عز الامة الاسلامیة و کرامتها فی‌ اهداف‌ الثورة‌ الحسینیة‌ نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عز الامة الاسلامیة و کرامتها فی‌ اهداف‌ الثورة‌ الحسینیة‌ - نسخه متنی

محمد مهدی‌ الاصفی‌

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

عزّ الاُمة‌ الاءسلامية‌ وكرامتها

في‌ اهداف‌ الثورة‌ الحسينية‌

الشيخ‌ محمد مهدي‌ الا´صفي‌

الثورة‌ الحسينية‌ رمز العزّة‌ والكرامة‌ للاُمة‌ الاءسلامية‌:

كان‌ الاءمامان‌ الحسن‌ والحسين‌8 قد عقدا العزم‌ علي‌ اءعلان‌ الخروج‌علي‌ سلطان‌ بني‌ اُمية‌، عندما تسمح‌ الظروف‌ بعد موت‌ معاوية‌.

وقد اظهرا ذلك‌ لشيعتهم‌ اكثر من‌ مرة‌. وكانت‌ خطة‌ الاءمامين‌ الحسن‌والحسين‌8 في‌ ذلك‌ واحدة‌ في‌ الموقف‌ من‌ بني‌ اُمية‌.

ويضاف‌ ان‌ مجاميع‌ من‌ شيعة‌ العراق‌ كتبوا الي‌ الحسين‌(ع)، بعد صلح‌الاءمام‌ الحسن‌(ع)، يدعونه‌ للخروج‌ علي‌ معاوية‌ واءعلان‌ الثورة‌، رافضين‌موقف‌ الاءمام‌ الحسن‌ من‌ الصلح‌، فكتب‌ اءليهم‌ الحسين‌(ع):

«صدق‌ ابو محمد، فليكن‌ كل‌ رجل‌ منكم‌ حِلساً من‌ احلاس‌ بيته‌، مادام‌ هذاالاءنسان‌ ]معاوية‌[ حياً».

وشاء الله تعالي‌ ان‌ ينفذ غدر معاوية‌ في‌ الاءمام‌، ويستشهد الاءمام‌ قبل‌هلاك‌ معاوية‌، وتولّي‌ الحسين‌(ع) الاءمامة‌ وقيادة‌ المعارضة‌ ومسؤولية‌الثورة‌والحركة‌ من‌ بعد اخيه‌.

فكان‌ موقف‌ الحسين‌(ع) بعد وفاة‌ المجتبي‌ هو استمرار موقف‌ اخيه‌الحسن‌ من‌ قبل‌ تجاه‌ معاوية‌.

فكتب‌ اءليه‌ اهل‌ العراق‌ ان‌ يخرج‌ بهم‌ علي‌ معاوية‌ فلم‌ يستجب‌ الاءمام‌الحسين‌ لرايهم‌ وكتب‌ اءليهم‌:

«اما اخي‌ فارجو ان‌ يكون‌ الله قد وفّقه‌ وسدّده‌ فيما ياتي‌، واما انا فليس‌ رايي‌اليوم‌ ذلك‌، فالصقوا رحمكم‌ الله بالارض‌ واكمنوا في‌ البيوت‌ واحترسوا من‌ الظنّة‌ مادام‌ معاوية‌ حياً».

اءلاّ ان‌ تحرّكاً سياسياً كان‌ يجري‌في‌ الحجاز في‌ الكتمان‌ في‌ جوّالمعارضة‌ يقوده‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع)، ويوجّهه‌ لتاليب‌ المسلمين‌ ضدسلطان‌ بني‌ اُمية‌ وتمهيد الاجواء للخروج‌ عليهم‌ بعد موت‌ معاوية‌.

فقد كان‌ الاءمام‌(ع) علي‌ اتصال‌ بوجوه‌ المسلمين‌ من‌ العراق‌ والحجاز،يزورونه‌ وياخذون‌ برايه‌، ورغم‌ ان‌ هذه‌ الاجتماعات‌ كان‌ يغلب‌ عليهاطابع‌ السرية‌ اءلاّ انها كانت‌ لا تغيب‌ عن‌ عيون‌ بني‌ اُمية‌ وجواسيسهم‌؛فكتب‌ مروان‌ عامل‌ معاوية‌ علي‌ المدينة‌ الي‌ معاوية‌:

(ان‌ّ عمر بن‌ عثمان‌ ذكر ان‌ رجالاً من‌ اهل‌ العراق‌ ووجوه‌ اهل‌ الحجازيختلفون‌ الي‌ الحسين‌ بن‌ علي‌، وانه‌ لا يؤمن‌ وثوبه‌، وقد بحثت‌ عن‌ هذافبلغني‌ انه‌ يريد الخلاف‌ يومه‌ هذا، فاكتب‌ اءلي‌ّ برايك‌).

فكتب‌ اءليه‌ معاوية‌ ان‌ يتجنّب‌ مواجهة‌ الحسين‌ ما امكنه‌ ذلك‌.

ومهما يكن‌ من‌ امر فقد كان‌ الحسين‌(ع) قد عزم‌ علي‌ الخروج‌ علي‌سلطان‌ بني‌ اُمية‌ اءذا مات‌ معاوية‌ وكانت‌ الظروف‌ مؤاتية‌، وكان‌ قد اعدشيعته‌ لذلك‌ التفكير في‌ اءسقاط‌ النظام‌ والاستيلاء علي‌ السلطة‌.

لا نشك‌ في‌ ان‌ الاءمام‌ لم‌ يكن‌ يطلب‌ في‌ ثورته‌ الشهيرة‌، وخروجه‌علي‌ يزيد بن‌ معاوية‌ اءسقاط‌ النظام‌ الاُموي‌ عسكرياً، والاستيلاء علي‌السلطة‌. فلم‌ يكن‌ للاءمام‌ من‌ اعوان‌ يعتمد عليهم‌ في‌ حركته‌ وخروجه‌ في‌غير العراق‌. فقد كانت‌ مصروالحجاز بعيدتين‌ كل‌ البعد عن‌ ظروف‌ الثورة‌والحركة‌، وكانت‌ الشام‌ القاعدة‌ المتينة‌ التي‌ ينطلق‌ منها يزيد بن‌ معاوية‌،ويحتمي‌ بها في‌ حماية‌ ملكه‌ وسلطانه‌.

ولم‌ يكن‌ هوي‌ اهل‌ العراق‌ معه‌ من‌ غير شيعته‌؛ فقد كان‌ الاءمام‌ يعلم‌جيداً ان‌ّ من‌ غير الممكن‌ الاعتماد علي‌ الكثرة‌ من‌ اهل‌ العراق‌، فهم‌ مع‌الطرف‌ المنتصر، ومن‌ الخير له‌ ولثورته‌ الا يلتحقوا بهم‌، فاءنهم‌ سوف‌ينفرطون‌ عن‌ جيشه‌ كما انفرطوا من‌ جيش‌ اخيه‌ الحسن‌ من‌ قبل‌، او اسرع‌وايسر من‌ ذلك‌، ويفتّون‌ في‌ عضده‌ وعضد اصحابه‌ وشيعته‌ الذين‌ ثبتوامن‌ قبل‌ في‌ جيش‌ اخيه‌ الحسن‌(ع)، وهم‌ قلّة‌ لا يكوّنون‌ قوة‌ عسكرية‌تصمد امام‌ جيوش‌ الشام‌.

ولقد صدقت‌ نبوءة‌ الفرزدق‌ للاءمام‌ حين‌ التقي‌ به‌ في‌ الشقوق‌فاقبل‌ علي‌ الاءمام‌ وقبّل‌ يده‌، فساله‌ الاءمام‌ كيف‌ خلّفت‌ اهل‌ الكوفة‌؟

فقال‌: خلّفت‌ الناس‌ معك‌، وسيوفهم‌ مع‌ بني‌ اُمية‌، فقال‌ له‌ الحسين‌(ع):«صدقت‌ وبررت‌، اءن‌ّ الامر لله يفعل‌ ما يشاء».

ولم‌ تكن‌ تجربة‌ الاءمام‌ الحسن‌(ع) بعيدة‌ عن‌ الحسين‌، ولم‌ يكن‌ الاءمام‌الحسين‌ باقدر من‌ اخيه‌ في‌ تجميع‌ قوة‌ عسكرية‌ لضرب‌ سلطان‌ بني‌ اُمية‌واءسقاط‌ النظام‌. اءن‌ لم‌ تكن‌ ظروف‌ الحسين‌ (ع) اسوا من‌ ظروف‌ اخيه‌الحسن‌. فقد استقرّ لبني‌ اُمية‌ السلطان‌، وامتدّ نفوذهم‌، وعمل‌ معاوية‌بدهائه‌ المعروف‌ في‌ تحكيم‌ اُصول‌ حكم‌ بني‌ اُمية‌، وامتداد نفوذهم‌وشراء الضمائر ونشر الرعب‌ والاءرهاب‌ في‌ اجواء المعارضة‌، واكتساح‌الاكثرية‌ التي‌ يتحكّم‌ فيها الاءرهاب‌ والاءغراء، ويميلون‌ دائماً الي‌ الجهة‌المنتصرة‌ القوية‌ في‌ الساحة‌.

