رسالة الأستاذ واعظ زاده إلی الأستاذ بن باز المفتی العام بالمملکة العربیة السعودیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رسالة الأستاذ واعظ زاده إلی الأستاذ بن باز المفتی العام بالمملکة العربیة السعودیة - نسخه متنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


رسالة الأستاذ واعظ زاده إلى الأستاذ بن باز المفتى العام بالمملكة العربية السعودية


بسم الله الرحمن
الرحيم


الحمد لله ربّ العالمين. والصلاة والسلام
على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه.


سماحة الأستاذ الجليل الشيخ عبد العزيز
بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة
والإرشاد المحترم.


السلام عليكم ورحمة الله،
وبعد:


لاحَظت تركيزكم على مسألة التوحيد في عدد
من أعداد مجلة البحوث الإسلامية، كما سمعتكم في جلستين حينما وفقت لزيارتكم،
وتؤكدون تأكيداً متواصلا إرشاد الناس إلى التوحيد الخالص لله ربّ العالمين،
لا شك في أنه الأساس القويم، والركن الركين لهذا الدين الحنيف، بل هو محور
كلّ أحكامه وشرايعه، وهذه ميزة لمستُها في سماحتكم.


ومع احترامي وتقديري لجهودكم في هذا
السبيل، خطر ببالي بعض الملاحظات، أحببت أن أبديها لكم راجياً أن يكون فيها
خير الإسلام والمسلمين، والاعتصام بحبل الله المتين في سبيل تقارب المسلمين،
ووحدة صفوفهم في مجال العقيدة والشريعة.


أولا: لاحظت سماحتكم
تعدّون دائماً بعضَ ما شاع بين المسلمين ـ من التبرك بآثار النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) وبعض الأولياء، كمسح الجدران والأبواب في الحرم النبوي
الشريف وغيره ـ شركاً وعبادة لغير الله، وكذلك طلب الحاجات منه ومنهم،
ودعاءهم، وما إلى ذلك.


إني أقول: هناك فرق بين ذلك، فطلب
الحاجات من النبيّ ومن الأولياء، باعتبارهم يقضون الحاجات من دون الله أو مع
الله، فهذا شرك جلي لا شك فيه. لكن الأعمال الشائعة بين المسلمين، التي لا
ينهاهم عنها العلماء في شتى أنحاء العالم الإسلامي من غير فرق بين مذهب وآخر،
ليس هي في جوهرها طلباً للحاجات من النبيّ والأولياء، ولا اتخاذهم أرباباً من
دون الله، بل مردّ ذلك كلّه (لو استثنينا عمل بعض الجهال من العوام) إلى أحد
أمرين:


التبرك والتوسل بالنبيّ وآثاره، أو بغيره
من المقربين إلى الله عزّ وجلّ.


أما التبرك بآثار النبيّ من غير طلب
الحاجة منه ولا دعائه، فمنشؤه الحبّ والشوق الأكيدين رجاءَ أن يعطيهم الله
الخير بتقربهم إلى نبيّه وإظهار المحبة له، وكذلك بآثار غيره من المقرَّبين
عند الله.


وإني لا أجد مسلماً يعتقد أن الباب
والجدار يقضيان الحاجات، ولا أن النبيّ (أو الولي) يقضيها، بل لا يرجو بذلك
إلاّ الله إكراماً لنبيه أو لأوليائه أن يفيض الله عليه من
بركاته.


والتبرك بآثارالنبيّ كما تعلمون، ويعلمه
كلّ مَن اطّلع على سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان
معمولا به في عهد النبيّ، فكانوا يتبركون بماء وضوئه وثوبه وطعامه وشرابه
وشعره وكلّ شيء منه، ولم ينههم النبيُّ عنه. ولعلَّكم تقولون: أجل، كان هذا،
وهو معمول به الآن بالنسبة إلى الأحياء من الأولياء والأتقياء (كما شاهدت
أصحابكم يتبركون بطعامكم) لكنه خاص بالأحياء، دون الأموات، لعدم وجود دليل
على جوازه إلاّ في حال الحياة بالذات. فأقول: هناك بعض الآثار تدل على أن
الصحابة قد تبركوا بآثار النبيّ بعد مماته، فعن عبد الله بن عمر، أنه كان
يمسح مِنبراً للنبي تبركاً به. وهناك شواهد، على أنهم كانوا يحتفظون بشَعر
النبيّ، كما كان الخلفاء العباسيون، ومَن بعدهم العثمانيون، يحتفظون
بثوب النبيّ تبركاً به، ولا سيما في
الحروب، ولم يمنعهم أحد من العلماء الكبار والفقهاء المعترف بفقههم
ودينهم.


