زراعـة الأعضاء - زراعة الأعضاء جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

زراعة الأعضاء - جلد 1

السید محسن الخرازی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید







زراعـة الأعضاء





نويسنده: آية اللّه‏ السيّد محسن الخرازي



القسم الأوّل



زراعة الأعضاء أو ما يسمّي بالترقيع هي أن يؤخذ عضو من أعضاء الإنسان أو الحيوان ثمّ يوصل ببدن آخر بنحو من الأنحاء الرائجة .



ويقع الكلام فيه : من جهة أنّه هل يجوز للإنسان أن ينقص شيئاً من أعضائه وإعطاؤه للغير أم لا ؟

أمّا أدلّة المانعين :



فقد استدلّوا للمنع بوجوه :



الوجه الأوّل : إنّ ذلك إضرار بالبدن ، والإضرار حرام . فالبحث في المقام يكون في جهتين :



الاُولي : في الكبري ، والثانية : في الصغري .



أمّا الجهة الاُولي : فقد استدلّ لها بروايات وبعض الآيات :



أمّا الروايات :



فمنهــا : موثّقة زرارة المروية في الكافي : عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد ابن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبداللّه‏ بن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‏السلام قال : « إنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار ، وكان منزل الأنصاري بباب البستان ، وكان يمرّ به إلي نخلته ولا يستأذن ، فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء ، فأبي سمرة ، فلمّا تأبّي جاء الأنصاري إلي رسول اللّه‏ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم فشكا إليه وخبّره الخبر ، فأرسل إليه رسول اللّه‏ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم وخبّره بقول الأنصاري وما شكا ، وقال : إن أردت الدخول فاستأذن ، فأبي ، فلمّا أبي ساومه حتي بلغ به من الثمن ما شاء اللّه‏ ، فأبي أن يبيع ، فقال : لك بها عذق يمدّ لك في الجنة ، فأبي أن يقبل ، فقال رسول اللّه‏ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم للأنصاري : اذهب فاقلعها وارمِ بها إليه ؛ فإنّه لا ضرر ولا ضرار » ( 1 ) .



بتقريب أنّ قوله : « فإنّه لا ضرر ولا ضرار » تعليل ، وهو عامّ لا يختصّ بالمورد ، ومقتضاه هو نفي كلّ ضرر وأسبابه .



بيان ذلك : إنّ الضرر اسم مصدر واسم جنس ، والنفي متعلّق بالجنس ، ومقتضاه هو نفي جنس الضرر ، والضرر معلول لعلل وأسباب مختلفة ، فنفي المعلول نفي لجميع أنحاء علله ، سواء كانت العلّة هي الأحكام الشرعية ؛ فإنّ العمل بها ربّما يكون موجباً للضرر ، أو إطلاقَ السلطنة علي المال والنفس ؛ فإنّه ربّما يوءدّي إلي الضرر ، أو لزومَ بعض المعاملات ، أو عدمَ جعل حقّ الشفعة ، وغير ذلك .



فإطلاق نفي المعلول يدلّ بدلالة الاقتضاء علي نفي العلل ، فإنشاء نفي الضرر شرعاً من أساسه وأصله وجذوره يدلّ بدلالة الاقتضاء علي أنّ الشارع سدّ جميع موجبات الضرر ؛ سواء كانت من ناحية الشارع وإطلاق حكمه ، أو من ناحية عدم جعل الحكم ، أو من ناحية غير الشارع ؛ سواء كان نفسه أو غيره .



ويرجع هذا النفي إلي محكومية الإطلاقات والعمومات الضررية ، وإلي النهي عن إيراد الضرر علي النفس وعلي الغير ، وإلي تدارك الضرر بجعل الخيار فيما إذا أوجب اللزوم الضرر . وبالجملة : نفي الضرر تشريعاً ينتج النفي والنهي والتدارك ، بل الحكم السلطاني فيما يحتاج نفي الضرر إليه .



وهذا أولي ممّا ذهب إليه الشيخ الأعظم قدس‏سره من إرادة نفي الحكم من نفي الضرر ؛ لأنّ استعمال عنوان الضرر وإرادة الحكم منه يحتاج إلي عناية ؛ إذ الضرر غير عنوان المضرّ ، والمنفي هو الضرر لا المضرّ ؛ أي الحكم .



كما أنّ ما ذكر أولي أيضاً ممّا ذهب إليه صاحب الكفاية من أنّ المراد هو نفي الحكم بنفي الموضوع الضرري ، كالوضوء الضرري ، فإنّه خلاف الظاهر أيضاً ؛ لأنّ الضرر عنوانٌ غير عنوان المضرّ والضارّ والضائر ، فالمنفي هو نفس الضرر الذي هو النقص ، لا المضرّ الذي هو المنقّص ، كالوضوء الضرري .



ثمّ إنّ المراد من « الضرار » هو المصدر ، والمراد من كلمة « لا » فيه إمّا النهي ؛ فهو ظاهر في تحريم إيراد الضرر ، سواء كان علي الغير أو علي نفسه ، وإمّا النفي ؛ فهو ظاهر في نفي إيراد الضرر ، فيدل بدلالة الاقتضاء علي نفي أسبابه . ولعلّ الثاني أنسب بسياق نفي الضرر .



ثمّ إنّ المراد من الضرار هو الإصرار علي الضرر ، كما يشهد له تطبيق عنوان المضرّ علي سمرة .



وكيف كان ، فقوله : « فإنّه لا ضرر ولا ضرار » يدلّ بعمومه وإطلاقه علي عدم جواز إضرار الإنسان بنفسه ، ولا فرق في ذلك بين كون المراد من الضرر هو المختار ، ـ أي نفس الضرر ـ أو الحكم ، أو الموضوع الضرري لنفي الحكم ، فإنّ إطلاق سلطنة الإنسان علي نفسه من الأحكام ، فنفي الحكم الضرري ، أو نفي الحكم بلسان نفي الموضوع الضرري ، يشمله أيضاً .



نعم ، ربّما يدّعي : « أنّ مفاد الفقرة الاُولي أنّه لا يتوجّه إلي المكلّف في محيط الشرع ضرر ، فهي ناظرة إلي ورود الضرر عليه من الخارج ، ومنصرفة عن ورود الضرر علي الإنسان من ناحية نفسه ، فلازمها أنّه لا يصل إلي الإنسان ضرر في محيط القانون ، فلم يحمل عليه ما يضرّ به ، ولم يجوّز للغير إيراد الضرر عليه ، وأمّا إضرار الإنسان بنفسه فهو خارج ومنصرف عنه . كما أنّ ظاهر المصدر في الفقرة الثانية أيضاً هو الإضرار بالغير وإيراد الضرر عليه ، فلا يعمّ إيراد الشخص للضرر علي نفسه » ( 2 ) .



ويمكن الجواب عنه : بأنّه لا وجه للانصراف بعد إطلاق النفي ، وتخصيصه بالأحكام الشرعية لا شاهد له بعد عدم اختصاص النفي بضرر خاصّ ، فالضرر والإضرار منفيّان ، أو منفي ومنهي ، من دون تقييد بالغير .



وأيضاً لا وقع لما قيل من إنّ وجه الانصراف هو أنّ الإنسان بطبيعته يدفع الضرر عن نفسه ؛ فيختصّ نفي الضرر بنفي التسبيب إلي الضرر بجعل حكم شرعي يستوجب له ( 3 ) .



لأنّ الإنسان كثيراً ما يقدم علي إيراد الضرر علي نفسه ، فلا وجه لدعوي الانصراف . هذا مضافاً إلي أنّ نفي الحكم الشرعي يشمل بإطلاقه نفي إطلاق سلطنة الإنسان علي نفسه ؛ فإنّه أيضاً من الأحكام الشرعية .



فتحصّل : أنّ عموم نفي الضرر والضرار كافٍ للحكم بحرمة الإضرار بالنفس .



ومنهــا : ما رواه المشايخ الثلاثة بطرق مختلفة ، من قبيل ما رواه في الكافي : عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن أسلم ، عن عبد الرحمان بن سالم ، عن مفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام : أخبرني جعلت فداك ! لِمَ حرّم اللّه‏ تبارك وتعالي الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير ؟ فقال : « إنّ اللّه‏ سبحانه وتعالي لم يحرّم ذلك علي عباده وأحلّ لهم سواه رغبةً منه فيما حرّم عليهم ، ولا زهداً فيما أحلّ لهم ، ولكنّه خلق الخلق وعلم عزّ وجلّ ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم ، فأحلّه لهم وأباحه ، تفضّلاً منه عليهم به تبارك وتعالي لمصلحتهم ، وعلم ما يضرّ [هم] فنهاهم عنه وحرّمه عليهم ، ثمّ أباحه للمضطرّ وأحلّه له في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلاّ به ، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك . . . » ( 4 ) .



وطرق الرواية كلّها مخدوشة ؛ إمّا من جهة الإرسال ، أو الجهالة ، أو الضعف . وسند الكافي موثّق إلاّ من جهة محمّد بن أسلم ومفضّل بن عمر ؛ فإنّ محمّد بن أسلم غير موثّق ، والعجب من صاحب الوسائل أنّه ذكر مكان محمّد بن أسلم محمّد بن مسلم ، ولم أره في نسخة الكافي ، ومفضّلَ بن عمر محلّ خلاف ، وإن ذهب إلي توثيقه الوحيد البهبهاني والسيّد الخوئي وملاّ عليّ العلياري ، ويوءيّده ما حكي فيه من عدوله عن الخطابية ، وكونه من أصحاب الإمام الكاظم عليه‏السلام .



وكيف كان ، فقوله : « وعلم ما يضرّهم فنهاهم عنه » يدلّ علي كبري كلّية هي أنّه تعالي نهي عباده عمّا يضرّهم .



والظاهر من الرواية أنّه في مقام إفادة وجه تحريم المحرّمات من دون تخصيصها بالمأكولات والمشروبات ، وعليه فتطبيقها علي موارد المأكول والمشروب لا يوجب تخصيصها بها ، كما لا يخفي .



ومنهــا : ما رواه في العلل : حدّثنا عليّ بن أحمد رحمه‏الله قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه‏ ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن العباس ، قال : حدّثنا القاسم بن الربيع الصحّاف ، عن محمّد بن سنان : أنّ أبا الحسن عليّ بن موسي الرضا عليه‏السلام كتب إليه بما في هذا الكتاب جواب كتابه إليه يسأله عنه : « جاءني كتابك . . . إنّا وجدنا كلّ ما أحلّ اللّه‏ تبارك وتعالي ففيه صلاح العباد وبقاؤهم ، ولهم إليه الحاجة التي لا يستغنون عنها ، ووجدنا المحرّم من الأشياء لا حاجة بالعباد إليه ، ووجدناه مفسداً داعياً الفناء والهلاك . . . فكيف أنّ الدليل علي أنّه لم يحل إلاّ لما فيه من المصلحة للأبدان وحرّم ما حرّم لما فيه من الفساد ؟ ! » ( 5 ) .



والرواية ضعيفة من جهة جهالة بعض رواتها وضعفه ، ولكنها تدلّ علي المدّعي ؛ إذ الظاهر منها أنّ وجه تحريم الأشياء هو إفسادها .



لا يقال : ظاهر الإفساد هو ما ينتهي إلي الهلاك وفساد البدن فلا يعمّ ما دونه ، كما تشهد له نسخة العلل حيث ضمّت إلي الإفساد قوله : « داعياً الفناء والهلاك » ، فلا يشمل كلّ ضرر لم يبلغ تلك المرتبة .



لأنّا نقول : قوله : « وجدناه مفسداً » في توجيه جميع المحرّمات يأبي عن اختصاصه بالمهلكات والمفنيات ؛ إذ ليس جميع المحرّمات كذلك ، فيكون المراد من الإفساد هو الأعمّ من المهلكات ، وعليه فقوله : « داعياً الفناء والهلاك » باعتبار بعض المحرّمات ، أو باعتبار العذاب الاُخروي المقرّر في كلّ حرام ، فلا تغفل .



ومنهــا : موثّقة طلحة بن زيد المروية عن الكافي في البحار : محمّد بن يحيي ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن يحيي ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللّه‏ ، عن أبيه عليهما‏السلام قال : « قرأت في كتاب لعليّ عليه‏السلام أنّ رسول اللّه‏ كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب : أنّ كل غازية غزت بما يعقب بعضها بعضاً بالمعروف والقسط بين المسلمين ، فإنّه لا يجار حرمة إلاّ بإذن أهلها ، وأنّ الجار كالنفس غير مُضارّ ولا آثم ، وحرمة الجار علي الجار كحرمة اُمّه وأبيه . . . » ( 6 ) .



بناءً علي أنّ قوله : « غير مضارّ » يراد منه المعني المفعولي ، ويكون خبرا ثانيا لقوله : « الجار » ، والمعني أنّ الجار منزّل منزلة النفس ، فهو لا يضارّ ؛ أي لا يورَد عليه ضرر كما لا يورَد علي النفس ضرر ، فالرواية تدلّ علي عدم جواز إيراد الضرر بالجار . ويستفاد منها أنّ حرمة إيراد الضرر علي النفس أمر واضح مفروغ عنه حتي شبّه حكم الجار بها .



وفيه : أوّلاً : إنّ هنا احتمالات اُخر ، ومعها لا تكون الرواية ظاهرة في ذلك . وفي البحار : « غير مضارّ » إمّا حال عن ( 7 ) المجير علي صيغة الفاعل ؛ أي يجب أن يكون المجير غير مضارّ ولا آثم في حقّ المجار ، أو من المجار فيحتمل بناء المفعول أيضاً ، بل الأوّل يحتمل ذلك ( 8 ) .



ولا يخفي عليك أنّه إن كان قوله : « غير مضارّ » حالاً من المجار واُريد منه المعني المفعولي ، فإنّه يفيد أنّ الجار في حال عدم ورود الضرر عليه يكون كالنفس ، وهو متقارب في المعني مع كون « غير مضارّ » خبراً ثانياً للجار .



