المرأة في الاسلام تحت ظلال السيرة النبوية والعلوية والتأويل الأموي العباسي
الدكتور صادق آئينه وند
استاذ التاريخ بجامعة
اعداد المدرسين ـ طهران
المقدمة :
ان هذه المقالة كانت محاضرة اعدَّدتُها ثم اخذت شكلها المدون وظهرت بحلتها هذه.
والموضوع المقدم في هذه المقالة بُحثَ بمرأيين حول «المرأة في الاسلام»، الأول تطرق الى موضوع «المرأة مكرَّمة» أو «المرأة وفق المرأى النبوي العلوي عليهماالسلام » والثاني «المرأة وسيلة» أو «المرأة وفق المرأى الأموي والعباسي».
جاء في مقدمة البحث أنَّ المرأى الاول نتيجة لمعرفة علماء الاسلام الشاملة، حيث يمكنهم تمييز ثمالة الرسوبات المستوحات من الثقافات الاجنبية والعقائد والمذاهب غير الاسلامية، عما جاءت به الشريعة الاسلامية السمحة من مناورات يهتدى بها في أساليب الحياة الدنيا، وبنظرة خاطفة واحدة. وكذلك بين الآداب المنسوبة للاسلام ومبادئ واصول الاسلام الشامخة وفق «المعيار والمدلول الاسلامى» أو «التاريخ الاسلامي» واستناداً الى «السيرة النبوية العلوية».
أما المرأى الثاني فقد تطرق الى نتاج ونظريات الأخصائيين الذين فقدوا البصيرة الشاملة العامة، والأخصائيين غير المسلمين الجاهليين بالمعارف الاسلامية، والعاجزين عن درك وفهم القراءات المتداولة الشائعة عن الاسهم واصوله ومبادئه وآدابه.
وفي الختام ملحق حول الدراستين.
نصُّ الدراسة :
أقدم تحياتي الى الحُضار والبُحاث والمحققين وأرباب الدراسات المحترمين.
ابتداءً ارغب الاشارة الى: الفرق بين الاخصائي بالمعارف الاسلامية الشاملة العامة، والمتخصص بعلم واحد أو قسم من علوم الدين الاسلامي.
هناك تباين بين الاخصائي بالمعارف الاسلامية الشاملة، والمتخصص بعلم واحد أو قسم من العلوم الاسلامية. ومن الممكن ان يكون المتخصص بارزاً في العلوم الدينية ولكنه غير اخصائي بالمعارف الاسلامية الشاملة. نعم من الممكن ان يكون الاخصائي بالمعارف الاسلامية متخصصاً في قسم من أقسام العلوم الدينية ايضاً.
عندما نقول «تاريخ الاسلام» من الممكن ان يتبادر الى ذهن السامع «أحد العلوم» او علم «الدراسات الاسلامية». والحقيقة ان ما يجلب النظر والاهتمام في هذا العلم هو: كيف تكوَّن ونشأ، وكيف نما وترعرع، وكيف تكامل وتطور، وما مقدار العلوم الاساسية والعلوم الاقتباسية فيه، وما هي الابتكارات والخلاقيات التي جاءت نتيجة عزم ونشاط المسلمين؟ وما مقدار وكنه ما اخذ من الحضارات المجاورة جغرافياً، او عن طريق الدراسة والمطالعة والمثابرة المعلوماتية.
من المؤكد ان من يتحلى بهذه المعلومات كاملة يعتبر اخصائي بالمعارف الاسلامية.
نعم انَّ الاخصائيين بالمعارف الاسلامية على تفاوت وبون واختلاف بالدرجات والمكانات والقدم، ولكن الاخصائي بالمعارف الاسلامية له المام كامل بهندسة هيكلية الاسلام، اما المتخصص بعلم المنطق فله المام بزاوية من زوايا الهيكل العام للاسلام ويتمكن ان يبيّن سيماءها.
