مبانی نقد متن الحدیث عند الفریقین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مبانی نقد متن الحدیث عند الفریقین - نسخه متنی

قاسم الکعبی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

مباني نقد «متن الحديث» عند الفريقين

قاسم الكعبي*

الخلاصة

موضوع هذه الرسالة هو: «مباني نقد متن الحديث عند الفريقين»، والمقصود من المباني هي المعايير والضوابط الشرعية والعقلائية المستخدمة في تقييم ونقد متن الحديث، من حيث الصحة والضعف بغضّ النظر عن نوعية الحديث، والنظر إلى هذه المباني من حيث مخالفتها للروايات.

والهدف من هذه الدراسة هو تناول المعايير المتفق عليها بين أكثر محدّثي السُنّة والشيعة، وتنقيحها وبيان حدودها، واستخدامها كأساس في نقد الحديث.

وقد توصّلنا في هذه الدراسة إلى انّ هناك عدة مقاييس في نقد متن الحديث منها: القرآن، فكلُّ حديث يخالف القرآن مخالفة تامة من جميع الجهات، ولا يمكن الجمع بينهما، ولا يكون من قبيل الجري والتطبيق، يُعتبر مخالفاً للقرآن ومردوداً مهما كانت درجة صحّته.

و منها السُنة، وهي المقياس الثاني من مقاييس نقد المتن، وقد توصّلنا إلى أن الكاشف عن السُنة لابدّ أن يكون الحديث المتواتر، أو الإجماع بين الفريقين، ولا يمكن أن يكون حديث الاحاد مقياساً في نقد المتن، وإن كان صحيحاً.

وهناك مقاييس عقلائية في نقد المتن، والملاك في اعتبارها هو توفر عنصر القطع، أو الاطمئنان؛ ولذلك فلا إشكال في دخول ضوابط أخرى إذا ما توفرت فيها مثل هذه الصفات، وقد ذكرنا في هذه الدراسة عدة ضوابط عقلائية مثل:

التاريخ القطعي: والمراد من التاريخ هو الحقائق التاريخية التي أجمع عليها المؤرخون، وعدم وجود أي قرينة على خلاف هذا النقل.

أما العقل فيمكن اعتباره من المباني المستقلة في نقد الحديث بكلا قسميه النظري والعملي فيما إذا كان قطعياً.

ثم تناولنا مُخالفة الحديث للعلم القطعي، وقلنا أن المراد بالعلم القطعي هي الحقائق العلمية، وليست النظريات المتغيّرة والمتحولة بمرور الزمن.

أما المبنى الأخير فهو كون الحديث لا يشبه كلام المعصوم (ع) سواء من حيث بلاغته وفصاحته، أو من حيث ركاكته المعنوية، أو احتوائه على بعض المصطلحات المتأخرة عن زمن المعصوم (ع)، وبذلك تنتهي فصول هذه الدراسة، والحمد لله ربّ العالمين.

الاصطلاحات الرئيسيه: متن الحديث، مباني النقد، فريقين، مناهج العلماء، القرآن، السنت، العقل، تاريخ القطعي، علم القطعي.

الباب الاول

تحتل السُنة المطهّرة أهمية كبيرة في حياة المسلمين ليس في المجال الفقهي فقط، بل في جميع شؤون الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وقد تعرضت السُنة لهجمات متعددة من قبل الأعداء والأصدقاء، فنالها التحريف وسوء الفهم، بالإضافة إلى وجود عوامل موضوعية ساهمت في تشويه السُنة.

وقد شمّر نقّاد الحديث عن سواعدهم في تنقية السُنة فبذلوا جهودا حثيثة في سبيل هذا الهدف، ولكنهم ـ والحقّ يقال ـ أفرطوا بالنقد السندي علي حساب نقد المتن، كما صرّح بذلك الكثير من نُقاد الحديث، ثم انّهم لم يبيّنوا منهجهم في نقد الحديث، ولم ينقّحوا مبانيهم بصورة كاملة. وتأتي هذه الدراسة كخطوة أولية في هذا المجال، على أمل أن تتظافر الجهود بخطوات ودراسات أخرى أكثر عمقاً وإحكاماً.

والدراسة تقع في بابين، الباب الأول ـ التمهيدي ـ يتكون من فصلين، تناولنا في الفصل الأول معنى النقد وأنواعه وأسبابه ومناهجه، وفي الفصل الثاني تعرضنا له في مبحثين، الأول هو: نقد المحتوي عند الصحابة، والمبحث الثاني: نقد المحتوي عند أئمة أهل البيت (ع). أما الباب الثاني فيتكون من ستة فصول تتناول

المباني التالية:

1. عرض الحديث على القرآن الكريم.

2. عرض الحديث على السُنة القطعية.

3. عرض الحديث على التاريخ القطعي.

4. عرض الحديث على العقل.

5. عرض الحديث على العلم القطعي.

6. الأحاديث التي لا تشبه كلام المعصوم (ع).

وسوف نتناول هذه البحوث بشيء من الاختصار.

معنى النقد:

النقد في اللغة هو تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها، ونقدتُ له الدراهم وانتقدتها: إذا أخرجت منها الزيف، ونقد الطائر الحبَّ ينقده إذا كان يلقطه واحداً واحداً،[1] ونقدَ النثر والشعر: أظهر ما فيهما من عيب أو حُسن.[2]

ومن هنا يتبين من جميع استعمالات كلمة النقد، أنها تعني تمييز الجيد من الرديء والكشف عن محاسن الشيء ومساوئه، والمراد من نقد المحتوى: هو تمييز الأحاديث الصحيحة من السقيمة؛ وذلك بعرض محتوى الحديث على مقاييس شرعية وعقلائية، علماً بأننا حدّدنا الموضوع بتمييز الأحاديث السقيمة بعرضها على هذه المقاييس، ولم نتطرق إلى هذه الأحاديث من حيث مُطابقتها للموازين المذكورة.

مناهج العلماء والمحدّثين في نقد الحديث

هُناك مناهج متعددة في نقد الحديث، فمشهور محدثي الشيعة كان لهم أسلوب ومنهج خاص في نقد الحديث، ولم يعرفوا التقسيمات الأربعة للأحاديث (الصحيح، الحسن، الموثق، الضعيف)، فالصحيح عندهم هو ما كان مقترناً ببعض القرائن التي تدل على صحة صدوره، وهذا ما أشار إليه الكثير من المحدثين، يقول الحسن بن الشهيد الثاني: «إن القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح (الاصطلاحات الـأربعة) قطعاً؛ لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر، وإذا أُطلقت الصحة في كلام من تقدم فمرادهم منها الثبوت أو الصدق».[3]

أما منهج المعاصرين فهو يعتمد اعتمادا كلياً على السند وعدم الالتفات إلى القرائن التي ادعاها المشهور يقول السيد الخوئي: «فإن ما ذكروه في المقام و ادّعوا أنها قرائن تدلنا على صدور هذه الروايات من المعصوم لا يرجع شيء منها إلى محصّل»،[4] ولذلك فلابد من الالتفات كلياً إلى علم الرجال لمعرفة الثقة من غير الثقة، و حتى الشهرة لا تكون جابرة لضعف الخبر، ولا يكون إعراض المشهور موجباً لوهن الخبر، قال السيد الخوئي: «فإن الخبر الضعيف ليس بحجة في نفسه، وكذلك فإن فتوى المشهور ليست حجة، وانضمام غير الحجة إلى غير الحجة لا يوجب الحجية، وبعد قيام الحجية على الخبر لكونه صحيحاً أو موثقاً لا وجه لرفع اليد عنه لـإعراض المشهور عنه».[5]

أما منهج أهل السنة في نقد الحديث، فيتمثّل في تعريفهم للحديث الصحيح حيث قالوا: «الحديث الصحيح هو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذّاً ولا معللاً».[6] وهذا يعني إن شروط الحديث الصحيح هي:

1. عدالة الرواة.

2. الضبط.

3. اتصال السند.

4. السلامة من الشذوذ في السند والمتن.

5. السلامة من العلة في السند والمتن.

هذا هو منهج جمهور أهل السنة في نقد الحديث، وهناك مناهج أُخري غير علمية في نقد الحديث كالاعتماد على الكشف والشهود الباطني في تصحيح وتضعيف الحديث، كما قال أحد العرفاء وهو يخاطب علماء الإسلام: «أخذتم علمكم ميتاً عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت، يقول أمثالنا حدثني قلبي عن ربي وأنتم تقولون حدثني فلان و ابن فلان».[7]

أسباب النقد

هناك أسباب كثيرة ساهمت في نقد الحديث، وتُعتبر ظاهرة الوضع والوهم من أهم الأسباب في نقد الحديث، بالإضافة إلى الأسباب الأُخرى كالنقل بالمعنى، وتقطيع الحديث الذي كان يستخدمه بعض المحدّثين في تدوين المجاميع الحديثية على شكل أبواب فقهية؛ لتسهيل الرجوع إليها وتجّنب التكرار بالإضافة إلى التصحيف والغلط في نقل الحديث.

كلّ تلك الأسباب وغيرها استدعت من المحدّثين والنّقاد بذل الجهود الحثيثة في سبيل تنقية وتطهير السُنة مما داخَلَها، قال السيد المرتضي: «إن الحديث المروي في كتب الشيعة وكتب جميع مخالفينا يتضمّن ضروبَ الخطأ وصنوف الباطل من المحال لا يجوز ولا يُتصوّر، ومن باطلٍ قد دلَّ الدليل على بطلانه وفساده ... ولهذا وجب نقد الحديث».[8]

نقد المحتوي عند الصحابة

استخدم الصحابة عدة مقاييس في نقد محتوى الحديث ومتنه، فقد كانوا ينتقدون بعضهم بعضاً؛ وذلك بعرض مرويّاتهم على القرآن والسُنة والعقل، وقد كانت عائشة كثيرة النقد للأحاديث.

وقد جمع الزركشي جميع الاستدراكات التي استدركَتْها عائشة علي مرويّات الصحابة في كتاب مستقل اسماه (الإجابة لايراد ما استدركته عائشة على الصحابة). والآن نذكر نموذجاً من هذه الروايات.