وهكذا يكون الأمر إن كان حالاً من المجير واُريد منه المعني الفاعلي ؛ لأنّه يفيد أنّ الجار كالنفس حال كون المجير غير ضارّ إيّاه .



فالصور الثلاث المذكورة تدلّ علي عدم جواز إيراد الضرر عليه ؛ لأنّ الجار كالنفس أو لصيرورته كالنفس .



وأمّا إذا كان قوله : « غير مضارّ » حالاً من الجار واُريد منه المعني الفاعلي ، فهو يفيد أنّ الجار كأنفسكم تُحفظ حقوقه ويكون في أمان حال كونه غير مضارّ لكم ، وإلاّ فلا تشمله أحكام الإجارة ؛ لتخلّفه بالإضرار ، وعليه فهو أجنبي عن المقام من حرمة إيراد الضرر علي النفس ، بل هو متعرّض لحدود الاستجارة والإجارة .



وهكذا يكون الأمر إذا كان قوله : « غير مضارّ » حالاً من المجير واُريد منه المعني المفعولي ؛ فإنّه يفيد أنّ الجار كأنفسكم حال كون المجير لا يورَد عليه الضرر من ناحية الجار .



لا يقــال : إنّ الذي يقتضيه ظاهر ألفاظ الحديث والتركيب الكلامي هو أنّ قوله : « غير مضارّ » خبر ثانٍ للجار ويراد منه المعني المفعولي ، وبقية الاحتمالات خلاف ظاهر الكلام .



لأنّا نقـول : لا نسلّم ذلك بالنسبة إلي بعض الاحتمالات ، كاحتمال كون قوله : « غير مضارّ » حالاً من الجار مرادا منه المعني الفاعلي ؛ فإنّه أيضاً يساعده ظاهر التركيب الكلامي ، فيفيد أنّ الجار كأنفسكم مادام لم يكن ضارّاً لكم ، وعليه فيحصل الإجمال ، ولا يصحّ التمسّك بالرواية للمقام .



وثانياً : إنّ الحديث ـ كما في كتاب كلمات سديدة ـ ظاهر في التنبيه علي أمر أخلاقي واستفادة من غريزة فطرية . وغاية مفاده أنّه كما أنّ الإنسان لا يرضي بإيراد الضرر علي نفسه فينبغي ألاّ يرضي بإيراده علي جاره ، من غير أن يكون فيه دلالة علي أنّه لو رضي بإيراده علي نفسه لارتكب معصية ، بل هو لما كان في فطرته وجبلّته أنّه لا يرضي بأن يضرّ نفسه ، فهكذا عليه ألاّ يرضي بإضرار جاره ( 9 ) .



ويمكن أن يقال : إنّ أهمّية الحكم في طرف الجار لا تناسب تعليله بأمر أخلاقي يجوز تركه ، بل تعليل الحكم بذلك يشهد علي أنّ حرمة إيراد الضرر علي النفس أمر واضح ومفروغ عنه .



وثالثاً : إنّه لو سلّم أنّ التركيب الكلامي ظاهر في كون « غير مضار » خبراً للجار ، فدلالة الحديث علي حرمة إيراد الضرر علي النفس متفرّعة علي أنّ المراد نفس الإنسان ، وأمّا إذا اُريد من النفس ما يفيد معني « أنفسكم » ، فغاية ما تدلّ الرواية حينئذٍ هو أنّ الجار بمنزلة « أنفسكم » فلا يورد عليه ضرر ، أي أنّه كسائر المسلمين ؛ فكما لا يجوز إيراد الضرر عليهم كذلك لا يجوز إيراده عليه ، فلا يرتبط بالمقام الذي هو حرمة إيراد الضرر من النفس علي النفس .



ومنها : الروايات الدالّة علي أنّ كلّ ما أضرّ به الصوم فالإفطار واجب .



ففي الفقيه : قال الصادق عليه‏السلام : « كلّ ما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب » ( 10 ) .



وفي الكافي : عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسين بن عثمان ، عن سليمان بن عمرو ، عن أبي عبداللّه‏ عليه‏السلام قال : « اشتكت اُمّ سلمة ـ رحمة اللّه‏ عليها ـ عينها في شهر رمضان ، فأمرها رسول اللّه‏ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم أن تفطر وقال : عشاء الليل لعينيك رديء » ( 11 ) . وظاهر الأمر هو الوجوب .



وفيه أيضا : عن عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسي بن عبيد ، عن يونس ، عن سماعة ، قال : سألته [ أي الإمام الصادق عليه‏السلام ] : ما حدّ المرض الذي يجب علي صاحبه فيه الإفطار كما يجب عليه في السفر من كان مريضا أو علي سفر ؟ قال : « هو موءتمن عليه مفوّض إليه ، فإن وجد ضعفاً فليفطر ، وإن وجد قوّة فليصمه ، كان المرض ما كان » ( 12 ) .



وما في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه‏ عليه‏السلام عن حدّ المرض الذي يجب علي صاحبه فيه الإفطار كما يجب عليه في السفر في قوله : « ومَنْ كانَ مِنْكُم مَرِيضاً أَوْ عَلَي سَفَرٍ » ؟ قال : « هو موءتمن عليه مفوّض إليه ، فإن وجد ضعفاً فليفطر ، وإن وجد قوّة فليصم ، كان المريض علي ما كان » ( 13 ) .



وكذا ما في الدعائم : من قوله : « روينا عن جعفر بن محمّد عليهما‏السلام أنّه قال : « حدّ المرض الذي يجب علي صاحبه فيه عدّة من أيام اُخر كما يجب عليه في السفر لقول اللّه‏ عزّوجلّ : « فَمَن كَانَ مِنْكُم مَرِيضاً أَوْ عَلَي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ » أن يكون العليل لا يستطيع أن يصوم ، أو يكون إن استطاع الصوم زاد في علّته وخاف منه علي نفسه ، وهو موءتمن علي ذلك ومفوّض إليه فيه ، فإن أحسّ ضعفاً فليفطر ، وإن وجد قوّة علي الصوم فليصم ، كان المريض [ المرض ـ خ [ما كان » ( 14 ) .



لا مجال للمناقشة في سند هذه الروايات بعد الوثوق ببعضها ، فلا وجه للاكتفاء بذكر المرسلة في هذا المقام والاستشكال عليها بكونها مرسلة .



وكيف كان ، فربّما يقال : إنّ الروايات المذكورة تدلّ علي إيجاب الإفطار الذي يساوق حرمة الصيام في ما إذا كان الصوم مضرّاً بالمكلّف ، وهو كافٍ في إثبات أنّ الإضرار بالنفس حرام ، ولذا صار سببا لوجوب الإفطار .



هذا ، واُورد عليه : بأنّ بعض الروايات تدلّ علي سرّ حرمة الصيام علي المرضي ؛ وهو أنّ اللّه‏ تعالي قد أهدي إلي عباده المرضي والمسافرين هدية الإفطار بقوله : « وَمَن كَانَ مِنْكُم مَرِيضاً أَوْ عَلَي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ » ، وأكّده بقوله : « يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ »( 15 ) ، فإذا صام المريض فقد ردّ هدية اللّه‏ تعالي ردّاً عملياً ، فكان صيامه معصية ؛ لكونه ردّا لهديّة اللّه‏ وكان الإفطار له واجباً . وعليه فليس إيجاب الإفطار للمريض إذا أضرّ به الصيام دليلاً علي حرمة إيراد الضرر بالنفس ، بل إيجابه كإيجابه علي المسافر بعينه .



والروايات الواردة بهذا المضمون متعدّدة ، منها رواية يحيي بن أبي العلاء ، عن أبي عبداللّه‏ عليه‏السلام قال : « الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر ـ ثمّ قال : ـ إنّ رجلاً أتي النبيّ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم فقال : يا رسول اللّه‏ ، أصوم في شهر رمضان في السفر ؟ فقال : لا . فقال : يا رسول اللّه‏ ، إنّه عليَّ يسيرٌ ، فقال رسول اللّه‏ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : إنّ اللّه‏ عزّوجلّ تصدّق علي مرضي اُمّتي ومسافريها بالإفطار في شهر رمضان ؛ أيحبّ أحدكم لو تصدّق بصدقة أن تُردّ عليه ؟ ! » ( 16 ) .



فالحاصل : أنّ ظاهر الآية المباركة أنّ فرض المريض والمسافر هو « عدّة من أيام اُخر » ، وعليه فلا أقلّ من احتمال أن يكون وجوب الإفطار المذكور في مرسل الصدوق ناشئاً عمّا تضمّنته الآية المباركة لا عن حرمة الإضرار بالنفس ، ومع هذا الاحتمال لا يتمّ الاستدلال به ( 17 ) .



ولا يخفي عليك أنّ تعليق وجوب الإفطار علي المرض المضرّ علي النفس في مقام التحديد ـ كقوله : « فإن وجد ضعفاً فليفطر » ، أو قوله : « كلّ ما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب » ، وغير ذلك ـ يدل علي أنّ سبب الوجوب هو الإضرار بالنفس ، وجعل السبب لوجوب الإفطار هديةَ اللّه‏ تعالي هو خلاف ظاهر هذه الروايات . ولعلّ التعبير بالهديّة في طول سببية الإضرار بالنفس يعني : أنّ إيجاب الإفطار من جهة سببية الإضرار بالنفس هو من باب الهدية والامتنان علي الاُمّة ، كما أن إيجاب الإفطار من جهة سببية السفر وكونه صعباً غالباً هو من باب الامتنان والهدية .



فإذا عرفت أنّ مقتضي ظواهر الروايات هو جعل السبب لوجوب الإفطار هو كون الصوم محظوراً بنفسه ، يُعلم أنّ الإضرار بالنفس محرّم . ولكنّه بعد لا يخلو عن إشكال ؛ فإنّ مقتضي هذا الاستدلال هو حرمة تحمّل الحرج النوعي في السفر ، وهو كما تري .



ومنها : الأدلّة الواردة في انتقال فريضة الوضوء إلي التيمّم إذا كان استعمال الماء مضرّاً ببدن المكلّف ، بدعوي أنّ ذلك ليس إلاّ لكون استعمال الماء ـ والحال هذه ـ حراما تكليفيا .



ومن جملة تلك الأدلّة : صحيحة البزنطي عن الرضا عليه‏السلام في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح ، أو يكون يخاف علي نفسه من البرد ؟ فقال : « لا يغتسل ، ويتيمّم » ( 18 ) .



وقد أورد عليه في كتاب كلمات سديدة : بأنّ الرواية لا تدلّ علي أزيد من انتقال الفرض معه إلي التيمّم ، ولا ينبغي الريب في أنّ منشأ هذا الانتقال هو وجود المرض أو الجرح والقرح أو الخوف علي نفسه من البرد ، وأمّا أنّ استعمال الماء ـ والحال هذه ـ حرام تكليفي فلا دلالة فيها عليه .



نعم ، تدلّ معتبرة محمّد بن مسكين وغيره ـ المروية في الوسائل عن الكافي : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن مسكين وغيره ، عن أبي عبداللّه‏ عليه‏السلام ، قال : قيل له : إنّ فلاناً أصابته جنابة وهو مجدور ، فغسّلوه فمات ، فقال : « قتلوه ! ألا سألوا ؟ ! ألا يمّموه ؟ ! إنّ شفاء العيّ السوءال » ( 19 ) وغيرها ـ علي التوبيح الدالّ علي المبغوضية ، ولكنّها واردة فيما إذا انتهي استعمال الماء إلي الموت ، فلا تدلّ علي مبغوضية ما إذا انتهي إلي ما دونه من أقسام الضرر ، فلعلّه لو كان ينتهي إلي مجرّد ضرر أو طول برء مرض الجدري مثلاً ، لمّا كان يوبّخ عليه أصلاً ( 20 ) .



ويمكن أن يقال : إنّ الرواية تدل علي المبغوضية فيما إذا كان خائفا من الموت .



وكيف كان ، فمما ذكر يظهر ما في كلام السيّد قدس‏سره في العروة حيث قال : « إذا تحمّل الضرر وتوضّأ أو اغتسل . . . فإن كان الضرر في استعمال الماء في الوضوء أو الغسل بطل » ( 21 ) ؛ لما عرفت من عدم تماميّة الأدلّة لإثبات الحرمة التكليفية .



وأمّا الاستدلال بقاعدة لا ضرر الدالّة علي حرمة الإضرار ولو بالنفس ، فهو وإن تمّ ولا يرد عليه ما في التنقيح ـ من : « أنّ المحرّم في قاعدة لا ضرر إنّما هو الإضرار بالغير ، وأمّا الإضرار بالنفس فلم يقم علي حرمته دليل ؛ فلا مانع من أكل الطعام الذي يوجب المرض يوماً أو يومين أو أكثر ، اللّهمّ إلاّ أن يكون الإضرار بالنفس ممّا نقطع بعدم رضا الشارع به كقتل النفس أو قطع الأعضاء أو نحوهما » ( 22 ) ، لما تقدّم من أنّ قاعدة لا ضرر تعمّ الإضرار بالنفس ـ ولكن الكلام في المقام في غير القاعدة من الأدلة .



ومنها : الأدلّة الدالّة علي عدم وجوب الحجّ وعدم حصول الاستطاعة إذا استلزم السير إلي الحجّ مرضاً أو ضرراً بدنياً ، حيث يقال : إنّ حرمة الضرر هي التي أوجبت انتفاء الوجوب وعدم حصول الاستطاعة ، فإنّه لو جاز له تحمّله لكان مستطيعاً ولوجب عليه الحجّ .



ومن جملة تلك الروايات : صحيحة هشام بن الحكم التي رواها في الوسائل عن توحيد الصدوق قدس‏سره : عن أبيه ، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبداللّه‏ عليه‏السلام ـ في قوله عزّوجلّ : « وَلِلّهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً »( 23 ) ما يعني بذلك ؟ ـ قال : « من كان صحيحاً في بدنه ، مخلّي سَربُه ( 24 ) ، له زاد وراحلة » ( 25 ) ، وغير ذلك .