بناءً على هذا نتمنى ان نؤدب ونهذب ونعدّ اخصائيين في قسم التاريخ هذا، والذي اسسناه في هذا البلد الأمين (خدمة لطلبة الحوزة والجامعة). ومن الطبيعي ان اراد الاخصائي المشار اليه معلومة حول الفقه، او الكلام، والتفسير، والحديث، والمسائل الاخرى، ان يتوجه الى المتخصص بهذه العلوم. ولهذا فان نظرتنا في «تاريخ الاسلام» نظرة كهذه. وان شاء اللّه سنقوم بانشاء وتأسيس قسماً لتاريخ الشيعة كي نقدم للمجمتمع اخصائيين بالشيعة.
اما الموضوع الآخر والذي ارغب ان احيطكم علماً به وكما سيأتي، هو منهج او خطة لم تصل خط النهاية حالياً وكل ما ارجوه هو ان تشمّروا عن سواعدكم لانجازه.
منذ البداية اذعن وأقول معترفاً انما سأقوله لا ارتباط له بالاسلام ابداً، بل هو آداب معروفة منسوبة الى المرأة، ومع الأسف، قد دخلت هذه النسبة الى النصوص الاسلامية ايضاً واشتهرت بنسبتها الى المرأة، وليس هناك من يتجرأ ويقول ان هذا لا ارتباط له بالاسلام.
هدفنا من هذا البحث هو أن نرفع الستار عن احد اركان هيكلية الموضوع، ونعرض الموضوع بطريقة تحليلية استعراضية دراسية كي يأخذ كل واحد منكم موضوعاً للدراسة والبحث في المستقبل ان شاء اللّه.
اليوم هو يوم ولادة الزهراء عليها السلام، ونتمكن في هذا اليوم ان نتكلم عن حياة الزهراء عليهاالسلام . أما العراقيل التي وضعت في المجال النسوي وباسم الاسلام فتركت للاقدار ولم يتطرق اليها ومع الأسف أي باحث او اية دراسة.
والآن نتوجه الى مرأى «المرأة وسيلة» المشار اليه فيما تقدم. نقل عن عبد الرحمن السيوطي انه قال:
«لو أنَّ رجلاً أمر امرأته أن تُنقل من جبل احمر الى جبل أسود، او من جبل اسود الى جبل أحمر كان نوّلها ان تفعل».
ثم سئل أي شيء حسن نزل في المرأة؟
جاء: «لا يرين الرجال ولا يرونهن».
ان عزل النساء وابعادهن عن النشاطات الاجتماعية وحجزهن مخالف للسيرة النبوية والسيرة العلوية. وحضور المرأة الفعال في النشاطات الاجتماعية يقتضي ويستلزم وجودها في الميدان وان وجودها في ميدان العمل يستوجب الرؤية والمشاهدة، ومن الطبيعي ان تكون المشاهدة والرؤية ملتزمة بآداب واخلاق الاسلام وطبق «السيرة النبوية الشريفة».
وروي أنَّه يجب على اي امرأة ان لا تقوم بعمل يؤدي الى غضب الزوج، والحقيقة أنَّ كل شيء بيد الرجل ومن ضمنها الطلاق. (راجع كتاب اسبال الكساء على عورات النساء، للسيوطي، طبعة مكتبة العروبة للنشر والتوزيع، الكويت، 1410هـ، الصفحة 24).
وهناك روايات في النصوص الاسلامية تقول: يجب على المرأة الا تقوم بهذه الاعمال، مثلاً: الذهاب الى الحمام حرام، وكذلك عادة الذهاب الى المقابر. وهو ما يرفع شعاره الوهابيون أمثال: يجب على المرأة الا تشارك في تشييع الجنازة. ولا تشارك في صلاة الجماعة في المساجد، وان تنزوي مسيرها ولا تسير في الشوارع، و....
وتظهر لنا النظرة الاموية والعباسية واضحة في شعر التصوف، حيث نرى فيها «ان المرأة تسلب خير وسعادة الرجل».
أما الرؤية الاخرى التي نحاول بحثها هذا اليوم هي الرؤية المجربة كما في السيرة النبوية والعلوية (أو الاسلام مثال).
