قبس من حكم الإمام - امام علی بن أبی طالب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

امام علی بن أبی طالب - نسخه متنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

قبس من حكم الإمام


و نختم هذا الفصل بإيراد اضمامة من حكم أمير المؤمنين "ع" إتماما للفائدة:

إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره، و إذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.

أعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان، و أعجز منه من ضيع من ظفر به منهم.

من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.

ما أضمر أحد شيئا إلا و ظهر في فلتات لسانه و صفحات وجهه.

فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها.

قيمة كل امرئ ما يحسنه.

قال "ع" يصف الغوغاء: 'هم الذين إذا اجتمعوا غلبوا و إذا تفرقوا لم يعرفوا'.

عجبت لأقوام يحتمون الطعام مخافة الأذى كيف لا يحتمون الذنوب مخافة النار.

أربع لو ضربتم فيهن أكباد الإبل، لكان ذلك يسيرا: لا يرجون أحد إلا ربه، و لا يخافن إلا ذنبه، و لا يستحي أن يقول لا أعلم إذا هو لم يعلم، و لا يستكبر أن يتعلم إذا لم يعلم.

إتقوا معاصي الله في الخلوات، فإن الشاهد هو الحاكم.

الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق

[ ملق: التملق.]

، و التقصير عن الاستحقاق عي

[ العي: العجز.]

أوحسد.

عند تناهي الشدة تكون الفرجة، و عند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء.

من أصلح ما بينه و بين الله، أصلح الله ما بينه و بين الناس، و من أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه، و من كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ.

الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله و لم يؤيسهم من روح الله

[ روح الله: لطفه و رأفته.]

و لم يؤمنهم من مكر الله

[ مكر الله: أخذه للعبد بالعقاب دون شعوره.]

رب عالم قد قتله جهله، و علمه معه لا ينفعه.

عظم الخالق عندك يصغر المخلوق في عينيك.

لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: نكبته، و غيبته، و وفاته.

الناس ثلاثة: فعالم رباني، و متعلم على سبيل نجاة، و همج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، و لم يلجأوا إلى ركن وثيق.

الناس أعداء ما جهلوا.

من استبد برأيه هلك، و من شاور الرجال شاركها في عقولها

[ للمزيد راجع نهج البلاغة/باب المختار من حكم الإمام "ع". الحراني/تحف العقول.ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 19/و ج 20، و غيرها.]

و بهذا نصل إلى نهاية المطاف في حديثنا عن المقومات العامة لشخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "ع".

وفقنا الله تعالى للأخذ بنهجه في الفكر و العمل، إنه سميع مجيب.

حكم و مواعظ أمير المؤمنين عهده إلى مالك الأشتر


'بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين، مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه، حين ولاه مصر: جباية خراجها، و جهاد عدوها، و استصلاح أهلها، و عمارة بلادها.

أمره بتقوى الله، و إيثار طاعته، و اتباع ما أمر به في كتابه: من فرائضه و سننه، التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، و لا يشقى إلا مع جحودها و إضاعتها، و أن ينصر الله سبحانه بقلبه و يده و لسانه، فإنه، جل اسمه، قد تكفل بنصر من نصره، و إعزاز من أعزه.

و أمره أن يكسر نفسه من الشهوات، و يزعها

[ يزعها: يكفها.]

عند الجمحات

[ الجمحات: منازعات النفس إلى شهواتها و مآربها.]

، فإن النفس أمارة بالسوء، إلا ما رحم الله.

ثم اعلم يا مالك! أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك، من عدل و جور، و أن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، و يقولون فيك ما كنت تقول فيهم، و إنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فاملك هواك، و شح

[ شح بنفسك: ابخل بنفسك عن الوقوع في غير الحل، فليس الحرص على النفس إيفاءها كل ما تحب، بل من الحرص أن تحمل على ما تكره.]

بنفسك عما لا يحل لك، فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت.و أشعر قلبك الرحمة للرعية، و المحبة لهم، و اللطف بهم، و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط

[ يفرط: يسبق.]

منهم الزلل

[ الزلل: الخطأ.]

، و تعرض لهم العلل، و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطإ، فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحب و ترضى أن يعطيك الله من عفوه و صفحه، فإنك فوقهم، و والي الأمر عليك فوقك، و الله فوق من ولاك! و قد استكفاك أمرهم

[ استكفاك: طلب منك كفاية أمرك و القيام بتدبير مصالحهم.]

، و ابتلاك بهم.و لا تنصبن نفسك لحرب الله

[ أراد'بحرب الله'مخالفة شريعته بالظلم و الجور.]

فإنه لا يد لك بنقمته

[ لا يد لك بنقمته: أي ليس لك يد أن تدفع نقمته، أي لا طاقة بك بها.]

، و لا غنى بك عن عفوه و رحمته.و لا تندمن على عفو، و لا تبجحن

[ بجح به: كفرح لفظا و معنى.]

بعقوبة، و لا تسرعن إلى بادرة

[ البادرة: ما يبدر من الحدة عند الغضب في قول أو فعل.]

وجدت منها مندوحة

[ المندوحة: المتسع، أي المخلص.]

، و لا تقولن: إني مؤمر

[ مؤمرـكمعظمـ: أي مسلط.]

آمر فأطاع، فإن ذلك إدغال

[ الإدغال: إدخال الفساد.]