وأورد عليه في كتاب كلمات سديدة بقوله : « إنّه لا يبعد أن يستفاد منها أن استلزام المسير لحصول ما يرفع الصحة أيضاً منافٍ لشرط الاستطاعة ؛ بمعني أنّه كما أنّ انتفاء الصحّة ووجود المرض من أوّل الأمر مانع صدق الاستطاعة ، فهكذا استلزام السير إليه له ، وعليه فلا يجب الحجّ علي من خلا من الصحّة بدءا ومآلاً ، إلاّ أنّه إنّما هو لمكان إناطة صدق عنوان المستطيع به . وأمّا أنّ تحمّل الضرر حرام فلا دلالة بل ولا إشعار في هذه الأدلّة بــه » ( 26 ) .



ومنها : الروايات الواردة الدالة علي النهي عن أكل الطين ، بتقريب : أنّه لا وجه لحرمته إلاّ لكونه مضرّاً بالبدن .



ومن جملتها :



1 ـ ما ورد في الكافي : عن أحمد ، عن عليّ بن الحكم ، عن إسماعيل بن محمّد ، عن جدّه زياد بن أبي زياد ، عن أبي جعفر عليه‏السلام قال : « إنّ التمنّي عمل الوسوسة ، وأكثر مصائد الشيطان أكل الطين ؛ وهو يورث السقم في الجسم ويهيّج الداء . ومَن أكل طينا فضعف عن قوّته التي كانت قبل أن يأكله ، وضعف عن العمل الذي كان يعمله قبل أن يأكله ، حوسب علي ما بين قوّته وضعفه وعذّب عليه » ( 27 ) .



قال في مرآة العقول : قوله عليه‏السلام : « إنّ التمنّي ـ أي تمنّي الاُمور الباطلة ـ من وسوسة الشيطان » ، ويحتمل أن يكون اسم شيطان ، انتهي .



ودلالة الرواية علي حرمة أكل الطين الموجب للسقم واضحة ، ولكن الرواية ضعيفة .



2 ـ وفيه أيضا : عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم بن حزم ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام : « إنّ عليّاً عليه‏السلام قال : من انهمك في أكل الطين فقد شرك في دم نفسه » ( 28 ) . والانهماك ـ كما عن النهاية ـ : التمادي في الشيء واللَّجاج فيه ( 29 ) ؛ أي إدامة الأكل .



3 ـ وفيه أيضا : عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام ، قال : « إنّ اللّه‏ عزّوجلّ خلق آدم من طين فحرّم أكل الطين علي ذرّيّته » ( 30 ) . والوجه المذكور فيه للحرمة لا ينافي أن يكون الإضرار أيضاً دخيلاً في ذلك ، اللّهمّ إلاّ أن يقال : لا يستفاد من مجموع الأخبار إلاّ دخالة المجموع ، وهو غير نافع لإثبات مدخليّة الإضرار استقلالاً في الحرمة .



4 ـ وفيه أيضا : عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل ، عن ابن فضال ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام ، قال : « قيل لأمير الموءمنين عليه‏السلام في رجل يأكل الطين ، فنهاه وقال : لا تأكله ؛ فإن أكلته ومتّ كنت قد أعنت علي نفسك » ( 31 ) .



فإنّ قوله عليه‏السلام : « فإن أكلته . . . » تفريع علي إطلاق حرمة أكل الطين ، وليس بمقيّد للإطلاق بصورة الإضرار والإعانة علي النفس . وإن شئت فقل : إنّ الذيل حكمة الحكم لا علّته .



5 ـ وفيه أيضا : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام قال : « قال رسول اللّه‏ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : من أكل الطين فمات فقد أعان علي نفسه » ( 32 ) . وغير ذلك من الأخبار الدالّة علي حرمة أكل الطين .



وهذه الأخبار وإن دلّت علي حرمة أكل الطين مطلقاً ، ولكن لا تدلّ علي أنّ الحرمة في جميع الموارد ناشئة عن حرمة الإضرار ؛ لأنّ الإضرار حكمة الحكم لا علّته ، ولذا حرم أكل الطين ولو القليل منه المقطوع بعدم إضراره .



هذا مضافاً إلي أنّ صحيحة هشام دالّة علي أنّ وجه حرمة أكل الطين هو خلقة آدم من الطين ، وكيف كان ، فلا وجه لدعوي أنّ حرمة أكل الطين ليست إلاّ للإضرار ، مع ما عرفت من أنّه حكمة الحكم لا علّته ، وأيضا ـ مضافا إلي كون قوله : « فإن أكلته ومتّ كنت قد أعنت علي نفسك » حكمة الحكم ـ لا وجه لما يظهر من محكي الرياض من استفادة التعليل العامّ من هذه الجملة .



نعم ، يمكن أن يقال : إنّ هذه الجملة وغيرها تدلّ علي أنّ للإضرار مدخلية في الحكم وإن لم تكن علّة بل كانت حكمة ، ولكن حيث إنّ الحكمة كالعلّة في التعميم لا التخصيص يمكن التعدّي والقول بحرمة كلّ ما يضرّ .



إلاّ أنّه يشكل ذلك بأنّ الحكمة مشتركة بين الإضرار وما أشارت إليه صحيحة هشام .



ومنها : الروايات المستفيضة الدالّة علي أنّه ليس للموءمن إذلال نفسه .



ومن جملتها :



1 ـ ما ورد في الكافي : عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسي ، عن سماعة ، قال : قال أبو عبداللّه‏ عليه‏السلام : « إنّ اللّه‏ عزّ وجلّ فوّض إلي الموءمن اُموره كلّها ، ولم يفوّض إليه أن يذلّ نفسه ، أما تسمع لقول اللّه‏ عزّوجلّ : « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ »( 33 ) ؟ ! ، فالموءمن ينبغي أن يكون عزيزاً ولا يكون ذليلاً ، يعزّه اللّه‏ بالإيمان والإسلام » ( 34 ) .



2 ـ وفيه أيضا : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسي ، عن عبد اللّه‏ بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه‏ عليه‏السلام قال : « إنّ اللّه‏ تبارك وتعالي فوّض إلي الموءمن كلّ شيء إلاّ إذلال نفسه » ( 35 ) .



وغير ذلك من الأخبار الدالّة علي حرمة إذلال النفس ، وهي بإطلاقها تشمل المقام ، ولكن يمكن أن يقال : إنّها أخصّ من المدّعي ؛ إذ يمكن تقطيع بعض الأعضاء مع عدم لزوم الإذلال . نعم ، كلّ مورد يستلزم ذلك فهو محكوم بالحرمة من جهة الإذلال .



ومنها : بعض الآيات الكريمة ؛ كقوله تعالي : « وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ »( 36 ) ، بتقريب : أنّ أصل الهلاك ـ كما في مجمع البيان ـ هو الضياع ، ومن المعلوم أنّ الإضرار بالنفس لمّا كان سبباً لتفويت كمال أمر وجودي فهو تضييع لذلك الأمر الوجودي . هذا مضافاً إلي أنّه لو سلّم ظهور « التهلكة » في الفناء والموت فيمكن إلغاء الخصوصية عن الهلاك ليشمل كلّ ضرر .



وأورد عليه في كتاب كلمات سديدة : بأنّ « الهلاك ـ فعلاً ـ ظاهر في الفناء ، فالآية ظاهرة في تحريم إلقاء النفس إلي الفناء ، ولا تعمّ مطلق الضرر وإلغاء الخصوصية عرفاً عن الهلاك والفناء غير صحيح » ( 37 ) .



ويمكن أن يقال : إنّ ملاحظة الروايات وتطبيق الآية عند الصدر الأوّل يشهدان علي كون التهلكة أعم من الموت والفناء : منها :



1 ـ ما ورد في الإفراط في الإنفاق ؛ كخبر حمّاد اللحّام عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام قال : « لو أنّ رجلاً أنفق ما في يديه في سبيل من سبيل اللّه‏ ما كان أحسنَ ولا وفّق ؛ أليس يقول اللّه‏ تعالي : « وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُـحْسِنِينَ ـ »يعني المقتصدين ـ ؟ ! » ( 38 ) .



إذ الظاهر من التهلكة العارضة من الإفراط في الإنفاق ليس هو الموت والفناء ، بل هو الابتلاء بضيق المعاش والحاجة إلي الناس وضياع المعيشة .



2 ـ وما ورد في التعرّض للسلطان الجائر ، كخبر ثابت بن دينار الثمالي عن عليّ بن الحسين عليهما‏السلام : « وحقّ السلطان أن تعلم أنّك جعلت له فتنة ، وأنّه مبتلي فيك بما جعله اللّه‏ عزّوجلّ له عليك من السلطان ، وأنّ عليك ألاّ تتعرّض لسخطه ؛ فتلقي بيدك إلي التهلكة وتكون شريكاً له فيما يأتي إليك من سوء » ( 39 ) .



ومن المعلوم أنّ التهلكة العائدة علي الإنسان من جهة التعرّض للسلطان أعمّ من الموت والفناء ؛ إذ ربّما تكون بمثل التبعيد والحبس والمصادرات ونحوها ، ويوءيّد ذلك ما في ذيله من إطلاق السوء .



3 ـ وما ورد في ترك الإنفاقات في الجهاد ، كخبر البخاري ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أسلم أبي عمران قال : غزونا القسطنطينية وعلي الجماعة عبد الرحمان بن الوليد ، والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة ، فحمل رجل علي العدو ، فقال الناس : مَهٍ مَهْ ( 40 ) ، لا إله إلاّ اللّه‏ ، يلقي بيديه إلي التهلكة ! فقال أبو أيّوب : سبحان اللّه‏ ! اُنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار ؛ لمّا نصر اللّه‏ نبيّه وأظهر دينه قلنا : هلمّ نقيم في أموالنا ونصلحها ، فأنزل اللّه‏ عزّوجلّ : « وَأَنْفِقُوْا فِي سَبِيلِ اللّهِ » . . . الآية ، والإلقاء باليد إلي التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد » ( 41 ) .



ومن المعلوم أنّ التهلكة العارضة من ترك المقابلة مع الكفّار والجهاد معهم لا تنحصر في الموت والفناء ، بل ربّما لا تكون كذلك ، بل هي سلطة الكفّار علي المسلمين ، وهي ليست بموت ، ولكن هي تهلكة وأشدّ من الموت .



4 ـ وما ورد في اليأس من رحمة اللّه‏ تعالي ، مثل ما روي عن البراء بن عازب في هذه الآية : إنّ الرجل يصيب الذنب فيلقي بيديه ويقول : قد بالغت في المعاصي ، ولا فائدة في التوبة ؛ فييأس من اللّه‏ ؛ فينهمك بعد ذلك في المعاصي . فالهلاك : اليأس من اللّه‏ » ( 42 ) .



وغير ذلك من الموارد التي تدلّ علي أنّ الصدر الأوّل والأئمّة المعصومين عليهم‏السلام لم يقتصر فهمهم للتهلكة علي خصوص الفناء والموت ، وعليه فدعوي ظهورها في الموت والفناء مع هذه التطبيقات كما تري .



ولعلّه لذلك ذهب في الميزان إلي التعميم حيث قال : التهلكة والهلاك واحد ، وهو مصير الإنسان بحيث لا يدري أين هو ـ إلي أن قال : ـ والكلام مطلق اُريدَ به النهي عن كلّ ما يوجب الهلاك من إفراط وتفريط ، كما أنّ البخل والإمساك عن إنفاق المال عند القتال يوجب بطلان القوّة وذهاب القدرة وفيه هلاك العدّة بظهور العدوّ عليهم ، وكما أنّ التبذير بإنفاق جميع المال يوجب الفقر والمسكنة الموءدّيين إلي انحطاط الحياة وبطلان المروّة ( 43 ) .



فالتمسّك بالآية الكريمة لحرمة الإضرار بالبدن ـ لأنّه ضياع للبدن ـ لا بأس به . اللهمّ إلاّ أن يقال : كلّ ضرر وإضرار للبدن لا يصدق عليه ضياع البدن ، نعم ، يصدق ذلك في الأجزاء الرئيسية ، فتدبّر .



وكيف كان ، فالآية تشمل صورة المظنّة والخوف للضياع والفساد أيضاً ؛ لأنّه لو كان الممنوع هو صورة العلم لزم الوقوع في التهلكة كثيراً ما ، وعليه فالممنوع هو كلّ ما يوءدّي إلي الهلاك ولو بالظنّ أو الخوف .



ومنها : إنّ الفطرة تقتضي دفع الضرر المحتمل ، ألا تري أنّ كلّ حي يدافع عن نفسه عند إدراك الخطر ؟ ! فليس ذلك إلاّ لكون ذلك جبلّياً وفطرياً ، فمع اقتضاء الفطرة ذلك كيف يجوز الإضرار بالنفس ؟ !



وفيه : أوّلاً : إنّ الفطرة ثابتة بالنسبة إلي الضرر الوارد من الغير ، وأمّا بالنسبة إلي إضرار الشخص بنفسه فهو أوّل الكلام ، فتأمّل .



وثانياً : إنّ مجرّد كون شيء ممّا تقتضيه الفطرة والجبلّة لا يلازم الحكم بحرمته ، ألا تري أنّ الفطرة تدعو الإنسان نحو الأكل أو النوم أو غيرهما ومع ذلك لا تكون تلك الاُمور واجبة ؟ ! كما تدعو الإنسان نحو ترك الزيادة في الأكل والشرب ومع ذلك ليس مطلق الزيادة محرّماً ؟ !



وثالثاً : إنّ هذه الفطرة ربّما تكون معارضة بما تقتضيه الفطرة في جهة اُخري ، كفطرة حفظ الولد حيث دعت لإعطاء جزء من بدنه له لحفظه أو لراحته .



ومنها : حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل المهتمّ به ، ولذا كان وجوب التفحّص والتحقيق في الدين مبتنياً عليه في علم الكلام .



وهو كافٍ في عدم جواز الإضرار بالنفس شرعاً ؛ لأنّ كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع .



ومنها : الإجماع ، كما ادّعاه بعض الأصحاب كصاحب الرياض علي ما حكي عنه ، بل يظهر من محكيّ جملة منهم أنّ حرمة الضرر علي النفس من المسلّمات ، كما تشهد له كلماتهم في مسألة أنّ الأصل في الأشياء الحظر أو الإباحة ( 44 ) ، وفي مسألة البراءة والاحتياط في الشكّ في التكليف ( 45 ) ، وفي مسألة حرمة تناول السموم القاتلة والأشياء الضارّة ( 46 ) .



وأورد عليه في كتاب كلمات سديدة بأنّ من المحتمل جدّاً ، بل لعلّه المظنون ، أنّ مستندهم هو حكم العقل بلزوم التحرّز عن المضارّ ، أو الأخبار الماضية وغيرها ممّا رواه في المستدرك عن الدعائم وغيره ، فراجع . فلا يكشف اتّفاق كلمتهم عن مستند آخر غيرها ، كما لا يمكن أن يكشف بنفسه عن رأي المعصوم عليه‏السلام ، وقد عرفت الكلام عن قيمة هذه المستندات ( 47 ) .



وكيف كان ، فالإجماع محتمل المدرك ، اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ تسالم الأصحاب لا يضرّه وجود المدارك الاُخري ولو كانت موردا للمناقشة ، فافهم .



هذا مضافاً إلي تماميّة بعض الأدلّة كقاعدة نفي الضرر مفاداً وسندا كما عرفت .



فتحصّل : أنّ الكبري ثابتة ، فالإضرار بالنفس أو الغير محرّم فيما إذا كان الضرر معتني به عند العقلاء ، لاسيما إذا أوجب الضرر ضياعا وهلاكا أو إذلالاً ، كما لا يخفي .



وأمّا الجهة الثانية ـ وهي الصغري ـ : فلا يخفي أنّ الضرر هو التنقيص في البدن أو المال أو الحال ، وهو صادق علي تنقيص شيء من الأعضاء ، ولو كان ذلك لإعطاء الغير .



واُورد عليه : بمنع صدق الضرر فيما إذا استهدف غرضاً عقلائياً من التنقيص ؛ ألا تري أنّ إعطاء المال في مقابل الأعمال في باب الإجارة أو إعطاءه لمجرّد الإحسان إلي المستحقّ لا يعدّ عند العقلاء إضراراً بالمال ، مع أنّ إحراق المال أو إفنائه بنحو آخر بلا أي داعٍ عقلائي يصدق عليه الإضرار المالي بنفسه ؟ !



وهكذا نقول : شرب التتن مثلاً ـ مع العلم بترتّب بعض المضار عليه ـ إذا كان موجبا للإنعاش في الجملة ، لا يكون مصداقاً للإضرار ، وإذا لم يكن له أي غرض عقلائي يكون إضراراً محضاً . وأيضاً إذا كان تناول الأطعمة والأشربة شهوةً إليها والتذاذا بها أوجب ذلك ألاّ يكون الامتلاءُ منهما المضرّ به في الجملة ، أو ألمُ ( 48 ) المعدة الحاصل عقيبه ، ضرراً ببدنه داخلاً في عموم حرمة الإضرار .



وبعبارة اُخري : لو قُطع من شخص عضو أو أكثر من أعضائه بالقهر ولم يكن عن إذن منه ورضا ، فإنّ هذا القطع يكون موجبا لإيراد النقص علي بدنه ، فيكون إضراراً به ، وأمّا لو كان ذلك باختيار وإذن منه وطيب نفسه به لدواعٍ عقلائية ، فلا يبعد دعوي منع صدقه بعد وجود هذه الدواعي ؛ وذلك لأنّ كلّ من أذن بقطع عضوه للانتفاع به في الترقيع فلا محالة يدعوه إلي هذا الإذن هدف مادي أو معنوي ، والعقلاء لا يسلّمون لصدق الضرر والإضرار علي نقص المال أو البدن أو الحال إذا كان الإقدام عليه لغاية عقلائية ؛ لأنّه يرجع في الحقيقة إلي مبادلة عقلائية بين الغاية العقلائية والنقص الوارد علي البدن أو المال ، فكما أنّ مبادلة ماله بمال آخر أو إعطاء ماله مجّاناً لغاية مادية أو معنوية لا يوجب صدق الإضرار والضرر عليه ، فكذلك في إعطاء أعضاء البدن حرفاً بحرف .



ويمكن أن يقال : أوّلاً : إنّ الدواعي العقلائية لا تخرج التنقيص عن كونه ضرراً ، ألا تري أنّ كسر الباب لإنقاذ الغريق ونحوه أمر عقلائي بل واجب شرعي ومع ذلك لا يخرج عن كونه ضرراً علي صاحب البيت ؟ ! ولذا يجب ضمانه ، فمجرّد صحّة الداعي لا يكفي لمنع صدق الضرر .



وثانياً : إنّ قياس المقام بباب المعاملات مع الفارق ؛ لأنّ في المعاملات كان إعطاء المال لأخذ المقابل ، والمبادلة والمعاوضة مانعة من تحقّق الضرر ، ونفس قطع الأعضاء والتنقيص لا يقابله شيء ، وإنّما المقابلة والمعاوضة لو صحّت كانت في إزاء الأعضاء المقطوعة . هذا مضافا إلي أنّ الأعضاء قبل الإبانة ليست بمال ولا تصلح للمقابلة والمعاوضة ، بل بعد قطعها أيضاً لا تصلح للمعاملة شرعاً ، وإن اعتبر لها المالية ؛ لكونها بعد الإبانة من النجاسات الذاتية ، وهي مسلوبة المالية شرعاً ولو كانت لها فائدة عقلائية ، علي ما قرّرناه في بيع الأعيان النجسة .



وثالثاً : إنّ قياس المقام بباب الإنفاقات والصدقات أيضاً محلّ إشكال ونظر ؛ لأنّ الإنفاقات والصدقات تتحقّق بإعطاء الأعيان المملوكة المحلّلة ، ولا محذور فيها بعد مندوبيّتها عرفاً وشرعاً . وهذا بخلاف المقام ؛ فإنّ قطع الأعضاء ضرر ومحرّم ، ولا يخرج عن الضرر بمجرّد قصد إعطائه للغير ؛ لأنّه ليس من العناوين القصدية ، ومع بقاء عنوان الضرر علي القطع يكون القطع محرّماً والحرام لا يصلح للمقرّبية .



نعم ، لو قطعت الأعضاء بسبب من الأسباب القهرية ، فإعطاؤها للغير حينئذٍ يشبّه بإعطاء الصدقات في الجملة ، ولكنّه أجنبي عن المسألة .



ورابعاً : إنّ مجرّد الانتعاش في شرب التتن أو الالتذاذ بالأطعمة والأشربة عند الإكثار منها مع ترتّب الضرر المهتمّ به ، لا يفيد في حلّية الشرب والأكل ؛ لأنّ مقتضي صدق الضرر المهتمّ به هو حرمة الشرب والأكل ولو مع الانتعاش والالتذاذ فالضرر صادق ، والانتعاش والالتذاذ يقعان بفعل المحرّم في الفرض المذكور .



فتحصّل : أنّ الضرر صادق ولو مع وجود الدواعي العقلائية . وعليه ، فالباب باب التزاحم مع وجود الدواعي العقلائية ، فإن كانت الدواعي العقلائية من الواجبات وكان الترجيح مع الدواعي العقلائية التي ترجع إلي وجود مصالح تتزاحم مع مفاسد الضرر المحرّم ، كان التقدّم معها ، وإلاّ فلا وإن كانت المصلحة في نفسها ممّا تدعو العقلاء نحوها .



الوجه الثاني : إنّ قطع الأعضاء والجوارح للترقيع تبتيكٌ وتغيير لخلق اللّه‏ ، وهو محرّم ؛ لقوله تعالي : « إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً * لَعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لاَءَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلاَءُضِلَّنَّهُمْ وَلاَءُمَنِّيَنَّهُمْ وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً * أُولئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً »( 49 ) والإناث ـ علي ما في بعض التفاسير ـ : اللاّت والعزّي ومناة الثالثة الاُخري وإساف ونائلة ؛ كان لكلّ حيّ صنم يعبدونه ويسمّونه اُنثي بني فلان ؛ وذلك إمّا لتأنيث أسمائها ، أو لأنّها كانت جمادات ، والجمادات توءنّث من حيث إنّها ضاهت الإناث لانفعالها ( 50 ) .



وربّما تُقرَّب دلالة الآية : بأنّ قوله تعالي في ذيل الآية الكريمة : « وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً . . . »الآية ، يدلّ علي أنّ الاُمور المذكورة التي أوعد الشيطان أنّه يأمر الناس بها لابدّ وأن تكون أعمالاً محرّمة ، ومن جملتها هو التبتيك وتغيير ما خلق اللّه‏ عمّا هو عليه بحسب أصل الخلقة .



وهذا صادق علي قطع الأعضاء ولو كان لداعٍ عقلائي ، كترقيع الغير به .



وقد استدلّ المحقّق الميرداماد قدس‏سره في محكي شارع النجاة ، والفيض القاساني في محكي الوافي ، والسيّد حسن الصدر في محكيّ ذكري ذوي النهي ، والسيّد جعفر آل بحر العلوم في محكيّ تحفة الطالب بالآية لحرمة حلق اللحي ( 51 ) .



ولو شكّ في صدق التغيير علي أخذ شيء ينبت بعد الأخذ ، كما في أخذ اللحي ونحوها ، فلا شبهة في صدقه علي قطع ما لا يرجي نباته ، كما في قطع الكلية وأخذ العروق وأمثاله .



وقد اُورد عليه : بأنّ دلالة الآية الكريمة علي حرمة التبتيك والتغيير في خلق اللّه‏ وإن كانت واضحة إلاّ أنّه لا إطلاق لها ؛ إذ الآية ليست في مقام بيان أنّ الشيطان أراد مطلق التغيير ثمّ اللّه‏ سبحانه ذمّ اتّباعه في مطلق التغيير ، حتي تنفع للاستدلال بها في مسألة اللحي ومسألتنا .



ويعتضد ذلك بأنّ مطلق التغيير في خلق اللّه‏ ليس بحرام ، فهل يمكن القول بحرمة إيجاد التغيير في الجمادات والنباتات والحيوانات ؟ ! فلو كانت الآية مطلقة لزم تقييد الأكثر ، وهو مستهجن .



ولا مجال لما يقال من أنّ الاستهجان ممنوع بعد بقاء الكثير تحت الآية الكريمة ؛ كقطع الآذان والأيدي والأرجل ، وقلع الأعين ، وإزالة الحاجب ، وتشقيق الشفة ، وقطع الأنف وغيره .



وذلك لإمكان أن يقال : إنّ هذه الموارد ليست بكثيرة ؛ لاندراجها تحت عنوان واحد وهو قطع أطراف البدن وتغييرها .



هذا مضافاً إلي أنّ هذه الموارد ـ ولو لوحظت متعدّدة ـ تكون قليلة في قبال مطلق التغييرات الموجودة في الحيوانات والنباتات والجمادات التي لا تعدّ ولا تحصي لو لوحظت كلّ واحدة متعدّدة .



وعليه ، فالمراد من التغيير هو التغيير الخاص الذي هو عبارة عن العمليات الشيطانية التي تنتهي إلي البدعة والإغواء ، كتشقيق آذان الأنعام وقطعها لتكون علامة علي كونها محرّمة الأكل والانتفاع كما فعله بعض الكفّار في بعض الحيوانات كالبحيرة والسائبة والحامي ؛ افتراءً علي اللّه‏ تعالي ، كما اُشير إليه في قوله تعالي : « مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ »( 52 ) ، أو كتغيير الفطرة بالإغواء .



قال تعالي : « فأقم وجهك للدينِ حَنيفا فِطرَةَ اللّه‏ِ التي فَطَرَ الناسَ عليها لا تَبديلَ لخَلْقِ اللّه‏ِ ذلك الدِّينُ القيّم »( 53 ) . فالخروج عنها هو تغيير في الفطرة وموجب للخلود .



وكيف كان ، فالآية تدلّ علي حرمة تغييرات خاصّة إغوائية شيطانية ، فلا تشمل مطلق التشقيق والقطع في الأنعام ، فضلاً عن غيرها ، كيف ؟ ! وقد يكون ذلك مطلوباً ، كإشعار الهدي ، بل هو عبادة وليس عملاً شيطانيا .



فالمراد من التغيير المنهي عنه والمذموم هو التغيير الخاصّ ، ولا إطلاق له في موارده فضلاً عن غيرها ، فلا يصحّ الاستدلال بالآية الكريمة للمقام ؛ لكونها مجملة غير مطلقة ، فلا تغفل .



وأمّا أدلّة المجوّزين :



فقد استدلّوا للجواز ببناء العقلاء علي أنّ كلّ إنسان وليّ نفسه ، وله اختيار اُموره ، وهذا هو الذي عبّر عنه بقاعدة « الناس مسلّطون علي أموالهم وأنفسهم » .



وهذه القاعدة العقلائية أمضاها الشارع في ضمن الآيات والروايات ، من جملتها : قوله تعالي : « النَّبِيُّ أَوْلَي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ »( 54 ) ، فإنّ الآية الكريمة وإن كانت في مقام إثبات مُقدَّمية النبيّ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم في الولاية علي الموءمنين من أنفسهم ، إلاّ أنّه لا ريب في دلالتها علي أنّ للموءمنين ولاية علي أنفسهم .



نعم ، كانت ولاية النبيّ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم أشدّ وآكد .



ومن جملتها : قوله تعالي :« وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ »( 55 ) بدعوي دلالتها علي أنّ أمر نفسه بيده ؛ إذ الشراء لا يكون إلاّ مع الولاية علي المبيع ، والمفروض أنّ المبيع في الآية هو النفس .



ومن جملتها : موثّقة سماعة المروية عن الكافي : عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسي ، عن سماعة قال : قال أبو عبد اللّه‏ عليه‏السلام : « إنّ اللّه‏ عزّوجلّ فوّض إلي الموءمن اُموره كلّها ، ولم يفوّض إليه أن يذلّ نفسه ، أما تسمع لقول اللّه‏ عزّوجلّ : « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ »( 56 ) ؟ ! فالمؤمن ينبغي أن يكون عزيزاً ولا يكون ذليلاً يعزّه اللّه‏ بالإيمان والإسلام » ( 57 ) . وغير ذلك من الشواهد والأخبار .