نرى في هذه النظرة: ألا حواجز ولا موانع سائدة كما كان في الرؤية السابقة. يعني ان هذه الاعمال قد زاولها المسلم مذ صدر الاسلام ونتمكن السير على هديها. يعني اعتمدنا على كونها محققة مؤكدة موثوقة، ولا مانع ولا ضير من القيام بها والعمل على شاكلتها.
ان رؤيتنا تستند على السيرة، فاذا انتقشنا ما في السيرة نصل الى منطلق الا حواجز وموانع في طريق الاسلام اللاحب، في السيرة التي نؤمن بها تكون المرأة «مرأة الكرامة والعطاء» يعني أننا نمنح المرأة مقاماً ودرجة ومنزلة ومكانة ومرتبة ووجاهة وكرامة ومركزاً وبيئة ونجتهد بمصداقية كاملة اجراء ما للمرأة من مكانة في السيرة.
وفي القرآن الكريم، انَّ المرأة والرجل يكونان الحياة الدنيا، وخلق لنا اللّه من أنفسنا ازواجاً لنسكن اليها، ويسعد الرجل المرأة والمرأة الرجل في عيش رغيد هانئ، كما اشار القرآن الكريم الى ان بقاء نسل الانسان مرهون الى الالفة بين الرجل والمرأة ومن هذا يظهر الكمال.
وقد ذكر القرآن الكريم كلمة «لباس» صفة للزوجين وهذا الاصطلاح الأدبي الظريف يدل على مكانة المرأة التي بدأت بها الآية «هُنَّ لباسٌ لكم وانتم لباسٌ لهُنَّ » [البقرة/187].
في هذه الرؤى أشرنا اليها أعلاه لم نلاحظ اية حالة خاصة تقيد المرأة وتحصرها وتضيق الخناق عليها. حتى ان هناك اشارات تمنع هذه الامور. روي ان امرأة اتت الى الرسول الاكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقيل أنها كانت مبرقعةً، فأمرها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن تسفر عن وجهها. في الحقيقة ان هذا المشهد ان دلَّ على شيء فانما يدل على ان النبي الاكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أمر عملياً بحضور المرأة في الساحة الاجتماعية والصعيد السياسي، حيث نشاهد هذا الأمر عملياً وفي مشاهد مختلفة.
وقد قسمت هذا الموضوع على الشكل التالي، في عصر رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وزمن تنزيل القرآن، كانت المرأة مشاركة في الحياة الاجتماعية بمكة المكرمة والمدينة المنورة؛ وفي عصر التأويل، وواقعة الارتداد، وعصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، نرى مشاركة المرأة في الدفاع عن كيان الاسلام مشاركة فاعلة تلفت اليها الأنظار.
وفي عصر الفتنة وقتل عثمان بن عفان وفي بداية خلافة أمير المؤمنين علي عليهالسلام ، كانت المرأة حاضرة في الساحة الاجتماعية وأدت دورها بشكل ذكرها القاصي والداني، اما في عصر المحن والبلوى وشهادة سيد الشهداء الحسين عليهالسلام في واقعة كربلاء، والحوادث التي ذكرتها التواريخ كثورة زيد بن علي عليهالسلام كان للمرأة دورها المميز على الصعيدين السياسي والاجتماعي وبشكل ثوري عارم؛ ولم نجد في خلال كل هذا موانع أو حواجز وضعت في طريق المرأة، وكان كل هذا قد حصل في زمن كان فيه السراة، وأئمة الفقهاء، ووجهاء الاسلام، ورجال الدولة والعرفاء هم اصحاب الكلمة والرأي ولم يصدر أي أمر او اية فتوى تمنع حضور المرأة في كافة المجالات التي اشرنا اليها.
بناءً على هذا فنحن نعترف ونتقبل النظرة الصائبة المجربة المختبرة تاريخياً والتي تعتبر الاسلام مقياساً وطريقة ومثالاً ومبدأ، ولا اهمية لنا بمن يفرض افكاره ويطرح ذوقه وحصافته باسم الاسلام. وهذه الرؤية لا تتفق ولا توازي الرؤية المخالفة.