وهنا يعجبني أن ألخِّص لسماحتكم كلام
الأستاذ الدكتور سعيد رمضان العالم السوري ـ حفظه الله ـ في هذا المجال نقلا
عن كتابه (فقه السنة) فإنه بعدما أشار إلى شطر مما يدل على جواز التوسل
بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبآثاره، قال: «وليس ثمة فرق بين أن يكون
ذلك في حياته أو بعد وفاته. فآثار النبي لا تتصف بالحياة مطلقاً»، سواء تعلق
التبرك والتوسل بها في حياته أو بعد وفاته، كما ثبت في صحيح البخاري في باب
شيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).


ومع ذلك، فقد ضلَّ أقوام لم تشعر أفئدتهم
بمحبة رسول الله، وراحوا يستنكرون التوسل بذاته بعد وفاته، بحجة أن تأثير
النبيّ قد انقطع بوفاته، فالتوسل به إنما هو توسل بشيء لا تأثير له
البتة.


وهذه حجة تدل ـ كما ترى ـ على جهل عجيب
جداً ... فهل ثبت لرسول الله تأثير ذاتي في الأشياء حال حياته، حتى نبحث عن
مصير هذا التأثير من بعد وفاته؟


إن أحداً من المسلمين لا يستطيع أن ينسب
أيّ تأثير ذاتي في الأشياء لغير الواحد الأحد ـ جلّ جلاله ـ ومَن اعتقد خلاف
هذا يكفر بإجماع المسلمين كلّهم.


فمناط التبرك والتوسل به أو بآثاره ليس
هو إسناد أي تأثير إليه ـ والعياذ بالله ـ وإنما المناط كونه أفضل الخلائق
عند الله على الإطلاق وكونه رحمة من الله للعباد، فهو التوسل بقربه إلى ربّه
وبرحمته الكبرى للخلق.


وبهذا المعنى كان الصحابة يتوسلون بآثاره
و... من دون أن يجدوا فيه أي إنكار. وقد مرّ في هذا الكتاب (أي فقه السنة)
بيان استحباب الاستشفاع بأهل الصلاح والتقوى وأهل بيت النبوة في الاستسقاء
وغيره، وإن ذلك مما أجمع عليه جمهور الأئمة والفقهاء بما فيهم الشوكاني وابن
قدامة الحنبلي والصنعاني وغيرهم.


والفرق بعد هذا بين حياته وموته خلط عجيب
وغريب في البحث لا مسوِّغ له، انتهى موضع الحاجة1.


هذا كله بالنسبة إلى التبرك بآثار النبيّ
حيّاً وميّتاً، وأما التوسل بذاته أو بأحد من أهل بيته فهو كذلك، كما رأينا
في مطاوي كلام الدكتور، وكان معمولا به حتى بعد وفاته كما استسقى عمر بن
الخطاب متوسلا بعمّ النبي العباس من دون نكير من أحد من أصحابه، ومن دون أن
يكون لحياة النبيّ وموته تأثير عنده في جواز التوسل به.


ومردّ ذلك أنّ التبرك بآثار النبيّ
والتوسل به وبآثاره وبذريته والأتقياء من أتباعه ليس معناه طلب الحاجة منه أو
منها ولا منهم، ولا أن في شيء منها ـ بما في ذلك ذات النبيّ ـ تأثيراً
في رفع الحاجات ودفع الملمات أو أنه يضرّ وينفع، كما ورد في مطاوي كلامكم في
صدد النهي عنه (أنه لا يضر ولا ينفع)، فهذا تحويل للمسألة عن جوهرها، بل كلّ
ذلك يَعدّ إظهار الحبّ للنبيّ وغيره من المقرّبين استجلاباً لرحمة الله ـ
تبارك وتعالى ـ لما نعلم من منزلتهم عند الله، استناداً إلى سيرته وسيرة
المسلمين، فلا يقاس هذا بعمل المشركين في شأن آلهتهم، حيث كانوا يعتقدون فيها
التأثير في دفع الملمات ورفع الحاجات، إما مباشرة أو بالاشتراك مع
الله.


