الاثبات القضائى عب ء الاثبات - اثبات القضائی عب ء الاثبات نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

اثبات القضائی عب ء الاثبات - نسخه متنی

قاسم الابراهیمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الاثبات القضائى عب ء الاثبات

الشيخ قاسم الابراهيمى

تذهب القوانين الوضعيه السائده اليوم -وان اختلفت عبارات موادها -الى ان الاثبات يقع على عاتق المدعى وانه المكلف به دون المنكر. وتوضيح هذه القضيه والقاعده واثباتها يتوقف فى الواقع على جمله امور:1 - بيان معنى المدعى وتمييزه عن المنكر.2 - من يقع عليه عب ء الاثبات منهما.3 - منشا القاعده ودليلها. فالبحث يقع فى مقامات ثلاثه: المقام الاول: المراد بالمدعى عرف صاحب الوسيط المدعى بانه: من يدعى خلاف ما هو الثابت حكما او فعلا. والمراد بالثابت حكما: اما الثابت اصلا - كما فى الحقوق الشخصيه حيث يجرى اصل البراءه عن الحق-او ظاهرا - كما فى الحقوق العينيه حيث تحكم الظواهر، كظاهر كون المال فى يد شخص انه له، المسماه فى فقهنا بقاعده اليد-او فرضا -كما فى القرائن القانونيه التى يعتبر القانون فيها امرا هو الاصل، فقد يوافق ما اعتبره القانون اصلا قول المدعى كما قد يوافق قول المنكر، ومثاله ما لو اعتبر القانون الاصل فى جنايه الدابه تقصير صاحبها فى عدم حفظها وبالثابت فعلا، هو ما اقام الخصم الدليل عليه بالطرق القانونيه حقيقه -كما لو ابرز وثيقه الدين -او ضمنا -كما لو دفع المتهم التهمه بالوفاء او المقاصه. وقريب منه تعريف الاستاذ احمد نشات فى رساله الاثبات القضائى، لكنه اضاف الى التعريف القرينه القضائيه. ومراده بها ما قررته محكمه النقض فى قضيه معينه انه الاصل، من قبيل ما لو قررت المحكمه المذكوره من اعتبار عدم اعتراض صاحب البضاعه على الناقل البحرى عند استلامها قرينه على سلامه البضاعه المسلمه اليه عند الاستلام، فلو ادعى بعد مده من استلامها انها كانت معيبه كان ذلك خلاف ما قررته محكمه النقض اصلا، فيكون مدعيا وعليه الاثبات. وعرفه صاحب المداينات -على ما نقل عنه - بانه: (من يروم اثبات امر خفى يريد به ازاله امر جلى). وفقهاونا(رحمهم اللّه) ذكروا كل هذه التعريفات ومعها غيرها، فعرف المدعى عندهم اما بمن اذا ترك ترك، او من قوله خلاف الظاهر، او خلاف الاصل، او احدهما، او من قام به انشاء الخصومه فى حق له، او خروج من حق عليه، وربما احالوه الى العرف اما ذاتا باحاله ذات مفهوم المدعى عليه او لازما باحاله لازمه -اى من عليه يقع عب ء الاثبات - عليه. وكيفما كان، فالتعاريف المذكوره - كما ذكر صاحب الجواهر- تعاريف ببعض خواص المدعى بغيه التمييز بينه وبين المنكر، والا فالمدعى وزان مفتعل مشتق من الدعوى بمعنى الزعم قلبت التاء فيه دالا للقاعده، فمعناه الزاعم، وهو يصدق على كلا طرفى الخصومه، لان المدعى وان كان يزعم عوده المتنازع فيه اليه والمنكر ينفيه، لكن انكاره زعم ايضا. وان توهم صاحب الجواهر انه مشتق من التداعى بمعنى المخاصمه، مما ينطبق على المدعى والمنكر على حد سواء، فى حين انه ليس كذلك على ما اخترناه، لتخالفهما فى الزعم، فان المدعى يزعم ملكيه المتنازع فيه مثلا والمنكر يزعم عدمها. ومهما يكن من امر، فان التعاريف المذكوره على اختلافها قابله للارجاع الى مودى واحد. فمتعلق الترك فى التعريف الاول وان فسر بالخصومه - مما يلزم من ذلك انطباقه على خصوص الشاكى لو اريد بها اصل المطالبه بالحق المتنازع فيه مثلا- لكن المحقق العراقى فسره بالزام الطرف المقابل بخلاف الحجه الفعليه فقال: (ان المدعى هو الذى لو ترك الزام الاخر بخلاف الحجه الفعليه وابقى الوضع على طبعه الاولى لترك وانتهت الخصومه). ولعله مراد من جعل متعلق الترك الخصومه، فمدعى الاعسار او الوفاء يصدق عليه انه تارك للخصومه لو ترك ادعاء الاعسار او الوفاء وان لم يتركه صاحب الحق على التقدير المذكور، فان الخصومه نشات بدعواه، فتركها ترك لها. و(الظاهر) فى التعريف الثانى ان اريد به ظاهر الحال فكثير من الدعاوى خاليه منه، كدعويى الصحه والفساد فى عقد او ايقاع، او تسديد دين او عدمه، فلم يقع ما قصد اليه من التعريف من تمييز المدعى عن المنكر، فمن البعيد ان يكون مرادا. وان اريد به ما يقابل الواقع ويعم الاصل رجع الى الاول، فان كل دعوى لا تخلو من اصل او ظاهر يكون الحجه بدوا حتى تقوم حجه تتقدم عليها. والترديد فى الثانى آت فى التعريف الثالث ايضا، فانه ان اريد بالاصل الاصل العملى لم يصح الاقتصار عليه فى تمييز المدعى عن المنكر، لادائه فى حاله وجود الظاهر معه وتخالفهما اما الى طرح الظواهر فى معرفه المدعى، فيطالب صاحب الظاهر بالبينه، لانه مدع بمقتضى التعريف، وهو ما لا يلتزم به صاحب التعريف نفسه، او الى كثره تخصيص قاعده (البينه على من ادعى، واليمين على من ادعى عليه)، فيطالب من الاصل معه بالبينه مع انه منكر بمقتضى التعريف، ومن الاصل بخلافه باليمين مع انه مدع، وكثره التخصيص فى القاعده قبيح خصوصا على مبنى المشهور من اعتبارها الميزان فى القضاء، فلا تصح ارادته. وان اريد به القاعده الجاريه -كما هو احد معانيه - رجع الى الاولين، لان عنوان القاعده يعم الاصل والظاهر معا، وقيد الجريان يخرج منهما ما ليس بحجه بالفعل. وبه يفرض شق ثالث للترديد فى معنى المخالفه عند صاحب الجواهر، فليس المراد مخالفه جميع الاصول، ولا اصل فى الجمله، بل الاصل الجارى بالفعل. ولذلك يتفق مع الرابع ايضا بعد اراده خصوص الجارى من الاصل والظاهر، كما فسرهما به الشيخ الانصارى بنقل الاشتيانى. واما تعريف صاحب الجواهر فقد تضمن كلتا خصوصيتى التعاريف السابقه: مخالفه الاصل، وتسبيب الخصومه. غير ان جعل مورد الخصومه اثبات حق له وخروجا من حق عليه ربما اشعر بقصر الاصل المخالف قول المدعى له على اصل العدم، مع انه ليس الاصل الوحيد الجارى فى موارد التنازع، اللهم الا ان يريد بذلك المثال. والاحاله على العرف فى التعريف السادس لا تنافى كون الملاك عنده ما ذكر، فربما ادعى ان ما يستفاد من الارتكاز العرفى بحسب التحليل العقلى له فى خصوص الدعوى هو ان الفرق بين المدعى والمنكر- بعد انطباق معنى المدعى لغه عليهما بكلا مصدرى اشتقاقه - كامن فى توفر احدى الدعويين على خصوصيه موافقه النظر البدوى فى المساله القائم على القواعد الاوليه ولو العرفيه الجاريه فيها والمعبر عنه بالظاهر مقابل الواقع، فكان المدعى يطالب -بحسب هذا النظر- بما ليس له، ولذا يرى العرف لزوم اثبات استحقاقه له عليه بدليل يرفع موضوع القاعده الاوليه ويتقدم عليها كالبينه. فتحصل من كل ما مر: ان جميع التعاريف المذكوره ببعض تقاديرها تريد الاشاره الى خصوصيه فى دعوى المدعى، وهى ان دعواه تخالف مودى القاعده الاوليه الجاريه فى مورد النزاع. نعم، لابد من تنقيح ان القاعده الاوليه الجاريه المعتبر مخالفتها لاحدى دعويى المتخاصمين فى صدق المدعى على صاحبها هل هى القاعده المعتبره عند الشرع ام عند العرف؟ فلو فرض تخالف الشرع والعرف فى الاصل الجارى فى المساله، فباى يوخذ ويتعامل مع صاحب الدعوى المخالفه له على انه المدعى؟قد يقال بالاناطه بالعرف، باعتبار ان التحاور الحاصل بين الشارع ومخاطبيه مبنى على طريقه العرف فى محاوراته، اذ لو كان للشارع طريقه غيرها للزم - توصلا منه الى غرضه - تبيينها، ولم يبين. وطريقه العرف قائمه على اساس الارتكازات بينهم، فيتعين حمل العناوين الوارده فى بيانات الشارع غير المبين مراده منها بكلام متصل او منفصل على المعانى الارتكازيه عند العرف. والمدعى والمنكر وردا فى الروايات دون ان يبين المراد منهما عند الشارع، فيتعين حملهما على المعنى العرفى. ومن الطبيعى ان احاله ذلك على العرف يستلزم تطبيقه -اى العرف - قواعده لا القواعد الشرعيه. وقد يخطر بالبال ان هذا البيان ان صح فى سائر الموارد لا يصح هنا، فان المخاطب بدليل مطالبه المدعى بالبينه والمنكر باليمين ليس العرف العام ليكون المقصود منوطا بالمعانى المرتكزه عند العرف من لفظ المدعى والمنكر مما يعنى تطبيق قواعده لا القواعد الشرعيه، بل العرف الخاص برواه حديث الائمه والعارفين باحكامهم الناظرين فى حلالهم وحرامهم، اعنى الفقهاء خاصه الذين اسند اليهم منصب القضاء، ومثلهم يعتمد على ارتكازاته الشرعيه لا العرفيه فى تشخيص المدعى وتمييزه عن المنكر، فيطبق عنوان المدعى على من خالفت دعواه القاعده الشرعيه الجاريه فى مورد التنازع. لا يقال: ان هذا لو تم جرى فى جميع العناوين الوارده فى الادله الفقهيه، لان المستنبط لها الفقيه، فينبغى ان يكون هو المخاطب بها، مما يعنى اعتماده المرتكزات الشرعيه لا العرفيه. فانه يقال: ان كلام الامام(ع) عاده ما يرد جوابا على اسئله السائلين وهم من عامه الناس، فالخطاب موجه لهم، وان اعمل الفقهاء فيما بعد مزيدا من الدقه لاستفاده بعض النكات الخاصه وتطبيقها فى الفروع والمسائل الحادثه، بخلاف ما نحن فيه، فان مثله مما يمتنع ان يكون المخاطب به الناس، لتوقف المقام على مقام خاص فى المخاطب. لكن شيخنا الاستاذ آل راضى -ادام اللّه بقاءه - منع منه معللا ظهور الفرق بين هذه الروايات وغيرها. المقام الثانى: من يقع عليه عب ء الاثبات تسالمت كلمه فقهاء الشريعه والقانون على وقوع عب ء الاثبات بعهده المدعى، اذ قال السنهورى فى الوسيط: (من المبادى المقرره فى الفقه الاسلامى ان البينه على من ادعى، واليمين على من انكر. وفى القانون المصرى وسائر القوانين الحديثه توجد القاعده ذاتها، فالمدعى هو الذى يحمل فى الاصل عب ء الاثبات، سواء كان دائنا يدعى ثبوت الدائنيه، او مدينا يدعى التخلص من المديونيه كما تقول الماده (389)). ويقول الدكتور عبدالسلام المزوغى ما يلى: (ان القاعده هى ان عب ء هذا الاثبات يقع على الخصوم، ويتوزع هذا العب ء بينهم طبقا لقاعده الاثبات على المدعى، سواء كان مدعيا اصيلا او مدعيا بطريق الدفع من موقع المدعى عليه. ويقصد بهذه القاعده: ان من يدعى امرا محل نزاع عليه ان يقيم الدليل والحجه امام القضاء على صحه ادعائه ... وتطبيقا لهذه المفاهيم بشان قواعد الاثبات تنص الماده (376) من التقنين المدنى «الليبى » على القاعده العامه فى ذلك بنصها: على الدائن اثبات الالتزام، وعلى المدين اثبات التخلص منه).وجاء فى كتاب القضاء فى الفقه الاسلامى ما نصه: (قد اتفقت كلمه الشريعه الاسلاميه والفقهاء الوضعيين على ان القاعده فى باب القضاء هى مطالبه المدعى بالبينه، ومطالبه المنكر باليمين). ولا ريب فى اتفاق كلمه الشريعه الاسلاميه على ذلك كما ذكر، لكن اتفاق كلمه الفقهاء الوضعيين عليه لو اراد بالبينه شهاده العدلين غير معلوم، او غير صحيح، لان مطالبه المدعى بالبينه لا يصح الا بناء على تفسير البينه بالدليل الواضح، واما بناء على تفسيره بالشهاده المتعارفه فى الفقه الاسلامى فلا توجد فى القانون الوضعى غالبا، وذلك لانه فسح للقاضى المجال لان لا يتقيد بعدد الشهود ولا بجنسهم ولا بسنهم، فقد يقنعه شاهد واحد ولا يقنعه شاهدان او اكثر، وقد يصدق المراه ولا يصدق الرجل، وقد تكون شهاده صبى صغير ابلغ فى اقناعه من شهاده رجل كبير... «كما» زالت ضروره تزكيه الشهود، فلم يعد الشاهد «فى القانون الوضعى المصرى مثلا» يزكيه شاهد آخر، بل الذى يزكيه هو مبلغ ما يبعثه فى نفس القاضى من الاطمئنان الى دقته والثقه فى امانته). كما انه اشترط الحلف على الشاهد، ولم تشترطه الشريعه. واما مطالبه المنكر باليمين فلم يعلم اطباقهم على ذلك، وما عثرت فى الكتب الحقوقيه ان ذلك ثابت فى قوانين البلدان الاسلاميه والقوانين الفرنسى والايطالى والبلجيكى. ومهما يكن، فان ما يهمنا هو اتفاق كلمه الفقهاء فيما يرتبط بالامر الاول الذى يمكن عد البينه فيه مثالا للاثبات. لكن القانون الوضعى ربما استثنى من القاعده المزبوره بعض الموارد وجعل فيها الاثبات بعهده المنكر، كما صرح به غير واحد من القانونيين. قال الدكتور انور سلطان - بعد بيانه مضمون القاعده - ما نصه: (لكن يلاحظ ان المشرع قد يتدخل لتغيير هذه القاعده بان يقيل الشخص من عب ء الاثبات، او ينقل هذا العب ء الى الطرف الاخر عن طريق ما يسمى بالقرينه القانونيه). وقد تقدم ما يرتبط بالقرينه القانونيه فى تعريفى صاحبى الوسيط ورساله الاثبات للمدعى. وكيفما كان، فهذا الموقف الذى اتخذه القانون الوضعى كانت الشريعه الاسلاميه قد سبقت اليه، حيث ورد عن الائمه(ع) روايات فى القتل جعلت عهده الاثبات فيه على المنكر. ففى صحيحه بريد بن معاويه عن ابى عبداللّه(ع) قال: سالته عن القسامه، فقال: (الحقوق كلها البينه على المدعى واليمين على