تشیید المراجعات و تفنید المکابرات (7) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تشیید المراجعات و تفنید المکابرات (7) - نسخه متنی

السید علی الحسینی المیلانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید










تشـييد المراجَعات وتفنيد المكابَرات (7)

السـيّد علي الحسيني الميلاني

آيــة الـمـبـاهـلـة

قال السـيّد طاب ثراه:


«وهل هبط بآية المباهلة بسواهم جبرئيل؟!».



فقال في الهامش:


«كلاّ، وإنّما هبط بآية المباهلة بهم خاصّةً، فقال عزّ من قائل: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) الآية».



فقيل:


«هذه الآية ممّا يتمسّك به الشيعة على أنّه دليل على الاِمامة، وعلى أنّ آل البيت هم بمرتبة النبيّ صلّى الله عليه [وآله]وسلّم، فإنّ الآية لم تفرّق بينهم وبينه، بل ساوتهم به إذْ جمعت أنفسهم مع نفسه، فقال تعالى: (وأنفسنا وأنفسكم).



وهذا اللفظ لا يقتضي المساواة، فقد قال تعالى: (لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً) (النور: 12)، ولا يدلّ هذا على أنّ المؤمنين والمؤمنات متساوون، ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: (ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم) (البقرة: 85)، فهذا اللفظ يدلّ على المجانسة والمشابهة في أُمور.


فقوله تعالى: (وأنفسنا وأنفسكم) أي: ورجالنا ورجالكم، أي: «الرجال الّذين هم من جنسنا في الدين والنسب، والمراد: التجانس مع الاِيمان». انتهى.



أقول:


وهذا أيضاً خلاصة ما جاء به ابن تيميّة، في الجواب عن الاستدلال بالآية الكريمة، وليس لهذا القائل منه شيء ولا كلمة!!


ونحن ذاكرون سبب نزول الآية المباركة، ووجه الاستدلال بها، والجواب عمّا قيل في ذلك، فها هنا فصول، وبالله التوفيق:



الفصـل الاَوّل في نزول الآية في أهل البيت عليهم السلام


قال الله عزّ وجلّ: (إنَّ مَثَلَ عيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن ربِّكَ فَلا تَكُن مِنَ الْمُمْتَرينَ * فَمَنْ حاجّك فيهِ مِن بعدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تعالَوْا نَدْعُ أبْناءَنا وأبْناءَكُم ونِساءَنا ونِساءَكُم وأنفُسَنا وأنفُسَكُم ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لعْنَةَ اللهِ على الْكاذِبينَ * إنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وما مِنْ إلهٍ إلاّ اللهُ وإنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ * فَإنْ تَوَلَّوْا فَإنَّ اللهَ عَليمٌ بالْمُفْسِدينَ)[1].


هذه هي الآية المعروفة بآية المباهلة، وسنورد قصّتها في أوّل الفصل الآتي.


وقد خرج النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المباهلة بعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام.



ذكر من رواه من الصحابة والتابعين:


وروي هذا الخبر عن جماعةٍ من أعلام الصحابة والتابعين، نذكر هنا مَن جاءت الرواية عنه في كتب غير الاِماميّة، منهم:


1 ـ أمير المؤمنين علي عليه السلام.


2 ـ عبـدالله بن العباس.


3 ـ جابر بن عبـدالله الاَنصاري.


4 ـ سعد بن أبي وقّاص.


5 ـ عثمان بن عفان.


6 ـ سعيد بن زيد.


7 ـ طلحة بن عبيـدالله.


8 ـ الزبير بن العوام.


9 ـ عبدالرحمن بن عوف.


10 ـ البراء بن عازب.


11 ـ حذيفة بن اليمان.


12 ـ أبو سعيد الخدري.


13 ـ أبو الطفيل الليثي.


14 ـ جدّ سلمة بن عبد يشوع.


15 ـ أُمّ سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله.


16 ـ زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام.


17 ـ علباء بن أحمر اليشكري.


18 ـ الشعبـي.


19 ـ الحسن البصري.


20 ـ مقاتل.


21 ـ الكلبي.


22 ـ السـدّي.


23 ـ قتادة.


24 ـ مجاهد.



أمّا أمير المؤمنين عليه السّلام، فقد ناشد القوم في الشورى بنزول الآية فيه... وسيأتي الخبر قريباً.


وأمّا عثمان، وطلحة، والزبير، وسعيد بن زيد، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقّاص، فقد أقرّوا لعليٍّ عليه السلام في ذلك.


كما روى سعد الخبر، وكان ممّا به اعتذر عن سبّ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، كما في صحيح الاَثر... وسيأتي نصّه.