الميت يُعذَّب ببكاء أهله

روي البخاري، عن عبد الله بن عمر أنه قال: «لمّا أُصيب عمر جعل صهيب يقول: وا أخاه، فقال عمر: أما علمتَ أن النبيّ (ص) قال: «إن الميت لَيُعذَّب ببكاء الحي»،[9] و قد انتقدت عائشة هذه الرواية بعرضها علي القرآن مرة وتصحيحها بذكر ملابسات الحديث مرة أخري، قال ابن عباس: «فلما مات عمر (رض) ذكرتُ ذلك لعائشة (رض) فقال: رحم الله عمر، والله ما حدّث رسول الله (ص) إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، و لكنَّ رسول الله (ص) قال: إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه، وقالت: حسبكم القرآن «ولا تزر وازرة وزر أخري»،[10] و في رواية أخرى عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة: وذكر لها أنّ عبد الله بن عمر يقول: «إن الميت ليعذب ببكاء الحي»، فقالت: عائشة: «إنما مرّ رسول الله (ص) علي يهودية يَبكي عليها أهلها، فقال: إنهم ليبكون عليها، و إنها لتعذَّب في قبرها».[11] وقد نسبت عبد الله بن عمر إلى سوء الحفظ، قالت: «يغفر الله لـأبي عبد الرحمن، أما أنه لم يكذب، ولقد أُنسي أو أخطأ»،[12] وذكرت القصة. وهناك روايات أخري في هذا الباب. [13]

نقد المحتوي عند أئمة أهل البيت (ع)

إن المتتبّع للأحاديث الواردة عن الأئمة (ع) يلاحظ أنهم (ع) كثيراً ما كانوا ينتقدون متون الأحاديث و يصحّحونها، بل أنهم بيّنوا بعض المقاييس في نقد الحديث بصورة صريحة كما هو الحال في أحاديث رؤية النبي (ص) لربه، فقد قال الراوي للإمام الرضا (ع) عندما ردّ الإمام هذه الأحاديث: فتكذِّب الروايات؟ فقال الإمام (ع): «إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذّبتها».[14]

وفيما يلي نموذج من نقد المتن عند الـأئمة (ع)

روي الصدوق عن الإمام أبي الحسن (ع) قال: ذُكر عنده قوم يزعمون إن الله تبارك وتعالى يَنـزل إلى السماء الدنيا، فقال: إن الله تبارك وتعالى لا ينـزل، ولا يحتاج إلى أن ينـزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد... أمّا قول الواصفين إنه تبارك وتعالى ينـزل فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى النقص أو الزيادة ...». [15] و نفس هذا الحديث عُرض علي الإمام الرضا (ع)، فقد روي عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قلتُ للرضا: يابن رسول الله، ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ينـزل كل ليلة جمعة إلى السماء الدنيا، فقال (ع): «لعن الله المحرّفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله (ص) ذلك؛ إنما قال: إن الله تبارك وتعالى يُنـزل ملكاً إلى السماء الدنيا كلّ ليلة في الثلث الـأخير وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه ...».[16] إلى غير ذلك من الروايات المعروضة على الأئمة (ع). [17]

الباب الثاني

ذكرنا في بداية البحث أن هناك قواعد وضوابط كثيرة اتفق عليها أكثر المحدّثين في نقد متن الحديث، و سوف نتناولها بشيء من الإجمال وهي:

الف) القاعدة الـأولى: عرض الحديث على القرآن الكريم

وهي من أهم القواعد الشرعية في نقد محتوى الحديث، حيث رويت بطرق متعدّدة في مصادر الفريقين، بل إن بعض الفقهاء اعتبر أنّ هذه الأخبار متواترة معنى،[18] ومضمون هذه الأخبار كل حديث يخالف القرآن فهو مردود أو باطل. وتنقسم هذه الأخبار ـ في رواياتنا ـ إلى قسمين:

1. الأخبار التي تدل على طرح الخبر المخالف للقرآن. [19]

2. الأخبار التي تدل على طرح ما لا يوافق الكتاب أو لم يوجد عليه شاهد من الكتاب. [20]

أما روايات العرض عند السنة فقد نقلها كثير من الرواة،[21] وقد ناقش بعض المحدّثين في صحّة هذه الروايات، فقال الشافعي: إن الالتزام بمثل هذه الأحاديث جهل،[22] وعلّق علي هذا الحديث فقال: «ما رواه أحد ثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير».[23] وقال في موضع آخر: «إنها رواية منقطعة عن رجل مجهول».[24] في حين ذهب بعض المعاصرين إلى إن هذه الروايات هي من صنع الزنادقة لكي يصلوا إلى غرضهم من إهمال الأحاديث،[25] وقد أجاب فقهاء الحنفية وغيرهم علي جميع الشبه التي تتعلق بهذه الأحاديث. [26]

حدود القاعدة ومعناها

اتفق أكثر المحدّثين علي أنّ المراد بالحديث الذي يخالف القرآن، هو الذي يخالفه من جميع الجهات بنحو التباين الكلي، وأنها لا تشمل الأحاديث التي تخالف القرآن بنحو الخاص والعام والمطلق والمقيد ـ أي التي يمكن الجمع بينها وبين القرآن جمعاً عرفياً ـ مع بعض الاختلافات بين المذاهب الإسلامية؛ وذلك لأن حملها علي التباين من جهة من الجهات يستلزم ردّ الكثير من الأخبار الصادرة عن المعصومين يقيناً،[27] والمراد من المخالفة هُنا ليس المخالفة النصية فقط، بل مخالفة ظواهر القرآن أيضاً، كما صرح بذلك السيد الصدر فقال: «ولا يتوهم اختصاص مفاد هذه الـأخبار المخالفة النصيّة فإنه يصدق وجدانا المخالفة بالنسبة إلى الظاهر، كما يصدق بالنسبة إلى النص، وإن الذي يتتبع الـأخبار يري إن المقصود منها ما شاع من الكذب والافتراء والتزوير على الـأئمة، وهؤلاء الكذابون كانوا يكذبون عادة بما يخالف القرآن لا بما يخالف ظاهر النص القطعي للقرآن الذي لا شائبة فيه».[28]

ولم يستبعد الشهيد الصدر نوعاً آخر من المخالفة وهي مخالفة الروح العامة للقرآن في تشريعاته، و ما لا تكون نظائره و أشباهه موجودة فيه، فإذا لم يكن الدليل الظني منسجما مع طبيعة تشريعات القرآن ومزاج أحكامه لم يكن حجة،[29] و ضَربَ مثلا علي ذلك بالروايات التي تصرح بأن الأكراد جنسٌ من الجن،[30] حيث قال: إن هذا مخالف مع الكتاب الصريح في وحدة البشرية جنساً وحسباً و مساواتهم في الإنسانية ومسؤولياتها مهما اختلفت أصنافهم وألوانهم. [31]

و قد خالفت بعض المذاهب الإسلامية في حدود هذه القاعدة؛ وذلك لاختلافها في بعض المسائل الأصولية. فقال الأحناف وبعض فقهاء الإمامية: بأن هذه القاعدة تشمل جميع الأحاديث حتى الأحاديث المخصِّصة لعموم القرآن، أو المقيّدة لمطلقِه فيما إذا لم تكن هذه الأحاديث مجمعٌ عليها أو مشهورة عند المحدّثين؛ وذلك لالتزامهم بعدم إمكانية تخصيص عموم القرآن بخبر الآحاد، قال فقهاء الحنفية: «العام من الكتاب والسنة المتواترة، لا يحتمل الخصوص، أي لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد والقياس؛ لـأنّهما ظنيان فلا يجوز تخصيص القطعي بهما».[32] وقال الشيخ المفيد: «لا يجوز تخصيص العام بخبر الواحد؛ لـأنه لا يوجب علماً ولا عملا».[33]

ومن الاختلافات الأخري التي تؤثر في كون الحديث معارضاً للقرآن أو لا، هو حكم الزيادة الحاصلة من أقوال المعصوم (عليه‌السلام ) والتي لا يوجد عينها في القرآن، فقال أصحاب الرأي: «إن الزيادة المتأخرة عن النص المزيد عليه تكون نسخ معنى لا تخصيص لهذا النص»،[34] ومن المعلوم إن نسخ القرآن بخبر الواحد مرفوض عند الجميع، فيكون الحديث حينئذ معارضا للقرآن، في حين ذهب الجمهور إلى أن التشريع المبتدأ من الرسول (ص) والذي لا يوجد عينه في القرآن تجب طاعته فيه ولو كان رسول الله (ص) لا يطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى.[35] وقد ذهب فقهاء الإمامية إلى التفصيل فقالوا: إذا كانت الزيادة مغُيّرة لحكم المزيد عليه، بحيث لو فعل بعد الزيادة على الخبر الذي كان يفعل قبلهم لم يكن مجزياً، ووجب إعادته فذلك يوجب نسخ المزيد، أما إذا كان مجزياً فلا يوجب نسخ المزيد عليه, [36] و يترتب علي الاختلاف في هذه المباني اعتبار بعض الأحاديث مخالفة للقرآن عند الحنفية، في حين يعتبره أصحاب الرأي الثاني من الأخبار المخصّصة للقرآن، أو أنها تشريعات من المعصوم (ع) تجب طاعته فيها، وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

1. يري أهل الرأي أن المسلم إذا ترك التسمية علي الذبيحة عامداً فإنها لا تحلّ له أخذاً بقوله تعالى: «و لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه»،[37] و رفضوا الحديث الوارد عن الرسول (ص) والذي يقول فيه إن: «المسلم يذبح على اسم الله، سمَّ أو لم يُسَمِّ»، واعتبروه مخالفاً لعموم القرآن الكريم وقَبلَهُ الجمهور. [38]

2. ذهب أهل الرأي إلى أن حدّ الزاني غير المحصن هو الجلد فقط، ولم يجيزوا تغريبه، أخذاً بعموم قوله تعالى: «الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة»[39] لأن الحديث الذي يتضمن الزيادة علي القرآن يُعتبر ناسخاً للقرآن ومعارضاً لهُ، وخالفهم أهل الحديث وعامة الفقهاء في هذا الأمر.[40]

والجدير بالذكر إن الذين يرفضون تخصيص عام الكتاب بخبر الواحد يشترطون أن لا يكون الخبر مشهوراً، أو مجمعاً عليه ـ كما ذكرنا سابقاً ـ فقد ردَّ الشيخ الطوسي في جوابه علي من قال: إن الصحابة قد خصّت عموم القرآن بخبر الواحد كالخبر الذي رُوي عن النبي (ص) وهو: «إن القاتل لا يرث»، والذي خصَّ آية المواريث فقال: «إنهم تركوا عموم آية الميراث بالخبر الذي تضمَّنَ أن القاتل لا يرث؛ لـأنهم أجمعوا علي صحته».[41]

التأويل

وهو من المباحث المهمة التي يجب تناوله ودراسته، لما له من علاقة بموضوع تنقيح هذا المبنى؛ لأن هناك الكثير من الأحاديث التي تبدو وكأنها مخالفة لظواهر القرآن ونصوصه، وهي أحاديث التأويل والبطون مما يستلزم معرفة التأويل وحدوده، وما هو المقبول منه، وما هو المردود.

