الميدان الاقتصادي - امام علی بن أبی طالب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

امام علی بن أبی طالب - نسخه متنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الميدان الاقتصادي


كما عمد الإمام علي "ع" إلى اصلاح الوضع السياسي و الاداري كذلك فعل بالنسبة للوضع الاقتصادي، فقد بادر فور تسلمه زمام الامور مباشرة إلى إلغاء طريقة توزيع المال التي اعتمدت فيما سبق.

فقد استبدل الإمام طريقة التمييز في العطاء بطريقة المساواة في التوزيع التي انتهجها رسول الله "ص".

فألغى "ع" كل أشكال التمييز في توزيع المال على الناس، مؤكدا أن التقوى و السابقية في الإسلام و الجهاد، و الصحبة للرسول "ص"، امور لا تمنح أصحابها مراتب أو مميزات في الدنيا، و إنما لتلك المزايا ثوابها عند الله في الآخرة، و من كان له قدم في ذلك فالله تعالى يتولى جزاءه، أما في هذه الدنيا فإن الناس سواسية في الحقوق المالية و أمام القضاء الاسلامي و في الواجبات و التكاليف.

و قد تضمن بيانه التالي هذه الأفكار الجليلة العادلة:

'ألا و أيما رجل من المهاجرين و الأنصار من أصحاب رسول الله "ص" يرى أن الفضل له على سواه لصحبته فإن الفضل النير غدا عند الله و ثوابه و أجره على الله.

و أيما رجل استجاب لله و للرسول فصدق ملتنا و دخل في ديننا و استقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الاسلام و حدوده.فأنتم عباد الله، و المال مال الله يقسم بينكم بالسوية، لا فضل فيه لأحد على أحد، و للمتقين عند الله غدا أحسن الجزاء و أفضل الثواب، لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجرا و لا ثوابا، و ما عند الله خير للأبرار.

و إذا كان غداـإن شاء اللهـفاغدوا علينا، فإن عندنا ما لا نقسمه فيكم، و لا يتخلفن أحد منكم، عربي و لا عجمي، كان من أهل العطاء أو لم يكن، إلا حضر إذا كان مسلما حرا'

[ ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ط 2 دار الكتب العربية "مصر" 1385 ه/ج 7/ص 37.]

و هكذا قرن الإمام علي "ع" النظرية بالتطبيق ففي بداية الأمر أمر الناس أن يأتوا إليه غدا ليوزع عليهم مالا كان في بيت مال المسلمين.

فلما صار الغد نفذ خطته على الشكل التالي: دعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع و قال له:

إبدأ بالمهاجرين فنادهم، و اعط كل رجل ممن حضر ثلاثة دنانير ثم ثن بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك، و من حضر من الناس كلهم: الأحمر و الأسود فاصنع به مثل ذلك.

فقام سهل بن حنيف و قال: يا أمير المؤمنين! هذا غلامي بالأمس و قد أعتقته اليوم، فقال "ع": نعطيه كما نعطيك، فأعطى كل واحد منهما ثلاثة دنانير، و لم يحضر تلك القسمة العادلة طلحة و الزبير و عبد الله بن عمر، و سعيد بن العاص، و مروان بن الحكم، و رجال من قريش و غيرهم

[ المصدر السابق/ص 37 و 38.]

و كان ذلك أول خطوة منه "ع" للقضاء على الفوارق الطبقية التي نشأت جراء التفضيل في العطاء و الامتيازات.

و هكذا جسد "ع" مفهوم التسوية في العطاء بين جميع الناس الذين يتمتعون بحق المواطنة الاسلامية دون تمييز بين الناس لأي سبب من الأسباب.

و هذه بعض ملامح العملية الاصلاحية التي قادها الإمام علي "ع" في شتى مرافق الحياة الاسلامية، في المال و الحكم و الادارة و سواها.

منهاج الإصلاح


وضع الإمام "ع" خطته الاصلاحية الشاملة، و قد انصب جل اهتمامه "ع" على اصلاح شؤون الادارة و الاقتصاد و الحكم كما قدمنا.

