التأمين - تأمین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تأمین - نسخه متنی

السید محسن الخرازی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید







التأمين





نويسنده: آية اللّه‏ السيّد محسن الخرازي



القسم الثاني



اشتمل القسم الأوّل من هذا المقال علي تحليل لحقيقة التأمين وبيان أنواعه المتعارفة في عصرنا . . وفي هذا القسم يتعرّض فضيلة الكاتب إلي بحث أركان هذا العقد ثمّ تناول الأدلّة الدالّة علي مشروعية مثل هذا العقد . . ومناقشة الموانع التي تمنع من صحته . .



المقــام السادس

في إدراج التأمين في المعاملات المتعارفة

قد عرفت قوّة كون عقد التأمين عقداً مستقلاًّ بحيث يكون التعهّد بالتدارك طرفاً للعقد والتعهّد بدفع الأقساط طرفاً آخر ، كما يعترف به العرف ويشهد له بقاء صحّة العقد ولو مع عدم وقوع الخسارة والتدارك ، وهو يشبه ضمان الجريرة من بعض الجهات .



ولكن يظهر من بعض عبائر الفقهاء إدراجه في المعاملات المتعارفة ، وهي عديدة نذكر منها ما يلي :



إحداها ـ الهبة بشرط التدارك أو الهبة المعوّضة :



وهو الظاهر من كلام السيّد الخوئي قدس‏سره حيث قال في الجواب عن مسألة التزام بعض شركات التأمين بدفع مبالغ إلي الموءمّن له إضافة إلي مبلغ التأمين عند وفاة المستحقّ ، هل هذه الفائدة ربويّة ؟ :



« لمّا كان التأمين المتعارف مبنيّاً علي دفع مبلغ مقرّر هبة من المستأمن إلي الشركة بشرط تدارك ما يحدث من خسارات للمستأمن ، فإن دفعت الشركة فائدة لصاحب التأمين لم تحسب من ربا القرض المحرّم » ( 1 ) .



قال في بحوث فقهية : « فيقول طالب التأمين : وهبتك كذا مقداراً من المال شهرياً علي أن تتحمّل كذا مقداراً من المال خسارة لمدّة عشر سنوات مثلاً لو حدث حادث بمالي أو نفسي ، ويأتي دور الشركة لتقبل بهذه الهبة وتسجّل علي نفسها ما اشترطه الواهب من تحمّل الخسارة المذكورة ، فتكون الهبة من طالب التأمين إيجاباً منه ، وموافقة الشركة تقريراً علي نفسها بقبول هذه الهبة المشروطة . وليس هذا الشرط من الشرط المخالف ليبطل الشرط وتقع الهبة غير مشروطة ، بل هو شرط سائغ لا مانع فيه . ولو لاحظنا هذه الهبة المشروطة لرأيناها حاوية علي نفس أركان التأمين ؛ لاشتمالها علي الإيجاب والقبول والموءمّن عليه ـ وهو النفس أو المال ـ ومقدار الخسارة ، وهو مبلغ التأمين » ( 2 ) .



ولكن لا يخفي عليك أنّ إيقاع العقد المذكور بنحو الهبة المشروطة أو المعوّضة وإن كان ممكناً ولكنّه غير متعارف عند الناس .



وإليه يشير ما في التحرير حيث قال : « الظاهر أنّ التأمين عقد مستقلّ ، وما هو الرائج ليس صلحاً ولا هبة معوّضة بلا شبهة » ( 3 ) .



اللهمّ إلاّ أن يكون المقصود هو لزوم أن يكون كذلك بعد عدم ثبوت كون عقد التأمين عقداً مستقلاًّ ، أو عدم وضوح ذلك عنده .



ثمّ إنّه بناءً علي إدراجه في الهبة بشرط التحمّل ، لا فرق في العوض بين أن يكون مذكوراً في نفس العقد أو يلحق به بعد العقد بأن اُطلق في العقد ثمّ بذل العوض بعد ذلك ، كما في الجواهر ( 4 ) ؛ لصدق قول أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام ـ في صحيحة عبد اللّه‏ بن سنان : « إذا عوّض صاحب الهبة فليس له أن يرجع » ( 5 ) ـ في كلتا الصورتين .



نعم ، صرّح جماعة ـ كما في الجواهر ـ باعتبار بذله علي أنّه عوض وقبول الواهب له علي ذلك ؛ إذ هو حينئذٍ هبة جديدة ولا يجب عليه قبولها . ومال إليه في الجواهر حيث قال : « ولا بأس به اقتصاراً في الخروج عن أصل الجواز علي المتيقّن » ( 6 ) .



وعليه ، فيجوز أن يهب طالب التأمين مقداراً من المال من دون عوض ثمّ يشترط في ضمن هذا العقد أن يتحمّل الموهوب له الخسارة ، كما يجوز له أن يهبه طالب التأمين في مقابل تحمّل الموهوب له الخسارة أو بشرط تحمّل الخسارة ؛ لأنّ كلاًّ من هذه الصور موجب لصدق كون الهبة معوّضة ، فيشمله قوله عليه‏السلام : « إذا عوّض صاحب الهبة فليس له أن يرجع » .



وممّا ذكر يظهر أنّه لا وجه للإيراد علي الصورة الاُولي : بأنّ الهبة بلا عوض جائزة ، فالشرط الواقع في ضمنها لا يجب الوفاء به ، بل حكمه حكم الشرط الابتدائي ( 7 ) .



لما عرفت من أنّ الهبة وإن كانت ابتداءً بلا عوض ولكنّها بعد ضميمة الاشتراط بعنوان العوض يصدق عليها المعوّضة ، فباعتبار أنّ الهبة ابتداءً ليست في مقابل شيء كانت غير معوّضة ، وباعتبار انضمام الاشتراط بعنوان العوض تصير معوّضة .



وبالجملة ، ففي كلتا الصورتين تكون الهبة لازمة ؛ لصدق المعوّضة عليها ، فيشملها إطلاق دليل اللزوم .



ثمّ إنّ اشتراط الإضافة كاشتراط التحمّل في صيرورة الهبة هبة معوّضة وكونها مشمولة لقوله عليه‏السلام : « إذا عوّض صاحب الهبة فليس له أن يرجع » ، فيلزم العقد ولا يجوز فسخها .



وممّا ذكر يظهر ما في كلام بعض حيث قال ـ في مقام بيان الفرق بين عقد التأمين والهبة ـ : بأنّ في الهبة يكون المتّهب بعد القبض مخيّراً بين ردّ الموهوب وبين دفع العوض ، بخلاف عقد التأمين ؛ لأنّ الأقساط الموءدّاة تصير أموالاً للموءمّن فلا تكون قابلة للاسترداد ( 8 ) .



وذلك لأنّ بعد كون الهبة معوّضة من ابتداء الأمر أو بإلحاق الاشتراط لايجوز للمتّهب ولا للواهب أن يردّ الموهوب أو يستردّه ، كما لا يخفي .



ثمّ لا يذهب عليك أنّه حيث كانت المعاوضة علي المعدودات لا الموزونات لا يلزم من ذلك الربا المعاملي ، كما لا يلزم من ذلك الربا القرضي ؛ لأنّ الأقساط التي وهبها الواهب لا تكون قرضاً .



وممّا ذكر ينقدح ما في صراط النجاة حيث قال : « ودفع الأقساط هبة بشرط الاشتراك في الربح غير جائز » ( 9 ) .



لا يقال : إنّ الهبة المعوّضة متقوّمة بالعوض المعلوم ، وليس العوض في عقد التأمين أمراً معلوماً ، هذا مضافاً إلي أنّ العوض خطريّ وغرريّ ، علي أنّ الهبة المعوّضة تابعة للبيع في الأحكام ؛ فحيث إنّ بيع النقود بالنقود الموءجّلة غير جائز للربا فالهبة المعوّضة أيضا غير جائزة لذلك .



لأنّا نقول :



أوّلاً : إنّ الالتزام بتحمّل مسوءولية الأمر المحتمل في قبال الهبة يكفي في صدق المعوّضية ، ألا تري صدقها علي هبة شيء لشخص في مقابل إكرام ضيفه إن جاء ، مع أنّ مجيء الضيف لا يكون أمراً مقطوعاً !



وثانياً : إنّ عدم العلم بحدوث ما اشترط لا يوجب صدق الغرر ، وعلي فرض التسليم لا يضرّ ذلك في غير البيع ؛ لاختصاص دليله بالبيع .



وثالثاً : إنّ حرمة الربا المعاملي في النقدين والموزونات لا توجب حرمة التفاضل في المعدودات ، فبيع الريالات بالريالات الموءجّلة بأزيد لا إشكال فيه ؛ لكونها من المعدودات ، ولا يجري فيها حكم النقدين والموزونات . والقول بأنّ الريالات حاكيات عن النقدين غير مسموع ؛ لكونها في نفسها معتبرة في المالية ، فإذا لم يكن التفاضل في بيع المعدودات ربا محرّماً ففي الهبة لا يكون كذلك بطريق أولي .