في القلب، و منهكة

[ منهكة: مضعفة، و تقول'نهكه'أي أضعفه.و تقول: نهكه السلطانـمن باب فهمـ: أي بالغ في عقوبته.]

للدين، و تقرب من الغير

[ الغيرـبكسر ففتحـ: حادثات الدهر بتبدل الدول.]

و إذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة

[ الأبهةـبضم الهمزة و تشديد الباء المفتوحةـ: العظمة و الكبرياء.]

أو مخيلة

[ المخيلةـبفتح فكسرـ: الخيلاء و العجب.]

، فانظر إلى عظم ملك الله فوقك، و قدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك يطامن

[ يطامن الشي ء: يخفض منه.]

إليك من طماحك

[ الطماحـككتابـ: النشوز و الجماح.]

، و يكف عنك من غربك

[ الغربـبفتح فسكونـ: الحدة.]

، و يفي ء

[ يفي ء: يرجع.]

إليك بما عزب

[ عزب: غاب.]

عنك من عقلك!

إياك و مساماة

[ المساماة: المباراة في السمو، أي العلو.]

الله في عظمته، و التشبه به في جبروته، فإن الله يذل كل جبار، و يهين كل مختال.

أنصف الله و أنصف الناس من نفسك، و من خاصة أهلك، و من لك فيه هوى

[ من لك فيه هوى: أي لك إليه ميل خاص.]

من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم! و من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، و من خاصمه الله أدحض

[ أدحض: أبطل.]

حجته، و كان لله حربا

[ كان حربا: أي محاربا.]

حتى ينزع

[ ينزعـكيضربـ: أي يقلع عن ظلمه.]

أو يتوب.و ليس شي ء أدعى إلى تغيير نعمة الله و تعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين، و هو للظالمين بالمرصاد.

و ليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، و أعمها في العدل، و أجمعها لرضى الرعية، فإن سخط العامة يجحف

[ يجحف برضى الخاصة: يذهب برضاهم.]

برضى الخاصة، و إن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة.و ليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء.و أقل معونة له في البلاء، و أكره للإنصاف، و أسأل بالإلحاف

[ الإلحاف: الإلحاح و الشدة في السؤال.]

، و أقل شكرا عند الإعطاء، و أبطأ عذرا عند المنع، و أضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة. و إنما عماد الدين، و جماع

[ جماع الشي ءـبالكسرـ: جمعه، أي جماعة الاسلام.]

المسلمين، و العدة للأعداء، العامة من الأمة، فليكن صغوك

[ الصغوـبالكسر و الفتحـ: الميل.]

لهم، و ميلك معهم.

و ليكن أبعد رعيتك منك، و أشنأهم

[ أشنؤهم: أبغضهم.]

عندك، أطلبهم

[ الأطلب للمعائب: الأشد طلبا لها.]

لمعائب الناس، فإن في الناس عيوبا، الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، و الله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك.أطلق

[ أطلق عقدة كل حقد: احلل عقد الأحقاد من قلوب الناس بحسن السيرة معهم.]

عن الناس عقدة كل حقد، و اقطع عنك سبب كل وتر

[ الوترـبالكسرـ: العداوة.]

، و تغاب

[ تغاب: تغافل.]

عن كل ما لا يضح

[ يضح: يظهر، و الماضي وضح.]

لك، و لا تعجلن إلى تصديق ساع، فإن الساعي

[ الساعي: هو النمام بمعائب الناس.]

غاش، و إن تشبه بالناصحين.

و لا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل

[ الفضل هنا: الإحسان بالبدل.]

، و يعدك الفقر

[ يعدك الفقر: يخوفك منه لو بذلت.]

، و لا جبانا يضعفك عن الأمور، و لا حريصا يزين لك الشره

[ الشرهـبالتحريكـ: أشد الحرص.]

بالجور، فإن البخل و الجبن و الحرص غرائز شتى

[ غرائز: طبائع متفرقة.]

يجمعها سوء الظن بالله.

إن شر و زرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، و من شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة

[ بطانة الرجلـبالكسرـ: خاصته، و هو من بطانة الثوب خلاف ظهارته.]

، فإنهم أعوان الأثمة

[ الأثمةـجمع آثمـ: و هو فاعل الإثم، أي الذنب.]

، و إخوان الظلمة

[ الظلمة: جمع ظالم.]

، و أنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم و نفاذهم، و ليس عليه مثل آصارهم

[ الآصارـجمع إصر بالكسرـ: و هو الذنب و الإثم.]

و أوزارهم

[ الأوزارـجمع وزرـ: و هو الذنب و الإثم أيضا.]

و آثامهم، ممن لم يعاون ظالما على ظلمه، و لا آثما على إثمه، أولئك أخف عليك مؤونة، و أحسن لك معونة، و أحنى عليك عطفا، و أقل لغيرك إلفا

[ الإلفـبالكسرـ: الألفة و المحبة.]

، فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك و حفلاتك، ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك، و أقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه، واقعا ذلك من هواك حيث وقع.و الصق بأهل الورع و الصدق، ثم رضهم

[ رضهم: أي عودهم على ألا يطروك: أي يزيدوا في مدحك.]

على ألا يطروك و لا يبجحوك

[ لا يبجحوك: أي يفرحوك بنسبة عمل عظيم إليك و لم تكن فعلته.]

بباطل لم تفعله، فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو

[ الزهوـبالفتحـ: العجب.]