و من خلال ذلك العمل الاصلاحي الكبير حظيت الامة عبر مسيرتها الجديدة التي اختطها لها أمير المؤمنين "ع"، بمعطيات جمة ذات مردودات عظيمة لمصلحتها و المسيرة بشكل عام، نذكر منها ما يلي:

أولا: إستعان الإمام "ع" بجهاز من الولاة و الموظفين لإدارة دفة الحياة الاسلامية، يعد أفراده نموذجا في مستواهم الروحي و الفكري و الالتزامي: كعثمان بن حنيف، و محمد بن أبي بكر، و مالك الأشتر و سواهم.

و بهذا الاجراء الذي راعى فيه المبادئ الاسلامية و مصلحة الامة، قضى على مبدأ القرابة و العشيرة الذي كان سائدا أيام الخليفة عثمان و الذي أدى آخر المطاف إلى إثارة النقمة عليه و قتله.

و قد حاول المتضرون من اجراءات أمير المؤمنين "ع" التي تعكس صورة الاسلام الأصيل، حاولوا التفاوض معه، فأرسلوا إليه الوليد بن عقبة بن أبي معيط مندوبا فجاء إليه و قال:

'يا أبا الحسن! انك قد و ترتنا جميعا، و نحن أخوتك و نظراؤك من بني عبد مناف، و نحن نبايعك اليوم على أن تضع عنا ما أصبناه من المال أيام عثمان، و أن تقتل قتلته، و إنا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام...

فرد عليهم: "أما ما ذكرتم من و تري إياكم، فالحق و تركم، و أما وضعي عنكم ما أصبتم، فليس لي أن أضع حق الله عنكم و لا عن غيركم"'

[ ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 7/ص 38 و 39، و ثورة الحسين/ص 61.]

و هكذا كان القوم الموتورون من عدالة علي "ع" يحاولون أن يثنوا الإمام عن تنفيذ خطته الاصلاحية الكبرى، خصوصا بشأن الأموال التي نهبوها أيام الخليفة عثمان، و راحوا يذكرونه بأنهم قرشيون مثله، و هددوا إن لم يستجب لمطالبهم فسيلتحقون ببلاد الشام لينضموا إلى جبهة البغاة هناك، فلم يعرهم الإمام "ع" انتباها بل فضحهم عند ما اعتلى المنبر و خطب قائلا:

'فأما هذا الفي ء فليس لأحد على أحد فيه أثرة، و قد فرغ الله من قسمته، فهو مال الله، و أنتم عباد الله المسلمون، و هذا كتاب الله، به أقررنا و له أسلمنا، و عهد نبينا بين أظهرنا، فمن لم يرض به فليتول كيف شاء'

[ ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 7/ص 40.]

بل إن بعضا من أصحابه "ع"، و قد أحسوا بخطر اولئك المتآمرين الذين يريدون شن حرب شعواء على النظام الاسلامي العادل الذي يديره الإمام علي "ع"، حاولوا دفع ذلك الشر بحل وسط برواية المؤرخ إبراهيم الثقفي الذي قال:

'إن طائفة من أصحاب علي "ع" مشوا إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين! اعط هذه الأموال، و فضل هؤلاء الأشراف من العرب و قريش على الموالي و العجم و من تخاف خلافه من الناس و فراره.

فقال: "أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟و الله لا أفعل ما طلعت شمس و ما لاح في السماء نجم، و الله لو كان ما لهم لي لواسيت بينهم، فكيف و إنما هي أموالهم؟'

[ الثقفي "المتوفى عام 283 ه" /كتاب الغارات/ج 1/ص 75.]

