معاني المولى
ذكر اللغويون لكلمة "المولى" عشرين معنى، وهذا هو سبب المناقشة في مفهوم الحديث، فيقول أصحاب القلوب المريضة: لم يظهر لنا المقصود من كلمة "مولاه"، ونجيب عن هذه المناقشة أو التشكيك بهذه الرواية المفسرة لمعنى المولى، فقد روي أن عماراً سأل رسول الله "صلّى الله عليه وآله" عن معنى قوله: "من كنت مولاه فعلي مولاه" قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": الله مولاي: أولى بي من نفسي لا أمر لي معه، وأنا مولى المؤمنين: أولى بهم من أنفسهم، ولا أمر لهم معي، ومن كنت مولاه: أولى به من نفسه لا أمر له معي، فعلي مولاه: أولى به من نفسه لا أمر له معه.
سبحان الله! ما يصنع رسول الله "صلّى الله عليه وآله" يعد هذا التفصيل والتشريح والبيان الكافي الموضح لكلامه والمبين لمقصوده؟ وهل أبقى لأحد شكا؟ وهل بقيت لأحد حجة على الله؟ بل أتم الحجة على الجميع، وأدى رسالة ربه على أحسن ما يرام، وأفضل ما يمكن.
ولسيدنا الحجة المغفور له عبدالحسين شرف الدين "عليه الرحمة" بحث لطيف وتحقيق ظريف حول كلمة المولى نذكره تتميما للفائدة:
"فلو سألكم فلاسفة الأغيار عما كان منه يوم غدير خم فقال لماذا منع تلك الألوف المؤلفة يومئذ عن المسير؟ وعلى م حبسهم في تلك الرمضاء بهجير؟ وفيم اهتم بإرجاع من تقدم منهم وإلحاق من تأخر؟ ولم أنزلهم جميعا في ذلك العراء على غير كلاء ولا ماء؟
ثم خطبهم عن الله عزوجل في ذلك المكان الذي منه يتفرقون ليبلغ الشاهد منهم الغائب، وما المقتضي لنعي نفسه إليهم في مستهل خطابه؟ إذ قال: "يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني مسؤول وإنكم مسؤولون" وأي أمر يسأل النبي "صلّى الله عليه وآله"، عن تبليغه؟ وتسأل الأمة عن طاعتها فيه؟ ولماذا سألهم فقال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق، وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك ولماذا أخذ حينئذ على سبيل الفور بيد علي فرفعها حتى بان بياض إبطيه؟ فقال: يا أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، ولماذا فسر كلمته وأنا مولى المؤمنين بقوله: وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ ولماذا قال بعد هذا التفسير: فمن كنت مولاه فهذا مولاه، أو من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، ولِمَ خصّه بهذه الدعوات التي لا يليق لها إلا أئمة الحق وخلفاء الصدق؟؟ ولماذا أشهدهم من قبل، فقال ألست أولى بكم من أنفسكم؟
فقالوا: بلى.
فقال: من كنت مولاه، فعلي مولاه، أو من كنت وليه، فعلي وليه؟ ولماذا قرن العترة بالكتاب؟ وجعلها قدوة لأولي الألباب إلى يوم الحساب؟ وفيم هذا الاهتمام العظيم من هذا النبي الحكيم؟ وما المهمة التي احتاجت إلى هذه المقدمات كلها؟ وما الغاية التي توخاها في هذا الموقف المشهور؟ وما الشي ء الذي أمره الله تعالى بتبليغه إذ قال عز من قائل: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس"
[ سورة المائدة، الآية: 67.]