ورابعاً : إنّ الإشكال المذكور ـ علي فرض صحّته ـ وارد فيما إذا كانت الهبة معوّضة من أوّل الأمر ، وأمّا إذا كانت الهبة من دون عوض وانضمّ الاشتراط في ضمن الهبة كان الاشتراط تبعياً ، فلا تكون الهبة المذكورة كالبيع في التقابل مع الموزون بالتفاضل ، فتأمّل .



ثانيتها ـ الصلح بشرط تحمّل الخسارة :



قال الشيخ حسين الحلّي قدس‏سره : « ومن جملة ما نعرض عليه معاملة التأمين هو باب الصلح ، حيث يتصالح الطرفان علي أن يتحمّل أحدهما ـ وهو الشركة ـ الخسارة التي تحلّ بالطرف الآخر بشرط أن يدفع الطرف الآخر المقدار المعيّن من المال .



ومن الممكن أن يكون الصلح واقعاً علي أن يدفع طالب التأمين إلي الشركة مقداراً معيّناً من المال في كلّ شهر مثلاً علي أن تدفع الشركة خسارته لو حدث حادث بماله ، أو كذا مقداراً من المال لو حلّ به موت أو تلف لعضو من أعضائه » ( 10 ) .



والمحكي عن السيّد اليزدي صاحب العروة قدس‏سره هو تصحيح عقد التأمين في تأمين الحمل والنقل بالصلح بشرط تحمّل الخسارة ( 11 ) ، وأضاف شرط الفسخ ، ولا يضرّ ذلك .



وذهب السيّد الگلپايگاني قدس‏سره إلي صحّة الصلح مع شرط إقدام الموءمّن علي تدارك الخسارات الواردة والتزامه بذلك ( 12 ) .



وغيرهما من الأعلام .



لا يقال : إنّ الصلح لقطع التجاذب والتنازع ، وفي المقام لا تجاذب ولا تنازع .



لأنّا نقول : نعم ، المعروف أنّ الصلح مشروع لقطع التجاذب والتنازع ، ولكنه لا يشترط سبق ذلك فيه ؛ لعموم الدليل ، كما في موثّقة حفص بن البختري : « الصلح جائز بين الناس » ( 13 ) . بل لا يشترط فيه توقّع المنازعة ؛ لأنّ المراد بلفظ الصلح الواقع في إيجاب العقد إنشاء الرضا بما توافقا واصطلحا وتسالما عليه فيما بينهما ، لا أنّ المراد به خصوص الصلح المتعقّب للخصومة . وتشريع العقد لقطع التنازع من الحِكم التي لا يجب اطّرادها ، مثل المشقّة في حكمة القصر التي لا تقتضي تخصيصاً أو تقييداً لعموم الدليل أو إطلاقه ، فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق الأخبار ، كصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‏السلام ، ومنصور بن حازم عن الصادق عليه‏السلام ؛ أنّهما قالا في رجلين كان لكلّ واحد منهما طعام عند صاحبه ولا يدري كلّ واحد منهما كم له عند صاحبه ، فقال كلّ واحد منهما لصاحبه : لك ما عندك ولي ما عندي ، فقال : « لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت به أنفسهما » ( 14 ) .



وصحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه‏ عليه‏السلام في الرجل يكون عليه الشيء فيصالح ، فقال : « إذا كان بطيبة نفس من صاحبه فلا بأس » ( 15 ) .



وغيرهما من الأخبار .



إن قلت : إنّ الصلح لا يكون مشرِّعاً ، فكيف يصير التأمين الذي كان غير مشروعاً جائزاً بالصلح ؟ !



قلت : نعم ، ولكن موردنا ـ وهو عقد التأمين ـ لم يكن محرّماً ، وإنّما هو عند من أدرجه في ضمن سائر المعاملات ممّا لا دليل علي مشروعيّته ، فبإدراجه تحت المعاملات الاُخري صار مشروعاً .



لا يقال : إنّ المصالحة فيما إذا كان في الطرفين شيء محقّق وإن كان غير معلوم ، وموردنا ليس كذلك ؛ إذ لا شيء لطالب التأمين علي ذمّة الموءمّن حتي يصالحه بالأقساط ويشترط عليه تحمّل الخسارة .



لأنّا نقول : لا يلزم في المصالحة أن تكون ذمّة المصالح ـ بكسر اللام ـ مشغولة للمصالح له ، ولذا قال في جامع المدارك : « الصلح هو التسالم علي أمر ؛ من تمليك عين أو منفعة أو إسقاط دين أو حقّ وغير ذلك ، بعوض أو بلا عوض » ( 16 ) .



ففي المقام يملّك الموءمّن له الموءمّن من دون عوض ، ولكن يشترط عليه في ضمن المصالحة التي تكون من العقود اللازمة تحمّل الخسارة .



ثالثتها ـ الضمان العقدي :



وذلك مبني علي توسعة باب الضمان وعدم اختصاصه بباب الديون أو الأعيان المضمونة ـ كالغصب والعقد الفاسد ـ وشموله لكلّ فرد ، سواء كان المضمون ديناً ، أو عيناً بيد الغاصب ، أو أمانة ، أو عيناً شخصية خارجية بيد صاحبها ، أو نفساً سواء كانت مملوكة أو غير مملوكة ، قال الشيخ حسين الحلّي قدس‏سره : « إنّ منطقة الضمان العقدي أوسع من الاقتصار علي فرد دون آخر ، فكما يجري في الديون كذلك يجري في الأعيان الخارجية ؛ من الأموال ، والعقارات ، وغيرها من النفوس مملوكة وغير مملوكة ، فيمكن للشركة حينئذٍ أن تضمن هذه الأشياء ؛ لأنّ الضمان ليس إلاّ التعهّد وإدخال الشيء في العهدة ، وهو اعتبار يقرّه العقلاء ، حيث يدخل الضامن المضمون في عهدته وحيازته » ( 17 ) .



وربّما يمنع الضمان العقدي في مثل المقام من جهة تقوّم الضمان بالأركان الأربعة ، وهي :



المضمون له ، وهو الدائن .



والمضمون عنه ، وهو المدين .



والمضمون ، وهو الدين .



والضامن ، وهو الشخص الجديد .



والركن الثاني غير موجود في عقد التأمين ، فإنّه لا يشتمل إلاّ علي أركان ثلاثة ، وهي :



مضمون له ، وهو صاحب المال أو الشخص .



ومضمون ، وهو نفس المال أو الشخص .



وضامن ، وهو الشخص الموءمّن .



وأمّا المضمون عنه فليس بموجود .



واُجيب عنه : بأنّ وجود الركن الرابع ـ وهو المضمون عنه ـ غير ضروري في حقيقة الضمان بل المدار في الضمان وتحقّقه هو وجود الأركان الثلاثة وهي الضامن والمضمون له والمضمون ، وهو كافٍ في تحقّق الضمان ، كما اكتفي به السيّد في ضمان الأمانات والأعيان غير المضمونة كمال المضاربة والرهن والوديعة قبل تحقّق سبب ضمانها من تعدٍّ أو تفريط ، خلافاً لغيره من الفقهاء قدّس اللّه‏ أرواحهم ، وعليه فالركن الرابع ليس بركن ، بل هو من خصوصيات بعض مصاديق الضمان .



علي أنّنا يمكننا القول بأنّ ضمان الأعيان المغصوبة لا يشتمل علي وجود المضمون عنه ؛ لإمكان القول بأنّ ضمان العين المغصوبة لا يكون ضماناً عن الغاصب ، بل هو ضمان ابتدائي ليس عن الغاصب بل عن المالك ، وما هو إلاّ من قبيل ضمانك للعين التي هي في قعر البحر لصاحبها ـ بأن تتعهّد بها إمّا بإخراجها أو بأداء بدلها ـ في عدم الاحتياج إلي المضمون عنه ، ولأجل ذلك لو أقدم شخص وغصب العين من يد الغاصب يكون ضامناً لنفس العين ، لكنّه ضمان ابتدائي منه لا عن الغاصب . وحينئذٍ يكون الحاصل : أنّ ضمان العين مطلقاً لا يدخل في حقيقة الضمان عن ضامن ، وأنّ ذلك إنّما هو في ضمان الدين فقط ؛ فإنّ الضامن يضمن الدين الذي في ذمّة الدائن ، بخلاف ضمان العين التي هي في ضمان الغصب ؛ فإنّ ضمانها لا يكون عن الغاصب ، فلا يكون موجباً لانتقال الضمان من الغاصب إلي الضامن .



لا يقال : إنّ الضمان العقدي منحصر في ضمان الديون ، ولم يجرِ الضمان الإنشائي في غيرها من الأعيان والنفوس ، كما يدلّ عليه ما في الشرائع حيث قال : « الحقّ المضمون : وهو كلّ مال ثابت في الذمّة » ( 18 ) .



لأنّا نقول : لا وجه للانحصار مع صدق الضمان ، وهو تحمّل المسوءولية ، من غير فرق بين الديون والأعيان الخارجية والنفوس الحرّة والمملوكة . ودعوي الإجماع في المسألة مع ما بأيدينا من الأدلّة والقواعد لا تفيد ؛ لعدم كشفه عن رأي المعصوم مع كونه محتمل المدرك .