كما لا ينبغي الاستشهاد على حرمة التبرّك
والتوسّل (بالمعنى المذكور) وكونهما شركاً بما ورد من الآيات إدانة للمشركين،
فإن ذلك ليس منه في شيء، والفرق بينهما واضح جليّ، فهذا مظهر من مظاهر الشرك،
وذاك مظهر من مظاهر التوحيد وحبّ الله وأوليائه.


بقي هنا أمران:


الأول أن يقول قائل: نحن نسلِّم بجواز
التبرك والتوسل للعلماء الذين فهموا جوهر الدين، إلاّ أن ذلك ممنوع على
العوام لأنهم سوف يحولونهما إلى الشرك، حيث يعتقدون للنبيّ وآثاره وللأولياء
تأثيراً ذاتياً في رفع الحاجات أو دفع المضرّات، فيجب المنع عنهما سدّاً
للذرائع.


وهذا ما سمعنا به من الأستاذ الدكتور
محمد بن سعد سُوَيْعِر ـ حفظه الله ـ يوم حضرنا عندكم وجلسنا على
مائدتكم.


والإجابة على هذا الكلام سهل، فإنه إذا
ثبت جواز عمل بل استحبابه بدليل قطعي فلا يجوز المنع عنه بقول مطلق، خوفاً من
الجُهّال أن يُحلِّوه إلى ما فيه لون من الشرك، وإلاّ كان ينبغي للرسول (صلى
الله عليه وآله وسلم) نهي الناس عن التبرك بآثاره سدّاً للذريعة، كما كان
ينبغي له أن يمنع الناس عن زيارة القبور حذراً من أن الجُهّال يتّخذونها
صنماً يعبد، أو يمنع من استلام الحجر للسبب نفسه، هذا ليس هو الطريق الوحيد
والقول السديد لسدّ الذرائع، بل الطريق هو مراقبة العلماء الذين هم ورثة
الأنبياء والذين هم أمناء الله على حلاله وحرامه، فإنهم أمروا بحفظ الناس عن
تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ـ كما جاء في الحديث
(معالم الدين ص33 ط1413 هـ . ق) من غير أن يحرِّموا حلالا أو
يحلِّلوا حراماً، أو يفرِّقوا في حكم واحد بين العوام والخواص.


الثاني: أن من يجوّز التبرك والتوسل هم
جمهور العلماء في قبال جماعة أقل منهم بكثير لا يجوِّزونهما، ولا ريب أن
المجوّزين اختاروا الجواز بعد الوقوف على الآراء، وبعد البحث والفحص عن
الأدلّة، والاطلاع على ما أبداه الشيخان السلفيّان الشيخ ابن تيمية، والشيخ
محمد بن عبد الوهّاب وأتباعهما، فهؤلاء لم يقتنعوا طوال هذه القرون السبعة
إلى يومنا هذا بحجج مخالفيهم، فهم مجتهدون، ولكل مجتهد مصيب أجران، وللمخطئ
أجر واحد، كما هو ثابت عند الفقهاء، فالمسألة بعد أن عادت خلافية اجتهادية،
فهل تسمحون في مثل هذه المسألة، التي جُلُّ العلماء على جوازها وقليل منهم
على حرمتها، بنسبة الكفر والشرك بل الفسق والضلال إلى هؤلاء الجمّ الغفير
المعترف بفقههم وتقواهم؟ فما هو الفارق إذاً بين القطعيات والظنيات سواء في
حقل العقيدة أو في حقل الشريعة؟ إنما الحكم بالكفر ثابت فيمن أنكر ضرورياً من
ضروريات الدين ليس إلاّ، دون مسألة خلافية هي معترك الآراء بين
الفقهاء.


فأقلّ ما يقال في مثل هذه المسألة
الخلافيّة هو الاحتياط بالإمساك عن التقوُّل فيها، حتى ترجع المسألة قطعيّة،
والاكتفاء ممن لا يُجوِّزه بالوعظ والإرشاد، إذا رآه شركاً أو بدعة وضلالا،
فهذا منتهى المطاف في أداء الواجب من مثله. وقد مرّ بنا أن استهللنا كلامنا
بالتقدير لجهودكم في سبيل إرساء أمر التوحيد، وهذا بنفسه سعي مشكور أغتبطكم
عليه، لولا أن ينضمَّ إليه إطلاق القول بالشرك أو الكفر فيمن جوَّز هذا العمل
عن اجتهاد ونظر، من دون تقليد أعمى، ولا جهل بالكتاب والسنّة وبآراء الفقهاء
الموافق منهم والمخالف، هذا أولا.


