التـلقيح - تلقیح نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تلقیح - نسخه متنی

سید محسن خرازی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




التـلقيح


آية اللّه السيّد محسن الخرازي


إنّ التلقيح له صور مختلفة ، وقد تختلف أحكام هذه الصور تكليفا ووضعا ، لذا فسنبحث حكم كل صورة علي حدة :


الصورة الاُولي


ما إذا اُلقي مني الزوج بوسيلة ما في رحم زوجته أو مني المالك في رحم مملوكته .


ولا يخفي أنّ ذلك جائز في نفسه ؛ إذ لا منع من هذه الكيفية وإن لم تكن عاديّة ، ولو شكّ في حلّيتها أو حرمتها فمقتضي البراءة الشرعية والعقلية هو الجواز .


نعم ، لو توقّفت هذه الكيفيّة علي مقدّمات محرّمة ـ ككون الملقّح أجنبياً ، أو استلزام التلقيح للنظر إلي ما لا يجوز النظر إليه ولو لم يكن الملقّح أجنبياً ، أو استلزام إخراج المني بالاستمناء ـ يجب الاحتراز عن ذلك ؛ لوجوب الاجتناب عن المقدّمات المحرّمة .


وهذا بخلاف ما إذا لم تتوقّف علي هذه الاُمور كما إذا فرض أنّ النطفة خرجت بوجه محلّل ولقّحها شخص الزوج بزوجته ، فلا وجه للحرمة كما لا يخفي .


ثمّ إنّ الولد المتكوّن من هذا الطريق الجديد ولد لهما حقيقةً وإن كانت المقدّمات محرّمة ؛ لأنّ المفروض أنّ الولد خلق من مائهما ولا مدخلية للجماع ، ولذا لو أفرغ الزوج ماءه خارج الفرج ثمّ جذبه إليه ـ بنفسه أو بإعانة ـ فلا ريب في أنّ الحمل منه والولد لهما ، ولا اصطلاح خاصّ في الولادة ، ولا نهي شرعي في مثل المقام ، فصدق الولد عليه كافٍ في ترتّب جميع أحكامه .


الصورة الثانية


فيما إذا كان التلقيح بماء غير الزوج فهل يجوز ذلك أم لا يجوز ؟


ذهب سيّدنا الإمام المجاهد قدس سره إلي عدم الجواز ( 1 ) .


واستُدلّ له بآيات كريمة وروايات شريفة وغيرهما :


أمّا الآيات ، فمنها :


1 ـ قوله تعالي ـ في وصف الموءمنين والمصلّين ـ : « وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلي أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَي وَرَاءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْعَادُونَ »( 2 ) .


بدعوي : أنّ حفظ الفرج عن غير الزوجة وملك اليمين مطلق يشمل كلّ حفظ ، فيعمّ حفظه عن الجماع والتفخيذ وإرسال منيّه إلي فرج امرأةٍ غيرها ، فمن لم يحفظ فرجه وصبّ ماءه في رحم امرأة محرّمة ولو بمثل الوسائل الحديثة فهو عادٍ وعاصٍ .


واُورد عليه : بأنّ المنصرف القطعي من حفظ الفرج علي النساء أن لا يستمتع بفرجه بهنّ وأن لا يباشرهنّ بفرجه بالجماع وسائر الاستمتاعات ، فحفظ الفرج عليهن كناية عن خصوص الاستمتاع بهنّ بالفرج ، ولا يعمّ مثل صبّ قطرة من ماء خرج من الفرج بواسطة شيءٍ غيرِ الفرج ـ كيد زوج المرأة مثلاً ـ في فرجهنّ من دون مقدّمات محرّمة .


اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ حذف المتعلّق في الآية يدلّ علي لزوم حفظ الفرج حتي عن الاستيلاد بالنحو المذكور ، فلا وجه لدعوي الانصراف لو كان إطلاق .


نعم ، يمكن أن يقال : إنّ الآية الكريمة بقرينة ما قبلها وبعدها في مقام وصف الموءمنين بأوصاف مذكورة إجمالاً وليست في مقام بيان تفصيلها ، ولذلك لا إطلاق لها بحيث يشمل الاستيلاد بالطرق الحديثة .


2 ـ اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّه يكفي للاستدلال قوله تعالي في سورة النور : « قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ـ إلي قوله : ـ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ »( 3 ) الآية ؛ إذ المقام مقام بيان غضّ البصر وحفظ الفرج ، ومقتضي الإطلاق هو عدم جواز مثل الاستيلاد ؛ لأنّ حذف المتعلّق يدلّ علي الإطلاق والتعميم .


3 ـ قوله تعالي : « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ... وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ »( 4 ) .


بدعوي : أنّ الطوائف المذكورة قد حكم بكونها محرّمة علي الرجال ، والحرمة هي الممنوعية ، وحيث إنّها مطلقة اُسندت إلي الذوات دلّت علي حرمة كلّ فعل يتعلّق بهنّ ، فيحرم تلقيح الماء في رحمهنّ حتي لو كان بوسيلةٍ غيرِ الفرج أيضاً .


واُورد عليه : بأنّ الاستدلال بالآية الكريمة ضعيف ؛ من جهة انصراف الحرمة في أمثال المقام ـ بمناسبة الحكم والموضوع ـ إلي خصوص النكاح والاستمتاع بهنّ . ولذلك قال في زبدة البيان : « الظاهر أنّ المراد تحريم نكاحهنّ ؛ لما تقدّم وتأخّر ، وللتبادر من مثله كتبادر الأكل في « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ »( 5 ) ، ولعدم تحريم الذات ، والنكاح أولي ما يمكن تقديره » ( 6 ) .


ولعلّ مراده بقوله : « ما تقدّم وتأخّر » هو الذي أشار إليه في كتاب « كلمات سديدة » من قوله تعالي في الآية الثانية بعد ذكر المحصنات : « وَأُحِلَّ لَكُم مَا وَرَاءَ ذلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ »( 7 ) ؛ فإنّ ظاهره أنّ ما أحلّ اللّه للرجال من سائر النساء التي ما وراء ذلكم فهو محرّم منهنّ وهو العقد بهنّ والازدواج معهنّ بالصداق ، وقوله تعالي في الآية السابقة علي الآيتين : « وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ . . . »( 8 ) الآية ؛ فإنّه ظاهر وقرينة علي أنّ مورد الكلام في هذه الآيات هو النكاح بالنساء ، والآيات في مقام بيان الحلال والحرام منهنّ في هذه الجهة( 9 ) .


ولقائل أن يقول : إنّ موارد الاستشهاد لا تدلّ علي انحصار مدلول آية تحريم الاُمّهات في النكاح لو لم نقل بانصرافها عن غير النكاح . هذا مضافاً إلي منع دعوي الانصراف والتبادر إلي خصوص النكاح ، بل حذف المتعلّق يدلّ علي إرادة عموم ما يتعلّق بهنّ من النكاح والاستمتاعات والاستيلاد .


نعم ، يمكن أن يقال : إنّ الآية الكريمة حيث كانت في مقام ذكر موارد المحرّمات من النساء ـ نسبية كانت أو رضاعية أو سببية ـ لا إطلاق لها بالنسبة إلي خصوصيات المحرّم وكيفيّاته ، وعليه فلا تشمل الاستيلاد بالطرق الحديثة .


وأمّا الروايات ، فمنها :


1 ـ ما رواه محمّد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ، عن عثمان بن عيسي ، عن عليّ بن سالم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة رجل أقرّ نطفته في رحم يحرم عليه » ( 10 ) .


بدعوي : أنّ ظاهر الحديث أنّ العذاب الشديد مترتّب علي إقرار النطفة في الرحم الذي يحرم عليه بحيث لو زني الزاني وعزل ماءه لما تحقّق موضوع لهذا العذاب الأشدّ ، فيدلّ الحديث دلالة واضحة علي أنّ نفس جعل نطفته في رحم يحرم عليه معصية كبيرة .