هذا مضافاً إلي أنّ كلام المحقّق راجع إلي الضمان الاصطلاحي الذي هو نقل الذمّة إلي الذمّة ، لا مجرد إنشاء تحمّل المسوءولية وإدخال الشيء في حيازة الضامن ، كما هو الشائع عند العرف والعقلاء .



والمراد من الضمان العامّ ليس هو نقل الحقّ الثابت من ذمّة إلي ذمّة اُخري ، بل هو الضمان العرفي من إنشاء تحمّل المسوءولية بالنسبة إلي المضمون ، ومن المعلوم أنّه عقد ومشمول للعمومات ، كقوله تعالي : « أوفوا بالعقود »وغيره ، وهذه العمومات كافية وإن لم يكن إطلاق أو عموم في أدلّة الضمان الإنشائي بالمعني الاسمي ؛ لورودها في ضمان ما في الذمّة ، أو لكونها في مقام بيان أحكام اُخر . فالتأمين مندرج تحت الضمان العرفي ؛ لأنّه إنشاء تحمّل المسوءولية بالنسبة إلي الأعيان والنفوس ، ولا دليل علي أنّه بمعني نقل الذمّة إلي الذمّة إلاّ في الديون .



لا يقال : إنّ الضمان عقد تبرّعي ، فلا يمكن تطبيق عقد التأمين ـ الذي هو عقد معاوضي ـ عليه .



لأنّا نقول : إنّ التبرّع وإن كان حاصلاً في كثير من الموارد ولكنّه لا يكون من مقوّمات الضمان ، بل يجوز أن يكون للضمان معوّض . وعليه فالضمان من جهة العوض هو لا بشرط وليس هو بشرط لا .



فتحصّل : أنّ التأمين مندرج في الضمان العرفي الذي له سابقة في العقود ، ولا حاجة لأن يجعل من العقود المستحدثة .



رابعتها ـ الجعالة ـ كما حكي عن بعض الأعلام ـ :



ولا يخفي عليك أنّ بينهما فرقا من جهات :



منها : أنّ الموءمّن يستحقّ المال بالعقد من دون حاجة إلي العمل ، بخلاف العامل في الجعالة فإنّه لا يستحقّ الجعل إلاّ بالعمل .



ومنها : لزوم تعيين الموءمّن والموءمّن له في عقد التأمين ، مع أنّ تعيين العامل لا يلزم في عقد الجعالة .



اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ العمل الذي يستحقّ به الجعل هو نفس تحمّل الخسارة ، وهو حاصل بنفس البناء علي التحمّل وإعلامه ، وبه يستحقّ الجعل ، ولزوم تعيين الموءمّن والموءمّن له مبني علي كونه عقداً مستقلاًّ لا مصداقاً للجعالة كما هو المفروض ، فتأمّل .



ثمّ إنّ المقصود من إدراجه في الجعالة هو التفصّي عن كونه من العقود المستحدثة .



المقــام السابع

في أحـكام عقد التأمين

1 ـ المذكور في المادة ( 6 ) من قوانين التأمين ـ المصوّب عليها في عام ( 1316 هـ . ش ) والتي لا يزال العمل بها باقيا إلي زماننا هذا ـ أنّ المستحقّ لما يتداركه الموءمّن هو الذي يعطي الأقساط ، إلاّ إذا توافقا في العقد بأن يعطيه غيره . نعم ، المستحقّ في تأمين الحمل والنقل هو حامل الوثيقة .



ولا إشكال في جواز توافق الطرفين في كون التدارك لغير من يعطي الأقساط كما هو كذلك في المعامل والمصانع ؛ إذ يعطي أصحابها الأقساط ويكون التدارك لغيرهم من العمّال بحسب ما يعرض لهم من الحوادث والأخطار .



وليس حقيقة عقد التأمين كالبيع الذي عُرّف بمبادلة مال بمال حتي يقال إنّ مقتضي المبادلة هو قيام العوض مقام المعوّض وبالعكس ، بل هو حقيقة مستقلّة ، وهي لا تقتضي ما يقتضيه البيع علي تقدير صحّة ذلك ، بل تقتضي في المعامل ونحوها خلافه ، وعنوان التدارك لا يقتضي أيضاً أن يكون ما يدفعه الموءمّن واصلاً إلي من يعطي الأقساط بعنوان تدارك الخسارة ؛ إذ المفروض أنّها وردت علي العمّال لا علي من يعطي الأقساط .



وممّا ذكر يظهر حكم استحقاق حامل الوثيقة في تأمين الحمل والنقل ؛ لأنّه إن كان من جهة انتقال الاستحقاق إلي الحامل فلا إشكال فيه كما عرفت ، وإن كان من جهة كون الحامل وكيلاً في الوصول فلا نقل ولا انتقال ، بل المستحقّ هو من يعطي الأقساط ، والحامل وكيله . وسيأتي بقيّة الكلام في بعض المواد الآتية إن شاء اللّه‏ تعالي .



2 ـ المذكور في المادة ( 7 ) منها أنّ للمرتهن أن يقدم علي التأمين بالنسبة إلي ما عنده من الرهائن والوثائق ، فإذا حدث حادث اُعطي المرتهن بمقدار طلبه ، وأمّا الزائد عليه فهو للمدين .



وفيه : إنّه لا يخلو عن تأمّل ؛ لأنّ المرتهن أمين ، والأمين مع عدم الإفراط والتفريط لا يضمن إلاّ إذا اشترط الضمان في العقد . وعليه فإذا أقدم المرتهن علي التأمين فمقتضي القاعدة أنّ كلّ ما يدفعه الموءمّن يكون له في مقابل الأقساط التي دفعها ، فلا وجه لتقسيم التدارك وإعطاء قسم منه لصاحب المال .



اللّهمّ إلاّ أن يتوافقا علي ذلك من ابتداء التأمين فلا إشكال فيه ؛ لأنّه توافق في أن يكون قسم من التدارك للغير .



لا يقال : إنّ التأمين علي مال الغير تصرّف فيه ، وهو ممنوع بإطلاق قوله عليه‏السلام : « الراهن والمرتهن كلاهما ممنوعان من التصرّف » ( 19 ) ، وعليه فعقد التأمين من دون التوافق مع صاحب المال لا يصحّ .



لأنّا نقول : التأمين علي المال إحسان بالنسبة إلي صاحبه ، فكما أنّ إجارة الأفراد لحفظ المال لا يكون تصرّفاً فيه كذلك عقد التأمين ، فتدبّر جيّداً .



3 ـ المذكور في المادة ( 8 ) منها أنّه لا يجوز تكرار التأمين بنفع الموءمّن له بالنسبة إلي مال واحد من جهة واحدة .



وفيه : إنّه كذلك إن كان الموءمّن واحداً ، لأنّه تحصيل الحاصل ، وأمّا إذا كان الموءمّن متعدّداً فهو يوجب ازدياد الاطمئنان ، ولا يكون لغواً .



نعم ، يشكل ذلك من جهة أنّ التدارك لا يكون قابلاً للتكرّر ، فبعد تدارك الأوّل لا يبقي موضوع لتأمين الثاني .



4 ـ المذكور في المادة ( 9 ) منها أنّه إذا وقع عقد التأمين علي مال ببعض قيمته جاز تجديد عقد التأمين بالنسبة إلي بقيّة القيمة ، فعند تعدّد التأمين والموءمّنين يكون كلّ موءمّن ضامناً بالنسبة إلي المقدار الذي أمّنه ، ويجوز تأمين الباقي من الموءمّن الأوّل بالعقد الجديد أيضاً ، كما لا يخفي .



5 ـ المذكور في المادة ( 10 ) منها أنّه إذا وقع عقد التأمين علي مال بأقلّ من قيمته الواقعية كان الموءمّن ضامناً للخسارة بنسبة المبلغ الذي عقد التأمين عليه مع قيمته الواقعية .



وفيه : إنّ غايته هو خيار الغبن ، فللموءمّن الخيار في إدامة قبول تحمّل مسوءولية تدارك المال بقيمته الواقعية وفسخ العقد ؛ لتغاير القيمة المذكورة للمال في العقد مع قيمته الواقعية ؛ لعموم أدلّة خيار الغبن ـ من حديث « لا ضرر » ، وبناء العقلاء ـ وعدم اختصاصهما بباب البيع .



لا يقال : إنّ العقد علي القيمة المذكورة بعنوان أنّها قيمته الواقعية باطل ؛ لتغايرهما .



لأنّا نقول : تفاوت القيمة المذكورة مع قيمته الواقعية بالأقلّ والأكثر لا بالتباين ، وعليه وقع العقد علي قيمته الواقعية بتخيّل أنّها كذا وكذا فبان الخلاف ، ولا تكون المغايرة بينهما في حدّ التباين بحيث لا يصدق العقد عليها ، وإنّما التخلّف في الزيادة والنقصان ، وهو يوجب الخيار بين إدامة تحمّل المسوءولية والفسخ ، وأمّا أخذ التفاوت فلا دليل له . نعم ، لو أعطي الموءمّن له التفاوت لإسقاط الموءمّن خياره فلا بأس به .



