الصدوق الأول علي بن بابويه القمي
لقد تقدم البحث - في القسم الاول من المقال - حول معالمشخصية الصدوق الاول علي بن بابويهقدسسره..ونتاجه العلمي وما خلفه من كتب ومؤلفات..وقد انتهى بنا الحديث عن رسالته الى ولده.. من فقهائنا :الصدوق الاول- 2 -علي بن بابويه القمي قدس سره-القسم الثاني-الاستاذ ثامر هاشم العميديلقد تقدم البحث - في القسم الاول من المقال - حول معالمشخصية الصدوق الاول علي بن بابويهقدسسره..ونتاجه العلمي وما خلفه من كتب ومؤلفات..وقد انتهى بنا الحديث عن رسالته الى ولده.. بسم الله الرحمن الرحيمرسالة علي بن بابويه:ان رسالة علي بن بابويه او الشرائع - كما في قول النجاشي -هي رسالة فقهية كتبها الصدوق الاول الى ولده ابي جعفر محمد بن علي الصدوق وهو في عنفوان شبابه ظاهرا، اذ لم يكن عمر الصدوق حين وفاة والده قد تجاوز الثانية والعشرين على ابعد التقادير، لما تقدم من ان لقاء الاب مع الحسين بن روح رضي الله تعالى عنه كان بحدود سنة 306 ه وهو لم يرزق ولدا بعد، فلو فرض ان الصدوق ولد بعد ذلك بسنةواحدة لكان عمره يوم وفاة ابيه هو ما ذكرناه. اما متى كتبت هذه الرسالة بالضبط؟ هل في اواخر حياة الابام بعد ولادة الصدوق مباشرة خشية من مفاجاة الموت - كما فعل الزراري في رسالته -؟ وفي اي مكان كتبت في قم او غيرها؟ واين كان الابن حين ذاك في قم او خارجها؟ومن حملها اليه، وهل هي وصية الاب الى الابن ثم اشتهرت فيما بعد باسم الرسالة؟ الحق، ان الاجابة على جميع هذه الاسئلة بنحو القطع غيرممكن; لافتقارنا الى النصوص التي يطمان اليها. ولكن من مراجعة اسفار الشيخ الصدوق يعلم انه لم يخرج من قم قبل وفاة والده، وانما بدات اسفاره ورحلاته بعد ذلك بمدة، وقد استقصينا اسفاره ورحلاته من خلال تصريحاته بها في ثنايا اسانيد كتبه فلم نجد ما يشير الى مغادرته قم في حياة والده. وعليه، يمكن احتمال عكس ما احتمله بعض الاعلام - من انهاكتبت في قم والولد خارجا - وذلك بالنظر الى لقاءات الوالد المتكررة مع وكلاء الامام الحجة(ع) في بغداد، فلعله كتبها في بغداد في السنة التي استاذن فيها لزيارة البيت الحرام وهي سنة 323ه والتي استجازه فيها التلعكبري فخرج عدم الاذن اولا للخوف عليه من القرامطة، ثم بعد السؤال ثانية خرج الاذن مع النصح ان يكون في آخر القافلة. وهذا يشعر انه كان في بغداد طيلة تلك الفترة، اذ من البعيدجدا ان يستاذن في الحج من قم ثم يرده المنع من بغداد ثميسال ثانية من قم فيرد الاذن من بغداد ايضا ثم يتاهب للسفر، كل ذلك قبيل موسم واحد مع البعد الشاسع بين قم وبغداد الذي قد لا يطوى في ذلك الحين باقل من شهر او شهرين. فلعل الشيخ كتبها اذ ذاك وهو في بغداد كوصية لولده، خوفامن ان يدركه الموت في الطريق الى الحج او الاياب منه، وارسلها بيد العائدين الى قم من بغداد، فكانت وصية ورسالة. اما ما يدل على كونها رسالة، فقد وصفت هكذا في كتب الرجال كما تقدم، ونقل عنها الصدوق بعنوان (رسالة) كما سياتي. واما ما يدل على كونها وصية، فان الشيخ آقا بزرك ذكروصول نسخة منها الى زمان السيد حسن الصدر، ونقل في الذريعة اولها، وفيها ما يشير الى كونها وصيةرحمهالله اذ جاء فيها قوله:
«...واوصيك بما اوصى به ابراهيم بنيه، ويعقوب: يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم مسلمون. (الى قوله بعد وصايا كثيرة): اخصك يا بني على اقتناء دين الله عزوجل...الخ». كما ان السيد ابن طاووس ذكر في وصيته لولده محمدالمطبوعة بعنوان (كشف المحجة لثمرة المهجة) ما يدل على كونها وصية، فقال: «ووجدت جماعة ممن تاخر زمانهم عن لقائه قد اوصوا بوصايا الى اولادهم دلوهم على مرادهم، منهم: محمد بن احمد الصفواني، ومنهم علي بن الحسين بن بابويه... ». هذا، زيادة على نقل الصدوق عنها في كتبه تارة بعنوان:(رسالة ابي) واخرى بعنوان (وصية ابي) كما سياتي، ولم ينص احد - في حدود ما اطلعت عليه - بان للصدوق وصية ورسالة من ابيه. ولعل من المهم هنا ان نذكر بان الكتاب المعروف منذ زمنالمجلسي (رحمه الله تعالى) الى اليوم باسم «الفقه الرضوي» ذهب بعضهم الى كونه هو الرسالة بعينها، وقد افردت لهذه المسالة رسائل خاصة، وطال النزاع فيها، وفي كتاب خاتمة المستدرك بحث مفصل عن هذا الموضوع، ناقش فيه جميع حجج القائلين بان الفقه الرضوي هو رسالة علي بن بابويه، والذي يعتقده المحدث النوري: ان املاء بعض الفقه الرضوي هو من الامامالرضا(ع)، والباقي لاحمد بن محمد بن عيسى الاشعري، وهو داخل في نوادره. اهمية الرسالة فقهيا:تظهر اهمية رسالة علي بن بابويه الى ولده الصدوق من خلالاهتمام الشيخ الصدوق بها من الناحية الفقهية اهتمامابالغا، فقد انزلها منزلة النص في كتبه الفقهية، لا سيما في كتابه من لا يحضره الفقيه الذي صرح في مقدمته قائلا:
«ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه، بل قصدت الى ايراد ما افتي به واحكم بصحته، واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع...». وقد وجدت الشيخ الصدوق في بعض الاحيان يعنون ابوابا فيالفقيه ولا يذكر فيها غير اقتباساته من الرسالة، وقد يفتي احيانا على طبق ما في الرسالة من دون التصريح بالاقتباس منها كما سنفص له في موارد الاقتباس من الرسالة: فيما يلي تفصيل موارد الاقتباس من الرسالة في كتب الصدوق، اكملين ان يتصدى لجمعها وتحقيقها بالاستفادة من كتب الفقه الاخرى التي اشتملت على نصوص كثيرة من الرسالة، خشية من ضياع نسختها الواصلة الى زمان السيد حسن الصدر فيما بيناه سابقا، وهي:
1 - الفقيه 1: 35 ب13، و1: 46 - 47 ب19، و1: 49 بعدالحديث 195 ب19، و1: 50 بعد الحديث 195 ب20، و1: 81 بعد الحديث 358 ب38، و1: 102 بعد الحديث 474 ب25، و1: 106 بعد الحديث 494 ب25، و1: 170 بعد الحديث 801 ب39، و1: 174 بعد الحديث 827 ب40، و1: 177 بعد الحديث 839 ب40، و1: 181 بعد الحديث 857 ب42، و1: 261 بعد الحديث 1118 ب56، و1: 261 بعد الحديث 1191 ب56، و1: 267 بعد الحديث 1223 ب57، و1: 314 ب75 وليس في الباب غير الاقتباس من الرسالة، و1: 354 ب83 تحت عنوان: (صلاة اخرى للحاجة)، و1: 356 بعد الحديث 1558 ب84، و2: 10 بعد الحديث 27 ب5، و2: 62 بعد الحديث 269 ب29، و2:118 بعد الحديث 511 ب59، و2: 304 ب209 وليس في الباب غير الاقتباس من الرسالة، و3: 39 ب28 وليس في الباب غير الاقتباس من الرسالة، و3: 333 بعد الحديث 1613 ب162، و3: 334 ب165.
2 - المقنع ص43 في ابواب الطهارة، وص112 باب الجماعةوفضلها، وص151 باب صلاة الاستخارة، وص273 باب الحج، وص361 باب المكاسب والتجارات، قال: «اوصاني والدي علي بن الحسين بن موسى بن بابويهرحمهالله فقال في وصيته: اتق الله يا بني... الخ».
وهذا هو المورد الاول الذي عبر فيه عن الرسالة بانها وصية، فلاحظ، وص363 الباب السابق، قال: «وقال والديرحمهالله في وصيته الى...»، وص375 باب الدين وفيه ما في الباب السابق، وص400 باب القضاء والاحكام، وص401 باب القضاء والاحكام، وص403 الباب السابق، وص453 ابواب الحدود وفيه: «قال والديرحمهالله في وصيته الى..»، وص502 باب المواريث، وص506 باب المواريث، وص541 باب النوادر.
3 - الهداية: ص24 باب غسل الميت، وص46 باب رقم 92.4 - علل الشرائع 1: 307/1 ب256، و2: 437/2 ب175. 5 - ثواب الاعمال: 42 بعد الحديث 7 في ثواب تقليم الاظافر. 6 - الخصال 1: 333/32 باب الستة تحت عنوان: (من السنةالتوجه في ست صلوات)، و2: 521 بعد الحديث10 ابواب العشرين وما فوقه تحت عنوان: (صلاة الجماعة افضل من صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة). هذا آخر ما وقفت عليه في كتب الصدوق من النقل المباشرعن الرسالة مع تصريحه بذلك، اما الموارد التي نقلها من الرسالة ولم يصرح بالنقل منها، فقد تكون كثيرة، واستقصاؤها يتطلب وقتا طويلا، واليك بعضها: جاء في الهداية ص21 قوله: «ولا باس بتبعيض الغسل، تغسليديك...». وهذا الكلام نسبه الصدوق في الفقيه الباب38 الى رسالة ابيه، وكذلك قوله في الهداية ص21: «الجنب اذا عرق ثوبه...»
فقد نسبه في المقنع في ابواب الطهارة الى رسالة ابيه، وفي الهداية ايضا ص34 باب55 من ابواب الصلاة فقد نقله بالكامل عن الرسالة كما صرح به في باب الصلاة على الميت في الفقيه، وفي الهداية ص12 في وصف دين الامامية (ملحق بآخر كتاب الهداية) فان ما ذكره في وقت اخراج الفطرة، فقد نسبه في الفقيه الباب209 الى رسالة ابيه. ومن هنا تظهر اهمية الرسالة فقهيا عند ولده الصدوق، قالالمجلسي الاولرحمهالله: «ان الصدوق يعتبر رسالة ابيه بمنزلة النص; لانه لم ينقل من غير النصوص، ولا يعمل بغيرها، ولهذا وزع هذه الرسالة في الكتاب [اي: كتاب الفقيه] ونقل منها في كل باب سطرا بالرغم من وجود الاخبار المؤيده». وقال العلامة التستري: «وكثيرا ما يعقد الفقيه الباب وينقلفيه كلام ابيه بعوض الاخبار، وقد استند الى كلامه في الرسالة الشيخ في موضوع التكبيرات الافتتاحية. وقد صرح الشهيد الاول قدسسره باعتماد الاصحاب على رسالة علي بن بابويه القمي، فقال: «كان الاصحاب يتمسكون بما يجدونه في شرائع الشيخ ابي الحسن بن بابويهرحمهالله عند اعواز النصوص لحسن ظنهم به، وان فتواه كروايته».