و هكذا ظلت مبدئية علي و صلابته في الاسلام، الاسلام الذي تلقاه من رسول الله "ص" كما أوحاه الله إليه و أمره باتباعه، و ليس اسلام المحاباة و الحلول الوسط و تفضيل جنس على جنس أو عشيرة على اخرى، أو حر على عبد، فهذا ليس من الاسلام بشي ء، و بعد ذلك فليغضب من يغضب، فالمهم لديه هو أن يرضي الله سبحانه و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.'إن امرأتين أتتا عليا "ع" عند القسمة إحداهما من العرب و الاخرى من الموالي، فأعطى كل واحدة خمسة و عشرين درهما و كرا من الطعام، فقالت العربية: يا أمير المؤمنين! إني امرأة من العرب، و هذه امرأة من العجم، فقال علي "ع": إني و الله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي ء فضلا على بني إسحاق'

[ الثقفي/الغارات/ج 1/ص 70.]

على أن تلك النماذج الخيرة من الرجال الذين عينهم ولاة و موظفين و ان كانوا في مستوى لائق في الفكر و العمل و القدرة الادارية و القيادية، فإن الإمام على "ع" قد زودهم بخطط هادية و مناهج راشدة، يهتدون بها في حياتهم العملية، و في علاقاتهم مع مختلف قطاعات الامة التي يباشرون قيادتها.

فهو يلزم ولاته بالنصح لعباد الله، و إشاعة العدل بينهم و معاملتهم باللين و الحب، و التجاوز عن كل مظاهر الاستعلاء التي يغري بها المنصب غالبا، و الحيلولة دون تأثير ذوي النفوذ الاجتماعي في مسيرة العدالة الاسلامية على حساب القطاعات الاجتماعية الاخرى، و نحو ذلك من مستلزمات إشاعة العدل و إقامة الحق بين الناس.

و هذه نماذج من خططه في هذا المضمار:

'فاخفض لهم جناحك، و ألن لهم جانبك، و ابسط لهم وجهك، و آس بينهم في اللحظة و النظرة، حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم، و لا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم، فإن الله تعالى يسائلكم معشر عبادة عن الصغيرة من أعمالكم و الكبيرة، و الظاهرة و المستورة، فإن يعذب فأنتم أظلم، و إن يعف فهو أكرم'

[ نهج البلاغة/باب الرسائل/رقم 26، من عهده "ع" إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر.آس بينهم: ساو بينهم.حيفك لهم: ظلمك من أجلهم.]

'سع الناس بوجهك و مجلسك و حكمك، و إياك و الغضب فإنه طيرة من الشيطان، و اعلم أن ما قربك من الله يباعدك من النار، و ما باعدك من الله يقربك من النار'

[ نهج البلاغة/رسالة رقم 76، وصيته إلى عبد الله بن عباس حين استخلفه على البصرة.سع الناس: اشملهم برعايتك في كل جانب من جوانب الحياة.طيرة: طيش و خفة.]

هذه مقاطع من توجيهات الإمام "ع" التي ألزم ولاته بالعمل على ضوئها في حياتهم العملية.

و من نافلة القول أن نشير إلى أن الإمام "ع" على الرغم من اهتمامه بانتفاء العناصر الأكفاء و الورعة فإنه كان يحرص على الإحاطة بأساليبهم في معاملة الامة من خلال مراكزهم القيادية باستعانته بجهاز من الرقباء و العيون ليرى مدى طاعة الولاة و تنفيذهم لقواعد العدالة الاسلامية، فإذا بدا من أحدهم خطأ أو تقصير، بادر الإمام إلى تقويم سلوكه بالوسائل التربوية تارة و بالتهديد أو بالعزل إذا لزم الأمر، و هذه نماذج من وسائله تلك:

فقد بلغه أن عثمان بن حنيف "رض" و اليه على البصرة دعاه بعض شخصيات أهل البصرة إلى مأدبة، فخشي الإمام "ع" أن تستميله تلك الوسائل أو سواها فينحرف عن خط العدالة الاسلامية المرسوم فيميل في أحكامه أو يجوز في قضائه و معاملته للامة، فكتب إليه كتابا جاء فيه:

'أما بعد، يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة، فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، و تنقل إليك الجفان، و ما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم، عائلهم مجفو، و غنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، و ما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.