وعليه ، فيجوز للإنسان أن يقطع بعض أعضائه لترقيع الآخرين .



ويمكن أن يقال : أوّلاً : إنّ بناء العقلاء دليل لبّي يقتصر فيه علي القدر المتيقّن ؛ وهو ما كان في زمن الشارع مألوفاً وبمرآه ، وتقطيع الأعضاء لترقيع الآخرين أمر مستحدث ، وليس له سابقة في تلك الأيام حتي يكون مورداً لتقرير الشارع أو إمضائه ، وما ورد في أخذ السنّ من الميّت ضعيف .



وثانياً : إنّ ما استشهد به كقاعدة السلطنة أو قوله تعالي : « النَّبِيُّ أَوْلَي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ »ليس مشرَّعاً وإن أفادت سلطنة الإنسان علي نفسه في الجملة ؛ لأنّهما تدلاّن علي أنّ الناس مسلّطون علي أموالهم وأنفسهم فيما يجوز لهم ارتكابه ، فموارد الجواز تحتاج إلي بيان شرعي ، ولذا صرّح الفقهاء بعدم جواز ضرب العبيد والإماء استنادا إلي قاعدة السلطنة علي الأموال ، فالقاعدة لا تدلّ بنفسها علي جواز كلّ تصرّف ، بل تدلّ علي جوازه في كلّ مورد ثبت جوازه ومشروعيّته من الخارج ، والمفروض في المقام أن مشروعيّة تقطيع الأعضاء أوّل الكلام .



ولعلّ موثّقة سماعة الدالّة علي تفويض الاُمور كلّها إلي الموءمن عدا إذلال نفسه أيضاً كذلك ؛ بأن يراد من الاُمور هي التي كانت مشروعة من الخارج ، فتأمّل ؛ لقوّة الإطلاق من جهة استثناء الإذلال .



وثالثاً : إنّه لو سلّمنا إطلاق القواعد والروايات ، فلا مجال للأخذ بها بعد محكوميّتها بقاعدة الضرر .



فتحصّل إلي حدّ الآن : أنّ قطع الأعضاء للترقيع إذا كان ضرراً علي البدن محرّم ، ولا يخرجه عن كونه ضررياً وجود دواعٍ عقلائية لذلك . نعم ، لو زاحمه الأهمّ لجاز ذلك من باب تقديم قاعدة تقديم الأهمّ علي المهمّ ، كتقديم حفظ الحياة .



فــروع



الأوّل : هل يجوز أن يوصي شخص بإعطاء أعضائه بعد موته ليستفاد منها في ترقيع بدن المحتاجين ، أو لا ؟

يمكن القول بالثاني ؛ لأنّ الوصية ليست نافذة إلاّ فيما يجوز له فعله في زمن الحياة ، كما قال تعالي : « فَمَنْ خَافَ مِن مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ »( 58 ) ، وعليه فإذا كان شيء جائزاً له نفذت الوصية ؛ لأنّها إدامة لاختياراته في زمن الحياة لما بعد وفاته ، وأمّا إذا لم يكن الشيء جائزاً في زمن الحياة فلا تكون الوصية نافذة .



وحيث إنّ إعطاء العضو في زمان الحياة غير جائز لكونه ضرراً علي البدن ، فالوصية بإعطائه بعد وفاته غير جائزة ؛ إذ لم يكن له في زمان حياته اختيار إعطاء الأعضاء ، بناءً علي ما عرفت من حرمة الإضرار علي النفس .



ويمكن أن يقال : إنّ الضرر علي البدن من العناوين المخصوصة بحال الحياة ؛ لعدم تحقّق صدق ذلك العنوان بعد الموت بالنسبة إلي البدن الميّت الذي اختلّ من جميع الجهات ، وعليه فإعطاء الأعضاء بعد الموت مشروع ؛ لعدم بقاء عنوان المانع ؛ إذ لولا المانع لكان إعطاء الأعضاء في حال الحياة جائزاً ، فإذا ارتفع عنوان المانع بقي التقطيع علي ما عليه ذاتاً من الجواز ، فتشمله أدلّة الوصية إذا كان له دواعٍ عقلائية ، ولا يلزم منه الإذلال ، وإلاّ فلا دليل علي النفوذ والجواز ، بل يحرم إذلال النفس ، كما دلّت عليه الأخبار المتضافرة .



ولا دليل علي اعتبار المشروعيّة حال الإيصاء ، بل اللازم هو المشروعيّة حال العمل بالوصية ، كما أنّ القدرة شرطٌ حال العمل لا حال تعلّق الخطاب .



لا يقال : نعم ، ولكن مقتضي الأخبار الدالّة علي أنّ حرمة الميّت كحرمة الحي ( 59 ) هو عدم مشروعيّة تقطيع الأعضاء بعد الموت أيضاً ؛ لأنّ تلك الأخبار واردة في مورد قطع بعض الأعضاء ، فالوصية بالتقطيع منافية لحرمة الميّت المسلم ، ومع المنافاة لا تكون الوصية حال العمل مشروعة أيضاً ، فلا تكون نافذة .



لأنّا نقول : إنّ التقطيع الممنوع بعد الموت هو التقطيع العدواني ، وأمّا التقطيع المأذون فيه بالوصية فالروايات منصرفة عنه ، والتقطيع بالإذن والوصية إذا فُرض له دواعٍ عقلائية لا يكون منافيا لحرمة الميّت ؛ ألا تري أنّ وضع الرجل علي رأس الغير خلاف حرمته ، وأمّا مع إذنه بذلك لسبب من الأسباب العقلائية فلا يكون الوضع المذكور منافياً لحرمته .



والمناقشة فيه بأنّ حرمة الميّت إن كانت من باب الحقوق تسقط بالإذن والوصية ، وأمّا إن كانت من باب الحكم الشرعي فالوصية بخلافها منافية لها .



غير سديدة بعد دلالة موثقة سماعة علي أنّ اللّه‏ تعالي فوّض إلي الموءمن اُموره كلّها إلاّ الإذلال ( 60 ) ؛ فإنّ مقتضي إطلاق تلك الموثّقة أن غير الإذلال يكون من حقوقه ، والكلام في الوصية بالتقطيع فيما إذا لم يستلزم الإذلال . هذا مضافاً إلي أنّ الظاهر من تشبيه حرمة الميّت بحرمة الحيّ في قوله عليه‏السلام : « حرمة الميّت كحرمة الحيّ » هو مشابهة احترام الميّت حال الممات مع احترامه حال الحياة ، وحيث إنّ احترامه حال الحياة من الحقوق ، كان احترامه حال الممات أيضاً كذلك .



وعليه ، فالظاهر أنّ للجواز وجها ، سواء كانت حياة موءمن متوقّفة عليه أو لم تكن ، وإن كان الأحوط هو ترك الوصية بذلك أصلاً .



ولو شكّ في جواز الوصية بذلك وعدمه فلا مجال للتمسّك بعموم أدلّة نفوذ الوصية بعد تعنونها بعدم كون الوصية وصية بالإثم ؛ لأنّ التمسّك بها في مورد الشكّ تمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقية .



ثمّ إنّه لا يخفي عليك أنّ الأحكام الشرعية متعلّقة بالموضوعات العرفية غالباً ؛ لأنّ الشارع المطهّر لم يتّخذ لإفادة مرامه غير المحاورات العرفية ، وعليه فما لم يصدق الموضوع عرفاً لا تترتّب عليه أحكامه ، والموت والحياة في المقام من الموضوعات العرفية ، فإذا أوصي شخص بإعطاء أعضائه بعد موته لم يجز إعطاء أعضائه ما لم يصدق الموت . وبناءً علي هذا ، فلو صدق الموت عند الأطباء باختلال المخّ وتوقّف حركاته وعدم نفوذ الدم إلي عروقه ولكن لم يصدق ذلك عند العرف لعدم توقّف القلب بالمرّة ، فلا تترتّب علي اختلال المخّ آثار الموت ؛ فلا يجوز إعطاء أعضائه للوصي قبل حدوث الموت العرفي ، بل لو صرّح الموصي بإعطاء أعضائه عند اختلال المخّ مع عدم توقّف القلب بالمرّة لا يجوز الإعطاء ؛ لأنّ إعطاء للأعضاء في حال الحياة غير جائز ، والوصية به وصيّة بالإثم ، فلا تكون نافذة .



نعم ، حيث تكون الحركة القلبية الطبيعية معياراً عند العرف لبقاء الحياة ، فالحركة التي تدوم بتوسّط الآلات والأدوات والأجهزة الحديثة الموصولة بالمريض بحيث لو انفصلت عنه لا تدوم حركة قلبه ، لا تفيد في بقاء الحياة ؛ فإذا علم أو وثق بتوقّف القلب كان محكوما بالموت ، سواء انفصلت الأدوات والأجهزة أو لم تنفصل .



نعم ، لو شكّ العرف في أنّ القلب توقّف أم لا ، يمكن الاعتماد فيه علي قول الأخصّائيين ؛ فإنّهم أهل الخبرة .



لا يقال : إنّه مع الشكّ يجري استصحاب الحياة .



لأنّا نقول : إنّ الاستصحاب جارٍ فيما لو لم تكن أمارة ، ومع شهادة خبراء الطب لا مجال للاستصحاب .



هذا مضافاً إلي إمكان أن يقال : إنّ المرجعية إلي العرف في تشخيص الموضوعات فيما إذا أحرزها العرف العام وإن لم يحرزها العرف الخاص ، كما إذا حكم العرف العام بزوال الدم عن الثوب عند غسله بالماء ، خلافا للفلاسفة الذين لم يقولوا بالزوال لأنّ العرض لا ينفكّ عن المعروض عندهم ، وأمّا إذا لم يكن العرف في أمرٍ كذلك ـ كما إذا توقّف المخّ ولم يتوقّف القلب وشكّ في تحقّق الموت وعدمه ـ فيمكن الاعتماد علي قول الخبراء في تحقّق الموت وعدمه لو أخبروا جزماً عن وقوع الموت وعدم عود الحياة .



ويشكل ذلك : بأنّ الاعتماد علي قول الخبراء فيما إذا اتّفق العرف والخبراء في مفهوم الموت والشكّ في تحقّق مصداقه ، وفيما نحن فيه لا يكون كذلك ؛ لأنّ مفهوم الموت مختلف فيه بينهما ، والقدر المتيقّن منه هو توقّف القلب والمخّ وسكون النفس ، وفي مثله لا تفيد شهادة الخبراء علي تحقّق الموت ؛ لأنّ الموت الذي يشهدون علي تحقّقه هو توقّف المخّ ، وهو أوّل الكلام ، فالمتبع في مثله ـ ولو شهد الخبراء علي تحقّق الموت ـ هو الشكّ في تحقّق الموت واحتمال بقاء الحياة ، فيجري فيه الاستصحاب الحكمي لا الموضوعي ؛ لأنّه من باب الشكّ في الغروب والمغرب ، ومقتضي الاستصحاب الحكمي هو عدم جواز قطع الأعضاء قبل توقّف القلب والمخّ وسكون النفس .



نعم ، لو قلنا بأنّ الموت والحياة أمران واقعيّان ، فلو جزم العرف بموت شخص وحكم الأطباء بحياته لما جاز دفن الشخص المذكور ، وليس ذلك إلاّ لأنّ الموت أمر واقعي ، ويترتّب حكم الدفن عليه لا علي صدق مفهوم الموت عرفاً ؛ وإلاّ فهو معلوم الصدق عند العرف ، ومن هذه الجهة لا يقاس المقام بباب صدق زوال الدم عرفاً مع حكم الفلاسفة ببقائه ؛ فإنّ الموضوع فيه هو المفهوم العرفي من الدم لا واقع الدم . وهكذا إذا أخبر الأطباء بوقوع الموت ، لا من جهة أنّ مفهوم الموت صادق بل من جهة أنّ حقيقة الموت واقعة ؛ لجواز الاعتماد عليهم ـ ولو شكّ العرف فيه ـ فإنّهم أهل خبرة في وقوع الموت وعدمه .



ويوءيّد ما ذكر من كونهما واقعيّين ما ورد في الأخبار من لزوم تأخير الدفن في موارد ، كالغريق والمصعوق ، وتخطئة العرف في جزمهم بالموت ؛ لقوله عليه‏السلام ـ بعد أمره بترك الميّت ثلاثة أيام قبل أن يدفن ـ في الغريق والمصعوق : « فإنّه ربّما ظنّ أنّه قد مات ولم يمت » ( 61 ) ، أو قوله عليه‏السلام : « قد دفن ناس كثير أحياء ما ماتوا إلاّ في قبورهم » ( 62 ) . ولكنّ المسألة بعد لا تخلو عن الإشكال .



وكيف كان ، فهذا كلّه فيما إذا أخبر الخبراء علي وجه الجزم واليقين بتحقّق الموت وعدم وجود الحياة .



وأمّا إذا احتمل أهل الخبرة وجود الحياة ولو كان الاحتمال ضعيفا في غاية الضعف ، فلا يمكن الاعتماد علي شهادتهم ؛ لعدم تحقّق الموت لا وجداناً ولا بشهادة أهل الخبرة .



ثمّ إنّ الأطباء فرّقوا بين موت المخّ والإغماء ، وقالوا : إنّ المخّ في الإغماء لم يمت ، ولذا يمكن له العود في الحركات والأوامر ، فإنّ الاختلال في الإغماء في سطح المخ بخلاف موت المخّ ، فإنّ الاختلال في أصله وساقه بحيث يقطع ارتباطه بالبدن ويشبه ما إذا قطع الرأس عن البدن .



ثمّ لو أوصي بإعطاء أعضائه في إزاء أخذ مال ، فهل تكون وصيّته نافذة أم لا ؟ الأقوي هو الثاني بناءً علي ما اخترناه في بيع النجاسات الذاتية من عدم مشروعية جعلها مورد المعاملة ؛ إذ المفروض أنّ الأعضاء بعد الإبانة صارت كالنجاسات الذاتية .