، و تدني

[ تدني: أي تقرب.و العزة هنا: الكبر.]

من العزة.

و لا يكونن المحسن و المسي ء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان، و تدريبا لأهل الإساءة على الإساءة! و ألزم كلا منهم ما ألزم نفسه.و اعلم أنه ليس شي ء بأدعى إلى حسن ظن راع برعيته من إحسانه إليهم، و تخفيفه المؤونات عليهم، و ترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم

[ قبلهمـبكسر ففتحـ: أي عندهم.]

فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نصبا

[ النصبـبالتحريكـ: التعب.]

طويلا.و إن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، و إن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده

[ ساء بلاؤك عنده: البلاء هنا: الصنع مطلقا حسنا أو سيئا.]

و لا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، و اجتمعت بها الألفة، و صلحت عليها الرعية. و لا تحدثن سنة تضر بشي ء من ماضي تلك السنن، فيكون الأجر لمن سنها، و الوزر عليك بما نقضت منها.

و أكثر مدارسة العلماء، و مناقشة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، و إقامة ما استقام به الناس قبلك.

و اعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، و لا غنى ببعضها عن بعض: فمنها جنود الله، و منها كتاب العامة و الخاصة، و منها قضاة العدل، و منها عمال الإنصاف و الرفق، و منها أهل الجزية و الخراج من أهل الذمة و مسلمةالناس، و منها التجار و أهل الصناعات، و منها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة و المسكنة، و كل قد سمى الله له سهمه

[ سهمه: نصيبه من الحق.]

، و وضع على حده فريضة في كتابه أو سنة نبيهـصلى الله عليه و آله و سلمـعهدا منه عندنا محفوظا.

فالجنود، بإذن الله، حصون الرعية، و زين الولاة، و عز الدين، و سبل الأمن، و ليس تقوم الرعية إلا بهم.ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوهم، و يعتمدون عليه فيما يصلحهم، و يكون من وراء حاجتهم

[ يكون من وراء حاجتهم: أي يكون محيطا بجميع حاجاتهم دافعا لها.]

ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة و العمال و الكتاب، لما يحكمون من المعاقد

[ المعاقد: العقود في البيع و الشراء و ما شابههما مما هو شأن القضاة.]

، و يجمعون من المنافع، و يؤتمنون عليه من خواص الأمور و عوامها.و لا قوام لهم جميعا إلا بالتجار و ذوي الصناعات، فيما يجتمعون عليه من مرافقهم

[ المرافق: أي المنافع التي يجتمعون لأجلها.]

، و يقيمونه من أسواقهم، و يكفونهم من الترفق

[ الترفقـأي التكسبـبأيديهم ما لا يبلغه كسب غيرهم من سائر الطبقات.]

بأيديهم ما لا يبلغه رفق غيرهم.ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة و المسكنة الذين يحق رفدهم

[ رفدهم: مساعدتهم و صلتهم.]

و معونتهم.و في الله لكل سعة، و لكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه، و ليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إلا بالإهتمام و الإستعانة بالله، و توطين نفسه على لزوم الحق، و الصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل.فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله و لرسوله و لإمامك، و أنقاهم جيبا

[ جيب القميص: طوقه، و يقال'نقي الجيب': أي طاهر الصدر و القلب.]

، و أفضلهم حلما

[ الحلم هنا: العقل.]

، ممن يبطئ عن الغضب، و يستريح إلى العذر، و يرأف بالضعفاء، و ينبو على الأقوياء

[ ينبو على الأقوياء: يتجافي عنهم و يبعد.]

، و ممن لا يثيره العنف، و لا يقعد به الضعف.

ثم الصق بذوي المروءات و الأحساب، و أهل البيوتات الصالحة، و السوابق الحسنة، ثم أهل النجدة و الشجاعة، و السخاء و السماحة، فإنهم جماع

[ جماع من الكرم: مجموع منه.]

من الكرم، و شعب

[ شعبـبضم ففتحـ: جمع شعبة.]

من العرف

[ العرف: المعروف.]

ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما، و لا يتفاقمن

[ تفاقم الأمر: عظم، أي لا تعد شيئا قويتهم به غاية في العظم زائدا عما يستحقون، فكل شي ء قويتهم به واجب عليك إتيانه، و هم مستحقون لنيله.]

في نفسك شي ء قويتهم به، و لا تحقرن لطفا

[ لا تحقرن لطفا: أي لا تعد شيئا من تلطفك معهم حقيرا فتتركه لحقارته، بل كل تلطفـو إن قلـفله موقع من قلوبهم.]

تعاهدتهم به و إن قل، فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك، و حسن الظن بك.و لا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها، فإن لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به، و للجسيم موقعا لا يستغنون عنه.

و ليكن آثر

[ آثر: أي أفضل و أعلى منزلة.]

رؤوس جندك من واساهم

[ و اساهم: ساعدهم بمعونته لهم.]

في معونته، و أفضل

[ أفضل عليهم: أي أفاض.]

عليهم من جدته

[ الجدةـبكسر ففتحـ: الغنى.]

، بما يسعهم و يسع من وراءهم من خلوف

[ خلوف أهليهم: جمع خلفـبفتح و سكونـو هو من يبقى في الحي من النساء و العجزة بعد سفر الرجال.]