فتحصّل : أنّ الضمان للخسارة بالنسبة لا دليل له . اللّهمّ إلاّ أن يشترط في ضمن عقد التأمين الضمان بالنحو المذكور مع التفات الطرفين إليه ولو بالارتكاز والإجمال ، فيجب العمل بما اشترط في العقد .



6 ـ المذكور في المادة ( 11 ) منها أنّ الموءمّن له لو زاد في قيمة المال عند العقد خدعةً كان عقد التأمين باطلاً ، والأقساط المأخوذة لا تكون قابلة للاسترداد .



وفيه ما لا يخفي ؛ فإنّه لا وجه للبطلان بعد كون الاختلاف بينهما بالقلّة والكثرة لا بالتباين ، بل غايته هو ثبوت الخيار للموءمّن .



كما لا وجه لعدم استرداد الأقساط علي فرض البطلان . والقول بأنّه مشروط في ضمن عقد التأمين منافٍ لدعوي بطلان العقد .



نعم ، يمكن أن يقال : بأنّ نفس تحمّل المسوءولية للخسارة بأمر صاحب المال عمل محترم عند العقلاء ، وهو يوجب استحقاق اُجرة المثل ، ولكنّها لا تساوق الأقساط ؛ لإمكان كونها أكثر أو أقلّ .



واحتمال أن يكون المقصود من البطلان هو الإبطال مع فرض صحّة العقد مع الخيار خلاف الظاهر من العبارة .



7 ـ المذكور في المادة ( 12 ) و ( 13 ) منها أنّه لو لم يذكر صاحب المال أوصاف المال التي لها دخل في موضوع الخطر ومقدار أهمّيته وعدمها عند الموءمّن ؛ فإن كان عدم الذكر من جهة العمد أو كذب في أوصاف المال ثمّ بان الخلاف فعقد التأمين باطل ولو لم تكن الأوصاف المذكورة موءثّرة في وقوع الحادثة ، ولكن الأقساط المأخوذة لا تكون قابلة للاسترداد ، بل للموءمّن أن يقدم علي أخذ الأقساط التي لم يوءدّها إلي هذا التاريخ .



وإن لم يكن عدم الذكر من جهة العمد ولم يكذب في الأوصاف فالعقد صحيح .



فلو علم بالأوصاف المذكورة قبل وقوع الحادثة فالموءمّن بالخيار بين الإبقاء مع ازدياد الأقساط أو الفسخ ، ولو لم يعلم بها إلاّ بعد وقوع الحادثة وجب علي الموءمّن إعطاء الخسارة مع ملاحظة النسبة بين ما ذكر في العقد وما ظهر بعد وقوع الحادثة .



وفـيه :



أوّلاً : إنّه لا فرق بين العمد وغيره ؛ فإنّ العقد صحيح في كليهما ، وإنّما للموءمّن خيار الفسخ ؛ لعموم أدلّة خيار تخلّف الوصف أو التدليس أو الغبن .



وثانياً : إنّ الحكم بعدم قابلية الاسترداد وجواز أخذ بقيّة الأقساط لا يتلاءم مع الحكم بالبطلان ؛ إذ مع بطلان العقد لا وجه لذلك ، والقول بأنّه مشروط في ضمن العقد لا يفيد ؛ لأنّ الشرط الابتدائي لا حكم له مع فرض كون العقد باطلاً .



نعم ، يجوز أخذ اُجرة المثل في مقابل تحمّل المسوءولية إلي زمان ظهور تخلّف الأوصاف ، ولكنّه لا يساوق الأقساط .



وثالثاً : إنّ الإلزام بإعطاء الزيادة في صورة اختيار الإبقاء فيما إذا لم يكن عدم الذكر من جهة العمد لا دليل له ؛ إذ مع ظهور تخلّف الوصف يكون للموءمّن الخيار بين الإبقاء والفسخ ، وأمّا الإلزام بإعطاء الزيادة في صورة اختيار الإبقاء فهو محتاج إلي الدليل ، وهو مفقود في مثل المقام ، بخلاف خيار العيب في باب البيع فإنّ الدليل يدلّ علي الأرش .



نعم ، يجوز للموءمّن له أن يعطي الزيادة لئلاّ يفسخ الموءمّن ، ولكن ليس للموءمّن إلزامه بها .



ورابعاً : إنّ الحكم بتقليل الخسارة بالنسبة عند العلم بالصفات التي لم تذكر بعد وقوع الحادثة محتاج أيضاً إلي الدليل ؛ إذ مع صحّة العقد واختيار الإبقاء يلزم علي الموءمّن العمل بالعقد ، والتقليل خلاف الوفاء بالعقد .



نعم ، له الفسخ وردّ الأقساط ، كما يجوز للموءمّن له أن يعطي الزيادة لئلاّ يفسخ الموءمّن ، فتدبّر .



8 ـ المذكور في المادة ( 14 ) منها أنّه لا يضمن الموءمّن الخسارات التي أوردها الموءمّن له أو وكلاؤه عمداً أو تقصيراً .



ولا بأس بذلك ؛ لانصراف عقد التأمين عن ضمانها .



9 ـ المذكور في المادة ( 15 ) منها هو وجوب محافظة صاحب المال علي ماله المؤمّن عليه ، وحيلولته ـ بما تقتضيه العادة ـ دون وقوع حادثة فيه أو ازديادها .



وهو كذلك ؛ لأنّ ذلك مبني عليه عقد التأمين . بل يجب عليه إطلاع الموءمّن علي قرب وقوع الحادثة أو ازديادها وغير ذلك في المدّة التي توافقا فيها إن اشترط ذلك في عقد التأمين .



فلو كان تحمّل الخسارة مشروطاً بالمحافظة علي المال والإطلاع ، وتسامَحَ الموءمّن له في تلك الاُمور ، فلا ضمان علي الموءمّن .



ولو تحمّل الموءمّن له إنفاق شيء للحيلولة دون حدوث الخسارة أو كثرتها ، فله أخذه من الموءمّن إن كان مشروطاً في العقد أو كان مبنيّا عليه ، وإن اختلفا في لزوم الإنفاق أو مقداره فاللازم هو الرجوع إلي المحاكم الشرعية .



10 ـ المذكور في المادة ( 16 ) منها أنّه لو كان الموءمّن له باعثاً بسبب عمله علي تشديد الخطر أو تغيير كيفيّة موضوع التأمين بحيث لو كان كذلك من أوّل الأمر لما أقدم الموءمّن علي عقد التأمين بالنسبة إليه ، يجب عليه أن يُعلِم الموءمّن بذلك ، وهكذا يجب عليه إعلامه فيما إذا لم يكن سبباً في ذلك .



وفي كلا الموردين للموءمّن أن يطالب الموءمّن له بأن يزيد في حقّ الأقساط ، ولو لم يقبل الموءمّن له ذلك فله أن يفسخ عقد التأمين . وإن أدّي الموءمّن الخسارة الحاصلة بسبب فعل الموءمّن له فله مطالبته بها ؛ لأنّه السبب في حصول الخسارة .



ولو اختار الموءمّن بقاء العقد ـ ولو بقبول الأقساط بعد الاطّلاع علي كونه سبباً في تشديد الخطر ، أو أداء الخسارة بعد وقوع الحادثة وتشديد الأمر بسببه ـ فليس له فسخ العقد ؛ إذ وصول الأقساط بعد الاطّلاع علي تشديد الخطر أو أداء الخسارة بعد وقوع الحادثة دليلٌ علي رضا الموءمّن ببقاء عقد التأمين . انتهي .



أمّا وجوب الإعلام فهو لاشتراطه في ضمن العقد ، مضافاً إلي أنّ عدم الإعلام تغرير ، فتدبّر .



وأمّا مطالبة الموءمّن بأن يزيد الموءمّن له في حقّ الأقساط فلا مانع منها إذا لم يكن فيها إلزام ؛ إذ مع تخلّف الشرط وظهور تغيير كيفيّة موضوع عقد التأمين ليس له إلاّ خيار الفسخ أو الإبقاء . وأمّا أخذ التفاوت فلا دليل له .



وأمّا جواز المطالبة بالخسارات الموءدّاة فلأنّ الموءمّن له هو السبب فيها ، كما هو المفروض .



11 ـ لو مات الموءمّن له وانتقل المال إلي الورثة ، أو نقل الموءمّن له المال إلي الغير ، ففي المادة ( 17 ) من قوانين التأمين أنّ الورثة أو الذي انتقل المال إليه إن التزموا بكلّية القرارات المذكورة في عقد التأمين وعملوا بها ، فالعقد باقٍ علي ما هو عليه . ولكن لكلّ من الموءمّن والورثة ومن انتقل إليه المال حقّ الفسخ ، وللموءمّن أن يفسخ في مدّة ثلاثة أشهر من حين مطالبة من انتقل إليه المال بأن تستبدل الوثيقة باسمه .