فالتأويل في الاصطلاح هو: صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى مرجوح لدليل يصيِّرة راحجاً.[42] ومن خلال هذا التعريف يتضح أن هناك عدة ضوابط في صحته واستعماله وهي:

1. أن يكون صرف اللفظ إلى معنى يحتمله وإن كان مرجوحاً.

2. أن يكون اللفظ المصروف راجحاً.

3. وجود قرينة مُعتبرة سواء كانت شرعية أو عقلية أو لغوية.

ولهذا فلا يمكن القبول بأي تأويل و إن كان مُتكلّفاً لا يمتّ إلى ظاهر اللفظ بأدنى مناسبة و لا يوجد دليل علي هذا الصرف، بالإضافة إلى هذا الأمر فإن هناك نوعين من التأويل المقبول و هما:

1. الجري والتطبيق:

يُعتبر العلامة الطباطبائي هو أول من استخدم هذا المصطلح، وقد أخذ هذا المعنى من الرواية الواردة عن الإمام الباقر (ع) عندما سُئل عن معنى الظهر والبطن فقال: «ظهره تنزيله وبطنه تأويله، منه ما مضي ومنه ما لم يكن بعد، يجري كما يجري الشمس والقمر ...»، [43] والفرق بين الروايات التفسيرية و روايات الجري هو أن الثانية لا تُعتبر تفسيراً للآية، بل تُبيِّن مصداقاً من مصاديقها، وروايات الجري كثيرة في مجاميعنا الروائية، كما قال العلامة: «روايات الجري كثيرة في الـأبواب المختلفة، وربّما تبلغ المئين».[44]

نموذج من روايات الجري

عن ابن عباس قال: «لما نزلت «إنما أنت منذر ولكل قوم هاد» وضع (ص) يده علي صدره، فقال: أنا المنذر و لكلّ قوم هاد، و أومأ بيده إلى منكب علي، فقال: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون بعدي».[45] وقد علّق العلامة الطباطبائي على هذه الرواية فقال: معنى قوله (ص) «أنا المنذر وعلي الهادي»، أنّي مصداق المنذر، والإنذار هداية مع دعوة، وعلي مصداق للهادي من غير دعوة، وهو الإمام، لا أن المراد بالمنذر هو رسول الله (ص) والمراد بالهادي هو علي (ع) فإن ذلك مناف لظاهر الـآية».[46]

2. انتزاع مفهوم من الـآية وتطبيقه

وهو النوع الثاني من أنواع التأويل المقبول ونعني به استخراج مفهوم عام من بطن الآية بعد إلغاء الخصوصيات التي ليس لها مدخلية في الموضوع عن طريق السبر والتقسيم، كما هو الحال في الآية: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».[47] فعند إلغاء جميع الخصوصيات التي ليس لها موضوعية في الحكم وهي:

1. مورد السؤال، وهو التشكيك بنبوة محمد (ص).

2. المخاطب، وهم المشركون في الآية.

3. الأشخاص مورد السؤال، وهم أهل الكتاب.

ويمكن استخراج مفهوم عام ينطبق علي جميع الأزمنة والأمكنة من هذه الآية وهو: «علي الجاهل مراجعة العالم فيما لا يعلم»،[48] ولهذا فإذا وردت بعض الأحاديث التي تشير إلى أن المقصود من أهل الذكر هنا هم أهل البيت (ع)، فلا يمكن ردها بحجة مخالفتها لظواهر القرآن.

الخلاصة

1. إن أحاديث العرض هي من الأحاديث التي أجمعت عليها كلمة المسلمين، ونقلت بطرق متعددة في مصادر الفريقين.

2. إن المقصود بالأحاديث التي تُخالف القرآن، هو المخالفة من جميع الجهات بنحو التباين الكلي ـ مع وجود بعض الاختلافات بين المذاهب الإسلامية ـ ولا يمكن الجمع بينهما إلاّ بالتعسّف والتأويل البعيد.

3. إن أحاديث العرض لا تشمل الأخبار التي لا توافق ولا تخالف القرآن، أي أنها ساكتة عن هذا النوع من الأخبار.

4. المقصود بالمخالفة هي مخالفة، ظاهر القرآن أو نصه، أو روحه العامة.

5. لا يمكن اعتبار روايات التأويل والبطون مخالفة لظواهر القرآن فيما إذا كانت تُعتبر من مصاديق التطبيق والجري، أو كانت تشكّل مفهوماً انتزاعياً عاماً.

نماذج من الـأحاديث التي تخالف هذه القاعدة:

1. ولد الزنا لا يدخل الجنّة.

روي الصدوق بسنده عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: «إن الله تعالى خلق الجنّة طاهرة مطهرّة فلا يدخلها إلاّ من طابت ولادته».[49]

و روي أيضاً عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «يقول ولد الزنا يا ربِّ ما ذنبي، فما كان لي في أمري صنع، قال: فيناديه مناد، فيقول: أنت شر الثلاثة، أذنب والدك فَتبتُ عليهما، وأنت رجس ولن يدخل الجنّة إلاّ طاهر»،[50] و قد نُقل هذا المعنى في مصادر أهل السنة، فقد روي الحاكم عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) أنه قال: «ولد الزنا شرَّ الثلاثة»،[51] و في رواية أخري قال: «لـأن اقنع بسوط في سبيل الله أحبُّ إليَّ من أن اعتق ولد الزنا»،[52] ومن المعلوم أن هذا المعنى مما يخالف صريح القرآن وأصول العدل، ولذلك فقد انتقدت عائشة هذا المعنى، وصححت الرواية بذكر ملابسات الحديث الذي نقله أبو هريرة فقالت: «رحم الله أبا هريرة أساء سمعاً فأساء إصابة، فلم يكن الحديث علي هذا، إنما كان رجل من المنافقين يؤذي رسول الله (ص) فقال: من يُعذرني من فلان؟ قيل: يا رسول الله مع ما به ولد زنا، فقال رسول الله (ص): «هو شر الثلاثة»، والله عزّ و جلّ يقول: «ولا تزر وازرة وزر أخري».[53]

وقد انتقد أحد علمائنا هذه الروايات الموجودة في مجاميعنا فقال: «ولد الزنا حسب قواعد العدلية المطابقة للموازين العقلية والـأدلة القطعية من أنه لا تزر وازرة وزر أخري و لا يعاقب شخص بجريمة غيره فحاله إذاً حال سائر المكلفين إن اختار الطاعة وعمل الخير فهو من أهل الجنّة والنعيم، و إن اختار المعصية وعمل الشر كان من أهل الجحيم، وكلّ ما في الـأخبار مما ينافي هذا فلا بد من تأويلها وحملها علي ما لا ينافي تلك القاعدة المحكمة».[54]

2. روي الكليني في كتابة عن صفوان بن يحيى، قال: «سألني أبو قرة المحدّث أن أُدخله علي أبي الحسن الرضا (ع) فاستأذنته في ذلك فإذن لي فدخل عليه، فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد، فقال أبو قرة: إنّا روينا إن الله قسّم الرؤية والكلام بين نبيّين، فقسم الكلام لموسي، ولمحمد الرؤية، فقال أبو الحسن (ع): فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن والـأنس «لا تدركه الـأبصار» و «ولا يحيطون به علماً» و «ليس كمثله شيء»، أليس محمد؟ قال: بلي، قال: «كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله، فيقول: «لا تدركه الـأبصار» و «لا يحيطون به علماً» و «ليس كمثله شيء»، ثم يقول: أنا رأيته و أحطت به علماً، و هو علي صورة البشر، أما تستحيون؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيءٍ، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر؟ قال أبو قرة: فإنه يقول: «ولقد رآه نزلة أخري»، فقال أبو الحسن (ع): إن بعد هذه الـآية ما يدل علي ما رأي، حيث قال: «ما كذب الفؤاد ما رأي»، يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأي، فقال: «لقد رأي من آيات ربه الكبر»، فآيات الله غير الله، وقد قال الله: «و لا يحيطون به علماً»، فإذا رأته الـأبصار فقد أحاطت به العلم و وقعت المعرفة، فقال أبو قرة: فتكذّب بالروايات؟ فقال أبوالحسن (ع): إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذَّبتها. وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علماً، و لا تدركه الـأبصار، و ليس كمثله شيء».[55]

ففي هذا الحديث إشارة صريحة إلى هذا المعيار، وهو قول الإمام (ع): إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذّبتها، ونكتفي بهذا القدر، ومن أراد المزيد فعليه بمراجعة الكتب المختصة بهذا المجال.

ب) القاعدة الثانية: عرض الحديث علي السنة

تُعرف السنة بأنها قول المعصوم أو فعله أو تقريره، وليس لها إلا قسم واحد فقط، وهو الصحيح المصون من الخطأ والكذب،[56] وقد وردت الأخبار في استخدام السنة كمقياس من مقاييس تشخيص الحديث الصحيح من غيره:

1. عن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به و منهم من لا نثق به؟ قال: إذا ورد عليكم الحديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله، أو من قول رسول الله (ص) و إلاّ فالذي جاءكم به أولى به. [57]

2. روي الخطيب البغدادي عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: «سيأتيكم عني أحاديث مختلفة فما جاءكم موافقاً لكتاب الله وسنتي فهو مني، وما جاءكم مخالفاً لكتاب الله وسنتي فليس مني»،[58] إلى غيرها من الأحاديث الكثيرة اعرضنا عنها اختصاراً. [59]

و هناك طائفة أخرى من الأخبار تدل علي التمسّك بالسنة حيث يقتضي ردّ كل ما يخالفها،[60] وقد أجمع المسلمون علي استخدام هذا المعيار في نقد الحديث، قال الشيخ المفيد: «أما إجماع الـأمة فأنهم مطبقون علي أن كل ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل»،[61] وقال السيد الطباطبائي: «و بالجملة لا موجب لطرح رواية أو روايات إلا إذا خالفت الكتاب والسُنة القطعية».[62]

حدود القاعدة

لكي نحكم علي الحديث بأنه مخالف للسنة لابد من تحقق شرطين رئيسيين وهما:

1. لابد أن يكون الكاشف عن السنة، أما الخبر المتواتر أو الإجماع على النقل بين الفريقين.