وأمّا أبو الطفيل فهو راوي خبر المناشدة.


وأمّا الآخرون... فستأتي نصوص الاَخبار في روايتهم.



ومن رواته من كبار الاَئمة في الحديث والتفسير:


وقد اتّفقت كتب الحديث والتفسير والكلام على رواية حديث المباهلة، إمّا بالاَسانيد، وإمّا بإرساله إرسال المسلّمات، من أشهرهم:


1 ـ سعيد بن منصور، المتوفّى سنة 227.


2 ـ أبو بكر عبدالله بن أبي شيبة، المتوفّى سنة 235.


3 ـ أحمد بن حنبل، المتوفّى سنة 241.


4 ـ عبد بن حُميد، المتوفّى سنة 249.


5 ـ مسلم بن الحجّاج، المتوفّى سنة 261.


6 ـ أبو زيد عمر بن شبّة البصري، المتوفّى سنة 262.


7 ـ محمّـد بن عيسى الترمذي، المتوفّى سنة 279.


8 ـ أحمد بن شعيب النسائي، المتوفّى سنة 303.


9 ـ محمّـد بن جرير الطبري، المتوفّى سنة 310.


10 ـ أبو بكر ابن المنذر النيسابوري، المتوفّى سنة 318.



11 ـ أبو بكر الجصّاص، المتوفّى سنة 370.


12 ـ أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، المتوفّى سنة 405.


13 ـ أبو بكر ابن مردويه الاَصفهاني، المتوفّى سنة 410.


14 ـ أبو إسحاق الثعلبي، المتوفّى سنة 427.


15 ـ أبو نعيم الاَصفهاني، المتوفّى سنة 430.


16 ـ أبو بكر البيهقي، المتوفّى سنة 458.


17 ـ علي بن أحمد الواحدي، المتوفّى سنة 468.


18 ـ محيي السُنّة البغوي، المتوفّى سنة 516.


19 ـ جارالله الزمخشري، المتوفّى سنة 538.


20 ـ القاضي عياض اليحصبي، المتوفّى سنة 544.


21 ـ أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي، المتوفّى سنة 571.


22 ـ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي، المتوفّى سنة 579.


23 ـ أبو السعادات ابن الاَثير الجزري، المتوفّى سنة 606.


24 ـ الفخر الرازي، المتوفّى سنة 606.


25 ـ عزّالدين أبو الحسن ابن الاَثير الجزري، المتوفّى سنة 630.


26 ـ محمّـد بن طلحة الشافعي، المتوفّى سنة 652.


27 ـ شمس الدين سبط ابن الجوزي، المتوفّى سنة 654.


28 ـ أبو عبدالله القرطبي الاَنصاري، المتوفّى سنة 656.


29 ـ القاضي البيضاوي، المتوفّى سنة 685.


30 ـ محـبّ الدين الطبري، المتوفّى سنة 694.


31 ـ نظام الدين الاَعرج النيسابوري، المتوفّى سنة .


32 ـ أبو البركات النسفي، المتوفّى سنة 710.



33 ـ صدرالدين أبو المجامع إبراهيم الحموئي، المتوفّى سنة 722.


34 ـ أبو القاسم ابن الجزّي الكلبي، المتوفّى سنة 741.


35 ـ علاءالدين الخازن، المتوفّى سنة 741.


36 ـ أبو حيّان الاَندلسي، المتوفّى سنة 745.


37 ـ شمس الدين الذهبي، المتوفّى سنة 748.


38 ـ ابن كثير الدمشقي، المتوفّى سنة 774.


39 ـ ولي الدين الخطيب التبريزي، المتوفّى سنة .


40 ـ ابن حجر العسقلاني، المتوفّى سنة 852.


41 ـ نور الدين ابن الصبّاغ المالكي، المتوفّى سنة 855.


42 ـ جلال الدين السيوطي، المتوفّى سنة 911.


43 ـ أبو السعود العمادي، المتوفّى سنة 951.


44 ـ الخطيب الشربيني، المتوفّى سنة 968.


45 ـ ابن حجر الهيتمي المكّي، المتوفّى سنة 973.


46 ـ علي بن سلطان القاري، المتوفّى سنة 1013.


47 ـ نورالدين الحلبي، المتوفّى سنة 1033.


48 ـ شهاب الدين الخفاجي، المتوفّى سنة 1069.


49 ـ الزرقاني المالكي، المتوفّى سنة 1122.


50 ـ عبدالله الشبراوي، المتوفّى سنة 1162.


51 ـ قاضي القضاة الشوكاني، المتوفّى سنة 1250.


