ما وراء الفقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ما وراء الفقه - نسخه متنی

موسی غنی ‏نژاد؛ ترجمه‏: حیدر حب الله

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





ما وراء الفقه :بحوث علمية في تنقيح موضوعات الأحكام الربـا والفائدة البنكية



من اللازم بيان بعض التوضيحات حول المقالة والغرض من نشرها :





1 ـ انّه لا شك في حرمة الربا وأنّ ذلك من الأحكام البديهية والمسلّمة في الشريعة حيث وقف القرآن الكريم موقفا صلبا أمام ظاهرة الربا وعدّ آكل الربا انسانا مخبولاً غير سويّ قال تعالي : « الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ » وهذه المقالة التي بين يديك غير ناظرة إلي دراسة الحكم الشرعي بل موضوع الحكم ومتي يصدق الربا ومتي لا يصدق فحاول الباحث تحليل الموضوع من ناحية علمية تخصصية صرفة .



2 ـ انّ تنقيح الموضوعات قد يكون في بعض الأحيان خارجا عن مسؤولية الفقيه ولا يعدّ من وظيفته لكن في أحيان اُخري يتصدّي الفقيه لتحديد الموضوع الذي يصبّ عليه فتواه فهو الذي يحدّد مدي ارتباط هذا الأمر بعملية استنباط الحكم الشرعي أو عدم ارتباطه وعليه فليس من الصحيح لغير المجتهد أن يجعل أمثال هذه الدراسات التي تدور حول تنقيح الموضوعات صغري في الاستدلال لتحديد الموقف الشرعي بمعزل عن الفقيه .



3 ـ انّ المناظرة العلمية والحوار أصل ورثناه عن سلفنا الصالح ومنهج تعلّمناه من القرآن الكريم فليس من الضرورة أن نتّفق مع الكاتب في طريقته في التحليل أو في النتائج التي توصّل إليها بل قد تصدّي بعض الباحثين الآخرين إلي ردّ هذه المقالة وما تنطوي عليه من آراء كما انّه في الوقت نفسه حاول الكاتب الدفاع مرّة اُخري عن وجة نظره هذه وناقش الردّ الموجّه إليه وربّما يصل المجلّة ردود اُخري مؤيّدة أو رافضة وسنسعي لنشر ذلك تباعا إن شاء اللّه‏ فإنّ ذلك ممّا يساهم في تكامل الآراء وتنضيج النظريات ( التحرير )



ربّما يمكن إيجاز أسباب ذمّ الربا في الثقافات والأديان الماضية علي الشكل التالي :



أ ـ عنصرا السهولة والراحة المختزنين في الربا ، أي الدخل ـ القطعي المعين من قبل ـ الحاصل دون ممارسة أي جهد أو خطر .



ب ـ الآثار الاجتماعية المخرّبة ، أي الظلم الوارد علي المقترض .



وفي النهاية عدم إمكان تقديم تبرير عقلاني لظاهرة الربا ، أي الجواب عن السؤال القائل كيف يمكن للمال ـ كوسيلة مبادلة ـ أن يتكاثر ويتزايد بمجرد مرور الزمان ؟



لقد قدّم أرسطو ـ بإجابته عن السؤال الأخير ـ الأساس العقلي المحكم لكافة النظريات المعارضة للربا والتي ظهرت في القرون اللاحقة .



والسؤال الأساسي هنا هو هل انّ مثل هذا المفهوم عن الربا في الحقبات التاريخية الماضية يمكن تعميمه لظاهرة الفائدة البنكية في العالم المعاصر والتي نشأت من توسّع المؤسّسات الحديثة المسمّاة بالبنوك ؟ وباختصار هل أنّ الفائدة البنكية هي نفس الربا بمفهومه القديم ؟



إنّ جوابنا عن هذا التساؤل بالنفي ( وهو ما سوف تسعي هذه المقالة لتبيينه ) وبالرغم من انّ النقطة الأساسية التي تؤكد عليها هذه المقالة في تمييزها بين الربا والفائدة البنكية تكمن في قطعية وعدم قطعية دخل الفائدة البنكية المحدّدة سلفا إلاّ انّه سوف تجري الإشارة ـ وفق الضرورة ـ لوجوه اُخري للتمايز بين هذين المفهومين ، أي الربا والفائدة .



إنّ افتراض التساوي بين الربا والفائدة البنكية افتراضٌ ناشئ عن الاشتباه في تقييم المفاهيم أو ـ اصطلاحا ـ عن الخلط المعرفي الايبستمولوجي بينها . لقد ظهرت الفائدة البنكية أو فائدة رأس المال علي اثر توسع علاقات اقتصاد سوق المنافسة ونضج ونمو النظام الاعتباري الجديد ، وفي الواقع فهي مؤشّر علي نقص وقلّة رأس المال في اقتصاد هذا السوق ، امّا الربا فهو ظاهرة مرتبطة بالاقتصاد المعيشي الراكد والذي يكون فيه النقد ذا دور ثانوي وضعيف جدا في الحياة الاقتصادية لعموم الأفراد ، فيما يتمتع مالكو النقود [ = المقرضون الربويون ] بموقعية حصرية ومتميزة جدا ، والربا ـ زاد أو نقص ـ يمثل قيمة معينة يرجع تحديدها غالبا إلي أصحاب الخزائن النقدية .



ولأجل اتضاح البحث نشرع ـ بداية ـ بتعريف رأس المال حتي يتبين وبصراحة التمايز الموجود بين فائدة رأس المال والربا الذي يحكي عن ظاهرة مرتبطة بالأنظمة الاقتصادية ما قبل الرأسمالية .



من الناحية الاقتصادية ، يعدّ رأس المال ـ الذي يؤول في اسسه إلي عمليات الاكتناز والادخار ـ وسيلةً لرفع مستوي الطاقة الانتاجية ، إن ادخار الأموال ، أي الامساك عن الاستهلاك الآني ، يمكن أن يشكّل أساسا لتبلور رأس المال ، أمّا الاستهلاك الذي يعبّر عن الهدف النهائي للانتاج فهو عبارة عن قضاء الحاجات أو الرغبات البشرية ، ومن الواضح انّه لا يصح من التعاريف المتقدمة استنباط انّ رأس المال هو ـ فقط ـ مجرّد وسيلة لرفع قدرة الانتاج أو أن أي نوع من أنواع الإمساك عن الاستهلاك [ = الادخار ] سوف يؤدّي إلي تشكل رأس المال اضطرارا وتلقائيا ، بل الصحيح هو انّ الادخار يمكن أن يتحول إلي رأس مال في حالة ما إذا كانت وجهته تعبّر عن مسار في اطار النشاطات الانتاجية ، كما هو الحال في الكنوز المدفونة في التراب ؛ إذ لا يمكن اعتبارها رأس مال ، فالمدّخرات التي يُهدف من إقراضها الاستهلاك ـ صرفا ـ ليست مشمولةً لتعريف رأس المال بمفهومه الاقتصادي ( 1 ) ، فرأس المال ـ وفق التعريف الذي بُيّن له ـ يأخذ معناه الكامل في ظل النظام الاقتصادي المبني علي الإنتاج غير المباشر ، أي الإنتاج بواسطة وسائل الإنتاج .



وبعبارة اُخري : كلما كان تقسيم العمل أكثر تطورا وكان الإنتاج أكثر تخصصية كانت الحاجة إلي أدوات الإنتاج ـ الطلب بهدف رأس المال ـ أكبر ، وبناءً عليه فالطلب بهدف الحصول علي رأس المال ـ وبطريق أولي السوق الرأسمالي ـ في اقتصاد معيشي مغلق أمرٌ لا وجود له من الناحية العملية ، من قبيل اقتصاد المجتمعات القروية والعشائرية ذات الاكتفاء الذاتي والذي يقوم فيها المنتجون ـ بالاضافة إلي إنتاج السلع الاستهلاكية المحتاج اليها من قبلهم ـ بإنتاج الوسائل الابتدائية للإنتاج ، ففي مثل هذه المجتمعات التي يقف فيها المحصول الإنتاجي في مستوي متدنٍّ جدا تكون إمكانية ادخار الأموال ضئيلة جدا أيضا ، وفي النهاية فإن إمكان تشكيل رأس مال سيكون أمرا محدودا بدرجة عالية جدا ، وبالرغم من وجود علاقات نقدية واقتصادية ـ بدرجات مختلفة ـ في المجتمعات التي سبقت مرحلة الرأسمالية بيد أنّ هذه العلاقات تقع في الغالب علي هامش النشاطات الإنتاجية الأساسية ، ومن هنا فإنّ النقد المدّخر الناشئ عن التجارة في مثل هذه المجتمعات ـ مع الأخذ بعين الاعتبار الدور المهم له في الأنظمة الاقتصادية الجديدة ـ ليس شبيها بادخار المال في المجتمعات المتمدّنة ، فأصحاب الأموال المدّخرة في المجتمعات المذكورة [ = القديمة ] يتمتّعون بموقعية حصرية بل يمكن القول استثنائية ، ومن هذه الجهة كان بإمكانهم المطالبة بسعر مرتفع جدا من الربا قبال القروض التي يقدمونها ، ومع إمكانية اعتبار هذه الأسعار المرتفعة للربا علامة علي نقص المختزنات النقدية لكن لا يمكن أخذ ذلك كمؤشر علي الناتج النهائي المرتفع لرأس المال ، ذلك انّه ـ وكما اشير من قبل ـ لم يكن للطلب وسوق رأس المال بالمفهوم الاقتصادي أيّ وجود أصلاً .



وبعبارة اُخري : انّ هذا المسار العملي الاقتصادي والاجتماعي الهام الذي يملكه رأس المال في الأنظمة الاقتصادية الحديثة لم تكن تملكه عمليات ادخار الأموال في العالم القديم من الناحية العملية ، ولعل السبب في انتقاد فلاسفة العالم القديم الربا وذمّهم له كان مختزنا في هذه النقطة ، أي انّه لم يكن ثمة تفسير وتبرير عقلاني من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية لعملية الربا عندهم فيما النتائج الضارة له المتبلورة علي شكل الظلم الذي يمارس علي المقترضين كانت واضحة أمامهم .



لقد كان الدور الرئيس للنقد في المرحلة القديمة قائما علي كونه واسطة في التبادل بحيث فصل مفكرون من أمثال أرسطو النقد عن مقولة الثروة ، فالنقد من وجهة نظر أرسطو منحصر بكونه وسيلة تبادل ولا شيء آخر ، ومن هنا رفض أرسطو اعتباره نوعا من الثروة .



يقول أرسطو إنّ النقد وسيلة يهدف منها تسهيل المبادلات ، وبناء عليه « ستكون تسمية المعدن ـ الذي لا تغني كثرته من جوع ـ ثروة مجرد كلام فارغ لا فائدة منه » ( 2 ) ، وتبعا لهذا الحكم فيما يخص دور النقد يحكم أرسطو بأنّ مضاعفة رأس المال في حالة الإقراض [ = الربا ] يمثل أمرا غير طبيعي وغير عادل ، ومنشأ هذا الحكم فيما يتعلق بالنقد هو أن النقد لم يكن لديه في العصور الماضية هذا الدور الذي يلعبه رأس المال في الاقتصاد الحديث ، أي كونه وسيلةً لرفع المحصول الإنتاجي عن طريق الإنتاج بالواسطة « الرأسمال الفني » ، أو انّ هذا الدور بالنسبة إليه كان نادرا ، ووفقا لذلك يلاحظ انّ ذمّ الربا من جانب أرسطو كان ـ بالكامل ـ نتاج أمر عقلي ، وهو ما جعل الفكر الأرسطي ـ فيما يخص الربا ـ قادرا علي الاستمرار والحاكمية لقرون متمادية .



لكنه وبمرور الأيّام وتوسع العلاقات الاقتصادية للسوق وتقسيم العمل والتخصصية قدر الإمكان في الإنتاج وظهور النظام الاعتباري والبنكي الجديد أصبح للذخائر دورٌ هام علي الصعيد الاقتصادي كرأسٍ للمال ، فتوسعة نُظُم السوق أوجبت نفوذ العلاقات النقدية في كل زوايا الحياة الاقتصادية ، ففي النظام الاقتصادي الجديد لم يعد النقد مجرد وسيلة للتبادل بل اكتسب دورا مهما وأساسيا آخر أيضا وهو كونه ذخيرة لرأس المال ومقياسا أيضا ، وفي هذا النظام تتبدل المدخرات بسهولة في إطار رفع الحاصل الإنتاجي عن طريق النقد إلي رأس مال ، فرؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة تظهر في ظل توسع نظم السوق وارتفاع المحصول الإنتاجي ، وهو ما لم يكن قابلاً للتصوّر من قبل ، وهذه المدخرات التي تتضاعف يوميا تؤمّن ـ عن طريق مؤسسات الإيداع والبنوك الجديدة ـ إمكانات الاستثمار الكبيرة في المجتمع ، ودور تنظيم العلاقة بين المدخرات والاستثمارات في اقتصاد السوق الواسع يقع علي عاتق قيمة فائدة رأس المال [ = الفائدة البنكية ] ، فالفائدة البنكية ظاهرة جديدة متمايزة تمايزا كاملاً عن الربا ، وخلافا للتصور السائد ليس للأوّل منهما أساس في الثاني كما انّه ليس نتيجة تحوليّةً له ، فالجذر اللغوي لمصطلح البنك في اللغات الاوروبية هو كلمة banc التي تدل علي طاولة الصرافين في الأسواق العادية في القرون الوسطي ، وبسبب الكثرة الهائلة للنقود المحلّية في تلك القرون كان للصرافين نشاط هام في الأسواق تسهيلاً لإنجاز المعاملات .



يقول المؤرّخ الاقتصادي « كي فوكن » : لقد ثبت ـ وفقا للتحقيقات الأكثر جدةً انّه لم يكن لآكلي الربا خلال فترة القرون الوسطي في اوروبا أي دور في إيجاد النظام الاعتباري ولا البنك نفسه ، فقد كان إقراضهم ـ أي المرابين ـ لغايات تجارية أمرا نادرا ، فيما شكّل التجار عناصر الاعتبار التجاري .



ويكتب المؤرّخ نفسه فيما يخص ظهور البنك أيضا فيقول : « لم يظهر البنك نتاجا لأكل الربا وإنّما حصيلةً لعمل الصرافة ، فالصرّافون الذين كانوا يشكلون عدة أشخاص في كل مدينة كانوا يضعون طاولاتهم ـ التي اشتقت منها كلمة bancsـ في الأسواق ، وقد كانت الصرافة اليدوية نشاط هذه الفئة ، فالعملات المتداولة ـ وبسبب ضربها ولمدد زمنية طويلة من قبل الجهات النقدية المعنية والمتعددة ـ كانت تملك قيما متفاوتةً تفاوتا كبيرا فيما بينها بحيث لم يكن يمكن لأي سوق فعّال أن يستغني عن الخدمات الصيرفية ، وعقب ذلك وبسرعة دخل الصرّافون ـ الذين وضعوا لأنفسهم تسمية أصحاب البنوك لأوّل مرّة ـ العمليات الصيرفية الأكثر تعقيدا أي القبول بالايداعات وانتقال الاعتبارات ( الذهب مثلاً ) وهو ما حصل في المراكز الكبري لا سيّما إيطاليا » ( 3 ) .



لقد وجد البنك الحديث نتيجةً لتوسع النشاطات المصرفية لتشمل الإقراض وقبول الإيداعات وانتقالها من جهة ، ورغبةً من الدولة القومية ( State-Nations ) في تنظيم العلاقات النقدية والمالية وضبط هذا النوع من الأنشطة من جهة اُخري .



إنّ نضج الأنظمة والبرامج الاعتبارية والبنكية الجديدة تبلور لا في إطار القروض الربوية وإنّما بالضبط ضد مصالح الربويين أنفسهم ، فماركس يؤكّد في الجزء الثالث من كتاب رأس المال وفي فصلٍ معنونٍ بـ « رأس المال الربوي ما قبل الرأسمالية » ـ علي انّ الأنظمة الاعتبارية الجديدة [ = البنوك [ كانت ردّ فعلٍ علي عمليات الإقراض الربوية أو أكل الربا ، انّه يقول بأنّ البنوك وبقيامها بعرض ذخائرها النقدية غير المستفاد منها [ = رؤوس الأموال الصغيرة والكبيرة ] في السوق تكسر احتكار رأس المال الربوي ، كما وبقيامها من جهة اُخري باستحداث النقد الاعتباري تحدّ من احتكار الفلزات المعدنية للنقد كشكلٍ وحيدٍ من أشكاله ( 4 ) ، ويؤكّد « مكاولي » المؤرخ الإنجليزي الكبير في كتابه المعروف « تاريخ إنجلترا » علي ان تشكيل النظام البنكي وطرح إيجاد « البنك الإنجليزي » في أواخر القرن السابع عشر أثار صرخات الغضب والرفض من جانب بائعي الذهب والمقرضين الربويين [ = آكلي الربا ] ( 5 ) ، وحسب اعتقاده فإنّ أنصار النظام الاعتباري والبنكي الجديد كانوا يرون آكلي الربا بلاءً علي الاُمّة ذلك أنّ ضررهم علي عموم المجتمع أكبر من ضرر الجيوش المهاجمة والمحتل الأجنبي ( 6 ) .



الفائدة البنكية أو فائدة رأس المال في الاقتصاد الجديد ليست ظاهرةً نقدية جديدة فحسب ، بل انها ظاهرة متغيرة ومرتبطة بقلّة رأس المال [ = المدّخر ] ، لقد لعب « كينز » في المرحلة المعاصرة دورا كبيرا في طرح شبهة أنّ الفائدة أشبه بمتغيّر نقدي صرف ، بحيث انّه مع ازدياد حجمها يمكن خفض القيمة السوقية للفائدة إلي درجة وصولها في النهاية إلي الصفر ، وسوف نري فيما بعد أن شبهة « كينز » هذه قد شملت البعض من المحققين الإسلاميين المتأخرين ودفعتهم إلي تقييمات غير صحيحة ، ففي اقتصاد واسع للسوق تتكفّل قيمة الفائدة بدور أساسي ومفصلي في ربط وتنظيم العلاقة بين المدّخرات والاستثمار ، فقيمة الفائدة الواقعية المستقلّة عن الارادة الفردية وحتي عن الدولة تتعين من خلال ميكانيزما السوق ، وهي في الحقيقة تحكي عن قلة الخزينة من جهة والناتج النهائي لرأس المال من جهة اُخري ، فالدور الأساسي للفائدة في النظام البنكي عبارة عن توجيه المدخرات ـ لا سيما منها المتوسطة والصغيرة ـ نحو الاستثمار ، فالشخص الذي يدّخر أمواله بإمساكه عن الاستهلاك الآني يؤمّن إمكانية تشكيل رأس مال واستثمار ، وهو ما يعني ارتفاع معدلات الإنتاج في المستقبل ، أي انّ الإمساك عن الاستهلاك الآني يوجب زيادة المحصولات الإنتاجية في المستقبل ، والشخص المدخر ـ وبسبب حرمانه نفسه عن الاستهلاك فترة زمنية معينة وتحمله ما بين الإنتاج والاستهلاك ـ يقبض قسما من المحصول الإضافي للإنتاج في المستقبل علي صورة الفائدة ، وفي هذا الإطار تصبح الفائدة حقا ناشئا عن المشاركة في رفع القدرة الإنتاجية ، ومن البديهي عدم إمكانية تصوّر مثل هذا النظام إطلاقا في اقتصاد تقليدي معيشي لا يعرف غير رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة ، بل انّ الانتاج فيه ليس مبنيا أساسا علي الاستثمار ، وبناءً عليه فمجرّد الشبه الظاهري الموجود لا يخوّلنا التوحيد بين الفائدة البنكية التي لا إمكانية لتحقّقها في المجتمعات التقليدية المعيشية وبين الربا في تلك المجتمعات .



انّ سوق الربا والفائدة مساقا واحدا ـ مع الأخذ بعين الاعتبار تحريم الشريعة الاسلامية للربا بشكل صريحٍ ـ كان باعثا رئيسيا علي إيجاد بنك خالٍ من الربا ، وقد ركّز منظّروا هذا النظام البنكي علي خصوصية معيّنة في الربا وهي أنّه دخل ثابت معيّن من قبل ، واعتبروا انّ فلسفة ممنوعية الربا تكمن في هذه الخصلة بالذات ، « وفي الواقع فما جري منعه في الإسلام إنّما هو الناتج الثابت أو المعين سلفا في المعاملات المالية ، لا قيمة الناتج غير المحدّدة والمشخّصة والتي تُطرح في الأرباح » ( 7 ) ، ومن هنا فالنظام البنكي اللاربوي أو « النظام البنكي الاسلامي ـ في أبسط أشكاله ـ يمكن أن يبني علي المشاركة لا علي الفائدة » ( 8 ) .



لكننا إذا لاحظنا استحالة الناتج الثابت والمعين سلفا لرأس المال ـ نظرا وعملاً ـ في نظام اقتصادي مبتنٍ علي سوق المنافسة فسوف نجد أنفسنا متورّطين في خطاًء كبيرٍ في الفهم فرض علينا توحيد موقفنا إزاء الربا والفائدة .



يمكن في النظام الاقتصادي الجديد التمييز بين نوعين من قيمة الفائدة هما قيمة الفائدة الواقعية والثاني قيمة الفائدة المسمّاة ( 9 ) ، فقيمة الفائدة الواقعية من الناحية النظرية تبيّن من جهة الميل النهائي للادخار ومن جهة اُخري الناتج النهائي لرأس المال ، أي انّ قيمة الفائدة في اقتصاد السوق ذات وضعيّةٍ معينة ترجع إلي انّ الحجم النهائي للامساك عن الاستهلاك ـ الميل النهائي للادخار ـ مساوي للنفع النهائي الناشئ عن الاستثمار ، فقيمة الفائدة كباقي القيم في النظام السوقي ليست قابلةً للتنبؤ سلفا بأيّ وجهٍ من الوجوه وهي تتغير تبعا للعوامل المؤثرة في السوق والتي لا يمكن تعيينها من قبل ، امّا قيمة الفائدة المسمّاة [ = النقدية ] فهي متغيرة تتعين كنقد مسمّي من خلال ميزان العرض والطلب ، فمع عرض النقد المسمّي من قبل السلطات النقدية ـ البنك المركزي أو الدولة ـ تصبح القيمة قابلة للضبط والتحكّم ، لكن الإقبال علي النقد علي أي تقدير متأثّر بالمتغيّرات الاقتصادية الواقعية من قبيل ميزان ناتج الاستثمارات ، وليس قابلاً للضبط والتحكم من جانب أي مرجعيّة سلطويّة ، وبناءً عليه لا يمكن في النظام الاقتصادي المبني علي السوق تعيين حتي قيمة الفائدة المسماة قبل مدة طويلة ، وهذا الكلام لا يناقض الحقيقة القائلة بأنّ السلطات النقدية والحكومية ـ وبسياسات النقد والمال ـ يمكنها في مدة قصيرة تخفيض قيمة الفائدة في السوق أو رفعها ، لكن علي أيّة حال فإنّ هذه المتغيرات الواقعية الاقتصادية تقوم في نهاية المطاف وعن طريق ميكانيزما السوق بتصحيح الانحرافات عن القيمة الواقعية .



ولأجل المزيد من اتضاح المطلب يمكن القول بأنّ القيمة الواقعية للفائدة عبارة ـ تقريبا ـ عن القيمة النقدية المسمّاة لها بعد تعديلها بمعدّل التضخّم ، وبالرغم من أنّ أداء فائدة الودائع في اقتصاد السوق يتمّ التعهد به ضمن قيمة معينة ، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار عدم التعيّن المسبق لمعدل التضخم فإنّ تعيين ميزان الفائدة الواقعية من قبل يعدّ أمرا غير ممكن من الناحية العملية ، وعليه فـ « الناتج الثابت أو المعين من قبل » [ = الربا ] يمكن تصوره فقط في المجتمعات ذات الاقتصاد المعيشي التقليدي ، ذلك أنّ التغييرات في القيم النسبية وكذلك في مستوي القيم ـ حتي في مدة طويلة ـ أمر لا وجود له أساسا في هذه المجتمعات ، وذلك بسبب وقوع العلاقات التبادلية النقدية علي هامش الأنشطة الإنتاجية الرئيسية وبط‏ء التحرك الاجتماعي والاقتصادي ، وكذلك البط‏ء الشديد جدا في التحولات الفنية والتكنولوجية ، وفي هذه الظروف فقط يتحد كلّ من الناتج المسمّي والواقعي للنقد ، ويتخذ تعريف الربا لنفسه معني ، امّا في النظام الاقتصادي المبني علي السوق والذي تكون فيه القيم نسبية فإنّ الميل النهائي للادخار والناتج النهائي لرأس المال يقعان دائما عرضة للتغيّرات وذلك بسبب تبدّل ميول وطبائع المستهلكين والحركة الشديدة لعوامل الإنتاج والتحولات الفنية والتكنولوجية السريعة ، وهو ما يؤدي إلي عدم إمكانية تحقق معاملة ماليّة ذات ناتج ثابت أو معين من قبل ، إن القيم وكافّة المتغيّرات الاقتصادية في الأنظمة الاقتصادية الجديدة تمثّل حصيلة نشاط قوي السوق في مرحلة أسبق ، وبناءً عليه فحتي لو بلغ معدل التضخّم الصفر فليس ثمّة ضمانة تحدّد كيف انّ المتغيرات الاقتصادية ـ ومن بينها قيمة الفائدة الواقعية ـ يمكن أن تكون معلومةً للمستقبل ، صحيح انّه مع معدل صفر للتضخم تثبت القدرة الشرائية للنقد بصورةٍ وسطية ، بيد انها ـ ومع الأخذ بعين الإعتبار نسبية القيم وكذلك الأسباب التي أشرنا إليها آنفا ـ في حال تغيّر لا محالة ، والقدرة الشرائية للنقد تخضع هي الاُخري للتغير عمليا في كل سلعةٍ سلعة ، وذلك كلّه فيما « الناتج الثابت أو المعين سلفا » يستلزم بقاء ثبات القدرة الشرائية للنقد .



وكما لاحظنا ففي الظروف الاقتصادية المعيشية الراكدة يمكن تصور بقاء ثبات القدرة الشرائية للنقد ، أمّا في الظروف الاقتصادية المتحرّكة والجديدة فمثل هذا التصور غير صحيح ، ووفقا لذلك يمكن القول بأنّ اُولئك الذين يضعون الربا والفائدة البنكية في مستوي بعضهما البعض يقعون في خطأ معرفيّ إيبستمولوجي فاحش ، أي أنّ المفهوم القابل للتصوّر في ظل ظروف وشروط معينة خاصة يجري تعميمه لوضعيةٍ مغايرةٍ بالكامل لا تختزن هذا المفهوم أبدا .



لقد عمد أنصار البنك اللاربوي ـ وعلي إثر توحيدهم الربا والفائدة ـ إلي تأسيس البنك المبني علي المشاركة ، وهو البنك الذي يكون ناتج رأس المال فيه ( الربح ) غير معين من قبل ؛ وذلك مكان النظام المبني علي الفائدة والذي تكون فيه الفائدة ( الربا ) محدّدة سلفا ، لكننا إذا ركّزنا علي أن الإيداع المبني علي الفائدة هو من الأساس نشاط مضمونه ـ في الحقيقة ـ المشاركة في الربح والضرر فإنّنا نصل إلي هذه النتيجة ، وهي أنّ السعي لإيجاد بنك لا ربوي أو بنك مبني علي المشاركة إنّما هو ناشئ من اشتباهٍ معرفيّ فيما يخص نوعية النشاط في اقتصاد السوق .



انّ التفاوت الموجود ما بين الإيداع مع الفائدة والمشاركة مع الربح [ = الاستثمار ] إنّما هو في ميزان الخطر الاحتمالي لا في وجوده أو فقدانه ، فالمودِع حيث يرفض المخاطرة لا يريد المشاركة في الاستثمار وهو ـ بقبضه الفائدة المسماة المعينة والتي لا يعلم بقيمتها الواقعية أبدا ـ ينقص من ميزان ارتفاع وانخفاض الربح والخسارة المتوجّهين إليه قياسا للاستثمار المباشر [ = المشاركة ] ، انّ الإيداع والاستثمار ـ اللذين يتضمنان من هذه الناحية خطرا احتماليا كما يعبّر كلاهما عن مشاركة في الربح أو الخسارة غير المعلومين من قبل ـ لا يختلفان عن بعضهما من حيث الماهية ، إنّ المودِع الذي يقبض الفائدة المسمّاة المعينة من قبل في ظل ظروف يكون التضخم فيها عموما أكبر من معدل الفائدة يتورّط في الضرر قطعا ، ذلك أنّ قيمة الفائدة الواقعية ستكون سلبيةً ، ومن البديهي انّه في ظل الظروف التي يمكن أن يكون فيها معدّل قيمة الفائدة الواقعية سلبيا فإنّ المودِع يساهم حينئذٍ في الربح والخسارة ، لكن عدم قطعية الدخل المسمّي المعين من قبل ليس منحصرا بمثل هذه الشروط الخاصة أي تضخّم الاقتصاد ، إذ القيم النسبية في الاقتصاد المبني علي السوق هي ـ وكما تمّت الإشارة إليه من قبل ـ في حال تغيرٍ دائمٍ ، وحيث انّ جهة وأبعاد هذه التغيرات ليست قابلةً للتنبؤ بها من قبل فمن هنا تكون القدرة الشرائية للنقد بالنسبة للأنواع المختلفة للبضائع والسلع في معرض التغيير دائما ، ونفس هذا التغيير الذي لا قابلية فيه للتنبؤ بالقدرة الشرائية يرفع أيّة إمكانية لأيّ نوعٍ من القطعية في الدخل المسمّي المعين من قبل ، ولعل طرح مثال عددي مبسّط يمكنه أن يوضح هذه الفكرة :



بهدف تبسيط فهم المطلب نفرض أنّ في المجتمع سلعتين فقط هما « أ » و « ب » وبمقدار متساوي وأنّ قيمة كل واحدةٍ منهما هي عشرة ريالات في البيع والشراء ، كما أنّنا نتصوّر شخصا يعطي قرضا بمئة ريال بمعدّل ثمانية في المئة في السنة الواحدة وفي نهاية السنة يقبض مائة وثمانية ريالات بعنوان الأصل والفرع ، ونفترض أيضا أنّ قيمة السلعة « أ » قد انخفضت خلال سنة كاملة عشرين في المئة فيما السلعة « ب » زادت قيمتها عشرين في المئة بحيث صارت قيمة السلعة « أ » في نهاية السنة ثمانية ريالات امّا السلعة « ب » فأصبحت قيمتها اثني عشر ريالاً ، فهنا من الواضح عدم حصول تغيير لدينا في نهاية السنة علي الصعيد العام في القيم ، وذلك لأنّ العشرين بالمائة من الزيادة في قيمة إحدي السلع والعشرين بالمئة من النقيصة في قيمة السلعة الاُخري تجبر إحداهما الاُخري نظرا لتساويهما من حيث المعدّل العام .



وبعبارة اُخري : في نهاية السنة يصل متوسط معدل التضخم في القيم إلي الصفر ، بيد أنّ القيم النسبية ـ مع ذلك ـ تتسم بالتغير ، فاذا كانت رغبة الشخص المقرِض وعادته في استهلاك السلعة « ب » فإنّ القدرة الشرائية لنقده ستزيد عما هو المقدار المسمّي في المائة ريال إلي المائة والثمانية ريالات ، بيد أنّ الأمر في الواقع علي العكس بالنسبة إليه أي انّه قد أصبح أقل ، ذلك أنّه في بداية السنة كان يمكنه بالمائة ريال شراء عشرة أعداد من السلعة « ب » التي هي مورد رغبته أمّا في نهايتها فقد أصبح قادرا علي شراء تسعة أعداد فقط من هذه السلعة بالمائة والثمانية ريالات التي تمثّل حصيلة رأس ماله والزيادة ، وهذا معناه ليس فقط عدم حصول زيادة لديه علي مستوي دخله الواقعي وفقا للسلعة المرغوب بها عنده بل انّه تعرّض للخسارة والنقص أيضا ، والآن لنفرض أنّ الشخص المقرِض لم يطالب بالفائدة ، لكن ذوقه وعادته كانا بحيث لم يكن يرغب سوي بالسلعة « أ » فهنا يلاحظ بأنّ المقدار المسمّي لنقده لم يتغيّر في سنة واحدةٍ بل أصبحت قدرته الشرائية أكبر ، أي انّه إذا كان يقدر في بداية السنة علي شراء عشرة أعداد من السلعة « أ » فقط بواسطة المائة ريال التي كان يملكها ، فقد صار يمكنه بنفس المائة ريال هذه أن يشتري 5/12 من تلك السلعة ، والنتيجة التي يمكن الحصول عليها من هذا المثال الفرضي هي انّه في الظروف التي تكون القيم النسبية فيها في حال تغيير ـ أي في الاقتصادات المتحركة المبنية علي السوق ـ فإنّ القدرة الشرائية للنقد حتي في زمان بلوغ المستوي المتوسّط للقيم درجة الصفر تتغير بالنسبة لكل مستهلك لوحده قياسا للسلع المتنوّعة ، وفي الزمان الذي تتغير فيه القدرة الشرائية للنقد لن يعود بالإمكان الحديث عن « الناتج الثابت أو المعيّن من قبل » [ = الربا ] ، فالربا يصبح ذا معني في ظل الظروف التي علاوة علي ثبات المعدّل العام للقيم فيها لابد أن تكون القيم النسبية هي الاُخري فيها غير متغيرة ، أي فقط في الاقتصاد المعيشي الراكد .



لعل « كينز » من الأشخاص المعدودين من بين علماء الاقتصاد المعاصرين المعروفين الذين كانوا يرون قيمة الفائدة ـ كما عند المفكرين القدماء ـ أمرا متغيّرا نقديا صرفا لا رأس ماليا ، ومن هذه الجهة انتقد علماء الاقتصاد الكلاسيكيين الجدد ، ويصرح « كينز » بفهمه لقيمة الفائدة علي انها قيمة النقد أو بتعبيره « موجد التعادل ما بين عرض وطلب القروض النقدية » ( 10 ) ، إنّه ـ وعلي خلاف علماء الاقتصاد الكلاسيكيين الجدد ـ لا يوضح قيمة الفائدة بالناتج النهائي لرأس المال وإنّما بالعكس تماما يري بأنّ الناتج النهائي لرأس المال ومستوي الاستثمار هو التابع للقيمة ، وبهذا اللحاظ فإنّ أفضل سياسة اقتصادية من وجهة نظره عبارة عن « تخفيض قيمة الفائدة إلي معدّل الناتج النهائي لرأس المال ، بحيث تكون مضاعفة الاستثمارات مفضية لتأمينٍ كاملٍ لفرص العمل ( 11 ) ، إن خفض قيمة الفائدة عن طريق زيادة عرض النقد يفرض وفق عقيدة كينز توسعة الاستثمارات ، وفي النتيجة زيادة أدوات رأس المال ، وهو ما يمثّل من وجهة نظره اقتراحا عمليّا يهدف إلي رفع نقص رأس المال ، وفي النتيجة تعلّق الجائزة [ = الفائدة ] بالملاّك غير النشطين ( 12 ) .



إنّ نظرية الفائدة الكينزية متورّطةٌ بتناقضٍ واضح قمنا ببحثه في مكان آخر ، لكننا نجمل القول هنا بأنّ قيمة الفائدة ـ من وجهة نظر كينز ـ تؤخذ دفعة واحدة كمتغيّرٍ نقدي صرف بحيث يمكن للقوي النقدية وبزيادة عرض النقد تخفيضها إلي حدّ الصفر ، ومرّة اُخري يلاحظ أنّ « كينز » يري أنّ جزاء المالك غير النشط والفعّال ـ يعني الفائدة ـ ناشئ من نقص رأس المال ، وهو يعتقد بأنّه بمضاعفة أدوات الانتاج عن طريق تخفيض قيمة الفائدة يمكن التخلص من قلّة رأس المال وفي النهاية قيمة الفائدة نفسها .



وبعيدا عمّا تقدم من الدور الباطل في نظرية كينز والذي علي أساسه لابدّ من تخفيض قيمة الفائدة بهدف تخفيض قيمتها ، يثار تساؤل منطقي هنا وهو إذا كانت قيمة الفائدة ظاهرةً نقديّة محضة فما هي الحاجة لمضاعفة وسائل رأس المال بغية إزالتها ؟ وهو ما يجرّنا في النهاية إلي تساؤلٍ أكثر جوهرية وهو إلي أي حدّ يمكن أن يكون وضع نهاية لنقص رأس المال أمرا علميا وحتي معقولاً ؟



قلّةٌ من علماء الاقتصاد اليوم يأخذون برؤي كينز هذه بشكل جادّ ، بيد أنّ بعض المناصرين للبنك اللاربوي الاسلامي وبإحالتهم ـ مع الأسف ـ إلي شهرة وعظمة كينز يقدّمون وجهات نظره فيما يخصّ مسألة الفائدة ورأس المال علي أنّها آخر المنجزات العلمية ، ويستندون اليها تبعا لذلك ، ومن هنا فهم يعدّون النظام الاقتصادي ورأس المال غير الربوي من الاُمور الممكنة بل والمطلوبة ( 13 ) .



إنّ وضع نهاية لنقص رأس المال وحذف فائدته بتبع ذلك ليس إلاّ توهّما ، ذلك أنّ رأس المال هو وسيلةٌ لإنتاج السلع والبضائع والخدمات التي تشكّل الحاجات والرغبات المتنوعة غير النهائية للبشر دافعا لها ، انّ نهاية النقص في رأس المال يمكن أن تتصوّر ضمن ظروف تكون فيها النسبة السكانية للبشر ثابتة ورغباتهم محدودة ، كما انّ أشكال وطرق الإنتاج لديهم لابد أن تكون غير متحوّلة وتطوراتهم الفنية والتكنولوجية متوقفةً وراكدةً ، ومن البديهي أنّ تحقّق مثل هذه الظروف ليس ممكنا كما انّه ليس مطلوبا .



