الغناء والموسيقي
نويسنده: رضا مختاري و محسن صادقي
إن الموسيقي والدين مقولتان لازمتا الانسان منذ القدم، وقد بدأت الموسيقي حياتها بعد قليل من بدء الانسان حياته، فيما ألقي الدين منذ ازمنة سحيقة بظله علي روح الانسان وجسمه. والدين، سواء أكان وليد إرادة الانسان وفكره، أم كان مائدة من السماء، فإنه عندما عجن بحياة الانسان، اصطبغ بلونه وحمل رائحته. لذلك فالموسيقي والدين مقولتان انسانيتان وكلتاهما ضرب من التجربة. وهما قد وضعتا يداً بيد حيناً وظللا حياة الانسان بظل من المحبة، وتزاورتا حيناً آخر بعض عن بعض في نزاع وخصام، وفي هذا الصراع كانت الموسيقي تغلب الغريم أحيانا بالغنج والدلال فتجذب روح الانسان اللطيفة بشباك شعرها نحو الخير أو الشر، أو كان الدين في أحيان أخري يعقد ما بين حاجبيه وينظر بعين الغضب شزراً إلي الموسيقي فيلقي بروح الانسان المحبة للجمال في السجن مقيدة بقيود الآداب والسنن.
إن هذا التنائي والتقارب، وهذا الرفض والقبول، لم يكن علي الصعيد الديني فحسب، بل علي صعيد المذاهب الأعضاء في عائلة دينية واحدة يحدث هذا التباعد والتحابب والتلاطف والتجافي، أيضاً وبكثرة. فمن جهة تجد العارف والصوفي يسمعان من نغمة الناي صوت الأذان، ومن سماع لحن القيثارة تتجسد امامهما قيام القائم للصلاة. ومن جهة اخري، يسمع الزاهد المتشرع من «الناي» صفير غضب نار الجحيم، ومن القيثارة صدي هراوات القائمين بالتعذيب. ثم كان يحدث أن عارفاً متعبداً ومتشرعاً حي القلب، فيما همايحرسان حريم الشرع وآدابه، يسمعان من (الناي) و(القيثارة) نغمات مألوفة محبوبة.
إن هذه الحرب والسلام، والتنائي والتلاقي، بمثلما لا تعرف لهما بداية بينة، لايبدو أن لهما نهاية مرئية. كانا هكذا وسيكونان هكذا، وذلك لأن الذي يفسر الدين والموسيقي هو الانسان نفسه، ورأي الانسان رهين بمحيطه وظروف حياته، وظروف الحياة دائمة التغير والتبدل، فلكل عصر وزمان آلته الجديدة ونغمته الجديدة، ولكل انسان أغنيته الجديدة بمقتضي ظروف زمانه. إن التحقيق والدراسة العميقة لهذه القضية كانت مفيدة للانسان وحيّة دائماً، خاصة اذا كانت هناك قرائن تطبيقية بين تلك المجموعة من تلك الأفكار التي تعزف نغمة التصالح بين الدين والموسيقي، وتلك المجموعة التي تدق طبول الحرب والقتال بينهما. اذا كانت المطالعات والتحقيقات شاملة لجميع الأديان فانه لعمل مجهد، واذا لم تكن بهذا الاتساع فلا بد من تنسيقها ضمن إطار مذاهب الدين الواحد، والءّا ففي
الأقل لابد من دراسة وجهات النظر المختلفة خلال المذهب الواحد.
في العقدين الأخيرين، بعد قيام الدولة الاسلامية علي أساس مذهب التشيع في ايران، ومواجهة فقه التشيع مقولات الحياة الانسانية مواجهة صارمة، واستدعاؤه استدعاء جاداً للاجابة، نكئ مرة اخري جرح شرعية الموسيقي ولا شرعيتها وحُمل الفقه حملاً شديداً علي البحث والتحقيق، ونشب خصام بين فقهاء أهل السنة والمحدثين من الواقعيين، وظهر في الحوزات العلمية توجه نحو هذه القضية، ونشرت المقالات في المجلات والمنشورات. وكانت الادلة من الطرفين هي الادلة القديمة نفسها وكانت القضية مربكة لكليهما. وهكذا، بعد عشرين سنة، ما زال السؤال القديم، عما اذا كانت الموسيقي جائزة أم لا، باقياً في أستار الغموض وبدون جواب.
قبل سنوات قرر مركز التحقيق في مدرسة ولي العصر (عج) ضرورة القيام بإحياء التراث الفقهي، باقتراح من الاستاذ مختاري، عن طريق إصدار سلسلة تحت عنوان (التراث الفقهي)، وتحمل مسؤوليتها الاستاذ مختاري نفسه وعدد من أفاضل الحوزة العلمية في قم.