وحينئذٍ ، فكونه بالزني والجماع طريق عادي للوصول إلي هذا الأمر المحرّم ، وإلاّ فإذا أوجده بطريق آخر غير عادي أيضاً لما كان شكّ في حصول موضوعه وشمول الإطلاق له وترتّب حكم الحرمة عليه .


وفي التعبير بالنطفة ـ التي هي أمشاج من منيّ الرجل وبييضة المرأة ـ دلالة علي أنّ تمام موضوع الحرمة هو عقد النطفة بماء امرأة محرّمة عليه ، فلو كان مجرّد إفراغ المني من دون أن ينعقد به نطفة لما تحقّق موضوع هذا الحرام .


وبالجملة ، فالمتحصّل من مثل هذا الحديث ـ إذا لوحظ مع أدلّة حرمة الزني ـ أنّ نفس الزني والإيلاج حرام ، ووضع نطفته المنعقدة من منيّه وبييضة المزني بها في رحمها حرام آخر ، وهو ـ لا سيّما بتناسب الحكم والموضوع ـ مطلق يعمّ ما إذا كان بطريق الإفراغ العادي أو بطريق آخر ؛ فإنّ الحرام إنّما هو إقرار النطفة في رحم يحرم عليه فارغاً عن خصوصية أسبابه ( 11 ) .


وفيه :


أوّلاً : إنّ الخبر ضعيف بعليّ بن سالم لجهالته ، اللّهمّ إلاّ أن يكتفي بنقل ابن أبي عمير عنه .


وثانياً : إنّ إقرار النطفة في الرحم منصرف إلي الزني والإيلاج والإدخال حتي يتحقّق الإقرار في الرحم ، ويوءيّده كون فاعل ذلك أشدّ عذابا يوم القيامة من جميع الناس ؛ إذ مجرّد صبّ المني في الفرج المحرّم ليس أشدّ عذاباً من الزني من دون إفراغ المني ، كما أنّه ليس له حدّ الزاني ، ويوءيّده ورود أشدّ العذاب في المعاصي الكبيرة العظيمة ، كقوله عليه السلام : « إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة من وصف عدلاً ثمّ خالفه إلي غيره » ( 12 ) ، وكقول الصادق عليه السلام : « إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة سبعة نفر : أوّلهم ابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود الذي حاجّ إبراهيم في ربّه ، واثنان من بني إسرائيل هوّدا قومهم ونصّراهم ، وفرعون الذي قال : أنا ربّكم الأعلي ، واثنان من هذه الاُمّة » ( 13 ) . وغير ذلك ، ولا أقلّ من الشكّ ، فلا يشمل مثل المقام .


ثمّ لا شاهد في التعبير بالنطفة علي أنّ تمام موضوع الحرمة هو عقد النطفة بماء امرأة محرّمة عليه ؛ فإنّ إسناد النطفة إلي من أقرّ دون صاحب الرحم المحرّم عليه ظاهر في خصوص نطفة المقرّ لا نطفة مركّبة من الرجل وبيضة المرأة ، واستعمال النطفة في بعض الموارد بذلك المعني لا يدلّ علي أنّه المراد في جميع الموارد ، ويوءيّده ما سيأتي من الأخبار من التعبير بإفراغ الماء .


وثالثاً : إنّ غاية مفاده هو حرمة إقرار صاحب النطفة ، فلا يشمل ما إذا أفرغ شخص منيّه في وعاء ثمّ أقرّه زوج امرأة في رحم زوجته ؛ فهو أخصّ من المدّعي .


والقول : بأنّ الإفراغ للإقرار يوجب إسناد إقرار الزوج أو المرأة إليه ، كما تري ؛ لقوّة المباشر في الإقرار ، كما لا يخفي .


وممّا ذكر يظهر ما في الاستدلال بما رواه الصدوق في الفقيه ( 14 ) جازماً ومرسلاً عن النبيّ صلي الله عليه و آله وسلم وفي الخصال بإسناده عن ابن الوليد ، عن سعد بن عبداللّه ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود ، قال : سمعت غير واحد من أصحابنا يروي عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : قال النبيّ صلي الله عليه و آله وسلم : « لن يعمل ابن آدم عملاً أعظم عند اللّه تبارك وتعالي من رجل قتل نبيّاً أو إماماً ، أو هدم الكعبة التي جعلها اللّه عزّوجلّ قبلة لعباده ، أو أفرغ ماءه في امرأة حراماً » ( 15 ) .


لما عرفت من الانصراف إلي الزني مع إفراغ الماء في رحم محرّم عليه ، كما يناسبه تشديد العذاب عليه وجعله في عداد قتل النبي أو الإمام أو هدم الكعبة .


ودعوي ظهور الحديث في الإفراغ ولو بدون الزنا ، بعيدة جدّاً .


هذا ، مضافاً إلي احتمال أنّ الحرام وصف للإفراغ ، ومع هذا الاحتمال لا يدلّ إلاّ علي المنع عن الإفراغ الحرام ، فلا يصلح للتمسّك به في المقام ؛ لأنّه تمسّك بالعام في الشبهات الموضوعية ؛ إذ حرمة الإفراغ بالطريق المفروض أوّلُ الكلام . اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الحرام وصف للمرأة لقربه منها ، فافهم .


علي أنّ سند الرواية لا يخلو من الضعف من جهة الإرسال وجهالة القاسم بن محمّد ، إلاّ أن يقال : إنّ الإسناد الجزمي من الصدوق مع تصريح جامع الرواة بوحدة القاسم بن محمّد الإصبهاني والقاسم بن محمّد الجوهري والقاسم بن محمّد القمّي ؛ لاشتراكهم في الراوي والمروي عنه ، ونقل الأجلاّء كابن أبي عمير وصفوان عن الجوهري ، يكفي في الاعتبار .


ثمّ إنّ التعبير بالإفراغ في هذه الرواية شاهد علي أنّ المراد إقرار النطفة أيضاً هو ذلك ، لا عقد مني الرجل مع مني المرأة ، فالحديث كالحديث السابق يدلّ علي تغليظ حرمة المركّب من الأمرين ، وهما : الزني ، مع إفراغ الماء وإنزاله ، ومن المعلوم أنّه أشدّ عذاباً من نفس الإيلاج والإدخال الذي هو الزني من دون إفراغ ؛ لأنّه ـ مضافاً إلي كونه زني ـ سبب لانعقاد النطفة بوجه غير مشروع .


2 ـ ما رواه في الكافي عن محمّد بن أحمد ، عن أبي عبداللّه الرازي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبي عبداللّه الموءمن ، عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الزني أشدّ أو شرب الخمر ؟ وكيف صار في الخمر ثمانين وفي الزني مئة ؟ فقال : « يا إسحاق ، الحدّ واحد ، ولكن زِيد هذا لتضييعه النطفة ، ولوضعه إيّاها في غير موضعها الذي أمره اللّه عزّوجلّ بـه » ( 16 ) .


بدعوي : أنّه عليه السلام علّل ضرب العشرين جلدة المزيدة في حدّ الزني باستلزامه تضييع النطفة ، فقد دلّ علي أنّ تضييع النطفة حرام حتي أنّه أوجب زيادة العشرين جلدة علي ما هو الحدّ الواحد .


وقد فسّر تضييع النطفة المذكور فيه بقوله عليه السلام : « ولوضعه إيّاها في غير موضعها الذي أمره اللّه عزّوجلّ به » .


والظاهر أنّ المراد بالنطفة هي المركّبة من مني الرجل وبييضة المرأة ، وهي أوّل ما يخلق من مبدأ نشوء الإنسان ، كما في موثّقة إسحاق بن عمّار الواردة في النهي عن شرب الدواء المسقط للحمل من قول أبي الحسن عليه السلام : « إنّ أوّل ما يخلق النطفة » ( 17 ) .