اللهمّ إلاّ أن تكون الوصية منحلّة إلي أمرين : أحدهما إعطاء الأعضاء بعد الموت . وثانيهما أخذ الوجه في مقابلها ، فتكون الوصية نافذة في الأوّل دون الثاني ، فتأمّل .



الثاني : لا يجوز في حال الحياة قطع الأعضاء التي يوءدّي قطعها إلي الموت ولو كان لحفظ نفس الغير ، سواء قلنا بجواز تقطيع الأعضاء أو لم نقل ، وسواء كان مع إذن صاحب الأعضاء أو لم يكن .



وذلك لأنّه قتل للنفس المحترمة ، وهو كبيرة ، ولا يجوز ذلك كما نُصّ عليه في الروايات :



منها : ما رواه في الوسائل عن الفقيه بإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولاّد الحنّاط ، قال : سمعت أبا عبد اللّه‏ عليه‏السلام يقول : « من قتل نفسه متعمّداً فهو في نار جهنم خالداً فيها » ( 63 ) . ولعلّ التعبير بالخلود لكثرة طول عذابه .



قال الصدوق في المشيخة : « وما كان فيه عن أبي ولاّد الحناط فقد رويته عن أبي رضي‏الله‏عنه عن سعد بن عبد اللّه‏ ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولاّد الحنّاط واسمه حفص بن سالم مولي بني مخزوم » ، انتهي ( 64 ) .



روي ابن أبي عمير عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي قال في حقّه النجاشي أنّه قريب الأمر ، ولم يستثنه ابن الوليد ، وفيه إيماء إلي وثاقته ، وروي عنه كامل الزيارات ، وأمّا بقيّة السند فهم ثقات ، فالرواية موثّقة .



ومنها : ما رواه في جامع الأحاديث عن عقاب الأعمال قال : حدّثني محمّد بن موسي بن المتوكّل رضي‏الله‏عنه قال : حدّثني عبداللّه‏ بن جعفرالحميري ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولاّد الحنّاط ، قال : سمعت أبا عبد اللّه‏ عليه‏السلام يقول : « من قتل نفسه متعمّداً فهو في نار جهنم خالداً فيها » ( 65 ) .



والظاهر أنّ المراد من أحمد بن محمّد هو أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، وهو ثقة وإن أكثرَ الرواية عن الضعاف ، فالرواية موثّقة ، ولكنّها متّحدة مع سابقتها وليست رواية اُخري .



ومنها : ما رواه في جامع الأحاديث عن الكافي ، عن محمّد بن يحيي ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان ، عن معاوية بن عمّار ، عن ناجية قال : قال أبو جعفر عليه‏السلام : « إنّ الموءمن يبتلي بكلّ بليّة ويموت بكلّ ميتة إلاّ أنّه لا يقتل نفسه » ( 66 ) . إلاّ أنّ ناجية غير موثّق .



وغير ذلك من الأخبار .



هذا مضافاً إلي الآيات الكريمة :



منها : قوله تعالي : « وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ »( 67 ) .



ومنها : قوله تعالي : « وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذلِكَ عَلَي اللّهِ يَسِيراً »( 68 ) .



قال في آلاء الرحمن ـ بعد نقل الروايات ـ :



منها : عن العيّاشي عن أسباط بن سالم : سأل الصادق عليه‏السلام رجل عن ذلك ، فقال : « عني بذلك الرجل من المسلمين يشدّ ( 69 ) علي المشركين وحده يجيء في منازلهم فيقتل ، فنهاهم اللّه‏ عن ذلك » ( 70 ) .



ومنها : أنّ المروي عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام : « لا تخاطروا بأنفسكم في القتال فتقاتلوا من لا تطيقونه » ( 71 ) .



ومنها : عن أمير الموءمنين عليه‏السلام عن رسول اللّه‏ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم في حديث سأله فيه عمّن كان في بَرْد يخاف علي نفسه إذا اُفرغ الماء علي جسده ، فقرأ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : « وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً »( 72 ) . إلي غير ذلك .



أقـول : ويمكن الجمع بين الروايات بأنّ المنهي عنه في الآية هي المقدّمات والأفعال التي ينشأ عنها زهوق النفس ، ولا مانع أيضاً من شمول الآية لقتل المسلم مسلماً آخر بغير حقّ ؛ فإنّ المنهي عنه هو قتل النفوس المضافة إلي جماعة الموءمنين الشاملة لنفس القاتل ونفوس غيره من الموءمنين ، ولا حاجة فيما ذكرناه إلي الجمع بين الحقيقة والمجاز ، لا في الإضافة ولا في المضاف إليه ( 73 ) .



ولقد أفاد وأجاد . ومثله ما لو أمر جماعة الموءمنين بمراعاة عزّة نفوسهم ؛ فإنّه لا يختصّ بالآخرين ، بل يشمل نفس مَن أعزَّ الناسَ أيضاً ، فتأمّل .



وكيف كان ، فالمقصود من الآية ـ بشهادة الروايات ـ يعمّ قتل الإنسان نفسه ، بل لعلّ تقطيع الأعضاء لا يجوز فيما إذا كان فيه مظنّة الهلاك أو خوفه ، كما يدلّ عليه قوله تعالي : « وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ »بناءً علي عدم اختصاصه بالتهلكة اليقينية ؛ بدليل أنّه لو اختصّت بها لزم الوقوع في التهلكة كثيراً ما .



هذا مضافاً إلي أنّ النهي عن الهجوم علي العدوّ الذي لا يُطاق دفعه لا يلزم الهلاك اليقيني ، بل هو مظنّة للهلاك .



علي أنّ المخاطرة المنهيّ عنها في الأخبار هي إلقاء النفس في الخطر ، وهو لا يلازم الجزم بوقوع الخطر .



ويشهد لما ذكر أيضاً : ما ورد في المنع عن استعمال الماء مع الخوف علي النفس ، كمعتبرة محمّد بن مسكين المروية في الوسائل عن الكافي : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن مسكين وغيره ، عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام ، قال : قيل له : إنّ فلاناً أصابته جنابة وهو مجدور ( 74 ) ، فغسّلوه فمات . فقال عليه‏السلام : « قتلوه ! ألا سألوا ؟ ألا يمّموه ؟ إن شفاء العيّ ( 75 ) السوءال » ( 76 ) . ثمّ إنّ محمّد بن مسكين موثّق بالتوثيق العامّ ؛ لرواية ابن أبي عمير عنه .



ووجه الشهادة : إنّ من المعلوم أنّ الذين غسّلوه لم يعلموا بلزوم الموت ، ومع ذلك وبّخهم الإمام عليه‏السلام ، وليس ذلك إلاّ لممنوعية إفراغ الماء مع الخوف .



الثالث : لا يخفي عليك ـ بعد ما عرفت أنّ الضرر وتنقيص البدن نقصاناً معتني به محرّم ـ أنّه لا فرق بين كون الأعضاء من الأعضاء الرئيسية وبين غيرها ؛ إذ الملاك هو حرمة الضرر ، فلا وجه للتفصيل المذكور ، كما يظهر من عبارة بعض الأعلام حيث قال : « هل يجوز قطع عضو من أعضاء إنسان حي للترقيع إذا رضي به ؟ فيه تفصيل : فإن كان من الأعضاء الرئيسية للبدن كالعين واليد والرجل وما شاكلهما لم يجز ، وأمّا إذا كان من قبيل قطعة جلد أو لحم فلا بأس به » ( 77 ) .



نعم ، من لم يتم عنده حديث لا ضرر أمكن له التفصيل بين ما يفسد البدن وغيره ، كما يدلّ عليه خبر محمّد بن سنان ، حيث كتب فيه عليّ بن موسي الرضا عليهما‏السلام : « إنّا وجدنا كلّ ما أحلّ اللّه‏ تبارك وتعالي ففيه صلاح العباد وبقاؤهم ، ولهم إليه الحاجة لا يستغنون عنها ، ووجدنا المحرّم من الأشياء لا حاجة بالعباد إليه ، ووجدناه مفسداً داعياً الفناء والهلاك ـ إلي أن قال ـ : فكيف أنّ الدليل علي أنّه لم يحلّ إلاّ لما فيه من المصلحة للأبدان وحرّم ما حرّم لما فيه من الفساد ؟ ! » ( 78 ) .



ولكنّ الخبر ضعيف . هذا مضافاً إلي تقيد الفساد بالفناء والهلاك . اللهمّ إلاّ أن يراد من الفناء والهلاك الأعمّ من الموت ، كما يشهد له جعل كل محرّم كذلك مع ما نري أنّ كلّ محرّم لا يوجب الهلاك بمعني الموت ، ويوءيّده تعليل الذيل بمطلق الفساد ، فافهم .



فتحصّل أنّ الضرر المعتني به يحرم .



وأمّا بذل كلية واحدة هل يكون ضرراً أو لا؟ فقد ذكر بعض الأطباء أنّه ليس بضرر .



الرابع : هل يجوز للحيّ تنقيص الأعضاء وتقطيعها لو توقّف حفظ حياة موءمن علي بذل عضو من أعضائه أو لا يجوز ؟

ربّما يقال بالجواز بل الوجوب ؛ لدوران الأمر بين حرمة الضرر ووجوب حفظ النفس ، فيصير المورد من موارد التزاحم ، وحيث إنّ حفظ النفس أهمّ فيقدّم جانبه .



ويستدلّ علي أهمّية حفظ النفس باُمور :



منها : أخبار التقية ، بتقريب : أنّ التقية ثابتة في كلّ شيء وجودياً كان أو عدمياً ، كما نصّ عليه في صحيحة الفضلاء : « التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه‏ له » ( 79 ) ، وعليه فالتقية مقدّمة علي كلّ واجب وحرام ؛ فإنّ كل شيء يعمّهما .



وحيث إنّ كل واجب وحرام لا يخلو عن الملاك اللازم الرعاية ، فتقديم التقيّة عليهما يكون من باب أهمّيتها عليهما .



ثمّ ذكر وجه هذه الأهمّية في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‏السلام قال : « إنّما جعل التقية ليحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فليس تقية ( 80 ) » . ومثلها موثقة أبي حمزة الثمالي . فيدلّ مجموع هذه الأخبار علي أنّ حفظ الحياة هو المجوّز لمخالفة كلّ حرام أو واجب ، وعليه فحفظ الحياة واجب أهمّ وأولي بالرعاية من جميع الواجبات والمحرّمات ، فلا محالة كلّما دار الأمر بين حفظ الحياة وحفظ واجب أو حرام آخر فالأهمّ هو حفظ الحياة .



ويشكل ذلك بأنّ ظاهر هذه الأخبار هو تشريع التقية لحفظ النفوس من تجاوز الأعداء ولا نظر لها بالنسبة إلي حفظ النفوس عمّا يعرضها بسبب العلل الطبيعية كالأمراض المهلكة . ويمكن أن يقال : إنّ ظاهر التعليل في قوله عليه‏السلام : « إنّما جعل التقية ليحقن بها الدم » هو أنّ معيار تقديم التقية حفظ النفوس ولا نظر فيه إلي أسباب هدمها ، فلا تفاوت في ذلك بين الأسباب الطبيعية وغيرها ، فتأمّل .



لا يقال : إنّ التعليل بحفظ الدم لا يشمل دم الغير ، وعليه فالمعيار مختصّ بحفظ دم الإنسان نفسه ولا يرتبط بحفظ دم الآخرين من الموءمنين ، والمقام راجع إلي حفظ دم الموءمنين .



لأنّا نقول : إنّ التقية لحقن الدم لا تختصّ بالمتّقي ، بل تشمل التقية لحفظ دم الآخرين ، فلا وجه لتخصيص التحليل بدم المتّقي .



لا يقال : إنّ الدم أعمّ من قتل النفس ، وعليه فيكون مفاد الرواية أنّ التقية إنّما شرّعت ليُحقَن بها الإنسان من الجرح والقتل ممّا فيه الدم ، فإذا بلغت التقية الدم بالمعني المذكور فلا تقية .



وعليه ، فكلّ شيء يوءدّي إلي الجرح والقتل لا يجوز ، والمقام ممّا يوءدّي إلي الجرح ؛ فإنّ تقطيع الأعضاء لا يمكن بدون الجرح والدم كما لا يخفي . وعليه ، فلا تصلح هذه الأخبار للاستدلال في المقام .



لإمكان أن نقول : إنّ الدم في هذه المقامات يستعمل كثيراً في قتل النفس ، كقوله عليه‏السلام : « وصارت البيّنة في الدم علي المدّعي عليه . . . واليمين علي المدّعي ؛ لأنّه حوط يحتاط به المسلمون ؛ لئلاّ يبطل دم امرئ مسلم » ( 81 ) .



أو « شهادة النساء . . . لا تجوز في الطلاق ولا في الدم » ( 82 ) .



أو كقولهم : « عرض المسلم كدمه » .



وغير ذلك من الموارد . فكثرة الاستعمالات تصلح لانصراف الدم إلي دم النفس لا للأعمّ من دم الجرح ، فافهم .



ولو سلّم تماميّة الاستدلال بأخبار التقية من الجهات المذكورة ، فلا نسلّم تماميّتها من جهة الإطلاق ؛ فإنّ قوله : « إنّما جعل التقية ليحقن الدم بها ، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة » في مقام بيان عدم جواز التقية بسفك دم الغير ، فلا إطلاق لها من ناحية موارد جواز التقية من الأسباب القهرية العدوانية والأسباب العادية الطبيعية .



ومنها : أخبار جواز الحلف كذباً لحفظ مال المسلمين ، كموثقة إسماعيل بن سعد الأشعري المروية في الوسائل عن الكليني : عن محمّد بن يحيي ، عن أحمد بن محمّد ، عن إسماعيل بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضا عليه‏السلام ـ في حديث ـ قال : سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك ، فحلف . قال : « فلا جناح عليه » . وعن رجل يخاف علي ماله من السلطان فيحلفه لينجو به منه . قال : « لا جناح عليه » . وسألته : هل يحلف الرجل علي مال أخيه كما يحلف علي ماله ؟ قال : « نعم » ( 83 ) .