المدعى عليه الا فى الدم خاصه...). وفى موثقه ابى بصير عنه(ع) قال: (ان اللّه حكم فى دمائكم بغير ما حكم به فى اموالكم، حكم فى اموالكم ان البينه على المدعى واليمين على المدعى عليه، وحكم فى دمائكم ان البينه على من ادعى عليه واليمين على من ادعى، لئلا يبطل دم مسلم). لكن الغريب انى لم اجد من تعرض لهذا الامر، بل الذى يظهر منهم ان البينه فى الدم كالبينه فى غيره تطلب من المدعى وان كان ذلك لا يعد اعراضا منهم عن الروايه المذكوره. نعم ذكر فى كتاب القضاء فى الفقه الاسلامى فى غير موضعه مرسلا له ارسال المسلمات حيث قال: (لو تعارضت بينه المدعى وبينه المنكر فقد يقال بتقديم بينه المنكر، لما دل على ان البينه على المنكر دون المدعى، ولكن دليل كون البينه على المنكر انما دل على ان الذى يطالب بالبينه هو المنكر دون المدعى...). المقام الثالث: منشا القاعده ودليلها لا اشكال ان قاعده (الاثبات على المدعى) المتقدمه ليست قاعده بديهيه مسلمه لا عقلا ولا عقلائيا، فلم يعمل بها فى القانون الفرنسى الا فى القرون الوسط ى، وان القاعده قبل ذلك استقرار الاثبات بعهده المنكر (المتهم). وعلى هذا فلابد من البحث لهذه القاعده من دليل. وقد ذهب القانون الوضعى الذى يقوم على اساس الاحكام العقليه والعرفيه الى ان منشا هذه القاعده هو اصل البراءه الجارى فى جميع الدعاوى لصالح المتهم، كما صرح بهذا الانتزاع الدكتور عبدالسلام المزوغى قال: (وتفسير تحميل عب ء الاثبات على المدعى يستند الى القاعده الطبيعيه التى تنص على ان الاصل براءه الذمه وكل من يدعى شغلها باى التزام عليه ان يقيم الدليل والحجه على صحه مدعاه).وقال الدكتور صالح الدين الناهى بعد ذكر القاعده: (والاصل فى ذلك العمل بظاهر الحال، فالمدعى يسال عن اقامه الدليل على ما يدعيه، لان الظاهر والاصل فى المدعى عليه البراءه مما ينسب اليه، اى ان الاصل براءه الذمه حتى يقوم الدليل على انشغالها بالدين «مثلا»، فيقع عب ء الاثبات عندئذ على المدعى عليه عند ادعائه البراءه).ويقول الدكتور احمد نشات: (فاذا ادعيت مثلا ان لك مبلغا من المال فى ذمه شخص وجب عليك ان تقيم الدليل على ذلك، لان الاصل عدم المديونيه او براءه الذمه، وهذا الاصل متفق عليه فى جميع الشرائع وفى الشريعه الاسلاميه). وهذه العبارات يمكن ان تقرب باحد تقريبين، هما: التقريب الاول: ويتالف من مقدمتين: المقدمه الاولى: ان الاصل فى القضاء العمل بالظاهر، فيحكم لصالح المتخاصم ان كان الظاهر معه، وضده ان كان ضده. ولعل المراد بالظاهر -المعبر عنه مسامحه فى كلمات بعض القانونيين بظاهر الحال، مما يختلف باختلاف طبيعه القضيه المتنازع فيها - هو ما قابل الواقع، اى ما يكون عليه الحكم ابتداء بحسب القواعد الاوليه الجاريه فى القضيه، فان القضيه لا تخلو من قاعده جاريه فيها بشكل اولى وقبل ابراز الخصمين اثباتاتهما، فيقرب من معنى الحكم الظاهرى المقابل للواقعى بمعنى الحكم الثابت فى لوح الواقع. وقد تقدمت الاشاره الى هذا من قبل، وفيه قلنا: ان القاعده اعم من الاصل والظاهر. المقدمه الثانيه: واذ كانت دعوى المدعى خلاف الظاهر المذكور - لان الاصل عند الشك فى اشتغال ذمه شخص او براءتها مما وجه اليه البراءه حتى يثبت الخلاف والا كان خلف فرضه مدعيا - كان من الطبيعى ثبوت الاثبات بعهدته لا بعهده المنكر. وهذا التقريب يمكن ان تثار بشانه عده ملاحظات: الاولى: ان اصل البراءه بمعنى عدم ارتكاب الجرم لا عدم ثبوت الحكم عند الشك فيه او فى موضوعه، والمدعى جريانه فى المقام مجهول المستند، ويحتمل فى تقرير مستنده احد امور: الاول -ان يقال: ان مستنده بديهه العقل لكونه حكما عقليا اوليا مثلا.وفيه: انه قد تقدم ان اصل البراءه هذا ليس ثابتا ببديهه العقل، والا فلم لم تعمل به الشعوب القديمه ولا المجتمع الفرنسى ايضا حتى فتره القرون الوسط ى؟! اذ لو كان ثابتا كذلك لاقره جميع افراد البشر، لاستواء الناس فى بديهه العقل الا من عرضت شبهه عليه. وعروض الشبهه لهذا العدد من الناس محال الوقوع عاده، فيتعين انكار كونه ثابتا كذلك. الثانى -ان يقال: ان مستنده استصحاب عدم التهمه الازلى او النعتى.والجواب: ان استصحاب العدم النعتى لا يجرى فى جميع الدعاوى، لان منها ما ينفى صفه عن موضوع لم يكن موجودا قبلها بحيث لا يتحقق موضوع الاتصاف فى زمان ليستصحب، نظير قرشيه المراه وابنيه المتوفى وغيرهما. واصل البراءه المتمسك به من قبل الحقوقيين هو الاعم من هذه الموارد وغيرها. فلم يبق الا التمسك باستصحاب العدم الازلى، وهو مختلف فيه بين الاعلام. الثالث -ان يقال: ان مستند اصل البراءه سيره العقلاء، لقيامها على التعامل عند الشك فى ثبوت امر او عدمه بالبناء على العدم. ولا ريب فى امتداد هذه السيره واتصالها بعصر المعصوم(ع)، وبلوغها حدا من الانتشار يقضى بوقوعها امامه وعدم ردعه عنها، والا لوصل. فان قيل: ان غايه ما يثبته هذا المستند البناء على العدم فى مجال تحديد الموقف العملى دون الحكم القطعى الذى هو موضوع القضاء، فانهم يبقون على احتمال المخالفه قائما، ولا يعدونه نقضا لبنائهم السابق عند انكشافها. قلنا: ما يكفينا فى المقام هذا المقدار، لان القاء عب ء الاثبات على المدعى او المنكر لا يتطلب اكثر من اتخاذ موقف عملى. الثانيه: ان اصل البراءه على فرض ثبوته باحد المستندات المتقدمه لا يجرى فى المقام، لانه من التمسك بالاصل المثبت الذى لا يقول به احد من المعاصرين. وجه المثبتيه: ان ما يثبته اصل البراءه براءه المتهم من التهمه الموجهه اليه وعدم ترتيب اثر عليها. وينتزع من هذا ان الظاهر يكون لصالح المدعى وضد المدعى عليه، وهو ما يشكل صغرى لكبرى عمل القضاء بالظاهر الوارده فى المقدمه الاولى من التقريب. الثالثه: ان اصل البراءه ليس هو الاصل الوحيد الذى يمكن التمسك به فى تمييز المدعى من المنكر، بل هناك اصول اخرى قد تكون هى المائز، مثل اصاله الصحه وغيرها. وهذه الملاحظه ممنوعه، فان اصل البراءه -وان داب الحقوقيون على ذكره مستندا لكون الاثبات بعهده المدعى- لكنه لا موضوعيه له فى المقام فانما ذكر من باب المثال، فان فرض كون المدعى مدعيا يقتضى مخالفه قوله للظاهر، سواء تمثل باصل البراءه ام غيره خالفه فى النتيجه ام لا، ومعه فالمناقشات الثلاث المتقدمه حتى لو