وعلي الرغم من معرفة الاستاذ مختاري وزملائه أهمية تاريخ الغناء والموسيقي، وضرورة دراسته بالنظر لصدور بعض الأحاديث عن أهل البيت ( عليهمالسلام ) ، فإنه من دون معرفة كيفية الغناء الذي كان سائداً في عصرالمعصومين ( عليهمالسلام )لا يمكن التأكد من انواع الغناء التي كان يقصدها أولئك المعصومون. إلا أن الهدف ليس شرح تاريخ الموسيقي ولا الموسيقي النظرية ولا علم الموسيقي، بل كان الجهد موجهاً إلي الرسائل والكتب التي تتناول الجوانب الفقهية للغناء والموسيقي، سواء من حيث تعيين الموضوع أو بيان الحكم.
لقد قام المصححون و عارضوا هذه المجموعة بتنظيم عملهم في الموسيقي والغناء في ستة أقسام. في القسم الأول، وهو أطول الأقسام ويستغرق مجلدين، ثمان وعشرون رسالة فقهية مستقلة، مرتبة حسب تاريخ الوفاة. هذه المقالات هي الجزء الباقي من اربعين رسالة كتبها فقهاء سابقون. وهناك رسالتان أخريان ضمتا إلي القسم الثاني لبعض الأسباب.
عنوان الرسالة الأولي من هذه المجموعة هو «في تحريم الغناء» بقلم المحقق السبزواري صاحب (كفاية الأحكام) والمتوفي سنة 1090هـ . وقد حققها الاستاذ مختاري علي خمس نسخ من 13 نسخة موجودة. إن أهمية عمل المحقق السبزواري في باب الموسيقي والغناء ليست في تأليف هذا الكتاب، بل في تحريك البحث في الغناء والموسيقي وجعله من قضايا اليوم في العصر الصفوي، بكتابته رسالة أخري لم يعثر عليها حتي الآن. ولكن علي أساس تقرير أحد النساخين في زمانه إنه كان في تلك الرسالة قد اخرج بعض انواع الغناء والموسيقي من دائرة الحرمة، ولكنه قد ضيق دائرة الاستثناء تلك، مكتفياً بإباحتهما في حفلات الاعراس الخالية من الرجال ومن باطل الكلام.
عنوان الرسالة الثانية في هذا القسم هو «تنبيه الغافلين وتذكير العاقلين» بقلم الشيخ علي العاملي المتوفي سنة 1103هـ، قام بتصحيحها علي ثلاث نسخ السيد حسين الشفيعي. يقول بعض المؤرخين إن الشيخ علياً قد كتب تلك الرسالة في الرد علي نظرية المحقق السبزواري، علي الرغم من انه لا يشير إلي مخاطبه، ولكنه يقول إن ما دفعه «لتسطير هذه الكلمات» هو ظهور بدعة عدم تحريم كل أنواع الغناء (ص 68).
الرسالة الثالثة عنوانها « رسالة في الغناء» كتبها الشيخ الحر العاملي المتوفي سنة 1104هـ. وحققها وصححها السيد رضا مختاري. لهذه الرسالة نسخة واحدة، والظاهر إن الشيخ العاملي قد كتبها ناظراً إلي آراء الفيض الكاشاني والمحقق السبزواري فيما يخص جواز الغناء وفي تلاوة القرآن، مشيراً إلي ذلك في قوله :
«هذهالرسالة جواب بعض الاخوة عن شبهة قائمة اليوم في أذهان الناس» (ص 109).
الرسالة الرابعة للسيد محمد هادي ابن السيد محمد مير لوحي المتوفي سنة 1113هـ، تحت عنوان «إعلام الأحياء في حرمة الغناء في القرآن والدعاء» تصحيح محسن صادقي، ويبدو من العنوان آنهاتستز الي فتوي المحقق السبزواري نفسها، وهي بالفارسية، ومستندة إلي نسختين من النسخ الخمس المصححة. وتتألف الرسالة من مقدمة وخمسة فصول وخاتمة.
الرسالة الخامسة عنوانها « مقامات السالكين» لمحمد بن محمد الدارابي، كان حياً في سنة 1130، كتبها بالفارسية، وحققها السيد جعفر النبوي، وقد سبق أن حققها ونشرها شخص آخر، ولكن السيد النبوي لم يجد التحقيق كافياً ورأي ضرورة القيام بتحقيق أوفي يظهر أن مؤلف الرسالة كان من العرفاء، ورغم تصريحه بحرمة الغناء، أبدي شكه في بعض مصاديقه، واستثني تلاوة القرآن والذكر في عصره من الغناء واستحسنها.