فلم‌ يكن‌ حدَث‌ حدث‌ٌ جديد في‌ الساحة‌ السياسية‌ والعسكرية‌ علي‌ماعرفناه‌ في‌ عهد الاءمام‌ الحسن‌(ع) غير امرين‌ اثنين‌:

احدهما: استحكام‌ قواعد سلطان‌ الاُمويين‌ وامتداد نفوذهم‌ في‌البلاد.

والثاني‌: انتشار الفساد في‌ جهاز بني‌ اُمية‌ الي‌ حد الاستهتار والابتذال‌في‌ حياة‌ يزيد وحكومته‌.

والامر الاوّل‌: لم‌ يكن‌ لصالح‌ الاءمام‌ في‌ التفكير في‌ تحرك‌ عسكري‌لاءسقاط‌ النظام‌؛ فقد كانت‌ تجربة‌ الاءمام‌ الحسن‌ بعد حيّة‌ في‌ نفوس‌ الشيعة‌،حيث‌ لم‌ يستطع‌ جيش‌ العراق‌ ان‌ يقاوم‌ سلطان‌ بني‌ اُمية‌ بعد وفاة‌ الاءمام‌اميرالمؤمنين‌(ع).

فما ظنّك‌ بهذه‌ القوة‌ العسكرية‌، بعد ان‌ استحكم‌ لبني‌ اُمية‌ الحكم‌والسلطان‌، وامتدّ لهم‌ النفوذ في‌ البلاد واستتب‌ّ لهم‌ الامر؟

وامّا الامر الثاني‌: واءن‌ كان‌ ينفع‌ في‌ تحريك‌ الاقلية‌ المعارضة‌ الواعية‌ من‌الشيعة‌، اءلاّ انه‌ لم‌ يكن‌ ينفع‌ ـ بالتاكيد ـ في‌ تحريك‌ الاكثرية‌ التي‌ الِفت‌ هذاالفساد واستسلمت‌ له‌، بل‌ واعانت‌ عليه‌.

فلم‌ يكن‌ يصفو ـ اءذن‌ ـ للاءمام‌ الحسين‌ من‌ القوة‌ العسكرية‌ غير ما صفالاخيه‌ الحسن‌(ع) من‌ قبل‌، وهم‌ الثابتون‌ من‌ شيعته‌ ومواليه‌، ولا يمكن‌ ان‌يفكّر الاءمام‌ ـ بكل‌ تاكيد ـ ان‌ يجازف‌ بهذه‌ القوة‌ المحدودة‌ لاءسقاط‌ النظام‌الاُموي‌ الرهيب‌ بعد ان‌ اخفقت‌ محاولة‌ اخيه‌ الاءمام‌ الحسن‌، في‌ ظروف‌احسن‌ من‌ ظروفه‌، وبقوة‌ عسكرية‌ اقوي‌ من‌ الجيش‌ الذي‌ كان‌ يعدّه‌ له‌العراق‌ بعد موت‌ معاوية‌.

وهذا التشخيص‌ ليس‌ مما نضيفه‌ نحن‌ من‌ عندنا الي‌ الظروف‌ التي‌رافقت‌ خروج‌ الحسين‌(ع) وثورته‌، واءنما نجده‌ عند كل‌ الذين‌ نصحواالاءمام‌ بالاءعراض‌ عن‌ الخروج‌ الي‌ العراق‌، ممن‌ كان‌ يعزّ عليهم‌ ان‌ يواجه‌الاءمام‌ تجربة‌ اخيه‌ الاءمام‌ الحسن‌ مرة‌ اُخري‌ في‌ العراق‌، كعبدالله بن‌ عباس‌وعبدالله بن‌ جعفربن‌ ابي‌ طالب‌ وغيرهم‌.

ونجد هذا التشخيص‌ بالذات‌ في‌ كلمات‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) بصورة‌مؤكدة‌ ومتكررة‌ قبل‌ الخروج‌ الي‌ العراق‌ وبعده‌.

ونذكر هنا نموذجين‌ فقط‌ من‌ خطب‌ الاءمام‌ التي‌ توحي‌ بصورة‌ قوية‌؛الي‌ ان‌ الاءمام‌ كان‌ مُقْدِماً علي‌ الشهادة‌ والتضحية‌، ولم‌ يكن‌ يفكّر في‌ عمل‌عسكري‌ لاءسقاط‌ النظام‌ عسكرياً.

احدهما: في‌ الحجاز قبل‌ ان‌ يفارق‌ مكة‌ الي‌ العراق‌. والثاني‌: في‌ كربلاء.

اما الخطبة‌ الاُولي‌: فهي‌ يرويها ابن‌ طاووس‌ في‌ اللهوف‌.

قال‌؛: روي‌ انه‌(ع)، لما عزم‌ علي‌ الخروج‌ الي‌ العراق‌، قام‌ خطيباًفقال‌: «الحمدلله، وما شاء الله، ولا قوة‌ اءلاّ بالله، وصلّي‌ الله علي‌ رسوله‌. خُط‌ّ الموت‌علي‌ ولد ا´دم‌، مخط‌ّ القلادة‌ علي‌ جيد الفتاة‌، وما اولهني‌ الي‌ اسلافي‌ اشتياق‌ يعقوب‌الي‌ يوسف‌. وخُيّر لي‌ مصرع‌ انا لاقيه‌، كاني‌ باوصالي‌ تقطّعها عسلان‌ الفلوات‌ بين‌النواويس‌ وكربلاء فيملان‌ مني‌ اكراشاً جوفاً واجربة‌ً سغباً، لا محيص‌ عن‌ يوم‌ خُط‌ّبالقلم‌، رضي‌ الله رضانا اهل‌ البيت‌، نصبر علي‌ بلائه‌، ويوفينا اجور الصابرين‌، لن‌ تشذعن‌ رسول‌ الله لحمته‌، وهي‌مجموعة‌ له‌ في‌ حظيرة‌ القدس‌، تقرّ بها عينه‌، وينجز بهم‌وعده‌، فمن‌ كان‌ باذلاً فينا مهجته‌ وموطّناً علي‌ لقاء الله نفسه‌، فليرحل‌ معنا فاءني‌ راحل‌مصبحاً اءن‌شاء الله».

ولسنا نحتاج‌ الي‌ التعليق‌ علي‌ هذه‌ الخطبة‌ فهي‌ واضحة‌ في‌ ان‌الاءمام‌(ع) كان‌ يعدّ اصحابه‌ لحركة‌ ماساوية‌، قوامها التضحية‌ والدم‌والشهادة‌، ولا يطمح‌ فيها الي‌ اي‌نصر عاجل‌.

فها هو يبدا خطابه‌ مع‌ اصحابه‌ بالموت‌ الذي‌ يطوّق‌ ابن‌ ا´دم‌، كماتطوق‌ القلادة‌ جيد الفتاة‌.

ثم‌ يخبر عن‌ مستقبل‌ هذه‌ الحركة‌ الماساوية‌ فيقول‌: «كاني‌ باوصالي‌تقطّعها عسلان‌ (ذئاب‌) الفلوات‌».

ثم‌ يطلب‌ النصرة‌ من‌ المسلمين‌، ولكن‌ بهذه‌ الطريقة‌ الفريدة‌: «فمن‌كان‌ باذلاً فينا مهجته‌ موطّناً علي‌ لقاء الله نفسه‌ فليرحل‌ معنا».

اءن‌ّ الاءمام‌ لا يشير في‌ هذه‌ الخطبة‌ الي‌ اي‌ هدف‌ عسكري‌ بالمعني‌المعروف‌ في‌ الاعمال‌ العسكرية‌، واءنّما يعد اصحابه‌ لتضحية‌ ماساوية‌دامية‌، ويطلب‌ ممن‌ يريد ان‌ يرافقه‌ ان‌ يعدّوا انفسهم‌ للقاء الله ولبذل‌المهج‌ في‌ سبيل‌الله.

والخطبة‌ الثانية‌ خطبها الحسين‌ بذي‌حسم‌ من‌ منازل‌ العراق‌ فقال‌:

«الا ترون‌ الي‌ الحق‌ لا يعمل‌ به‌ والي‌ الباطل‌ لا يتناهي‌ عنه‌، ليرغب‌ المؤمن‌ في‌لقاء الله محقّاً، فاءني‌ لا اري‌ الموت‌ اءلاّ سعادة‌ والحياة‌ مع‌ الظالمين‌ اءلاّ برماً».