بدعوي أنّ مورد الروايات وإن كان هو التضرّر المالي للأخ الموءمن ، ولكن نتعدّي إلي التضرّر العرضي والنفسي بطريق الأولوية ، ويشهد له موثّقة السكوني عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم‏السلام قال : « قال رسول اللّه‏ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : اِحلف باللّه‏ كاذباً ونجِّ أخاك من القتل » ( 84 ) .



فالمستفاد من هذه الأخبار أنّ الجامع في تسويغ التقية في ترك الواجب أو فعل الحرام إنّما هو الضرر المتوجّه إلي النفس أو الأخ المسلم في شيء من المال أو العرض أو النفس . هذا مضافاً إلي دلالة خبر معمّر بن يحيي علي أنّ الضرر المتوجّه إلي الأخ المسلم أو الموءمن هو ممّا يوجب الضرورة علي نفس الإنسان ـ حيث قال عليه‏السلام في جواب سوءال السائل : إنّ معي بضائع للناس ونحن نمرّ بها علي هوءلاء العشّار ، فيحلّفونا عليها ، فنحلف لهم ؟ فقال : « وددت أنّي أقدر علي أن اُجيز أموال المسلمين كلّها وأحلف عليها ؛ كلّ ما خاف الموءمن علي نفسه فيه ضرورة فله فيه التقية » ( 85 ) ـ لتطبيق الكبري المذكورة في الذيل علي موارد الضرر المتوجّه إلي الأخ الموءمن .



وكيف كان ، فهذه الروايات تدلّ علي جواز التقية في ترك الواجب أو في فعل الحرام للضرر المتوجّه إلي الغير ، سواء كان مالياً أو بدنياً ، وعليه فلا مانع من رفع اليد عن حرمة الإضرار بالبدن للضرر المتوجّه إلي الغير .



وفيه : ما عرفت في أخبار التقية من أنّ غاية الاستدلال بها هو جواز التقية في ترك الواجب أو فعل الحرام عند تجاوز الأعداء ، ولا إطلاق لها بالنسبة إلي الضرر المتوجّه إلي الأخ الموءمن بالأسباب الطبيعية ، بل هذه الأخبار جاءت مندرجة تحت أخبار التقية لأنّها بالحمل الشائع تقية .



ومنها : أخبار وجوب حفظ الماء خوفاً من العطش : كصحيحة عبد اللّه‏ بن سنان ، عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام أنّه قال في رجل أصابته جنابة في السفر وليس معه إلاّ ماء قليل ويخاف إن هو اغتسل أن يعطش ، قال : « إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة ، وليتيمّم بالصعيد ؛ فإنّ الصعيد أحبّ إليّ » ( 86 ) .



وموثّقة الحلبي قال : قلت لأبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام : الجنب يكون معه الماء القليل ، فإن هو اغتسل به خاف العطش ، أيغتسل به أو يتيمّم ؟ فقال : « بل يتيمّم » ( 87 ) .



وموثّقة سماعة قال : سألت أبا عبد اللّه‏ عليه‏السلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلّته . قال : « يتيمّم بالصعيد ويستبقي الماء ؛ فإنّ اللّه‏ عزّوجلّ جعلهما طهوراً ؛ الماء والصعيد » ( 88 ) .



لا يقال : إنّ بعض الأخبار مختصّ بحفظ الإنسان لنفسه ، وشمول قوله عليه‏السلام : « إن خاف عطشاً » لحفظ نفس الغير ، مع أنّ السوءال عن خوف العطش علي نفسه غير واضح .



لإمكان أن نقول : إنّ العبرة بإطلاق الجواب ؛ فإنّ قوله : « إن خاف عطشاً » يشمل عطش الغير . هذا مضافاً إلي أنّ إطلاق السوءال وترك الاستفصال في موثّقة الحلبي وموثّقة سماعة يشهد للشمول .



إن قلت : إنّ هذه الأخبار واردة في الطهارة المائية التي لها بدل وهي الطهارة الترابية ، فجواز رفع اليد عن مثلها لا يسوّغ التعدّي عنها إلي ما لا بدل له كسائر الواجبات والمحرّمات .



قلت : لا مجال لاحتمال خصوصية كون الواجب ذا بدل في ذلك مع الاتّفاق علي وجوب إنقاذ الغريق ولو كان متوقّفا علي الحرام ، كقطع الصلاة أو الدخول في دار الغير ؛ فإنّ مثلهما لا بدل له . فمنه يظهر أنّ معيار التقديم هو أهمّية وجوب حفظ نفس الغير لا كون الواجب ذا بدل .



وعليه ، فهذه الأخبار تدلّ علي وجوب حفظ نفس الغير ولو كان سبب الهلاك أمراً طبيعياً ، وذلك الحفظ يتحقّق برفع اليد عن الواجب ، وهو الوضوء أو الغسل .



اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مع خوف العطش يصدق عنوان « فَإن لَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً »( 89 ) ، ومعه فلا موضوع للغسل والوضوء ، ولا يكون من باب التزاحم وتقديم وجوب حفظ النفس علي وجوب الغسل أو الوضوء .



ولكنّه كما تري ؛ لأنّه مع وجود الماء للوضوء أو الغسل وروءيته لا يصدق عدم وجود الماء ، فالتقديم من جهة التزاحم وأهمّية حفظ النفس ، لا من جهة عدم موضوع الوضوء أو الغسل .



وحيث كان الوضوء أو الغسل لا موضوعيّة لهما ، فيتعدّي منهما إلي كلّ واجب وحرام ، فإذا توقّف حفظ النفس علي ترك الواجب أو فعل الحرام أمكن القول بالجواز من جهة أهمّية حفظ النفس ، ولكنّه محلّ تأمّل ؛ لأنّ التعدّي من الواجبات البدلية التي تكون هي مورد الروايات إلي غيرها بقرينة خارجية يختصّ بمقدار تدلّ عليه القرائن ، والاتّفاق علي وجوب الإنقاذ وتقديمه علي حرمة قطع الصلاة أو الدخول في دار الغير لا يدلّ علي تقديم حفظ النفس علي حرمة الإضرار بالبدن ؛ لأنّ قطع الصلاة أو الدخول في دار الغير ليس من هذا القبيل .



ومنها : الأخبار الدالّة علي جواز شقّ بطن المرأة الميّتة لإخراج ولدها حفظاً لحياة الولد ، أو علي جواز تقطيع الولد الميّت وإخراجه من بطن المرأة الحيّة حفظا لحياة الاُمّ :



كصحيحة علي بن يقطين قال : سألت العبد الصالح عليه‏السلام عن المرأة تموت وولدها في بطنها . قال : « يشقّ بطنها ، ويخرج ولدها »( 90 ) .



والظاهر من قوله : « يشقّ بطنها » هو وجوب ذلك ؛ لأنّ السوءال عن كيفيّة الحكم عند دوران الأمر بين المحذورين ، فإن كان الحكم هو الجواز لَما خصّصه بشق البطن ، فحيث خصّصه به يظهر أنّ المتعيّن هو شقّ البطن . ولا ينافيه قوله : « لا بأس » في الرواية التالية ؛ لأنّه من جهة إقدام الرجل في مقابل النساء لا من جهة أصل القطع والإخراج .



وخبر وهب بن وهب عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام قال : « قال أمير الموءمنين عليه‏السلام : إذا ماتت المرأة وفي بطنها ولد يتحرّك فيتخوّف عليه ؛ فشُقّ بطنَها وأخرِج الولد » .



وقال في المرأة يموت ولدها في بطنها فيتخوّف عليها ، قال : « لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطّعه ويخرجه إذا لم ترفق به النساء » ( 91 ) .



والرواية وإن كانت ضعيفة ولكنّها ـ كما في الجواهر ـ غير قادحة بعد الانجبار بعمل الأصحاب .



فهذه الروايات تدلّ علي رفع اليد عن حرمة تشقيق بدن الميّت وتقطيعه في مقابل وجوب حفظ النفس ، مع أنّ تقطيع بدن الميّت وتشقيقه يوجب الدية ، لو لم تدلّ الأخبار المذكورة علي عدمها ، وهذا حاكٍ عن أهمّية حفظ النفس ، فيستفاد منها أنّ مع تزاحم حرمة الإضرار بالبدن مع وجوب حفظ نفس الغير يلزم رفع اليد عن حرمة الإضرار .



ويشكل ذلك : بأنّ رفع اليد عن حرمة التقطيع في الأموات يلازم رفع اليد عن حرمة الإضرار في الأحياء ، وإلغاء الخصوصية لا مجال له . هذا مع أنّ وجود الميّت في مورد الأخبار من أسباب موت الحيّ ، بخلاف المقام ؛ فإنّ الحيّ لا سببية له في إزالة الحياة من الغير ، بل إزالة الحياة من الغير مستندة إلي الأسباب العادية والطبيعية ، فتأمّل .



ومنها : ما يظهر للمتتبّع في تضاعيف أبواب الفقه نصّاً وفتوي من تقديم حفظ النفس المحترمة علي ارتكاب المحرّمات أو ترك الواجبات ، وليس ذلك إلاّ لأهمّية حفظ النفس المحترمة بالنسبة إلي سائر الواجبات والمحرّمات ، وبعض هذه الموارد كما يلي :



1 ـ جواز أكل الميتة حفظاً للنفس .



2 ـ جواز قطع المضطرّ للأكل بعضَ أجزاء بدنه ممّا لا يوجب الهلاك ، معلّلاً بأنّه إتلاف بعض لاستبقاء الكلّ ( 92 ) .



3 ـ جواز شرب الخمر أو البول عند الاضطرار إليهما ( 93 ) .



4 ـ جواز غصب مال الغير لحفظ الإنسان إذا توقّف عليه ، مع ضمان المثل أو القيمة ( 94 ) .



5 ـ وجوب بذل الطعام علي صاحب الطعام للمضطرّ إذا لم يكن نفسه مضطرّاً ، معلّلاً بوجوب حفظ النفس المحترمة عليه ولو لغيره ، خلافاً للمحكيّ عن الخلاف والسرائر فلم يوجباه ؛ للأصل ، بعد منع كونه إعانة وعدم دليل يدل علي وجوب حفظ نفس الغير مطلقاً ، حتي لو توقّف علي بذل المال ؛ إذ ليس إلاّ الإجماع ، وهو في الفرض ممنوع ، بل لعلّ السيرة في الأعصار والأمصار علي خلافه في المقتولين ظلماً مع إمكان دفعه بالمال ، وفي المرضي إذا توقّف علاجهم ـ المقتضي حياتهم بإخبار أهل الخبرة ـ علي بذل المال . قال في الجواهر بعد نقل ما ذكر : إلاّ أنّه لا يخفي عليك ما في ذلك كلّه ؛ ضرورة المفروغية عن وجوب حفظ نفس المؤمن المحترمة ( 95 ) .



6 ـ وجوب شراء العلف لحفظ نفس الحيوان ( 96 ) .



7 ـ وجوب الطبابة عيناً علي الطبيب مع الانحصار مع أخذ الاُجرة ( 97 ) .



8 ـ جواز قتل مباح الدم كالحربي للمضطرّ الذي يحتاج إلي لحمه ، ويحلّ له منه ما يحلّ من الميتة ( 98 ) .



9 ـ وجوب الدفاع عن الغير عند القدرة علي الدفع عن غيره مطلقاً أو مع التقيّد بالأمن من الضرر ( 99 ) .



10 ـ وجوب إنقاذ الغريق ونحوه كفاية أو عيناً عند الانحصار ولو توقّف علي ارتكاب الحرام أو ترك الواجبات ، وغير ذلك من الموارد التي تدلّ علي أهمية حفظ النفس وتقديم جانبه علي المحرّمات والواجبات .



وفيه : أوّلاً : إنّ هذه الموارد جملة منها مربوطة بمحافظة الإنسان علي نفسه ولا يرتبط بالمقام .



وثانياً : إنّ جملة اُخري منها وإن دلّت علي تقديم جانب حفظ نفس الغير ولكنّها مختصّة بتقديمه علي الأموال ، ولا يستفاد منها وجوب بذل الأعضاء لحفظ نفس الغير ، بل يظهر من الجواهر خلافه ، حيث قال : « لا يجوز للإنسان أن يقطع جزءا منه للمضطرّ وإن قطع بالسلامة ، إلاّ أن يكون المضطرّ نبيّاً ، فإنّه يجوز وإن قطع بالسراية » ( 100 ) .



وأيضاً قال : « لا يجوز للمضطرّ أن يقطع من غيره ممّن هو معصوم الدم اتّفاقاً ، كما في المسالك ؛ إذ ليس فيه إتلاف البعض لإبقاء الكلّ ، بل الظاهر ذلك وإن قطع بالسلامة المقطوع منه ( 101 ) .



ومنها : بناء العقلاء وسيرتهم علي لزوم حفظ نفس الغير بحيث لو أهمل من يقدر علي حفظه استحقّ المذمّة ، ولم يردع عنه الشارع . وهذه السيرة لا تختصّ ببذل المال ونحوه ، بل هي قائمة أيضا في أنّهم يقتحمون الأخطار من أجل إنقاذ الغير ، لاسيّما إذا كان بينهما قرابة . ألا تري أنّ الاُمّ أو الأب أو الولد يذبّون عن ذويهم لإنقاذهم ولو كلّف الأمر اقتحام النار ؟ ! بل ربّما علموا بأنّ الدخول في النار ونحوها من المخاطر لا يخلو من الضرر ونقص البدن ومع ذلك يقدمون علي إنقاذه ، ولم يكونوا ملومين بل ممدوحين بذلك .



وعليه ، فمع توجّه الخطر إلي الغير يجب علي الإنسان حفظ نفس الغير ، ولو أخلّ بذلك كان ملوماً ومذموماً عند العقلاء ولو لم يكن سبباً لتوجّه الخطر إلي الغير .