نرغب ان نقول ان الرؤية المخالفة لا تتعدى كونها آداب دخلت الاسلام عن طريق الامويين والعباسيين والحكومات الايرانية أمثال آل طاهر، والغزنويين، والسلجوقيين و...، الذين اتخذوا الثقافة والآداب العباسية والاموية سلوكاً.
نعم ان هذه الافكار افكار جاهلية واضيف اليها سنن واساليب وشرائح محلية وبيئية وقبلية وقومية، وقد رسخت هذه المعتقدات رسوخاً وصل الى حد اذا قلت ان هذا الأمر دخيل ولا علاقة له بالاسلام، يدينك هؤلاء القوم ادانة، وينفرون منك نفيراً وهذه الطامة الكبرى وأول المشاكل الاساسية التي نواجهها عندما نطرح على بساط البحث أطروحة «المرأة في الاسلام».
نحن الآن امام كوكبة من محققي التاريخ ونرغب ان نضع على بساط البحث هذه الاطروحة، ونبحثها من كافة الجهات وباسلوب جدي نافذ.
في النظرة العباسية يحل «حسن التبعّل»، يعني [الاعتناء بالزوج عناية فائقة] محلَّ الجهاد وهذا ما ذكره الغزالي ونقله السيوطي وبشكل قاطع لا جدال فيه.
اما في النظرة الاخرى يعني سيرة رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمير المؤمنين علي عليهالسلام نرى وجود المرأة في كافة المشاهد وعلى جميع المستويات الاجتماعية وبشكل ملحوظ.
فاذا نظرنا الى كتب تاريخ القرن الرابع الهجري يتراءى الينا وبشكل واضح جداً فعالية حضور المرأة على كافة المستويات الاجتماعية. ولم تدم هذه الحالة على ما هي عليه بل حلَّ محلها «جهاد المرأة حسن التبعل».
واذا امعنّا النظر في سيرة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمير المؤمنين علي عليهالسلام لم نشاهد أبداً «جهاد المرأة حسن التبعل». هناك شخصان متآلفان يعيشان حياة مشتركة سادها الهدوء والاطمئنان والرزانة والسكينة والوداعة من اجل ادامة ذرية آدم ونسل البشر وهداية وارشاد وتربية الابناء، دون الابتعاد عن المحيط الاجتماعي وما يحدث على المستوى الوطني والشعبي.
اما الرؤية الاخرى: فنرى العائلة حبيسة الجدران الاربعة، وهناك رجل مسلط يلاحظ كيف تخرج المرأة وكيف تعود كيف تمشي، ما هي حركاتها وسكناتها، كيف تتكلم، كيف تشرب وكيف تأكل واسم هذا الرجل «الزوج» الذي يُبعد «الزوجة» عن النشاطات الاجتماعية استناداً الى ما أشرنا سابقاً وهناك أحاديث كثيرة دخلت الى مجتمعنا وآدابنا وتقاليدنا، كذلك في أشعارنا الصوفية حيث وردت هذه الآداب والتقاليد على شكل قصة وحكاية ورواية وأسطورة وأمثال وبيان، وبشكل تأكيدي.
نبين في بحثنا هذا الحقائق والواقعيات والبيئة والمنزلة والمواقف ثم حق الافضلية والامتياز والاسبقية لكلا الرؤيتين.
اي الفرسان والمقاتلين الشجعان له دور في «بدر وأحد، وخيبر، والخندق، وحادثة السقيفة» كدور فاطمة الزهراء عليهاالسلام وأمّ سلمة رضي اللّه عنها؟
اذا أردنا بيان النشاطات السياسية والاجتماعية للمرأة في القرن الأول الهجري والاعراب عن مضامينها وفق النصوص التاريخية الحديثة فقد ظلمنا المرأة ووطمنا نشاطاتها واكتسحنا مكانتها حيث لا تتماشى هذه النصوص مع العظمة التاريخية للمرأة ولا نتمكن من ترجمة وشرح وتفسير وتوضح وبيان شموخ هذه المكانة.
