على طريق المواجهة
و دخلت الدعوة إلى الله مرحلة المواجهةـبعد إنذار العشيرةـو أول من قاد رد الفعل أبو لهب و زوجته، و كانا يعترضان رسول الله "ص" و يزرعان المشاق في طريقه، لثنيه عن دعوته المباركة، و لكن دعوة الله سبحانه مضت، تشق طريقها في المجتمع الجاهلي المتحجر ذاك، فقد انتقلت بعد إبلاغ العشيرة إلى الدعوة العامة، حيث وقف رسول الله "ص" عند البيت الحرام، و خاطب الجموع بأنه رسول الله إليها.
و بعد الدعوة العامة تزايد عدد المؤمنين و أغلبهم من الشباب و من شتى قطاعات المجتمع المكي.
و كان لتزايد عدد المؤمنين برسالة الله تعالى أثر بالغ على موقف الجاهليين، فقد سلكوا اسلوب الإرهاب للرعيل الأول من المؤمنين، فكانت كل قبيلة و كل بيت يتصدى لمن فيه من المؤمنين بالتعذيب و الاضطهاد، و المؤمنون يزدادون ثباتا و إيمانا بصوت الحق و الهدى الذي دوى به صوت رسول الله "ص" فرددته النفوس الظمأى إلى الخير و الانعتاق.
و بسبب التعذيب الجسدي الوحشي الذي صب على المؤمنين، كانت هجرة الحبشة التي قادها جعفر بن أبي طالب الذي يكبر أخاه عليا "ع" بعشر سنين، و كان لجعفر و حكمته الأثر الفعال في إفشال مخطط قريش في إثارة ملك الحبشة على المهاجرين لطردهم من بلاده.
ابو طالب يتصدى لأعداء الرسالة
و إذا كانت قريش قد تصدت للسابقين من المؤمنين بالعنف و الاضطهاد، فإنها ليست قادرة على التصدي لرسول الله "ص"، قائد الدعوة و رسولها بنفس المستوى، لعلمها أن أبا طالب شيخ الأبطح، يحول دون تحقيق أي لون من ألوان الأذى و الارهاب لرسول الله "ص".
فأبو طالب رجل مرهوب الجانب، ذو سطوة و نفوذ، ليس في بني هاشم وحدهم و إنما في قبائل مكة كلها.
و قد كان الرجل سند الدعوة الاسلامية و جدارها الشامخ، الذي تستند إليه منذ تباشير فجرها الزاهر، و قريش كانت تدرك ذلك تماما و تعرف أبعاده.
و من أجل ذلك، سلكت اسلوب المفاوضة و المساومة و الإغراء: تفاوض الدعوة و الرسالة في شخص الرسول "ص" مرة، و في شخص أبي طالب مرة اخرى، فحين كانت تعرض المال و السلطان على رسول الله "ص" مقابل تركه للدعوة إلى الاسلام، و التنازل عن الرسالة، فانها كانت تفاوض أبا طالب، و تحاوره بشأن دعوة الرسول "ص"، طالبة أن يستعمل نفوذه، بالضغط عليه لترك رسالته، و تلوح بالتهديد تارة اخرى باحتدام الصراع بينه و بين قريش كلها إذا لم يخل بينهم و بين رسول الله "ص"، و يكف عن إسناده له.
بيد أن أبا طالب، كان يعلن إصراره على التزام جانب رسول الله "ص" و الذود عنه، مهما غلا الثمن و عظمت التضحيات.