وأي مهمة استوجبت من الله هذا التأكيد؟ واقتضت الحض على تبليغها بما يشبه التهديد؟ وأي أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه؟ ويحتاج إلى عصمة الله من أذى المنافقين ببيانه؟ أكنتم بجدك لو سألكم عن هذا كله تجيبونه بأن الله عزوجل ورسوله "صلّى الله عليه وآله" إنما أراد بيان نصرة علي للمسلمين وصداقته لهم، ليس إلا؟ ما أراكم ترضون هذا الجواب، ولا أتوهم أنكم ترون مضمونه جائزا على رب الأرباب، ولا على سيد الحكماء، وخاتم الرسل والأنبياء وأنتم أجل من أن يصرف هممه كلها، وعزائمه بأسرها إلى تبيين شي ء بين لا يحتاج إلى بيان، وتوضيح أمر واضح بحكم الوجدان والعيان، ولا شك أنكم تنزهون أفعاله وأقواله عن أن تزدري بها العقلاء، أو ينتقدها الفلاسفة والحكماء بل لا ريب في أنكم تعرفون مكانة قوله وفعله من الحكمة والعصمة، وقد قال الله تعالى: "إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون"
[ سورة التكوير، الآيات: 19 و 22.]
فيهتم بتوضيح الواضحات وتبيين ما هو بحكم البديهيات، ويقدم لتوضيح هذا الواضح مقدمات أجنبية ولا ربط له بها ولا دخل لها فيه، تعالى الله عن ذلك ورسوله علواً كبيراً وأنت نصر الله بك الحق تعلم أن الذي يناسب مقامه في ذلك الهجير ويليق بأفعاله وأقواله يوم الغدير، إنما تبليغ عهده، وتعيين القائم من بعده، والقرائن اللفظية، والأدلة العقلية، توجب القطع الثابت الجازم بأنه "صلّى الله عليه وآله" ما أراد يومئذ إلا تعيين علي وليا لعهده، وقائما من بعده، فالحديث مع ما قد حفّ به من القرائن نص جلي في خلافة علي لا يقبل التأويل، وليس إلى صرفه عن هذا المعنى من سبيل، وهذا واضح "لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد".
[ سورة ق، الآية: 37.]
أما القرينة التي زعموها فجزاف وتضليل، ولباقة في التخليط والتهويل، لأن النبي "صلّى الله عليه وآله" بعث عليا إلى اليمن مرتين، والأولى كانت سنة ثمان وفيها أرجف المرجفون به وشكوه إلى النبي بعد رجوعهم إلى المدينة، فأنكر عليهم ذلك حتى أبصروا الغضب في وجهه، فلم يعودوا لمثلها، والثانية كانت سنة عشر وفيها عقد النبي له اللواء وعممه "صلّى الله عليه وآله" بيده، وقال له: امض ولا تلتفت.
فمضى لوجهه راشداً مهدياً، حتى أنفذ أمر النبي، ووافاه "صلّى الله عليه وآله" في حجة الوداع، وقد أهلّ بما أهلّ به رسول الله فأشركه "صلّى الله عليه وآله" بهديه، وفي تلك المرة لم يرجف به مرجف، ولا تحامل عليه مجحف، فكيف يمكن أن يكون الحديث مسبباً عما قاله المعترضون؟ أو مسوقاً للرد على أحد كما يزعمون.
على أن مجرد التحامل على علي، لا يمكن أن يكون سبباً لثناء النبي عليه، بالشكل الذي أشاد به "صلّى الله عليه وآله" على منبر الحدائج يوم خم، إلا أن يكون والعياذ بالله مجازفاً في أقواله وأفعاله، وهممه وعزائمه، وحاشا قدسي حكمته البالغة، فإن الله سبحانه يقول: "إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين"
[ سورة الحاقة، الآيات: 43-40.]
ولو أراد مجرد بيان فضله، والرد على المتحاملين عليه، لقال: هذا ابن عمي، وصهري وأبوولدي، وسيد أهل بيتي، فلا تؤذوني فيه، أو نحو ذلك من الأقوال الدالة على مجرد الفضل وجلالة القدر.
على أن لفظ الحديث لا يتبادر إلى الأذهان منه إلا ما قلناه، فليكن سببه مهما كان، فإن الألفاظ إنما تحمل على ما يتبادر إلى الإفهام منها، ولا يلتفت إلى أسبابها كما لا يخفى.
وأما ذكر أهل بيته في حديث الغدير، فإنه من مؤيدات المعنى الذي قلناه، حيث قرنهم بمحكم الكتاب وجعلهم قدوة لأولي الألباب، فقال: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي.
