ابوطالب حامي الرسول - امام علی من المهد الی اللحد نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

امام علی من المهد الی اللحد - نسخه متنی

سید محمد کاظم قزوینی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




ابوطالب حامي الرسول



قد ذكرنا في أول كلامنا الليلة أن التربية الصحيحة إنما تتسنى للطفل عن طريق المربي والوالدين والبيت الذي يفتح الطفل فيه عيناه، فقد كان علي "عليه السلام" يتلقى دروس التوحيد من الرسول الأعظم "صلّى الله عليه وآله" من أيام صباه ويتعلم منه العلوم الإلهية طيلة أيام كونه طفلاً ويافعاً وشاباً وخليفة، وكان يجد كل التشجيع من والده أبي طالب "عليه السلام" الذي كفل النبي من يوم وفاة عبدالمطلب، ولم يبلغ النبي يومذاك من العمر ثمان سنين وأخذه إلى بيته وضمه إلى أهله وولده، وكان هو وزوجته السيدة فاطمة بنت أسد يبذلان كل ما في وسعهما في خدمة النبي والترفيه عنه حتى أنهما كانا يفضلانه على أولادهما في المطعم والملبس والعناية والخدمة، وقام أبوطالب بما قام من أنواع العطف والحنان والرعاية والاهتمام بشأن النبي والإشادة بمواهبه في السفر والحضر.


ولأبي طالب "عليه السلام" الحظ الأوفر في القيام بتزويج النبي من السيدة خديجة والقضاء على المشاغبات والمنافسات التي كادت أن تحول دون ذلك الزواج الميمون.


ومواقف أبي طالب في سبيل التحفظ على النبي والدفاع عنه والحماية له من بدء بعثته إلى آخر حياة أبي طالب، مشكورة مذكورة في تاريخ المسلمين، وإسلام أبي طالب "عليه السلام" وإيمانه بالنبي مما لا شك فيه عند كل مسلم منصف، وهذا بعض تلك البحوث الشاهدة لما نحن فيه الآن: قال ابن الأثير: إن أباطالب رأى النبي "صلّى الله عليه وآله" وعلياً يصليان وعلي على يمينه فقال لجعفر رضي الله عنه: صل جناح ابن عمك وصل عن يساره.


وفي رواية: فقام جعفر إلى جنب علي، فأحس النبي، فتقدمهما، فأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا، فانصرف أبوطالب مسروراً، وأنشأ يقول:




  • إن علياً وجعفراً ثقتي
    لا تخذلا وانصرا ابن عمكما
    والله لا أخذل النبي ولا
    يخذله من بنيَّ ذو حسب



  • عند ملم الزمان والنُوَب
    أخي لأمي من بينهم وأبي
    يخذله من بنيَّ ذو حسب
    يخذله من بنيَّ ذو حسب




وكان أبوطالب إذا رأى رسول الله "صلّى الله عليه وآله" أحياناً يبكي ويقول: إذا رأيته ذكرت أخي، وكان عبدالله أخاه لأبويه، وكان شديد الحب والحنو عليه، وكذلك كان عبدالمطلب شديد الحب له، وكان أبوطالب كثيراً ما يخاف على رسول الله "صلّى الله عليه وآله" البيات إذا عرف مضجعه، فكان يقيمه ليلاً من منامه ويضجع ابنه علياً مكانه، فقال له علي ليلة: يا أبت إني مقتول.


فقال له:




  • اصبرنْ يا بني فالصبر أحجى
    قد بذلناك والبلاءُ شديد
    لفداء الأغر ذي الحسب الثا
    قب والباع والكريم النجيب



  • كل حي مصيره لشعوب
    لفداء الحبيب وابن الحبيب
    قب والباع والكريم النجيب
    قب والباع والكريم النجيب




فأجاب علي بقوله:




  • أتأمرني بالصبر في نصر أحمد
    ولكنني أحببت أن تر نصرتي
    سأسعى لوجه الله في نصر أحمد
    نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعا



  • والله ما قلت الذي قلت جازعا
    وتعلم أني لم أزل لك طائعا
    نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعا
    نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعا




وقال القرطبي في تفسيره: روى أهل السير قال: كان النبي قد خرج إلى الكعبة يوماً وأراد أن يصلي، فلما دخل في الصلاة قال أبوجهل لعنه الله: من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعري فأخذ فرثاً ودماً فلطخ به وجه النبي "صلّى الله عليه وآله" فانفتل النبي من صلاته، ثم أتى أباطالب عمه فقال: يا عم! ألا ترى إلى ما فعل بي؟ فقال أبوطالب: من فعل هذا بك؟ فقال النبي "صلّى الله عليه وآله": عبدالله بن الزبعري.