أهليهم، حتى يكون همهم هماواحدا في جهاد العدو، فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك، و إن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، و ظهور مودة الرعية.و إنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم، و لا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم

[ حيطةـبكسر الحاءـ: من مصادر'حاطه'بمعنى حفظه و صانه.]

على ولاة الأمور، و قلة استثقال دولهم، و ترك استبطاء انقطاع مدتهم، فافسح في آمالهم، و واصل في حسن الثناء عليهم، و تعديد ما أبلى ذوو البلاء

[ ذوو البلاء: أهل الأعمال العظيمة.]

منهم، فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع، و تحرض الناكل

[ يحرض الناكل: يحث المتأخر القاعد.]

، إن شاء الله.

ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، و لا تضمن بلاء

[ بلاء امرئ: صنيعه الذي أبلاه.]

امرئ إلى غيره، و لا تقصرون به دون غاية بلائه، و لا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، و لا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما.

و اردد إلى الله و رسوله ما يضلعك

[ ما يضلعك من الخطوب: ما يؤودك و يثقلك و يكاد يميلك من الامور الجسام.]

من الخطوب، و يشتبه عليك من الأمور، فقد قال الله تعالى لقوم أحب إرشادهم: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شي ء فردوه إلى الله و الرسول" فالرد إلى الله: الأخذ بمحكم كتابه

[ محكم الكتاب: نصه الصريح.]

، و الرد إلى الرسول: الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.

ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك، ممن لا تضيق به الأمور، و لا تمحكه

[ تمحكه الخصوم: تجعله ما حقا لجوجا.يقال: محك الرجالـكمنعـإذا لج في الخصومة، و أصر على رأيه.]

الخصوم، و لا يتمادى

[ يتمادى: يستمر و يسترسل.]

في الزلة

[ الزلةـبالفتحـ: السقطة في الخطأ.]

، و لا يحصر

[ لا يحضر: لا يعيا في المنطق.]

من الفي ء

[ الفي ء: الرجوع إلى الحق.]

إلى الحق إذا عرفه، و لا تشرف

[ لا تشرف نفسه: لا تطلع، و الإشراف على الشي ء: الإطلاع عليه من فوق.]

نفسه على طمع، و لا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه

[ أدنى فهم و أقصاه: أقربه و أبعده.]

، و أوقفهم في الشبهات

[ الشبهات: ما لا يتضح الحكم فيه بالنص، و فيها ينبغي الوقوف على القضاء حتى يرد الحادثة إلى أصل صحيح.]

، و آخذهم بالحجج، و أقلهم تبرما

[ التبرم: الملل و الضجر.]

بمراجعة الخصم، و أصبرهم على تكشف الأمور، و أصرمهم

[ أصرمهم: أقطعهم للخصومة و أمضاهم.]

عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء

[ لا يزدهيه إطراء: لا يستخفه زيادة الثناء عليه.]

، و لا يستميله إغراء، و أولئك قليل.ثم أكثر تعاهد

[ تعاهده: تتبعه بالإستكشاف و التعرف.]

قضائه، و افسح له في البذل

[ إفسح له في البذل: أي أوسع له في العطاء بما يكفيه.]

ما يزيل علته، و تقل معه حاجته إلى الناس، و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك.فانظر في ذلك نظرا بليغا، فإن هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار، يعمل فيه بالهوى، و تطلب به الدنيا.

ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا

[ استعملهم اختبارا: ولهم الأعمال بالامتحان.]

، و لا تولهم محاباة

[ محاباة: أي اختصاصا و ميلا منك لمعاونتهم.]

و أثرة

[ أثرةـبالتحريكـ: أي استبدادا بلا مشورة.]

، فإنهما جماع من شعب

[ فإنهما جماع من شعب الجور و الخيانة: أي يجمعان فروع الجور و الخيانة.]

الجور و الخيانة.و توخ

[ توخ: أي اطلب و تحر أهل التجربة.]

منهم أهل التجربة و الحياء، من أهل البيوتات الصالحة، و القدم

[ القدمـبالتحريكـ: واحدة الأقدام، أي: الخطوة السابقة.و أهلها هم الأولون.]

في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقا، و أصح أعراضا، و أقل في المطامع إشراقا، و أبلغ في عواقب الأمور نظرا.ثم أسبغ

[ أسبغ عليه الرزق: أكمله و أوسع له فيه.]

عليهم الأرزاق، فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، و غنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، و حجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك

[ ثلموا أمانتك: نقصوا في أدائها أو خانوا.]

ثم تفقد أعمالهم، و ابعث العيون

[ العيون: الرقباء.]

من أهل الصدق و الوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم

[ حدوة: أي سوق لهم و حث.]

على استعمال الأمانة، و الرفق بالرعية.و تحفظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك، اكتفيت بذلك شاهدا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه، و أخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة، و وسمته بالخيانة، و قلدته عار التهمة.

و تفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإن في صلاحه و صلاحهم صلاحا لمن سواهم، و لا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج و أهله.و ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، و من طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، و أهلك العباد، و لم يستقم أمره إلا قليلا.فإن شكوا ثقلا أو علة

[ إذا شكوا ثقلا أو علة: يريد المضروب من مال الخراج أو نزول علة سماوية بزرعهم أضرت بثمراته.]

، أو انقطاع شرب

[ انقطاع شربـبالكسرـ: أي ماء تسقى في بلاد تسقى بالأنهار.]

أو بالة

[ انقطاع بالة: أي ما يبل الأرض من ندى و مطر فيما تسقى بالمطر.]