فرضت تماميتها غير مضره بالاستدلال، لبقاء صغراه صادقه. الرابعه: ان المقدمه الاولى غير ثابته عندنا، لوضوح افتقار القضاء الشرعى الى حجه شرعيه، فليس كل قاعده جاريه ومعتبره فى الافتاء -وان كانت ظهورا- تجرى فى القضاء، فضلا عن الاصل، ولا العكس صحيح ايضا، وانما ثبتت الحجيه القضائيه للبينه فى جانب المدعى واليمين فى جانب المنكر بناء على موضوعيتهما كما ذهب الى ذلك المشهور، او معرفا لمستوى الحجه المعتبره من كل منهما بناء على الحديه على ما ترجح فى المقاله السابقه. ومن هنا فالدليل المذكور لا يجرى فى القضاء الشرعى وان جرى فى القضاء الوضعى. الخامسه: ان كون الاثبات بعهده المدعى او المنكر ليس من الحكم والقضاء فى شى ء حتى يقال ان الاصل فى القضاء العمل بظاهر الحال، وانما هو من مقدمات الحكم ومبادئه. اللهم الا ان يقال: بان المراد من الاصل المذكور عدم ترتيب آثار المجرميه على المتهم سواء فى الحكم او فى مقدماته، ويتعامل معه على انه برى ء، فلا يطالب بالاثبات ولا بغيره، والظاهر ان المراد ذلك. السادسه: ان اجراء الاصل المذكور وان امكن به اثبات براءه المتهم من التهمه الموجهه اليه بعد فقدان الدليل، لكن جريانه كذلك لا يمنع من مطالبه المتهم باثبات دعواه فى رتبه سابقه وقبل وصول النوبه الى اجراء الاصل. لا يقال: ان جعل الاثبات بعهده المتهم مع كون الاصل معه امر لا طائل من ورائه، سيما مع القول بحقه فى الاثبات كما تقدم فى المقاله الاولى، وانما يجعل بعهده المدعى ليصل الى حقه بعد فرض ان الاصل خلاف دعواه. فانه يقال: لا ينحصر وجه جعل الاثبات على المدعى عليه باستبقاء ما كان عليه قبل التهمه ليقال بكفايه الاصل فيه، بل يكفى بالاثبات فائده ان ينظر القضاء الى القضيه بموضوعيه تامه والى المتخاصمين بحياديه مطلقه، فيغض النظر عما يقتضيه الاصل فى محل النزاع، وينظر الى المتنازع فيه بما هو شى ء خارجى اجنبى عن الطرفين، ليطالب المدعى عليه اولا باثبات عائديته له، ثم المدعى باثبات دعواه ثانيا، فان لم يكن لهما ما يثبتان دعواهما ولم يرجعا الى اليمين حكم الاصل او الظاهر فى ذلك. وهذا نظير ما يجرى فى عمليه الاستنباط، حيث يبحث اولا عن الدليل المثبت للحكم الشرعى، فان فقد رجع الى ما يقتضيه الاصل. ولا تعنى موافقه الاصل للمدعى المراد اثباته منذ البدايه عدم الحاجه الى البحث عن الدليل الاجتهادى المثبت لنفس نتيجه الاصل. التقريب الثانى: ويتالف من مقدمتين ايضا: المقدمه الاولى: ان كل حكم يصدره القاضى فى مورد الخصومه يتوقف على احراز موضوعه فى الواقع بما يدل عليه، من دون نظر الى من يصب فى صالحه من المدعى والمنكر. المقدمه الثانيه: ولما كان الاصل عند الشك فى ثبوت موضوع او انتفائه عدمه -استصحابا او امضاء لسيره او غيرهما-حتى يقوم الدليل على ثبوته، كان من الطبيعى ان يتوقف القاضى عن اصدار حكم فى القضيه لصالح المدعى حتى يقوم الدليل على ذلك -والا كان حكمه بلا مبرر شرعى او عقلائى - مما يبقى المتنازع فيه على حاله قبل المرافعه. ولهذا السبب يجد المدعى نفسه ملزما بحكم العقل لان يقدم الادله التى تثبت خلاف ما الاصل عليه، وان التهمه التى ادعاها فى حق المدعى عليه ثابته فى الواقع، مما يرفع موضوع الاصل ويرد عليه، ليثبت موضوع الحكم الذى بصالح المدعى ويحكم له القاضى بموجبه. وهذا الاستدلال تام لا اشكال لنا عليه، الا ان العبارات التى ذكرناها عن الكتب القانونيه قاصره عن افادته بهذا النحو، بل هى الى التقريب الاول اقرب. نعم، قد تساعد عليه عباره الدكتور سعيد عبدالكريم مبارك حيث يقول: (لاثبات الحق اهميه كبيره، لانه يجب لكى يحكم القاضى لصاحب الحق بحقه ان يثبت حقه امامه لذلك، فالعجز عن اثبات الحق يعنى تجريده من قيمته، وبالتالى عدم وجوده). ويمكننا ان نضيف الى ما ذكروه دليلين آخرين هما: الاول: اننا نتمسك بالادله الداله على ان البينه على المدعى واليمين على من ادعى عليه، وهى عده روايات، وذلك بتقريب: ان (على) الوارده فى الحديث تدل على لزوم مطالبه المدعى بالبينه لاثبات دعواه. وقد دللنا فى المقاله السابقه على ان البينه لم توخذ بنفسها موضوعا للمطالبه، بل بما هى الحد الادنى لوسائل الاثبات التى تثبت بها صحه الادعاء. واما جعل اليمين على المدعى عليه فليس ماخوذا بما هو دليل لاثبات حقه فى المتنازع فيه كى يقال بانه ملزم بالاثبات كالمدعى، اذ من الواضح عدم اخذه مستندا للحكم بلحاظ كاشفيته عن الواقع كما عليه المدار فى سائر مستندات القضاء المعتبره، بل لعله من باب الاحتكام الى الوجدان والتراضى به حكما بعد عجز المدعى عن اثبات دعواه بالدليل، وهو ما تويده الروايات، بل ربما دلت عليه: منها: ما فى روايه عبداللّه بن وضاح، قال: كانت بينى وبين رجل من اليهود معامله، فخاننى بالف درهم، فقدمته الى الوالى، فاحلفته فحلف، وقد علمت انه حلف يمينا فاجره، فوقع له بعد ذلك عندى ارباح ودراهم كثيره، فاردت ان اقتص الالف درهم التى كانت لى عنده واحلف عليها، فكتبت الى ابى الحسن(ع) فاخبرته انى قد احلفته فحلف، وقد وقع له عندى مال، فان امرتنى ان آخذ منه الالف درهم التى حلف عليها فعلت، فكتب: (لا تاخذ منه شيئا، ان كان ظلمك فلا تظلمه، ولولا انك رضيت بيمينه فحلفته لامرتك ان تاخذ من تحت يدك، ولكنك رضيت بيمينه، وقد ذهبت (فقد مضت خ ل) اليمين بما فيها). فلم آخذ منها شيئا، وانتهيت الى كتاب ابى الحسن(ع). وكذا موثقه عبداللّه بن ابى يعفور عن ابى عبداللّه(ع) قال: (اذا رضى صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف ان لا حق له قبله، ذهبت اليمين بحق المدعى، فلا دعوى له...). فان ظاهر الروايتين تعليق تاثير اليمين فى ذهاب حق المدعى على رضاه بها. الثانى: الارتكاز العقلائى: وقد تقدم بيانه والوجه فيه لدى الجمع بين التعاريف. ولذا ذهب السيد الخوئى(قدس سره) الى تعريف المدعى بانه: (من يرى العرف ان موونه الاثبات عليه) ، فان ذلك يقتضى وجود ارتكاز لدى العرف بوجود ملازمه او اتحاد بين من يتحمل موونه الاثبات وبين المدعى. وهكذا تكون الشريعه والقانون متفقين فى ان الاثبات بعهده المدعى، غايه الامر انهما يريان ذلك حكما يقضى به العقل توصلا منه الى ما يتوخاه من المرافعه من الحكم فى القضيه لصالحه. وعلى هذا نصت الماده (1257) من القانون المدنى الايرانى على ان (المدعى لحق يجب عليه اثباته، كما ان المدعى عليه يقع عليه عب ء الاثبات ايضا، حيث يكون فى موضع الدفاع، ويدعى امرا يفتقر الى الدليل). مراحل تطور الاجتهاد فى الفقه الامامىالقسم الاول السيد منذر الحكيم 1 - لماذا هذا البحث؟ لقد بات واضحا لدى المعنيين بكل علم ضروره دراسه تاريخ نشوئه وارتقائه ومراحل تكامله وتطوره. وعلم الفقه ليس بدعا من العلوم، بعد ان كان له تاسيس ونشوء وارتقاء. ان دراسه تاريخ العلم -اى علم كان- والالمام بها لا تعد اليوم ترفا علميا للباحث والمحقق، وذلك لانها ذات نتائج ايجابيه مباشره للدارس لها من حيث تمكينه من الماده العلميه واعطائه قدرا اكبر من الاحاطه بملابساتها وظروف تطورها وتكاملها، فيكون متضلعا بمعرفه اسرارها وكوامنها واتجاهات المساهمين فى تكوينها تاسيسا وتطويرا، ويكون قادرا على التقويم الواقعى بعد احاطته والمامه بالملابسات والظروف التى رافقت توفير هذه الماده العلميه طيله قرون متتاليه من العمل العلمى الدووب. 2 - الفقه الاسلامى الامامى ومراحل تطوره: ولا يخفى على الفقهاء والمعنيين بدراسه الفقه الاسلامى ان له مدارس شتى، وتعتبر المدرسه الفقهيه الاماميه الاثنا عشريه من اهم المدارس الفقهيه واعرقها وانضجها واوسعها، وهى تتميز عن سائر المدارس الفقهيه الاسلاميه بميزتين اساسيتين: الاولى: انفتاح باب الاجتهاد على طول الخط وعلى مدى القرون، منذ التاسيس وحتى يومنا هذا، ولئن اعتقد الفقهاء المحدثون من سائر المدارس بضروره فتح باب الاجتهاد فى العصر الحاضر فانهم يلمسون بوضوح مدى الاضرار التى طالت المدارس الفقهيه من جراء غلق باب الاجتهاد فى حقبه زمنيه غير قصيره. الثانيه: الارتباط المباشر باهل البيت المعصومين(ع) الذين اثروا الفقه الاسلامى خلال ثلاثه قرون بالماده الفقهيه والمنهج الفقهى المطلوب من دون ان يتلكا هذا النشاط الفقهى او يشاب بما يخرجه عن اطار المنهج القرآنى فى المعرفه من اجل الوصول الى الاحكام الالهيه، بينما خرج كل من اصحاب القياس واصحاب المدرسه الظاهريه عن النسق المعرفى المطلوب قرآنيا من الانسان العاقل واللبيب. وقد عرف جمله من الفقهاء علم الفقه بانه: العلم بالاحكام الشرعيه الفرعيه عن ادلتها التفصيليه. وهذا التعريف يستبطن امرين: الاول: خروج عصر التشريع - وهو عصر النبى(ص) - عن مراحل تاسيس وتطور الفقه، فانه -كما يبدو من الاسم العصر الذى ولدت فيه النصوص والادله الفقهيه، وليس هو عصر الاستدلال والاستنباط. الثانى: ان عصر الائمه المعصومين(ع) الذين دابوا على تبيين وتفسير ما ورد عن النبى(ص) وما جاء فى القرآن الكريم، لا يعتبر من عصور علم الفقه، لان الائمه(ع) كانوا يوفرون الادله والنصوص -كالنبى(ص) للماده الفقهيه التى يراد تربيه الفقهاء على تعلمها وتعلم طريقه الوصول الى الاحكام من خلالها. وعلى هذا الاساس، فالفقه الماثور او الفقه الروائى -الذى بدا تدوينه من زمن الامامين الباقر والصادق(ع) واستمر تكامله فى عصر الغيبه الصغرى - لا يعد من الفقه الاستدلالى المتداول، ومن هنا اخرجه جمله من مورخى علم الفقه الاسلامى عن عصور ومراحل تطور الفقه الاسلامى الامامى، معتبرين ممارسه الاستدلال من قبل الفقهاء الاماميين فى نهايات الغيبه الصغرى هى مبدا تاسيس علم الفقه الامامى. وبناء على هذا نميز بين عصر التشريع وعصر ما بعد التشريع الذى ينقسم بدوره الى دورين متميزين هما: دور التفسير والتبيين والتدوين للنصوص الشرعيه، والذى يدخل فى ضمنه جمع وتبويب النصوص الشرعيه المسمى بالفقه الماثور، ثم دور الاستدلال والاستنباط، والذى نسميه بالفقه الاجتهادى المصطلح. ولنا ان نقسم دور الفقه الاجتهادى الى مراحل شتى بحسب طبيعه التطور الذى طرا على طرائق الاستدلال الذى مارسه الفقهاء طيله هذه القرون بدء بالقرن الرابع وانتهاء بالقرن الخامس عشر. 3 - مورخو الفقه الاسلامى الامامى: اهتم فقهاونا فى العقود المتاخره بتدوين تاريخ الفقه الامامى، واثمرت جهودهم مجموعه قيمه فى هذا الحقل تشير الى ما رايناه واطلعنا عليه حسب التسلسل التاريخى للتدوين او النشر. واليك القائمه التاليه باهم هذه المصادر التى ارخت للفقه الاسلامى الامامى: 1 - محمود شهابى: ادوار الفقه فى ثلاثه اجزاء1367ه.ق.2 - محمد باقر الصدر(قدس سره): مقدمه المعالم الجديده 1385ه.ق.3 - محمد مهدى الاصفى: مقدمه الروضه البهيه 1386ه.ق.4 - هاشم معروف الحسنى: تاريخ الفقه الجعفرى 1388ه.ق.5 - ابوالقاسم گرجى: نگاهى به تحول علم اصول 1393ه.ق.6 - على كاشف الغطاء: ادوار علم الفقه واطواره 1399ه.ق.7 - مرتضى مطهرى: خدمات متقابل اسلام وايران.8 - محمد ابراهيم جناتى: كيهان انديشه، سيرى در ادوار فقه 1403ه.ق.9 - حسين مدرسى طباطبائى: مقدمه اى بر فقه شيعه 1407ه.ق.10 - محمد مهدى الاصفى: مقدمه رياض المسائل 1411ه.ق.11 - محمد مهدى الاصفى: مقدمه الفوائد الحائريه 1414ه.ق.12 - عبدالهادى الفضلى: تاريخ التشريع الاسلامى 1415ه.ق.13 - ابوالقاسم گرجى: تاريخ فقه وفقها(ع)1418ه.ق.14 - جعفر سبحانى: طبقات فقهاء الشيعه 1419ه.ق.4 - ملاكات تحديد مراحل الفقه الاجتهادى: انتهج مورخو الفقه الاسلامى الامامى عده مناهج لتحديد مراحل تطور الفقه الامامى تبعا لاختلاف زوايا النظر الى هذا الفقه. وكان ممن ادلى بدلوه فى هذا المضمار فقيه مدرسه اهل البيت سماحه آيه اللّه السيد محمود الهاشمى دام ظله، حيث انه قصر النظر على طبيعه الماده الفقهيه التى تكاملت بالتدريج من دون ملاحظه اى عامل او ظرف او النتائج او الموضوعات المبحوثه لدى الفقهاء، وارتاى تقسيمها الى ست مراحل كما يلى:1 - مرحله التاسيس للفقه الاجتهادى (الاستدلالى).2 - مرحله الانطلاق.3 - مرحله الاستقلال.4 - مرحله التطرف.5 - مرحله الاعتدال.6 - مرحله الكمال. وقد تميز هذا التقسيم عن سائر التقسيمات التى وردت فى سائر مصادر تاريخ الفقه الاسلامى الامامى، وذلك لانه لم ينظر الا الى طبيعه الماده الفقهيه وما اتصفت به من اوصاف ترتبط بطبيعه ومنهج الاستدلال ومدى عمقه واعتداله وتطرفه واستقلاله، وجاءت التسميه باعتبار الصفه الظاهره المميزه لكل مرحله. ويعتبر هذا المنهج فى التقسيم منهجا متميزا عن سائر المناهج التى نلاحظها فى المصادر المشار اليها من قبل.