2. عدم إمكانية الجمع بينهما جمعاً عرفياً، أو من خلال حمل الحديث على اختلاف الأحوال و الأزمان، أو ما شابه ذلك.

و تحقيق الكلام في الشرط الأول نقول: إن السنة ـ كما جاء في التعريف ـ بأنها نفس قول و فعل وتقرير المعصوم (ع)‌فلا يوجد فيها غير قسم واحد فقط، و هو الصحيح، فلابد أن يكون الكاشف عنها، أما شيء قطعي، أو قريب منه، و ذلك لسببين:

1. لأن أحاديث العرض صَرّحت بعرض الحديث علي السنة، والسنة أمر قطعي، فلابد أن يكون الكاشف عنها أمراً قطعيّاً أيضاً.

2. لكي يكون الشيء مقياساً ومعياراً، لابد من توفر عنصر القطع حتى يمكن ردّ، أو قبول الأحاديث في ضوءه، أما إذا كان ظنياً فلا يمكن جعله معياراً؛ إذ لا يمكن ترجيح ظن علي ظن آخر. وعندما نأتي إلى مفردات الكشف عن السنة نجدها تتلخص في أربعة لا خامس لها، و هي:

1. الأخبار المتواترة.

2. أخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن.

3. الإجماع علي النقل بين الفريقين.

4. خبر الواحد المجرد عن القرينة.

أما بالنسبة إلى الثلاثة الأولى فلا ريب ولا شك في كونها كاشفة عن السنة كشفاً قطعياً، أو علي الأقل حصول الاطمئنان بكونها من السنة، و إنما النقاش في وجود أخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن، فقد صرح بعض علمائنا بعدم وجود مثل هذه الأخبار في مجاميعنا الروائية، فقال: «فأخبارنا اليوم كلها ظنية إلا ما ندر، ومخالفة الـأخباريين في ذلك ودعواهم قطعيتها فاسدة».[63]

أما بالنسبة إلى أخبار الآحاد المجردة عن القرائن فيمكن تقسيمها إلى قسمين:

1. الخبر المستفيض.

2. الخبر غير المستفيض.

أما بالنسبة إلى الثاني فيمكن اعتباره كاشفاً عن السنة كشفاً ظنياً، وأنه حجة في مقام العمل بالأحكام ـ كما حُقّق في محله ـ ولكن لا يمكن اعتباره قاعدة في تمييز الخبر الصحيح عن غيره، وميزاناً توزن به الأخبار؛ لأنه ـ كما قلنا ـ لا يخرج عن إفادته الظن، ثم أنه خارج من دائرة أخبار العرض باعتبار إن القدر المتيقن منها هي السنة المقطوع، بالإضافة إلى أنه يمكن الاستيناس بقول أمير المؤمنين (ع) لابن عباس عندما بعثه إلى الخوارج للاحتجاج عليهم قال له: «لا تحاججهم بالقرآن؛ فإنه حمـّال ذو وجوه، ولكن حاججهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً»،[64] فلو كانت السنة أمراً ظنّيّاً يمكن الاختلاف حوله لما أمكن إفحامهم ومحاججتهم بها.

أما بالنسبة إلى الخبر الواحد المستفيض،[65] وهو الخبر الذي تكثر رواته في كل مرتبة عن ثلاثة، و عن بعضهم أنه ما زاد عن أثنين،[66] فالمسلّم به عند المحدّثين أنه لا يخرج عن الظن، و هو قسمٌ من أخبار الآحاد، و علي ضوء ما ذكرناه سابقاً لا يمكن اعتباره من القواعد في نقد الحديث، فلم يبق إلا التواتر و الإجماع علي النقل بين الفريقين؛ لتحقيق درجة من الاطمئنان و القطع في القاعدة، حتى يمكن استخدامها في نقد الأحاديث.

و هناك نقطة جديرة بالملاحظة، و هي أنه قد يكون هناك خبر منقولٌ عن المعصوم (ع) في المجاميع الروائية لكن قام الإجماع بين الفريقين علي انه لم يثبت في السُّنة، ولم يفعله الرسول (ص) فإنه ينطبق عليه بأنه مخالف للسنة، أي نقول: أنه ليس من سُنة المعصوم (ع).

و اليك نموذجين علي ذلك:

1. روايات الاستخارة بالرقاع والبنادق والحصي

وردت بعض الروايات في كتبنا الروائية في كيفية الاستخارة، منها الاستخارة بالرقاع والبنادق والحصي،[67] و في رواية أخري فيما تسمي الاستخارة المصرية،[68] و قد حكم بعض علمائنا في شذوذ هذه الروايات، قال الشيخ المفيد: «وهذه الرواية شاذة (الاستخارة بالرقاع) ليس كالذي تقدم، لكنا أوردناها للرخصة دون تحقيق العمل بها»،[69] و المقصود أنها لا تشبه الروايات الواردة عن الرسول (ص) و الأئمة (ع)، و المنقولة في كتب الفريقين و هي الصلاة ركعتان، ثم الدعاء بالمأثور، قال صاحب البحار: «وقد ورد العمل بها (الاستخارة) وجوه مختلفة من أحسنها أن تغتسل ثم تصلي ركعتين تقرأ فيها ما أحببت فإذا فرغت منها قلت: اللهم إني أستخيرك لعلمك...»،[70] و قد صرّح بعض العلماء بكثرة هذه الروايات، فقال: «و هذه الروايات كثيرة و هي مشهورة بين العامة والخاصة».[71]

أما ما جاء في كتب العامة فهو ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: «كان رسول الله (ص) يعلمنا الاستخارة في الـأمور، كما يعلّمنا السورة من القرآن، يقول: إذا همَّ أحدكم بالـأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك لعلمك، و استقدرك بقدرتك، و أسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، و تعلم و لا أعلم، و أنت علاّم الغيوب».[72]

و في الختام نستشهد برأي ابن إدريس في مثل هذه الأخبار، قال: «فأما الرقاع والبنادق و القرعة فمن أضعف أخبار الـآحاد و شواذ الـأخبار؛ لـأن رواتها فطحية ملعونون، مثل زرعة و رفاعة وغيرهما، فلا يلتفت إلى ما اختصا بروايته، ولا يُعرج عليه، والمحصلون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه إلا ما اخترناه، و لا يذكرون البنادق و الرقاع و القرعة إلا في كتب العبادات دون كتب الفقه فشيخنا أبو جعفر الطوسي (ره) لم يذكر في نهايته ومبسوطه و اقتصاده إلا ما ذكرنا و اخترناه، ولم يتعرض للبنادق، وكذلك شيخنا المفيد في رسالته إلى ولده لم يتعرض للرقاع ولا للبنادق».[73]

2. عن ابن عباس قال: «قال رسول الله (ص): من خضّبَ بالسواد سوّد الله وجهه يوم القيامة».[74] و مثلها عن ابي الدرداء،[75] و قد سئل بعض المفتين عن الخضاب بالسواد، فقال: لا يجوز أن يصبغ الرجل لحيته بالسواد، لورود الأمر باجتنابه والنهي عن فعله. [76]

و مثل هذه الروايات مخالفة لما نقل بين الفريقين من جواز الخضاب بالسواد، فقد روي ابن ماجه بسنده عن صهيب عن رسول الله (ص) أنه قال: إن أحسن ما اختضبتم به لهذا، السواد، أرغب لنساءكم فيكم، و أهيب لكم في صدور عدوكم.[77] و كذلك روي الهيثمي أن الحسن و الحسين (ع) كانوا يخضبون بالسواد،[78] بالإضافة إلى الروايات الكثيرة الواردة من طرقنا، مثل ما روي عن أبي جعفر (ع) قال: دخل قوم علي الحسين بن علي (ع) فرأوه مختضباً بالسواد فسألوه عن ذلك، فمدَّ يده إلى لحيته، ثم قال: أمر رسول الله (ص) في غزاة غزاها أن يختضبوا بالسواد ليقووا به علي المشركين.[79]

ج) القاعدة الثالثة: عرض الحديث علي التاريخ

يُعتبر التاريخ القطعي من المعايير المهمة في نقد الحديث ـ كما صرح بذلك كثير من المحدثين ـ و يرجع ذلك إلى اعتباره من القرائن القطعية علي كذب أو صحة الخبر، وترجيح القطع علي الظن.

و قد استخدم القرآن الكريم هذا المقياس في رد بعض الدعاوي الباطلة، فعندما جاء علماء اليهود والنصاري إلى الرسول (ص) يجادلونه في إبراهيم (ع) فقالت اليهود: إنه كان يهودياً، و ادعي النصاري مثل هذه الدعوي، فنـزلت الآية الكريمة: «ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً و لكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين»،[80] ثم استند القرآن إلى التاريخ في ردّ هذه الدعوي فقال: «يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم وما أُنزلت التوراة والـإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون»،[81] فقد كانت رسالة إبراهيم سابقة علي رسالة موسي وعيسي (ع) فكيف يُدين نبي سابق بدين لاحق؟

التاريخ بين الظن واليقين

عندما نقول أنه لابد أن يكون التاريخ قطعياً فأنه ليس معنى ذلك الحصول علي الحقيقة التاريخية المطلقة، فأنه لا مطمع لنا بالحصول علي ذلك لأسباب كثيرة، بل المقصود هو الحقيقة التي يمكن الاطمئنان إليها و جعلها مقياساً نقيس عليها الأخبار، قال أحد الباحثين في هذا المجال: «وينبغي علينا أن نلاحظ أنه ليس المقصود بالحقيقة التاريخية الوصول إلى الحقيقة المطلقة، إذ أن هذا الـأمر غير مستطاع لعوامل مختلفة، مثل ضياع الـأدلة و انطماس الـآثار... فالحقيقة التي يصل إليها المؤرّخ هي حقيقة صحيحة نسبياً، وكلما زادت نسبة الصدق فيها اقترب التاريخ من أن يصبح تاريخاُ بالمعنى الصحيح».[82]

طرق الوصول للحقيقة التاريخية النسبية

للوصول إلى الرواية التاريخية الصحيحة التي تورث الاطمئنان و يمكن اعتبارها مقياساً لردّ الأحاديث هناك بعض الطرق و هي:

1. الاعتماد علي الوثائق من الطراز الأول؛ وذلك لأن المؤرخ يعتمد في توثيقه علي نوعين من الوثائق[83] وهي:

أ. وثائق الدرجة الأولى: و هي التي لم يقصد كاتبوها شهادة التاريخ، و من هنا يأتي صدقها كما هو الحال في المعاملات الرسمية مثل عقود البيع والإيجار. [84]

ب. وثائق الدرجة الثانية: و هي التي يقصد مؤلفوها شهادة التاريخ كما هو الحال في معظم كتب التاريخ التي تتأثر بالكثير من الأسباب التي تقلل من قيمتها التاريخية.