52 ـ شهاب الدين الآلوسي، المتوفّى سنة 1270.


وغيرهم من أعلام الحديث والتفسير والكلام والتاريخ في مختلف القرون.



من نصوص الحديث في الكتب المعتبرة:


وهذه ألفاظٌ من الاَخبار الواردة في نزول الآية المباركة في عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كما رواها الحفّاظ بأسانيدهم، في الكتب المعتبرة:


* أخرج ابن عساكر بسنده، وابن حجر من طريق الدارقطني، عن أبي الطفيل: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام ناشد أصحاب الشورى واحتّج عليهم بجملةٍ من فضائله ومناقبه، ومن ذلك أنْ قال لهم:


«نشدتكم بالله، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في الرحم، ومن جعله رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم نفسه، وابناه أبناءه، ونساءه نساءه غيري؟!


قالوا: اللّهمّ لا»[2].



أقول:


ومناشدة أمير المؤمنين في الشورى رواها عدد كبير من علماء الفريقين، بأسانيدهم عن: أبي ذرّ وأبي الطفيل، وممّن أخرجها من حفّاظ الجمهور: الدارقطني، وابن مردويه، وابن عبدالبرّ، والحاكم، والسيوطي، وابن حجر المكّي، والمتّقي الهندي.


وسيأتي تفصيل ذلك حيث يتعرّض لها السـيّد رحمه الله إن شاء الله تعالى.


* وفي «المسند»: «حدّثنا عبدالله، قال أبي: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقول له، وخلّفه في بعض مغازيه، فقال عليٌّ رضي الله عنه: أتخلّفني مع النساء والصبيان؟!


قال: يا علي! أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي؟!


وسمعته يقول ـ يوم خيبر ـ: لاَُعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله.


فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليّاً رضي الله عنه فأُتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه.


ولمّا نزلت هذه الآية (ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضوان الله عليهم أجمعين، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي»[3].


* وأخـرج مسلـم قائلاً: «حدّثنا قتيبة بن سعيد ومحمّـد بـن عبّـاد ـ وتقاربا في اللفظ ـ قالا: حدّثنا حاتم ـ وهو ابن إسماعيل ـ عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أنْ تسبَّ أبا تراب؟!


فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فلن أسبّه، لاَنْ تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم:


سمعت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقول له [وقد] خلّفه
في بعض مغازيه، فقال لـه عليٌّ: يا رسول الله! خلّفتني مع النساء والصبيان!


فقال له رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي.


وسمعته يقول يوم خيبر: لاَُعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله.


قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمد، فبصق في عينه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه.


ولمّا نزلت هذه الآية: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي»[4].


* وأخرجه الترمذي بالسند واللفظ، فقال:


«هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه»[5].


* وأخرج النسائي: «أخبرنا قتيبة بن سعيد البلخي وهشام بن عمّار الدمشقي، قالا: حدّثنا حاتم، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: أمر معاوية سعداً فقال: ما يمنعك أنْ تسبَّ أبا تراب؟!


فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنَّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فلن أسبّه، لاَنْ يكون لي واحدة منها أحبّ إليَّ من حمر النعم:


سمعت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقول له، وخلّفه في
بعض مغازيه فقال له عليٌّ: يا رسول الله! أتخلّفني مع النساء والصبيان؟!


فقال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي.


وسمعته يقول يوم خيبر: لاَُعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله.


فتطاولنا إليها فقال: ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمد، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه.


ولما نزلت (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) دعا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي»[6].


* وأخرج الحاكم فقال: «أخبرني جعفر بن محمّـد بن نصير الخلدي، ثنا موسى بن هارون، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: لمّا نزلت هذه الآية (ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضي الله عنهم فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي.


هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»[7].


* ووافقه الذهبي في (تلخيصه).


* وستأتي رواية الحاكم عن جابر.


* وأخرجه عن ابن عبّاس، قال: «ذِكر النوع السابع عشر من علوم الحديث: هذا النوع من هذا العلم معرفة أولاد الصحابة، فإنّ من جهل هذا النوع اشتبه عليه كثير من الروايات.


أوّل ما يلزم الحديثي معرفته من ذلك: أولاد سيّد البشر محمّـد المصطفى صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ومن صحّت الرواية عنه منهم:


حدّثنا عليّ بن عبدالرحمن بن عيسى الدهقان بالكوفة، قال: حدّثنا الحسين بن الحكم الحبري، قال: ثنا الحسن بن الحسين العرني، قال: ثنا حبّان بن عليّ العنزي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس في قوله عزّ وجلّ: (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ـ إلى قوله: ـ الكاذبين) نزلت على رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وعليٌّ نفسـه، (ونساءنا ونساءكم): فاطمـة، (وأبناءنا وأبناءكم): حسن وحسين، والدعاء على الكاذبين نزلت في العاقب والسـيّد وعبدالمسيح وأصحابهم»[8].