ولما سار الاءمام‌ باصحابه‌ من‌ قصر بني‌ مقاتل‌ خفق‌ خفقة‌ ثم‌ انتبه‌،وهو يقول‌: (اءنا لله واءنا اءليه‌ راجعون‌) فاقبل‌ عليه‌ ابنه‌ علي‌ بن‌ الحسين‌ علي‌فرس‌ له‌ فقال‌: «يا ابت‌ِ، جعلت‌ فداك‌، مِم‌ّ حمدت‌ الله واسترجعت‌؟ قال‌: يابني‌ّ اءنّي‌ خفقت‌ براسي‌ خفقة‌ فعن‌ّ لي‌ فارس‌ علي‌ فرس‌، فقال‌: القوم‌ يسيرون‌ والمناياتسير اءليهم‌. فعلمت‌ انها انفسنا نُعيت‌ اءلينا.

قال‌ له‌: يا ابت‌ِ لا اراك‌ الله سوءً، السنا علي‌ الحق‌؟

قال‌: بلي‌ والذي‌ اءليه‌ مرجع‌ العباد.

قال‌: يا ابت‌ِ، اءذن‌ لا نبالي‌، نموت‌ محقين‌.

فقال‌: جزاك‌ الله من‌ ولد خير ما جزي‌ ولداً عن‌ والده‌».

ولا يقتصر الامر علي‌ هذه‌ المنامات‌ والخطب‌ التي‌ يرويها اصحاب‌السير كالطبري‌ (وابن‌ اعثم‌) (والسيد ابن‌ طاووس‌) (والمفيد) وغيرهم‌بصورة‌ متواترة‌، لا تقبل‌ الشك‌. فاءن‌ كل‌ّ شي‌ء في‌ حركة‌ الحسين‌(ع) الي‌العراق‌ يدل‌ علي‌ ان‌ الاءمام‌ لم‌ يكن‌ بصدد حركة‌ عسكرية‌ بالمعني‌ المفهوم‌من‌ هذه‌ الكلمة‌ لاءسقاط‌ النظام‌ الاُموي‌.

اءذن‌ فاءن‌ الاءمام‌ لم‌ يكن‌ يفكّر، ولا يمكن‌ ان‌ يفكّر في‌ حركة‌عسكرية‌، واءنما كان‌ الاءمام‌ يُقدم‌ عن‌ علم‌ ووعي‌ علي‌ تضحية‌ ماساوية‌نادرة‌، بنفسه‌، واهل‌ بيته‌، واصحابه‌، ليهزّ ضمير الاُمة‌ الخامل‌، ويبعث‌ في‌نفوسهم‌ الحركة‌ وروح‌ التضحية‌ والاءقدام‌.

ولعل‌ في‌ حديث‌ الاءمام‌ مع‌ اخيه‌ محمد بن‌ الحنفية‌؛ عندما ارادالخروج‌ من‌ مكة‌ الي‌ العراق‌ ما يشير الي‌ هذه‌ الغاية‌. والرواية‌ يرويهاالسيد ابن‌ طاووس‌ في‌ اللهوف‌.

يقول‌ السيد؛: اءن‌ّ محمد بن‌ الحنفية‌ عندما علم‌ بخروج‌ الحسين‌ من‌مكة‌ اتاه‌ فاخذ زمام‌ ناقته‌ التي‌ ركبها فقال‌: يا اخي‌ الم‌ تعدني‌ النظر فيماسالتك‌؟ وكان‌ قد سال‌ الاءمام‌ ان‌ يسير الي‌ اليمن‌. وينصرف‌ عن‌ العراق‌.قال‌: بلي‌. قال‌: فماحداك‌ علي‌ الخروج‌ عاجلاً؟ فقال‌:اتاني‌ رسول‌ الله (في‌المنام‌) بعد ما فارقتك‌ فقال‌: يا حسين‌ اُخرج‌ فاءن‌ّ الله شاء ان‌ يراك‌ قتيلاً.

فقال‌ له‌ابن‌ الحنفية‌: (اءنّا لله واءنّا اءليه‌ راجعون‌)، فما معني‌ حملك‌ هؤلاءالنساء، وانت‌ تخرج‌ علي‌ مثل‌ هذه‌ الحال‌؟ فقال‌ له‌: اءن‌ّ الله شاء ان‌ يراهن‌ّسبايا. وسلّم‌ عليه‌ ومضي‌.

اءذن‌، فالنتيجة‌ التي‌ ننتهي‌ اءليها في‌هذه‌ الجولة‌ السريعة‌: ان‌ الاءمام‌الحسين‌ كان‌ يفكّر في‌ الاءقدام‌ علي‌ تضحية‌ ماساوية‌ دامية‌، ولم‌ يكن‌ يفكّرفي‌ عمل‌ عسكري‌ علي‌ الاءطلاق‌ لمواجهة‌ سلطان‌ بني‌ اُمية‌، وهذان‌ نحوان‌من‌ الخروج‌، كل‌ منهما يحقّق‌ هدفاً محدوداً، والخلط‌ فيما بينهما يؤدي‌الي‌ الوقوع‌ في‌ اخطاء تاريخية‌ كبيرة‌، تشوّش‌ علينا فهم‌ الثورة‌ الحسينية‌وغايتها ونتائجها.

والا´ن‌ نتساءل‌ عما كان‌ يمكن‌ ان‌ يقصده‌ الاءمام‌ من‌ اهداف‌ وغايات‌من‌ وراء هذه‌ التضحية‌ الماساوية‌، التي‌ اقدم‌ عليها الاءمام‌ عن‌ علم‌ ووعي‌.

1 ـ تحرير اءرادة‌ الاُمة‌:

يستخدم‌ الطغاة‌ عادة‌ سلاحين‌ مؤثرين‌ في‌وجه‌ تحرّك‌ الاُمة‌ وتمردهاورفضها للظلم‌ .

وهما سلاح‌ (الاءرهاب‌) و (الاءفساد)، ومن‌ خصائص‌ هذين‌السلاحين‌، انهما يسلبان‌ الاُمة‌ الاءرادة‌ والقدرة‌ علي‌ التحرك‌ والوعي‌والاءدراك‌.

ومن‌ اولي‌ مستلزمات‌ كل‌ حركة‌ (الوعي‌) و(الاءرادة‌)، وعندما يفقدالاءنسان‌ بصيرته‌ واءرادته‌ يفقد كل‌ قدرة‌ للتحرّك‌، ويستسلم‌ للواقع‌ الفاسد،ويتكيّف‌ معه‌، وعند ذلك‌ يسيطر الطاغية‌ وفئته‌ علي‌ اءرادة‌ الاُمة‌ ووعيهاومصيرها، وحتي‌ علي‌ ذوقها واخلاقها واعرافها، ويتم‌ مسخ‌ شخصية‌الاُمة‌ بصورة‌ كاملة‌ في‌كل‌ ابعادها، ويتحكّم‌ الطاغية‌ في‌ كل‌ شي‌ء في‌ حياة‌الاُمة‌، ولا تملك‌ الاُمة‌ تجاه‌ الطاغية‌ غير الطاعة‌ والانقياد والاستسلام‌.

والي‌ هذه‌ الحقيقة‌ يشير القرا´ن‌ الكريم‌ في‌ علاقة‌ فرعون‌ بقومه‌وعلاقتهم‌ بفرعون‌: (فَاسْتَخَف‌َّ قَوْمَه‌ُ فَأَطَاعُوه‌ُ اءِنَّهُم‌ْ كَانُواْ قَوْماً فاسقِين‌َ).

اءن‌ّ فرعون‌ تمكّن‌ من‌ ان‌ يستخف‌ّ قومه‌، وان‌ يسلبهم‌ وعيهم‌واءرادتهم‌ وقيمهم‌ بالاءرهاب‌ والاءفساد؛ وبذلك‌ تمكّن‌ من‌ ان‌ يمسخ‌شخصيتهم‌ مسخاً كاملاً، واستاصل‌ من‌ نفوسهم‌ كل‌ قدرة‌ علي‌ الوعي‌والتفكير، فضلاً عن‌ الاءرادة‌ والمقاومة‌ والرفض‌. وبهذه‌ الصورة‌ استطاع‌فرعون‌ ان‌ يكسب‌ طاعتهم‌، (فاطاعوه‌).

وهذه‌ الطريقة‌ هي‌ الطريقة‌ المفضّلة‌ لائمة‌ الضلال‌ في‌ اكتساب‌ طاعة‌الناس‌ وولائهم‌، ويقوم‌ هذا الولاء والطاعة‌ عادة‌ علي‌ حطام‌ شخصية‌ الاُمة‌.