وكان من المفروض ان يتكامل هذا المنهج ضمن تدريس هذه الماده التاريخيه الحيه فى الدوره المعده لتربيه المحققين لدائره معارف الفقه الاسلامى على مذهب اهل البيت(ع)، ولكن لم يحالفنا التوفيق الا بمقدار اعداد فهرس تفصيلى لكل مرحله كدليل مرشد للمحققين فى هذا المجال.

5 - نقاط الفراغ فى دراسه تاريخ الفقه الاسلامى الامامى:

ان الدراسه العلميه الدقيقه لمراحل تطور الفقه الاسلامى الامامى تتطلب توفر عنصرى الاستيعاب والاستقراء لكل الاثار الفقهيه لجميع فقهائنا. وان جل او كل الدراسات التاريخيه الفقهيه بالرغم من تضلع واحاطه الباحثين وجلاله مرتبتهم العلميه الفقهيه لا تعتمد على عنصرى الاستيعاب والاستقراء، فهى دراسه تعتمد على الحدس والتخمين قبل ان تنتهج الارقام من خلال الاستقراء والاستيعاب.

ومن هنا فالمجال للبحث التاريخى الفقهى بشكل علمى خصيب جدا، بل يعد هذا النوع من البحث التاريخى الفقهى حديثا، والباحث لابد ان يعتبر نفسه فى بدايه الطريق، فان بعض ما كتب فى هذا المجال لا يعدو ان يكون عباره عن عده فرضيات تحتاج الى توثيق واكمال، ولعله بعد البحث الاستقرائى المستوعب يصل الى نتائج جديده ويحصل على نظريات لم يسبق بها.

6 - ملاحظات للمحققين والمعنيين بهذا الدليل:

1 - ان هذا التحديد والتقسيم لا يتنافى مع سائر التقسيمات التى انطلقت من زوايا اخرى لتقسيم مراحل الفقه الامامى، لاختلاف زاويه النظر فى هذا عما سواه.

2 - ان هذا التحديد ليس حديا، بل لوحظ فيه التيار الغالب لكل مرحله، وهو تقسيم تقريبى، بمعنى ان الحديه الزمنيه والحديه فى تحديد الاتجاه الغالب تكونان حسب الحدس الناشى من الممارسه ومطالعه المصادر الفقهيه الموجوده.

3 - بالامكان ان يحدث اى تغيير فى التحديد والتقييم بعد استقراء واستيعاب المصادر ودراستها بدقه من اجل تدوين تاريخ كامل للفقه الاجتهادى الامامى.

4 - اقتصرنا فى هذه المعلومات على ما عرف بين مورخى الفقه لحد الان وبالامكان اضافه نقاط او تغيير الراى فى نقاط اخرى بعد الاستقراء والاستيعاب للمصادر.

5 - التلخيص والفهرسه والاكتفاء بالاجمال انما هو للاثاره من اجل التحقيق، فهو دليل للمحقق والباحث وليس مقالا علميا لكل المعنيين بمعرفه تاريخ الفقه الاسلامى الامامى.

مرحله التاسيس

الخصائص والمميزات:

1 - تم تدوين موسوعتين حديثيتين فقهيتين هما: الكافى للكلينى المتوفى (329ه )، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق المتوفى (381ه )، وكان هذا العمل الموسوعى قد وفر للفقهاء اهم ادوات الاستنباط، لان الحديث (السنه) الموروث من النبى(ص) واهل البيت(ع) يشكل احد اهم المصادر الفقهيه التى يرجع اليها الفقيه فى مقام الاستنباط، كما هو واضح.

2 - عرف الفقه الامامى الاثنا عشرى بفقه النص، حيث كان الاجتهاد عند الاماميه هو الاجتهاد فى فهم النص وتطبيقه على موارده ومصاديقه، خلافا لاجتهاد الراى الذى كان يبتنى على تجاوز النصوص وتجاوز دلالاتها الى موارد لا تمت اليها بصله الا على اساس الاستحسان والقياس.

وتوسع الفقهاء فى عمليات الاستنباط متجاوزين النصوص الى اكتشاف موارد التطبيق، وهذه هى عمليه التفريع او ارجاع الفروع الى الاصول، وذلك على اساس موازين علميه تبتنى على اصول التفاهم العرفى والاصول العقليه المنطقيه المتداوله فى عمليه التشريع وعمليه التبيين والتفسير.

ومن هنا نلاحظ نوعين من كتب الفقه فى هذه المرحله: كتب الفقه الماثور، وكتب فقهيه اضيفت اليها مسائل فقهيه غير موجوده فى نصوص الاحاديث.

3 - كانت الاصول والقواعد العلميه المتبعه فى مقام الاستنباط قد تبلورت بالتدريج من خلال عمليات الاستنباط الفقهى المستمر خلال اربعه قرون، واخذت بعد تبلورها تستعد للانفصال عن علم الفقه المعهود، وشهدت العقود الاولى من القرن الخامس الهجرى بدايات هذا الانفصال، وقد تمثل ذلك فى كتابين مهمين:

الاول: التذكره باصول الفقه للشيخ المفيد (413ه).

الثانى: الذريعه الى اصول الشريعه للسيد المرتضى (436ه).

