

___________________________________

الدَّبْرَة: نقيض الدولة، والعاقبة، والهزيمة في القتال "القاموس المحيط: 26:2". وبهم الهزيمة، ولهم الحسرة، وفيهم الفناء والقتل. وحملت نفسي على التي لم أجد منها بدّاً، ولم يسعني إذ فعلت ذلك وأظهرته آخراً مثل الذي وسعني منه أوّلاً؛ من الإغضاء والإمساك، ورأيتني إن أمسكت كنت معيناً لهم عليَّ بإمساكي على ما صاروا إليه، وطمعوا فيه من تناول الأطراف، وسفك الدماء، وقتل الرعيّة، وتحكيم النساء النواقص العقول والحظوظ على كلّ حال، كعادة بني الأصفر ومن مضى من ملوك سبأ والاُمم الخالية، فأصير إلى ما كرهت أوّلاً وآخراً.

وقد أهملتُ المرأة وجندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من الناس، ولم

/ 46