وإنما فعل ذلك لتعلم الأمة أن لا مرجع بعد نبيها إلا إليهما، ولا معول لها من بعده إلا عليها وحسبك في وجوب إتباع الأئمة من العترة الطاهرة اقترانهم بكتاب الله عزوجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكما لا يجوز الرجوع إلى كتاب يخالف في حكمه كتاب الله سبحانه وتعالى، لا يجوز الرجوع إلى إمام يخالف في حكمه أئمة العترة، وقوله "صلّى الله عليه وآله": إنهما لن ينقضيا أو لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، دليل على أن الأرض لن تخلو بعده من إمام منهم، وهو عدل الكتاب، ومن تدبر الحديث وجده يرمي إلى حصر الخلافة في أئمة العترة الطاهرة، ويؤيد ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض الخ...
وهذا نص في خلافة أئمة العترة "عليهم السلام".
وأنت تعلم أن النص على وجوب إتباع العترة نص على وجوب إتباع علي، وهو سيد العترة لا يدافع، وإمامها لا ينازع، فحديث الغدير وأمثاله، يشتمل على النص على علي تارة، من حيث أنه إمام العترة، المنزلة من الله ورسوله منزلة الكتاب، وأخرى من حيث شخصه العظيم وأنه ولي كل من كان رسول الله وليه، انتهى كلام السيد "ره".
أقول: وقد نظم الشعراء من المسلمين وغيرهم على اختلاف لغاتهم قصائد متينة فاخرة اشتهرت على مر القرون، تعطر بها المحافل والنوادي، وينشدها الغادي والبادي، ويترنم بها الموالي والمغالي، وقد ألف علماؤنا موسوعات كبيرة تتضمن الكثير من أشعارهم وقصائدهم وتراجمهم، ومن تلك الموسوعات موسوعة الغدير لشيخنا المفضال الحجة المرحوم الشيخ عبدالحسين الأميني "قدس سره"، فلقد كانت موسوعته إحدى مصادر حديثنا في هذه الليالي.
ومن جملة الذين نظموا واقعة الغدير هو سيدنا ومولانا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" فقد قال:
محمد النبي أخي وصنوي
وجعفر الذي يضحي ويمسي
وبنت محمد سكني وعرسي
وسبطا أحمد ولداي منها
سبقتكم إلى الإسلام طراً
فأوجب لي ولايته عليكم
"الأبيات بصورة أخرى".
"الأبيات بصورة أخرى".
وحمزة سيد الشهداء عمي
يطير مع الملائكة ابن أمي
منوط لحمها بدمي ولحمي
فأيكم له سهم كسهمي
على ما كان من فهمي وعلمي
رسول الله يوم غدير خم
"الأبيات بصورة أخرى".
أخرج الإمام علي بن أحمد الواحدي عن أبي هريرة قال: اجتمع عدة من أصحاب رسول الله "صلّى الله عليه وآله" منهم أبوبكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، والفضل بن العباس، وعمار، وعبدالرحمن بن عوف، وأبوذر، والمقداد، وسلمان، وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، فجلسوا وأخذوا في مناقبهم، فدخل عليهم علي "عليه السلام" فسألهم فيم أنتم؟ قالوا: نتذاكر مناقبنا مما سمعناه من رسول الله.