* وقال ابن حجر العسقلاني بشرح حديث المنزلة: «ووقع فـي رواية عامر بن سعد بن أبي وقّاص عند مسلم والترمذي، قال: قال معاوية لسعدٍ: ما منعك أنْ تسبَّ أبا تراب؟!


قال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فلنْ أسبّه... .


فذكر هذا الحديث، وقوله: لاَُعطينَّ الراية رجلاً يحبّه الله ورسوله... وقوله: لمّا نزلت (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا عليّاً وفاطمة
والحسن والحسين فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي»[9].



تنبيه:


الملاحظ أنّهم يروون كلام سعد في جواب معاوية بأشكالٍ مختلفة مع أنّ السند واحد، والقضيّة واحدة!!


بل يرويه المحدّث الواحد في الكتاب الواحد بأشكال، فاللفظ الذي ذكرناه عن النسائي هو أحد ألفاظه.


وبينما رواه بلفظٍ آخر عن بكير بن مسمار، قال: سمعت عامر بن سعد يقول: قال معاوية لسعد بن أبي وقّاص: ما يمنعك أنْ تسبَّ ابن أبي طالب؟!


قال: لا أسبّه ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لئن يكون لي واحدة منهن أحبّ إليَّ من حمر النعم، لا أسبّه ما ذكرت حين نزل الوحي عليه، فأخذ عليّاً وابنيه وفاطمة، فأدخلهم تحت ثوبه ثمّ قال: ربّ هؤلاء أهل بيتي ـ أو: أهلي ـ ...»[10].


ورواه بلفظ ثالث: إنّ معاوية ذكر عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال سعد بن أبي وقّاص: والله لئن لي واحدة من خلالٍ ثلاث أحبّ إليَّ من أنْ يكون لي ما طلعت عليه الشمس.


لاَنْ يكون قال لي ما قال له حين ردّه من تبوك: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي؛ أحبّ إليّ من أن يكون
لي ما طلعت عليه الشمس.


ولاَنْ يكون قال لي ما قاله له يوم خيبر: لاَُعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرّار؛ أحبّ إليّ من أنْ يكون لي ما طلعت عليه الشمس.


ولاَنْ يكون لي ابنته ولي منها من الولد ما له أحبّ إليّ من أنْ يكون لي ما طلعت عليه الشمس»[11].


ورواه بلفظٍ رابع عن سعد، قال: «كنت جالساً فتنقّصوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقلت: لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقول في عليٍّ خصالاً ثلاث، لاَنْ يكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم.


سمعته يقول: إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي.


وسمعته يقول: لاَُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله.


وسمعته يقول: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه»[12].


وهو عند ابن ماجة باللفظ الآتي: «قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل عليه سعد، فذكروا عليّاً، فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجلٍ سمعت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقول: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه.


وسمعته يقول: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ
بعدي.


وسمعته يقول: لاَُعطينّ الراية اليوم رجلاً يحبّ الله ورسوله»[13].



أقـول:


إنّه إنْ أمكن حمل اختلاف ألفاظ الروايات في الخصال الثلاث على وجه صحيح، ولا يكون هناك تحريفٌ ـ ومن هنا كان الاَمر بالتأمّل في بحثنا حول آية التطهير ـ فلا ريب في تحريف القوم للّفظ في ناحيةٍ أُخرى، وهي قضيّة سبّ أمير المؤمنين عليه السلام والنيل منه، خاصّةً مع السند الواحد! فإنّ أحمـد ومسلم والترمذي والنسائي وابن عساكر[14] كلّهم اشتركوا في الرواية بسندٍ واحدٍ، فجاء عند غير أحمـد: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أنْ تسبّ أبا تراب؟! فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً... سمعت...».


لكنّ أحمـد حذف ذلك كلّـه وبدأ الحديث من «سمعت...» وكأنّه لم تكن هناك أيّة مناسبة لكلام سعدٍ هذا!!


أمّا الحاكم فيروي الخبر بنفس السند ويحذف المناسبة وخصلتين من الخصال الثلاث!!


والنسائي يحذف المناسبة في لفظٍ، ويقول: «إنّ معاوية ذكر عليَّ بن أبي طالب، فقال سعد...»!!


وفي آخر يحذفها ويضع بدلها كلمة «كنت جالساً فتنقّصوا عليَّ بن
أبي طالب...»!!