وثانياً: أحببت الإشارة
إلى مسألة أخرى لها أهميتها، وهي ما أفتيتم به حول مسألة فلسطين، حيث تقولون:
«إنه يجب على المسلمين وعلى الدول الإسلاميّة والأغنياء والمسؤولين أن يبذلوا
جهودهم ووسعهم في جهاد أعداء الله اليهود، أو فيما تيسّر من الصلح إن لم
يتيسَّر الجهاد، صُلحاً عادلا يحصل به للفلسطينيين إقامة دولتهم على أرضهم،
وسلامتهم من الأذى من أعداء الله اليهود، مثلما صالح النبيّ أهل مكة، وأهل
مكة في ذلك الوقت أكثر من اليهود الآن، وإن المشركين والوثنيين أكفر من أهل
الكتاب، فقد أباح الله طعام أهل الكتاب والمحصنات من نسائهم، ولم يبح طعام
الكفار من المشركين، ولا نسائهم. وصالحهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس ويكفّ بعضهم عن بعض، وكان في هذا
الصلح خير عظيم للمسلمين، وإن كان فيه غضاضة عليهم بعض الشيء، لكن رضيه
النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)للمصلحة العامة.


فإذا لم يتيسّر الاستيلاء على الكفرة،
والقضاء عليهم، فالصلح جائز لمصلحة المسلمين، وأمنهم وإعطائهم بعض الحقوق
...»2.


وهذه الفتيا منكم إنما صدرت ولا شك فيها
إخلاصاً للإسلام والمسلمين، وحرصاً على إرشاد الأُمّة إلى ما فيه خيرهم
وصلاحهم، إلاّ أنّ فيها بعض الملاحظات، فهي تحتوي شطرين:


الشطر الأول، وجوب حرب اليهود أعداء
الله، وبذل الجهود في جهادهم. وهذا ما يوافقكم عليه علماء الإسلام جميعاً
شيعة وسنة، ولعلكم لمستم موقف الشيعة في مكّة المكرّمة عبر شعاراتهم، أو
سمعتم به عن طريق المذياع أو قرأتم عنه في الجرائد، أنهم أشدّ الناس على
الكفّار ولا سيما على اليهود. فهذا حق صريح، ورأيكم حجة على جميع المسلمين
حكومات وشعوباً، جزاكم الله عنهم خير الجزاء، وشكر مساعيكم، فقد أدّيتم
واجبكم أمام الله ـ تبارك وتعالى ـ وأمام المسلمين قاطبة. وأما الشطر الثاني
وهو ما تيسّر من الصلح إن لم يتيسّر الجهاد صلحاً عادلا إلى آخر ما أبديتم من
الرأي بإخلاص، فيجب الوقوف عنده طويلا:


لا ريب أن المسألة لو كانت كما اقترحتم
وكانت القيود والشروط محقّقة بالشكل الذي قيّدتم، فالحكم هو ما صرّحتم به،
إلاّ أنّ المسألة مع الأسف الشديد ليست بهذه السهولة، ومغزى كلامي أنّ البحث
ليس في الكبرى من الدليل، وإنما هو في الصغرى، وتوضيحها كما يأتي:


أولا: أنّ الجهاد مع اليهود ميسور وبابه
مفتوح بمصراعيه أمام المسلمين، إلاّ أنّ حكّام المسلمين لم يقفوا يوماً، ولا
يريدون أن يقفوا أمام العدو بكلّ جهودهم وإمكانيّاتهم، فإنّ العرب طرحوا
القضية منذ أربعين سنة ولحد الآن قضية عربية، وليست إسلاميّة، وهذه أول ضربة
وجَّهوها إلى القضية، حيث أبعدوا بهذا المشروع العنصري معظم المسلمين عن ساحة
المعركة، ولا أقل من أن ذلك أصبح عذراً لأولئك الحكّام الذين لا علاقة لهم
بشؤون المسلمين، فكانوا يقولون كما سمعت مراراً من أعوان الشاه في إيران:
«هذه مشكلة العرب مع اليهود لا شأن لنا فيها». فلم يكونوا يسمعون صرخات
المسلمين والعلماء من أنّها إسلاميّة، بحجَّة أن العرب يعدّونها مسألة
عربية.