عند ذلك‌ يعيش‌ الحكّام‌ من‌ ائمة‌ الضلال‌ في‌ راحة‌ تامة‌ من‌ ناحية‌الرعيّة‌، لايقلقهم‌ شي‌ء من‌ جانبهم‌، ويتحول‌ الناس‌ الي‌ قطيع‌ من‌المتملقين‌ والمتزلفين‌ والراضخين‌، وينقلب‌ في‌ نفوسهم‌ الوعي‌ والاءرادة‌الي‌ الاتجاه‌ الذي‌ يطلبه‌ الحكّام‌، فيحبّون‌ ما احبّوا ويريدون‌ ما ارادوا،وهكذا تتم‌ عملية‌ المسخ‌ والانقلاب‌ في‌ شخصية‌ الاُمة‌. وبهذه‌ الصورة‌تتكون‌ في‌ الاُمة‌ طبقتان‌:

1 ـ طبقة‌ المستكبرين‌: وهم‌ الحكّام‌ من‌ ائمة‌ الضلال‌ ومن‌ يرتبط‌ بهم‌ومن‌ ينتفع‌ منهم‌ من‌ «الملا»، الذين‌ يستعلون‌ علي‌ الناس‌، ويستكبرون‌في‌ الارض‌، ويتحكّمون‌ في‌ حياة‌ الناس‌ واءرادتهم‌ ومصيرهم‌، وحتي‌اذواقهم‌ واخلاقهم‌، ويضعون‌ انفسهم‌ في‌ مركز السيادة‌ والحاكمية‌ من‌حياة‌ الاءنسان‌ من‌ دون‌ الله، ويستعلون‌ علي‌ الناس‌ ويفسدون‌ في‌ الارض‌،وهؤلاء هم‌ الطاغوت‌، الذين‌ يتجاوزون‌ حدود العبودية‌ والطاعة‌ للهتعالي‌ الي‌ الاستكبار والسيادة‌ والحاكمية‌ من‌ دون‌ الله، والاءفساد في‌حياة‌الناس‌.

2 ـ طبقة‌ المستضعفين‌: الذين‌ يستخفّهم‌ الطاغوت‌ (يسلبهم‌ ثقلهم‌في‌موازين‌ الاءنسانية‌)، ويستضعفهم‌ (يسلبهم‌ القدرات‌ والاءمكانات‌والكفاءات‌ التي‌ منحهم‌ الله تعالي‌ لهم‌)، وتتحول‌ هذه‌ الطبقة‌ الواسعة‌ الي‌طبقة‌ تابعة‌، ومنقادة‌، ومستسلمة‌ للامر الواقع‌، وتفقد خصائصها وقيمهاالاءنسانية‌ كافة‌، وتتحول‌ الي‌ اداة‌ طيّعة‌ لتنفيذ كل‌ ما يمليه‌ عليها الطاغوت‌.

واوّل‌ ما تفقد هذه‌ الطبقة‌ وعيها واءرادتها، ومن‌ ثم‌ تفقد كل‌ شي‌ء في‌حياتها مما منحها الله تعالي‌ من‌ القيم‌ والكفاءات‌.

(خَتَم‌َ اللَّه‌ُ عَلَي‌' قُلُوبِهِم‌ْ وَعَلَي‌' سَمْعِهِم‌ْ وَعَلَي‌' أَبْصَارِهِم‌ْ غِشَاوَة‌ٌ).

ولاءنقاذ هؤلاء لابد من‌ تحرير وعيهم‌ واءرادتهم‌ من‌ اسر الطاغوت‌، اءن‌الطاغوت‌ يسلبهم‌ (الوعي‌) و(الاءرادة‌) عن‌ طريق‌ (الاءرهاب‌)و(الاءفساد)، ولاءنقاذهم‌ من‌ قبضة‌ الطاغوت‌ واسره‌ لابدّ من‌ اءعادة‌ (الوعي‌)و(الاءرادة‌) اءليهم‌ قبل‌ كل‌ شي‌ء، حتي‌ ينظروا الي‌ الاُمور والاشخاص‌بوعيهم‌ الذي‌ اعطاهم‌ الله، لا من‌ خلال‌ ما يحبّه‌ الطاغوت‌ ويكرهه‌، وحتي‌يتمكّنوا من‌ ان‌ ياخذوا القرار لانفسهم‌ بانفسهم‌، لا ان‌ يتخذ الطاغوت‌القرار بالنيابة‌ عنهم‌ ولهم‌.

ولقد واجه‌ الحسين‌(ع) واقعاً اجتماعياً وسياسياً سيّئاً من‌ مثل‌ هذاالواقع‌، تمكن‌ فيه‌ بنو اُمية‌ من‌ مسخ‌ شخصية‌ الاُمة‌ مسخاً كاملاً، ومصادرة‌قيمها وقدراتها ووعيها واءرادتها. واسوا ما كان‌ في‌ هذا المسخ‌ والتحويل‌ان‌ القدرة‌ والقوّة‌ التي‌ منحهم‌ الاءسلام‌ اءيّاها تحوّلت‌ في‌ نفوس‌ هؤلاء،وبفعل‌ بني‌ اُمية‌ الي‌ قوة‌ للقضاء علي‌ الاءسلام‌، والسيف‌ الذي‌ سلّحهم‌ به‌رسول‌ الله لقتال‌ اعداء الاءسلام‌، تحوّل‌ في‌ ايديهم‌ اءلي‌ اداة‌ لمحاربة‌ ابناءرسول‌ الله واوليائهم‌ دون‌ اعدائهم‌.

وكان‌ هذا هو جوهر المسخ‌ الحضاري‌، الذي‌ تم‌ّ علي‌ يد بني‌ اُمية‌في‌حياة‌ هذه‌ الاُمة‌.

والي‌ هذا المعني‌ يشير الاءمام‌ الحسين‌(ع) في‌ خطبته‌ الثانية‌ يوم‌عاشوراء امام‌ جمهور جيش‌ ابن‌ سعد:

«سللتم‌ علينا سيفاً لنا في‌ ايمانكم‌، وحششتم‌ علينا ناراً اقتدحناها علي‌ عدوّناوعدوّكم‌، فاصبحتم‌ الباً لاعدائكم‌ علي‌ اوليائكم‌ بغير عدل‌ افشوه‌ فيكم‌ ولا امل‌ اصبح‌لكم‌ فيهم‌».

فكيف‌ جرت‌ ـ ياتري‌ ـ هذه‌ الانتكاسة‌ الخطيرة‌ في‌ نفوس‌ هؤلاءالناس‌، حتي‌ عادت‌ سيوفهم‌ التي‌ مكّنهم‌ الاءسلام‌ منها لمحاربة‌ البغاة‌الظالمين‌ في‌ وجه‌ ابن‌ رسول‌ الله (ص)، الزكي‌ الطاهر الامين‌، ولصالح‌سلطان‌ ابن‌ معاوية‌ الفاسق‌ السكّير، الذي‌ كان‌ لا يشك‌ في‌ فجوره‌ وفسقه‌وشربه‌ وفحشه‌ احد من‌ المسلمين‌؟

وكيف‌ جرت‌ ـ ياتري‌ ـ هذه‌ الانتكاسة‌ الخطيرة‌ في‌ حياة‌ الناس‌، حتي‌تخالفت‌ قلوب‌ هؤلاء الناس‌ وسيوفهم‌، كما قال‌ الفرزدق‌ الشاعر؛للحسين‌(ع): (اءن‌ قلوبهم‌ معك‌ وسيوفهم‌ عليك‌)؟ ثم‌ توافقت‌ قلوبهم‌وسيوفهم‌ علي‌ ابن‌ رسول‌ الله، واهل‌ بيته‌ واصحابه‌ المقيمين‌ للصلاة‌،والا´مرين‌ بالمعروف‌ والناهين‌ عن‌ المنكر.

وكيف‌ تحوّلت‌ هذه‌ القوة‌ التي‌ منحهم‌ الاءسلام‌ اءيّاها، والمركزية‌والسيادة‌، والموقع‌ الممتاز الذي‌ اكتسبوه‌ بالاءسلام‌، الي‌ قوة‌ ضاربة‌ لصالح‌اعدائهم‌ ضد اوليائهم‌؟

فقد جعل‌ منهم‌ الاءسلام‌ قوة‌ كبري‌ بين‌ الاُمم‌، ومنحهم‌ موقعاً ممتازاًعلي‌ وجه‌ الارض‌، واخرجهم‌ من‌ دائرة‌ الخمول‌، وسلّط‌ عليهم‌ الضوء.ولكن‌ لست‌ ادري‌ ماذا حل‌ّ بهذه‌ الاُمة‌ من‌ سوء حتي‌ تحوّلت‌ هذه‌ القوة‌والمركزية‌، كلها لصالح‌ اعدائهم‌ علي‌ اوليائهم‌؟ وعاد من‌ جديد اُولئك‌الذين‌ كانوا يحاربون‌ هذا الدين‌ الي‌ مراكزهم‌ القيادية‌ في‌ المجتمع‌،مستفيدين‌ من‌ كل‌ هذه‌ القوة‌، والمركزية‌ والنفوذ، والسلطان‌، الذي‌ جاء به‌الاءسلام‌، واصبح‌ دعاة‌ هذا الدين‌ وقادته‌، الذين‌ حملوا هذا الدين‌ في‌موضع‌ الاتهام‌ والمحاربة‌ من‌ قبل‌ الاُمة‌، تقاتلهم‌ بالسيف‌ الذي‌وضعه‌الاءسلام‌ في‌ ايديهم‌.

وما اروع‌ تعبير الاءمام‌ واصدقه‌ بهذا الصدد «سللتم‌ علينا سيفاً لنا في‌ايمانكم‌!».