وابن ماجة، قال: «قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل عليه سعد، فذكروا عليّاً، فنال منه، فغضب سعد وقال...».


فجاء ابن كثير وحذف منه «فنال منه، فغضب سعد»[15].


وفي (الفضائل) لاَحمد: «ذُكر عليٌّ عند رجلٍ وعنده سعد بن أبي وقّاص، فقال له سعد: أتذكر عليّاً؟!»[16].


وأبو نعيم وبعضهـم حذف القصّة من أصلها، فقال: «عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله: في عليٍّ ثلاث خلال...»[17].


هذا، والسبب في ذلك كلّه معلوم! إنّهم يحاولون التغطية على مساوىَ سادتهم ولو بالكذب والتزوير! ولقد أفصح عن ذلك بعضهم، كالنووي، حيث قال: «قال العلماء: الاَحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها، قالوا: ولا يقع في روايات الثقات إلاّ ما يمكن تأويله، فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنّه أمر سعداً بسبّه، وإنّما سأله عن السبب المانع له من السبّ، كأنه يقول: هل امتنعت تورّعاً أو خوفاً أو غير ذلك؟! فإنْ كان تورّعاً وإجلالاً له عن السبّ فأنت مصيب محسن، وإنْ كان غير ذلك فله جواب آخر.


ولعلّ سعداً قد كان في طائفةٍ يسبّون فلم يسبّ معهم، وعجز عن الاِنكار، وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال.


قالوا: ويحتمل تأويلاً آخراً، أنّ معناه: ما منعك أنْ تُخَطّئه في رأيه
واجتهاده، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنّه أخطأ؟». انتهى[18].


ونقله المباركفوري بشرح الحديث[19].



أقول:


وهل ترتضي ـ أيّها القارىَ ـ هذا الكلام في مثل هذا المقام؟!


أوّلاً: إنْ كان هناك مجالٌ لحمل كلام المتكلّم على الصحّة وتأويله على وجهٍ مقبول، فهذا لا يختصّ بكلام الصحابي دون غيره.


وثانياً: إذا كانت هذه قاعدة يجب اتّباعها بالنسبة إلى أقوال الصحابة، فلماذا لا يطبّقونها بالنسبة لكلّ الصحابة؟!


وثالثاً: إذا كانت هذه القاعدة للاَحاديث الواردة التي في ظاهرهـا دخل على صحابي! فلماذا يطبّقونها في الاَحاديث الواردة في فضل أمير المؤمنين عليه السلام، فلم يأخذوا بظواهرها، بل أعرضوا عن النصوص منها؟! ومنها حديث المباهلة، حيث لا تأويل فحسب، بل التعتيم والتحريف، كما سنرى في الفصل الآتي.


ورابعاً: إنّ التأويل والحمل على الصحّة إنّما يكون حيث يمكن، وقولهم: «ليس فيه تصريح بأنّه أمر سعداً بسبّه، وإنّما سأله» كذبٌ، فقد تقدّم في بعض النصوص التصريح بـ «الاَمر» و«النَيْل» و«التنقيص» وهذا كلّه مع تهذيب العبارة، كما لا يخفى.


بل ذكر ابن تيميّة: أن معاوية أمر بسبّ علي[20].


بل جاءت الرواية عن مسلم والترمذي على واقعها، ففي رواية القندوزي الحنفي عنهما، قال: «وعن سهل بن سعد، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً أنْ يسبّ أبا التراب، قال: أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً.... أخرجه مسلم والترمذي»[21].


وخامساً: قولهم: «كأنّه يقول... فإنْ كان تورّعاً... فأنت مصيب محسن» يكذّبه ما جاء التصريح به في بعض ألفاظ الخبر من أنّ سعداً خرج من مجلس معاوية غضبانَ وحلف ألاّ يعود إليه!!


وعلى كلّ حال... فهذا نموذج من تلاعبهم بمساوىَ أسيادهم، لاِخفائها، وسترى ـ في الفصل اللاّحق ـ نموذجَ تلاعبهم بفضائل عليٍّ عليه السلام، لاِخفائها، وهذا دين القوم وديدنهم، حشرهم الله مع الّذين يدافعون عنهم ويودّونهم!!



* وروى ابن شبّة، المتوفّى سنة 262، قال: «حدّثنا الحزامي، قال: حدّثنا ابن وهب، قال: أخبرني الليث بن سعد، عن من حدّثه، قال: جاء راهبا نجـران إلى النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يعرض عليهمـا الاِسلام... قال: فدعاهما النبيّ إلى المباهلة وأخذ بيد عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، فقال أحدهما للآخر: قد أنصفك الرجل.