2. الإجماع علي النقل بين جميع المؤرخين، و عدم وجود قرينة علي خلاف هذا النقل، و في الحقيقة فإن الإجماع على النقل لم يأت جزافاً، و إنما جاء نتيجة لعدة عوامل منها استقراء السيرة النبوية و الأحاديث، ومقارنتها مع نصوص القرآن. بالإضافة إلى استخدام العقل في ترتيب الحوادث، كل تلك العوامل شكَّلت إجماعاً عند المؤرخين علي تلك الحادثة و لو كانت هناك قرينة علي كذب هذا الإجماع لذكرها بعض المؤرخين، أي أن إجماع المؤرخين يكون كاشفاً عن مجموع العوامل المذكورة سابقاً؛ و لهذا يمكن اعتبار التاريخ مورثاً للاطمئنان في نقد الحديث.

نماذج من الروايات المخالفة للتاريخ

1. روي الكليني بسنده عن أبي بصير عن أحدهما (ع) في قوله عزّ وجلّ: «أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الـآخر»، نزلت في حمزة و علي (ع) و جعفر و العباس و شيبة، أنهم فخروا بالسقاية و الحجابة فأنزل الله عزّ ذكره: «أجعلتم سقاية الحاج ...»، و كان علي (ع) و حمزة و جعفر الذين آمنوا بالله و اليوم الآخر، و جاهدوا في سبيل الله، لا يستون عند الله. [85]

و هذه الرؤية تواجه عدة إشكالات من جهة التاريخ، فقد أجمع المفسرون علي أن سورة التوبة مدنية، بل هناك من قال بأنها آخر ما نزل علي النبي (ص) بالمدينة،[86] و أن علياً (ع) و جعفراً (ع) و الحمزة (ع) لا يمكن أن يجتمعوا في آن واحد؛ لأن جعفراً (ع) هاجر إلى الحبشة قبل هجرة النبي (ص) و لم يرجع إلا أيام فتح خيبر كما نص عليه عامة المؤرخين،[87] و قد استُشهد حمزة قبل ذلك بمدة في معركة أُحد كما هو معلوم. فالرواية لا تتفق مع المسلّمات التاريخية، قال العلامة الطباطبائي: «و الرواية لا تلائم ما يثبته النقل القطعي فقد كان حمزة من المهاجرين الاولين لحق برسول الله (ص) ثم أستشهد في غزوة أُحد في السنة الثالثة من الهجرة، وقد كان جعفر هاجر إلى الحبشة قبل هجرة النبي (ص) ثم رجع إلى المدينة أيام فتح خيبر، وقد أستشهد حمزة قبل ذلك بمدة فلو كان من الخمسة إجتماع علي التفاخر فقد كان قبل الهجرة النبوية».[88]

2. روي السيوطي عن أبي أمامة قال: «لما نزلت: (و انذر عشيرتك الـأقربين) جمع رسول الله (ص) بني هاشم فأجلسهم علي الباب، وجمع نساءه وأهله فأجلسهم في البيت ثم اطلع عليهم فقال: «يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار، واسعوا في فكاك رقابكم أو فكّوها بأنفسكم من الله فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، ثم أقبل علي أهل بيته، فقال: يا عائشة بنت أبي بكر، و يا حفصة بنت عمر، ويا أم سلمة، و يا فاطمة بنت محمد ...»، [89] و الرواية تواجه اشكالاً من الناحية التاريخية، فقد أجمع المؤرخون و المفسّرون علي أن هذا الآية مكية نزلت في السنة الثالثة أو الرابعة من البعثة النبوية،[90] و لم يكن النبي (ص) متزوجاً إلا من خديجة (س) في تلك الفترة فأن أم سلمة وحفصة تزوّجهما النبي (ص) في المدينة بعد الهجرة، وأن عائشة لم تكن مولودة، وقت نزول هذه الآية،[91] و قد روي ابن جرير رواية أخري في سبب النزول، و لم يذكر فيها فاطمة (س) و لا حفصة و لا عائشة و لا أم سلمة. [92]

د) القاعدة الرابعة: العقل

ماهية العقل في القرآن والسُنة

وردت كلمة العقل في القرآن قرابة خمسين مرة،[93] و لم تأت بصيغة المصدر و إنما جاءت بصيغة الفعل، فتارة يُرغِّب القرآن الإنسان باستخدام العقل،[94] و أخري يُظهر التأسف علي عدم استعماله و تعطيله،[95] و ثالثة يمدح أهل العقل،[96] أو يذم الذين يمهلون عقولهم،[97] و قد كانت دعوة القرآن لاستخدام العقل في مجالات كثيرة منها:

1. الاستدلال و التدبر بآيات الله العظيمة في الكون والإنسان. [98]

2. الاستدلال علي المحذورات الفاسدة للقضية لإثبات قضية أخري. [99]

3. الاستدلال علي عدم وجود العبث في الخلق من خلال النظام و الترتيب الموجود في الكون. [100]

4. التدبر في السُنن الربانية في حياة الإنسان. [101]

5. توجيه العقل إلى التعرف علي أسرار الكون و الاستفادة منها في تعمير الأرض. [102]

أما في الروايات فقد وردت كلمة العقل كثيراً، فقد جاء في بعض الروايات بأن الحجة لا تتم علي العبد إلا بالعقل،[103] وإن الإنسان سوف يُحاسب علي قدر عقله في الآخرة،[104] و هو مقياس التكليف في الدنيا، و إن لوح القلم مرفوع عن المجنون و الطفل و النائم،[105] و إن الأنبياء إنما جاؤوا ليثيروا دفائن العقول،[106] و إن لله حجتين ظاهرة و باطنة، و إن العقل هو الحجة الباطنة،[107] و إن العقل هو أصل العلم و داعية الفهم. [108] إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة.

المراد من العقل في الحكم علي الروايات:

اختلفت أنظار العلماء في المراد من العقل، فقال بعضهم: إن المراد من العقل هو العقل الحصيف الذي يتفق عليه جميع العقلاء إذا تجردوا عن كل النزعات و الرواسب والخلفيات.[109]

و قال آخر: بل العقل هو المستنير بالكتاب و السُنة الثابتة لا العقل المجرد،[110] في حين ذهب آخر إلى أن المراد من العقل هو الذي يكون جزء منه شرعياً أو دائراً في فلك النصوص،[111] و قد استنكر بعضهم استخدام هذا المقياس في الحكم علي الروايات فقال: «لنفرض أن تحكيم العقل في الـأحاديث هو الصواب فنحن نسأل: أي عقل هذا الذي تريدون أن تحكّموه؟ أعقل الفلاسفة؟ أنهم مختلفون، أم عقل الـأدباء، أم عقل الـأطباء أم ...». [112]

و نقول: إن الخروج بنتيجة قاطعة يتفق عليها الجميع غير ممكن لاختلاف المذاهب في بعض المباني فقد تكون هناك قضية مستحيلة في نظر العقل عند البعض ممكنة عند البعض الآخر، و لكن الأمر المُسلّم به عند الجميع هو أن العقل لابد أن يكون قطعياً، و هو لا يكون كذلك إلا إذا كانت القضايا المستخدمة فيه بديهية، أو نظرية تنتهي إلى البديهية،[113] و ذلك في العقل النظري،[114] أو بديهيات العقل العملي كحسن العدل و قبح الظلم.

علاقة العقل مع العلوم النقلية

اتفق العلماء كافة علي عدم إمكانية التعارض بين أحكام الشرع و العقل إذا كانا قطعيين، و قد استخرجوا من ذلك قاعدة هي: إن النقل الصحيح لا يأتي مخالفاً للعقل الصريح، وقد استغرب الشيخ الأنصاري من وجود التعارض بين حكم العقل و الشرع، فقال: «و كذا لو فرض حصول القطع من الدليل النقلي كيف يجوز حكم العقل بخلافه علي وجه القطع»،[115] و قال الغزالي: «ودليل العقل لا يجوز أن يقابل النص الصريح من الشارع، لـأن الـأدلة لا تتعارض».[116]

و دليل عدم المعارضة في نفس الأمر أنّهما يخرجان من مشكاة واحدة، فالشرع حجة من الخارج و العقل حجة من الداخل، كما ورد في الروايات، و لهذا سوف تكون علاقة العقل بالشرع علي ثلاثة أقسام:

1. إذا كان الدليل العقلي قطعياً، و النقلي ظنياً، فيقدم الدليل العقلي علي الظني؛ لأن القطع حجة من أي طريق كان.

2. يُقدَّم الدليل النقلي على العقلي إذا كان النقلي قطعياً.

3. إذا كان كلا الدليلين ظنياً فهنا رأيان:

ب‌. يُقدّم الدليل النقلي علي العقلي؛ لأنه حجة من باب حجية الظن.

ب. يُقدّم الراجح منهما، قال ابن تيمية: «فأما القطعيان فلا يجوز تعارضهما سواء كانا عقليين أو سمعيين، أو أحدهما عقلياً والـآخر سمعياً، و هذا متفق عليه بين العلماء..., أما إن كانا جميعاً ظنيين فإنه يُصار إلى مطلب ترجيح احدهما فأيهما مرجّح كان هو المقدم».[117]

تقسيم القضايا من حيث أدراك العقل

يمكن تقسيم القضايا من حيث إدراك العقل لها إلى ثلاثة أقسام:

1. القضايا الضرورية: و هي القضايا التي لا تحتاج إلى دليل لإثباتها و يتساوي جميع البشر في إدراكها، كعلم الإنسان بوجوده، و أن الواحد نصف الاثنين، و هي علي قسمين:

أ. القضايا الضرورية التي يدركها العقل النظري، مثل امتناع اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما.

ب. القضايا الضرورية التي يدركها العقل العملي كحسن العدل و قبح الظلم.

2. القضايا النظرية: و هي القضايا التي تُكتسب عن طريق النظر و التجارب، و التي تشكّل معظم قضايا العلوم.

3. القضايا التي لا يملك العقل طريقاً لإدراكها؛ و ذلك لأنها فوق مستوي العقل، و لابد من وجود مصدر آخر لتحصيلها مثل مسائل الآخرة و الجنّة و النار و صفات الملائكة و ....