وقال الشيخ المجلسي: «وعلماؤنا يعدون فتاواه من جملةالاخبار». ويؤكد هذا ما قاله الشيخ الطوسيقدسسره في موردين: قال في احدهما: «قال الشيخرحمهالله [يعني الشيخ المفيدقدسسره]: ولا يجوز لاحد ان يصلي وعليه قباء مشدود الا ان يكون في الحرب فلا يتمكن من ان يحله فيجوز ذلك للاضطرار» ثم عقب عليه بقوله: «ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه وسمعناها من الشيوخ مذاكرة، ولم اعرف به خبرا مسندا». وقال في الآخر: «ثم قال : [يعني الشيخ المفيدقدسسره]ويستحب التوجه بسبع تكبيرات في سبع صلوات ... والمراة تتضمم في صلاتها». ثم عقب عليه بقوله: «ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه في رسالته ولم اجد به خبرا مسندا». وهذا يعني ان الافتاء بالموردين مع عدم العثور على حديث مسند دال على انزال الشيخ الطوسيقدسسره لفتاوى علي بن بابويه منزلة الاخبار، اذ لا يجوز التقليد على الفقهاء. واعتبار فتاواه بمنزلة الاخبار لم يكن جزافا وانما عن استقراءوشهادة، اما عن الاستقراء فلا يضره تخلف فتوى او فتويين، اذ يحتمل غياب الدليل في ذلك، واما عن الشهادة فلتصريح علي بن بابويه في مقدمة رسالته بهذا، قال فيها مخاطبا ولده الصدوق: «... فخذها عني راغبا، وتمسك بها راشدا وعها حافظا فقد اديتها اليك عن ائمة الهدى مؤثرا ما يجب استعماله وحاذفا من الاسناد ما يثقل حمله...». وبناء عليه، فلا يرد على الشيخ ما اورده العلامة (رضي الله تعالى عنهما) اذ قال: «وقوله: لم اجد به حديثا مسندا ينافي الفتوى به اذ لا دليل عقلي عليه».
كما تظهر اهمية الرسالة من الناحية الفقهية من خلال مااورده المحقق الحلي في كتابه المعتبر، فقد قال في الفصل الرابع منه: «لما كان فقهاؤنا (رضوان الله عليهم) في الكثرة الى حد يتعسر ضبط عددهم، ويتعذر حصر اقوالهم; لاتساعها وانتشارها، وكثرة ما صنفوه...» ثم عد جماعة من اهل الفتيا ممن اختار النقل من كتبهم، وعد الشيخ علي بن بابويه من جملتهم. كما وجدنا الشيخ ابن ادريس الحلي يكثر من بيان موافقةفتاوى كبار الفقهاء - كعلي بن بابويه - لما يفتي به في السرائر مخالفا لفتاوى غيره من الفقهاء ومن ذلك ما اورده في السرائر، فقد قال ما نصه: «فاما اذا ماتت فيها عقرب او وزغة فلا ينجس، ولا يجب ان ينزح منها شيء بغير خلاف من محصل، ولا يلتفت الى ما يوجد في سواد الكتب» ثم اعتذر عمن افتى بخلاف ذلك بانه انما اورده على جهة الرواية بحيث لا يشذمن الاخبار شيء دون تحقيق العمل عليه الى ان قال: «وابن بابويه في رسالته يذهب الى ما اخترناه من انه لا ينزح من موت العقرب في البئر شيء». واعتذار ابن ادريس في هذا الكلام - كما مر - يفيد الى حد مابان علي بن بابويه كان في نظر ابن ادريس محققا فيما يفتي به من الاخبار مميزا بين صحيحها وضعيفها على الاقل فيما يرتبط بالاخبار الواردة في نجاسة البئر وتطهيرها.