فقالا: لا نباهلك.


وأقرّا بالجزية وكرِها الاِسلام»[22].


* وروى الحسين بن الحكم الحبري[23]، المتوفّى سنة 286 ، قال: «حدّثني إسماعيل بن أبان، قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، عـن أبي هارون، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: لمّا نزلت هذه الآية (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) قال: فخرج رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين»[24].


* وأخـرج الطبري: «حدّثنا ابن حميد، قال: ثنا عيسى بن فرقد، عن أبي الجارود، عن زيد بن عليّ، في قوله: (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) الآية، قال: كان النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين».


«حدّثنا محمّـد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السُـدّي، (فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم) الآية، فأخذ ـ يعني النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ بيد الحسن والحسين وفاطمة، وقال لعليٍّ: اتبعنـا، فخرج معهم، فلم يخرج يومئذ النصارى وقالوا: إنّا نخاف...».


«حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من
العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) قال: بلغنا أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم خرج ليلاً عن أهل نجران، فلمّا رأوه خرج هابوا وفرقوا فرجعوا.


قال معمر: قال قتادة: لمّا أراد النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين، وقال لفاطمة: اتبعينا، فلمّا رأى ذلك أعداء الله رجعوا».


«حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا ابن زيد، قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: لو لاعنت القوم، بمن كنت تأتي حين قلت (أبناءنا وأبناءكم)؟
قال: حسن وحسين».


«حدّثني محمّـد بن سنان، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، قال: ثنا المنذر ابن ثعلبة، قال: ثنا علباء بن أحمر اليشكري، قال: لمّا نزلت هذه الآية: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم) الآية، أرسـل رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إلى عليٍّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين...»[25].


* وقال السيوطي: «أخرج البيهقي في (الدلائل) من طريق سلمة بن عبد يشوع، عن أبيه، عن جدّه: إنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم كتب إلى أهل نجران... فلمّا أصبح رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم الغد بعدما أخبرهم الخبر، أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميلةٍ له وفاطمة تمشي خلف ظهره، للملاعنة، وله يومئذٍ عدّة نسوة...».


«وأخرج الحاكم ـ وصحّحهُ ـ وابن مردويه، وأبو نعيم في (الدلائل) عن جابر، قال:... فغدا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وأخذ بيد عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين...


قال جابر: فيهم نزلت: (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) الآية.


قال جابر: (أنفسنا وأنفسكم): رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وعليّ. (وأبناءنا): الحسن والحسين. (ونساءنا): فاطمة».


«وأخرج أبو نعيم في (الدلائل) من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّـاس:... وقد كان رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم خرج ومعه عليٌّ والحسن والحسين وفاطمة، فقال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: إنْ أنا دعوت فأمِّنوا أنتم. فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية».


«وأخرج ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو نعيم، عن الشعبي... فغدا النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ومعه الحسن والحسين وفاطمة...».


«وأخرج مسلم، والترمذي، وابن المنذر، والحاكم، والبيهقي في سننه، عن سعد بن أبي وقّاص، قال: لمّا نزلت هذه الآية: (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: اللّهمّ هـؤلاء أهلـي»[26].


* وقال الزمخشري: «وروي أنّهم لمّا دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتّى نرجع وننظر، فلمّا تخالوا قالوا للعاقب ـ وكان ذا رأيهم ـ: يا عبدالمسيح!


ما ترى؟
فقال: والله لقد عرفتم ـ يا معشر النصارى ـ أنّ محمّـداً نبيٌّ مرسل، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيّاً قطّ فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لنهلكنّ، فإنْ أبيتم إلاّ إلف دينكم والاِقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.


فأتى رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وقد غدا محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليٌّ خلفها، وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمّنوا.


فقال أُسقف نجران: يا معشر النصارى! إنّي لاَرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لاَزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الاَرض نصرانيٌّ إلى يوم القيامة.


فقالوا: يا أبا القاسم! رأينا أنْ لا نباهلك، وأنْ نقرّك على دينك ونثبت على ديننا.


قال: فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم. فأبوا.


قال: فإنّي أُناجزكم.


قالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أنْ لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا، على أنْ نؤدّي إليك كلّ عام ألفي حُلّة، ألفٌ في صفر وألفٌ في رجب، وثلاثين درعاً عاديّة من حديد.


فصالحهم على ذلك، وقال: والذي نفسي بيده، إنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لَمُسخوا قردةً وخنازير، ولاضطرم عليهم

الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولَما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى يهلكوا.