والناقل مسوءول بالنسبة إلي الأقساط حتي يُعلم المؤمّن بالانتقال بصورة قانونية بواسطة سند قانوني ونحوه .



ولو كان الورثة أو المنتقل إليه المال متعدّداً ، كان كلّ واحد منهم مسوءولاً تجاه الموءمّن بالنسبة إلي تمام الأقساط المعيّنة للتأمين . انتهي .



ولا يخفي عليك :



أوّلاً : إنّ بقاء عقد التأمين لا يتوقّف علي العمل بالقرارات المذكورة في عقد التأمين ، فلا وجه لتعليق البقاء علي الالتزام والعمل بها ، بل هو باقٍ ويجب العمل بها .



وثانياً : إنّه إن اشترط في عقد التأمين حقّ الفسخ لكلّ من الموءمّن والورثة ومن انتقل إليه المال فلا مانع منه ، وأمّا إذا لم يشترط ذلك فمقتضي القاعدة هو بقاء عقد التأمين علي اللزوم في الإرث بل في النقل الاختياري إذا كان المشتري عالماً بكون العين موردا لعقد التأمين . نعم لو لم يعلم بذلك ثمّ علم فله الخيار ؛ للفرق بين ما اشتراه وما ظهر له بعد ذلك من الخصوصيات .



ثمّ إنّ مدّة الفسخ تابعة للشرط إن كان الخيار بالشرط ، كما هو كذلك .



وثالثاً : إنّ مسوءولية الناقل بالنسبة إلي الأقساط إلي أن يعلن عن الانتقال إن كانت مشروطة في العقد فلا بأس ، وغايته هو التزام تأدية بعض الأقساط مع عدم كونه مالكاً ، ولا مانع من ذلك مع اشتراطه في العقد ؛ لعموم « الموءمنون عند شروطهم » . وأمّا لو لم تكن مشروطة في العقد فالمسوءول هو المالك للعين ، فإذا انتقلت عنه فلا مسوءولية له بالنسبة إليها بعد الانتقال ، سواء أعلن أم لم يعلن . وإذا اختلفا في زمان الانتقال فاللازم هو الرجوع إلي المحاكم الشرعية .



ورابعاً : إنّ مسوءولية كلّ واحد من الورثة أو من انتقل إليه المال بالنسبة إلي تأدية تمام الأقساط المعيّنة للتأمين غير واضحة لو لم تُشترط في عقد التأمين ؛ لأنّ مسوءولية تأدية الأقساط تابعة لمقدار مالكية الوارث أو من انتقل إليه المال ، فإن صار مالكاً لجميع المال فعليه تلك المسوءولية ، وأمّا إذا كان المفروض هو تعدّد الوارث أو من انتقل إليه المال فلم يصر مالكا لجميع المال ، ومعه كيف يكون ملزماً بتأدية جميع الأقساط ؟ !



والظاهر من النبوي ـ « من ترك مالاً فلورثته » ـ ( 20 ) هو ثبوت الواحد الشخصي لمجموع الورثة ، ولو سلّم عدم ظهور ذلك من النبوي فلا أقلّ من أنّه هو القدر المتيقّن . فحقّ التأمين للمجموع ، وهم المسوءولون في قبال الموءمّن في تأدية الأقساط ، كما أنّ ذلك هو القدر المتيقّن من انتقال حقّ الخيار في باب البيع إلي الورثة . ولذلك قال في جامع المدارك : وعلي فرض عدم جواز التبعّض في الخيار وشمول أدلّة الإرث للحقوق لابدّ من الاقتصار علي القدر المتيقّن وهو المجموع للمجموع ( 21 ) .



بل مسوءولية تأدية تمام الأقساط لكلّ واحد من الورثة أو من انتقل إليه المال بالاشتراط في العقد أيضاً غير واضحة ؛ لأنّ الشرط في ضمن العقد نافذ في حقّ الشارط لا غيره .



اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الاشتراط المذكور يوجب اتّصاف العين بخصوصية خاصّة ، فمع انتقال العين بالإرث أو بغيره ـ من الشراء ونحوه ـ تنتقل مع خصوصياتها ، ولكن مرجع ذلك في النهاية هو أن يكون الاشتراط في العقد من الشارط نافذاً في حقّ الغير ، فتأمّل .



12 ـ المذكور في المادة ( 18 ) منها أنّه لو ظهر أنّ الخطر ـ الذي لأجله جري عقد التأمين ـ كان واقعاً قبل عقد التأمين ، فعقد التأمين باطل ، ولا أثر له ، فلو أخذ الموءمّن من الموءمّن له شيئاً فعليه ردّه إلي الموءمّن له بعد كسر عشر منه . انتهي .



وفيه : أنّ أخذ العشر لا دليل له بعد فرض كون العقد باطلاً ، فالاشتراط في ضمنه لا أثر له ؛ إذ يكون الشرط حينئذٍ شرطاً ابتدائياً .



نعم ، يمكن أن يقال : إنّ للموءمّن اُجرة المثل ؛ لأنّ تحمّل المسوءولية بأمر الموءمّن له والإتيان بلوازمه عمل محترم ، فيستحقّ اُجرة المثل .



13 ـ المذكور في المادة ( 19 ) منها أنّ الموءمّن مسوءول لتأدية تفاوت قيمة المال قبل وقوع الحادثة بلا فصل مع قيمته بعد حدوث الحادثة بلا فصل نقداً . وأمّا التعمير أو إعطاء البدل والمثل فلا يكفي ، إلاّ إذا اشترط ذلك في متن عقد التأمين ، فيجب عليه الإقدام علي ذلك فوراً ، انتهي .



ولا بأس بذلك بناءً علي أنّ الشائع في التأمين هو تحمّل الخسارة نقداً ، كما هو كذلك .



ثمّ إنّ المقرّر في هذه المادة هو أنّ الحدّ الأكثر من المسوءولية المذكورة في الخسارة النقدية هو عدم تجاوز التفاوت عن القيمة التي كانت مذكورة في عقد التأمين ، وإلاّ فلا مسوءولية للموءمّن بالنسبة إلي الزائد عليها وإن كانت قيمتها مرتفعة عند وقوع الحادثة .



14 ـ إنّ الموءمّن ـ كما قرّر في المادة ( 20 ) منها ـ لا يكون مشمولاً للخسارة الناشئة من العيوب الذاتية للشيء إلاّ إذا اشترط مسوءولية تلك الخسارة أيضاً ، انتهي .



أو كان العقد من أوّل الأمر علي تعميم المسوءولية .



15 ـ الخسارة الواردة في مثل الحريق علي أقسام :



أحدها : نفوذ الحريق إلي الشيء ، ولو كان الحريق من مكان آخر قريب منه .



ثانيها : الخسارة الواردة من ناحية إطفاء الحريق بالماء ونحوه .



ثالثها : الخسارة الواردة من ناحية إخراج الشيء من الحريق .



رابعها : الخسارة الواردة من ناحية تخريب البناء دفعاً للسراية أو توسعتها .



وقد صرّح في المادة ( 21 ) منها بأنّ الموءمّن مسوءول لتأدية الخسارة في جميع الأقسام المذكورة ، وهو كذلك قضاءً لإطلاق تحمّل الخسارة . نعم لو استثني منها قسماً خاصّاً فلا مسوءولية له بالنسبة إليه ، كما لا يخفي .



16 ـ تعيين الخسارة في تأمين الأموال يكون ـ كما عرفت ـ بملاحظة التفاوت بين القيمة قبل الحادثة بلا فصل وبعدها بلا فصل . وتعيينها في تأمين الحمل والنقل يكون ـ كما في المادة ( 22 ) منها ـ بملاحظة قيمة المال في المقصد وقيمته بعد وقوع الحادثة بلا فصل . وتعيينها في تأمين المنافع المتوقّفة علي أمر خاصّ يكون بملاحظة قيمتها عند وقوع ذلك الأمر الخاصّ . وتعيينها في تأمين المحصول الزراعي يكون بملاحظة قيمته عند أخذ المحصول .



نعم ، تُنقص المخارج واُجور الأتعاب والجهود المبذولة من القيم المذكورة لو لم تقع الحوادث . وليعلم أنّ القيم المذكورة لو كانت زائدة عن القيم المذكورة في متن عقد التأمين فلا تكون مشمولة بالنسبة إلي المقدار الزائد لعقد التأمين ، كما لا يخفي .



17 ـ المذكور في المادة ( 23 ) منها أنّ المبلغ الذي يوءدّيه الموءمّن في التأمين علي الحياة أو نقص الأعضاء يلزم أن يكون متعيّناً جزماً في عقد التأمين بين الطرفين .



ثمّ إنّ التأمين علي الحياة أو التأمين علي نقص الأعضاء بالنسبة إلي الغير يكون باطلاً في صورة عدم إحراز موافقة خطّية مسبَقة منه ، انتهي .