وحينئذٍ ، فوجه إسناد وضع النطفة ـ في ظاهر الحديث ـ إلي الرجل مع أنّه لا يضع إلاّ ماءه ومنيّه هو أنّ إفراغه لمائه هو السبب القوي في تكوّن نطفة الإنسان وقرارها في رحم المرأة .


فقد دلّ الحديث علي أنّ إقراره لنطفته المتكوّنة من مائه وبييضة المرأة في غير موضعها الذي أمره اللّه عزّوجلّ به حرام ، وهذا عنوان عامّ يشمل ما كان بالطريق المتعارف وما كان بالطريق المفروض فيما نحن فيه ؛ وذلك لما مرّ من أنّ المستفاد من مثله أنّ تمام الموضوع والموجب للحرمة هو وضع النطفة وإقرارها في غير موضعها الذي أمره اللّه به ، وهو صادق علي مفروض ما نحن فيه .


ولو سلّم أنّ المراد بالنطفة مجرّد منيه فلا ينبغي الشكّ في أنّ المقصود من « وضعها في غير موضعها المأمور به » ليس مطلق قرارها في غير رحم زوجته حتي يعمّ مثل العزل الذي قد وردت أخبار مستفيضة بجوازه وإن أمر مائه بيده يصرفه حيث يشاء لا سيّما إذا رضيت به زوجته ، بل المراد به خصوص وضعها في رحم غير زوجته ، فيساوق ما مرّ في خبر الخصال بقوله عليه السلام : « أفرغ ماءه في امرأة حراماً » ( 18 ) .


وفيه :


أوّلاً : إنّ الرواية لاشتمالها علي المجاهيل ضعيفة .


وثانياً : إنّ الحكمة المذكورة ليست عامّة بل مختصّة بالزاني . وحاصله : أنّ الزاني حيث ضيّع نطفته بحسب الغالب ـ إذ ربّما لا يوجب الإنزال ـ استحقّ المزيد من الحدّ علي حدّ الشارب ، ولا يستفاد منه حرمة مطلق الوضع مع عدم صدق التضييع ، ووضع النطفة في غير الموضع المأمور به ـ أي الحرام ـ مشكوك الصدق علي المقام .


هذا ، مضافاً إلي أنّه لا أظنّ أحداً يلتزم بحرمة تضييع النطفة مطلقاً ولو لم يرتكب محرّماً آخر .


3 ـ ما ورد في لزوم الاحتياط في باب الفروج والاستيلاد ، كصحيحة شعيب الحدّاد قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل من مواليك يقرئك السلام ، وقد أراد أن يتزوّج امرأة ، وقد وافقته وأعجبه بعض شأنها ، وقد كان لها زوج فطلّقها علي غير السنّة ، وقد كره أن يقدم علي تزويجها حتي يستأمرك فتكون أنت تأمره . فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « هو الفرج وأمر الفرج شديد ، ومنه يكون الولد ، ونحن نحتاط ، فلا يتزوّجها » ( 19 ) .


والشبهة موضوعية لا حكمية ؛ إذ الإمام عليه السلام لم يحتط فيها بل بيّن حكمها ، ثمّ إنّ وجه الاحتياط لعلّه لأنّ الطلاق البدعي علي أقسام : منها باطل إن صدر منّا ، كطلاق الحائض بعد الدخول مع حضور الزوج معها أو مع غيبته من دون مضي المدّة المشترطة ، وهكذا النفساء ، أو كطلاقها في طهر المواقعة ، ومنها صحيح ، كطلاق الثلاث مترتّبةً ؛ بمعني إنشاء الطلاق ثلاث مرّات في مجلس واحد ، فإنّه ـ كما صرّح في الجواهر ـ لا خلاف في وقوع الواحدة به ( 20 ) . وحيث إنّ الراوي لم يعيّن الموضوع علم أنّه لم يتمكّن من إحراز كيفيّة وقوع الطلاق البدعي فصار مشتبهاً ، فأوصي ـ الإمام عليه السلام في مفروض المسألة ـ بالاحتياط وترك التزويج . ولا ينافي هذه الرواية ما دلّ علي صحّة طلاق الثلاث وحسابها واحدة إذا اجتمعت الشرائط ؛ لأنّ الرواية في مورد الشبهة لا العلم بالكيفية . هذا ، مضافاً إلي أنّ النسبة بينهما هي الإطلاق والتقييد .


وأمّا حمل الرواية علي الأولوية والاحتياط دون الحكم والوجوب ، ففيه : أنّه غير واضح بعد كون بعض أقسام مورد الرواية باطلاً ، فلا يجوز تزويج زوجة الغير . هذا ، مضافاً إلي عدم مناسبة تشديد أمر الفرج مع الأولوية والاستحباب ، فالظاهر من الرواية هو الأمر بالاحتياط في باب النكاح والاستيلاد فيما إذا لم يجرِ أصل منقّح ـ كالاستصحاب ـ للجواز ، ولكن الرواية في الشبهات الموضوعية ، وكلامنا في حكم التلقيح الصناعي ، وهو شبهة حكمية .


اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الاحتياط إذا كان لازماً في الشبهات الموضوعية المذكورة يكون الأمر كذلك في الشبهات الحكمية بطريق أولي .


4 ـ ما رواه الشيخ قدس سره بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن الحسن بن موسي الخشّاب ، عن عليّ بن حسّان ، عن علي بن عقبة ، عن موسي بن اكيل النميري ، عن العلاء بن سيابة ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة وكّلت رجلاً بأن يزوّجها من رجل ـ إلي أن قال : ـ فقال عليه السلام : « إنّ النكاح أحري وأحري أن يحتاط فيه ، وهو فرج ومنه يكون الولد . . . » الحديث ( 21 ) .


وطريق الشيخ إلي العلاء صحيح ، ولكن لا توثيق للعلاء نفسه إلاّ أن يكتفي بما يظهر من جامع الرواة من أنّ ابن أبي عمير روي عنه ( 22 ) .


وكيف كان ، فالإمام عليه السلام في هذه الرواية بعد تصريحه بصحّة تزويج الموكّل قبل إعلام العزل إليه أمَرَ بالاحتياط في أمر النكاح ، والشبهة فيه شبهة حكمية . والإمام عليه السلام اعترض علي من أفتي ببطلان التزويج لو كان بعد العزل ولو لم يعلمه بالعزل ، ومع هذا الاعتراض لا يكون الأمر بالاحتياط أمراً استحبابياً ، كما لا يخفي .


وعليه ، فمقتضي تعليل الاحتياط في الفرج والنكاح بكونه منشأ للولد هو لزوم الاحتياط في التلقيح الصناعي ، ولا مجال للرجوع إلي البراءة في مثله . فالمستفاد من هذه الروايات هو لزوم الاحتياط في الشبهات الموضوعية والحكمية في النكاح والاستيلاد ، ويعتضد ذلك بما تقرّر في محلّه من عدم جواز الرجوع إلي البراءة العقلية والشرعية في الشبهة الموضوعية والمصداقية في باب الدماء والفروج والأعراض والنفوس مستدلاًّ باهتمام الشارع بحفظ هذه الموارد ، وهو يمنع عن الترخيص في الاقتحام في شبهاتها وكاشف عن إيجاب الاحتياط ؛ فلهذا لو رئي شبح من بعيد لم يُعلم أنّه مهدور الدم أو محقونه لا يجوز رميه .


قال شيخنا الاُستاذ الأراكي قدس سره : « ففي صورة الشكّ في تحقّق الموضوع وعدمه وإن كان الشكّ من جهة نفس الموضوع شكّاً في الموضوع لكن ما هو المضاف إلي هذا الموضوع من الاحترام والحفظ منقّح الموضوع ، فإنّ حفظ الشيء من التلف يصدق حقيقة في مورد احتماله كما أنّ عدم المبالاة فيه صادق حقيقة علي ترك الحفظ ولو لم يكن لنفس الشيء تحقّق وواقعيّة .