فقام أبوطالب ووضع سيفه على عاتقه ومشى معه حتى أتى القوم، فلما رأوا أباطالب قد أقبل جعل القوم ينهضون، فقال أبوطالب: والله لئن قام رجل لجللته بسيفي.


فقعدوا حتى دنا إليهم، فقال: يا بني من الفاعل بك هذا؟ فقال: عبدالله بن الزبعري، فأخذ أبوطالب فرثاً ودماً فلطخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم، وأساء لهم القول.


وهناك أحاديث كثيرة متواترة حول إسلام أبي طالب وإيمانه، بل وكتب طائفة من العلماء والفضلاء مؤلفات واسعة قيمة حول إيمان أبي طالب أمثال كتاب أسنى المطالب، وأبوطالب مؤمن قريش، وكتاب: الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب، وفي المجلد السابع من الغدير لشيخنا الأميني ما يروي الغليل.


ولسيدنا أبي طالب "عليه السلام" قصائد وأبيات في مدح النبي "صلّى الله عليه وآله" والاعتراف برسالته والتصديق بنبوته، وذكر الشيخ الأميني في المجلد السابع من الغدير عن بعض المؤرخين: أن الأبيات التي قالها أبوطالب في مدح النبي "صلّى الله عليه وآله" قد بلغت ثلاثة آلاف ونحن نقتطف أبياتاً تصرح بإيمان أبي طالب وتفانيه في نصرة النبي، فقد كتب أبوطالب أبياتاً إلى النجاشي ملك الحبشة وهي:




  • ليعلم خيار الناس أن محمداً
    أتانا بهدي مثل ما أتنا به
    فكل بأمر الله يهدي ويعصم



  • وزير كموسى والمسيح بن مريم
    فكل بأمر الله يهدي ويعصم
    فكل بأمر الله يهدي ويعصم



وقال أيضاً:




  • ألا أبلغا عني على ذات بينها
    ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً
    رسولاً كموسى خُطّ في أول الكتب



  • لوَّيا وخُصّا من لويِ بني كعب
    رسولاً كموسى خُطّ في أول الكتب
    رسولاً كموسى خُطّ في أول الكتب




وقال أيضاً:




  • يرجون أن نسخي بقتل محمد
    كذبتم وبيت الله حتى تفلقوا
    جماجم تلقى بالحطيم وزمزم



  • ولم تختضب سمر العوالي من الدم
    جماجم تلقى بالحطيم وزمزم
    جماجم تلقى بالحطيم وزمزم




وقال يخاطب النبي:




  • والله لن يصلوا إليك بجمعهم
    فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
    ودعوتني وعلمت أنك ناصحي
    ولقد علمت بأن دين محمد
    من خير أديان البرية دينا



  • حتى أوسّد في التراب دفينا
    وابشر بذاك وقُرّ منك عيونا
    ولقد دعوت وكنت ثَم أمينا
    من خير أديان البرية دينا
    من خير أديان البرية دينا




وقال يمدح النبي:




  • لقد أكرم الله النبي محمداً
    وشق له من اسمه ليجله
    فذو العرش محمود وهذا محمد



  • فأكرم خلق الله في الناس أحمد
    فذو العرش محمود وهذا محمد
    فذو العرش محمود وهذا محمد



[ وقد ضمن حسان بن ثابت هذا البيت في مديح النبي "صلّى الله عليه وآله".]