يجب ان نقدم المقياس والمدول والمحك الاسلامي بشكل يجعل الجيل الصاعد، جيل هذا اليوم بكافة تطلعاته ومتطلباته الى «النظرة العالمية» و«العولمة» الخاصة به ان يعيد النظر في كافة الشؤونات الراهنة كي يتمكن ان يقف على خرسانة كونكريتية قوية بقدم ثابتة راسخة قوية منيعة، في عالم تتقاذفه الامواج العاتية من كل حدب وصوب.
وأي شرح او توضيح لكبار أصحاب الرأي حول المرأة المسلمة بين ظهرانينا، حتى ولو كان توضيحاً سرى مسرىً مقدساً، او بين مظلومية المرأة، فهو لا يتعدى الفترة التاريخية التقليدية المحدودة، ولا يتجاوز لغة الآداب السائدة التي اشرنا اليها فيما تقدم.
وهذه الرؤية ايضاً رؤية جاهلية ـ عباسية، تتبنى على سيطرة ابناء العم، ووراثة الأعمام، وقد اخذت هذه الرؤية طريقها وأدامت مسيرتها في آداب التصوف.
ومثلها نتمكن ان نراه في النظرة الجاهلية المسلطة على عالمنا الاسلامي المعاصر، وتتجلى في حاكمية شاب على فتاة لطيفة الشكل ضعيفة القوى اسمها الزوجة.
ونقدم هذه الأبيات الجاهلية مثالاً:
لكلّ أبٍ بنتٌ يرجّى بقاءُها
فبيتٌ يغطّيها وبعل يصونُها
وقبرٌ يُواريها وخيرهُم القبرُ
ثلاثة اصهار اذا ذُكر الصهرُ
وقبرٌ يُواريها وخيرهُم القبرُ
وقبرٌ يُواريها وخيرهُم القبرُ
يقول الشاعر: لاي والد له ابنة، يجب ان يختار لها اصهاراً ثلاثة:
الأول: البيت حيث تعتقل فيه.
الثاني: زوج يتحمل مسؤوليتها.
الثالث: القبر، يواريها فيه.
ثم يقول: «خيرهم القبر»، أي خير الاصهار الثلاثة القبر.
ويضيف قائل الأبيات في بقية أبياته:
«نعم الختنُ القبر» وأفضلهم القبر.
«وهذه رؤية جاهلية».
وعندما يحل القحط في الجزيرة العربية، يدور في خلد الآباء فكرتان: الاولى هي، فقدان الطعام، وهجوم الأعداء طلباً للمؤنة والزاد والطعام. والثانية هي، أنَّ المرأة تحتاج الى الغذاء، وعاجزة عن الدفاع ازاء الاعداء.
وهنا يجب فداء احدهم، فمن يكون كبش الفداء؟ العقل الجاهلي يقول المرأة، اذن تدفن المرأة حية.
«وهذه رؤية جاهلية أيضاً».
اذا كان في ذلك الزمان الافضلية هي حمل السلاح والذود عن القبيلة والعائلة، فما حجتنا وحيلتنا في يومنا هذا؟ وما هو توجيهنا وتبريرنا وتعليلنا؟
يقول القرآن الكريم: «إنّي لا أضيعُ عمل عامل منكم من ذكر أو أُنثى، بعضكم من بعضٍ » [آل عمران/195].
عند استقصاء وتحري ودراسة ومقارنة ومعارضة الرؤيتين نواجه، رؤية تستند على السيرة النبوية ـ العلوية وتعتمد الاسلام مقياساً وقاعدة ومثالاً، وغير متأثرة ومنفعلة بآراء اخصائي أموي او عباسي، وهي نظرة سامية ترنو الى المرأة بعين اكرام واجلال، واطلقنا عليها «المرأة مكرّمة»؛ ورؤية ثانية ترنو الى المرأة على اعتبارها وسيلة صاغتها افكار الاخصائيين الامويين والعباسيين استناداً على الرسوبات الثقافية والعادات والاخلاق والرسوم التي خلفتها شعوب ما بين النهرين والاقباط والبيزنطيين واليونان مع فرق وتباين واختلاف وتفاوت.