وبالجملة ، حال الحفظ حال الاحتياط ، فكما أنّه صادق في مورد احتمال الضرر ولو لم يكن ضرر واقعاً وتركه تهوّر كذلك أيضاً ولا يدور شيء منهما مدار وجود الواقع بل الاحتمال هو الدخيل التامّ في صدقهما ، فكذلك الحفظ ورعاية الجانب ، فإذا رأيت شخصاً واحتملت كونه مسلماً ورميته فقد صدق عليك أنّك ما حافظت عن نفس المسلم وصرت بمقام تعريضه في الخطر ، فأنت فاعل للحرام وإن كان المرمي كافراً واقعاً ، وهكذا لو سلكت طريقاً لا يؤمن اللص أو السبع فيه ، فأنت بنفس السلوك مندرج في عنوان من لا يتقيّد بحفظ نفسه من الوقوع في معارض الخطر ومظانّه ولو فرض أنّه لم يعترضك شيء منهما في الطريق .


ومن هذا يعلم أنّ حكمهم بعصيان سالك الطريق المظنون الضرر ـ فيجب عليه إتمام الصلاة ولو انكشف عدم الضرر ـ علي طبق القاعدة ، وليس من باب التجرّي في شيء » ( 23 ) .


وعلي هذا ، لا شبهة موضوعية أو مصداقية في البين ؛ لأنّ الدليل متكفّل لإثبات الحرمة والاحترام والرعاية والحفظ في هذه الموضوعات الواقعية .


ثمّ قال قدس سره : « وعلي هذا فلا مساغ للرجوع إلي أصل البراءة ، لكن لا ينافي هذا مع جريان الأصل المنقّح للموضوع نفياً وإثباتاً ، فإذا كان عدم الضرر له الحالة السابقة يجري الاستصحاب ويحكم بجواز السلوك ، وكذلك بجواز الصوم لو شكّ في كونه ضررياً أم لا مع سبق عدم ضرريّته ، وهكذا لو كان مسبوقاً بالكفر أو عدم الإيمان أو التجاهر أو عدم الكراهة جاز استصحاب ذلك ـ إلي أن قال ـ : إنّ الحكم وإن رتّب علي الاحتمال والاحترام بنحو تمام الدخل لكن من المعلوم أنّ الواقع علّة لهذا الحكم ، فهو وإن لم يكن حيثيّة تقييدية لكنّه حيثية تعليلية ؛ فإنّ الشارع إنّما حرّم الإقدام والاقتحام في محتمل الضرر لكون النفس والعرض من المسلم عنده محترماً وذا شأن ، فإذا قام أصل علي نفي هذه العلّة وأنّ هذا موضوع لا يري له الشارع شأناً واحتراماً فلا محالة يكون حاكماً علي الدليل الدالّ علي احترام الموءمن ووجوب احتفاظ دمه وعرضه ؛ فإنّ الدليل لسانه في مورد الشكّ أنّ الموءمن ذو شأن عند الشارع فاحتفظه ، والأصل لسانه أنّ هذا الشخص ليس موءمناً قد أوجب الشارع احترامه وحمايته ، ومن المعلوم حكومة هذا علي الأوّل ـ ثمّ قال ـ : والحاصل : إنّ مورد الاحتمال وإن حكمنا بكونه مشمولاً للدليل ومورداً للتمسّك به لكنّه ما دام لم يكن حاكم عليه فإذا كان الاستصحاب موجوداً فهو حاكم علي ذلك الدليل ، وبهذا الأصل نرفع اليد عن ذلك الدليل ، فافهم واغتنم » ( 24 ) .


ومع دلالة بعض الأخبار علي لزوم الاحتياط في الفرج والاستيلاد لا وجه لتخصيص دائرة الاحتياط بمورد النكاح والدماء والفروج ، فكما أنّ الاحتياط فيها مطلوب كذلك في الاستيلاد . هذا ، مضافاً إلي أنّ الإحصان والعفّة ممّا أكّد عليهما الشارع المقدّس ؛ لأنّ قوام العائلة بهما ، وينافيهما عدم حفظ الرجل ماءه عن الأجنبية وعدم حفظ المرأة فرجها عن ماء غير زوجها .


علي أنّ دعوي قيام سيرة المتشرّعة علي الاجتناب عن مياه غير الأزواج ولو مع عدم تمكّن الأزواج من الاستيلاد غير مجازفة ، والقول بعدم اتّصالها إلي زمان المعصوم أو أنّها مستندة إلي الفتاوي غير مسموع .


وأيضاً تجويز التلقيح الصناعي بماء الأغيار مع عدم إقامة الشهود واختفاء الفعل يوجب اختلاط الأنساب وذهابها ، لا سيّما إذا كان صاحب الماء غير معلوم ، وقد دلّ بعض الأخبار علي أنّ من حكمة تحريم الزني هو ذهاب الأنساب :


فقد روي الصدوق بإسناده عن محمّد بن سنان ، عن الرضا عليه السلام فيما كتب إليه من جواب مسائله : « وحرّم اللّه الزني لما فيه من الفساد ؛ من قتل النفس ، وذهاب الأنساب ، وترك التربية للأطفال ، وفساد المواريث ، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد » ( 25 ) .


وروي أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ـ في حديث ـ أنّ زنديقاً قال له : لِمَ حرّم اللّه الزني ؟ قال : « لما فيه من الفساد وذهاب المواريث وانقطاع الأنساب ، لا تعلم المرأة في الزني من أحبلها ، ولا المولود يعلم من أبوه ، ولا أرحام موصولة ، ولا قرابة معروفة . . . » الحديث ( 26 ) .


وربّما يقرّب الاستدلال بهما : بأنّهما تدلاّن علي أنّ ذهاب الأنساب سرّ من أسرار حرمة الزني ، فهو أمر مبغوض يجب الاجتناب عنه مهما كان ، وكونه حكمة لا يدور حرمة الزني مدارها لا يضرّ بالقول بحرمة كلّ عمل اشتمل علي هذه الحكمة ؛ فإنّ الحكمة لا تقصر عن العلّة في موارد ثبوتها بل تزيد عليها في موارد انتفائها ؛ فإنّ الحكمة بمثابة من الأهمّية توجب احتمالها ومظنّتها إنشاء الحكم بنحو الإطلاق بخلاف العلّة ، وتمام الكلام في محلّه ( 27 ) .


اللّهمّ إلاّ أن يقال : الرواية الاُولي ضعيفة من جهة اشتمال طريق الصدوق إلي محمّد بن سنان علي القاسم بن الربيع الصحّاف وعليّ بن عبّاس وهما ضعيفان ، هذا مع الغمض عن محمّد بن سنان ، والرواية الثانية ضعيفة من جهة الإرسال .


هذا ، مضافاً إلي أنّ الاُمور المذكورة ـ من حكم جعل الشارع وتشريعه حرمة الزني ومعمّميّة الحكمة ـ متوقّفة علي الإحاطة بعدم المانع في سائر الموارد ، وهو أوّل الكلام ، فتأمّل .


وكيف كان ، فتحصّل ممّا ذكر ـ من تماميّة دلالة بعض الآيات والروايات ، ومقتضي العفّة والإحصان ، وقاعدة الاحتياط في النفوس والأعراض والدماء والأموال ـ هو لزوم الاجتناب عن تلقيح ماء الأجنبي .


حكم الولد بالنسبة إلي صاحب الماء :


ثمّ إنّ المتكوّن من طريق التلقيح من ماء الأجنبي المعلوم هو ولد لصاحب الماء وصاحب الماء أب له ؛ لصدق عنوان الأب والابن عرفاً ؛ إذ المعيار فيه هو تكوّنه من ماء صاحب الماء وهو حاصل .