وذلك‌ كلّه‌ من‌ غير ان‌ ينقلب‌ هؤلاء الذين‌ كانوا يحاربون‌ الاءسلام‌ في‌الامس‌ القريب‌، عن‌ مواقعهم‌ العدائية‌ من‌ الاءسلام‌ ومن‌ هذه‌ الاُمة‌. فلا زالوايحملون‌ بين‌ جنبيهم‌ روح‌ الجاهلية‌، ويمارسون‌ اخلاقها وعاداتهاويعملون‌ علي‌ استئصال‌ القيم‌ الاءسلامية‌، في‌ هذه‌ الاُمة‌ الناشئة‌، ونشر الظلم‌والرعب‌ والفساد في‌ اوساطها «بغير عدل‌ افشوه‌ فيكم‌، ولا امل‌ اصبح‌ لكم‌فيهم‌».

وكانت‌ هذه‌ الاُمة‌ في‌ جاهليتها ضعيفة‌، خاملة‌ الذكر، منسيّة‌، راكدة‌، لاتكاد تجد في‌ حياتها حركة‌ او عزماً او قوّة‌ علي‌ المواجهة‌، فاستثار الاءسلام‌كوامن‌ الحركة‌، والقوة‌، والعزم‌، والانطلاق‌ والبناء في‌نفوس‌ هؤلاء الناس‌،واستخرج‌ الاءسلام‌ كنوز القدرة‌ والحركة‌والثورة‌ في‌ نفوسهم‌.

وتحوّلت‌ هذه‌ الاُمة‌ الراكدة‌ الي‌ حركة‌ حضارية‌ علي‌ وجه‌ الارض‌ في‌التاريخ‌، تحرق‌ الجبابرة‌ والطغاة‌، ولكن‌ ما اسرع‌ ما انتكست‌ هذه‌ الاُمة‌؛فتحوّلت‌ هذه‌ الحركة‌، والقوة‌، والانطلاقة‌ التي‌ استثارها الاءسلام‌ باتّجاه‌عكسي‌ تماماً، للقضاء علي‌ حَمَلة‌ هذا الدين‌، ودعاته‌، واوليائه‌، ولصالح‌الطبقة‌ المترفة‌ التي‌ كانت‌ تحارب‌ هذا الدين‌ بالامس‌ القريب‌، وتحمل‌حتي‌ اليوم‌، معها الي‌ الاءسلام‌ رواسب‌ الجاهلية‌، وافكارها، وعاداتها،وسلوكها!

«وحششتم‌ علينا ناراً اقتـدحناها علي‌ عدوّنا وعدوّكم‌».

ولا نعرف‌ فيما يصيب‌ الاُمم‌ من‌ الما´سي‌، ماساة‌ ا´لم‌ وافجع‌ من‌ ان‌ينقلب‌ الاءنسان‌ علي‌ نفسه‌؛ فيؤثر ضرّه‌ علي‌ نفعه‌، وفساده‌ علي‌ صلاحه‌،ويحارب‌ اولياءه‌ ويتحبّب‌ الي‌ اعدائه‌.

ولقد اصاب‌ المسلمين‌ في‌ هذه‌ الفترة‌ ماساة‌ من‌ مثل‌ هذه‌ الماساة‌.

والاءمام‌ يعبّر عن‌ المه‌ العميق‌ بهذه‌ الكلمة‌ المشجية‌:

«وَيْحَكم‌! اهؤلاء تعضدون‌، وعنّا تتخاذلون‌؟»

اءنّنا لا نشك‌ في‌ ان‌ الاُمة‌ قد تعرّضت‌ في‌ هذه‌ الفترة‌ لردّة‌ٍ حضارية‌عجيبة‌، من‌ قبيل‌ ما يقول‌ تعالي‌: (أَفَاءن‌ مَّات‌َ أَوْ قُتِل‌َ انقَلَبْتُم‌ْ عَلَي‌' أَعْقَابِكُم‌ْ).

وا´ية‌ هذه‌ الردّة‌ الحضارية‌ التي‌ تنتكس‌ فيها الاُمة‌ هو ان‌ يتحول‌الاولياء في‌ حياة‌ الاُمة‌ الي‌ موضع‌ الاعداء، ويتحوّل‌ الاعداء الي‌ موضع‌الاولياء.

وعندما يتبادل‌ هذان‌ القطبان‌: (الولاية‌ والبراءة‌) في‌حياة‌ الناس‌مواضعهما، وياخذ كل‌ منهما موضع‌ الا´خر، فاءن‌ هذه‌ الاُمة‌ تواجه‌ امراًيختلف‌ عن‌ اي‌ امر ا´خر، وهذا الامر هو الانقلاب‌ الحضاري‌ الشامل‌ (اوالردّة‌ الحضارية‌ اءذا كان‌ هذا الانقلاب‌ باتّجاه‌ رجعي‌).

والاُمة‌ في‌ هذه‌ تتنكر لنفسها وتنقلب‌ عمّا هي‌ عليه‌ الي‌ شي‌ء ا´خر؛فاءن‌ هوية‌ الاُمة‌ وشخصيتها بالولاء والبراءة‌، وعندما يتحول‌ الولاء الي‌موضع‌ البراءة‌ والبراءة‌ الي‌ موضع‌ الولاء؛ فاءن‌ هذه‌ الاُمة‌ تواجه‌ حالة‌انتكاسة‌ خطيرة‌.

وهذا هو ما يشير اءليه‌ الاءمام‌ في‌ خطابه‌ لجيش‌ بني‌ اُمية‌ يوم‌ عاشوراء:«فاصبحتم‌ الباً لاعدائكم‌ علي‌ اوليائكم‌».

وهذه‌ الحالة‌ التي‌ يصح‌ ان‌ نعبّر عنها بان‌ّ الاءنسان‌ يتنكّر فيها لنفسه‌، اويعادي‌ نفسه‌. فاءن‌ الاءنسان‌ عندما يتودّد الي‌ عدوّه‌، ويساعده‌ ويعينه‌ فاءنمايعينه‌ علي‌ نفسه‌، ولا يمكن‌ ان‌ يقدم‌ الاءنسان‌ علي‌ مثل‌ ذلك‌، اءلا اءذا تنكّرلنفسه‌ ونسي‌ نفسه‌.

والتعبير القرا´ني‌ بهذا الصدد دقيق‌ ومعبّر:

(وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِين‌َ نَسُوا اللَّه‌َ فَأَنسَاهُم‌ْ أَنفُسَهُم‌ْ).

اءن‌ّ الذي‌ ينسي‌ الله يُنسيه‌ نفسه‌، والذي‌ يتنكّر لله ينكر الله نفسه‌ عليه‌.

والاءنسان‌ في‌ هذه‌ الحالة‌، من‌ السقوط‌ والتردّي‌، اءنّما يخسر نفسه‌،وشر انواع‌ الخسارة‌ ان‌ يخسر الاءنسان‌ نفسه‌. فاءذا خسر الاءنسان‌ نفسه‌ يفقدكل‌ راس‌ ماله‌، ولا يبقي‌ له‌ شي‌ء بعد ذلك‌ يرجو منه‌ خيراً.

يقول‌ تعالي‌: ( وَمَن‌ خَفَّت‌ْ مَوَازِينُه‌ُ فَأوْلَئك‌َ الَّذِين‌َ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم‌ بِمَا كَانُواْبِـَا´يَاتِنَا يَظْلِمُون‌َ).

ويقول‌ عزّ شانه‌: (قُل‌ْ اءِن‌َّ الْخَاسِرِين‌َ الَّذِين‌َ خَسِرُوا أَنفُسَهُم‌ْ وَأَهْلِيهِم‌ْ يَوْم‌َالْقِيَامَة‌ِ).

وخسارة‌ النفس‌ تختلف‌ عن‌ ايّة‌ خسارة‌ اُخري‌، فاءن‌ الربح‌ والخسارة‌هما الزيادة‌ والنقصان‌ فيما يملك‌ الاءنسان‌ مع‌ بقاء المحور: (الانا). فكلمايكتسب‌ الاءنسان‌ من‌ فائدة‌ مادية‌ او معنوية‌ يدخل‌ في‌ حساب‌ (الربح‌)،وكلما يفقد الاءنسان‌ من‌ المواهب‌ المادية‌ والمعنوية‌ التي‌ ا´تاه‌ الله تعالي‌يدخل‌ في‌ حساب‌ (الخسارة‌)، وتزيد الخسارة‌ كلما تهبط‌ درجة‌ الخسارة‌اكثر تحت‌ الصفر.

ولكن‌ في‌هذه‌ الاحوال‌ جميعاً يحتفظ‌ الاءنسان‌ بـ (الانا) الذي‌ هوالمحور الذي‌ تدور حوله‌ الارباح‌ والخسائر.