فقال علي "عليه السلام" اسمعوا مني ثم أنشأ يقول:
لقد علم الأناس بأن سهمي
وأحمد النبي أخي وصهري
وإني قائد للناس طراً
وقاتل كل صنديد رئيس
وفي القرآن ألزمهم ولائي
كما هارون من موسى أخوه
لذاك أقامني لهم إماماً
فمن منكم يعادلني بسهمي
فويل ثم ويل ثم ويل
وويل ثم ويل ثم ويل
وويل للذي يشقى سفاهاً
يريد عداوتي من غير جرم
من الإسلام يفضل كل سهم
عليه الله صلى وابن عمي
إلى الإسلام من عرب وعجم
وجبار من الكفار ضخم
وأوجب طاعتي فرضاً بعزم
كذاك أنا أخوه وذاك اسمي
وأخبرهم به بغدير خم
وإسلامي وسابقتي ورحمي
لمن يلقى الإله غداً بظلمي
لجاحد طاعتي ومريد هضمي
يريد عداوتي من غير جرم
يريد عداوتي من غير جرم
ذكر طائفة كبيرة من أعلام الإمامية والسنة أنه نصب رسول الله "صلّى الله عليه وآله" علياً يوم غدير خم بالخلافة قال حسان بن ثابت: يا رسول الله أقول في علي شعراً؟ فقال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": افعل، فقال:
يناديهم يوم الغدير نبيهم
وقد جاءه جبريل عن أمر ربه
وبلغهم ما أنزل الله ربهم
فقام به إذ ذاك رافع كفه
فقال: فمن مولاكم ووليكم؟
إلهك مولانا وأنت ولينا
فقال له: قم يا علي فإنني
فمن كنت مولاه فهذا وليه
هناك دعا: اللهم وال وليه
فيا رب أنصر ناصريه لنصرهم
إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا
بخمٍ وأسمع بالنبي مناديا
بأنك معصوم فلا تك وانيا
إليك ولا تخشى هناك الأعاديا
بكف علي معلن الصوت عاليا
فقالوا ولم يبدوا هناك تعاميا
ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا
رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فكونوا له أنصار صدق مواليا
وكن للذي عادى علياً معاديا
إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا
إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا
كانت واقعة الغدير من أشهر الأمور الثابتة عند الصحابة والتابعين، ولهذا روي عنهم ذلك نظماً ونثراً، ويمكن لنا أن نقول: إن ثبوت الخلافة والولاية لعلي "عليه السلام" عند الصحابة كان كثبوت نبوة محمد "صلّى الله عليه وآله" عند المسلمين.
ومنهم: قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري سيد الخزرج، قام بين يدي أميرالمؤمنين "عليه السلام" بصفين وقال:
قلت لما بغى العدو علينا
حسبنا ربنا الذي فتح البص
رة بالأمس والحديث طويل
حسبنا ربنا ونعم الوكيل
رة بالأمس والحديث طويل
رة بالأمس والحديث طويل
ويقول فيها:
وعلي إمامنا وإمام
يوم قال النبي: من كنت مولا
إن ما قاله النبي على الأمة
حتم ما فيه قال وقيل
لسوانا أتى به التنزيل
ه فهذا مولاه خطب جليل
حتم ما فيه قال وقيل
حتم ما فيه قال وقيل
ومنهم عمرو بن العاص العدو اللدود للإمام أميرالمؤمنين "عليه السلام" فلقد أشار في قصيدته الجلجلية إلى واقعة الغدير، ومهما حاول العدو كتمان فضائل خصمه فإن الحق قد يطفح من لسانه، قال في خطابه لمعاوية:
معاوية الحال لا تجهل
نسيت احتيالي في جلّقٍ
على أهلها يوم لبس الحلي
وعن سبل الحق لا تعدل
على أهلها يوم لبس الحلي
على أهلها يوم لبس الحلي
إلى أن يقول:
نصرناك من جهلنا يا بن هند
وحيث رفعناك فوق الرؤوس
وكم قد سمعنا من المصطفى
وفي يوم خم رقى منبراً
وفي كفه كفه معلناً
ألست بكم منكم في النفوس
فأنحله إمرة المؤمنين
وقال: فمن كنت مولى له
فوالِ مواليه يا ذا الجلا
ولا تنقضوا العهد من عترتي
فبخبَخَ شيخك لما رأى
فقال: وليكم فاحفظوه
فمدخله فيكم مدخلي
على النبأ الأعظم الأفضل
نزلنا إلى أسفل الأسفل
وصايا مخصصة في علي