ألا و إن لكل مأموم إماما يقتدي به، و يستضي ء بنور علمه، ألا و إن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، و من طعمه بقرصيه، ألا و إنكم لا تقدرون على ذلك، و لكن أعينوني بورع و اجتهاد و عفة و سداد'

[ نهج البلاغة/رسالة رقم 45.مأدبة طعام: طعام دعوة أو عرس.يستطاب لك: يطلب لك طيبها.الألوان: أصناف الطعام.الجفان: جمع جفنة و هي القصعة.العائل: المحتاج.المجفو: المطرود.قضم: أكل بطرف أسنانه.المقضم: المأكل.الفظه: اطرحه، لا تأكله.الطمر: الثوب البالي.طعمه: ما يطعمه و يفطر عليه.قرص: رغيف خبز.السداد: الاحتراز من الخطأ.]

و قد كتب إلى مصقلة الشيباني عامله على "أردشير خرة" مهددا و متوعدا:

'بلغني عنك أمر إن كنت فعلته، فقد أسخطت إلهك و عصيت إمامك: إنك تقسم في ء المسلمين الذي حازته رماحهم و خيولهم، و اريقت عليه دماؤهم، فيمن اعتامك من أعراب قومك، فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة، لئن كان ذلك حقا لتجدن لك علي هوانا، و لتخفن عندي ميزانا، فلا تستهن بحق ربك، و لا تصلح دنياك بمحق دينك، فتكون من الأخسرين أعمالا'

[ نهج البلاغة/رسالة رقم 43.اعتامك: اختارك، و أصله أخذ العيمة و هي خيار المال.]

و كتب إلى أحد عماله يقول:

'أما بعد، فقد بلغني عنك أمر، إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك، و عصيت إمامك، و أخزيت أمانتك: بلغني أنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك، و أكلت ما تحت يديك، فارفع إلي حسابك، و اعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس'

[ نهج البلاغة/رسالة رقم 40.جردت الأرض: إشارة إلى الخيانة بتخريب الأراضي.]

و كما كان الإمام "ع" يخطط للولاة و يزودهم بنصائحه الهادية، كان يرسم الخطط كذلك لقادة جيوشه، و يوضح لهم معالم الطريق، و ما ينبغي عليهم فعله عند مواجهة العدو.

فكان "ع" ينهاهم عن البغي، و يأمرهم بعدم إثارة الحرب من جانبهم، و يحثهم على التسلح بالصبر و ضبط النفس، و أن يكونوا في بداية المواجهة كما لو كانوا مدافعين فحسب، فإذا اعتدي عليهم فقد قامت الحجة لصد العدوان، فإذا قدر و انتصروا على عدوهم فلا يباح أن تحملهم نشوة الظفر على عدوهم إلى ملاحقة جنوده الهاربين من القتال، أو الذين لا يملكون سلاحا يدافعون به عن أنفسهم كما لا يجوز قتل الجرحى، أو الإساءة إلى النساء، و إن بدان الإساءة بسب أو شتم أو نحوه.

و هذه بعض وصاياه "ع" لجيوشه:

'لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم فإنكم بحمد الله على حجة و ترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة اخرى لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله، فلا تقتلوا مدبرا و لا تصيبوا معورا و لا تجهزوا على جريح، و لا تهيجوا النساء بأذى، و إن شتمن أعراضكم و سببن امراءكم'

[ نهج البلاغة/وصيته "ع" رقم 14.المعور: الذي عجز عن حماية نفسه أثناء الحرب.]

'ألا و إن لكم عندي ألا احتجز دونكم سرا إلا في حرب، و لا أطوي دونكم أمرا إلا في حكم، و لا اؤخر لكم حقا عن محله، و لا أقف به دون مقطعه، و أن تكونوا عندي في الحق سواء، فإذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة ولي عليكم الطاعة، و ألا تنكصوا عن دعوة و لا تفرطوا في صلاح و أن تخوضوا الغمرات إلى الحق'

[ نهج البلاغة/من كتاب له إلى امراء جيشه رقم 50.]