وعن عائشة رضي الله عنها: إنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم خرج وعليه مرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ فاطمة، ثمّ عليّ، ثمّ قال: (إنّما يريد الله ليُذهِب عنكم الرجس أهل البيت).


فإنْ قلت: ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلاّ لتبيين الكاذب منه ومن خصمه وذلك أمر يختصّ به وبمن يكاذبه، فما معنى ضمّ الاَبناء والنساء؟
قلت: ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزّته وأفلاذ كبده وأحبّ الناس إليه لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه لـه؛ وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبتّه وأعزّته هلاك الاستئصال إنْ تمّت المباهلة.


وخصّ الاَبناء والنساء لاَنّهم أعزّ الاَهل وألصقهم بالقلوب، وربّما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتّى يُقتل، ومن ثمّة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب، ويسمّون الذادة عنها بأرواحهم حماة الظعائن.


وقدّمهم في الذِكر على الاَنفس لينبّه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنّهم مقدّمون على الاَنفس مفدون بها.


وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام.


وفيه برهان واضح على نبوّة النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، لاَنّه

لم يروِ أحد من موافق ولا مخالف أنّهم أجابوا إلى ذلك»[27].


* وروى ابن الاَثير حديث سعد في الخصال الثلاثة، بإسناده عن الترمذي[28]. وأرسله في تاريخه إرسال المسلَّم، قال: «وأمّا نصارى نجران فإنّهم أرسلوا العاقب والسـيّد في نفرٍ إلى رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وأرادوا مباهلته، فخرج رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ومعه عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين، فلمّا رأوهم قالوا: هذه وجوه لو أقسمتْ على الله أن يزيل الجبال لاَزالها، ولم يباهلوه، وصالحوه على ألفَي حُلّة، ثمن كلّ حُلّة أربعون درهماً، وعلى أنْ يضيفوا رسل رسول الله. وجعل لهم ذمّة الله تعالى وعهده ألاّ يُفتنوا عن دينهم ولا يعشروا، وشرط عليهم أنْ لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به»[29].


* وروى الحاكم الحسكاني بإسناده: «عن أبي إسحاق السبيعي، عن صلة بن زفر، عن حذيفة بن اليمان، قال: جاء العاقب والسـيّد ـ أُسقفا نجران ـ يدعوان النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إلى الملاعنة، فقال العاقب للسيّد: إنْ لاعن بأصحابه فليس بنبيّ، وإنْ لاعن بأهل بيته فهو نبيّ.


فقام رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فدعا عليّاً فأقامه عن يمينه، ثمّ دعا الحسن فأقامه على يساره، ثمّ دعا الحسين فأقامه عن يمين عليّ، ثمّ دعا فاطمة فأقامها خلفه.


فقال العاقب للسيّد: لا تلاعنه، إنّك إنْ لاعنته لا نفلح نحن ولا أعقابنا
فقال رسول الله: لو لاعنوني ما بقيت بنجران عين تطرف»[30].



أقول:


وهذا نفس السند عند البخاري عن حذيفة، لكنّه حذف من الخبر ما يتعلّق بـ «أهل البيت» ووضع مكانه فضيلةً لـ «أبي عبيدة» وسيأتي في الفصل اللاّحق فانتظر!!


* وقال ابن كثير: «وقال أبو بكر ابن مردويه: حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا أحمد بن داود المكّي، حدّثنا بشر بن مهران، حدّثنا محمّـد ابن دينار، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن جابر، قال: ... فغدا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فأخذ بيد عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين... قال جابر: وفيهم نزلت...


وهكذا رواه الحاكم في مستدركه... ثمّ قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا.


قال: وقد رواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن المغيرة، عن الشعبي، مرسَلاً. وهذا أصحّ.


وقد روي عن ابن عبّاس والبراء نحو ذلك»[31].


ولكنّه ـ في (التاريخ) ـ ذكر أوّلاً حديث البخاري المبتور! ثمّ روى القصّة عن البيهقي، عن الحاكم بإسناده عن سلمة بن عبد يشوع، عن أبيه، عن جدّه؛ وليس فيه ذكر لعليٍّ عليه السلام، كما سيأتي.


* وقال القاري بشرح الحديث: «عن سعد بن أبي وقّاص، قال: لمّا نزلت هذه الآية ـ أي المسمّاة بآية المباهلة ـ (ندع أبناءنا وأبناءكم) أوّلها (فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) دعا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عليّاً؛ فنزلّه منزلة نفسه لِما بينهما من القرابة والاَخوّة، وفاطمة، أي لاَنّها أخصّ النساء من أقاربه، وحسناً وحسيناً؛ فنزلّهما منزلة ابنيه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، أي: أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. رواه مسلم»[32].