وما ذكره من البطلان إن كان المقصود منه ما إذا كان الغير طرف العقد فهو واضح ؛ لأنّ العقد متقوّم بالطرفين . وهكذا الأمر إن كان المقصود إجراء عقد التأمين بين الموءمّن والموءمّن له بالنسبة إلي شخص آخر بحيث يجب أداء مقدار من الأقساط علي الآخر ؛ إذ لا يجب علي الغير شيء من دون رضاه به . وأمّا إن كان المقصود هو إجراء عقد التأمين بينهما بالنسبة إلي شخص آخر بحيث يجب أداء جميع مقدار الأقساط علي الموءمّن له دون الآخر فهو صحيح فيما إذا كان الغير ممّن يعوله ، ولا حاجة إلي رضاه بذلك . نعم إذا لم يكن ممّن يعوله كان ذلك تصرّفاً في شوءونه ، ومقتضي استقلال الحرّ في اُموره هو عدم جواز ذلك من دون رضاه .



هذا مضافاً إلي أنّ حقيقة التأمين غير موجودة في المورد ؛ إذ الغير لم يطّلع علي ذلك حتي يكون تأميناً في حقّه ، وطرف العقد لا اضطراب له بالنسبة إلي الأجنبي حتي يوجب عقد التأمين تأميناً له ، وهذا بخلاف من يعوله ؛ فإنّ حقيقة التأمين فيه موجودة ، كما لا يخفي .



18 ـ المذكور في المادة ( 24 ) منها أنّ حقّ التأمين علي الحياة يعطي إلي الورثة بعد الموت ، إلاّ أن يذكر غيرهم في الوثيقة حين العقد أو بعده ، فالحقّ يكون لذلك الغير .



وفيه : أنّ ذلك صحيح إذا كان الانتقال في زمان الحياة بنحو التنجيز ، وأمّا إذا كان بنحو الوصية لما تركه من الحقّ فنفوذه في الزائد علي الثلث محتاج إلي رضا الورثة .



وممّا ذُكر يظهر ما في المحكي عن اُستاذنا الأراكي قدس‏سره من أنّ حقّ التأمين الذي أدّاه الموءمّن ليس إرثاً ولا وصيّةً ، بل هو أمر مستقل تابع للعقد ، فيجوز أن يجعله الموءمّن له لغير الورثة ولو زاد عن الثلث ، أو يجوز له أن يوصي بأن يعطي إلي الورثة بالسويّة ( 22 ) . .



وذلك لأنّ الملكية بالنسبة إلي حقّ التأمين وإن كانت غير حاصلة حال الحياة ـ لتوقّفها علي بقائه في مدّة التأمين ، وهو غير حاصل ؛ لأنّ المفروض هو موته في تلك المدّة ـ ولكن حقّ التأمين من حقوقه بسبب عقد التأمين ، فهو بعد موته مندرج تحت عموم « من ترك مالاً فلورثته » ( 23 ) .



اللّهمّ إلاّ أن يكون المفروض علي نحو يكون الانتقال إلي الغير فعليّاً وإن كان المنتقل استقبالياً بحيث لا يندرج تحت عنوان التركة ، فتأمّل .



19 ـ المذكور في المادة ( 25 ) منها أنّ للموءمّن له أن يغيّر ذا النفع في الوثيقة في التأمين علي الحياة ، إلاّ إذا نقله إلي الغير قبلاً وأعطاه الوثيقة .



والظاهر منه أنّ النقل من دون إعطاء الوثيقة لا أثر له ، مع أنّ النقل إن كان بمثل المصالحة فهو عقد لازم يتحقّق بالإيجاب والقبول ، ولا يحتاج إلي القبض ، فضلاً عن قبض الوثيقة . فإعطاء الوثيقة لا أثر له في تأثير الانتقال .



نعم ، لو كان النقل بمثل الهبة فتأثيرها منوط بالقبض ، وحيث إنّ الحقّ لا يكون قابلاً للقبض يكفي فيه التخلية عنه واستيلاء الغير عليه ، وهو يحصل بإعطاء الوثيقة ، فما دام لم يعط الوثيقة كانت الهبة غير موءثّرة ، فله أن ينقله إلي غير المنقول إليه أوّلاً ، فلا تغفل .



20 ـ يجوز للموءمّن له أن ينقل إلي الغير في مدّة التأمين المبلغ المعيّن له في العقد للتأمين علي الحياة المذكور في الوثيقة ، ولكن النقل المزبور يلزم أن يكون بتوقيع الناقل والموءمّن . هكذا جاء في المادة ( 26 ) منها .



أقول : إنّ اعتبار توقيع الناقل واضح ؛ إذ بدونه لا يتمكّن المنقول إليه من إثبات أنّ المال نُقل إليه ، ولذا يكون التوقيع كالشرط المذكور في المعاملات .



وأمّا اعتبار توقيع الموءمّن فلا وجه له ؛ لأنّه ليس بناقل .



نعم ، لو كان المنقول هو الأقساط كان رضا الموءمّن وتوقيعه شرطاً ؛ لأنّ النقل حينئذٍ يكون كالحوالة ، واللازم فيها هو رضا الثلاثة : المحيل والمحتال والمحال عليه ، ولكن الحوالة خلاف الظاهر من العبارة .



اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ اعتبار توقيع الموءمّن من باب اعتبار توقيع الناقل لا من باب أنّ له حقّا في ذلك .



21 ـ آثار الانتقال القانونية في انتقال المبلغ المعيّن للمؤمّن له في التأمين علي الحياة تترتّب من حين الموت لا من حين العلم بالموت ؛ لأنّ الموضوعات ظاهرة في واقعها ولا دخل للعلم والاطّلاع فيها . إلاّ إذا كان الموءمّن له قد أخذ من الشركة شيئا من المبلغ المعيّن له حال حياته ، أو صالحها علي شيء ، فلا إشكال في اعتباره ، كما هو المستفاد من المادة ( 27 ) منها .



22 ـ تحمّل الخسارة تابع لما توافق عليه الموءمّن والموءمّن له ، فإن كان مطلقاً فهو يشمل كلّ خسارة إلاّ الخسارة المتعمّدة ؛ للانصراف . ولكن الظاهر من المادة ( 28 ) منها هو عدم التوافق بالنسبة إلي الخسارة الواردة بسبب الحرب .



23 ـ لا إشكال في أنّ عقد التأمين بالنسبة إلي المال المنقول يوجب مسوءولية الموءمّن بالنسبة إلي حامل المال المنقول أو حافظه في الخزائن ؛ لأنّه هو الذي أجري عقد التأمين مع الموءمّن . فإذا وقع أمر وحصلت الخسارة وأدّاها الموءمّن إلي طرفه ـ الذي هو الحامل والحافظ ـ فلا مسوءولية له بالنسبة إلي أرباب الأموال المنقولة ؛ إذ لا عقد بينهما ، كما لا يخفي .



ولعلّ هذا هو المقصود من المادة ( 29 ) منها حيث نصّت ـ في مورد تأمين المال المنقول عند وقوع الحادثة وأداء الموءمّن الخسارة إلي الذي استأمنه ـ علي أنّ الموءمّن يبرأ من المسوءولية في مقابل الشخص الثالث ، انتهي .



وحمل المنقول علي المنتقل إلي الغير وإرادة أنّ الموءمّن مسؤول بالنسبة إلي الناقل لا المنقول إليه ـ لكون عقد التأمين بينهما ـ وإن كان ممكناً ، ولكنّه خلاف الظاهر من العبارة ؛ لظهور عنوان ( المال المنقول ) في الأموال القابلة للانتقال من مكان إلي مكان آخر ، في قبال الأموال غير المنقولة ، كالدار والأرض ونحوهما ، فلا تغفل .



24 ـ لو اشترط الموءمّن علي الموءمّن له في عقد التأمين أن يقوم مقامه في استيفاء حقّه ممّن اعتدي علي ماله ، جاز ذلك ، ويكون المأخوذ له إن كان بمقدار ما أدّاه الموءمّن من الخسارة أو تقبّل تأديته إلي الموءمّن له . ولا يجوز أن يفعل الموءمّن له ما ينافي الاشتراط المذكور ، كما يظهر من المادة ( 30 ) منها .



ووجهه ظاهر ؛ لأنّه اشتراط والتزام في ضمن عقد لازم ، ومقتضي قوله صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : « الموءمنون عند شروطهم » هو وجوب الوفاء به .



25 ـ لو توقّفت شركة التأمين عن القيام بأعمالها أو أفلست فقد نصّت المادّة ( 31 ) علي أنّ للموءمّن له حقّ الفسخ .



يمكن أن يقال : إنّ حقّ الفسخ متفرّع علي أمرين :



أحدهما : إمكان أن تقوم الشركة بأعمالها .



وثانيهما : هو اشتراط حقّ الفسخ في متن عقد التأمين .



إذ مع عدم إمكانها القيام بأعمالها لا معني لبقاء العقد حتي يتصوّر فيه حقّ الفسخ ؛ لبطلانه بعد عدم إمكان إدامة التأمين وتقسيط أقساط التأمين بالنسبة إلي ما مضي وما بقي ، فتأمّل .