على ان ما افتى به ابن بابويه انما هو على طبق ما ورد فيالصحيح عن ابن مسكان عن الامام الصادق(ع) انه قال: «وكل شيء سقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس واشباه ذلك فلا باس». كما قال ابن ادريس في موضع آخر: «وما اخترناه مذهبالشيخ الصدوق، وعلي بن بابويه في رسالته». ومن راجع مختلف الشيعة، ومنتهى المطلب يجد الكثير من نصوص الرسالة الموافقة لفتاوى العلامة الحلي (قدست نفسه الزكية) مع مناقشته احيانا ادلتها الفقهية كما سياتي في محله. مميزات الرسالة ومنهجها:حاول الشيخ علي بن بابويه(رحمه الله تعالى) ان يجمع مسائلالفقه ويختصرها ويهذبها وينظمها برسالة موجزة الى ولده الصدوق. فالبحث الفقهي في الرسالة لم يتجاوز - في الغالب - حدودالفروع الفقهية المقتبسة من احاديث الاحكام الواردة عن ائمة الهدى:، هذا الى جانب استعانته بشعر العرب على توضيح بعض المفردات اللغوية الواردة في النصوص، مع الاحتجاج بعموم القراكن الكريم وبعض الاصول العملية، والاجتهاد في تقرير دلالة الالفاظ على نوعية الحكم، كما سنبين لكل بمثال. والمهم في ذلك انه لم يفرع في الرسالة تفريعات فقهيةكثيرة، بمعنى انها لم تستوعب جميع مسائل الفقه، بل اقتصرت على تطبيق النصوص المختارة على مواردها، وكدليل عليه حكم غسل الوجه واليدين في الوضوء للمرة الثانية، فاكثر العلماء على استحبابه بينما لم يذكره علي بن بابويه كما في مختلف الشيعة. ومن مميزات الرسالة المهمة ابتكار الصدوق الاول لطرحالاسانيد فيها لئلا يثقل حملها كما مر في نص كلامهقدسسره، وهو اول من ابتكر تلك الطريقة في رسالته. قال المحدث النوري:
«وفي مجموعة الشهيد: ذكر الشيخ ابوعلي ابن شيخنا الطوسي0 ان اول من ابتكر طرح الاسانيد وجمع بين النظائر واتى الخبر مع قرينة علي بن بابويه في رسالته الى ابنه، قال: ورايت جميع من تاخر عنه يحمد طريقته فيها ويعول عليهفيمسائل لايجد النص عليها لثقته وامامتهوموضعهمنالعلم والدين». الاحتجاج بعموم القران:افتى علي بن بابويهرحمهالله فيما اذا وجد المصلي على ثوبهبقعة من الدم من غير الدماء الثلاثة، ومن غير دم نجس العين او القروح او الجروح اللازمة وكان قدرها بقدر الدرهم البغلي بوجوب الازالة محتجا بعموم قوله تعالى: (وثيابك فطهر) وما قل عن الدرهم البغلي، فلا تجب الازالة، فهو قد ترك فيما نقص عن الدرهم للمشقة وعدم الانفكاك منه فيبقى ما زاد على عموم الامر بازالته، وقد وافقه على ذلك ابنه الصدوق وابن البراج وابن ادريس، وهو الذي اختاره سلار. الاجتهاد في تقرير دلالة الالفاظ على نوعية الحكم:فيالصحيح عن زرارة عن ابيجعفر(ع) انه قال: «اذاكانتالمراة طامثا فلا تحل لها الصلاة، وعليها ان تتوضا وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة، ثم تقعد في موضع طاهر فتذكر الله عزوجل وتسبحه وتهلله وتحمده بمقدار صلاتها، ثم تفرغ لحاجتها». وقد اعتمد علي بن بابويه في رسالته على هذا الخبر فقال عنالحائض: «ويجب عليها عند حضور كل صلاة ان تتوضا وضوء الصلاة وتجلس مستقبلة القبلة وتذكر الله بمقدار صلاتها كل يوم».
وقد صرح العلامة بانه احتج بلفظة (وعليها ان تتوضا) الواردة في الخبر، بانها دالة على الوجوب. وقد منعه العلامة; لان المندوب يصدق عليه انه على الانسان،او تقول: الحكم عليه سواء كان بواجب او ندب، وقال بالاستحباب وهو المشهور. العمل بمطلقات الاخبار:في الصحيح عن محمد بن مسلم قال: «سالت ابا عبدالله(ع)عن التيمم فضرب كفيه الارض ثم مسح بهما وجهه، ثمضرب شماله الارض فسمح بها مرفقه الى اطراف الاصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها، ثم ضرب بيمينه الارض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه...». وقد افتى علي بن بابويه في عدد الضربات في التيمم علىطبق هذا الخبر، بينما المشهور هو الاكتفاء بالضربة الواحدة للوجه واليدين معا، والفقهاء لم يعملوا بهذا الخبر لكونه مطلقا بينما الاحاديث الدالة على راي المشهور مفصلة، فحملوا الخبر عليها جمعا بين الادلة. استشهاده بالشعر العربي مع ضبطه لبعض المفردات:قال في السرائر في عدم جواز التقصير في الصلاة للمكاريوالاشتقان - وهو الامين الذي يبعثه السلطان على حفاظ البيادر -: «وقال ابن بابويه في رسالته: والمكاري والكري [واحد]، فالكري هو المكاري، فاللفظ مختلف وان كان المعنى واحدا، قال عذافر الكندي: لو شاء ربي لم اكن كرياولماسق بشعفر المطيا الشعفر:
بالشين المعجمة، والعين غير المعجمة، والفاء والراءغير المعجمة، اسم امراة من العرب. بصرية تزوجت بصريايطعمها المالح والطريا تخاله اذا مشى خصيامن طول ما قد حالف الكرسيا والكري: من الاضداد، قد ذكره ابو بكر الانباري في كتابالاضداد، يكون بمعنى المكاري، ويكون بمعنى المكتري. وقال ابن بابويه ايضا في رسالته: ولا يجوز التقصير للاشتقان، بالشين المعجمة، والتاء المنقطة من فوقها نقطتين، والقاف والنون، هكذا سمعنا على من لقيناه وسمعنا عليه من الرواة ولم يبينوا لنا ما معناه». ثم نقل ابن ادريس - بعد ذلك - معنى الاشتقان عن كتابالحيوان للجاحظ، فدل نقله على كون ما تقدم كله من كلام علي بن بابويه في رسالته، ولعله اول من تعرض من فقهاء عصر الغيبة الصغرى لضبط المفردات اللغوية على النحو المذكور. الاحتجاج بالاصول العملية:قال العلامةقدسسره في المختلف - في صلاة العيدين -:«قال علي بن بابويه اذا صليت بغير خطبة صليت اربع ركعات بتسليمة ... الى ان قال - احتج ابن بابويه باصالة براءة الذمة من التسليم وتكبيرة الافتتاح، وقد عد هذه الفتوى في جامع المقاصد من الفتاوى التي لم ينقل لها دليل. وقفة مع بعض فتاوى الصدوق الاول:افتاؤه بوقت افطار الصائم:قال علي بن بابويه في رسالته: «يحل لك الافطار اذا بدت لكثلاثة انجم، وهي تطلع مع غروب الشمس». قال الشيخ الصدوق بعد ان اورد هذا من الرسالة:
وهي رواية ابان عن زرارة عن ابي جعفر(ع). اقول: هذه الرواية رواها الشيخ في التهذيب بسند صحيح عن ابان، عن زرارة قال: «سالت ابا جعفر(ع) عن وقت افطار الصائم؟ قال: حين يبدو ثلاثة انجم...». الا ان الشيخ عقب عليها بقوله: «ما تضمنه هذا الخبر من ظهورثلاثة انجم لا يعتبر به، والمراعى ما قدمناه من سقوط القرص، وعلامته زوال الحمرة من ناحية المشرق، وهذا كان يعتبره اصحاب ابي الخطاب لعنهم الله» وقد اجاب العلامة عن خبر زرارة هذا فقال: «لعله اشار بذلك الى حالة الاشتباه لوجود الغيم او غيره». افتاؤه بحد الوجه في التيمم:المشهور عند فقهائنا مسح الوجه في التيمم بالنص والاجماع،واختلفوا في تقديره فاكثر علمائنا على ان حد الوجه هنا من قصاص الشعر الى طرف الانف، بينما قال علي بن بابويه بالاستيعاب كالغسل في الوضوء ونقل السيد المرتضى في الناصريات الاجماع على الاول، وقد وردت روايات تدل على ما قاله علي بن بابويه، واكثرها ضعيفة الاسناد، اعرض عنها الاصحاب كما صرح بذلك المحقق الكركي كما ان القول بالاستيعاب، اي مسح جميع الوجه في التيمم هو مذهب اهل السنة. ونظير هذه الفتوى قوله في التيمم ايضا بوجوب استيعابمسح اليدين الى المرفقين كالغسل، مع ان فتوى اكثر فقهائنا في ان القدر الذي يمسح من اليدين هو من الرسغ الى اطراف الاصابع. فتاوى نادرة:قال في قاموس الرجال: «وله فتاوى شاذة في الفقه، ومنهافي احكام السهو في الصلاة والشك في ركعاتها، كما لا يخفى على من راجع المختلف، ومن اشذ فتاويه قوله في نصابي الذهب بانهما اربعين اربعين، فانه وان ورد بما قاله خبر، الا ان الحلي قال انه على خلاف اجماع المسلمين».
ويقصد بالحلي صاحب السرائر، فقد قال في باب المقاديرالتي تجب فيها الزكاة وكمية ما تجب: «وقال بعض اصحابنا وهو ابن بابويه في رسالته: انه لا يجب في الذهب الزكاة حتى يبلغ اربعين مثقالا. وهذا خلاف اجماع المسلمين». ومن ذلك ايضا ما حكاه ابن ادريس الحلي عنه ايضا قال:«والخمر نجس بلا خلاف، ولا تجوز الصلاة في ثوب ولا بدن اصابه منها قليل ولا كثير الا بعد ازالتها مع العلم بها، وقد ذهب بعض اصحابنا في كتاب له وهو ابن بابويه الى ان الصلاة تجوز في ثوب اصابه الخمر قال: لان الله حرم شربها ولم يحرم الصلاة في ثوب اصابته، معتمدا على خبر روي. هذا وقد اكد ابن ادريس على ان هذه الفتيا الصادرة عن ابنبابويه مخالفة لاجماع المسلمين. ومن فتاواه المخالفة لما عليه المذهب، ما حكاه في جامع المقاصد في الاحكام المعنوية من ذهاب الشيخ علي بن بابويه الى ان السهم هو السدس، بينما السهم عند اكثر الفقهاء هو الثمن، قال: وهذا عليه المذهب. اقول: ان هذه الوقفة مع فتاوى الشيخ علي بن بابويه لا بدمنهارحمهالله لكي لا تفسر اكيات الثناء عليه في هذا البحث بغير واقعها، فتحمل على المبالغة، وتوسم بعدم الدقة والموضوعية، مؤكدين على اجماع الشيعة برمتهم على انه لا يوجد في قاموسهم كتاب - غير كتاب الله عز وجل - قد استوفى التكامل، كما ادعى غيرهم، ما دامت تلك الكتب صادرة عن عقل غير معصوم. وهذا لا يضر بالعظماء اذا ما لوحظ التركيز على الجانب العلمي الذي تبينت من خلاله سبل الابتكار في طرح المادة العلمية بعد عصر النص مباشرة بما يكشف عن اصالتها وحيويتها الى اليوم. جمل الثناء عليه:للشيخ علي بن بابويه قدس سره الشريف منزلة عالية فينفوس سائر مترجميه كما تنبى جملهم في الثناء عليه، اذ كان - كما يبدو من ذكره العطر - من المراجع العظام في الفقه والحديث في مدينته قم المشرفة بلا منازع. والذي يدل على سمو مكانته، ورفيع مقامه ما اشتهر بين علماء الشيعة منذ قرون متعاقبة من تزكية امام معصوم له، كما يتضح هذا من رسالة سيدنا الامام الحسن العسكري(ع) اليه، واليك نصها:
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والجنة للموحدين،والنار للملحدين، ولا عدوان الا على الظالمين، ولا اله الاالله احسن الخالقين، والصلاة على خير خلقه محمد وعترته الطاهرين.. اما بعد:اوصيك يا شيخي ومعتمدي ابا الحسن علي بن الحسينالقمي، وفقك الله لمرضاته وجعل من صلبك اولادا صالحين برحمته، بتقوى الله، واقام الصلاة، وايتاء الزكاة، فانه لا تقبل الصلاة من مانع الزكاة، واوصيك بمغفرة الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، ومواساة الاخوان والسعي في حوائجهم في العسر واليسر، والعلم عند الجهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الامور، والتعهد للقراكن، وحسن الخلق، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله عز وجل: (لا خيرفىكثير من نجواهم الا منامر بصدقهاو معروف او اصلاحبين الناس)، واجتناب الفواحش كلها، وعليك بصلاة الليل فان النبي(ص) اوصى عليا(ع) فقال: «يا علي عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل»، ومن استخف بصلاة الليل فليس منا. فاعمل بوصيتي، وامر جميع شيعتي حتى يعملوا بها، وعليكبالصبر وانتظار الفرج، فان النبيصلى الله عليه واله قال: «افضل اعمال امتي انتظار الفرج»، ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي(ص) حيث قال:
«انه يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا». فاصبر يا شيخي، وامر جميع شيعتي بالصبر، فان الارض للهيورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته، وحسبنا الله ونعم المعين ونعم المولى ونعم النصير». قال في روضات الجنات بعد ان اورد الرسالة: «وقال بعض الاعاظم - بعد ذكره لذلك -: وهذه الرسالة اذا صحت دلت على عظم شان علي المذكور، والله اعلم». اقول: لو لم يكن علي بن بابويه رضي الله تعالى عنه اهلاللرسالة بنظر اعلام الشيعة لرفضوها رفضا قاطعا، ولكنهم وجدوه اهلا لها فتلقوها بالقبول، وما تقدم في اوائل البحث لا يعني التشكيك في صحة صدورها، بل يعني اثارة ما يمكن ان يوجه لها من نقد لتحظى بمزيد من البحث والتحقيق لاهميتها. وعلى اية حال فان موقف علماء الشيعة من هذا الرجل العظيم يتسم بكل اجلال وتعظيم كما سيتضح من: الثناء عليه ببعض كتب الشيعة:قال النجاشي (ت/450ه ): «علي بن الحسين بن بابويه القمي،ابو الحسن، شيخ القميين في عصره، ومتقدمهم، وفقيههم، وثقتهم». وقال شيخ الطائفة (ت/460ه ): «علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، كان فقيها جليلا ثقة، وله كتب كثيرة»، وقال ايضا: «ثقة، له تصانيف ذكرناها في الفهرست». وقال الشيخ حسن ابو علي ابن شيخ الطائفة الملقب بالمفيدالثاني (ت/515ه ) معللا قبول من تاخر عنهلرسالتهالفقهية: «... لثقته، وامامته، وموضعه منالعلم والدين». وقال الشيخ ابن ادريس الحلي (ت/598ه ) في حكم بيع الواحد بالاثنين مع اختلاف الجنس: «...بل جلة اصحابنا المتقدمين، ورؤساء مشايخنا المصنفين الماضين رحمهمالله لم يتعرضوا لذلك، بل افتوا وصنفوا...» ثم ذكر جملة من كبار العلماء وعد علي بن بابويه في طليعتهم. ونظير هذا الوصف ما ذكره المحقق الحلي (ت/676ه ) فيكتاب المعتبر، وقد تقدم، وقال ابن داود الحلي (ت/707ه ):
«.. . الفقيه الجليل المعظم، الثقة، الورع، المصنف». واورده العلا مة الحلي (ت/727ه ) في القسم الاول من رجاله المعد للثقات المعتمد عليهم ونقل قول النجاشي المتقدم - في ترجمته. ووصفه الشهيد الاول (ت/786ه ) في اجازته للخازنب : (الامام). وقال المجلسي (ت/1111ه ) في الفصل الاول في بيان مصادر البحار: «وكتاب الامامة والتبصرة من الحيرة للشيخ الاجل ابي الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه والد الصدوق طيب الله تربتهما». وقال في الفصل الثاني فيتوثيق تلك المصادر: «وكتاب الامامة مؤلفه من اعاظم المحدثين والفقهاء، وعلماؤنا يعدون فتاواه من جملة الاخبار». وقال الافندي (من علماء القرن الثاني عشر الهجري): «العالمالكامل الجليل المحدث المعروف بعلي بن بابويه، والد شيخنا الصدوق محمد، وقد يعرف بابي الحسن مطلقا» وقال السيد الاعرجي (ت/1227ه ): «من مشايخ الطائفة وثقاتها وعظمائها». وقال السيد الخوانساري (ت/1313ه ): «الشيخ الفقيه، الثقة الوجيه، المعتمد عليه، ابو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، والد شيخنا الصدوق القمي، واستاذه الذي تلمذ لديه، وصاحب الرسالة المعروفة، ينقل عنها في كتاب من لا يحضره الفقيه، كان من اجلاء فقهاء الاصحاب، والادلاء على صراط ال محمد الانجاب الاطياب، غيورا في امر الدين، مدمر اساس الملحدين، معظما من مشايخ الشيعة، مفخما من اركان الشريعة، صاحب كرامات ومقامات، ومساعي وانتظامات، وحسب النهاية على دلالة فضله وغاية جلالته، التوقيع الذي خرج اليه من حضرة مولانا الامام العسكري(ع)، بنقل صاحب الاحتجاج وغيره...».