يبلغ والركب لم يرحل
ينادي بأمر العزيز العلي
بأولى؟ فقالوا: بلى فافعل
من الله مستخلف المنحل
فهذا له اليوم نعم الولي
ل، وعاد معادي أخ المرسل
فقاطعهم بي لم يوصل
عُرى عقد حيدر لم تحلل
فمدخله فيكم مدخلي
فمدخله فيكم مدخلي
ومن شعراء القرن الثاني الذين تطرقوا إلى واقعة الغدير هو أبوالمستهل الكميت بن زيد الأسدي قال في عينيته:
نفى عن عينك الأرق الهجوعا
وهمٌّ يمتري منها الدموعا
وهمٌّ يمتري منها الدموعا
وهمٌّ يمتري منها الدموعا
إلى أن يقول:
لدى الرحمن يصدع بالمثاني
وأصفاه النبي على اختيار
ويوم الدوح دوح غدير خُمٍّ
ولكن الرجال تبايعوها
فلم أبلغ بها لعنا ولكن
فصار بذاك أقربهم لعدل
أضاعوا أمر قائدهم فضلّوا
تناسوا حقه وبغوا عليه
بلا ترة وكان لهم قريعا
وكان له أبوحسن قريعا
بما أعيى الرفوض له المذيعا
أبان له الولاية لو أطيعا
فلم أر مثلها خطراً مبيعا
أساء بذاك أولهم صنيعا
إلى جور وأحفظهم مضيعا
وأقومهم لدى الحدثان ريعا
بلا ترة وكان لهم قريعا
بلا ترة وكان لهم قريعا
ومنهم السيد إسماعيل بن محمد الحميري فقد ذكر قصة الغدير في كثير من قصائده فمنها قوله:
يا بايع الدين بدنياه
من أين أبغضت علي الوصي
من الذي أحمد في بينهم
أقامه من بين أصحابه
وهم حواليه فسماه:
ليس بهذا أمر الله
وأحمد قد كان يرضاه
يوم غدير الخم ناداه
وهم حواليه فسماه:
وهم حواليه فسماه:
هذا علي بن أبي طالب
فوال من والاه يا ذا العلا
وعاد من قد كان عاداه
مولى لمن قد كنت مولاه
وعاد من قد كان عاداه
وعاد من قد كان عاداه
هلا وقفت على المكان المعشب
بين الطويلع فاللوى من كبكب
بين الطويلع فاللوى من كبكب
بين الطويلع فاللوى من كبكب
ويقول فيها:
وبخُم إذ قال الإله بعزمه:
وانصب أباحسن لقومك إنه
فدعاه ثم دعاهم فأقامه
جعل الولاية بعده لمهذب
وله مناقب لا ترام متى يرد
إنا ندين بحب آل محمد
منا المودة والولاء ومن يرد
ومتى يمت يرد الجحيم ولا يرد
حوض الرسول وإن يرده يضرب
قم يا محمد في البرية فاخطب
هاد، وما بلّغت إن لم تنصب
لهم، فبين مصدّق ومكذب
ما كان يجعلها لغير مهذب
ساع تناول بعضها يتذبذب
ديناً ومن يحببهم يستوجب
بدلاً بآل محمد لا يحبب
حوض الرسول وإن يرده يضرب
حوض الرسول وإن يرده يضرب
ومن فرائده القصيدة العينية المعروفة:
لأم عمرو باللوى مربع
طامسة أعلامها بلقع
طامسة أعلامها بلقع
طامسة أعلامها بلقع
عجبت من قوم أتوا أحمدا
قالوا له: لو شئت أعلمتنا
إذا توفيت وفارقتنا
فقال: لو أعلمتكم مفزعاً
صنيع أهل العجل إذ فارقوا
وفي الذي قال بيان لمن
ثم أتته بعد ذا عزمة
بلّغ وإلا لم تكن مبلغاً
فعندها قام النبي الذي
يخطب مأموراً وفي كفه
رافعها، أكرم بكف الذي
يقول والأملاك من حوله
من كنت مولاه فهذا له
فاتهموه وحنت فيهم
وضلّ قوم غاظهم فعله
حتى إذا واروه في لحده
ما قال بالأمس وأوصى به
واشتروا الضر بما ينفع
بخطبة ليس لها موضع
إلى من الغاية والمفزع؟
وفيهم في الملك من يطمع؟
كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا
هارون فالترك له أوسع
كان إذا يعقل أو يسمع
من ربه ليس لها مدفع:
والله منهم عاصم يمنع
كان بما يأمر به يصدع
كف علي ظاهر تلمع
يرفع والكف الذي تُرفع
والله فيهم شاهد يسمع:
مولى فلم يرضوا ولم يقنعوا
على خلاف الصدق الأصلع
كأنما آنافهم تجدع
وانصرفوا عن دفنه ضيعوا
واشتروا الضر بما ينفع
واشتروا الضر بما ينفع
عيد الغدير
الأعياد الدينية والوطنية لها أهمية عند الأمم، وتهتم لها بمقدار تلك المناسبة من طقوس دينية وعادات وتقاليد محلية وشعبية، وأصول وقواعد تنسجم مع ذلك العيد.