4 - بالرغم من ارساء عمليه الاستنباط على قواعد علميه معينه وبالرغم من تجاوز تعابير النصوص الى دلالاتها التضمنيه والالتزاميه، كان التحفظ فى التفريع وتجاوز نصوص الاحاديث ظاهره بينه فى هذه المرحله.

5 - بالرغم من اعتماد علم الفقه على الاخبار الحاكيه عن السنه بشكل واسع نجد ظاهره ادانه العمل باخبار الاحاد والاهتمام بالاجماعات امرا ملفتا للنظر.

6 - بالرغم من تاكيد القرآن الكريم على اهميه التعقل والاستفاده من العقل نجد عمليات استنباط الاحكام فى الفقه الشيعى تجتنب التوغل فى الاعتماد على العقل ولا تفسح المجال لتدخل العقل فى التشريع او ما يستتبع التشريع من عمليات استظهار النصوص وتوظيفها للوصول الى احكام القضايا المستجده، اذ تتحفظ فى استخدام العقل تحفظا يحول دون التدخل فى التشريع.

وفى هذه المرحله من تاريخ تطور الفقه الشيعى نلاحظ بدايات فسح المجال للعقل فى عمليه الاستنباط ولكن بتحفظ كبير من جانب الفقهاء، كما نجد تحديد مجال الاستفاده من العقل فى الاستنباط فى خلاصه التذكره باصول الفقه باعتباره اول كتاب اصولى شيعى يصل الينا.

7 - وفى بدايه القرن الخامس نلاحظ بدايات الاهتمام بالفقه المقارن، فالمفيد والمرتضى قد دونا مسائل من الفقه المقارن بين المذهب الشيعى وسائر المذاهب الاسلاميه، كما نلاحظ ذلك فى كتابى الانتصار والناصريات للمرتضى والاعلام للمفيد.

8 - كما ان الكلام الشيعى كان مورد هجوم المذاهب الاسلاميه الكلاميه كذلك الفقه الشيعى كان مورد نقد لعلماء سائر المذاهب، وكان المفيد والمرتضى قد كرسا بعض جهودهما للرد على الشبهات المثاره من قبل علماء العامه.

9 - ونلاحظ فى هذه المرحله ثلاثه اتجاهات فقهيه تمثلت فى الاتجاه الروائى البحت، والاتجاه العقلى، والاتجاه الذى يحاول التاليف بينهما ويهتم بالعقل والنقل معا، ويحدد لكل منهما مساره ومورد الاعتماد عليه. وقد مثل المفيد والمرتضى الاتجاه الثالث الذى تبلورت فيه روى وافكار الاتجاهين السالفين.

وقد امتد هذا الاتجاه ونما وغلب على المدرسه الفقهيه الشيعيه بعد المرتضى حتى يومنا هذا.

مرحله الانطلاق

1 - تحديدها: تبدا هذه المرحله بالعقدين الاخيرين من حياه الشيخ الطوسى(قدس سره) اى فى اواخر النصف الاول من القرن الخامس الهجرى، وتنتهى بظهور المحقق الحلى(قدس سره)، اى منتصف القرن السابع الهجرى.

وتمثلت هذه المرحله فى ثلاث مدارس مهمه احتضنت فقهاء هذه المرحله وهى: مدرسه النجف ومدرسه حلب ومدرسه الحله.

2 - اهم خصائص هذه المرحله: اذا كان القرن الرابع هو قرن تاسيس الفقه الاجتهادى المصطلح لمدرسه اهل البيت(ع) الفقهيه، فالقرن الخامس قد شهد تطورا ملموسا بعد المفيد والمرتضى اللذين مثلا اتجاها جديدا فى الجمع بين الاتجاه الحديثى والاتجاه العقلى. واخذ هذا الاتجاه بالتطور بعد ان تبناه الشيخ الطوسى وضمنه عناصر القوه والابداع من خلال الاعتناء برفع نقاط الضعف، والدفاع العلمى المتين عن حقانيته، والرد على الشبهات التى كان يثيرها كل من اصحاب الاتجاه العقلى والاتجاه الروائى وفقهاء الجمهور وهم يرون تطورا ملحوظا تحققه مدرسه الشيخ الطوسى العملاقه.

قام الشيخ الطوسى بمهمه تطوير هذا الاتجاه الفقهى الذى ورثه من استاذيه المفيد والمرتضى على عده اصعده وفى عده مجالات:

المجال الاول: تقنين عمليه الاستنباط استمرارا على الخط الذى بداه المفيد ثم طوره المرتضى فى مجال فصل علم اصول الفقه عن الفقه واستقلاله بالبحث والتدوين. وقد تمثل هذا العمل فى تدوين كتاب عده الاصول الذى فاق الكتب الاصوليه السابقه عليه، واخترق الحوزات العلميه واصبح محورا للتدريس الى قرون متاخره، كما يبدو جليا من خلال الشروح والتعليقات التى كتبت على هذا الكتاب الاصولى حتى القرن العاشر الهجرى.

المجال الثانى: اعتمد البحث الفقهى للاتجاه الوسط الذى مثله الشيخ المفيد على النقل والعقل معا، واعتمد النقل على الكتاب والسنه، والتى استند لكشفها الى الاحاديث الواصله عن اهل البيت(ع)، وتتقوم دراسه الاحاديث بدراسه السند والدلاله معا. واعتمدت عمليه تقويم السند على ادوات التقويم المتمثله فى مصادر التوثيق الرجاليه. وقد وفق الشيخ الطوسى(رحمه اللّه) لتوفير هذه الادوات وتقنين عمليه التقويم وتطبيقها، وقد اثمرت هذه الجهود تبنى اتجاه اخبار الاحاد على اساس علمى خلافا لما كان يوكد عليه المرتضى والمفيد من قبل، حيث انكرا حجيه اخبار الاحاد واتجها الى الاجماع والعقل.

فكانت للشيخ الطوسى عده اعمال موسوعيه حديثيه ورجاليه تمثلت فى تدوين موسوعتين فقهيتين حديثيتين هما التهذيب والاستبصار، ومجموعه كتب رجاليه هى: اختيار معرفه الرجال، والرجال، والفهرست. بالاضافه الى فهرس النجاشى الذى ساهم بتوفير الماده اللازمه لغرض اكمال عمليه التوثيق الرجالى الذى يهم الفقيه الذى يتبنى حجيه اخبار الاحاد ويشيد فقهه على اساسها.

المجال الثالث: ان تقنين عمليه الاستنباط -المتمثله فى تدوين القواعد الاصوليه -وتوفير ادوات الاستنباط لا تكفى للاستنباط والتفقه فى الدين بشكل اجتهادى، بل لابد من تطبيق منهج الاستنباط ايضا. وهذا ما قام به الشيخ الطوسى - فى تهذيب الاحكام - حين قرر شرح كتاب المقنعه للشيخ المفيد شرحا استدلاليا ينحو باتجاه اثبات الاراء الفقهيه الوارده فى المقنعه او اثبات آرائه الفقهيه، لذا فتهذيب الاحكام ليس كتابا حديثيا محضا.

على ان مشكله الاخبار المتعارضه التى حفلت بها مدرسه اهل البيت(ع) الفقهيه لاسباب شتى قد عالجها الشيخ الطوسى فى كتاب الاستبصار. ومن هنا اصبح هذا الكتاب ممثلا لممارسه فقهيه استدلاليه بالاضافه الى تضمنه للاخبار.