وأمثال هؤلاء الحكام من العرب وغيرهم لا
يزالون لا يطيقون استماع صرخات هؤلاء الشباب والأطفال المحاربين بالحجارة
داخل الأرض المحتلة وهتافاتهم: (الله أكبر) (نحن مسلمون) ولا أن يروا في
التلفزة صَلاتهم حول المسجد الأقصى; لأن ذلك يمثِّل إسلاميةَ القضية فتأخذ
العذر من أيديهم.


ثانياً: حتى العرب أنفسهم الذين احتكروا المسألة
بحجِّة أنها عربية، وأنها مسألتهم من دون سائر المسلمين لا يتّفقون على كلمة
واحدة، ولم يجهّزوا إمكانياتهم أمام العدو، ولم يقفوا صفّاً واحداً، فبدلا من
ذلك كلّه، افترقوا أحزاباً وشعوباً يهاجم بعضهم بعضاً، عسكرياً وإعلامياً، لا
لشيء إلاّ لمصالحهم ولمصالح العدو، فلم يجهّزوا أنفسهم للمعركة لا هم ولا
سائر المسلمين ولم يمتثلوا أمر ربّهم:
{وأعدّوا لهم ما
استطعتُم من قوّة ومن رِباطِ الخيل تُرهِبون به عدوّ الله
وعدوَّكم}3 عندهم
البترول الذي هو شريان حياة الأعداء، فلم يستفيدوا من هذه القوة الهائلة التي
هي أقوى بكثير من رباط الخيل ومن أيّ قوة تُوجد في العالم.


كما أنّهم لم يهتمّوا بقول
ربّهم:
{يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصارى
أولياء}4 وما بمعناه
في الكتاب والسنة.


فمن الذي منهم لا يتَّخذ أعداء الله
أولياء، ولا يميل إلى اليمين والشمال (وقد سقط بحمد الله) ولا يعتمد ولا
يستنصر بالأعداء (سوى النزر اليسير) ولا يركع لصنم منهم ولا يسجد، وبعضهم لا
يأكل ولا يشرب إلاّ بإذنه؟


ومن خفي عليه هذا فليس له الدخول في
المعارك السياسية وإظهار الرأي فيها.


والعجب كلَّ العجب صَمْتُ بعض العلماء عن
هؤلاء الحُكَّام الرُّكع السجود أمام الأصنام والطواغيت، ثم ينادي ويحكم بكفر
وشرك أولئك المسلمين المساكين، الذين بذلوا كلّ ما عندهم، وتحمّلوا المشاقَّ،
وجاءُوا من كلّ فجّ عميق، حتى نالوا بزيارةَ النبيّ، وقلوبهم ملئت بحبِّه،
فقبّلوا الباب والشبّاك حبّاً له، ورجاء التقرّب إلى الله بحبّه، ويرون هذا
منتهى أملهم من الحياة، فإذا بعالم أو مسؤول سكت عن ذلك الشرك الكبير وعن
هؤلاء الأبالسة الكبار، يضربه بالسياط ويشتمه بقوله: (هذا شرك، هذا كفر) ولم
يعتقد هذا القائل إلاّ أنه كلّ واجبه، أَليس هذا إبعاداً للمسلمين المخلصين
عن الدين، وعن ساحة القتال ضدّ اليهود وضدّ سائر أعداء الدين؟ فإنه إذا كان
كافراً ومشركاً، فلماذا يُضحِّي بنفسه في المعركة في سبيل
الإسلام؟


وأنا أقول بصراحة: لو أن
العلماء ومن ورائهم (بل ومن فوقهم!) الحكّام لم يخطِئوا الطريق، واستقرُّوا
على الصراط القويم، لأمكن لهم تجهيز ملايين من الشبّان المسلمين الغيارى على
الإسلام الذائبين في حبّ النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ليقفوا سداً
منيعاً ضدّ اليهود ومطامعهم، ولو تحقّق هذا الحُلُم يوماً ما لرأينا كلمة
الله هي العليا، وأن الله يحقّق وعده:
(إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت
أقدامكم)5.