الرسالة السادسة بقلم ماجد البحراني، الذي كان حياً في سنة 1152 هـ، عنوانها «إيقاظ النائمين وإيعاظ الجاهلين» وحققها السيد علي مختاري، استناداً إلي ثلاث نسخ من الثماني نسخ المعروفة.
يعتقد المؤلف بحلية الموسيقي إلاّ في حالات خاصة، ويستنكر الفتاوي التي تحرم الغناء مطلقاً ويقول إن الأحاديث الناهية عن الغناء تستند إلي المعني العرفي له في صدر الاسلام وخاصة في بلاط الامويين والعباسيين. وقد رد هذه الرسالة كل من ميرزا ابراهيم الخوزاني، ومحمد رسول الكاشاني، والمولي اسماعيل الخواجوي، والملا حبيب الله شريف الكاشاني، في كتاباتهم.
الرسالة السابعة للملا اسماعيل الخواجويي المتوفي سنة 1173هـ تحت عنوان «رسالة في الغناء»، تحقيق علي مختاري ورسول كاظمي نسب. والرسالة استندت علي النسختين الموجودتين في تصحيحها. وبعد أن ينقل المؤلف آراء السبزواري من (كفاية الأحكام) يقوم بنقدها، ثم ينقد رسالة السيد ماجد البحراني (ص 562). كما أنه علي رأيأبي طالب المكي في كتاب قوت القلوب القائل بجواز الغناء( ص 564)، يضاف الي ذلك أنه يورد آراء عدد من الفقهاء وغير الفقهاء، مثل آراء الرازي والطوسي (ص 567) والكاشاني (ص 633) وفيض وغيرهم، ويرد عليهم.
الرسالة الثامنة للسيد حسين بن محمد ابراهيم الحسيني القزويني، بعنوان «رسالة في حلّ حديثٍ ورد في الصوت الحسن» التي صححها السيد جواد الشبيري ومحسن الصادقي استناداً الي احدي النسختين الموجودتين، وهي رسالة قصيرة تدور حول جارية مغنية شربت الخمر، ولكنها تذكّر الانسان في غنائها بالجنة.
الرسالة التاسعة عنوانها« رسالة في الغناء» للمولي عبدالصمد الهمداني المتوفي سنة 1216، وقد صححها السيد احمد العابدي علي النسخة الموجودة في المكتبة الوطنية.
يري عبدالصمد الهمداني أن الغناء شاع كثيراً في أيامه، حتي أنه يري بعض طلبة العلوم الدينية ينصرفون إلي الغناء ولا يعتبرونه من الغناء المحرم، وبعض آخر يري التغني برثاء الامام الحسين( عليهالسلام )من الحالات المستثناة من حرمة الغناء، لذلك فهو يبادر الي تأليف هذا الكتاب ويعرب عن رضاه من تأثيراته.
الرسالة العاشرة للميرزا القمي المتوفي سنة1231هـ، تحت عنوان «رسالة في تحقيق الغناء» صححها السيد محسن الصادقي استناداً إلي نسختين مطبوعتين بالحجر. يقوم المؤلف في رسالته ببيان معني الغناء المحرم وحدوده وثغوره.
الرسالة الحادية عشرة عنوانها «رسالة في تحريم الغناء» للمولي محمد رسول الكاشاني الذي كان حياً في 1258هـ، وقد قام بتحقيقها السيدان ناصر الباقري البيد هندي و حسين الشفيعي استناداً إلي النسختين الموجودتين .
مؤلف هذه الرسالة يعرض لكتابات فقهاء مثل ماجد ابراهيم الحسيني، وفيض الكاشاني، وينقدها احياناً.
الرسالة الثانية عشرة للميرزا محمد جعفر الشهرستاني، تحت عنوان «رسالة وجيزة في الغناء» حققها السيد ابوالحسن العلوي والسيد رسول كاظمي نسب، استناداً إلي النسخة الأصلية. تبدأ الرسالة بتعريف الغناء، ثم حكمه، واخيراً موضعه بين الكبائر والصغائر .
كانت هذه اثنتي عشرة رسالة من مجموع 28 رسالة من القسم الأول، وقد نشرت في مجلد واحد، والرسائل الباقية نشرت في المجلد الثاني.
يضم القسم الثاني أقوالاً مبعثرة في الغناء. والقسم الثالث يجمع آراء الفقهاء في الغناء، والقسم الرابع تعريف بكتب الغناء، والقسم الخامس يتناول الأحاديث الخاصة بالغناء والقسم السادس يشمل أهل السنة والغناء.
كل ذلك يستدعي المجتهدين أن يبذلوا جهودهم الاجتهادية لحل هذا اللغز الذي ما يزال منذ القديم يتطلب الحل