ودعوي أنّ السيرة المذكورة ثابتة فيما إذا لم يعلم بالضرر ، ولا إشكال فيه ؛ لأنّ مع عدم العلم بالضرر يكون من الشبهات الموضوعية فلا يحرم ، وأمّا مع العلم بالضرر فهي غير ثابتة .



ممنوعة بأنّا نجد السيرة قائمة علي دخول الإنسان في المخاطر من أجل الحفاظ علي ذويه من الأبناء والآباء ونحوهما من الأقرباء الأدنين مع العلم بالنقص والضرر ، ومع وجدان هكذا سيرة كيف يمكن دعوي عدم الثبوت ؟ !



نعم ، يمكن القول بأنّ السيرة حيث كانت دليلاً لبّيا فيقتصر فيه علي القدر المتيقّن ، فيجوز تحمّل النقص في ذوي الإنسان وأهله وعياله ، كالأبناء والآباء والاُمّهات والإخوان والأزواج وغيرهم من الأقرباء الأدنين ؛ فإنّ ضررهم ضرره ، فكما إنّ الإنسان يدفع الضرر الأكثر بتحمّل الضرر الأقلّ عند المعالجة والأمراض ، كذلك يدفع ضرر ذويه بتحمّل الضرر القليل أو الأقل .



وأمّا في غيرهم فالسيرة مع العلم بالضرر غير ثابتة ؛ إذ ليس ضررهم ضرره ، فتأمّل .



لا يقال : إنّ السيرة في المذكورين ليست علي بذل الأعضاء ؛ فإنّ ذلك أمر لا سابقة له في تلك الأيام ، فكيف يوءخذ بها ؟ ! لجواز تحمّل الضرر ببذل الأعضاء .



لأنّا نقول : إنّ ثبوت السيرة علي تحمّل الضرر لدفع الخطر كافٍ في جواز بذل الأعضاء ، ولا حاجة إلي ثبوتها في خصوص بذل الأعضاء بما يكون متعارفاً في زماننا هذا ؛ إذ لا خصوصية في مصاديق الضرر ، فتحمّل الحرق والكسر والجرح لحفظ الأهل والعيال من خطر الموت مع الإمضاء الشرعي يسوّغ المقام ؛ إذ الإمضاء تعلّق بتحمّل الضرر لحفظ الأهل لا بخصوص موارد الضرر .



هذا مضافاً إلي إمكان أن يقال : إنّ الإمضاء لو تعلّق بخصوص المذكورات أمكن إلغاء الخصوصية كما تلغي في النصوص ومعاقد الإجماعات ، فتدبّر .



بل يمكن أن يقال : إنّ المورد المذكور من موارد تزاحم الضررين ، وبناء العقلاء في مثله علي اختيار الأقلّ منهما . وهكذا نقول في نفي الحرج ، فإنّ تحمّل الضرر حرج ، وتحمّل فقدان الأولاد والآباء والاُمّهات وغيرهم من الأهل أكثر حرجا ، فيختار أقلّهما حرجاً كما عليه بناء العقلاء .



إن قلت : إنّ ما ذكرتموه جارٍ بعينه في إخواننا الموءمنين ؛ لأنّ مقتضي الاُخوّة الإسلامية هو أنّ المسلمين بعضهم أولياء بعض واُمّة واحدة ، فالضرر اللاحق بالإخوان ضرر علينا ، فإذا مرض أحدهم بمرض مهلك وأمكن لنا دفعه بتحمّل الضرر يتزاحم الضرران ، ومقتضي بناء العقلاء علي اختيار أقلّهما ضرراً ، والأقلّ هو تحمّل النقص لرفع الأكثر وهو الهلاك ، وبالجملة فحكمهم هو حكم الأقرباء الأدنين والأهل والعيال .



قلت : بناء العقلاء ليس إلاّ في الأدنين من العشيرة والخواص ، والتوصية الشرعية بالاُخوّة الإسلامية بنفسها شاهدة علي أنّ البناء المذكور ليس ثابتاً في الاُخوّة ، وإنّما أراد الشارع أن يكون المسلمون بعضهم بالنسبة إلي البعض كالأهل . وبالجملة : التوصية بأنّ المسلمين ينبغي أن يكونوا كذلك تغاير بناء العقلاء علي المعاملة مع الآخرين معاملة العشيرة والأدنين والأهل والعيال .



إن قلت : تكفي التوصية الشرعية بالإيثار بالنسبة إلي جواز تحمّل الضرر ببذل الأعضاء للإخوان .



قلت : نعم ، لو كانت التوصية المذكورة عامّة أو مطلقة بحيث تشمل تحمّل الضرر لدفع الضرر عن الآخرين ، وأمّا إذا لم تكن كذلك فمقتضي أدلّة نفي الضرر هو عدم جواز تحمّل الضرر لدفع الضرر عن الآخرين . وهذا بخلاف الأهل والعيال ؛ فإنّ الأمر فيهم يرجع إلي تزاحم الضررين بالنسبة إلي فرد واحد ، فيختار أقلّهما ضرراً .



إن قيل : إنّ عنوان ذوي الإنسان وخاصّته ممّن يكون ضررهم ضررا لنا بحيث يرجع إلي تزاحم الضررين متفاوتٌ في الأقوام والملل ؛ إذ ربّما تكون الطبقة الاُولي كذلك وربّما تكون أزيد وربّما تكون أقلّ من ذلك .



قلت : فالمتّبع هو كون ضررهم معدوداً ضررا لنا ، والقلّة والكثرة بحسب اختلاف الأقوام والملل لا تنافيان ذلك ، فتدبّر .



ثمّ بعد اللتيا والتي ، يمكن أن يقال : إنّ عمومات إعانة الموءمنين كقوله عليه‏السلام : « أيما موءمن منع موءمناً شيئاً ممّا يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره ، أقامه اللّه‏ يوم القيامة مسوّداً وجهه » الحديث ( 102 ) ، أو عمومات الاستغاثة كقوله عليه‏السلام : « قال رسول اللّه‏ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم » ( 103 ) ، وإن أمكن المناقشة في شمولها لبذل العضو لكن دعوي بناء العقلاء علي عدم ملامة من أعطي عضوه في سبيل نجاة الآخرين من الموت ولو لم يكن بينه وبينهم قرابة غير مجازفة ، وعليه فدعوي انصراف حديث « لا ضرر » عن مثله غير بعيدة . فتحصّل أنّ إعطاء العضو لنجاة الآخرين من الموت جائز ؛ لقيام بناء العقلاء علي عدم كون الباذل ملوما ، ولم يُردع هذا البناء ؛ إذ العمومات لا تكفي للردع ، بل يحتاج الردع إلي التصريح والتنصيص . نعم ، لا يكون ذلك واجباً عند العقلاء ، بخلاف الأهل والعيال فإنّ ترك البذل لهم يوجب المذمّة والملامة . وممّا ذكر يظهر ما في كلام صاحب الجواهر من منع بذل العضو للمضطرّ ( 104 ) ، فتدبّر .






( 80 ) المصدر السابق : 483 ، ب 31 من أبواب الأمر والنهي ، ح 1 .


( 69 ) شدّ عليه : أي حمل عليه .


( 92 ) انظر : جواهر الكلام 36 : 442 .


( 38 ) الكافي 4 : 53 ، ح 7 .


( 17 ) كلمات سديدة : 45 .


( 46 ) كما عن العلاّمة قدس‏سره في الإرشاد أنّه قال ـ في عداد المحرّمات من الجامدات ـ : والسموم القاتل قليلها وكثيرها ، وما لا يقتل قليله يجوز تناول ما لا ضرر فيه .


( 48 ) معطوفة علي كلمة « الامتلاء » الواقعة اسما لـ « يكون » . وكلمة « ضررا » هي الخبر .


( 3 ) قاعدة لا ضرر ( للسيّد المحقّق السيستاني ) : 134 ـ 135 .


( 75 ) العي : من لم يهتد لوجه مراده .


( 5 ) علل الشرائع : 592 .


( 10 ) جامع الأحاديث 9 : 284 .


( 25 ) الوسائل 8 : 23 ، ب 8 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ، ح 7 .


( 36 ) البقرة : 195 .


( 41 ) تفسير القرطبي 2 : 361 .


( 101 ) المصدر السابق : 442 ـ 443 .


( 21 ) العروة الوثقي 2 : 171 ، الطبعة الجديدة .


( 90 ) الكافي 3 : 155 .


( 4 ) الكافي 6 : 242 .


( 12 ) المصدر السابق : 118 .


( 33 ) المنافقون : 8 .


( 66 ) المصدر السابق : 121 .


( 53 ) الروم : 30 .


( 59 ) راجع : جامع الأحاديث 26 : 496 .


( 97 ) العروة الوثقي ـ كتاب الإجارة ، خاتمة ، مسألة 17 .


( 71 ) المصدر السابق .


( 26 ) كلمات سديدة : 46 .


( 28 ) المصدر السابق 265 ، ح 3 .


( 58 ) البقرة : 182 .


( 23 ) آل عمران : 97 .


( 103 ) المصدر السابق 19 : 591 .


( 77 ) منهاج الصالحين 1 : 426 ، مسألة 40 .


( 86 ) المصدر السابق 2 : 997 ، ب 25 من التيمم ، ح 1 .


( 24 ) أي الطريق يتتابع الناس فيه .


( 42 ) المصدر السابق : 362 .


( 16 ) الوسائل 7 : 124 ، ب 1 من أبواب من يصح منه الصوم ، ح 5 .




( 65 ) جامع الأحاديث 26 : 130 .


( 89 ) المائدة : 6 .


( 94 ) انظر : المصدر السابق 31 : 292 .


( 84 ) المصدر السابق : 163 ، ح 4 .


( 47 ) كلمات سديدة : 51 ـ 52 .


( 63 ) الوسائل 19 : 13 ، ب 5 من القصاص في النفس ، ح 1 .


( 32 ) المصدر السابق : ح 8 .


( 27 ) الكافي 6 : 266 ، ح 6 .


( 31 ) المصدر السابق : 266 ، ح 5 .


( 20 ) كلمات سديدة : 45 .


( 76 ) الوسائل 2 : 967 ، ب 5 من التيمم ، ح 1 .


( 99 ) المصدر السابق 41 : 650 .


( 57 ) الوسائل 11 : 424 ، ب 12 ، كراهة التعرض للذل ، ح 2 .


( 22 ) التنقيح 9 : 420 .


( 30 ) الكافي 6 : 265 ، ح 4 .


( 79 ) الوسائل 11 : 468 ، ب 25 من أبواب الأمر والنهي ، ح 2 .


( 11 ) الكافي 4 : 119 .


( 64 ) مشيخة من لا يحضره الفقيه 4 : 469 .


( 88 ) المصدر السابق : ح 3 .


( 60 ) انظر : الوسائل 11 : 424 ، ب 12 ، كراهة التعرض للذل ، ح 2 .


( 35 ) المصدر السابق : ح 3 .


( 55 ) البقرة : 207 .


( 39 ) من لا يحضره الفقيه : 310 .


( 61 ) التهذيب 1 : 338 ، ب13 ، ح158 .


( 19 ) المصدر السابق : 967 ، ح 1 .


( 51 ) تحقيق در يك مسأله فقهي ( بالفارسية ) : 105 .


( 82 ) المصدر السابق 18 : 259 ، ب 24 من شهادة النساء ، ح 5 .


( 56 ) المنافقون : 8 .


( 91 ) المصدر السابق : 206 .


( 62 ) المصدر السابق : ح 159 .


( 96 ) المصدر السابق 31 : 395 .


( 81 ) المصدر السابق 18 : 172 ، ب 3 من كيفية الحكم وأحكام الدعوي ، ح 6 .


( 83 ) المصدر السابق 16 : 162 ، ب 12 من الأيمان ، ح 1 .


( 9 ) كلمات سديدة : 42 .


( 14 ) المصدر السابق .


( 52 ) المائدة : 103 .


( 68 ) النساء : 29 و 30 .


( 18 ) الوسائل 2 : 968 ، ب 5 من التيمم ، ح 7 .


( 78 ) علل الشرائع : 592 .


( 40 ) مهْ : كلمة مبنية علي السكون وهو اسم سمي به الفعل ، ومعناه اكفف ، لأ نّه زجر فإن وصلت نوّنت فقلت مهٍ مهْ . الصحاح 6 : 2250 .


( 44 ) كما عن اُصول الغنية بتقريب أنّ العلم حاصل بأنّ ما فيه ضرر خالص عن كلّ منفعة ـ يعني عاجلةً كانت أو آجلة ـ قبيح محظور الإقدام عليه .


( 72 ) النساء : 30 .


( 74 ) الجدر ـ بفتحتين ـ : جمع جدرة : البثور المرتفعة .


( 50 ) تفسير كنز الدقائق 2 : 624 .


( 6 ) البحار 19 : 167 .


( 95 ) المصدر السابق 36 : 432 ـ 433 .


( 93 ) انظر : المصدر السابق .


( 67 ) البقرة : 195 .


( 98 ) جواهر الكلام 36 : 442 .


( 85 ) المصدر السابق : 165 ، ح 16 .


( 100 ) المصدر السابق 36 : 442 .


( 43 ) الميزان 2 : 64 .


( 37 ) كلمات سديدة : 47 .


( 87 ) المصدر السابق : ح2 .


( 104 ) جواهر الكلام 26 : 443 .


( 29 ) النهاية 5 : 274 .


( 73 ) آلاء الرحمن في تفسير القرآن 2 : 98 .


( 49 ) النساء : 119 ـ 121 .


( 2 ) كلمات سديدة : 158 .


( 45 ) بتقريب أنّ دفع الضرر المحتمل واجب عقلاً .


( 34 ) الكافي 5 : 63 ، ح 2 .


( 54 ) الأحزاب : 6 .


( 15 ) البقرة : 185 .


( 8 ) البحار 19 : 169 .




( 70 ) آلاء الرحمن في تفسير القرآن 2 : 98 .


( 1 ) الكافي 5 : 292 .


( 13 ) جامع الأحاديث 9 : 286 .


( 7 ) كذا في البحار ، والصحيح « من » .


( 102 ) الوسائل 11 : 599 .

/ 1