ثالثاً: الاستشهاد للصلح مع اليهود بمثل
ما صالح النبيُّ أهل مكة والمشركين عجيب وقياس مع الفارق، وفيه وجوه من الخلط
والتمويه:


1 ـ إنّ النبيَّ صالح أهل مكة
من موقف القوّة دون الضعف كما قال تعالى:
{وهو الذي كفَّ أيديهم عنكم وأيديكم
عنهم ببطن مكّة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون
بصيراً}6 مع أنّ حكّام
العرب حينما يريدون أن يساوموا على الصلح مع العدوّ، إنما هم في منتهى الضعف
(ولا سيما بعد حرب الخليج) سياسيّاً وعسكريّاً. والشيطان الأكبر الحامي
لإسرائيل رَسَتْ أقدامه على أرضهم بكلّ ما له من العُدَّة والعَدَد، وله حقُّ
الحياة والبقاء على جملة من الحُكّام، فهم عبيد في قبضته، وليس لهم إلاّ أن
يركعوا ويسجدوا أمامه آناء الليل والنهار، وأنهم ليبذلون أموال المسلمين
وشعوبهم المساكين إلى الكفار بالمجان، لا لشيء سوى للحفاظ على مناصبهم،
فهم راكبون أعناق الشعوب، راكعون أمام الأعداء. «أسدٌ عليّ وفي الحروب
نُعامة». وفي مثل هذه الحالة يريدون أن يجلسوا مع العدوّ حول طاولة المفاوضة
للسلام العادل!


ومن الدليل على ضعف المشركين وقوّة
المسلمين في الحُديبية قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لرسول
المشركين عنده (بُديْل بن وَرقاء الخُزاعي): «إنّ قريشاً قد أنهكتهم الحرب،
وأخذت بهم فإن شاءُوا ماددتُهم مدَّة ويخلّوا بيني وبين الناس ... إلى أن
قال: فإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأُقاتلنَّهم على أمري هذا حتى تنفرد
سالفتي وليُنفذ الله أمره».


ثم إن مبايعة المسلمين له على الحرب
والتضحية بالنفس والمال كان استعداداً كاملا للحرب.


ثم إن عروة بن مسعود رسول المشركين الآخر
لديه حينما رجع إلى المشركين قال لهم: «فوالله ما تنخَّم رسول الله نُخامةً
إلاّ وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجِلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا
أمره، وإذا توضّأ كادو يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما
يحدّون النظر إليه تعظيماً له، إلى أن قال: أي قوم، لقد وَفدتُ على الملوك
ووَفَدتُ على قيصر وكسرى والنّجاشي، والله ما رأيتُ ملكاً «يُعظِّمه أصحابه
ما يُعظِّم أصحاب محمد محمداً! وأنه قد عرض عليكم خِطّة رشد فاقبلوها ...»
رواه البخاري ومسلم بتفاوت.


2 ـ إنّ اليهود ليسوا وحدهم الذين
يحاربون شعب فلسطين، بل وقف إلى جنبهم الطواغيت الدولية، الذين غرسوا هذه
الشجرة الخبيثة في أرض الإسلام، وهم الذين يحاربون الإسلام والمسلمين من أول
يوم، فكيف نغفل عنهم ونعدُّ الحرب حرباً بين اليهود والعرب أو المسلمين،
فندخل في الصلح معهم; لأنهم أقل من المشركين؟


وهؤلاء الطواغيت، ولا حتى اليهود الذين
استولوا على أرض فلسطين ليسوا بأهل كتاب، وإنما هم ملاحدة، دينهم الدولار،
وأمنيتهم الاستيلاء على ثروات الأرض، فإنّ اليهود في فلسطين معظمهم صهاينة
ليسوا بأهل كتاب ولا أهل دين، بل هم حزب سياسي عنصري.


على أن اليهود في العالم يعدّون بعشرات
الملايين، وكلّهم مع يهود فلسطين، وبيدهم ثروات هائلة، وفي قبضتهم السُّوق
العالمي والمصانع والسُّفن والأسلحة، ووسائل الإعلام العالمي، فكيف يجوز أن
يقال: إنّ اليهود اليوم أقل من أهل مكة في ذلك اليوم؟


فيجب علينا إذاً أن نضع هذه الأشياء في
الميزان ثُمّ نحكم بالصلح، وبدونها لن يتحقَّق صلح عادل.