قال ابن خلدون في إثبات عجز العقل عن الوصول إلى هذه القضايا: «العقل ميزان صحيح فأحكامه يقينية لا كذب فيها، غير أنك لا تطمع أن تزن به أمر التوحيد و الـآخرة و حقيقة النبوة، و حقائق الصفات الـإلهية وكل ما وراء طوره فإن ذلك طمعٌ في محال».[118] و برغم أن جميع المذاهب اتفقت علي هذا الأمر، أي وجود قضايا لا سبيل للعقل لإدراكها، و لكنهم اختلفوا في تطبيق ذلك علي المصاديق، فالذين ينفون رؤية الباري يقولون باستحالة ذلك عقلاً؛ لأنه يقتضي وجود الجهة و الحيز في حين ذهب الأشاعرة إلى إمكانية رؤية الله في الآخرة.

نماذج من الـأحاديث المخالفة للعقل

و فيما يلي نضرب مثالين من الأحاديث التي تخالف العقل بشقّيه العملي والنظري:

1. روي البخاري بسنده عن أبي هريرة أنه قال: «قال سليمان بن داود (ع) لـأطوفنَّ الليلة علي مائة امرأة ـ أو تسع وتسعون ـ كلهُنَّ يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم تحمل منهنَّ إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، و الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون».[119]

و هذا الحديث يخالف العقل، فبالإضافة إلى أنه عمل قبيح ومستهجن عند الناس؛ لأنه يصور نبي من أنبياء الله لم يكن همه إلا ممارسة العمل الجنسي، فإن هذا العمل محال عادة فكيف يمكن لإنسان مهما بلغت قوته الجسدية أن يفعل ذلك بليلة واحدة، بالإضافة إلى أنه محال عادةً من الناحية الزمنية، فلو قسمنا حصة كل امرأة عشرة دقائق لاستغرق ذلك أكثر من ستة عشر ساعة.

2. رُوي أن أربعين صحابياً طلبوا أمير المؤمنين (ع) إلى الضيافة في ليلة واحدة و في وقت واحد، و لما أصبحوا قال كل واحد منهم: إن علياً كان ضيفي البارحة،[120] و هذا الحديث من المحالات العقلية؛ إذ لا يمكن أن يتواجد أمير المؤمنين (ع) في مكانين في آن واحد، ولا يمكن المناقشة في ذلك بان هذا الأمر من الكرامات، إذ أن الكرامة لا تقتضي تجويز المحال إلا أن يًُقال إن الأمر لا يعدو أن يكون تخيّلاً، و ليس له حقيقة واقعية.

القاعدة الخامسة: العلم

عرض الحديث علي العلم القطعي

وردت كلمة العلم و مشتقاتها في القرآن قرابة أربعمائة مرّة،[121] و يمكن تصنيف الآيات القرآنية التي تناولت موضوع العلم إلى عدة أقسام:

1. الآيات التي تعطي قيمة كبيرة للعلم و الاتصاف به. [122]

2. الآيات التي تشير إلى أدوات تحصيل العلم. [123]

3. الآيات التي تشير إلى التفكير في آيات الله و الكون و اتخاذها وسيلة من اجل زيادة الايمان بالله. [124]

4. الآيات التي تبيّن أسرار عالم الطبيعة في علم الفلك،[125] و علم الأرض،[126] و الأحياء،[127] بالإضافة إلى الروايات المتعددة الواردة عن المعصومين (ع) و التي تحث علي طلب العلم و اعتباره من الفرائض،[128] و تفضيل العلم عل العبادة[129] و غيرها. [130]

تقسيم العلوم

يمكن تقسيم العلوم إلى عدة أقسام: [131]

1. العلوم الطبيعية: و هي العلوم التي يكون موضوعها الطبيعة، و التي تَستخدم المنهج التجريبي في البحث كالفيزياء و الكيمياء و ....

2. العلوم الرياضية: و هي العلوم التي يكون موضوعها العدد و التابع.

3. العلوم الإنسانية: و هي العلوم التي تهتم بالإنسان من حيث هو فرد، و من حيث هو عضو في جماعة مثل العلوم اللغوية و الأخلاقية و ....

و المقصود من العلوم هنا هي العلوم التجريبية التي تَستخدم التجربة كمنهج للحصول علي الحقائق. [132]

تعارض العلم والدين

يمكن تقسيم القضايا العلمية وعلاقتها بالدين إلى ثلاثة أقسام:

1. القضايا الدينية التي توافق العلم القطعي.

2. القضايا التي تخالف العلم القطعي.

3. القضايا التي لا يملك العلم طريقاً لإثباتها و نفيها.

فمجموعة القضايا الأولى و الثالثة خارجة عن تناول هذه الدراسة، أما بالنسبة إلى المجموعة الثانية من القضايا، فالتعارض لا يكون واقعياً فيما إذا كان الحديث مقطوع الصدور و الدلالة و كان العلم قطعياً لاعتقادنا بأن المعصوم (ع) لا ينطق عن الهوي، و ما يأتي به إنما يكون من عند الله تعالى خالق الكون و الحياة، فلا يمكن حينئذ أن يقع التعارض بين العالم التشريعي و التكويني.

و علي كل حال فإن المقياس في ردّ الأحاديث هي العلوم القطعية، و ليست النظريات الظنية التي تتعرض للتغيير باستمرار، فلا يمكن الحكم علي الأحاديث بأنها مخالفة لنظرية من النظريات ما لم يثبت صحتها وتسالمها بين العلماء.

العلوم التجريبية بين الظن واليقين

تعتمد العلوم التجريبية علي الاستقراء[133] في تحصيل المعرفة، و بما أن الاستقراء لا يمكن أن يكون كاملا مهما تعددت مفرداته؛ لأنه يقوم علي أساس تجميع الشواهد و القرائن لتأييد أحد الظواهر أو دحضها، و هذا التجميع مهما بلغ من القوة والكثرة لا يمكن أن يبلغ درجة اليقين، فكيف يمكن حل مُشكلة الطفرة من الخاص إلى العام، و من الاحتمال إلى اليقين، و قد تعددت المذاهب في حل هذه الإشكالية، و يمكن تقسيم هذه المذاهب إلى ثلاثة: [134]

1. المذهب العقلي

و هي مدرسة أرسطو و تلامذته، حيث يؤمنون بوجود قضايا أولية بديهية و يقينية، و قد أرجع هذا المذهب القضية الاستقرائية إلى قضيتين برهانيتين، الصغري منها مجموعة القضايا المحسوسة المجربة، و هي بديهية، أما الكبري فهي القضية التي تقول بأن: التكرار لا يكون دائما، و هذه قاعدة عقلية بديهية حسب رأيهم، و بالنتيجة سوف تكون القضية المستنبطة منهما بديهية و يقينية أيضاً، و لهذا اعتقد أصحاب المذهب العقلي بأن القضية التجريبية يمكن أن تورث اليقين فيما إذا كانت الأولى صحيحة (تكرار القضية المحسوسة) و أن المعرفة التجريبية هي معرفة واقعية يقينية تكشف عن واقع موضوعي.

2. المذهب التجريبي

و هو المذهب الذي ينكر وجود معرفة قَبْلية يقينية، و يُرجع جميع العلوم البشرية إلى التجربة و الاستقراء، و يؤمن بأن التعميم الاستقرائي يحتاج إلى افتراض قضايا لا يمكن إثباتها عن طريق المذهب العقلي؛ و لهذا فلا يمكن للدليل الاستقرائي أن يؤدي إلى اليقين، بل يؤدي إلى تنمية احتمال الظاهرة المبحوث عنها، و هناك من يعتقد بأن العلم هو مجموعة من الفرضيات المقترنة بتوصيف ظاهرة من الظواهر، و أنه لا يمكن أن يجزم بصدق أي نظرية و إن خرجت من تجارب موفقة و دقيقة، و لكن يمكن لنا استخدامها مؤقتاً إلى أن تحل بدلها نظرية أفضل، و أن القضايا عند هؤلاء تقسم إلى قسمين:

أ. القضايا التي لا تقبل الإبطال و لا الاستثناء مطلقاً، كالقضية التي تقول: بأن جميع نقاط الدائرة تبتعد عن المركز بمسافات متساوية.

ب. القضايا التي تقبل الإبطال و الاستثناء، كالقضية التي تقول: بأن الجسم الثقيل يسقط إلى أسفل بخط مستقيم، و إن كان الواقع يثبت صدقها؛ لأنه لا يوجد هناك تناقضاً منطقياً عندما نقول بأن الجسم الثقيل لا يسقط إلى أسفل و إنما يتحرك إلى أعلي. [135]

3. المذهب الذاتي للمعرفة

و هو منهج مستقل في تفسير الاستقراء أبدعه الشهيد الصدر (ره) يختلف عن كلا المذهبين المذكورين، و قد فُسّرت المعرفة الاستقرائية فيه علي أساس قيم الاحتمال و تولُّد المعرفة ذاتياً إلى أن تصل إلى مستوي اليقين؛ و ذلك بتراكم القيم الاحتمالية لقضية ما حتى يصل احتمال نقيضها من الصفر. [136]

و هكذا أنقذ الشهيد الصدر المعرفة البشرية من التشكيك في قيمتها، و أنه يمكن للإنسان أن يصل إلى اليقين و الاطمئنان بتقرير يختلف عن أصحاب المذهب الأول، و هذا ما نذهب إليه في تفسير المعرفة التجريبية. و حتي لو سلّمنا بالنظريات الأخري فمن المؤكد أن هناك حقائق تجريبية لا تستطيع النظريات التشكيكية أن تتجاهلها إلا إذا غالطوا أنفسهم، و انكروا الواقع الموضوعي كما هو الحال في كروية الأرض و دورانها، و كثير من الحقائق في علم الفلك و الطب و الفيزياء؛ لأن هذه الحقائق لا تخرج عن كونها مشاهدات خمسية متطوّرة، و هذا ما نقصده من العلم هنا، و ليس النظريات التي لم يتأكد صحتها بعد.

نماذج من الروايات المخالفة للعلم

1. روي السكوني عن الإمام الصادق (ع) قال: «لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم؛ لـأن لبنها يخرج من مثانة أمها، و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب قبل أن يطعم و لا بوله؛ لـأن لبن الغلام يخرج من المنكبين والعضدين.[137]

و هذه الرواية مخالفة للعلم من ناحيتين:

1. منشأ تكون اللبن.