، أو إحالة أرض

[ إحالة أرض: بكسر همزة إحالة: أي تحويلها البذور إلى فساد بالتعفن.]

اغتمرها

[ اغتمرها: أي عمها من الغرق فغلبت عليها الرطوبة حتى صار البذر فيها غمقاـككتف أي له رائحة خمة و فساد.]

غرق، أو أجحف

[ أجحف العطش: أي أتلفها و ذهب بمادة الغذاء من الأرض فلم ينبت.]

بها عطش، خففت عنهم بما ترجوا أن يصلح به أمرهم، و لا يثقلن عليك شي ء خففت به المؤونة عنهم، فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك، و تزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم، و تبجحك

[ التبجح: السرور بما يرى من حسن عمله في العدل.]

باستفاضة

[ استفاضة العدل: انتشاره.]

العدل فيهم، معتمدا فضل قوتهم

[ معتمدا فضل قوتهم: أي متخذا زيادة قوتهم عمادا لك تستند إليه عند الحاجة.]

، بما ذخرت

[ ذخرت: وفرت.]

عندهم من إجمامك

[ الإجماع: الترفيه و الإراحة.]

لهم و الثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم و رفقك بهم، فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به، فإن العمران محتمل ما حملته، و إنما يؤتى خراب الأرض من إعواز

[ الإعواز: الفقر و الحاجة.]

أهلها، و إنما يعوز أهلهالإشراف أنفس الولاة على الجمع

[ إشراف أنفسهم على الجمع: لتطلع أنفسهم إلى جمع المال، ادخارا لما بعد زمن الولاية إذا عزلوا.]

، و سوء ظنهم بالبقاء، و قلة انتفاعهم بالعبر.

ثم انظر في حال كتابك، فول على أمورك خيرهم، و اخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك و أسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ممن لا تبطره

[ لا تبطره: أي لا تطغيه.]

الكرامة، فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملإ

[ جماعة من الناس تملأ البصر.]

، و لا تقصر به الغفلة

[ لا تقصر به الغفلة: أي لا تكون غفلته موجبة لتقصيره في إطلاعك على ما يرد من أعمالك، و لا في إصدار الأجوبة عنه على وجه الصواب.]

عن إيراد مكاتبات عمالك عليك، و إصدار جواباتها على الصواب عنك، فيما يأخذ لك و يعطي منك، و لا يضعف عقدا اعتقده لك

[ عقدا اعتقده لك: أي معاملة عقدها لمصلحتك.]

، و لا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك

[ لا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك: إذا وقعت مع أحد في عقد كان ضرره عليك لا يعجز عن حل ذلك العقد.]

، و لا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور، فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل.

ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك

[ الفراسةـبالكسرـ: قوة الظن و حسن النظر في الامور.]

و استنامتك

[ الاستنامة: السكون و الثقة.]

و حسن الظن منك، فإن الرجال يتعرضون لفراسات

[ يتعرضون لفراسات الولاة: أي يتوسلون إليها لتعرفهم.]

الولاة بتصنعهم

[ بتصنعهم: بتكليفهم إجادة الصنعة.]

و حسن خدمتهم، و ليس وراء ذلك من النصيحة و الأمانة شي ء.و لكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثرا، و أعرفهم بالأمانة وجها، فإن ذلك دليل على نصيحتك لله و لمن وليت أمره.و اجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم، لا يقهره كبيرها، و لا يتشتت عليه كثيرها، و مهما كان في كتابك من عيب فتغابيت

[ تغابيت: أي تغافلت.]

عنه ألزمته.

ثم استوص بالتجار و ذوي الصناعات، و أوص بهم خيرا: المقيم منهم و المضطرب بماله

[ المضطرب بماله: المتردد به بين البلدان.]

، و المترفق

[ المترفق: المتكسب.]

ببدنه، فإنهم مواد المنافع، و أسباب المرافق

[ المرافق: ما ينتفع به من الأدوات و الآنية.]

، و جلابها من المباعد و المطارح

[ المطارح: الأماكن البعيدة.]

، في برك و بحرك، و سهلك وجبلك، و حيث لا يلتئم الناس لمواضعها

[ لا يلتئم الناس لمواضعها: أي لا يمكن التئام الناس و اجتماعهم في مواضع تلك المرافق من تلك الأمكنة.]

، و لا يجترئون عليها، فإنهم سلم

[ إنهم سلم: أي أن التجار و الصناع مسالمون.]

لا تخاف بائقته

[ البائقة: الداهية.]

، و صلح لا تخشى غائلته.و تفقد أمورهم بحضرتك و في حواشي بلادك.و اعلمـمع ذلكـأن في كثير منهم ضيقا

[ الضيق: عسر المعاملة.]

فاحشا، و شحا

[ الشح: البخل.]

قبيحا، و احتكارا

[ الاحتكار: حبس المطعوم و نحوه عن الناس لا يسمحون به إلا بأثمان فاحشة.]

للمنافع، و تحكما في البياعات، و ذلك باب مضرة للعامة، و عيب على الولاة.فامنع من الاحتكار، فإن رسول اللهـصلى الله عليه و آله و سلمـمنع منه.و ليكن البيع بيعا سمحا: بموازين عدل، و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع

[ المبتاع: هنا المشتري.]

فمن قارف

[ قارف: أي خالط.]

حكرة

[ الحكرةـبالضمـ: الاحتكار.]