وقال أيضاً:




  • كذبتم وبيت الله نبزي محمداً
    ونسلمه حتى نصرّع حوله
    وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
    يلوذ به الهُلاك من آل هاشم
    ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب
    فأيده رب العباد بنصره
    وأظهر ديناً حقه غير باطل



  • ولما نطاعن دونه ونناضل
    ونذهل عن أبنائنا والحلائل
    ثمال اليتامى عصمة للأرامل
    فهم عنده في رحمة وفواضل
    لدينا ولا نعبأ بقول الأباطل
    وأظهر ديناً حقه غير باطل
    وأظهر ديناً حقه غير باطل



وقال أيضاً:




  • أوصي بنصر نبي الخير أربعة
    وحمزة الأسد الحامي حقيقته
    كونوا فداءً لكم أمي وما ولدت
    في نصر أحمد دون الناس أتراسا



  • ابني علياً وشيخ القوم عباسا
    وجعفراً أن تذودوا دونه الناسا
    في نصر أحمد دون الناس أتراسا
    في نصر أحمد دون الناس أتراسا



وقال أيضاً:




  • إن ابن آمنة النبي محمداً
    دراعيت فيه قرابة موصولة
    وحفظت فيه وصية الأجداد



  • عندي يفوق منازل الأولا
    وحفظت فيه وصية الأجداد
    وحفظت فيه وصية الأجداد




وغير ذلك من قصائده وأبياته المفصلة المذكورة في ديوانه وسجلتها كتب التراجم والتاريخ.


أما تكفي هذه الأحاديث وهذه القصائد أن تكون وثيقة لإيمان أبي طالب وإسلامه، وهل الإسلام غير هذا؟ ولو كان جزء من هذه الآثار والمآثر لأبي قحافة والخطاب أو عفان لكانوا أول المسلمين، ولكن أباطالب "عليه السلام" بالرغم من تلك المواقف والمواطن التي وقف بها للدفاع عن النبي والمحافظة على حياته في الشعب وقبله وبعده، وهذه الاعترافات منه بنبوة محمد ورسالته، لا تكفي للدلالة على إسلامه فيقولون: مات أبوطالب مشركاً كافراً.


فليكن كل هذا، فإن هذه الغارات التي تشن على كفيل رسول الله وناصره والمحامي عنه إنما هي لأجل ولده علي "عليه السلام" فإن القوم لم يرضوا أن تكون ساحة نسب علي "عليه السلام" منزهة عن كفر الجاهلية، ولم تطب نفوسهم أن تكون هذه المفاخر لعلي "عليه السلام" وسيعلمون غداً يوم يساقون إلى الحساب عما كتبت أيديهم.


علي ليلة المبيت



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين وسلام على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين.


قال الله تعالى: "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد".


[ سورة البقرة، الآية: 207.]




حديثنا الليلة حول ما قام به علي "عليه لسلام" من التضحية والتفادي في سبيل رسول الله والدفاع عنه، ولقد ذكرنا في الليلة الماضية شيئاً يسيراً مما قام به أبوه سيدنا أبوطالب "عليه السلام" في الدفاع عن النبي "صلّى الله عليه وآله" والحماية له.


ومن هذه الليلة نبدأ بشرح ما قام به علي "عليه السلام" من توطين النفس لكل بلاء ومكروه في سبيل الإسلام، ولقد صدق من قال:




  • ولولا أبوطالب وابنه
    فذاك بمكة آوى وحامى
    فلله ذا فاتحاً للهدى
    ولله ذا للمعالي ختاما



  • لما مثل الدين شخصاً وقاما
    وهذا بيثرب جس الحماما
    ولله ذا للمعالي ختاما
    ولله ذا للمعالي ختاما



فقد خلق الله تعالى علياً "عليه السلام" ليكون أحسن وزير وأشرف نصير للرسول وأوفى مدافع وأقوى مجاهد في سبيل الإسلام، ولقد تحقق الهدف الذي خلق علي "عليه السلام" من أجله، وقد ذكرنا نهضته المباركة يوم الإنذار وإجابته طلب الرسول وتلبيته لندائه، وكانت تلك النهضة فاتحة قيامه وجهاده، إذ تجلت فيها شخصية علي "عليه السلام" وعبقريته، وظهر مدى اعتماده على الله تعالى وعلى نفسه المتشبعة بالإيمان وقلبه المطمئن بذكر الله.