ومناسبة عيد الغدير كانت ولا تزال ذات أهمية عظيمة عند الله تعالى وعند رسوله وأهل البيت "عليهم السلام" وبقية المسلمين.
أما الأهمية عند الله تعالى، فهو يوم توّج الله فيه عليا بالخلافة والولاية، ونزل جبرائيل من عند الله مهنئا الرسول الأعظم بالتتويج بقوله عز من قائل: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً".
[ سورة المائدة، الآية: 3.]
حتى روى الحافظ أبوسعيد في كتابه "شرف المصطفى" عن أحمد بن حنبل وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله "صلّى الله عليه وآله" أنه قال يوم الغدير هنئوني، إن الله تعالى خصني بالنبوة وخصّ أهل بيتي بالإمامة.
وعلى هذا كان كل من الشيخين: أبي بكر وعمر يهنّئ علياً بقوله: "طوبى لك.
أو: بخ بخ.
أو: هنيئاً لك، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة" كما ذكره زيني دحلان في الفتوحات الإسلامية والدارقطني كما في شرح المواهب.
وقد روى فرات بن إبراهيم الكوفي عن الإمام الصادق "عليه السلام" عن آبائه قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله "تعالى ذكره" بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لأمتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل فيه الدين، وأتم على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام دينا.
واقتفى الأئمة الطاهرون نهج جدهم الرسول الأعظم في تعظيم هذا اليوم وكثرة الاهتمام به، كما روي عن فرات بن أحنف عن الإمام الصادق "عليه السلام" قال: قلت: جعلت فداك، للمسلمين عيد أفضل من عيد الفطر والأضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة؟ فقال لي: نعم، أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأنزل على نبيه محمد: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" قال: قلت: وأي يوم هو؟ قال: إن أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصية والإمامة من بعده ففعل ذلك جعلوا ذلك اليوم عيداً، وإنه اليوم علماً، وأنزل فيه ما أنزل.
وكمل فيه الدين، وتمت فيه النعمة على المؤمنين.
قال: قلت: وأي يوم هو في السنة؟ فقال لي: إن الأيام تتقدم وتتأخر، وربما كان يوم السبت والأحد والاثنين إلى آخر الأيام السبعة قال قلت: فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلك اليوم؟ قال: هو يوم عبادة وصلاة وشكر لله وحمد له، وسرور لما من الله به عليكم من ولايتنا، فإني أحب لكم أن تصوموا.
والروايات في هذا الباب كثيرة جداً، وكانت ولا تزال الشيعة تجعل هذا اليوم عيداً في العراق وإيران والهند وباكستان وسوريا ولبنان وغيرها من البلاد التي يقطن فيها عدد من الشيعة.
وكانت البلاد المغربية في عهد الأدارسة والفاطميين وغيرهم تحتفل في هذا اليوم سروراً وبهجة وتشترك الحكومة والشعب في ذلك.
ولكن بمرور الزمن وتطور الأحوال أصبح هذا العيد نسياً منسياً في بعض البلاد العربية الأفريقية.
وإنني أعتقد أن الاهتمام بهذا العيد أولى من بقية الأعياد، وإقامة الحفلات في هذه المناسبة السعيدة أحرى من أية مناسبة أخرى.
لأن المناسبة مهمة جداً، تسترعي الانتباه والعناية والرعاية أكثر وأكثر.