فاءذا خسر الاءنسان‌ هذا المحور اي‌: خسر نفسه‌، لا ما يملك‌ من‌مواهب‌ مادية‌ ومعنوية‌، وسقط‌ هذا المحور كان‌ هو الخسران‌ الاكبر، الذي‌لا تشبهه‌ خسارة‌ اُخري‌.

والي‌ هذا المعني‌ من‌ الخسارة‌ يشير القرا´ن‌ الكريم‌ بكلمة‌ (وخَسِرُواأَنفُسَهُم‌ْ) في‌ اكثر من‌ ا´ية‌ ونلتقي‌ في‌ القرا´ن‌ تعبيراً ا´خر عن‌ هؤلاء الناس‌الذين‌ يخسرون‌ انفسهم‌ في‌ الحياة‌ الدنيا وهو (ظلم‌ النفس‌).

وقد يستغرب‌ الاءنسان‌ من‌ هذه‌ الكلمة‌، فهل‌ يمكن‌ ان‌ يعادي‌ الاءنسان‌نفسه‌ ويظلمها ويعتدي‌ عليها؟ يجيب‌ القرا´ن‌ علي‌ هذا السؤال‌ بالاءيجاب‌:

(وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـ'كِن‌ كَانُوا أَنفُسَهُم‌ْ يَظْلِمُون‌َ).

والذين‌ يعاقبهم‌ الله بظلمهم‌، لم‌ يظلمهم‌ الله، واءنّما كانوا هم‌ الذين‌اقدموا علي‌ ظلم‌ انفسهم‌: (وَمَا ظَلَمْناهُم‌ْ وَلَـ'كِن‌ كَانُوا أَنفُسَهُم‌ْ يَظْلِمُون‌َ).

واخيراً اءن‌ ما´ل‌ الخير والشر هو النفس‌، واءن‌ّ الذي‌ يهتدي‌ فاءنمايهتدي‌ لنفسه‌، والذي‌ يضل‌ّ فاءنّما يضل‌ّ علي‌ نفسه‌.

(فَمَن‌ِ اهْتَدَي‌' فَاءِنَّمَا يَهْتَدِي‌ لِنَفْسِه‌ِ وَمَن‌ ضَل‌َّ فَاءِنَّمَا يَضِل‌ُّ عَلَيْهَا).

اي‌ يستقرّ الضلال‌ والغي‌ّ علي‌ نفسه‌، هؤلاء يضلّون‌ علي‌ انفسهم‌،ويضل‌ّ سعيهم‌ وعملهم‌ وتحركهم‌.

ذلك‌ هو الخسارة‌ والضياع‌ الكبير: ان‌ يضل‌ّ الاءنسان‌ علي‌ نفسه‌،ويضل‌ّ سعيه‌ وعمله‌: (الَّذِين‌َ ضَل‌َّ سَعْيُهُم‌ْ فِي‌ الْحَياة‌ِ الدُّنْيَا).

(وَالَّذِين‌َ كَفَرُواْ فَتَعْسًا لَّهُم‌ْ وَأَضَل‌َّ أَعْمَالَهُم‌).

فاءن‌ الاءنسان‌ اءذا تنكّر لنفسه‌ وظلمها وعاداها خسرها، وعندما يخسرالاءنسان‌ نفسه‌ يضل‌ّ سعيه‌ وعمله‌، ويذهب‌ هباءً كل‌ جهدٍ وعمل‌ٍ له‌.

والي‌ هذه‌ الخسارة‌ يشير الاءمام‌ الحسين‌(ع) في‌خطابه‌ الذي‌ وجّهه‌ الي‌اصحاب‌ الحرّ في‌ منزل‌ البيضة‌:

«فانا الحسين‌ بن‌ علي‌واُمي‌ فاطمة‌ بنت‌ رسول‌ الله، نفسي‌ مع‌ انفسكم‌، واهلي‌ مع‌اهلكم‌، ولكم‌ في‌َّ اُسوة‌... واءن‌ لم‌ تفعلوا ونقضتم‌ عهدكم‌ وخلعتم‌ بيعتي‌ من‌ اعناقكم‌فحظّكم‌ اخطاتم‌ ونصيبكم‌ ضيّعتم‌، ومن‌ نكث‌ فاءنما ينكث‌ علي‌ نفسه‌ وسيغني‌اللهعنكم‌».

اءن‌ّ هذه‌ الظاهرة‌ من‌ اغرب‌ ما يلتقيه‌ الاءنسان‌ من‌ ظواهر غريبة‌ في‌حياته‌ علي‌ ظهر الارض‌ .

اءن‌ّ الاءنسان‌ بهذا التحوّل‌ الذي‌ يشرح‌ خطواته‌ ومراحله‌القرا´ن‌ الكريم‌يظلم‌ نفسه‌، ويتنكر لها، فيخسرها، ويعود شيئاً ا´خر يختلف‌ اختلافاً كلياًعمّا كان‌ عليه‌، يمشي‌ ويتحرّك‌ بين‌ الناس‌، ولكن‌ من‌ دون‌ اءرادة‌ ووعي‌،بل‌ بما يُملي‌ عليه‌ ويراد منه‌.

يتحرك‌ لا باءرادته‌، واءنما باءرادة‌ الطاغوت‌ الذي‌ يستعبده‌ ويحرّكه‌، لابالاتجاه‌ الذي‌ ينفعه‌ ويخدمه‌، واءنما بالاتجاه‌ الذي‌ يخدم‌ عدوّه‌.

هؤلاء هم‌ الذين‌ تنتكس‌ قلوبهم‌ ويختم‌ الله عليها، وصدق‌ الله تعالي‌:

(وَنُقَلِّب‌ُ أَفئدَتَهُم‌ْ).

(خَتَم‌َ اللَّه‌ُ عَلَي‌' قُلُوبِهِم‌ْ).

ولن‌ تعود لهم‌ اءرادة‌، ووعي‌، وفهم‌، ونور يتحركون‌ به‌ في‌ الناس‌.

وعندما يفقد الاءنسان‌ الوعي‌، والنور، والاءرادة‌، والعزم‌ في‌ حياته‌ينقلب‌ الي‌ اداة‌ طيّعة‌ وسهلة‌ بيد الطاغوت‌، يستخدمه‌ في‌ تحقيق‌ اطماعه‌بالشكل‌ الذي‌ يريد، ويوجّهه‌ الي‌ ضرب‌ اوليائه‌ باعدائه‌، وهذا التحول‌العجيب‌ في‌حياة‌ الناس‌ هو الذي‌ حدث‌ في‌هذه‌ الفترة‌ من‌ التاريخ‌ علي‌ يدحكّام‌ بني‌ اُمية‌ في‌ هذه‌ الاُمة‌ وواجهه‌ الحسين‌(ع) بمرارة‌ والم‌.

لقد جري‌ ـ بالتاكيد ـ تحوّل‌ خطير في‌ نفوس‌ هؤلاء الناس‌؛ حتي‌ عاداسفلهم‌ اعلاهم‌، واعلاهم‌ اسفلهم‌، في‌ انتكاسة‌ رهيبة‌ يقل‌ نظيرها في‌التاريخ‌، حتي‌ يخرج‌ ثلاثون‌ الفاً منهم‌ او اكثر من‌ الكوفة‌ عاصمة‌ اميرالمؤمنين‌ لمحاربة‌ سيد شباب‌ اهل‌ الجنة‌، وابن‌ رسول‌ الله(ص)، ونجل‌ اميرالمؤمنين‌(ع).

والتفسير الوحيد الذي‌ يستطيع‌ ان‌ يفسر لنا سر هذه‌ الانتكاسة‌والمسخ‌ الحضاري‌ في‌ شخصية‌ الاُمة‌ ـ او طائفة‌ كبيرة‌ من‌ الاُمة‌ علي‌ اقل‌التقادير ـ، يكمن‌ في‌ الجهد البليغ‌ الذي‌ بذله‌ بنو اُمية‌ في‌ اءرهاب‌ الناس‌واءفسادهم‌ لغرض‌ سيطرتهم‌ علي‌ المسلمين‌، ومسخ‌ معالم‌ شخصيتهم‌؛حتي‌ عادت‌ ضمائرهم‌ واءدراكاتهم‌ واءراداتهم‌ في‌ قبضة‌ بني‌ اُمية‌،يتحكّمون‌ فيها بالطريقة‌ التي‌ تعجبهم‌، وتخدم‌ اهدافهم‌.

وكان‌ لابدّ من‌ هزة‌ قوية‌ عنيفة‌ لضمير الاُمة‌ تعيد اءليها وعيها،واءرادتها، وقيمها، وتشعرها بعمق‌ الكارثة‌ التي‌ حلّت‌ بها، وتبعث‌ الندم‌في‌ نفوسهم‌، وحتي‌ لو لم‌ تكن‌ هذه‌ الهزة‌ تنفع‌ هذاالجيل‌، فقدكانت‌ تعتبرضرورة‌ من‌ ضرورات‌ المرحلة‌ لاءنقاذ الجيل‌ الذي‌ ياتي‌ من‌ بعد هذاالجيل‌؛ لئلا يسري‌ اءليه‌ هذا الانحطاط‌ الحضاري‌ الذي‌ لزم‌ هذا الجيل‌.