كما نشاهد في الرؤية الثانية انهم قد فرضوا على المرأة مراسم وانظمة فرضوها فرضاً مثل ابعاد الجهاد، وولاية عظماء المسلمين، واحلّوا بدل ذلك: طاعة الزوج، وحسن التبعّل، و...
[انظر: الاستيعاب في معرفة الاصحاب، لابن عبد ربه].
قال أحد فقهاء ومفسري العباسيين: بما إنَّ المرأة ذات خصائص جسمانية خاصة، لذا فرض عليها أحكام فقهية كثيرة مثل: [الحيض ـ النفاس ـ العدة ـ و...] وتحتاج هذه الاحكام الى دراسة وافية مستمرة، لذا اعدوا المرأة «ناقصة عقل ودين».
ضعف الاستدلال هنا واضح، معلوم، بائن، وجلي، والعكس هو الصحيح، يعني يجب القول بأن الواجبات الفقهية على المرأة اكثر من الرجل، لذا لا يمكن وصف المرأة بنقصان العقل بل برجحانه؛ كما يجب تشجيعها وتحبيذ الامر اليها. ولو فرضنا جدلاً أنَّ امرأة ما لم تثابر على الحصول على الاحكام الفقهية للمرأة (رغم استحالة الفرض) فانَّها مساوية للرجل، لِمَ أقلّ منه عقلاً؟!
كما أنَّ هذا خلاف كلام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حيث كان صلىاللهعليهوآلهوسلم يمجّدُ نساء الانصار لمثابرتهن على تعلم الأحكام الفقهية بتوسع وتدبر.
ونرجو من يرغب المزيد عن الرؤية الاموية ـ العباسية للمرأة المسلمة ان يراجع كتاب «إسبال الكساء... ص 14 ـ 15».
وفي هذه الرؤية جاء ذمُّ وتجريح النساء لانشغالهن بأمر الذهب والفضة والتخلي عن دراسة علوم الدين.
ومن الاسباب التي ذكروها أنَّهم جعلوا النساء فتنة يزلن العقل ويشعلنَّ نار الفتن بين الرجال، وجعلوا المرأة احبولةً من أحابيل الشيطان.
كما جعلوا المرأة (وحسب رؤيتهم السلبية المهلهلة) بمنزلة اللحوم والشراب (راجع كتاب فردوس الاخيار). وذكر أبو داود في سننه اربعمائة حديث حول المرأة في هذا المضمار وان اكثرها متزلزل الأساس ضعيف المرتكز.
وفي آداب الدين الزردشتي الزرواني التي شيدت على افكار ما بين النهرين، نرى المرأة رمز الضلالة والغواية والفتنة والخداع والغرور للبشر.
وفي النظرة التوراتية ومفهوم الانجيل المحرف المتداول وفي باب المرأة معقدة، جعلها مخلوقاً عجيباً. وذكر الغزالي قسماً من النظرية الزردشتية المجددة في كتابه «احياء علوم الدين» في باب «شرور وذنوب»، تحت عنوان «باب كسر الشهوتين» ضمَّ اساطير بين النهرين، ونظراً لما يتمتع به الغزالي من الشهرة العلمية الواسعة، لذا انتشرت هذه المعلومات ومع الاسف باسم الآداب الدينية في العالم الاسلامي.
كما ان قسماً من الصوفية ممن نفر الدنيا وممن لم ينفرها قد تاثر بافكار مانوية ما بين النهرين او بالقساوسة المسيحيين، او بالبوذائيين في دنيا الاستعارة والتمثيل والتشبيه واقتفوا اثر الاساطير والاحدوثات والاطروفات والخرافات، واشاعوا هذه الفكرة بين العباد والبلاد تحت عنوان «لغة العرفان» وبشكل منظوم وقطعات شعرية شقت طريقها بين آداب الشعوب الاسلامية. (راجع آثار العطار والسنائي والمولوي) لذا يكون فقهاء ومتكلّموا الصوفية والعرفاء الذين نفروا الحياة الدنيا من دعاة وناشري الرؤية الاموية ـ العباسية حول المرأة المسلمة.