2. اختلاف المنشأ تبعاً لجنس الجنين.

و التفسير العلمي لنشوء اللبن في جميع الثديّات يمر بعملية دقيقة و معقدة في داخل الثدي الذي يحتوي علي آلاف الخلايا التي تشكل مصنعاً في غاية الدقة و الإحكام، و يمكن تلخيص هذه العملية بالخطوات التالية:

1. يترشح الماء الموجود بالدم بنسب متساوية لكمية اللبن حسب الشفرة الوراثية الموجودة في خلايا الثدي.

2. تقوم خلايا الضرع بانتقاء فسيولوجي للعناصر الموجودة بالدم.

3. تُصنِّع خلايا الضرع مواد غير موجودة بالدم إلى أن يتكوّن اللبن في شكله النهائي بالصورة المعروفة.[138] و هذه المعلومات ليست فرضيات قابلة للخطأ، بل هي حقائق علمية لا يمكن أن يتطرق إليها الشك، و قد علّق السيد الخوئي علي هذه الرواية فقال: «إن الرواية لا يحتمل صحتها و مطابقتها للواقع أبداً للقطع بعدم اختلاف اللبن في الجارية و الغلام من حيث المحل بأن يخرج لبن الجارية من موضع و يخرج لبن الغلام من موضع آخر؛ لـأن الطبيعة تقتضي خروج اللبن من موضع معين في النساء بلا فرق في ذلك بين كون الولد ذكراً أو أنثي».[139]

2. عن عذافر الصيرفي عن أبي عبدالله (ع) قال: «تري هؤلاء المشوَّهين خلقهم؟ قال: قلتُ: نعم، قال: هؤلاء الذين آباؤهم يأتون نساءهم في الطمث»،[140] و في حديث آخر عن الصادق (ع) أنه قال: لا يبغضنا إلا من خبثت ولادته أو حملت به أمه في حيضها.[141]

و هذا المعنى كثير في الروايات فإن أمكن تأويله فهو، و إلاّ فإنه مخالف لرأي العلم و الطب الحديث؛ و ذلك لأن بداية الدورة الشهرية هي في الحقيقة إيذاناً في اليأس من حصول الحمل ففي اليوم الخامس من مرحلة النقاء يبدأ غشاء الرحم بالتضخم تدريجياً حتى يصل إلى أعلي مراحل النمو في اليوم (14 ـ 15) من الدورة الطمثية استعداداً لاستقبال البويضة، وسبب هذا التضخم هو هرمون خاص (هرمون الحمل)، فإذا لم يحدث الحمل خلال هذه الفترة فإن هذا الهرمون يقل تدريجياً إلى أن ينقطع مسبباً انقباض الأعوية الدموية المغذِّية لغشاء الرحم انقباضاً شديداً، فتمنع عنه التغذية فيضعف الغشاء ثم يتفتت تدريجياً، و يخرج الدم المحتقن في اليوم الثامن و العشرين من الدورة الشهرية، فلا يمكن أن يؤدّي الجماع في الحيض إلى الوظيفة المطلوبة، و لا يمكن انتظار الولد من وطء الحيض مطلقاً. [142]

و) القاعدة السادسة: الـأحاديث التي لا تشبه كلام المعصوم (ع)

من خلال استقراء أحاديث المعصومين (ع) يتبين بصورة واضحة أن كلامهم كان علي درجة عالية من الفصاحة و البلاغة، فقد ورد عن الرسول (ص) أنه قال: «أُعطيتُ جوامع الكلم، و اختصر لي الكلام اختصاراً»،[143] و قال ابن أبي الحديد في وصف كلام أمير المؤمنين: كان أمير المؤمنين (ع) مشرع الفصاحة و موردها، و منشأ البلاغة و مولدها، و منه (ع) ظهر مكنونها، و عنه أُخذت قوانينها، و علي أمثلته حذا كل قائل خطيب، و بكلامه استعان كل واعظ بليغ، و مع ذلك سبق و قصّروا، و تقدّم و تأخّروا»،[144] و علي ذلك فكل رواية تخالف هذه القاعدة سواء من حيث الفصاحة، أو أنها لا تشبه أسلوب المعصوم (ع) فلا يمكن قبولها علي شرط أن تكون الرواية مروية باللفظ لا بالمعنى، قال ابن حجر في هذا المعنى: «المدار في الركّة علي ركّة المعنى؛ لـأن هذا الدين كلّه محاسن، و الركّة ترجع إلى الرداءة... أما ركّة اللفظ فلا تدل علي ذلك؛ لاحتمال أن يكون الراوي رواه بالمعنى فغيّر الفاظه،[145] و هناك عدة مصاديق تندرج تحت قاعدة الأحاديث التي لا تشبه كلام المعصوم (ع) و هي:

1. ركّة اللفظ فيما إذا كان الحديث منقولاً باللفظ.

2. احتواء الحديث علي مجازفات و مبالغات في الثواب و العقاب.

3. سماجة المعنى ورداءته.

4. احتواء الحديث علي مصطلحات مستحدثة لم توجد في زمان المعصوم(ع)، أو مخالفة الحديث لأسلوب المعصوم (ع) في الكلام علي شرط أن يُستقرأ هذا الأسلوب من خلال جميع الأحاديث الصحيحة الواردة عنهم (ع). والآن نضرب عدة أمثلة لتوضيح هذه القاعدة:

1. أخرج أبو داود و الترمذي عن المطلب بن عبدالله بن حنطب عن النسر بن مالك قال: «قال رسول الله (ص): عُرضت عليَّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، و عُرضت عليَّ ذنوب أمتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية اُوتيها رجل ثم نسيها. [146]

و هذا الحديث مخالف لهذا المقياس، و فيها مبالغات لا يمكن القبول بها، فلا يمكن أن تكون الأمور المستحبة من أعظم الذنوب، و كيف يكون هذا العمل أعظم من القتل و الزنا و الخيانة و ... و قد علّق الشيخ السبحاني علي هذا الحديث فقال: فعلي ضوء هذا الحديث يكون نسيان آية من آيات القرآن أعظم من أكل الربا و السعي للفساد في الـأرض، و الزنا بالمحارم في الـأماكن المتبركة (المقدّسة)، و قتل النفس المحترمة و نهب الـأموال.[147]

2. روي عمرو بن خليف عن ابن عباس قال: قال النبي (ص): اُدخلتُ الجنّة فرأيت فيها ذئباً فقلت: أذئب في الجنّة؟ قال: إني أكلت ابن شرطي. [148] قال ابن عباس: و هذا إنما أكل ابنه فلو أكله رُفع في عليين»، و قد علق الأميني علي هذه الرواية فقال: ليت ابن عباس يفصح عن أنه لو كان أكل مدير الشرطة أين كان يُرفع.[149]

3. عن النبي (ص) أنه قال: «من أسمكَ فليُتمِر».[150]

و هذا الحديث مخالف للغة فلا وجود لصيغة «أسمك» في اللغة العربية كما صرح بذلك بعض العلماء، قال بعض المحدّثين: «و معنى هذا الكلام من أكل السمك فليأكل التمر بعده يتحلّي به، هذا و فعل (السمك) لا وجود له في كتب اللغة ...».[151]

4. روي عن النبي (ص) بروايات متعددة أنه قال: «إنما أصحابي مثل النجوم، فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم».[152]

و هذا الحديث يخالف الفصاحة و البلاغة النبوية، كما صرح بذلك بعض نقاد الحديث، فقد علق ابن حزم علي هذا الحديث فقال: «إن النبي (ص) لا يقول الباطلَ، و تشبيهُ المشبِّهِ للمصيبين بالنجومِ تشبيهٌ فاسد، و كذبٌ ظاهر؛ لـأنه من أراد جهة مطلع الجدي فأمَّ جهة مطلع السرطان لم يهتد، بل ضلَّ ضلالاً بعيداً، و أخطأ خطأً فاحشاً، و ليس كل النجوم يُهتدي بها في كل طريق، فبطل التشبيه المذكور، و وضحَ كذب ذلك الحديث وسقوطه وضوحاً ضرورياً».[153]

إلى هنا تنتهي المباني و المقاييس التي ذكرناها في بداية البحث، و قد ذكر بعض العلماء مباني أخرى كأن يكون الحديث بأقوال الأطباء أشبه أو أن يكون الحديث أشبه بمتون الفقه، و الأول لا يمكن أن يشكّل قاعدة و معياراً نقيس عليه الأحاديث؛ لأنه لا يمتنع أن يتحدث المعصوم (ع) بأحاديث تتناول الصحة العامة و إرشادات طبية، و إن اختلف العلماء في تفسيرها، هل هي صادرة عن المعصوم (ع) باعتبارها حكماً واقعاً أو إرشاديا.

أما بالنسبة إلى الثاني فيمكن القبول به بشرط أن تُستقصي جميع الجوانب المرتبطة بأسلوب المعصوم (ع) في البيان و تُدرس دراسة جيدة في ضوء الأحاديث الصحيحة؛ لأن لكل شخص أسلوبه التعبيري الخاص، فكما رددنا الأحاديث التي تشتمل علي اصطلاحات مُتأخرة عن زمن المعصوم (ع)، فيمكن أن يُرد الحديث المخالف لأسلوب المعصوم (ع) فيما إذا حصل الاطمئنان إلى ذلك الأسلوب.


*. خريج مقطع الماجيستر في علوم القرآن، مدرسة العالي امام خميني(ره)

1. لسان العرب، ابن منظور، ج14، مادة نقد.

2. المعجم الوسيط، مجموعة من الباحثين، مادة نقد.

3. منتقي الجمان، الحسن بن الشهيد الثاني، ج1، ص3ـ13.

4. معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج1، ص22.

5. مصباح الاصول، سيد خويي،ج2، ص202ـ203.

6. مقدمة ابن الصلاح، ص15ـ16.

7. الفتوحات المكية، ابن عربي، ج1، ص280.

8. رسائل الشريف المرتضي، ج1، ص409ـ410.

9. الجامع الصحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي(ص) يعذب الميت ببكاء أهله عليه.

10. المصدر نفسه، رقم 1288.

11. الجامع الصحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، رقم الحديث 3234.

12. المصدر نفسه.

13. للمزيد من الروايات في هذا الباب، راجع: منهج نقد المتن، الأدلبي، ص128 ومابعدها.

14. سوف نذكر هذه الرواية في موضوع عرض الحديث على القرآن.

15. التوحيد، الصدوق، ص183، باب نفي المكان والزمان والحركة عن الله، رقم 18.

16. المصدر نفسه، ص176.