وكانت‌ تضحية‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) وتحرّكه‌ الماساوي‌ يكوّن‌ في‌وجدان‌ الاُمة‌ هذه‌ الهزة‌ العميقة‌، كالتي‌ كانت‌ تتطلبها ضرورات‌ الساحة‌والحالة‌ الاجتماعية‌.

لقد نبّهت‌ شهادة‌ الحسين‌ واهل‌ بيته‌ واصحابه‌ بالطريقة‌ المفجعة‌ التي‌تمّت‌ بها ضمائر المسلمين‌، واشعرتهم‌ بالندم‌، ومكّنتهم‌ من‌ ان‌ يستعيدواوعيهم‌ واءرادتهم‌ من‌ جديد، فيفكّروا ويقرّروا مصيرهم‌ بانفسهم‌.

لقد شعروا ـ بعد الانتباه‌ ـ بالكابوس‌ الرهيب‌ الذي‌ كان‌ يلقي‌ بثقله‌علي‌ صدورهم‌، وقلوبهم‌، وعقولهم‌، وعادت‌ اءليهم‌ اءرادتهم‌ وحريتهم‌ووعيهم‌.

فقد هزّت‌ تضحية‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) ضمائر المسلمين‌، هزة‌ عنيفة‌،واشعرتهم‌ بفداحة‌ الاءثم‌، وضخامة‌ الجريمة‌، وعمق‌ الردّة‌ والانتكاسة‌ في‌نفوسهم‌ وحياتهم‌؛ فكانت‌ هذه‌ التضحية‌ الماساوية‌ مبدا ومنطلقاًلحركات‌ كثيرة‌ في‌ التاريخ‌ الاءسلامي‌، ومصدراً كبيراً للتحريك‌ في‌ التاريخ‌الاءسلامي‌.

2 ـ سلب‌ الشرعية‌ من‌ النظام‌:

رغم‌ فداحة‌ الخسائر التي‌ لحقت‌ بالمسلمين‌ والانحراف‌ والانحطاط‌الذي‌ لزمهم‌ في‌ هذه‌ الفترة‌ من‌ حكم‌ بني‌ اُمية‌، فقد كان‌ هناك‌ خطر اكبربكثير من‌ كل‌ ذلك‌ يلحق‌ الاءسلام‌ مباشرة‌ وليس‌ المسلمين‌ فقط‌، وهو ان‌ينسحب‌ هذا الانحراف‌ علي‌ الاءسلام‌ نفسه‌، ويتعرض‌ الاءسلام‌ لما تعرض‌له‌ المسلمون‌ من‌ تحريف‌.

وذلك‌ ان‌ هذا الانحراف‌ كان‌ ينحدر من‌ موقع‌ الخلافة‌ الاءسلامية‌، التي‌كانت‌ تمتلك‌ في‌ نفوس‌ المسلمين‌ رصيداً كبيراً من‌ الشرعية‌ والقدسية‌،وقد كان‌ بنواُمية‌ يعتمدون‌ كثيراً عنصر الشريعة‌ في‌ موقعهم‌ السياسي‌والاجتماعي‌، وكانوا يوحون‌ الي‌ الناس‌ بطريق‌ او ا´خر ان‌ موقع‌ الخلافة‌اقوي‌ من‌ موقع‌ الرسالة‌، فيقول‌ قائلهم‌: (اءن‌ّ خليفة‌ احدكم‌ افضل‌ من‌رسول‌الله).

وكانوا يرون‌ في‌ هذا الموقع‌ اداة‌ً لتنفيذ طموحاتهم‌ ورغباتهم‌، بايسرالطرق‌، واسهلها؛ فلذلك‌ داب‌ معاوية‌ علي‌ تحكيم‌ هذا الموقع‌ الشرعي‌لنفسه‌ ولابنه‌ يزيد من‌ بعده‌.

وكان‌ هذا الموقع‌ الشرعي‌ الذي‌ حرص‌ عليه‌ حكّام‌ بني‌ اُمية‌ يكوّن‌اكبر الاخطار التي‌ تلحق‌ الاءسلام‌ من‌ جانب‌ حكومة‌ بني‌ اُمية‌، فقد كان‌الانحراف‌ ينحدر الي‌ الناس‌ من‌ قصور الخلفاء في‌ اءطار من‌الشرعية‌.

وكان‌ هناك‌ في‌ قصور الخلفاء من‌ يبرّر ويوجّه‌ هذا الانحراف‌،ويعطيه‌ الصبغة‌ الشرعية‌ من‌ علماء البلاط‌، وبالتالي‌ كان‌ هذا الانحراف‌ينعكس‌ وينسحب‌ علي‌ الاءسلام‌، ويفقد الاءسلام‌ اصالته‌ ونقاءه‌ علي‌ اوسع‌صعيد وهو وسط‌ الاُمة‌.

وقد حرص‌ الاءمام‌(ع) في‌ حركته‌ علي‌ كسر هذا الاءطار الشرعي‌، الذي‌كان‌ يحتمي‌ به‌ حكام‌ بني‌ اُمية‌، وسلب‌ صفة‌ الشرعية‌ من‌ حكومة‌ بني‌اُمية‌،وتجريدها عن‌ القدسية‌ والشرعية‌ التي‌ كان‌ يحرص‌ عليها بنواُمية‌ كل‌الحرص‌، وبالتالي‌ تفويت‌ الفرصة‌ علي‌ الحكم‌ الاُموي‌ في‌ تحريف‌الاءسلام‌.

وقد كان‌ الاءمام‌ يجهر بهذه‌ الحقيقة‌ اءجهاراً، ويعلن‌ عن‌ رايه‌ في‌ يزيد،وعدم‌ اهليّته‌ للخلافة‌، وينال‌ منه‌ كلّما واتته‌ فرصة‌.

وقد اعلن‌ رايه‌ هذا في‌ يزيد عندما دعاه‌ الوليد بن‌ عتبة‌ للبيعة‌،ومروان‌ حاضر، قال‌(ع) له‌ بعد كلام‌ طويل‌، وهو يريد ان‌ يسمع‌ مروان‌رايه‌ في‌ يزيد وموقفه‌ من‌ البيعة‌:

«ايّها الامير اءنّا اهل‌ بيت‌ النبوّة‌ ومعدن‌ الرسالة‌ ومختلف‌ الملائكة‌، ومهبط‌الرحمة‌، بنا فتح‌ الله، وبنا ختم‌، ويزيد رجل‌ فاسق‌، شارب‌ خمر، قاتل‌ نفس‌، معلن‌بالفسق‌، فمثلي‌ لا يبايع‌ مثله‌».

وقد كان‌ لخروج‌ الاءمام‌ علي‌ يزيد، ومحاربته‌ لجيش‌ ابن‌ زياد بعدرفض‌ البيعة‌ ليزيد، واستشهاده‌ هو واهل‌ بيته‌ واصحابه‌ بتلك‌ الصورة‌المفجعة‌ علي‌ يد جيش‌ الخلافة‌؛ كان‌ لذلك‌ كله‌ اثر كبير في‌ اسقاط‌ شرعية‌الخلافة‌، وتجريدها عن‌ الشرعية‌ والقدسية‌ التي‌ كانت‌ الخلافة‌ تتمتع‌ بها.

لقد اثار استشهاد الاءمام‌الحسين‌، بالصورة‌ المفجعة‌ التي‌ حدثت‌ في‌كربلاء مشاعر المسلمين‌ جميعاً، (من‌ الجيل‌ الذي‌ تعقّب‌ جيل‌ القتلة‌ في‌كربلاء)، وفي‌ جيل‌ القتلة‌ علي‌ صعيد واسع‌، واستشعروا جسامة‌ الجريمة‌وبشاعتها في‌ وجدانهم‌ وضمائرهم‌، ونقموا علي‌ يزيد، ومن‌ لحقه‌ من‌خلفاء بني‌ اُمية‌ الذين‌ خلّفوا يزيد علي‌ السلطان‌ والحكم‌. وسقطت‌ القيمة‌الشرعية‌ للخلافة‌، ولم‌ تعد الخلافة‌ تكوّن‌ موقعاً شرعياً، يمتلك‌ رصيداً من‌الشرعية‌ والقدسية‌ في‌ نفوس‌ المسلمين‌.