بعد نهيك إياه فنكل به

[ فنكل به: أي أوقع به النكال و العذاب، عقوبة له.]

، و عاقبه في غير إسراف

[ في غير إسراف: أي من غير أن تجاوز حد العدل.]

ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، من المساكين و المحتاجين و أهل البؤسى

[ البؤسىـبضم أولهـ: شدة الفقر.]

و الزمنى

[ الزمنى بفتح أوله: جمع زمين و هو المصاب بالزمانةـبفتح الرازيـأي العاهة، يريد أرباب العاهات المانعة لهم عن الاكتساب.]

، فإن في هذه الطبقة قانعا

[ القانع: السائل.]

و معترا

[ المعترـبتشديد الراءـ: المتعرض للعطاء بلا سؤال.]

، و احفظ لله ما استحفظك

[ استحفظك: طلب منك حفظه.]

من حقه فيهم، و اجعل لهم قسما من بيت مالك، و قسما من غلات

[ غلات: ثمرات.]

صوافي

[ صوافي الاسلامـجمع صافيةـ: و هي أرض الغنيمة.]

الإسلام في كل بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، و كل قد استرعيت حقه، فلا يشغلنك عنهم بطر

[ بطر: طغيان بالنعمة.]

، فإنك لا تعذر بتضييعك التافه

[ التافه: الحقير.]

لإحكامك الكثير المهم.فلا تشخص همك

[ لا تشخص همك: أي لا تصرف اهتمامك عن ملاحظة شؤونهم.]

عنهم، و لا تصعر خدك لهم

[ صعر خده: أماله إعجابا و كبرا.]

، و تفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون

[ 153ـتقتحمه العين: تكره أن تنظر إليه احتقارا و ازدراء.]

، و تحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك

[ فرغ لاولئك ثقتك: أي اجعل للبحث عنهم أشخاصا يتفرغون لمعرفة أحوالهم يكونون ممن تثق بهم.]

من أهل الخشية و التواضع.فليرفع إليك أمورهم، ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله

[ بالإعذار إلى الله: أي بما يقدم لك عذرا عنده.]

يوم تلقاه، فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، و كل فاعذر إلى الله في تأدية حقه إليه.و تعهد أهل اليتم و ذوي الرقة في السن

[ ذوو الرقة في السن: المتقدمون فيه.]

ممن لا حيلة له، و لا ينصب للمسألة نفسه، و ذلك على الولاة ثقيل، و الحق كله ثقيل، و قد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم، و وثقوا بصدق موعود الله لهم.

و اجعل لذوي الحاجات

[ لذوي الحاجات: أي المتظلمين تتفرغ لهم فيه بشخصك للنظر في مظالمهم.]

منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، و تجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك، و تقعد عنهم جندك و أعوانك

[ تقعد عنهم جندك: تأمر بأن يقعد عنهم و لا يتعرض لهم جندك.]

من أحراسك

[ الأحراسـجمع حرس بالتحريكـ: و هو من يحرس الحاكم من وصول المكروه.]

و شرطك

[ الشرطـبضم ففتحـ: طائفة من أعوان الحاكم، و هم المعروفون بالضابطة، واحدة شرطةـبضم فسكونـ.]

، حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع

[ التعتعة في الكلام: التردد فيه من عجز و عي، و المراد غير خائف تعبيرا باللازم.]

، فإني سمعت رسول اللهـصلى الله عليه و آله و سلمـيقول في غير موطن

[ في غير موطن: أي في مواطن كثيرة.]

: 'لن تقدس

[ التقديس: التطهير، أي لا يطهر الله امة...الخ.]

أمةلا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع'.ثم احتمل الخرق

[ الخرقـبالضمـ: العنف ضد الرفق.]

منهم و العي

[ العيـبالكسرـ: العجز عن النطق.]

، و نح

[ نح: فعل أمر من نحى ينحي، أي أبعد عنهم.]

عنهم الضيق

[ الضيق: ضيق الصدر بسوء الخلق.]

و الأنف

[ الأنفـمحركةـ: الاستنكاف و الاستكبار.]

يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته

[ أكناف الرحمة: أطرافها.]

، و يوجب لك ثواب طاعته.و أعط ما أعطيت هنيئا

[ هنيئا: سهلا لا تخشنه باستكثاره و المن به.]

، و امنع في إجمال و إعذار

[ امنع في إجمال و إعذار: و إذا منعت فامنع بلطف و تقديم عذر.]

!

ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها: منها إجابة عمالك بما يعيا

[ يعيا: يعجز.]

عنه كتابك، و منها إصدار حاجات الناس يوم ورودها عليك بما تحرج

[ حرج يحرجـمن باب تعبـ: ضاق، و الأعوان تضيق صدورهم بتعجيل الحاجات، و يحبون المماطلة في قضائها: استجلابا للمنفعة، أو إظهارا للجبروت.]

به صدور أعوانك.و أمض لكل يوم عمله، فإن لكل يوم ما فيه.و اجعل لنفسك فيما بينك و بين الله أفضل تلك المواقيت، و أجزل

[ أجزلها: أعظمها.]

تلك الأقسام، و إن كانت كلها لله إذا صلحت فيها النية، و سلمت منها الرعية.