واستمر الأمر من ذلك اليوم فكأنه فترة التدريب أو الامتحان التمهيدي الذي لا بد منه لكل مصلح منقذ أن يجس نبض المجتمع ليكون على بصيرة أكثر فينضج فكره بالتجارب لاتخاذ التدابير اللازمة لمشروعه الذي ينوي القيام به والسير على المخطط الذي جعله برنامجاً لحياته.


ولولا خشية الافتراء على علي "عليه السلام" لقلت: إن قلب علي "عليه السلام" هو أقوى قلب خلقه الله في صدور البشر، وإن أعصاب علي كانت تستمد القوى من طاقة غير متناهية.


وإلا فكيف يمكن للبشر أن لا يدخل الخوف قلبه، ولا تتوتر من الأهوال أعصابه، ولا يخشى من المستقبل المبهم الغامض ولا تستولي عليه الغرائز: غريزة حب الذات، حب الحياة، الأنانية وغيرها من الطبائع التي كثيراً ما تحول بين الإنسان وبين ما يريد؟


ومن هذا الحديث ندرك الشجاعة التي خامرت نفس علي "عليه السلام" من صباه: عن أبي عبدالله "الصادق" "عليه السلام" أنه سئل عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة لما بارزه علي "عليه السلام": يا قضم؟


قال: إن رسول الله "صلّى الله عليه وآله" كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب، وأغروا به الصبيان وكانوا إذا خرج رسول الله يرمونه بالحجارة والتراب، وشكى ذلك إلى علي "عليه السلام"، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إذا خرجت فأخرجني معك.


فخرج رسول الله "صلّى الله عليه وآله" ومعه أميرالمؤمنين "عليه السلام" فتعرض الصبيان لرسول الله "صلّى الله عليه وآله" كعادتهم، فحمل عليهم أميرالمؤمنين "عليه السلام"، وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم، الصبيان يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون: قضمنا علي "عليه السلام" قضمنا علي.


فسمي لذلك: القضم.


ولقد حاول المشركون وكفار مكة خنق الإسلام والقضاء على حياة الرسول "صلّى الله عليه وآله" بشتى الطرق والأساليب، فكانت حركاتهم فاشلة، وجاءوا إلى أبي طالب وسألوه أن يمنع الرسول عن سب الآلهة!! وإفساد الشبان!! وتسفيه الأحلام! فلم يجدوا التجاوب من أبي طالب "عليه السلام".


فجعلوا يحاربون النبي حرب الأعصاب، وجاءوا عن طريق التهديد والوعيد وإسناد السحر والجنون إليه، وقذفه بالحجارة وتلويث ثيابه بالدم والأقذار.


وكتبوا الصحيفة القاطعة وقاطعوا بني هاشم أقسى مقاطعة، كل ذلك لا يزيد النبي إلا ثباتاً واستقامة، وخاصة لما نزلت عليه الآية: "فاستقم كما أُمرت"


[ سورة هود، الآية: 112.]


واستمر الحال على هذا المنوال حتى توفيت السيدة خديجة الكبرى وبعد مدة يسيرة توفي سيدنا أبوطالب، وكانا بمنزلة جناحين لرسول الله، وخيمت الأحزان على قلب الرسول حتى سمي تلك السنة "عام الحزن".


وعند ذلك خلا الجو للمشركين، واستضعفوا النبي لفقدان الناصر، وعزموا على اغتيال النبي وقتله، وإليكم التفصيل:اجتمع المشركون في دار الندوة وتذاكروا حول قتل النبي "صلّى الله عليه وآله" وتقرر أخيراً أن يجتمع من كل قبيلة رجل واحد ويهجموا على النبي "صلّى الله عليه وآله"، ويقتلوه في بيته، واجتمع أربعون رجلاً من أربعين قبيلة واجتمعوا على باب دار النبي "صلّى الله عليه وآله" ونزل جبرائيل على النبي وأخبره بمكيدة القوم وأمره بالهجرة من مكة إلى المدينة، فأرسل النبي إلى علي وقال له: يا علي إن الروح هبط علي يخبرني أن قريشاً اجتمعت على المكر بي وقتلي وأنه أوحى إلي عن ربي أن أهجر دار قومي وأن أنطلق إلى غار ثور، تحت ليلتي، وأنه أمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي لتخفي بمبيتك عليه أثري فما أنت قائل وصانع؟


فقال علي "عليه السلام": أوَ تسلمنّ بمبيتي هناك يا نبي الله؟ قال: نعم، فتبسم علي "عليه السلام" ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً، شكراً لما أنبأه به رسول الله "صلّى الله عليه وآله" من سلامته، فكان علي "عليه السلام" أول من سجد لله شكراً، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله "صلّى الله عليه وآله" فلما رفع رأسه قال له: امضي لما أمرت، فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومرني بما شئت أكون فيه كمسرتك وأقع منه بحيث مرادك، وإن توفيقي إلا بالله، وقال النبي "صلّى الله عليه وآله": أو أن ألقي عليك شبهة مني، أو قال: شبهي، قال: أن يمنعوني نعم، قال: فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي، ثم إني أخبرك يا علي أن الله تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وقد امتحنك يا ابن أم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم "عليه السلام" والذبيح إسماعيل "عليه السلام"، فصبراً صبراً، فإن رحمة الله قريب من المحسنين، ثم ضمه النبي "صلّى الله عليه وآله" إلى صدره وبكى إليه وجداً به، وبكى علي "عليه السلام" جزعاً على فراق رسول الله "صلّى الله عليه وآله".


وفي رواية: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام": أرضيت أن أُطلب فلا أُوجد وتوجد؟ فلعله أن يبادر إليك الجهال فيقتلوك؟ قال: بلى يا رسول الله رضيت أن يكون روحي لروحك وقاءً ونفسي لنفسك فداء، بل رضيت أن يكون روحي ونفسي فداء أخ لك أو قريب...


وهل أحب الحياة إلا لخدمتك، والتصرف بين أمرك ونهيك، ولمحبة أوليائك ونصرة أصفيائك ومجاهدة أعدائك.


لولا ذلك لما أحببت أن أعيش في هذه الدنيا ساعة واحدة.


وقال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": لعلي "عليه السلام" فإذا قضيت ما أمرتك من أمر فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله، وسر إلي لقدوم كتابي عليك، ولا تلبث بعده.


فانطلق النبي إلى الغار، ونام علي في مكانه ولبس برده، فجاء قريش يريدون أن يقتلوا النبي "صلّى الله عليه وآله"، فجعلوا يرمون علياً وهم يرون أنه النبي وكان علي "عليه السلام" يتضور "يتلوى" من الألم ولا يتكلم لئلا يعرفوه، وكان القوم يريدون الهجوم على البيت ليلاً، فيمنعهم أبولهب ويقول لهم: يا قوم إن في هذه الدار نساء بني هاشم وبناتهم، ولا نأمن أن تقع يد خاطئة إذا وقعت الصيحة عليهن، فيبقى ذلك علينا مسبة وعاراً إلى آخر الدهر في العرب.


فجلسوا على الباب حتى طلع الفجر، فتواثبوا إلى الدار شاهرين سيوفهم، وقصدوا نحو مضجع النبي ومعهم خالد بن الوليد، فقال لهم أبوجهل: لا تقعوا به وهو نائم لا يشعر، ولكن ارموه بالأحجار لينتبه بها ثم اقتلوه، أيقظوه ليجد ألم القتل، ويرى السيوف تأخذه!! فرموه بأحجار ثقال صائبة، فكشف عن رأسه، وقال: ما شأنكم؟ فعرفوه، فإذا هو علي "عليه السلام" فقال أبوجهل: أما ترون محمداً كيف أبات هذا ونجا بنفسه لتشتغلوا به؟ وينجو محمد، لا تشتغلوا بعلي المخدوع لينجو بهلاكه محمد، وإلا فما منعه أن يبيت في موضعه إن كان ربه يمنع عنه كما يزعم.


ثم قالوا: أين محمد؟ قال: أجعلتموني عليه رقيباً؟ ألستم قلتم: نخرجه من بلادنا؟ فقد خرج عنكم.


فأرادوا أن يضربوه فمنعهم أبولهب، وقالوا لعلي: أنت كنت تخدعنا منذ الليلة "أي بنومك على فراش النبي خدعتنا وظننا أنك محمد" وبقي النبي "صلّى الله عليه وآله" في الغار ثلاثة أيام وكان علي يأتيه بالطعام والشراب وفي رواية: استأجر ثلاث رواحل للنبي ولأبي بكر ولدليلهم.


وخرج النبي بعد ذلك من الغار وتوجه نحو المدينة.


روى الثعلبي في تفسيره قال: لما أراد النبي "صلّى الله عليه وآله" الهجرة خلف علياً "عليه السلام" لقضاء ديونه، ورد الودائع التي كانت عنده وأمر ليلة خرج إلى الغار، وقد أحاط المشركون بالدار، وقال له يا علي: اتشح ببردي الحضرمي، ثم نم على فراشي فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله، ففعل ما أمره، فأوحى الله عزوجل إلى جبرائيل وميكائيل: إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كل منهما الحياة، فأوحى الله عزوجل إليهما: ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين محمد "صلّى الله عليه وآله" فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه، فنزلا، فكان جبرائيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرائيل يقول: بخ بخ! من مثلك يا بن أبي طالب، يباهي الله بك ملائكته؟؟ فأنزل الله عزوجل على رسوله "صلّى الله عليه وآله" وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب "عليه السلام" "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد".


[ سورة البقرة، الآية: 207.]




قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": نزل علي جبرائيل صبيحة يوم الغار، فقلت: حبيبي جبرائيل أراك فرحاً، فقال: يا محمد وكيف لا أكون كذلك وقد قرت عيني بما أكرم الله به أخاك ووصيك وإمام أمتك علي بن أبي طالب "عليه السلام"، فقلت: بماذا أكرمه الله؟ قال: باهى بعبادته البارحة ملائكته، وقال: ملائكتي! انظروا إلى حجتي في أرضي بعد نبيي وقد بذل نفسه، وعفر خده في التراب تواضعاً لعظمتي، أشهدكم أنه إمام خلقي ومولى بريتي.


وكان علي "عليه السلام" يعتز ويفتخر بهذه الموفقية التي نالها من عند الله تعالى فقال شعراً:




  • وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى
    محمد لما خاف أن يمكروا به
    بتُّ أراعيهم متى ينشرونني
    وبات رسول الله في الغار آمناً
    أقام ثلاثاً ثم زمت قلائص
    قلائص يفرين الحصى أينما تفري



  • ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
    فوقاه ربي ذو الجلال من المكرو
    وقد وطنت نفسي على القتل والأسر
    هناك وفي حفظ الإله وفي ستر
    قلائص يفرين الحصى أينما تفري
    قلائص يفرين الحصى أينما تفري




إن هذا العمل العظيم الذي قام به الإمام العظيم علي "عليه السلام" وقع من أهل السماوات موقع الإعجاب والإكبار والتقدير، وهذه المواساة هي الفريدة من نوعها في تاريخ الإسلام بل وفي تاريخ الأنبياء، فلا غرو ولا عجب إذا طأطأ العظماء رؤوسهم إجلالاً لعلي "عليه السلام" ونثروا الثناء الجميل نظماً ونثراً، ولم ينحصر التنويه والإشادة بهذه المكرمة بالمسلمين، بل شاركهم من غير المسلمين كل من تطبع بروح الفضيلة وحمل بين جوانح صدره قلباً وعى جزءً من الفتوة والشهامة والنجدة وكل يعمل على شاكلته، وكل إناء بالذي فيه ينضح.


أما من المسلمين فالسيد ابن طاووس له كلام لطيف وتحقيق ظريف سنذكره.


وأما من غير المسلمين فأحدهم جورج جرداق الكاتب المعاصر وبولس سلامة في ملحمة الغدير، ونكتفي هنا بكلام ابن طاووس وجورج جرداق وبولس سلامة.