يعتقد الغزالي ان الشيطان رمز الشر، وله جيش من الشهوات حيث يجيّشه لضلال الناس، واخطر هذه الشهوات شهوة الفرْجِ (بفتح الفاء وسكون الراء)، وهو بهذه النظرية السالبة بالنسبة للمرأة يدخل عالم الآداب الدينية، وهذا مخالف للسنة النبوية الشريفة.
وكما نعلم ان كلمة «فَرْج» تلقائياً لا تعطي معنى خاصاً سوى الدلالة على عضو من اعضاء الجسم ويستعمل اصطلاحاً للدلالة على الورع والعفة والطهارة والبراءة والنزاهة والفضيلة ايجاباً وسلباً، ويطلق على المذكر والمؤنث بلفظ واحد، فنرى عائشة عندما أرادت الدفاع عن عثمان بن عفان، قالت: [انَّ عثمان احفظكم فرْجَاً] يعني اكثركم عفافاً وطهارة.
ولا تخاوض لنا في كلام عائشة وانما الخوض في معنى الكلمة اصطلاحاً حيث يتبين لنا أنَّ الكلمة لا تختص بالمرأة وحدها، ولا نعلم كيف جعل الغزالي الكلمة مختصة بالمرأة وبنى عليها مفهوم رأيه اللامعقول.
ولا يخفى ان في التراث الزردشتي وعقائد «الماونية» فيما بين النهرين والتي اعيد تحريرها تنص على أنَّ «رأس كل الشرور شهوة الفرج». وبهذا تاثر الغزالي واستند الى احاديث ضعيفة وبنى عليها فكرته هذه. ومن آرائه:
«النساء حبائل الشيطان... وقال بعضهم ان الشيطان يقول للمراة: أنت موضع سري، وانت رسولي في حاجتي!!».
وقد سعى الغزالي ان يجد لافكاره المنطلقة من الافكاء الزردشتية والمانوية مصدراً او مستنداً فلم يجد مخرجاً فالتجأ الى تفسير شاذٍ لسورة الفلق فقال في تفسير آية «ومن شر غاسق اذا وقب» يعني «ومن شر ذكر اذا ولج».
ولكنني رغم البحث الجاد المتواصل لم اجد بين اللغويين والمفسرين المسلمين المعروفين شخصاً ذكر مثل هذا التفسير.
وعندما ذكر الزواج وترغيب الاسلام الناس على الزواج، ظهر التناقض في كلامه واضحاً حين قال: بين الزواج والشهوة الجنسية تباين.
وفي مواصلة هذه الرؤية الاموية ـ العباسية، والرؤية القبلية الجاهلية القائلة ان المرأة «نقلةٌ» يعني وعاء تلقى فيه النطفة من صلب الأب فتنتقل الى الرحم كي تلد المرأة ولداً، والويل كل الويل للمرأة اذا ولدت أنثى.
في هذه الرؤية: الأصل هو اصل الوالد، والمرأة مزرعة تنتج ما يزرع فيها من الأنواع. وهي ملك للزوج تعامل كما يتعامل مع الاشياء المادية.
الآداب الجاهلية القديمة والمعاصرة بآداب التأهل والزواج، منها على سبيل المثال لا الحصر والاطناب: كن حذراً عند شراء المرأة التي ترغب ان تلد لك ولداً ولا تكن مغبوناً خسراناً.
ومن هذا المنطلق الظالم نرى فحول الشعراء العظام القدماء قد تطرّقوا الى موضوع المرأة ووصفوها بالضعف والهوان ومجّدوا الرجال الاقوياء:
قال الشاعر الايراني المشهور «الفردوسي»:
به أختر كس آن دان كه دخترش نيست
كرا در پس پرده دختر بود
زن و اژدها هر دو در خاك به
جهان پاك از اين هر دو ناپاك به
چو دختر بُوَد روشن أخترش نيست
اگر شاه باشد بد اختر بود
جهان پاك از اين هر دو ناپاك به
جهان پاك از اين هر دو ناپاك به
من لا بنت له فهو سعيد ـ وان كان أباً لبنت فلا سعادة له ولا نور في بيته.