و ليكن في خاصة ما تخلص به لله دينك: إقامة فرائضه التي هي له خاصة، فأعط الله من بدنك في ليلك و نهارك، و وف ما تقربت به إلى الله من ذلك كاملا غير مثلوم

[ غير مثلوم: أي غير مخدوش بشي ء من التقصير و لا مخروق بالرياء.]

و لا منقوص، بالغا من بدنك ما بلغ.و إذا قمت في صلاتك للناس، فلا تكونن منفردا و لا مضيعا

[ لا تكونن منفرا و لا مضيعا: أي لا تطل الصلاة فتكره بها الناس و لا تضيع منها شيئا بالنقص في الأركان، بل التوسط خير.]

، فإن في الناس من به العلة و له الحاجة.و قد سألت رسول اللهـصلى الله عليه و آله و سلمـحين وجهني إلى اليمن كيف أصلي بهم؟فقال: 'صل بهم كصلاة أضعفهم، و كن بالمؤمنين رحيما'.

و أما بعد، فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، و قلة علم بالأمور، و الإحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير، و يعظم الصغير، و يقبح الحسن، و يحسن القبيح، و يشاب الحق بالباطل.و إنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، و ليست على الحق سمات

[ سماتـجمع سمة بكسر ففتحـ: و هي العلامة.]

تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، و إنما أنت أحد رجلين: إما امرؤ سخت نفسك بالبذل

[ البذل: العطاء.]

في الحق، ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه، أو فعل كريم تسديه! أو مبتلى بالمنع، فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا

[ أيسوا: قطنوا و يئسوا.]

من بذلك! مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤونة فيه عليك، من شكاة

[ شكاةـبالفتحـ: شكاية.]

مظلمة، أو طلب إنصاف في معاملة.

ثم إن للوالي خاصة و بطانة، فيهم استئثار و تطاول، و قلة إنصاف في معاملة، فاحسم

[ فاحسم: أي اقطع مادة شرورهم عن الناس بقطع أسباب تعديهم، و إنما يكون بالأخذ على أيديهم و منعهم من التصرف في شؤون العامة.]

مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال.و لا تقطعن

[ الإقطاع: المنحة من الأرض.و القطيعة: الممنوح منها.]

لأحد من حاشيتك و حامتك

[ الحامةـكالطامةـ: الخاصة و القرابة.]

قطيعة، و لا يطمعن منك في اعتقاد

[ الاعتقاد: الامتلاك، و العقدةـبالضمـ: الضيعة، و اعتقاد الضيعة: اقتناؤها، و إذا اقتنوا ضيعة فربما أضروا بمن يليها، أي يقرب منها من الناس.]

عقدة، تضر بمن يليها من الناس، في شرب

[ الشربـبالكسرـ: هو النصيب في الماء.]

أو عمل مشترك، يحملون مؤونته على غيرهم، فيكون مهنا

[ مهنأ ذلك: منفعته الهنيئة.]

ذلك لهم دونك، و عيبه عليك في الدنيا و الآخرة.

و ألزم الحق من لزمه من القريب و البعيد، و كن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك و خاصتك حيث وقع، و ابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فإن مغبة

[ المغبةـكمحبةـ: العاقبة.]

ذلك محمودة.

و إن ظنت الرعية بك حيفا

[ حيفا: أي ظلما.]

فأصحر

[ أصحر لهم بعذرك: أي أبرز لهم، و بين عذرك فيه، و هو من الإصحار: الظهور، و أصله البروز في الصحراء.]

لهم بعذرك، و اعدل

[ عدل الشي ء عن نفسه: نحاه عنه.]

عنك ظنونهم بإصحارك، فإن في ذلك رياضة

[ رياضة: أي تعويدا لنفسك على العدل.]

منك لنفسك، و رفقا برعيتك، و إعذارا

[ الإعذار: تقديم العذر أو إبداؤه.]

تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق.

و لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك و لله فيه رضى، فإن في الصلح دعة

[ الدعةـمحركةـ: الراحة.]

لجنودك، و راحة من همومك، و أمنا لبلادك، و لكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل

[ قارب ليتغفل: أي تقرب منك بالصلح ليلقي عليك عنه غفلة فيغدرك فيها.]

فخذ بالحزم، و اتهم في ذلك حسن الظن.و إن عقدت بينك و بين عدوك عقدة، أو ألبسته منك ذمة

[ أصل معنى الذمة وجدان مودع في جبلة الانسان، ينبهه لرعاية حق ذوي الحقوق عليه، و يدفعه لأداء ما يجب عليه منها، ثم اطلقت على معنى العهد، و جعل العهد لباسا لمشابهته له في الرقابة من الضرر.]

، فحط

[ حط عهدك: أمر من حاطه يحوطه بمعنى حفظه و صانه.]

عهدك بالوفاء، و ارع ذمتك بالأمانة، و اجعل نفسك جنة

[ الجنةـبالضمـ: الوقاية، أي حافظ على ما أعطيت من العهد بروحك.]

دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله شي ء الناس أشد عليه اجتماعا، مع تفرق أهوائهم، و تشتت آرائهم، من تعظيم الوفاء بالعهود.و قد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا

[ لما استوبلوا من عواقب الغدر: أي وجدوها و بيلة، مهلكة.]

من عواقب الغدر، فلا تغدرن بذمتك، و لا تخيسن بعهدك

[ خاص بعهده: خانه و نقضه.]

، و لا تختلن

[ الختل: الخداع.]