قال السيد ابن طاووس في كتاب الإقبال...


ومن أسرار هذه المهاجرة: أن مولانا علياً "عليه السلام" بات على فراش المخاطرة وجاد بمهجته لمالك الدنيا والآخرة ولرسوله "صلّى الله عليه وآله" فاتح أبواب النعم الباطنة والظاهرة، ولولا ذلك المبيت واعتقاد الأعداء أن النائم على الفراش هو سيد الأنبياء "صلّى الله عليه وآله" لما كانوا صبروا عن طلبه إلى النهار حتى وصل إلى الغار، فكانت سلامة صاحب الرسالة من قبل أهل الضلالة صادرة عن تدبير الله جل جلاله بمبيت مولانا علي "عليه السلام" في مكانه وآية باهرة لمولانا علي "عليه السلام" شاهدة بتعظيم شأنه، وأنزل الله جل جلاله في مقدس قرآنه: "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد"


[ سورة البقرة، الآية: 27.]


فأخبر أن لمولانا علي "عليه السلام" كانت بيعاً لنفسه الشريفة، وطلباً لرضاء الله جل جلاله دون كل مراد، وقد ذكرنا في الطرائف من روى هذا الحديث من المخالف، ومباهاة الله جل جلاله تلك الليلة بجبرائيل وميكائيل في بيع مولانا علي "عليه السلام" بمهجته، وأنه سمح بما لم يسمح به خواص ملائكته.


ومنها: أن الله جل جلاله زاد مولانا علياً "عليه السلام" من القوة الإلهية والقدرة الربانية إلى أنه ما قنع له أن يفدي النبي "صلّى الله عليه وآله" بنفسه الشريفة، حتى أمره أن يكون مقيماً بعده في مكة مهاجراً للأعداء قد هربه منهم وستره بالمبيت على الفراش وغطاه عنهم، وهذا ما لا يحتمله قوة البشر إلا بآيات باهرة من واهب النفع ودافع الضرر.


ومنها: أن الله عزوجل لم يقنع لمولانا علي "عليه السلام" بهذه الغاية الجليلة حتى زاده من المناقب الجميلة، وجعله أهلاً أن يقيم ثلاثة أيام بمكة لحفظ عيال سيدنا رسول الله "صلّى الله عليه وآله"، وأن يسير بهم ظاهراً على رغم الأعداء وهو وحيد من رجاله، ومن يساعده على ما بلغ من المخاطرة إليه.


ومنها: أن فدية مولانا علي "عليه السلام" لسيدنا رسول الله "صلّى الله عليه وآله" كانت من أسباب التمكين من مهاجرته ومن كل ما جرى من السعادات والعنايات بنبوته، فيكون مولانا علي "عليه السلام" قد صار من أسباب التمكين من ما جرت حال الرسالة عليه ومشاركاً في كل خير فعله النبي "صلوات الله عليه"، وبلغ حاله إليه، وقد اقتصرت في ذكر أسرار المهاجرة الشريفة النبوية على هذه المقامات الدينية، ولو أردت بالله جل جلاله أوردت مجلداً منفرداً في هذه الحال، ولكن هذا كاف شاف للمنصفين وأهل الإقبال.


وقال الكاتب المسيحي جورج جرداق في كتابه: "صوت العدالة الإنسانية": أما علي بن أبي طالب، فما كان أعجب أمره يوم غامر في سبيل عقيدته التي هي عقيدة محمد بن عبدالله، وفي سبيل الحق ورعاية الشرف والإخاء هذه المغامرة التي لم يعرف التاريخ أجل منها، وأقوى وأدل على وحدة الذات بين عظيم وعظيم.


وإنها لإرادة على التضحية قل أن تجد لها مثيلاً إلا في الظروف النادرة التي تقف بها النفس الإنسانية الواعية بين حالين من وجود وفناء في حيز من إدراك معنى الوجود على مثال خاص.