3 ـ إنّ الصلح كان مع أهل مكّة بأمر من
الله من دون مشورة المؤمنين، بل كان أكثرهم قاوموا النبيَّ (صلى الله عليه
وآله وسلم) أمام عقد الصلح وعند بعض بنوده، حتى أنزل الله سورة الفتح وكشف
النقاب عن وجه الصلح، وعدَّه فتحاً مبيناً، ومع ذلك لم يعترف كثير منهم في
صميم قلوبهم، وباقتناع نفسي منهم، بأنه كان خيراً، حتى رأوا النتيجة ماثلة
أمامهم بعد مدَّة.


4 ـ كانت هناك حِكم وأسباب جاءت في سورة
الفتح تصريحاً أو إيماءً، كالحفاظ على المؤمنين والمؤمنات القاطنين بمكّة
يومئذ، الذين لم يعرف أشخاصهم، وكالحصول على الأرضية المناسبة لاختلاط
المسلمين بالمشركين، وتبيين الإسلام لهم وتحويل قلوبهم صوب المسلمين، وغير
ذلك ممّا صرّحتم به في مقالكم، ويعلم بالتدبر في سورة الفتح، وفي الحوادث
التي حدثت عقيب الصلح، ولا يوجد شيء من هذه الحِكم والأسباب في الصلح مع
اليهود الآن، بل الأمر بالعكس كما سنوضِّح.


5 ـ اليهود بما أعدُّوا واستعدّوا
للمعركة الصارمة، كانوا معتمدين على تلك القوى العالميّة الشيطانية، وهم
قادرون بما عندهم على أن يقضوا على الشعب الفلسطيني، وعلى مَن جاورهم من
الشعوب، ولا سيما القاطنين في أرض الجزيرة العربية التي لليهود فيها مطامع
تاريخية: كأراضي بني النضير وبني قريظة وأراضي خيبر وغيرها، في طرفة عين،
ولعلّهم يفعلونها يوماً من الأيام (لا قدّر الله هذا اليوم) فهم حينما
يفاوضون العرب من أجل السلام، لم يقصدوا السلام، ولم يكن خوفاً من العرب،
إنما يريدون أن يسيطروا على أراضيهم وثرواتهم برفق وبرضاً منهم أو من
حكّامهم; ليتدخلوا في شؤونهم ثقافياً واقتصادياً وسياسياً، وليكونوا أحراراً
فيما يعملون في تلك البقاع، ويتَّخذوا من تلك الشعوب أداة لبسط سلطانهم عليهم
وعلى العالم الإسلامي كلّه، ويتعاملوا معهم معاملة السيّد مع عبيده، والملك
مع رعيته طوال الدهر. وبالتالي يكون الصلح المنشود هو الطريق الوحيد للوصول
إلى مطامعهم، حتى إنهم يُمهِّلون أمر الصلح عمداً، ويسوِّفونه قصداً، لإرضاء
النفوس شيئاً فشيئاً، حتى يقتنعوا بأنه لا طريق للاخلاص سوى الصلح
والسلام.


مع أن مثل هذا الصلح هو الرصاصة الأخيرة
لسقوط هذهِ الشعوب، ثم لسقوط العالم الإسلامي والمسلمين في أيدي اليهود. فأين
الصلح العادل؟ ليس هذا سوى الاستسلام المطلق دون السلام العادل.


ثمّ إنّ اليهود، متى التزموا بعهودهم
طوال دهرهم خاصة في فلسطين لكي نثق بهم؟ وأخيراً لو فرضنا حصول كلّ هذه
الشروط والقيود، فإنّ الحُكّام لانثق بهم، وسوف يتَّخذون من هذه الفتيا
ذريعةً لإلباس الأمر على الشعوب، وسيفاوضون العدوَّ في صالحهم أكثر من صالح
الشعوب، وسيكون هذا الحكم من سماحتكم مبدأ شرعيَّة اليهود، وشرعيَّة عمل
الحكّام الذين أجروا عقد الصلح ومفاوضة السلام معهم.


فإيّاكم أن تجعلوا رقبتكم قنطرةً لهؤلاء،
والصواب هو الاكتفاء منكم بالشطر الأوّل من الفتيا، والانصراف عن الشطر
الثاني فوراً، والمرجوُّ منكم أخذ هذه السطور بعين الاعتبار، ثمّ الإجابة
عليها، فإنّي ما أردتُ إلاّ الإصلاح ما استطعتُ، والله من وراء القصد،
والسلام عليكم ورحمة الله.


/ 3