وقال خاتمة المحدثين الشيخ النوري (ت/1320ه ): «الشيخالاقدم، والطود الاشم ابو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، العالم، الفقيه، المحدث، الجليل، صاحب المقامات الباهرة، والدرجات العالية التي تنبى عنها مكاتبة الامام العسكري(ع) وتوقيعه الشريف اليه...». وقال السيد حسن الصدر (ت/1354ه ): في بيانه لائمة علمالتفسير والتاويل: «ومنهم: علي بن بابويه والد الشيخ الصدوق كان شيخ الشيعة بقم يكنى ابا الحسن، علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه .. وانه ممن كاتبه مولانا ابو محمد العسكري، وله كرامات وحكايات مذكورة في المطولات، صنف الكتب، منها: كتاب التفسير...». وقال الشيخ عباس القمي (ت/1359ه ): «كان شيخ القميينفي عصره وفقيههم وثقتهم، وكفى في فضله ما في التوقيع المنقول عن الامام العسكري(ع): اوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي يا ابا الحسن .. الى آخره». الثناء عليه في كتب السنة:لم يترجم للشيخ علي بن بابويه الا القلائل من علماء اهلالسنة، بل وحتى الخطيب البغدادي الذي حاول في تاريخه ذكر علماء بغداد ومن قدم اليها لم يذكر - من فرط تعصبه - شيخنا علي بن بابويه على الرغم من قدومه الى بغداد اكثر من مرة، بل لم يذكر ثقة الاسلام الكليني الذي مات ودفن في بغداد! والمهم هنا، هو ان جميع من ذكره منهم فقد اطراه.قال الذهبي (ت/748ه ) في ترجمة ولده الصدوق: «ابن بابويه، راس الامامية ابو جعفر محمد بن العلامة علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي...».
فهو جدير بلقب (العلامة) عند الذهبي، وهذا اعتراف صريحمنه بعلمه وفقهه، مع ان هذا اللقب لم تطلقه الشيعة عليه، فلاحظ. وقال ابنالنديم (ت/385ه ): «ابنبابويه: واسمه علي بنالحسين بن موسى القمي، من فقهاء الشيعة وثقاتهم، قرات بخط ابنه ابيجعفر محمد بن علي على ظهر جزء: قد اجزت لفلان ابن فلان كتب ابي علي بنالحسين وهي مئتا كتاب وكتبي وهي ثمانية عشر كتابا». كما ترجم له البغدادي الباباني (ت/1339ه ) في هديةالعارفين فقال: «ابن بابويه: علي بن الحسن [كذا] بن موسى بن بابويه ابو الحسن القمي من علماء الشيعة، توفى سنة 329 تسع وعشرين وثلاثمائة. له من التصانيف: املاء النوادر، تبصرة الحيرة...». ثم عدد بقية كتبه. كما ترجم له خير الدين الزركلي الوهابي (ت/1976م)، فقال:«ابن بابويه: علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، ابو الحسن القمي، شيخ الاماميين بقم في عصره، مولده ووفاته فيها، له كتب في التوحيد والامامة والتفسير ورسالة في الشرائع، وغير ذلك». وفاته ومكان وفاته:قال النجاشي: «ومات علي بن الحسين سنة تسع وعشرينوثلاثمائة، وهي السنة التي تناثرت فيها النجوم، وقال جماعة من اصحابنا: سمعنا اصحابنا يقولون: كنا عند ابي الحسن علي بن محمد السمريرحمهالله فقال: رحمالله علي بن الحسين بن بابويه، فقيل له: هو حي! فقال: انه مات في يومنا هذا. فكتب اليوم، فجاء الخبر بانه مات فيه». وقد روى هذا الخبر الشيخ في كتاب الغيبة بسنده عن ابيعبدالله احمد بن ابراهيم بن مخلد قال:
«حضرت بغداد عند المشايخرحمهالله فقال الشيخ ابو الحسن علي بن محمد السمريقدسسره ابتداء منه: رحم الله علي بن الحسين بن بابويه القمي». قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم فورد الخبر انه توفي فيذلك اليوم. ومضىابوالحسن السمريرضىاللهعنه بعد ذلك في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة» وقد اخرجه من طريق آخر ايضا. كما اخرج خبرا عن ابي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ذكرفيه ان السمري(رضيالله تعالى عنه) مات سنة 329ه . والحاصل من كل هذا: ان سنة وفاة علي بن بابويه والسمريقدسسرهما هي سنة 329ه وهي توافق عدد (يرحمه الله) كما ياتي: 10+200+8+40+5+1+30+30+5=329 هي+ر+ح+م+ه +ا+ل+ل+ه =يرحمه الله ولكن قد يشكل على هذا - وهو الموافق لقول النجاشي - علىالرغم من كونه هو المتفق عليه بين سائر علماء الشيعة تقريبا، بان خبر الشيخ في كتاب الغيبة الذي اخرجه عن احمد بن ابراهيم بن مخلد قد اخرجه الصدوق في كمال الدين عنه ايضا وبلا اختلاف يذكر سوى ما ورد في آخره اذ قال: «ومضى ابو الحسن السمري رحمهالله في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة». والصدوق رواه عن احمد بن ابراهيم بواسطة واحدة، والشيخبواسطتين، والصدوق معاصر لسنة الوفاة والشيخ قريب منها، ولا يحصل التصحيف بين (ثمان) و(تسع) وتحريف احدهما - سهوا - الى الآخر بعيد، وموافقة قول النجاشي للشيخ لا يلغي اهمية قول الصدوق لتقدمه عليها، وعلى هذا سيكون تاريخ وفاة الشيخ علي بن بابويه ليس هو ما اخبر به النجاشي على الرغم من شهرته، هذا اولا. وثانيا: ان سنة تناثر النجوم لم تذكر في وقائع سنة 329ه في كتب التاريخ التي ركزت على بيان حوادث ووقائع التاريخ بحسب السنين - بل السنة القريبة من هذا التاريخ التي وقع فيها التناثر - الذي تكرر وقوعه في عدة قرون كما في كتب التاريخ - هي سنة 323ه وهي السنة نفسها التي خرج فيها ابو طاهر القرمطي على الحاج العراقيين، فقد ذكر ابن الجوزي في المنتظم في حوادث سنة (323ه ) خروج الحاج وتعرضهم الى ابي طاهر بن ابي سعيد الجنابي القرمطي وانه اكثر فيهم القتل والنهب ورجع من سلم منهم الى بغداد، قال:
«وبطل الحج في هذه السنة» وقد حدد تاريخ هجوم ابي طاهر على الحاج بالضبط، وذلك في سحر يوم الاربعاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي القعدة، ثم قال: «وفي هذه الليلة بعينها انقضت النجوم ببغداد من اول الليل الى آخره، وبالكوفة ايضا، انقضاضامسرفا لم يعهد مثله ولا ما يقاربه». وقال ابن الاثير في الكامل في حوادث سنة 323 ايضا: «فيهذه السنة خرج الناس الى الحج فلما بلغوا القادسية [قرب الكوفة ومن مسالحها] اعترضهم ابو طاهر القرمطي ثاني عشر ذي القعدة فلم يعرفوه فقاتله اصحاب الخليفة واعانهم الحجاج ثم التجاوا الى القادسية، فخرج جماعة من العلويين بالكوفة الى ابي طاهر فسالوه ان يكف عن الحجاج، فكف عنهم، وشرط عليهم ان يرجعوا الى بغداد، فرجعوا ولم يحج بهذه السنة من العراق احد [الى ان قال] وفيها في ليلة الثاني عشر من ذي القعدة وهي الليلة التي اوقع القرمطي بالحجاج، انقضت الكواكب من اول الليل الى آخره انقضاضا دائما مسرفا جدا لم يعهد مثله». اقول: ومن هنا تتضح عدة امور مهمة، وهي:الاول: ان ما ذكره الشيخ في رجاله - ونقلناه عنه فيما تقدم - في ترجمة علي بن بابويه بقوله: «روى عنه التلعكبري قال: سمعت منه في السنة التي تهافتت فيها الكواكب، دخل بغداد فيها»، انما هي سنة (323ه ) وليس سنة (326ه ) كما اشرنا اليه في رحلاته العلمية واسفاره. الثاني: ان قول السيد حسن الصدر رحمه الله:
«مات علي بنبابويه سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة»، يؤكد ما مرفيالامر الاو ل، وان لم يوافقهاحد على هذا التحديد، فهو (رحمه الله) قد علق بذهنه قول النجاشي في اقتران سنة وفاة الشيخ علي بن بابويه بتناثر النجوم ولم يراجع بوقتها ظاهرا، وكان يعلم سنة التناثر فجعلها تاريخا للوفاة. الثالث: ان هذه السنة (323ه ) هي السنة نفسها التي استاذنفيها الشيخ علي بن بابويه لغرض الحج وورد المنع اولاثم السماح ثانيا مع الامر بان يكون في آخر القافلة خوفا من قتل القرامطة وقد تحقق ذلك فعلا فعاد سالما الى بغداد ولم يكن من حملة ضحايا القرامطة. الرابع: ان ما ذكره الشيخ الطريحي في مجمع البحرين عنالشيخ البهائي يرحمهما الله تعالى من دخول القرامطة الى مكة سنة 310ه ، واخذهم الحجر الاسود وانه بقي عندهم عشرين سنة، وانهم قتلوا خلقا كثيرا وكان ممن قتلوه علي بن بابويه، وكان يطوف بالبيت فما قطع طوافه فضربوه بالسيف فوقع الى الارض وانشد: ترى المحبين صرعى في ديارهمكفتية الكهف لايدرون كم لبثوا فهو غير صحيح; لان ذلك وقع في سنة 317ه باتفاق جميعمن ارخ للقرامطة وليس في سنة 310ه ، على ان وقعة القرامطة سنة 317ه كانت من افتك الوقائع; اذ ابيد بها الحاج اثناء الطواف وعروا الكعبة المشرفة من كسوتها وقلعوا بابها وطرحوا القتلى في بئر زمزم، كما هو شان القرامطة في طول تاريخهم القذر. واما ابن بابويه الذي قتل في هذه الحادثة المؤلمة فهو سميشيخنا علي بن بابويه، وهو: «علي بن بابويه الصوفي العامي المعروف بالتصوف احد من انكر عليه ابن الجوزي المتوفى سنة 597 في كتاب تلبيس ابليس». هذا، زيادة على ان معظم اسفار شيخنا المعظم ورحلاتهالمنصوص عليها كانت بعد سنوات عدة من تاريخ فتك القرامطة بالحاج سنة 317ه كما تقدم.
اما مكان وفاته رضي الله تعالى عنه فهو في قم المشرفة بالاتفاق، ولا زال قبره الى الآن فيها وقد زرته مرارا كان آخرها اثناء كتابة هذا البحث، واليك تحديد موقعه. موقع قبره الزكي:يقع قبره الزكي وسط مدينة قم المقدسة على مسافة قريبةمن الروضة الشريفة لفاطمة(س) بنت الامام موسى الكاظم(ع) ، وبالضبط يقع في المثلث الحاصل من تقاطع شارعي انقلاب وشارع اية الله السيد المرعشي النجفيقدسسره، وفي كل منهما قبل التقاطع مباشرة زقاق يؤدي اليه، والقبر واقع وسط حجرة مربعة مزينة الجدران وتعلوها قبة عالية مطلة على ساحة متصلة بالحجرة وقد كتبت على باب القبر الشريف سورة «والشمس وضحاها» كاملة بخط الثلث الجميل، رحم الله شيخنا علي بن بابويه القمي وشكر له سعيه في اعلاء كلمة الحقوحشره مع محمد واله صلى الله عليهم وسلم. والحمد لله رب العالمين