فإما أن تؤثر لهذا الجسد عيشاً يقربه دون ما يحييه من قيم الحياة الصاعدة، فتنكر هذه القيم وتفضل عليها وجوداً هو أشبه بالفناء من حيث أن الوجود حياة تحيا! وإما أن تؤثر لهذا الكيان الإنساني انصهاراً بكليات القيم دونما نظر إلى وجود عضوي لا يتصل بروح الوجود الفذ، فتأتي هذه القيم سالكاً إليها طريق التهلكة.


وما فناؤك آنذاك إلا دليل على أن الوجود إنما هو لديك حياة تحيا لا عيش يعاش!


أجل، إنها لتضحية قل أن تجد لها مثيلاً إلا في اختيار سقراط للموت وفي مسلك غيره من السقارطة، تضحية علي بن أبي طالب يفدي النبي بنفسه راضياً مختاراً على صورة أهون منها على لقاء الموت في ساحة القتال، أو على شفاه قمقم السم! فما أصعب على المرء أن يأخذ مكان رجل حكم عليه المجرمون بالقتل.


وأن يرقد في فراشه فلا يخطئه هؤلاء إذا دخلت إرادتهم طور التنفيذ وهم منه على خطوات ينظرون إليه ويسمع إليهم.


ثم إنه يترقب بين حين وحين رؤية أنظارهم تتوامض بالغدر تحت عينيه، وسيوفهم تتلامع بالموت فوق رأسه، طوال ليلة كاملة!


لقد كان علي بمغامرته هذه استمراراً لمحمد.


وكانت تضحيته من روح المقاومة التي عرف بها ابن عمه العظيم، وكان مبيته في فراش النبي تزكية للدعوة وحافزاً على الجهاد الطويل! ثم إن في هذه المغامرة ما يوجز الحقيقة عن الإمام وطباعه ومزاجه، فإذا هي صادرة عنه كما تصدر الأشياء عن معادنها دون تكلف ودون إجهاد.


ففيها نموه الذهني المبكر الذي جعله يدرك من الدعوة التي يدق فهمها فهماً صحيحاً على من كان في مثل سنه.


وفيها زهده بالحياة إذا لم تكن عمراً لمكارم الأخلاق.


وفيها صدقه المر وإخلاصه العجيب.


وفيها عدله بين نفسه وبين سواه من أهل الجهاد وما يتوخاه بذلك من نصرة للمظلومين والمستضعفين إذا قتل هو ونجحت الرسالة على يدي صاحب الهجرة.


وفيها مواجهته للأمور بسماحة وبساطة لا يعرف معهما إلى الكلفة سبيلاً.


وفيها المروءة والوفاء والطيبة والشجاعة وسائر صفات الفروسية التي يمثلها علي بن أبي طالب.


بل قل هي شي ء من استشهاده المقبل وقال الأستاذ بولس سلامة في ملحمة الغدير:




  • هزه الشوق للنبي فشد
    في رمال الصحراء يسري وحيداً
    صابر في العذاب والجوع حتى
    عجب القفر من تقشف صابر



  • العزم يهفو إلى جماع المآثر
    مقفر الكف أعوزته الأباعر
    عجب القفر من تقشف صابر
    عجب القفر من تقشف صابر




إلى أن يقول:




  • لا فراش سوى الثرى، لا غطاء
    فيناجي السهى يصعد في الأج
    إن هذا الصمت الرهيب لقدس
    لخطوب الجسام والألم المم
    فإذا كان طاهراً كعلي
    يذكر الله بكرة وعشيا
    فالمناجاة والصلاة عطور
    يا رمال الصحراء هذا علي
    هو بعد النبي أشرف ظل
    حملي أجنح الأثير نسيماً
    بسطي حوله الزنابق فرشاً
    وانشري فوقه الغمام مقاصر



  • لا ضياء سوى النجوم الزواهر
    واء طرفاً يشق ستر الدياجر
    يغسل المرء بالعذاب الصاهرفا
    دود وحي مطهر للضمائر
    شد لله قلبه بأواصر
    ويصلي في كل ومضة خاطر
    تتعالى إلى السماء مباخر
    فاملئي الدرب والضفاف أزاهر
    لاح في السبسب الخلي مهاجر
    من جفون الأسحار ريان عاطروا
    وانشري فوقه الغمام مقاصر
    وانشري فوقه الغمام مقاصر




/ 40