كما أنّه مع إمكان القيام بأعمالها وعدم الاشتراط ، لا مجال لحقّ الفسخ .



26 ـ لو أفلس الموءمّن فلا وجه لتقدّم حقّ الموءمّن له علي حقّ سائر الغرماء بل هو غريم من الغرماء ، فمع حكم الحاكم بالحجر تقسّم أموال المفلس بين الغرماء بنسبة حقّهم ، ولا يجوز تقديم أحد علي أحد بالنصّ والإجماع ، إلاّ إذا كانت عين مال أحد موجودة عند المفلس .



وممّا ذكر يظهر ما جاء في المادة ( 32 ) حيث نصّت علي تقدّم حقّ الموءمّن علي سائر الغرماء . بل لا يجوز اشتراط ذلك في عقد التأمين ؛ لأنّه شرط مخالف للكتاب والسنّة ، نعم يجوز اشتراط تقديم حقّ التأمين علي الحياة علي سائر التأمينات ؛ بمعني اشتراط الموءمّن علي المستأمنين أن لا يُقدموا علي المطالبة بحقّهم عند وجود مستأمن علي حياته ؛ لأنّ شرط عدم إعمال الحقّ مع المستحقّين لا مانع منه ، وهذا بخلاف سائر الغرماء ؛ فإنّهم لا يكونون في زمرة المشترطين .



ومن ذلك ينقدح أيضاً عدم الوجه في تقديم حقّ الموءمّن علي سائر الغرماء لو أفلس الموءمّن له . ولذلك يظهر أيضاً ما في المادة ( 33 ) منها حيث نصّت علي تقديمه عليهم ، مع أنّه يخالف النصّ والإجماع .



27 ـ لو كانت أشياء مختلفة موضوعة للتأمين في عقد واحد ، فلو ثبت أنّ الموءمّن له خَدَع في واحد منها من جهة من الجهات لم يكن العقد باطلاً ، لا بالنسبة إلي المخدوع فيه ولا بالنسبة إلي غيره ، بل غايته هو أن يكون للموءمّن خيار التدليس أو الغبن ، ولو سلّم البطلان بالنسبة إلي المخدوع فيه فلا وجه للبطلان في غيره ، غايته هو خيار تبعّض التأمين . اللّهمّ إلاّ أن يشترط في ضمن عقد التأمين أن يكون للموءمّن حقّ الإبطال في الفرض المزبور ، ولكنّه ـ بعد التي واللتيّا ـ يوءكّد صحّة العقد ؛ إذ الإبطال مسبوق بالصحّة .



وكيف كان ، يظهر ممّا ذكر ما في المادة ( 34 ) حيث نصّت علي بطلان المخدوع فيه وسراية البطلان إلي الباقي بمجرّد كون العقد واحداً .



28 ـ ولا يخفي عليك أنّ الحقّ لذيه ، ولا يبطل بمرور الزمان ، بل هو قابل للطرح والمطالبة به في المحاكم الشرعية في أي وقت من الأوقات .



وممّا ذكر يظهر ما في المادة ( 36 ) منها حيث نصّت علي أنّ مبدأ الشروع بطرح الحق والمطالبة به يكون بعد مضيّ سنتين من ابتداء وقوع الحادثة التي تكون منشأً للدعوي .



نعم ، يمكن للمحاكم الشرعية أن تجعل غير ما مضي عليه سنتان في الأولوية من جهة طرحه والمطالبة به ، فتأمّل .



29 ـ قد عرفت أنّ من أنواع التأمين التأمين علي الحياة بشرط الموت ولا إشكال فيه إذا كان ذلك بين الشركة والموءمّن له باعتبار حياته هو ، فإنّ التأمين فيه حاصل ؛ لأنّ اضطراب الورثة بعد موته يعدّ من اضطرابه عند العقلاء ، فيقدّم المورث علي تأمين الحياة بشرط الموت ؛ ليحصل التأمين بالنسبة إلي ما بعد موته .



وأمّا إذا كان التأمين علي الحياة بشرط الموت باعتبار حياة شخص آخر ، فقد أورد عليه الاُستاذ الشهيد المطهّري قدس‏سره بأنّه ـ مضافاً إلي كونه أمراً مكروهاً ؛ لأنّ الموءمّن له يطمع في موت الغير ليصل إلي ما تعهّدت به شركة التأمين ، وهو مذموم في الإسلام ـ : لا يصحّ ؛ لخلوّه عن التأمين ؛ إذ موت الغير لا يوجب اضطراباً بالنسبة إليه حتي يقدم علي عقد التأمين لرفع اضطرابه .



فهذا النوع من أنواع التأمين وإن أجازته موءسّسات التأمين ولكنّه ـ كما عرفت ـ غير صحيح ؛ لعدم وجود حقيقة التأمين فيه ، وليس هو إلاّ كالمشارطة .



يمكن أن يقال : إنّ الغير إن كان من الأقارب أو الأزواج فالموءمّن يضطرب بفقدانهم من جهة مخارج الموت ، أو تكفّل من تكفّلوه ، أو من جهة قطع ما استفاده من عطاياهم ، أو غير ذلك ، فيقدم علي تأمين حياة الغير المذكور لرفع اضطرابه ، فتتحقّق حقيقة التأمين في هذه الصورة أيضاً . بل يحصل التأمين أيضاً إن كان الأجنبي ممّن بينه وبين الموءمّن علاقة ورابطة قويّة بحيث يوجب فقدانه اضطراباً فيه من بعض النواحي المذكورة .



نعم ، لو لم تكن قرابة أو علاقة بينهما لما صحّ عقد التأمين بالنسبة إلي الغير ؛ لعدم تحقّق حقيقة التأمين فيه ، كما لا يخفي .



30 ـ قد عرفت سابقاً أنّ من أنواع التأمين هو التأمين علي الحياة بشرط البقاء ، ولا إشكال فيه بعد إمكان عروض الحوادث أو الأمراض أو الكهولة أو ضعف الأعضاء أو الإفلاس ونحوها ؛ فإنّ العقد المذكور يوجب التأمين في أمثالها .



وممّا ذكر يظهر ما في إنكار مثل هذا النوع من التأمين ، كما يظهر من المحكي عن الاُستاذ الشهيد المطهّري قدس‏سره ـ في جواب السائل القائل بنفي حقيقة التأمين في التأمين علي الحياة بشرط البقاء ـ بأنّ هذا إشكال وارد ( 24 ) .



إذ لا مانع من إجراء عقد التأمين بين الشركة والموءمّن له ؛ بأنّه لو لم يمت الموءمّن له في المدّة المعيّنة كان علي الموءمّن أن يعطيه مبلغاً معيّناً حتي يتمكّن من تدارك بعض ما يمكن أن يتّفق له في تلك المدّة . ولا يلزم في ذلك العلم بوقوع الاُمور المذكورة ، بل يكفي مجرّد إمكان وقوعها في الاضطراب وتحقّق التأمين فيه بمثل عقد التأمين ، كما لا يخفي .



31 ـ لو أدّي الموءمّن له الأقساط دفعة واحدة في التأمين علي الحياة بشرط البقاء ، فلا إشكال فيه ، إلاّ ممّا يحكي عن الاُستاذ الشهيد المطهّري قدس‏سره حيث قال : فيه إشكال من جهة أنّ ماهيّته ماهيّة ربويّة ؛ إذ في هذه الصورة يرجع ما أدّاه الموءمّن له إليه بعد مضي المدّة مع زيادة الربح ، ومسألة التأمين فيه تكون تبعاً لتلك المعاملة الربوية ( 25 ) .



يمكن أن يقال : إنّ الأقساط لم تقع في عقد التأمين في قبال المأخوذ زائداً عليه بعد مضي المدّة المعيّنة ، بل هي في قبال التأمين في المدّة المذكورة ، فلا وجه لشبهة الربا ولو سُلّم المعاوضة بين الأقساط والمأخوذ زائداً .



فلا فرق في مجيء الشبهة في جميع الصور ؛ إذ أداء الأقساط دفعة أو مرّات لا يوجب تفاوتاً في وجود هذه الشبهة وعدمها ، فإن كانت المعاملة ربوية ففي جميع الصور تكون كذلك ، وإن قلنا بعدم كونها ربوية ـ لأنّها من المعدودات لا الموزونات ـ فلا إشكال في جميع الصور . وأيضاً لا تكون الأقساط قرضاً حتي تكون الزيادة موجبة للربا ، لأنّها ـ كما عرفت ـ وقعت في قبال التأمين أو في قبال المأخوذ زائدا ، فلا تغفل .



32 ـ عرفت أنّ التأمين علي الحياة بشرط البقاء في مدّة معيّنة لا إشكال فيه ؛ فيجب علي المستأمن أداء الأقساط ، كما يجب علي الموءمّن إعطاء ما توافقا عليه بعد مضي المدّة المذكورة وبقاء حياة الموءمّن له .



وأمّا إذا مات الموءمّن له في المدّة المذكورة فلا شيء علي الموءمّن بالنسبة إلي ما توافقا عليه ؛ فإنّه مشروط ببقاء الموءمّن له إلي تمام المدّة ، وهو غير حاصل .