وما في الجواهر ـ من أنّ مجرّد كون الماء من شخص لا يكفي في لحوق الولد شرعاً ؛ ضرورة كون الثابت من النسب فيه الوط ء الصحيح ولو شبهةً ، وليس هذا منه ، وليس مطلق التولّد من الماء موجباً للنسب شرعاً ؛ ضرورة عدم كون العنوان فيه الخلق من مائه ، والصدق اللغوي بعد معلومية الفرق بين الإنسان وغيره من الحيوان بمشروعيّة النكاح فيه دونه ، بل المراد منه تحقّق النسب ( 28 ) ـ منظور فيه :


أوّلاً : بأنّه لا دليل علي دخالة الوط ء الصحيح في صدق الولد وتحقّق النسب شرعاً ، كما يشهد له انتساب عيسي ـ علي نبيّنا وآله وعليه السلام ـ إلي مريم وآبائها عليهم السلام مع أنّه لا وط ء فيه ، وأيضا انتساب الولد المنخلق من ماء الزوج إلي أبيه شرعاً ولو لم يتحقّق الوط ء ؛ بأن أنزل ماءه علي فرج زوجته وجذبته إليه ، وكذلك انتساب الولد إلي الزوج شرعاً إذا وطئ زوجته في حال الحيض أو النفاس أو الصوم مع أنّه لم يقع الوط ء الصحيح .


وعليه ، فلا مجال لدعوي دخالة الوط ء الصحيح في تحقّق النسب شرعاً ، كما لا دخالة له في صدق الولد عرفاً . ويدلّ علي عدم دخالة الوط ء ما ورد ـ في قضيّة الشيخ الكبير الذي نكح جارية حدثة فصارت الجارية حاملاً مع أنّ الشيخ لم يجامعها وإنّما أنزل الماء في قبلها من غير وصول إليها بالافتضاض ـ من أنّ أمير الموءمنين عليه السلام قـال : « الحمل له ، والولد ولـده » ( 29 ) .


نعم ، يكون الوط ء الصحيح مقارناً غالبياً له ، ومع عدم دليل علي لزوم ذلك فلا وجه لرفع اليد عن المعيار العرفي في صدق الولد والنسب من تكوّن الولد من ماء صاحب الماء .


ثمّ إنّ نفي الولدية في الزني ـ بمثل قوله عليه السلام : « الولد لُغْية ( ملغي ) لا يورث » في خبر محمّد بن الحسن الأشعري ( 30 ) ؛ أو قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي : « أيّما رجل وقع علي وليدة قوم حراماً ثمّ اشتراها فادّعي ولدها فإنّه لا يورث منه شيء ؛ فإنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ولا يورث ولد الزني إلاّ رجل يدّعي ابن وليدته » ( 31 ) ، وغير ذلك من الأخبار ـ مخصوص بالزني ، فلا يشمل مثل المقام .


وإلحاقه بالزني في نفي الولدية لا دليل له بعد عدم صدق الزني عليه ، بل إجراء حكم الزني عليه قياس ؛ لأنّه إسراء حكم من موضوع إلي موضوع آخر .


والقول بأنّ الملاك في نفي الولد في الزني هو عدم وجود العلقة الشرعية بينهما وهو جارٍ في مثل التلقيح الصناعي ، غير سديد بعد عدم معلوميّة الملاك ، ولعلّ للوط ء مدخلية في ذلك ، كما أنّه موجب للحدّ الشرعي . وعليه فمع صدق العناوين من الابن والولد والأب والوالد تشمله الأدلّة الدالّة علي أحكام الولد والوالد ، ولا ينافي الصدق المذكور اقتران التلقيح بمقدّمات محرّمة وعدمه . هذا ، مضافاً إلي أنّه لو وقع خطأً فاشتبه منيّ زوجها بمنيّ الأجنبي لم تقع مقدّمات محرّمة ، بل هو كالوط ء بالشبهة .


وثانياً : إنّ مناقشة صاحب الجواهر المذكورة مع قطع النظر عن النصوص ، وإلاّ فهي اجتهاد في مقابل النصّ ، ويكفي في ذلك الروايات المستفيضة الواردة في حكم ما لو جامع الرجل امرأته فساحقت جارية فحملت :


منها : ما رواه محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عمرو بن عثمان وعن أبيه جميعاً ، عن هارون بن الجهم ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر وأبا عبد اللّه عليهما السلام يقولان : « بينما الحسن بن علي عليهما السلام في مجلس أمير الموءمنين عليه السلام إذ أقبل قوم فقالوا : يا أبا محمّد ، أردنا أمير الموءمنين عليه السلام قال : وما حاجتكم ؟ قالوا : أردنا أن نسأله عن مسألة ، قال : وما هي تخبرونا بها ؟ فقالوا : امرأة جامعها زوجها ، فلما قام عنها قامت بحموتها ( 32 ) فوقعت علي جارية بكر فساحقتها ، فألقت النطفة فيها فحملت ، فما تقول في هذا ؟ فقال الحسن عليه السلام : معضلة وأبو الحسن لها ، وأقول فإن أصبت فمن اللّه ثمّ من أمير الموءمنين ، وإن أخطأت فمن نفسي ، فأرجو أن لا اُخطئ إن شاء اللّه : يعمد إلي المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أوّل وهلة ؛ لأنّ الولد لا يخرج منها حتي تشقّ فتذهب عذرتها ، ثمّ ترجم المرأة لأنّها محصنة ، ثمّ ينتظر بالجارية حتي تضع ما في بطنها ، ويردّ الولد إلي أبيه صاحب النطفة ، ثمّ تجلد الجارية الحدّ . قال : فانصرف القوم من عند الحسن عليه السلام فلقوا أمير الموءمنين عليه السلام فقال : ما قلتم لأبي محمّد ، وما قال لكم ؟ فأخبروه ، فقال : لو إنّني المسوءول ما كان عندي فيها أكثر ممّا قال ابني » ( 33 ) .


ومنها : ما رواه الصدوق رحمه الله بإسناده عن عليّ بن أبي حمزة ، عن إسحاق ابن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « إذا أتي رجل امرأة فاحتملت ماء ( ماءه ) فساحقت به جارية ( جاريته ) فحملت ، رجمت المرأة وجلدت الجارية واُلحق الولد بأبيه » ( 34 ) . وغير ذلك من الأخبار .


وهذه الروايات تدلّ علي أنّ الولد لصاحب النطفة ، وهي معمول بها ، ولا يضرّ بالعمل بها ما حكي عن ابن إدريس من أنّ أصحابنا لا يرجمون المساحقة ، فلا يجتري علي رجمها بخبر واحد لا يعضده كتاب أو سنّة متواترة أو إجماع ( 35 ) ؛ لعدم ثبوت مدّعاه ؛ لما حكي عن الشيخ والقاضي وابن حمزة من أنّهم عملوا بها في الرجم أيضاً ، وعلي فرض التسليم فعدم العمل مخصوص بتلك الفقرة .


ثمّ إنّ الروايات وإن كانت واردة في مورد معلومية صاحب الماء لكن تعليق الحكم بالوصف في قوله عليه السلام : « يرد الولد إلي أبيه صاحب النطفة » يشعر بأنّ الولد لصاحب النطفة معلوماً كان أو مجهولاً ، فتدبّر .


ولا مجال للحكم بكون الولد للزوج مستدلاًّ بقوله عليه الصلاة والسلام : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » ( 36 ) ؛ لأنّ الولد متكوّن من ماء غير الزوج يقيناً ، ومعه لا مجال للأخذ بقوله : « الولد للفراش » ؛ لأنّه أمارة فيما إذا شكّ أنّ الحمل منه أو من الغير ، وأمّا إذا علم أنّه من الغير فلا معني لجعل الأمارة فيه ، كما لا يخفي .