النقطة المهمّة الاُخري التي غفل عنها كينز وأنصار إلغاء فائدة رأس المال في محاكمتهم القيمية والأخلاقية هي انّه إذا كان آكلوا الربا فيما قبل مرحلة الرأسمالية ـ والذين هم عمدةً من أصحاب الثروة وكانزي النقد ـ يمارسون الظلم بإقراضهم الأفراد المعدومين والذين يعيشون في ضائقة اقتصادية ، وذلك عندما يطالبونهم بالقيم العالية للربا . ففي الأنظمة الاقتصادية الحديثة انعكس الأمر تماما فأصبح القابضون لفائدة رأس المال من أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة لا من مالكي رؤوس الأموال الكبيرة والضخمة « غير النشطين » ، وكما يكتب أحد كبار علماء الاقتصاد المعاصرين قائلاً : « في زمن أثينا صولون ـ زمن قوانين الأرض القديمة عند الروم والقرون الوسطي ـ كان المقرضون عموما من أصحاب الثروات فيما المقترضون من المعدومين والفقراء ، امّا ( اليوم ) في عصر السندات والبنوك الرهنية وبنوك الادخار وصناديق ضمان الحياة ومؤسّسات الضمان الاجتماعي فإنّ المقرضين يشكّلون في الغالب أكثرية أفراد الشعب ذوي الدخل المتوسّط ، فيما أصحاب الثروات وبصفتهم المالكين لأسهم الشركات والمصانع والمزارع والأملاك السكنية هم في الأغلب مقترضون لا مقرضون » ( 14 ) .



النتيجة :


مع الالتفات إلي المباحث التي طرحت في هذه المقالة يمكن الخروج بهذه النتيجة وفق الملاحظات التالية : وهي أنّ هناك تفاوتا ماهويا بين الربا والفائدة ، ولا يمكن التعامل معهما علي أساس واحد واعتبارهما أمرا واحدا وبالتالي إصدار حكم واحد عليهما معا :



1 ـ « الربا » كـ « ناتجٍ ثابت أو معينٍ من قبل » يمكن تصوّره فقط في ظل النظام الاقتصادي المعيشي الراكد حيث تكون القيم النسبية ـ حتي في الفترات الطويلة ـ غير خاضعة لتغيّرات الارتفاع والانخفاض المهمّة ، امّا فائدة رأس المال في الأنظمة الاقتصادية الحديثة فهي غير مشمولة للتعريف المتقدم للربا ؛ نظرا للتغيّرات الدائمة والمتواصلة للقيم النسبية .



2 ـ تعود ظاهرة الربا إلي مرحلة ما قبل الرأسمالية ، ولا تقبل المقايسة مع الفائدة ذات الدور والتأثير الاقتصادي الهام في الأنظمة الاقتصادية الحديثة .



3 ـ من الناحية التاريخية فائدة رأس المال ذات منشأ مغاير تماما لمنشأ الربا بحيث يلاحظ أنّ ظهورها في الحقيقة كان مضادا لاحتكار الربا وسلطته .



4 ـ لقد وقع الربا ـ وبسبب دوره الاجتماعي التخريبي ـ محلاً للنقد والذم العقلائيين من قبل المفكرين السابقين فيما حظيت الفائدة علي رأس المال ـ وبسبب تأثيرها الاقتصادي المنتج والهام في توجيه رؤوس الأموال ناحية عمليات الاستثمار ـ بتبريرات أخلاقية وعقلانية .







( 1 ) عرّف البعض رأس المال من ناحية مالية صرفة فقال : إنّ رأس المال عبارة عن كل ادخار أو امتلاكٍ يفضي إلي تحصيل دخل ، وهذا التعريف لا يلحظ الفعالية الاقتصادية لرأس المال من الناحية الإنتاجية .




( 2 ) Aristote, La Politique, Paris, Ed. Gomthier, 1983 , p 32




( 3 ) (ed), Leon pierre monde, du sociale et economique Histoire in Fourquin Guy .370,p.1 , T.1977paris, Armand colin,



( 4 ) .1277, T.II,p. 1968Marx, Oeuvics, Economic, Paris, Gallimard, Pleiade,



( 5 ) Bouquin, Laffont, Robert Paris, ,(1848) d,Angleterrc Histoire Macaulay, T.B665,T.II,p,1989



( 6 ) .1,66ldom, p.



( 7 ) « مطالعات نظري در بانك داري اسلامي » ( قراءات نظرية في البنك الاسلامي ) جمع محسن خان وعباس مير آخور ، ترجمة محمّد رضا بيگدلي ، مؤسسه بانكداري ايران : 51 ، 1370 هـ / 1991 م .



( 8 ) المصدر السابق : 52 .



( 9 ) ,1984 Economica, Paris, Greenwald Douglas EconomiQye, Encyclopedie .1032 ـ 1029pp .



( 10 ) .1note 196, p.1979 Keynes, Thynes Generale, Paeis, Payot



( 11 ) .368Idom, p.



( 12 ) .370Idom, p.




( 13 ) وكنموذج يمكن الرجوع للكتب التالية وهي :



1 ـ الدكتور حسن عبد اللّه‏ امين ، سبردهاي نقدي وراههاي استفاده از آن در اسلام ، ترجمة محمود درخشنده ، انتشارات أمير كبير ، 1367 ، ص 248 .



2 ـ .30 ,p.1991 Bankiors, Free Intrest Towards Ahmad, Mahmud Shaikh







3 ـ .219,p.1980M.A. Mannan, IsIamic Economics, Theory and Practice, Delhi,







( 14 ) .567,p.1985L.A. Mises, Action humaine, Parus, PUF,




/ 1