عدوك، فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي.و قد جعل الله عهده و ذمته أمنا أفضاه

[ أفضاه: هنا بمعنى أفشاه.]

بين العباد برحمته، و حريما

[ الحريم: ما حرم عليك أن تمسه.]

يسكنون إلى منعته

[ المنعةـبالتحريكـ: ما تمتنع به من القوة.]

، و يستفيضون إلى جواره

[ يستفيضون: أي يفزعون إليه بسرعة.]

، فلاإدغال

[ الإدغال: الإفساد.]

و لا مدالسة

[ المدالسة: الخيانة.]

و لا خداع فيه، و لا تعقد عقدا تجوز فيه العلل

[ العللـجمع علةـ: و هي في النقد و الكلام، بمعنى ما يصرفه عن وجهه و يحوله إلى غير المراد، و ذلك يطرا على الكلام عند إبهامه و عدم صراحته.]

، و لا تعولن على لحن قول

[ لحن القول: ما يقبل التوجيه كالتورية و التعريض.]

بعد التأكيد و التوثقة.و لا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله، إلى طلب انفساخه بغير الحق، فإن صبرك على ضيق أمر ترجوا انفراجه و فضل عاقبته، خير من غدر تخاف تبعته، و أن تحيط بك من الله فيه طلبة

[ أن تحيط بك من الله فيه طلبة: أي تأخذك بجميع أطرافك مطالبة الله إياك بحقه في الوفاء الذي غدوت به.]

، لا تستقبل فيها دنياك و لا آخرتك.

إياك و الدماء و سفكها بغير حلها، فإنه ليس شي ء أدنى لنقمة، و لا أعظم لتبعة، و لا أحرى بزوال نعمة، و انقطاع مدة، من سفك الدماء بغير حقها.و الله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد، فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه و يوهنه، بل يزيله و ينقله.و لا عذر لك عند الله و لا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود

[ القودـ: بالتحريكـ: القصاص، و إضافته للبدن لأنه يقع عليه.]

البدن.و إن ابتليت بخطإ و أفرط عليك

[ أفرط عليك سوطك: عجل بما لم تكن تريده: أردت تأديبا فأعقب قتلا.]

سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة، فإن في الوكزة

[ الوكزةـبفتح فسكونـ: الضربة بجمع الكفـبضم الجيمـ: أي قبضته، و هي المعروفة باللكمة.]

فما فوقها مقتلة، فلا تطمحن

[ تطمحن بك: ترتفعن بك.]

بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم.

و إياك و الإعجاب بنفسك، و الثقة بما يعجبك منها، و حب الإطراء

[ الإطراء: المبالغة في الثناء.]

، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين.

و إياك و المن على رعيتك بإحسانك، أو التزيد

[ التزيدـكالتقيدـ: إظهار الزيادة في الأعمال عن الواقع منها في معرض الافتخار.]

فيما كان من فعلك، أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإن المن يبطل الإحسان، و التزيد يذهب بنور الحق، و الخلف يوجب المقت

[ المقت: البغض و السخط.]

عند الله و الناس.قال الله تعالى: "كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".

و إياك و العجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقط

[ التسقط: من قولهم'تسقط في الخبر يتسقط'إذا أخذه قليلا، يريد به هنا: التهاون.]

فيها عند إمكانها، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت

[ اللجاجة: الإصرار على النزاع.و تنكرت: لم يعرف وجه الصواب فيه.]

، أو الوهن

[ الوهن: الضعف.]

عنها إذا استوضحت.فضع كل أمر موضعه، و أوقع كل أمر موقعه.

و إياك و الاستئثار

[ الاستئثار: تخصيص النفس بزيادة.]

بما الناس فيه أسوة

[ الناس فيه اسوة: أي متساوون.]

، و التغابي

[ التغابي: التغافل.]

عما تعنى به مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك.و عما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور، و ينتصف منك للمظلوم.املك حمية أنفك

[ يقال'فلان حمي الأنف': إذا كان أبيا يأنف الضيم.]

، و سورة

[ السورةـبفتح السين و سكون الواوـ: الحدة.]

حدك

[ الحدةـبالفتحـ: البأس.]

، و سطوة يدك، و غرب

[ الغربـبفتح فسكونـ: الحد تشبيها له بحد السيف و نحوه.]

لسانك، و احترس من كل ذلك بكف البادرة

[ البادرة: ما يبدو من اللسان عند الغضب من سباب و نحوه.]

، و تأخير السطوة، حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار، و لن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك.

و الواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة، أو سنة فاضلة، أو أثر عن نبيناـصلى الله عليه و آله و سلمـأو فريضة في كتاب الله، فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها، و تجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، و استوثقت به من الحجة لنفسي عليك، لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها.و أنا أسأل الله بسعة رحمته، و عظيم قدرته على إعطاء كل رغبة، أن يوفقني و إياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه و إلى خلقه. مع حسن الثناء في العباد، و جميل الأثر في البلاد، و تمام النعمة، و تضعيف الكرامة

[ تضعيف الكرامة: زيادة الكرامة إضعافا.]

، و أن يختم لي و لك بالسعادة و الشهادة، 'إنا إليه راجعون'.و السلام على رسول الله صلى الله عليه و آله الطيبين الطاهرين، و سلم تسليما كثيرا، و السلام'

[ نهج البلاغة/عهده إلى مالك الأشتر/رقم 53.الحراني/تحف العقول/ص 126.]

/ 49