ومورد الأخبار الدالّة علي أنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر هو صورة التداعي والشكّ ، فراجع ( 37 ) .


نعم ، لو لقّحت نطفة الأجنبي في الزوجة وقاربها زوجها ثمّ حملت واحتمل أنّ الولد من ماء الزوج صحّ الأخذ بعموم ما ورد « الولد للفراش » للحكم بكون الولد للزوج .


ثمّ إنّه حكي عن ابن إدريس أنّه قال ـ في إلحاق الولد بصاحب الماء في فرض مساحقة زوجته مع غيرها ـ : إنّ الولد غير مولود علي فراش الرجل فكيف يلتحق به ( 38 ) ؟ !


ويمكن الجواب عنه : بأنّ قوله عليه السلام : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » لا يدلّ علي حصر الولد في الفراش حتي ينافي إلحاق الولد في الصورة المذكورة وإنّما هو في مقابل الزاني ، فالولد في الفرض المذكور ملحق بصاحب الماء ؛ لأنّه ماء غير زانٍ ، وقد انخلق منه الولد فيلحق به شرعاً ؛ لأنّه الموافق للعرف واللغة ، وأقصي ما هناك أنّ الزاني خارج منه فيبقي غيره .


والأولي من ذلك ما إذا وقع التلقيح بتوهّم أنّ الماء ماء زوجها أو بتوهّم أنّ المرأة زوجته فبان الخلاف ؛ فإنّ المورد المذكور كالوط ء بالشبهة .


حكم الولد بالنسبة إلي المرأة :


أ ـ إن كانت المرأة الملقّحة بماء غير الزوج ذات بيضة وانعقدت نطفة الغير مع نطفتها فالولد متكوّن منها أيضاً كما أنّه متكوّن من صاحب الماء ، ومع كون تكوّنه منهما يصدق أنّها اُمّه وأنّه ولدها كما يصدق أنّه ولد لصاحب الماء وأنّه أب له ، ومع صدق هذه العناوين تترتّب عليها أحكامها .


لا يقال : إنّ ظاهر قوله عليه السلام في صحيحة محمّد بن مسلم : « ويردّ الولد إلي صاحب النطفة . . . » من دون ذكر انتسابه إلي الاُمّ هو اختصاص صاحب النطفة بالولد ، فهو ينافي كونه ولداً بالنسبة إلي المرأة .


لأنّا نقول :


أوّلاً : إنّ الرواية ساكتة من جهة نسب المرأة ولا تدلّ علي نفي الولدية عنها ، ومجرّد قوله : « يردّ الولد إلي صاحب النطفة . . . » لا يدلّ علي النفي ؛ إذ إثبات شيء لا ينفي ما عداه .


وثانياً : إنّه من الممكن أن تكون المساحقة كالزني في إيجاب نفي الولد ، وحيث إنّ الجارية طاوعت في ذلك كانت كالزانية ، ولذا لم ينسب الولد إليها ، فتأمّل .


وثالثاً : إنّ السكوت لعلّه من جهة مفروغية انتساب الولد إلي الجارية ، فافهم .


وكيف كان ، فمع عدم وضوح دلالة الرواية علي نفي الولد بالنسبة إلي الاُمّ لا وجه لرفع اليد عن حكم العرف بالولدية ؛ لوجود معيارها وهو انخلاق الولد من مائها أيضاً .


ب ـ وإن كانت المرأة عقيما فلقّحت نطفة الرجل مع بيضة مرأة اُخري غير عقيمة فانعقدت نطفة الولد ، فهل يلحق بالمرأة صاحبة البيضة أم بالاُخري التي تصير ملقّحة ؟ هنا وجوه :


الوجـه الأوّل : هو ما ذهب إليه السيّد الخوئي قدس سره من أنّ المرأة المذكورة التي زرع المنيّ في رحمها اُمّ للولد شرعاً ؛ فإنّ الاُمّ هي المرأة التي تلد الولد ، كما هو مقتضي قوله تعالي : « الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِن نِسَائِهِم مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ »( 39 ) . . . إلخ ( 40 ) .


وحاصله : أنّ الاُمّ ـ كما صرّحت الآية الكريمة ـ هي التي تلد الولد سواء كانت صاحبة البيضة أم لم تكن .


وفيه : أنّ الحصر في الآية الكريمة إضافي ؛ حيث كان ذلك في مقابل ما كانوا يتوهّمونه من الحرمة الأبدية لزوجاتهم بالظهار بمثل قولهم لهنّ : « أنتِ عليَّ كظهر اُمّي » ، فقال سبحانه وتعالي في ردّهم بأنّ هذا القول لا يوجب صيرورة الزوجة اُمّاً لزوجها حتي تترتّب عليها أحكام الاُمومة ، بل الاُمّ هي التي ولدته ، فلا تدلّ الآية إلاّ علي نفي الاُمومة عن اللاّتي ظاهرهنّ أزواجهنّ .


وأمّا اعتبار التولّد في صدق الاُمومة في جميع الموارد حتي مثل المقام فلا تكون الآية في مقام بيانه ، فلا دخالة للتولّد في الاُمومة ، ويشهد لذلك أنّه لو اُخرج الجنين من غير الموضع الطبيعي لا تصدق الولادة ، ومع ذلك لا ريب في صدق الاُمومة . وعليه فلعلّ ذكر الولادة للطفل بملاحظة كونها أمراً غالبياً أو دائمياً في تلك الأزمنة ، أو لعلّ المراد من الولادة هو تكوّن الولد من مائها كما أنّ بهذا الاعتبار أيضاً يطلق الوالد علي الأب ، فتأمّل .


وأمّا القول بأنّ إطلاق الوالد علي الأب باعتبار كونه سبباً للحمل والوضع فهو ممنوع ؛ لأنّ لازمه هو أن يكون إطلاق الوالد علي الأب مجازاً من باب علاقة السبب والمسبّب ، وهو كما تري .


وكيف كان ، فلا وجه لرفع اليد عن الحكم العرفي في باب الولدية بمثل الآية الكريمة التي لا إطلاق لها بالنسبة إلي المقام ، فالمحكّم هو ما مرّ من أنّ الأب هو صاحب الماء والاُمّ هي صاحبة البيضة .


الوجه الثاني : هو ما ذهب إليه السيّد المجاهد الإمام الخميني قدس سره من أنّه لو ثبت أنّ نطفة الزوجين منشأً للطفل فالظاهر إلحاقه بهما ، سواء انتقل إلي رحم المرأة أو رحم صناعية ( 41 ) .


وقد أوضحه في كلمات سديدة حيث قال : ولا يبعد أن يقال : إنّ ملاك الاُمومة عند العرف مثل ملاك الاُبوّة ؛ وهو كون الطفل في مبدأ خلقته مخلوقاً بمائها ، فإذا كان المفروض أنّ نطفته التي هي مبدأ خلقته وأوّل ما يخلق حاصلة من تركّب ماءين فهذا المخلوق الأوّل هو أوّل مراحل وجود الطفل ، فالطفل بوجوده الأوّل متقوّم ومستند إلي صاحب المنيّ والبييضة ، بل هو مركّب من جزأين كلّ منهما لواحد من صاحبي البييضة والمنيّ ، والتغذّي الذي يلحقه ويحصل له إنّما يوجب نموّه .


فالغذاء الذي يتغذّي به في رحم المرأة كالغذاء الذي يتغذّي به بعد أن تولّد وخرج من الرحم لا يوجب انقلابه عمّا كان عليه من كونه طفلاً لصاحبي الماءين ، فكما أنّه لو أجهض النطفة وربّيت في مصنع معدّ لمثل ذلك إلي أن بلغت مرحلة نفخ الروح وتمكّنت من إدامة الحياة خارج المصنع كسائر أبناء البشر فكما أنّه لا ريب حينئذٍ في أنّه ولد لصاحبي البييضة والمنيّ ، فهكذا إذا كان رحم المرأة مكان ذاك المصنع المفروض ، فالطفل يلحق بصاحبة البييضة ، وهي اُمّ له عند العرف ( 42 ) .