وكيف‌ يمكن‌ ان‌ يتمتع‌ هذا الموقع‌ الرسمي‌ بنفس‌ القدسية‌والشرعية‌ وقد تلوّث‌ اصحابه‌ بهذه‌ الجريمة‌ النكراء التي‌ يقل‌ نظيرها في‌التاريخ‌؛ حيث‌ اقدموا علي‌ قتل‌ ابن‌ رسول‌ الله، وسيد شباب‌ اهل‌ الجنة‌،والكوكبة‌ المؤمنة‌ الصالحة‌ من‌ اهل‌ بيته‌ واصحابه‌ المقيمين‌ للصلاة‌،والا´مرين‌ بالمعروف‌ والناهين‌ عن‌ المنكر؟

ولا يمكن‌ ان‌ يشك‌ احد في‌ ان‌ هذه‌ الجريمة‌ التي‌ اقترفها جهازالخلافة‌ الاُموية‌ في‌ عهد يزيد في‌ العراق‌ تركت‌ اثراً عميقاً في‌ ضمائرالمسلمين‌ جميعاً (اءن‌ لم‌ يكن‌ في‌ نفس‌ الجيل‌، ففي‌ الجيل‌ الذي‌ تعقّب‌ هذاالجيل‌ مباشرة‌)، واسقطت‌ مكانة‌ الخلافة‌ الاُموية‌ في‌ نفوس‌ المسلمين‌،وعادت‌ الخلافة‌ الاُموية‌ موقعاً سلطوياً يمتلكه‌ الاقوي‌، كما في‌ سائرالمواقع‌ التي‌ يمتلكها اصحاب‌ السلطة‌ في‌دنيا الناس‌.

وعلاقة‌ الناس‌ بهذا الموقع‌ لم‌ تعد كما كانت‌ علاقة‌ دينية‌ خالصة‌ نابعة‌من‌ اءيمان‌ الناس‌ بشرعية‌ هذا الموقع‌.

ولذلك‌ فلم‌ يعد للانحرافات‌ التي‌ يرتكبها جهاز الخلافة‌ الاُموية‌ تاثيرتحريفي‌ علي‌ الاءسلام‌.

وسلم‌ الاءسلام‌ من‌ تحريفات‌ الحكّام‌ بنسبة‌ كبيرة‌، واصبح‌ المسلمون‌بعد هذا التاريخ‌ يرجعون‌ في‌ اُمور دينهم‌ الي‌ طبقة‌ اُخري‌ غير طبقة‌الحكّام‌، الذين‌ يُرجع‌ اءليهم‌ في‌ اُمور دنياهم‌ بحكم‌ الضرورة‌ والاضطرار.

ومن‌ هذا التاريخ‌ بدا يتكوّن‌ في‌ المجتمع‌ خط‌ ا´خرغير خط‌ الخلافة‌،وهوخط‌ الفقهاء والعلماء الذين‌ يضع‌ المسلمون‌ ثقتهم‌ الدينية‌ فيهم‌،وبقدر ما كان‌ يبتعد هؤلاء الفقهاء والعلماء عن‌ الحكّام‌ والسلاطين‌ كانت‌تزداد ثقة‌ المسلمين‌ بهم‌.

والذي‌ يواكب‌ قراءة‌ التاريخ‌ الاءسلامي‌ يجد فارقاً نوعياً واضحاً في‌موقع‌ الخلافة‌ قبل‌ موقعة‌ الطف‌ وبعدها، وجوهر هذا الفرق‌ هو افتقادالخلافة‌ بعد معركة‌ كربلاء للصيغة‌ الشرعية‌ والاءطار الديني‌ الذي‌ كانت‌تمتلكه‌ من‌ قبل‌.

وبهذه‌ الطريقة‌ نستطيع‌ ان‌ نفهم‌ كيف‌ ان‌ قيام‌ الاءمام‌ الحسن‌(ع)بالحرب‌ كان‌ يؤدي‌ الي‌ نتائج‌ معاكسة‌ تماماً لما ادّي‌ اءليه‌ قيام‌ الاءمام‌الحسين‌(ع).

فقد ذكرنا ان‌ مواصلة‌ الاءمام‌ الحسن‌ للحرب‌ كان‌ يؤدي‌ الي‌ انتصارعسكري‌ ساحق‌ في‌ جيش‌ بني‌ اُمية‌، واءثارة‌ نقمة‌ بني‌ اُمية‌ علي‌ شيعة‌اهل‌البيت‌، ويحملهم‌ علي‌ القيام‌ بتصفية‌ واسعة‌ في‌ صفوف‌ الشيعة‌ واءنهاءالبقية‌ الباقية‌ من‌ هذا الخط‌ الاءسلامي‌، الذي‌ استعصي‌ علي‌ عوامل‌الانحراف‌ والخضوع‌ لسلطان‌ بني‌ اُمية‌.

امّا قيام‌ الحسين‌(ع) فقد كان‌ له‌ اثر معكوس‌ تماماً؛ فقد اثار سخط‌المسلمين‌ ضد سلطان‌ بني‌ اُمية‌ ودفع‌ الناس‌ للخروج‌ علي‌ سلطان‌ بني‌ اُمية‌،ووسّع‌ دائرة‌ المعارضة‌.

وذلك‌ لاختلاف‌ طبيعة‌ ظروف‌ الاءمام‌ الحسن‌ عن‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع)،واختلاف‌ نوع‌ وطبيعة‌ قتال‌ الاءمام‌ الحسن‌ عن‌ قتال‌ الاءمام‌ الحسين‌.

فقد كان‌ الاءمام‌ الحسن‌ في‌ مواجهة‌ عسكرية‌ مع‌ معاوية‌، وقد تخلّي‌عنه‌ اكثر جيشه‌، ولم‌ يبق‌ معه‌ اءلاّ شيعته‌ الذين‌ كانوا يعدون‌ جزءاً ضئيلاً من‌جيش‌ العراق‌، وكانت‌ نتيجة‌ هذا القتال‌ هزيمة‌ عسكرية‌، تتيح‌ الفرصة‌لمعاوية‌ للقضاء علي‌ البقية‌ الباقية‌ من‌ شيعة‌ الاءمام‌.

بينما كان‌ قتال‌ الحسين‌(ع) ليزيد (خروجاً) وليس‌ (مواجهة‌عسكرية‌)، تستهدف‌ اءسقاط‌ النظام‌، وكان‌ كل‌ شي‌ء من‌ اوضاع‌ العراق‌والشام‌ يؤكد هذا المعني‌، ولم‌ يكن‌ يفكّر الحسين‌ ان‌ باءمكان‌ العراق‌ ان‌يقاوم‌ الشام‌، ولا ان‌ يصفو له‌ العراق‌، ولا ان‌ يقاوم‌ اهل‌ العراق‌ اءرهاب‌بني‌اُمية‌ واءغراءهم‌، فما كانوا ليصفو في‌ احسن‌ الاحوال‌ للاءمام‌ من‌ العراق‌غير قلّة‌ قليلة‌ من‌ شيعته‌ يخرج‌ بهم‌ علي‌ يزيد.

اءذن‌ لم‌ يكن‌ الاءمام‌ يطلب‌ فتحاً عسكرياً، واءنما كان‌ يطلب‌ في‌خروجه‌ تحريك‌ ضمائر المسلمين‌، واءثارة‌ الضمائر والنفوس‌ والعواطف‌والعقول‌ بقوة‌ بفعل‌ الماساة‌ المفجعة‌، التي‌واجهها الحسين‌(ع) علي‌ يدجيش‌ بني‌اُمية‌ في‌ كربلاء. وكانت‌ غاية‌ الاءمام‌ الحسين‌ في‌هذه‌ الماساة‌الدامية‌ والمفجعة‌ هي‌ تحريك‌ المسلمين‌ ضد سلطان‌ بني‌ اُمية‌، والنيل‌ من‌شرعية‌ جهاز الخلافة‌ الاُموية‌، وعزلهم‌ سياسياً واجتماعياً في‌ اوساط‌ العالم‌الاءسلامي‌، سيما في‌ الحجاز والعراق‌ اللذين‌ كانا يعتبران‌ حينذاك‌ قلب‌العالم‌ الاءسلامي‌، وتجريدهم‌ من‌ الشرعية‌ التي‌ كانوا يحرصون‌ عليها كثيراًكل‌ ذلك‌ يتم‌ّ نتيجة‌ اختلاف‌ موقع‌ الاءمامين‌، وظروفهما واختلاف‌ ظرف‌معاوية‌ من‌ يزيد.

فلم‌ يكن‌ معاوية‌ قد اسقط‌ الاقنعة‌ كلها عن‌ وجهه‌ كما اسقطها يزيد،ولم‌ يكن‌ معاوية‌ قد كشف‌ عن‌ سرّه‌ ونيّته‌، واسفر عن‌ وجهه‌ كمافعل‌يزيد.

وبالتالي‌ فقد كان‌ تحريك‌ المسلمين‌ ضد سلطان‌ بني‌ اُمية‌، ومحاولة‌النيل‌ من‌ شرعية‌ الخلافة‌ الاُموية‌ في‌ عهد يزيد امراً ممكناً، وبالطريقة‌ التي‌اقدم‌ عليها الحسين‌(ع)، بينما لم‌ تكن‌ هذه‌ الظروف‌ متوفّرة‌ للاءمام‌الحسن‌(ع) في‌ الصورة‌ التي‌ توفّرت‌ في‌ عهد يزيد.

المجمع‌ العالمي‌ لاهل‌ البيت‌: قم‌ المقدسة‌

/ 1