و بالنظر للأهمية البالغة التي يحتلها جهاز جباية الأموال في الدولة الاسلامية حيث تشكل الحقوق العامة في ملكية الأفراد عنصرا مهما من عناصر الاقتصاد الاسلامي.

و إن حق الجماعة في الملكيات الخاصة يوفر ضمانة كبرى لمساعدة الدولة الاسلامية على تغطية نفقاتها الضخمة على الصعيد الاجتماعي و العسكري و غيرهما من جوانب الحياة العامة.

و بالنظر لأهمية جهاز الجباية هذا فقد أولاه الإمام "ع" عناية فائقة لا من أجل أن يجمع أكبر نصيب من المال كما يفعل حكام الجور، و إنما من أجل أن ينخرطـذلك الجهازـفي مسيرة العدالة الاسلامية المثلى التي جسدها الإمام "ع" في حياة الناس.

كان الإمام حريصا على أن يلتزم موظفو ذلك الجهاز بأقصى درجات العدل و الفضيلة و النبل، و الشعور بالمسؤولية، فليست مهمتهم في نظر الإمام "ع" أن يجمعوا المال من أجل المال، و إنما ينبغي عليهم أن يلتزموا الحق في تعاملهم مع الامة و أن يعكسوا عدالة الاسلام لمن يلتقون بهم من الناس، فلا ينبغي أن يغضبوا أحدا من الناس، و لا يسيئوا معاملة أحد، و لا يضربوا انسانا من أجل درهم مثلا، و لايجوز أن يعتدوا على مال امرئ من المسلمين أو من غيرهم ممن يتمتع بحق التابعية للدولة الاسلامية.

كما لا يجوز أبدا أن يبيعوا كسوة انسان أو دابته من أجل استيفاء المال، و لا يحق لأحد الجباة أن يردع أحدا أو يستوفي أكثر من حق الله في ماله، و لا ينبغي أن يستعلي على الناس أو يبخل عليهم بالتحية أو اللطف و المرونة في معاملتهم إلى غير ذلك من وصاياه و خططه العظيمة البناءة.

قال و هو يوصي ولاته من حكام الأقاليم:

'فإنكم خزان الرعية و وكلاء الامة، و سفراء الائمة، و لا تحشموا أحدا عن حاجته و لا تحبسوه عن طلبته، و لا تبيعن للناس في الخراج كسوة شتاء و لا صيف و لا دابة يعتملون عليها و لا عبدا، و لا تضربن أحدا سوطا لمكان درهم، و لا تمسن مال أحد من الناس مصل و لا معاهد'

[ نهج البلاغة/من كتاب له إلى عماله على الخراج رقم. 51]

'إنطلق على تقوى الله وحده لا شريك له، و لا تروعن مسلما، و لا تجتازن عليه كارها، و لا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة و الوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم، و لا تخدج بالتحية لهم.ثم تقول: عباد الله، أرسلني إليكم ولي الله و خليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه؟'

[ نهج البلاغة/كتابه لمن يستعمله على الصدقات رقم 25.لا تخدج بالتحية: لا تبخل بالسلام عليهم و السؤال عن أحوالهم.]

ثانيا: جسد "ع" المخطط الاسلامي للعدالة الاجتماعية بأجلى صوره و أدق تفصيلاته: إذا كانت جميع جوانب الجهاز الحكومي في الدولة الاسلامية قد تناولتها يد الإصلاح، فحققت أرقى النماذج التي يصبو إليها الانسان، فإن الإمام "ع" قد خطا في سبيل تحقيق أفضل صورة للعدالة الاجتماعية وفقا للتصورات الاسلامية التفصيلية.فقد شهد المجتمع الاسلامي بجميع قطاعاته و قواه عدالة رائدة كالتي شهدها أيام رسول الله "ص" في منطلقاتها و أبعادها.

و فيما يلي شواهد من تلك التجربة التاريخية المشعة التي تفيأت الامة ظلالها و لو لوقت قصير:

/ 49