الوجه الثالث : هو ما يظهر من شيخنا الاُستاذ الأراكي قدس سره من الاحتياط ؛ لعدم تمامية الأدلّة المذكورة لتعيين الاُمّ ( 43 ) .


ولعلّ وجه الشبهة هو أنّ مقتضي الآية الكريمة اعتبار الولادة ولو بإمكانها ، فلا ينافي ذلك صدق الاُمومة علي من اُخرج من غير الموضع الطبيعي . ولكن لا إطلاق لها ، وعدم وضوح حكم العرف بانخلاق الولد من ماء المرأة ، مع ذهابهم إلي أنّ الاُمّ هي وعاء . اللهم إلاّ أن يقال : هذا مع عدم علمهم بتأثير بيضة المرأة ، فمع كون امرأة عقيما والتأثير لبيضة امرأة اُخري يحكمون بانخلاقها ممّن لها البيضة .


وكيف كان ، فلو شكّ في اُمومتهما كانت المسألة من أطراف العلم الإجمالي ، ومقتضي القاعدة هو الاحتياط برعاية أحكامهما بينهما ؛ فإنّ الاُمومة ليست خارجة عنهما ، ففي مثل الإرث يكون اللازم هو تصالحهما ، وفي مثل النكاح والنظر ونحوه يكون اللازم هو لزوم الاجتناب علي الولد بالنسبة إليهما ، وعليهما بالنسبة إلي الولد ، وهكذا .


ج ـ هذا كله فيما إذا لم تُزرع بيضة امرأة لها بيضة برحم امرأة عقيم ، وإلاّ فبعد زرعها وصيرورتها جزءً لها فالولد المتكوّن منها ولد للمرأة التي كانت عقيما دون من اُخذت البيضة منها وإن قيل إنّ البيضة واجدة لما يتركّب منها من أوّل الأمر ؛ فإنّ الجزئية أمر عرفي ، فإذا زُرعت وصدقت الجزئية للثانية كان كلّ ما يتولّد منها متولّداً من المرأة التي تكون البيضة جزءً لها فعلاً ، ولذلك قال شيخنا الاُستاذ الأراكي قدس سره هنا : إنّ البيضة إن صارت جزءً لبدن المرأة الثانية كان الولد ملحقاً بها ( 44 ) .


الصورة الثالثة


أن يوءخذ المني أو البيضة من النباتات فيلقح في رحم إنسان فتنعقد النطفة هناك إلي آخر مراتب النمو .


والظاهر عدم دخول شيء منها في موضوع الحرمة المستفادة من الأدلّة ولو بإلغاء الخصوصية ، فيكون الأصل جوازها .


وذلك لعدم صدق إقرار النطفة في رحم الأجنبية بناءً علي تمامية ذلك الدليل علي الحرمة ، فإنّه غير صادق علي المفروض في المقام ؛ لأنّ ظاهره هو إقرار الأجنبي نطفته في رحم يحرم عليه ، وفي المقام ليست النطفة للأجنبي ، كما لا يكون في ذلك مخالفة للإحصان والعفّة أو اختلاط الأنساب وغير ذلك ، ولا يشمله أيضاً قوله تعالي : « وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ »( 45 ) ؛ لانصرافه إلي الحفظ عن الإنسان .


ثمّ إنّ المتولّد من ذلك ليس له أب وإنّما له اُمّ إن كان المأخوذ من النباتات هو المنيّ ، وليس له اُمّ إن كان المأخوذ منها هو البيضة وقلنا بعدم كون المرأة الملقّحة اُمّا ، وليس له أب واُمّ لو كان المأخوذ منها كليهما وقلنا بعدم كون المرأة الملقّحة اُمّاً .


فأولاد الأب والاُمّ من غير هذا الطريق إخوة لمن عدّ ابناً له أو لها ، وأمّا إذا لم يكن ابناً لهما فلا قرابة بينه وبينهما وبين أولادهما .


وهكذا الأمر إذا كان المنيّ والبيضة كلاهما مأخوذين من النباتات وجعلا في رحم صناعية ، فإنّه لا قرابة بين المتولّدين من هذا الطريق وبين غيرهم ، ولذلك يجوز تزويج بعضهم لبعض .


الصورة الرابعة


أن يوءخذ منيّ الزوج وبيضة الزوجة ويركّبان في خارج الرحم ، ثمّ تزرع النطفة بعد مدّة قليلة أو كثيرة في رحم الزوجة .


ولا إشكال فيه لو كان ذلك بمقدّمات غير محرّمة .


ثمّ إنّ الطفل منسوب إليهما ؛ لأنّ انخلاق الطفل من مائهما ، ومجرّد كون التركيب في الخارج لا يضرّ بذلك ، فالطفل ولد لهما .


اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ اللازم في النسب الشرعي هو الوط ء الصحيح وهو غير موجود في المقام ، ولكن عرفت سابقاً عدم دليل علي ذلك وإن ادّعاه صاحب الجواهر قدس سره ، ومجرّد غلبة الوط ء الصحيح في موارد النسب الشرعي لا يدلّ علي الاعتبار ، بل عرفت موارد لم يكن فيها وط ء أو وط ء صحيح ومع ذلك حكم بالنسب الشرعي فيها .


وكيف كان ، فمع عدم وضوح دليل علي ذلك لا وجه لرفع اليد عن الحكم العرفي ؛ لصدق الأب والاُمّ والولد بذلك .


ولعلّ زرعهما في رحم حليلته الاُخري أيضاً كذلك ؛ إذ مع حلّية رحم حليلته الاُخري لا يصدق إقرار النطفة في رحم يحرم عليه بناءً علي تمامية دلالته ، والمرأة قد حملت نطفة زوجها أو سيّدها . وأمّا لزوم المنع من ورود نطفة امرأة اُخري فلا دليل له ، اللّهمّ إلاّ أن يستدلّ بقوله تعالي : « وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ »بدعوي إطلاقه لمثل تلقيح بيضة امرأة اُخري .


وينقدح ممّا ذكر حكم زرعهما في رحم يحرم عليه أيضاً بالأولوية ، ودعوي الانصراف في الآية الكريمة غير ثابتة ، وعليه فلا يجوز إجارة الرحم بهذا المعني .


وهكذا يظهر ممّا ذكر حكم ما إذا لُقّحت بيضة امرأة في رحم امرأة اُخري عقيم فجامعها عقيبه زوجها فحبلت ؛ فإنّ قبول بيضة امرأة ينافي إطلاق قوله تعالي : « وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ » .


نعم ، لو كان تلقيح البيضة من حيوان في رحم امرأة عقيم مثلاً فجامعها زوجها فالظاهر هو الجواز ؛ لعدم دليل علي حرمته ، والآية الكريمة منصرفة عنه .


الصورة الخامسة


أن يوءخذ منيّ الزوج والزوجة ويركّبان في خارج الرحم ثمّ يجعل المزيج منهما في رحم صناعية لتنشئته وتربيته حتي يتكامل ويصير حيّاً سويّاً خارج الرحم من دون وط ء وحمل ووضع وتغذية الاُمّ وغير ذلك .


والحكم العرفي موجود في هذا الفرض أيضاً ، فالزوج أب والزوجة اُمّ ولو لم يقع وط ء وحمل وغير ذلك ، ومع صدق عناوين الأب والاُمّ والولد تترتّب عليها أحكامها ، وأولادهما من غير هذا الطريق إخوة للولد المذكور ، وهكذا .


ولا يضرّ عدم وجود هذا النوع من الأولاد في الصدر الأوّل ؛ لأنّ موضوع الأدلّة ليس مأخوذاً بنحو القضية الخارجية بل بنحو القضية الحقيقية ، فالولد مأخوذ في الأدلّة بأنّ كلّ شيء يوجد ويصدق عليه الولد فحكمه كذا ، ومن المعلوم أنّه صادق علي الولد المذكور .