وبهذا وفر الشيخ الطوسى للفقيه كل ادوات الممارسه الفقهيه الاجتهاديه نظريه وتطبيقا. وهذه خطوه كبيره وعملاقه فى مجال الفقه الاجتهادى اذا ما قيست الى ما سبق الشيخ الطوسى من جهد فقهى فى الساحه العلميه لمدرسه اهل البيت الفقهيه.

المجال الرابع: وقام الشيخ الطوسى ايضا بثلاث خطوات اخرى كانت رائده ان لم تكن تاسيسيه، فالفقهاء الذين سبقوه بالرغم من تصديهم للتفريع واستنباط احكام الفروع التى لم تذكر فى نصوص الروايات الواصله اليهم، لكنهم لاجل التحفظات الكبيره التى كانت تحيط بهم وتسيطر على الوسط العلمى السائد آنذاك لم يجترئوا او لم تسنح لهم فرصه التفريع واظهار عظمه الفقه الامامى من هذه الجهه.

ولعل اسهاب المدارس الفقهيه الاخرى التى اعتمدت الراى (المتمثل فى القياس والاستحسان) فى التفريع، وتضخم الماده الفقهيه لديها بالرغم من محدوديه النصوص الروائيه المرتبطه بالاحكام، بالاضافه الى توجيه النقد الى المدرسه الفقهيه الاماميه من هذه الجهه تضعيفا لها، هو الذى كان قد ساهم فى اقتناع الطوسى بان يقوم بحركه رائده تحقق هدفين مهمين فى آن واحد:

احدهما: هو قدره الفقه الشيعى على مسايره الزمن بالرغم من تحفظه بالنسبه للراى (القياس والاستحسان)، وذلك لامكان الافتاء على اساس الاجتهاد المتحفظ (اجتهاد النص) لا اجتهاد الراى، لان التصور السائد لدى اصحاب الراى كان يرتكز على ان قله النصوص لا تنسجم مع خلود الشريعه ومسايرتها لتطورات الزمن، ولا يمكن حل هذه الازمه الا بالرجوع الى اجتهاد الراى وتوظيف القياس والاستحسان والمصالح المرسله وسنه الصحابى وما شاكلها من مبانى وحجج جديده قد تستطيع ان تسعف الفقيه فى مقام الاستنباط.

وثانيهما: ان الفقه الشيعى بالرغم من اصراره على محاربه اجتهاد الراى، وثباته على اجتهاد النص، وتحفظه من ادخال عناصر استحسانيه عقليه ظنيه الى مجال الاستنباط، فانه يستطيع ان يسبق الفقه الاخر فى هذا المضمار، فالفقه الشيعى فقه رائد على اى حال، وهو لم ينحرف عن اصوله العلميه التى تبناها وشيد اسسها الائمه الاطهار(ع) خلال ثلاثه قرون من الممارسه الفقهيه الدائبه تحت اشرافهم وتوجيههم المباشر.

لكن هذه المحاوله الرائده باعتبار انها كانت تحاكى الفقه التفريعى السنى وتحاول الاستباق معه، لم تسلم من دخول عنصر التقليد والمحاكاه فى بعض الاحيان وانطباع الفقه التفريعى الشيعى بطابع ومسحه من الفقه السنى. وقد اعتقد بعض كبار فقهاء الاماميه بان الفقه الشيعى ناظر فى انجازاته العلميه الى الفقه السنى، ولا يمكن تحقق فهم الفقه الشيعى بشكل تام الا لمن يفهم الفقه السنى بشكل تام، وذلك لان الفقه السنى كان فقه الدوله وكان الفقه الحاكم على الساحه، ولم يسع الفقهاء الشيعه الا ان ياخذوا هذا الفقه بنظر الاعتبار، وكان لابد لهم من اتخاذ المواقف الفقهيه المنسجمه مع الاصول والمبانى الفقهيه الاماميه فى الوسط الذى يعيشون فيه، فان التعايش كان واقعا مفروضا عليهم، ولا اقل من التاثر بالفقه الحاكم الى فتره او فترات كى يتسنى للفقيه الشيعى ان يستقل ويمحو آثار التاثر بالفقه الحاكم، والفقه الذى كان يسايره الفقهاء اما للدفاع او لاكتساب مقام الرياده التى تقتضى وجود موارد الشبه والاشتراك والتقدم كى يمكن تحقق المباراه والاستباق والاقناع بالتقدم والافضليه.

وكانت فتره الانتقال هذه من جو المحاكاه الى جو الاستقلال قد طالت قرنين على الاقل، اذ نرى فى كتابات المحقق ومن تلاه تطورا وتميزا على كتابات الشيخ الطوسى من هذه الجهه.

وعلى اى حال فالمبسوط للشيخ يعبر عن محاوله رائده للتوسع فى المسائل الفرعيه الفقهيه توسعا كبيرا يمكن فهم مدى عظمه هذا العمل الريادى اذا قسنا النهايه للشيخ الطوسى او المقنعه للمفيد الى المبسوط الذى كتبه الشيخ، وهو دوره فقهيه موسعه تفوق عن اربعه اضعاف النهايه، او المقنعه من حيث حجم الماده الفقهيه المطروحه فيها.

المجال الخامس: كانت محاوله اثبات الرياده للفقه الشيعى تتطلب من الشيخ الطوسى المبدع والموسس لمدرسته الفقهيه الرائده ان يقوم - بالاضافه الى التوسع والبسط فى التفريع - بعمليه المقارنه بين الفقه الامامى وسائر المدارس الفقهيه، وهذا هو الذى انتهى به الى ان يكتب (الخلاف)، وهو كتاب موسع يعتمد المقارنه، وهو يشير فى آن واحد الى خصائص الفقه الشيعى مقارنا مع الفقه غير الشيعى بشتى مذاهبه، كما يشير الى مدى عظمه الفقه الشيعى وقدرته على مسايره الزمن بالرغم من تحفظه تجاه استخدام العقل فى مجال الاستنباط.

والفقه المقارن قد بدا به كل من السيد المرتضى والشيخ المفيد، وتشير آثارهما الفقهيه الى وجود تطور ملحوظ فى الطرح ومقدار حجم البحوث المقارنه من عصر المفيد الى عصر المرتضى، ولكن الفقه المقارن الموسوعى والمستوعب لكل ابواب الفقه وبشكل موسع فى كل باب هو الذى قام به الشيخ الطوسى الرائد، فسجل لنفسه رقما قياسيا فى هذا المضمار.

المجال السادس: ان اعتماد القرآن الكريم فى عمليه الاستنباط الفقهى كمصدر اساسى للفقيه الى جانب السنه النبويه وسنه اهل البيت(ع) التى اغنت المدرسه الفقهيه الاماميه امر مهم، ويشكل نقطه قوه لهذه المدرسه التى حملت شعار (الكتاب والعتره) وحاربت شعار الاكتفاء بالكتاب وترك العتره.

وتمثل الاهتمام بالدراسات القرآنيه والافاده منها فى المجال الفقهى فى مولفات الشيخ الطوسى، فكتاب (التبيان) يعكس مدى الاهتمام البالغ من قبل الشيخ فى الجانب القرآنى، وهو بلا شك عامل كبير فى انطباع الفقه الشيعى بالطابع القرآنى. وقد اثمرت جهود الشيخ ومدرسته الرائده فى ان يحظ ى الفقه الشيعى بكتاب رائد فى فقه القرآن خاصه، وهو ما كتبه قطب الدين الراوندى (573ه) بعد قرن من محاوله الشيخ القرآنيه، وهو كتاب يمتاز بحيويته ونضجه حتى عصرنا هذا بالرغم من اغناء الفقهاء المكتبه الفقهيه بالتراث الفقهى القرآنى خلال عشره قرون من الممارسه الفقهيه المستمره.

/ 1