17. للمزيد من الاطلاع علي هذه الروايات، راجع: علوم حديث، عرض حديث بر إمامان، العدد 6، 9.

18. فرائد الاصول، الأنصاري، ج1، ص162.

19. العياشي، ج1، ص20، ح 5؛ رجال الكشي، ج2، ص490، رقم 4001.

20. وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج27، ص27، رقم 48.

21. الكفاية في علم الرواية، الخطيب البغدادي، ص471؛ سنن الدار قطني، ج2، ص112، رقم 4427؛ مجمع الزوائد، الهيثمي، ج1، ص170 و...

22. اختلاف الحديث، الشافعي، ص33.

23. الرسالة، الشافعي، ص224 ـ 225.

24. المصدر نفسه، ص163.

25. دفاع عن السنة، محمد بن محمد أبو شهبة، ص17.

26. أنظر اصول السرخسي، ج1، ص 364- 365؛ توثيق السنة، رفعت فوزي، ص302.

27. فرائد الاصول، الأنصاري، ج1، ص62.

28. مباحث الاصول، تقريرات السيد الشهيد الصدر بقلم السيد كاظم الحائري، ج2، القسم الثاني، ص243.

29. بحوث في علم الاصول، تقريرات السيد الصدر، بقلم محمود الهاشمي، ج7، ص334.

30. الكافي، الكليني، ج5، ص158، باب من تكره معاملته ومخالطته.

31. بحوث في علم الاصول، ج7، ص334.

32. كشف الاسرار، عبد العزيز البخاري، ج1، ص294.

33. سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد، ج9، ص38.

34. استنباط الاحكام من النصوص، أحمد الحصري، ص518.

35. أعلام الموقعين، ابن قيم الجوزية، ج2، ص220.

36. العدة في أصول الفقه، الطوسي، ج2، ص528.

37. الأنعام: 121.

38. الاجتهاد بالرأي، خليفة بابكر، ص310-311.

39. النور: 2.

40. الاجتهاد بالرأي، ص306.

41. العدة في اُصول الفقه: ج1، ص346.

42. التفسير والمفسرون، الذهبي، ج1، ص13.

43. تفسير العياشي، ج1، ص11.

44. الميزان، ج1، ص45.

45. جامع البيان، الطبري، ج8، ص108.

46. تفسير الميزان، ج11، ص327.

47. النحل: 43.

48. التفسير والمفسرون، محمد هادي معرفة، ج1، ص470؛ كراس درس للأستاذ «معرفة بعنوان» (آيات مشكل ).

49. علل الشرائع، الصدوق، ج2، ص564.

50. المصدر نفسه.

51. المستدرك، الحاكم، ج2، ص 583، كتاب العتق، باب ولد الزنا شر الثلاثة، رقم 2908.

52. المصدر نفسه.

53. المصدر نفسه، رقم2910.

54. الفرودس الاعلي، محمد حسين كاشف الغطاء، ص51.

55. الكافي، الكليني،ج1،ص 95ـ96، كتاب التوحيد،باب في ابطال الرؤية.

56. أصول الحديث وأحكامه، جعفر السبحاني، ص19.

57. الكافي، الكليني، ج1، ص69؛ كتاب فضل العلم، باب الأخذ بالسُنة وشواهد الكتاب.

58. الكفاية،الخطيب البغدادي، ص471.

59. أنظر الكافي، ج1، ص69؛ بحار الانوار، ج2، ص225، ص244.

60. الكافي، ج1، ص69، ص70، باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب.

61. الفصول المختارة من العيون والمحاسن، المفيد، ص177.

62. تفسير الميزان، ج1، ص293.

63. مقباس الهداية، المامقاني، ج1، ص127.

64. نهج البلاغة، محمد عبده، الخطبة 316.

65. أفردناه بالبحث هنا؛ لأن هناك من اعتبر الحديث المستفيض قاعدة من قواعد نقد الحديث.

66. مقياس الهداية، المامقاني، ج2، ص128.

67. وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج5، ص208ـ 209، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الاستخارة.

68. بحار الانوار، المجلسي، ج91، ص240، كتاب الصلاة، باب الاستخارة بالبنادق.

69. المقنعة، المفيد، ص219.

70. بحار الانوار، المجلسي، ج91، ص384، كتاب الصلاة، باب الاستخارة بالدعاء.

71. ذكرى الشيعة، الشهيد الأول، ج2، ص265.

72. الجامع الصحيح، البخاري، ج1، ص361، كتاب الصلاة، باب ما جاء في المقطوع مثنى مثنى؛ سنن الترمذي، ج2، ص 345ـ 346، كتاب الصلاة، باب ما جاء في صلاة الاستخارة.

73. السرائر، ج1، ص313 ـ314.

74. مجمع الزوائد، الهيثمي، ج5، ص163.

75. المصدر نفسه.

76. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء، جمع وترتيب أحمد بن عبد الرزاق الدرويش، ج5، ص166.

77. المسند الجامع، جمع وترتيب بشار عواد وآخرون، ج7، ص519، رقم 5414.

78. مجمع الزوائد، ج5، ص163.

79. الوسائل، ج1، ص404، رقم 2.

80. آل عمران: 67.

81. آل عمران: 65.

82. منهج البحث التاريخي، حسن عثمان، ص21.

83. المدخل إلى علم التاريخ، عبد الرحمن الشيخ، ص33.

84. هذا من الناحية النظرية أما من الناحية العملية والتطبيقية فإن معظم هذه الوثائق التي نقلها المؤرخون قد ضاعت أصولها، ولذلك فالحكم عليها يعتمد علي مدي ثقتنا بالمؤلف.

85. الكافي، الكليني، ج8، ص204.

86. مجمع البيان، الطبرسي، ج5، ص3.

87. المنتظم، ابن الجوزي، ج2، ص130ـ 131؛ الصحيح من السيرة، جعفر مرتضى العاملي، ج3، ص 122.

88. الميزان، ج9، ص215ـ216.

89. الدر المنثور، ج6، ص327.

90. الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج1، ص486.

91. الـإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، ج8، ص231.

92. أنظر: جامع البيان، الطبري، ج12، ص119.

93. المعجم المفهرس لإلفاظ القرآن، مادة عقل.

94. البقرة: 242.

95. النساء: 82.

96. البقرة: 269.

97. الأنفال: 22.

98. الطور: 35ـ36.

99. الأنبياء: 22؛ المؤمنون: 91.

100. المؤمنون: 115.

101. آل عمران: 137ـ 138.

102. الجاثية: 13.

103. بحار الانوار، المجلسي، ج1، ص105، كتاب العقل والجهل، ح1.

104. المصدر نفسه، ص106.

105. المصدر نفسه، ج85، ص134.

106. نهج البلاغة، ص33، الخطبة الأولى.

107. بحار الانوار، المجلسي، ج1، ص131.

108. تصنيف غرر الحكم، الآمدي، ج1، ص53.

109. الحديث النبوي بين الرواية والدراية، جعفر السبحاني، ص61.

110. منهج نقد المتن، الأدلبي، ص 304.

111. الحكم الشرعي بين النقل والعقل، الصادق الغرياني، ص260.

112. السُنة مكانتها في التشريع الـإسلامي، السباعي، ص55.

113. وهي القضايا الستة المذكورة في المنطق كالأوليات، المشاهدات، التجريبيات، المتواترات، الحدسيات، النظريات.

114. العقل النظري: هو إدراك ما يكون واقعاً من غير أن يقتضي جرياً عملياً، أو هو إدراك ما من شأنه أن يعلم.

115. فرائد الأصول، ص10.

116. المستصفى، ج2،ص126.

117. درء تعارض العقل والنقل، ص63.

118. تاريخ ابن خلدون، ص364-365.

119. الجامع الصحيح، البخاري، كتاب الجهاد، باب من طلب الولد للجهاد، رقم 2819.

120. الانوار النعمانية، الجزائري، ج4، ص51.

121. المعجم الاحصائي لألفاظ القرآن الكريم، محمود روحاني، ج3، مادة علم.

122. الزمر: 9.

123. النحل: 78.

124. آل عمران: 191؛ ق: 6.

125. الرعد: 2.

126. الانبياء: 30.

127. المؤمنون: 12-14.

128. ميزان الحكمة، ج6، ص463.

129. المصدر نفسه، ص458.

130. المصدر نفسه، ص468، ص532، ص530.

131. أنظر: في فلسفة العلوم، إبراهيم مصطفي إبراهيم، ص168، ص101، ص72.

132. لم نذكر العلوم الإنسانية هنا لعدم الاتفاق على إفادتها اليقين، كالعلوم التجريبية، فهي ظنية في أغلب قضاياها؛ وذلك لأن موضوعها الإنسان الذي لا يمكن أن يتنبأ بسلوكه ـ هكذا قالوا ـ ولأنها تحتاج إلى دراسة واسعة.

133. الاستقراء: هو كل استدلال تكون النتيجة فيه أكبر من المقدمات التي ساهمت في تكوين ذلك الاستدلال.

134. للمزيد من الاطلاع على هذه النظريات، راجع: الأسس المنطقية للاستقراء، الشهيد الصدر، ص31، وما بعدها.

125. چيستى علم، ترجمة سعيد زيبا كلام، ص51.

136. أنظر: الأسس المنطقية للاستقراء، ص130.

137. من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج1، ص68.

138. المعارف الطبية في ضوء الكتاب والسُنة، أحمد شوقي، ص48.

139. التنقيح في شرح العروة الوثقى، ج3، ص83.

140. الكافي، الكليني، ج1، ص112، كتاب الحيض.

141. من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج1، ص96، باب غسل الحيض والنفاس، رقم 203.

142. خلق الإنسان بين الطب والقرآن، محمد علي البار، ص103-104؛ القرآن والطب الحديث، صادق عبد الرضا، ص129-130؛ الموسوعة العلمية الشاملة، ص368..

143. ميزان الحكمة، الري شهري، ج9، ص623.

144. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج1، ص148.

145. الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، أحمد محمد شاكر، ج1، ص250.

146. سنن أبي داود، ج1، ص126، رقم 461؛ سنن الترمذي، ج5، ص 128، رقم 2916.

147. الحديث بين الرواية والدراية، ص640.

148. الغدير، الأميني، ج5، ص249.

149. المصدر نفسه.

150. المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، علي القاري، ص 177، رقم 320.

151. المصدر نفسه.

152. سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة، ناصر الألباني، ج1، ص149، رقم 61.

153. المصدر نفسه.

/ 1