الصورة السادسة


أن يوءخذ ماء رجل معلوم وبيضة امرأة معلومة من دون أن تكون بينهما علقة الزوجية ويركّبان معا ثمّ يجعل المزيج منهما في رحم صناعية ليتربّي وينشأ ويتكامل ويصير حيّاً سويّاً .


ربّما يقال : إنّ عقد النطفة بالوجه المذكور لا ينبغي الريب في أنّه ليس مشمولاً للعناوين المأخوذة في أدلّة الحرمة ، فإنّها عناوين خاصّة منتزعة من قرار الماء أو النطفة في الرحم ، والمفروض هنا انعقاد النطفة خارج الرحم فلا تعمّه أدلّة الحرمة .


اللّهمّ إلاّ أن تلغي عنها خصوصية قرارها في الرحم ويدّعي أنّ تمام الموضوع إنّما هو انعقاد النطفة بماء الرجل وبييضة امرأة تحرم عليه وأنّ ذكر الرحم مثلاً إنّما هو بلحاظ أنّه كان هو الطريق المتعارف ، أو يقال : إنّ عقد النطفة في المكائن الصناعية الحديثة وضع لها في غير موضعها الذي أمر اللّه عزّوجلّ به ، فيعمّه العنوان المأخوذ في خبر إسحاق بلا حاجة إلي دعوي إلغاء الخصوصية ، لكنّك خبير بأنّ المنصرف من « غير موضعها » هو رحم غير حليلته ، ولا يعمّ مثل المكائن الحديثة .


وأمّا دعوي إلغاء الخصوصية فهي علي عهدة مدّعيها . . . ومع الشكّ وعدم الجزم بها فأصالة البراءة تقتضي الجواز ، وطريق الاحتياط واضح .


هذا كلّه إذا كان الرجل صاحب المنيّ معلوماً ، وأمّا إذا لم يعلم هو بعينه فاللازم من عقد النطفة حينئذٍ ذهاب الأنساب الذي قد عرفت مبغوضيّته شرعاً ( 46 ) .


وفيه : أنّه يكفي لحرمة إعطاء الماء من الرجل والمرأة إلي غيرهما إطلاق قوله تعالي : « وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ »وقوله عزّوجلّ : « وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ » ؛ فإنّ من أعطي ماءه غيره لم يحفظ فرجه عنه . ودعوي الانصراف مع حذف المتعلّق لا وجه لها ؛ فإنّ الحفظ من الوط ء والاستمتاعات والاستيلاد ، والانصراف لو كان فهو بدوي . ولا فرق في ذلك بين معلوميّة صاحب الماء وعدمها .


وممّا ذكر يظهر حكم زرعها بعد عقدها في الرحم ؛ فإنّ ذلك ينافيه إطلاق الآية الكريمة الدالّة علي وجوب حفظ الفرج ؛ إذ من المعلوم أنّ من جعل فرجه في معرض مياه الأغيار لم يحفظ فرجه .


ثمّ لو عصي بأخذ الماء من الطرفين وعقدهما وجعلهما في رحم صناعية فالمتكوّن منهما ولد لهما ؛ فإنّ معيار الاُبوّة هو انخلاق نطفة الطفل من منيّ الشخص فهذا الشخص أب له ، وهكذا ملاك الاُمومة إنّما هو انعقاد نطفته من بيضة الشخص فهذا الشخص اُمّه ، فلا محالة يلحق المولود بصاحب المنيّ فيكون أباه وبصاحبة البيضة فتكون اُمّه ، ولا دخل للحمل والوضـع كما مرّ .


ولا محالة تترتّب عليهما أحكام الأب والاُمّ ، وكذا تترتّب علي سائر من انتسب بهما إلي الطفل الأحكام الخاصّة المترتّبة علي عناوينها ، فأولاد الأب والاُمّ إخوة لهذا الطفل المصنوع خارج الرحم ، وهكذا .


ثمّ إنّ هنا صوراً اُخري :


كأخذ منيّ إنسان وبيضة حيوان وعقدهما وزرعهما في رحم إنسان آخر محلّل أو محرّم أو في رحم حيوان ، أو أخذ بيضة إنسان ومنيّ حيوان وعقدهما وزرعهما في رحم إنسان محلّل أو محرّم أو رحم حيوان ، أو أخذ المنيّ والبيضة من حيوانين أو نباتين أو من نبات وحيوان ، وغير ذلك .


ويظهر حكم هذه الصور ممّا تقدّم ، ولا حاجة إلي تفصيلها وتكرار ما ذكرنا .


مشاهده پاورقيها


مشاهده منابع


پاورقيها:


( 15 ) الخصال 1 : 120 .


( 20 ) الجواهر 32 : 117 .


( 11 ) كلمات سديدة : 81 ـ 82 .


( 19 ) التهذيب 7 : 470 ، ح93 .


( 28 ) جواهر الكلام 41 : 398 .


( 31 ) المصدر السابق : ح 1 .


( 44 ) انظر : المصدر السابق .


( 3 ) النور : 30 ـ 31 .


( 22 ) جامع الرواة 1 : 543 .


( 36 ) الوسائل 26 : 274 ، ب8 ، ميراث ولد الملاعنة ، ح1 .


( 26 ) المصدر السابق : 332 ، ب17 من أبواب النكاح المحرّم ، ح12 .


( 29 ) الوسائل 21 : 379 ، ب16 ، أحكام الأولاد ، ح2 .


( 17 ) انظر : الوسائل 29 : 25 ، ب 7 ، قصاص النفس ، ح1 .


( 23 ) المكاسب المحرمة : 236 ـ 237 .


( 25 ) الوسائل 20 : 311 ، ب1 من أبواب النكاح المحرّم ، ح15 .


( 43 ) استفتاءات ( بالفارسية ) : 250 ، سؤال 7 من المسائل الطبية .


( 27 ) كلمات سديدة : 87 ـ 88 .


( 13 ) الخصال : 346 .


( 39 ) المجادلة : 2 .


( 40 ) مسائل وردود : 99 .


( 41 ) تحرير الوسيلة 2 : 560 ، مسألة 10 .


( 5 ) المائدة : 3 .


( 6 ) زبدة البيان : 523 .


( 12 ) أعلام الدين : 83 .


( 30 ) المصدر السابق 26 : 274 ، ب8 ، ميراث ولد الملاعنة ، ح2 .


( 42 ) كلمات سديدة : 98ـ 99 .


( 46 ) كلمات سديدة : 93ـ 94 .


( 16 ) الكافي 7 : 262 ، ح 12 .


( 37 ) انظر : الوسائل 26 : 274 ، ب8 ، ميراث ولد الملاعنة .


( 21 ) التهذيب 6 : 214 ، ح5 .


( 35 ) الجواهر 41 : 397 .


( 24 ) المصدر السابق : 237 ـ 239 .


( 32 ) أي بشهوتها ، وحمو الشيء حرّه .


( 45 ) النور : 31 .


( 38 ) جواهر الكلام 41 : 398 .


( 10 ) الكافي 5 : 541 ، ح 1 .


( 34 ) الوسائل 28 : 170 ، ب3 ، حدّ السحق والقيادة ، ح5 .


( 7 ) النساء : 24 .


( 9 ) كلمات سديدة : 86 .


( 18 ) كلمات سديدة : 84 ـ 85 .


( 1 ) تحرير الوسيلة 2 : 559 ، المسألة 2 .


( 33 ) الكافي 7 : 202 ح1 .


( 4 ) النساء : 23 و 24 .


( 8 ) النساء : 22 .


( 2 ) الموءمنون : 5 ـ 7 .


( 14 ) الفقيه 3 : 559 .



/ 1