وإنّما يقع الكلام في أنّه هل يجب أداء الأقساط الباقية بعد الموت إلي آخر المدّة أم لا يجب ؟

يمكن أن يقال بوجوب أداء الأقساط الباقية ؛ إذ لا يبطل عقد التأمين بموت الموءمّن له ، ومع عدم بطلانه لا وجه لعدم وجوبه ، كما أنّ الإجارة لا تبطل بموت المستأجر أو بموت الموءجر بناءً علي المشهور بين المتأخّرين .



اللّهمّ إلاّ أن يقال ببطلان عقد التأمين بموت الموءمّن له بتوهّم أنّه لا يبقي موضوع للتأمين مع موته ، فمع بطلان عقد التأمين من حين الموت لا وجه لبقاء وجوب الأقساط الباقية .



ولكن يمكن الذبّ عنه : بأنّ موضوع العقد هو الحياة بشرط البقاء ، وعروض الموت لا يوجب تخلّف الموضوع ؛ لأنّه من أوّل الأمر يكون مشروطاً بالبقاء ، ومعني اشتراطه بالبقاء هو إمكان عدم بقاء الحياة قبل تمام المدّة ، فلا تخلّف في الموضوع .



نعم ، لو جُعل نفس العقد مشروطا ببقاء الحياة في تمام المدّة ، بطل العقد بعروض الموت ، ومع بطلانه لا وجه لوجوب أداء الأقساط الباقية .



ولا مجال لما حكي عن الاُستاذ الشهيد المطهّري قدس‏سره من أنّ جعل العقد مشروطا ببقاء الحياة لا يصحّ ؛ للزوم التعليق فيه ، مع أنّ التنجيز من شرائط صحّة المعاملات ، والتعليق ينتهي إلي الجهل في الأقساط ؛ لعدم العلم بمدّة البقاء علي قيد الحياة .



وهكذا لا تصحّ هبة الأقساط الباقية بشرط الموت ؛ فإنّ التعليق في جميع المعاملات ـ حتي الهبة والقرض ـ باطل . نعم ، يصحّ أن يهب الأقساط الباقية بعد الموت تنجيزاً ( 26 ) .



لأنّ تعليق العقد لا دليل علي بطلانه إلاّ فيما قام الإجماع عليه كالبيع ، بل العقد التعليقي واقع ؛ كالوصيّة والنذر والعهد .



ثمّ إنّ إشكال التعليق ليس من ناحية استلزامه للجهل كما يظهر من كلام الشهيد المطهّري قدس‏سره ، بل إشكاله من ناحية قيام الإجماع ، وهو دليل لبّي يقتصر علي مورده .



هذا مضافاً إلي أنّ الجهل المذكور في غير البيع ـ كعقد التأمين ـ لا دليل علي بطلانه . نعم لا تعليق في نفس العقد حتي يبطل بعروض الموت .



وممّا ذكر يظهر أيضاً أنّ المنع عن الهبة التعليقية أو القرض التعليقي لا دليل له .



فتحصّل : أنّ عقد التأمين علي الحياة لا يبطل بعروض الموت ، ولا إشكال في هبة الأقساط الباقية بعد الموت بشرط حدوث الموت قبل مضي المدّة المعيّنة في عقد التأمين ، كما لا إشكال في هبة الأقساط الباقية بعد عروض الموت ، فلا تغفل .



33 ـ وقد تقرّر في تأمين الشخص الثالث أنّه لو تصادمت سيارة الموءمّن له مع سيارة اُخري ، وكان التصادم المذكور موجباً للضمان شرعاً ، كان علي الموءمّن تحمّل الخسارة الواردة علي الغير بحسب ما توافقا عليه .



ولا إشكال فيه ، وإنّما الكلام فيما إذا لم يكن التصادم موجباً للضمان شرعاً وإنّما يحكم العرف بأخذ الضمان ؛ فإنّ هنا شبهة ـ كما أفاد الاُستاذ الشهيد المطهّري قدس‏سره ـ وهي أنّه هل يصحّ عقد الضمان في هذه الموارد التي يكون أخذ الضمان ظلماً ، أو لا يصحّ ؟ فاللازم أن يبحث عن الصحّة وحدودها ، وكم نظيرا له في الفقه ( 27 ) .



وفـيه :



أوّلاً : إنّ عقد التأمين لا ينحصر في ذلك ، بل يعمّ الضمان الشرعي والعرفي .



وثانياً : إنّه إعانة للمظلوم في عدم ابتلائه بأفسد من هذا ، وليس ذلك إعانة للظالم ، فهل يكون إقراض المستقرض لدفع الظلم إعانةً علي الظلم ؟ ! والمقام يشبه القرض المذكور ، فكما أنّ الإقراض لنجاة المبتلي بالظلم إحسانٌ إلي المظلوم لا إعانة للظالم ، فكذلك تأمين المظلوم لئلاّ يقع في الشدّة والمحنة ليس إلاّ الإحسان .



نعم ، تأمين الظالم فيما يريده من الظلم إعانةٌ للظالم وحرام ، وأخذ الأقساط فيه أكل المال بالباطل ؛ لعدم صلاحية تأمين الظالم للمقابلة والمعاوضة شرعاً .



وممّا ذكر يظهر حكم نظائر المقام وأشباهه ، فلا تغفل .






( 24 ) انظر : كتاب بررسي فقهي مسئله بيمه : 34 ـ 35 ( بالفارسية ) .


( 10 ) بحوث فقهية : 39 .


( 7 ) انظر : دراسات موسعة حول المسائل المستحدثة ( للشيخ القزويني ) : 253 ، ط ـ سيد الشهداء عليه‏السلام قـم .


( 14 ) الكافي 5 : 258 . التهذيب 6 : 206 ، ح 1 .


( 2 ) بحوث فقهية : 39 .


( 16 ) جامع المدارك 3 : 392 .


( 11 ) وإليك ترجمة نصّ الاستفتاء المطروح إلي السيد صاحب العروة ، وجوابه :
الاستفـتاء :
ما حكم التأمين علي البضائع التي يجلبها التجّار من الهند إلي إيران ، حيث يتعهّد المؤمِّن بإيصال البضائع سالمة إلي مقصدها إزاء خصم 2 % أو 3 % من قيمة البضاعة ؟
الجـواب :


( 9 ) صراط النجاة 2 : 305 .


( 4 ) جواهر الكلام 28 : 184 .




( 19 ) المستدرك 13 : 426 ، ب 17 من أبواب الرهن ، ح 6 .


( 5 ) الوسائل 13 : 341 ، ب 9 ، أحكام الهبات ، ح 1 .


( 22 ) اُنظر : كتاب استفتاءات : 140 ( بالفارسية ) .


( 20 ) الكافي 1 : 406 .


( 13 ) الوسائل 13 : 164 ، ب 3 ، أحكام الصلح ، ح 1 .


( 12 ) توضيح المسائل ( فارسي ) : 489 ، المسألة 2855 ، انتشارات دار القرآن الكريم .


( 17 ) بحوث فقهية : 30 .


( 3 ) تحرير الوسيلة 2 : 609 ، المسألة 6 .


( 27 ) المصدر السابق : 32 .


( 18 ) شرائع الإسلام 2 : 109 ، ط ـ النجف الأشرف .


( 26 ) المصدر السابق : 37 ـ 36 .


( 23 ) الكافي 1 : 406 .


( 15 ) التهذيب 6 : 206 .


بسم اللّه‏ الرحمن الرحيم
المعاملة المزبورة ليست شرعية ، ولو أرادا تصحيحها شرعا فإنّه يجب علي صاحب المال ( المؤمَّن له ) أن يصالح صاحب التأمين ( المؤمِّن ) علي ماله ، ويشترط خيار الفسخ إلي وقت معيّن ؛ بأن يدفع له مئة ربّية مثلاً ، فإن تلف المال دفع إليه قيمته ، وإن وصل المال إلي مقصده سالما استرجع المئة ربّية وفَسَخ المعاملة . وتصرّف المؤمّن له في المال الذي أخذه من صاحب التأمين ( المؤمِّن ) فيما لو تلف ماله ، جائزٌ في صورة رضا المؤمِّن حتي لو كان

( 6 ) جواهر الكلام 28 : 185 .


( 21 ) جامع المدارك 3 : 171 ـ 173 ، بتصرّف .


( 8 ) انظر : كتاب حقوق بيمه در اسلام : 148 ( بالفارسية ) .


( 1 ) صراط النجاة 2 : 304 ، سؤال 955 .




المعاملة فاسدة ، وكذا بالنسبة للمئة ربّية التي دفعها صاحب المال ( المؤمَّن له ) برضاه ؛ فانّه لو فسخت المعاملة ووصلت البضاعة إلي مقصدها سالمة ، ففي هذا المورد أيضا يجوز لصاحب التأمين ( المؤمِّن ) التصرّف في هذا المال .
( نقلاً عن كتاب عقد التأمين : 147 ) .


( 25 ) المصدر السابق : 31 ـ 32 .

/ 1