كلمات حول السنـد:


ولنورد نصوص عبارات لبعض أئمّة القوم في قطعيّة هذا الخبر:


قال الحاكم: «وقد تواترت الاَخبار في التفاسير، عن عبـدالله بن عبّاس وغيره، أنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أخذ يوم المباهلة بيد عليٍّ وحسن وحسين، وجعلوا فاطمة وراءهم، ثمّ قال: هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا، فهلّموا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين»[33].


وقال الجصّاص: «إنّ رواة السِيَر ونقلة الاَثر لم يختلفوا في أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أخذ بيد الحسن والحسين وعليٍّ وفاطمة رضي الله عنهم، ودعا النصارى الّذين حاجّوه إلى المباهلة...»[34].




وقال ابن العربي المالكي: «روى المفسّرون أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ناظر أهل نجران حتّى ظهر عليهم بالدليل والحجّة، فأبوا الانقياد والاِسلام، فأنزل الله هذه الآية، فدعا حينئذٍ عليّاً وفاطمة والحسن والحسين، ثمّ دعا النصارى إلى المباهلة»[35].


وقال ابن طلحة الشافعي: «أمّا آية المباهلة، فقد نقل الرواة الثقات والنقلة الاَثبات نزولها في حقِّ عليّ ٍ وفاطمة والحسن والحسين»[36].


واعترف القاضي الاَيجي والشريف الجرجاني بدلالة الاَخبار الصحيحة والروايات الثابتة عند أهل النقل على أنّه صلّى الله عليه وآلـه وسلّم دعا عليّاً وفاطمة وابنيهما فقط، وستأتي عبارتهما كاملةً في فصل الدلالة.












[33]. معرفة علوم الحديث: 50.


[34]. أحكام القرآن 2|16.


[19]. تحفة الاَحوذي ـ شرح جامع الترمذي ـ 10|156.


[23]. وهو أيضاً في طريق الحاكم في «المستدرك».


[15]. تاريخ ابن كثير 7|340.


[5]. صحيح الترمذي 5|596 كتاب المناقب، مناقب عليّ.


[18]. المنهاج ـ شرح صحيح مسلم بن الحجّاج ـ 15|175.


[13]. سنن ابن ماجة 1|45.


[36]. مطالب السؤول: 7.


[21]. ينابيع المودّة: 193.


[22]. تاريخ المدينة المنوّرة، المجلد 1|583.


[1]. سورة آل عمران 3: 59 ـ 63.


[3]. مسند أحمد بن حنبل 1|185.


[14]. تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام ـ 1|206 ح 271.


[8]. معرفة علوم الحديث: 49 ـ 50.


[31]. تفسير ابن كثير 1|319.


[4]. صحيح مسلم 7|120.


[26]. الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 2|38 ـ 39.


[28]. أُسد الغابة في معرفة الصحابة 4|26.


[9]. فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7|60.


[20]. منهاج السُنّـة 5|42.


[7]. المستدرك على الصحيحين 3|150.


[35]. أحكام القرآن 1|115. ط السعادة بمصر، وفي الطبعة الموجودة عندي 1|360 لا يوجد اسم عليّ، فليتحقّق.


[30]. شواهد التنزيل 1|126.


[17]. حلية الاَولياء 4|356.


[27]. الكشّاف 1|369 ـ 370.


[12]. خصائص أمير المؤمنين: 49 ـ 50.


[24]. تفسير الحبري: 248.


قال محقّقه ـ وهو العلاّمة السـيّد محمّـدرضا الحسيني الجلالي ـ: «الحديث عن أبي سعيد الخدري قد تفرّد بنقله المؤلّف، فلم يروه غيره من المؤلّفين، بل ينحصر وجوده بنسختينا ولم يوجد في سائر النسخ».


قلت: وما جاء في ذخائر العقبى، ص 25: «عن أبي سعيد...» فغلطٌ، بقرينة قوله في الآخر: أخرجه مسلم والترمذي، لاَنّ الذي أخرجاه هو عن سعد.


[32]. المرقاة فى شرح المشكاة 5|589.


[10]. خصائص أمير المؤمنين: 81.


[25]. تفسير الطبري 3|212 ـ 213.


[29]. الكامل في التاريخ 2|293.


[16]. فضائل عليّ ـ لاَحمد بن حنبل ـ: مخطوط.


[6]. خصائص أمير المؤمنين: 48 ـ 49.


[11]. خصائص أمير المؤمنين: 116.


[2]. تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام ـ: 3|90 ح 1131.


/ 1