ومن كانت في داره بنت ـ يصبح تعيساً وان كان ملكاً.
الأفضل ان تدفن المرأة والحية (الثعبان) في التراب ـ كي نطهّر الأرض من هذين الموجودين النجسين غير الطاهرين.
ووصل اعتقاده الى درجة جعل المرأة عاملاً من عوامل العجز والهرم والهم والكآبة والأحزان.
[كند بوىِ زن مرد را مو سپيد ـ رائحة المرأة تجعل الرجل هرماً أبيض الشعر].
وقال النظامي في ملحمة «مجنون ليلى»:
زن گر نه يكى هزار باشد
زن راست نَبازَد آنچه بازَد
جز زَرْق نسازد آنچه سازد
در عهد كم استوار باشد
جز زَرْق نسازد آنچه سازد
جز زَرْق نسازد آنچه سازد
حتى اذا كان بدلُ المرأة الواحدة ألف امراةٍ، فلا تجد في أي واحدة منهنَّ وفاءً.
لا تجد في كلام المرأة صدقاً، وليس فيما تقوله الا الرياء.
وفي كتاب غرامي بعنوان «حيدر بگ نامه» شعر يقول:
مجو زنهار از اين دنياى پر فنّ
وفا از اسب و از شمشير و از زن
وفا از اسب و از شمشير و از زن
وفا از اسب و از شمشير و از زن
لا تطلب من هذه الدنيا المليئة بالرياء ـ وفاءً من حصان او سيف او امرأة.
والآن نقدم اليكم منزلة المرأة في السيرة النبوية ـ العلوية (بشكل مختصر).
1ـ قال الزهري استاذ الفقه الكبير، جاء في السيرة والتاريخ:
«ما نعلم احداً من المهاجرات ارتدت بعد ايمانها».
2ـ قال الذهبي استاذ علم الرجال المشهور، روي في الحديث وفي التاريخ:
«لم يؤثر عن امرأة أنّها كذبت في حديث».
3ـ لم يُروَ أنَّ امرأة كانت بين المنافقين الا واحدة هي عصماء بنت مروان.
انَّ ما روي فيما تقدم صفات وامتيازات امتازت بها المرأة المسلمة دون الرجل، لانها صفات نسوية. اما في موضوع المرأة حسب نظرة المعصومين عليهمالسلام ، فللمرأة منزلة ومكانة وكرامة أعرب عنها، وأشير اليها بالبنان، وموصّى بها، فتحت للمرأة ابواباً واسعة ومنحتها منزلة ومكانة خاصة، ومنقبة كبرى الى مناقبها، وهي:
1ـ في سيرة الرسول الأكرم:
«في مجلسه لا تؤبنُ الحُرَمُ»
قال شرّاح السيرة:
أي لا تذكر في مجلسه النساء بسوء بناءً على نصّ السيرة النبوية، لا يجوز بيان وهنٍ للمرأة في مجلس الرجال، فهو أمر حرام مؤكد واثم وذنب.
2ـ في بيان سيد الرسل صلىاللهعليهوآلهوسلم : المرأة دليل وبرهان ونموذج بياني لسلوك الرجل يبيّن لئامته وكرامته.
3ـ اذا لم يراع الزوج حرمة ومقام الزوجة وعاملها معاملة سوء وأراها خشونة خلق فهو لا ينجو من عذاب القبر مهما وصل من منزلة ومرتبة [راجع قصة دفن الصحابي الجليل سعد بن معاذ من قبل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكلمة الرسول الاكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم عندما وضعه في القبر].
4ـ انظر هذا الترادف القدسي، في الحديث التالي: [حُبِّبَ اليّ من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وقرةُ عيني الصلاة].
5ـ قال الامام علي أمير المؤمنين عليهالسلام :
[أكثرُ الخيرات في النساء] (وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج14، ص11، حديث 11).
(وهنا أنهي المحاضرة خوف الاطالة).
والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته