بحث استدلالی فی مشروعیه الاحتفالات نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بحث استدلالی فی مشروعیه الاحتفالات - نسخه متنی

علی اصغر رضوانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





بحث استدلالى فى مشروعيه الاحتفالات


على اصغر رضوانى



المقدمه:


انّ مسأله الاحتفالات التى اعتاد المسلمون القيام بها احياءً للذكريات الرائعه فى تاريخهم الاسلامى، فشأنهم فى ذلك شأن أى أمه أخرى تحترم مقدّساتها، وتبجّل أيّامها الكبرى، وذكرياتها الخالده، بل هى حاله لدى الانسان الفرد قبل الجماعه لايشذّ عنها أحد.



انّ الاقتران الزمانى والمكانى للحوادث يترك أثره الكبير فى النفس، ولذا فهى تعمل على استعاده الذكريات واستيحاء العبر منها. وتلك طريقه من أفضل طرق التربيه عموماً والتربيه القرآنيه بالخصوص. فما أكثر تذكير القرآن الكريم بأيام الله وشعائره، وما أشدّ تعظيم الاسلام لسير العظماء وفى طليعتها سيره ابراهيم (ع).



ولا يتسع لنا المجال لو أردنا أن نستعرض كل الامثله الزمانيه والمكانيه لهذه الخصيصه القرآنيه التربويه الفطريه. فالاحتفال بالذكرى العظيمه هو مقتضى الاصل والفطره والطبيعه، بل ولا يحتاج الى دليل شرعى بعد أن كان يشكّل حاله طبيعيه ومصداقاً لأوامر التكريم والتبجيل.



ترى ماذا على المسلمين لو أحيوا ذكرى المعراج واستقوا معانى العظمه الانسانيه منه؟ وهل عليهم من غضاضه لو احتفلوا بيوم الهجره النبويه الشريفه، او الثوره الحسينيه العظيمه؟ وهل يعدّ ذلك بدعه كما يدّعى الوهابيون؟



فتاوى الوهابيين حول الاحتفال:


لقد طال النزاع فى الاونه الاخيره عبر وسائل الاعلام وغيرها حول الاحتفال بمولد النبى الاكرم(ص) وغيره من المناسبات، وقد رفع بعضهم شعار البدعه فيه، بينما يراه الاكثرون أنه من السنه، واليك فتاوى الوهابيين فى هذا الموضوع:



1. قال ابن تيميه: «النوع الثاني: ما جرى فيه حادثه كما كان يجرى فى غيره، من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً، ولا كان السلف يعظّمونه، كثامن عشر من ذى الحجه الذى خطب فيه النبى (ص) بغدير خم اثناء رجوعه من حجه الوداع، فانه خطب فيه خطبه، وصى فيها باتباع كتاب الله، ووصى فيها بأهل بيته، كما روى مسلم فى صحيحه عن زيد بن أرقم (رضى الله عنه).



فزاد بعض أهل الاهواء فى ذلك، حتى زعموا أنه عهد الى على (رضى الله عنه) بالخلافه بالنص الجلى بعد أن فرش له وأقعده على فرش عاليه، وذكروا كلاماً باطلاً وعملاً قد علم بالاضطرار أنه لم يكن من ذلك شيء... وليس الغرض الكلام فى مسأله الامامه، وانّما الغرض: أنّ اتخاذ هذا اليوم عيداً محدث لا أصل له، فلم يكن فى السلف، لا من أهل البيت، ولا من غيرهم من اتخذ ذلك عيداً حتى يحدث فيه أعمالاً، اذ الاعياد شريعه من الشرائع، فيجب فيها الاتّباع، لا الابتداع... وانما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى (ع) أعياداً، أو اليهود. وانما العيد شريعه، فما شرّعه الله اتبع، والا لم يحدث فى الدين ما ليس منه.



وكذلك ما يحدثه بعض الناس اما مضاهاه للنصارى فى ميلاد عيسى (ع)، واما محبه للنبى (ص) وتعظيماً له، والله قد يثيبهم على هذه المحبه والاجتهاد لاعلى البدع: من اتخاذ مولد النبى (ص) عيداً، مع اختلاف الناس فى مولده. فانّ هذا لم يفعله السلف،مع قيام المقتضى له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف (رضى الله عنهم) أحق به منّا، فانّهم كانوا أشد محبه لرسول الله (ص)، وتعظيماً له منّا، وهم على الخير أحرص...» [1]



2. وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز: «لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول (ص) ولا غيره، لانّ ذلك من البدع المحدثه فى الدين، لانّ الرسول (ص) لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابه ـ رضى الله عنهم ـ ولا التابعون لهم باحسان فى القرون المفضّله ...».[2]



3. وقالت اللجنه الدائمه من الفتوي: «لا يجوز الاحتفال بمن مات من الانبياء والصالحين، ولا احياء ذكراهم بالموالد، ورفع الاعلام، ولا بوضع السراج والشموع على قبورهم، ولا بناء القباب والمساجد على أضرحتهم أو كسوتها أو نحو ذلك، لانّ جميع ما ذكر من البدع المحدثه فى الدين، ومن وسائل الشرك، فانّ النبى (ص) لم يفعل ذلك بمن سبقه من الانبياء والصالحين، ولا فعله الصحابه (رضى الله عنهم) بالنبى (ص) ولا أحد من أئمه المسلمين فى القرون الثلاثه التى شهد لها (ص) بأنها خير القرون من بعده بأحد من الاولياء والصالحين...». [3]



4. قال ابن فوزان: «البدع المعاصره كثيره بحكم تأخر الزمن، وقلّه العلم، وكثره الدعاه الى البدع، و المخالفات، وسريان التشبّه بالكفار فى عاداتهم وطقوسهم، فمن هذه البدع... الاحتفال بمناسبه المولد النبوى فى ربيع الاول ... ومن هذا: التشبّه بالنصارى فى عمل ما يسمى بالاحتفال بالمولد النبوى، يحتفل جهله المسلمين أو العلماء المضلّون فى ربيع الاول من كل سنه بمناسبه مولد الرسول محمد (ص)، فمنهم من يقيم هذا الاحتفال فى المساجد، ومنهم من يقيمه فى البيوت أو الامكنه المعده لذلك، ويحضره جموع كثيره من دهماء الناس وعوامهم، يعملون ذلك تشبهاً بالنصارى فى ابتداعهم الاحتفال بمولد المسيح (ع)، والغالب أنّ هذا الاحتفال ـ علاوه على كونه بدعه وتشبهاً بالنصارى ـ فانّه لا يخلو من وجود الشركيات والمنكرات... وقلنا: انه بدعه لأنه لا أصل له فى الكتاب والسنه، وعمل السلف الصا لح والقرون المفضّله».[4]



وقال ابن تيميه: «وكذلك ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاه للنصارى فى ميلاد عيسى (ع)، وإما محبه للنبى )ص( وتعظيماً ... من اتخاذ مولد النبى (ص) عيدا مع اختلاف الناس فى مولده، فإن هذا لم يفعله السلف... ولو كان هذا خيرا محضا أو راجحأ لكان السلف (رضى الله عنهم) أحق به منا ...».[5]



ثم بعد نقل ابن فوزان هذه العباره من ابن تيميه يقول: «وقد اُلفّ فى إنكار هذه البدعه كتب ورسائل قديمه وحديثه، وهو ـ علاوه على كونه بدعه وتشبها ـ فإنه يجرّ إلى إقامه موالد أخرى كموالد الأولياء والمشايخ والزعماء، فيفتح أبواب شر كثيره.»[6]



5. وقال الشيخ ابن عثيمين: إن الإحتفال بعيد الميلاد للطفل فيه تشبه بأعداء الله، فإن هذه العاده ليست من عادات المسلمين، و إنما ورثت من غيرهم، وقد ثبت عنه (ص) أن من تشبه بقوم فهو منهم.[7]



6. وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ: وقد أحدث هؤلاء المشركون أعيادا عند القبور التى تعبد من دون الله، و يسمونها عيدا، كمولد البدوى بمصر و غيره، بل هى أعظم، لما يوجد فيها من الشرك والمعاصى العظيمه. [8]



7. وقال محمد حامد الفقي: (والمواليد والذكريات التى ملأت البلاد بإسم الأولياء، هى نوع من العباده لهم وتعظيمهم).[9]



الحب والبغض


الحب والبغض يعبرّ بهما عن إقبال النفس وميلها إلى الشيء، وعن إدبارها عنه. ويستفاد من الأدله العقليه والنقليه وجوب محبه الله ورسوله وأهل البيت (عليهم السلام).



حب الله تعالى


الذات الوحيده التى تستأهل للحب أولاً وبالذات قبل كل شيء إنما هو الله تعالى، نظرا إلى ذاته وصفاته وأفعاله، وما يوجد لدى غيره من دواعى الحب وأسبابه فمن رشحه فضله وغيث وجوده . قال الله تعالي: [قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجاره تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين].[10]



حب رسول الله (ص)


يستفاد من الآيه السابقه لزوم حب الرسول (ص) كحب الله تعالي. وقال رسول (ص): [ أحبوا الله لما يغذوكم، و أحبونى بحب الله] [11] هذه ناحيه واحدة من بواعث حب رسول الله (ص)، و هناك نواح شتّى لا تعد ولا تحصى نظرا إلى صلته الوثيقه بالله سبحانه وتعالى، و انتسابه الأكيد إلى المولى سبحانه تاره وإلى ما جعل الله له من مناقب وفضائل، وإلى شخصيته الفذه العظيمه وما يحمله بين جوانحه من محاسن ومحامد وملكات يستدعى كل منها حبه والتعلق به قبل كل شيء بعد الله تبارك وتعالى .



فهو (ص) مع قطع النظر عن فضائل طينته، وما فى خَلقه وخُلقه، ومولده ونشأته وكراماته وفضائله، لو لم يكن فيه إلا كونه غايه للوجود لكان أجدر وأولى وأحق بأن يكون أحب لكل امرء آمن به وصدقه من نفسه وما تهواه... وعلى هذا الأصل ـ المتسالم عليه ـ قد جاء فى الصحيح مرفوعا من طريق أنس بن مالك: [فوالذى نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين] . [12]



حب آل الرسول (ص)


قد تظافرت السنه فى حب آل الرسول (ص) و تواترت، و اليك جمله منها:



قال رسول الله (ص): «احبوا الله لما يغذوكم من نعمه، و أحبونى لحب الله، و احبوا أهل بيتى لحبي» [13]



و قال رسول الله (ص) : «اساس الاسلام حبى و حب اهل بيتي» [14]



الوجوه التى تدعو الى حب آل الرسول:


يجب علينا ان نحب آل الرسول (ص) كما نحب الرسول (ص) وذلك لوجوه:



1. صلتهم بصاحب الرساله نسبا ومصاهره، وهو أفضل خلق الله من الأولين والآخرين . وقد صح عنه (ص): [كل سبب و نسب و حسب منقطع يوم القيامه إلا سببى ونسبي] . [15]



2. حب الله وحب رسوله إياهم ،وكونهم أحب خلق الله إليهما، كما جاء فى حديث الرايه والطير ونحوهما.



3. كون حبهم أجر الرساله المحمديه بنص من الكتاب. قال تعالي: [قل لا أسألكم عليه أجرا إلا الموده فى القربى ]. [16]



4. كون حبهم مسؤولا عنه يوم القيامه، كما جاء فى قوله تعالي: [وقفوهم إنهم مسؤولون] [17]قال ابن الجوزي: اى عن ولايه على وأهل البيت (ع) [18]



5. كونهم أعدال القرآن الكريم، كما فى حديث الثقلين.



6. كون حبهم علامه الإيمان، كما فى الصحيح الثابت قال (ص) لعلى (ع): [لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق].



7. كونهم (سلام الله عليهم) سفينه لنجاه الأمه، كما فى حديث السفينه الصحيح الثابت، قال رسول الله (ص): [مثل أهل بيتى فيكم كسفينه نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق]. [19]



8. شرطيه إقتران الصلاه على آل محمد لدى الصلاه على النبى محمد فى كل حال، وعدم الفصل فيها بين النبى وبين آله. [20]



9. كون حب أهل البيت وولائهم (عليهم السلام) شرطا عاما فى قبول مطلق الأعمال والطاعات والقربات.



قال رسول الله (ص): [لو أن رجلا صَفَن بين الركن والمقام فصلى وصام ،ثم لقى الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار] . [21]



10. ثناء الله تعالى وثناء رسوله (ص) عليهم فى الكتاب والسنه بما اختصوا به، فلا يضاهيهم فيه أى إنسان.



11. بواعث الحب الذاتيه الموجوده فيهم من طهاره المحتد، وقداسه الأرومه، وما يمتازون به من الحكمه والعلم والخلق السامى والزهد والورع والتقوي.



12. كونهم (عليهم السلام) أمان لأهل الأرض من الإختلاف. قال رسول الله (ص): [ النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتى أمان لأمتى من الإختلاف، فإذا خالفتها قبيله من العرب إختلفوا فصاروا حزب إبليس] [22]



اختلاف الناس فى درجات حبهم للنبى (ص)


ليست الأمه المؤمنه فى الحب شرعاً سواء، بل هم فيه متفاوتون على إختلاف درجات عرفانهم به، كإختلافهم فى حب الله تعالي.



قال القرطبي: [كل من آمن بالنبى إيمانا صحيحاً لا يخلو عن وجدان شيء من تلك المحبه الراجحه غير أنهم متفاوتون، فمنهم من أخذ من تلك المرتبه بالحظ الاوفى، ومنهم من أخذ منها بالحظ الأدني...] . [23]



دور الحب فى الحياه


إن لهذا الحب مظاهر، إذ ليس الحب شيئاً يستقر فى صقع النفس من دون أن يكون له انعكاس خارجى على أعمال الإنسان و تصرفاته، بل إن من خصائص الحب أن يظهر أثره على ملامح الانسان، وعلى قوله وفعله بصوره مشهوده ملموسه . فحب الله و رسوله لاينفك عن اتباع دينه و الاستنان بسنته، و الائتمار بأوامره والإنتهاء عن نواهيه.



للحب مظاهر وراء الاتباع


لا يقتصر أثر الحب على الاتبّاع، بل له آثار أخرى فى حياه المحب، فهو يزور محبوبه ويكرمه ويعظمه و يقضى حاجته، و يذب عنه، ويدفع عنه كل كارثه، و يهيئ له ما يريحه، يسره إذا كان حياً. و إذا كان المحبوب ميتاً أو مفقودا حزن عليه أشد الحزن، وأجرى له الدموع. بل يتعدى أثر الحب عند فقد الحبيب وموته هذا الحد، فنجد المحب يحفظ آثار محبوبه، وكل ما يتصل به من لباسه و أشيائه، و كما يحترم أولاده، ويحترم جنازته ومثواه. ويحتفل كل عام بميلاده وذكرى موته، ويكرمه ويعظمه حبا به وموده له.



فإذا ثبت أن حب النبى (ص) وتكريمه من أصول الاسلام فانه يجوز للمسلم القيام بكل ما يعد مظهرا لحب النبى (ص) شريطه ان يكون عملا حلالا بالذات، ولا يكون منكرا فى الشريعه، و يدخل ذلك فى عمومات أدله المحبه.



روى البخارى فى صحيحه أن أبا بكر دخل حجره النبى (ص) بعد رحيله وهو مسجى ببرد حبره، فكشف عن وجهه، ثم أكبّ عليه يقبّله ثم بكى فقال: بأبى أنت يا نبى الله. [24]



القرآن والاحتفالات


1. من يرى إستحباب الإحتفال بذكرهم فإنه يستدل على صحه ذلك بأن جل مناسك الحج إحتفال بذكرى الأنبياء والأولياء كما سنذكر أمثله منه فيما يلي:



أ- مقام إبراهيم(ع)


قال سبحانه وتعالي: [واتخذوا من مقام ابراهيم مصلي] . [25]



إن الله سبحانه وتعالى أمر الناس أن يتبركوا بموطئ قدمى إبراهيم (ع) فى بيته الحرام، ويتخذوا منه مصلى إحياءً لذكرى إبراهيم وتخليداً، وليس فيه شيء من أمر الشرك بالله جل اسمه.



وفى صحيح البخارى ما ملخصه: إن إبراهيم (ع) وإسماعيل (ع) لما كانا يبنيان البيت جعل إسماعيل يأتى بالحجاره وإبراهيم يبنى، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه وهو يبنى وإسماعيل يناوله الحجاره.



وفى روايه بعدها : حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ على نقل الحجاره فقام على حجر المقام، فجعل يناوله الحجاره . [26]



ب ـ الصفا والمروه


قال سبحانه وتعالي: [إن الصفا والمروه من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما]. [27]



جعل الله السعى بين الصفا والمروه من مناسك الحج إحياء لذكرى سعي‌ هاجر بينهما و إحتفالا بعملها، وجعل إستحباب الهروله فى محل الوادى الذى سعت فيه هاجر سعى الإنسان المجهود إحياء لذكرى هرولتها هناك.



روى البخارى ما ملخصه: إن هاجر لما تركها إبراهيم (ع) مع ابنها إسماعيل بمكه ونفد ماؤها عطشت وعطش ابنها وجعل يتلّوى، فانطلقت إلى جبل الصفا كراهيه أن تنظر إليه، فقامت عليه تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادى سعت سعى الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادى، ثم أتت المروه فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فعلت ذلك سبع مرات.



قال ابن عباس: قال النبى (ص): فذلك سعى الناس بينهما... الحديث . [28]



ج- الفديه


قال الله سبحانه وتعالى فى قصه إبراهيم وإسماعيل: [فبشرناه بغلام حليم، فلما بلغ معه السعى قال يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم]. [29]



وكذلك جعل الله إحياء ذكرى فداء إبراهيم إبنه إسماعيل وإرسال الله الكبش فديه له، والاحتفال بها من مناسك الحج، وأمر الحجاج بالفديه فى منى إقتداءً بإبراهيم واحتفالا بذكرى موقفه من طاعه الله.



2. قد استدل البعض بقوله تعالي: [ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب][30]على اعتبار أن شعائر الله سبحانه هى أعلام دينه، خصوصا ما يرتبط منها بالحج، كما قال القرطبى، لأن أكثر أعمال الحج إنما هى تكرار لعمل تاريخى، وتذكير بحادثه كانت قد وقعت فى عهد إبراهيم (ع)، وشعائر الله مفهوم عام شامل للنبى (ص) ولغيره، فتعظيمه (ص) لازم. ومن أساليب تعظيمه إقامه الذكرى فى يوم مولده ونحو ذلك، فكما أن ذكرى ما جرى لإبراهيم (ع) من تعظيم شعائر الله سبحانه ، كذلك تعظيم ما جرى للنبى الأعظم محمد (ص) يكون من تعظيم شعائر الله.



3. و قد استدل أيضا على مشروعيه المواسم و المراسم بقوله تعالى ـ مخاطبا موسى (ع) ـ: [و ذكرهم بأيام الله] . [31]فإن المقصود بأيام الله، أيام غلبه الحق على الباطل، وظهور الحق، ومانحن فيه من مصاديق الآيه الشريفه، فإن إقامه الذكريات والمواسم فيها تذكير بأيام الله سبحانه.



والآيه الشريفه تدل بإطلاقها على جواز التذكير ولو بالإختصاص بيوم خاص، كيوم المولد النبوي.



4. و قد استدل أيضا بقوله تعالي: [قل لا أسألكم عليه أجراً إلا الموده فى القربي] ؛ [32] إذ إقامه الاحتفالات للتحدث عما جرى للأئمه (ع) هو من أبرز مصاديق الموده.



5. وبالنسبه لتعظيم خصوص ليله مولده (ص) أو ليله المعراج، نورد هنا نصاً يشير إلى هذا التعظيم من قبل الله سبحانه ، فقد قال الحلبى وغيره: [وقد أقسم الله بليله مولده فى قوله تعالى [والضحى، و الليل إذاسجي]، و قيل: المراد ليله الاسراء ولا مانع أن يكون القسم وقع بهما، اى استعمل الليل فيهما. [33]



6. إن القرآن الكريم يشيد بجماعه كرّمت النبى (ص) حيث يقول: [فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون] . [34]



هل يحتمل أحد أن تكون هذه الكلمات والأوصاف خاصه بزمن النبى (ص) ؟‍‍‍



بالتأ كيد لا. ومع إنتفاء هذا الإحتمال، تكون كلمه (عزروه) ـ التى هى بمعنى التكريم والتعظيم كما فى مفردات الراغب ـ عامه لحياه النبى (ص) و بعد رحيله، فالله تعالى يريد أن يكون حبيبه المصطفى (ص) معظما مكرما حتى الأبد.



ونتساءل: أليست إقامه الإحتفالات فى يوم ميلاد النبى (ص) وبعثته، وإلقاء الخطب والقصائد مصداقا واضحا لقوله تعالي: (وعزروه)؟!



7. إن النبى عيسي(ع) سأل ربه ان ينزل مائده من السماء، ويعتبر يوم نزولها عيداً له ولأصحابه حيث قال تعالى على لسان عيسي: [ربنا أنزل علينا مائده من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآيه منك وارزقنا وانت خير الرازقين] . [35]



فهل يا ترى أن شخصيه الرسول (ص) أقل شأنا من تلك المائده التى اتخذ المسيح يوم نزولها عيداً؟!



إذا كان اتخاذ ذلك اليوم عيداً لكون المائده آيه إلهيه ومعجزه سماويه، أليس نبى الإسلام اكبر آيه الهيه وهو الايه الكبرى وهو معجزه القرون والعصور؟!



فاعجب لقوم يوافقون على اتخاذ يوم نزول المائده السماويه ـ التى لم يكن لها شأن سوى إشباع البطون الجا ئعه ـ عيداً، ولكنهم يُهملون يوم نزول القرآن على رسول الله (ص) ويوم مبعثه الشريف، بل ويعتبرون الاحتفال به بدعه وحراماً !!



8. قال سبحانه و تعالي: [ورفعنا لك ذكرك] . [36]



إن إقامه المجالس والاحتفالات هى نوع من رفع الذكر، والمسلمون لا يهدفون من الإحتفال بميلاد النبى (ص) ومبعثه وغير ذلك من المناسبات الدينيه سوى رفع ذكره، وذكر أهل بيته الأطهار (ع). فلماذا لا نقتدى بالقرآن؟ أليس القرآن قدوه وأسوه لنا؟



وليس لاحد أن يقول ان رفع ذكره خاص بالله سبحانه ولايشمل غيره، لأن ذلك يشبه أن يقول: إن نصر النبى (ص) خاص بالله سبحانه، ولا يجوز لاحد من المسلمين أن ينصره، وقد قال تعالي: [ينصرك الله نصرا عزيزاً].[37] ولعل هدف هذه الآيات هى دعوه المسلمين إلى نصره النبى (ص) وتخليد ذكراه وإحياء أمره.



9. إن الله تبارك وتعالى قال: [وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك].[38] اذ يشير الى أن الحكمه من حكايه أنباء الرسل وأخبارهم (ع) للنبى (ص) انما هى لتثبيت فؤاده الشريف بذلك، ولا شك أننا اليوم محتاجون إلى تثبيت أفئدتنا بأنبائه وأخباره وسيرته العطره وجهاده (ص) بصوره أشدّ، والاحتفال السنوى بالمولد يحقق هذه الغايه النبيله.



قال الاستاذ عيسى بن عبد الله بن محمد بن مانع الحميري- مديرعام دائره الأوقاف والشؤون الإسلاميه بدبى ـ: فى الآيه طلب قص أنباء الرسل بما فى ذلك من تثبيت الفؤاد، وسيدنا محمد (ص) أفضل الرسل، والمولد النبوى الشريف يشتمل على أنباء النبى صلى الله عليه وسلم، ففى ذكره تثبيت لفؤاد المؤمنين، فهو حث على تكرار ذكر المولد والعنايه به.



و قد قلت فى هذا المعنى :



وكلا نقص عليك من أنباء الرسل قلبا نثبت ثابتا ذكاراً



فسواه أولى فى ثبات فؤاده وثناه أولى أن يكون شعاراً [39]



10. وقال تعالي: [قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا].[40] فالله تعالى طلب منا أن نفرح بالرحمه، والنبى (ص) رحمه، وقد قال الله تعالي:



[ وما أرسلناك إلا رحمه للعالمين] .[41]



وفى الدر المنثور: أخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس (رضى الله عنهما) فى الآيه قال: فضل الله العلم، ورحمه الله محمد (ص)، وقال الله تعالي:



[وما أرسلناك إلا رحمه للعالمين]. [42]



وذكر الرحمه فى الايه بعد الفضل تخصيص بعد العموم المذكور، وهو يدل على شده الإهتمام، ومجيء اسم الإشاره (ذلك) هو أكبر دليل على الحث على الفرح والسرور، لإنه إظهار فى موضع الإضمار، وهو يدل على الإهتمام و العنايه ولذلك قال الآلوسى فى (روح المعاني): «فبذلك فليفرحوا» للتأكيد والتقرير، وبعد أن رجح كون الرحمه المذكوره فى الآيه هى النبى (ص) قال: والمشهور وصف النبى (ص) بالرحمه، كما يرشد إليه قوله تعالي: [وما أرسلناك إلا رحمه للعالمين] .[43]



السنه النبويه والاحتفال


1. أخرج مسلم فى صحيحه عن أبى قتاده: أن رسول الله (ص) سئل عن صوم الإثنين فقال: [ذاك يوم ولدت فيه و يوم بعثت (أو انزل على فيه)] . [44]



وهذا نص فى الإحتفال بيوم مولده (ص) ولا يحتمل غيره. ولم نجد لمخالف جواباً عليه الا طلب الإقتصار على الصيام فقط، وهى ظاهريه محضه، وتخصيص بدون مخصص، لكنها مع ذلك موافقه لنا فى مشروعيه الإحتفال بالمولد النبوى الشريف. قال الحافظ ابن رجب الحنبلى فى كتابه (لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف):



«فيه إشاره إلى استحباب صيام الأيام التى تتجدد فيها نعم الله على عباده، فإن أعظم نعم الله على هذه الأمه إظهار محمد (ص)، وبعثته وارساله إليهم، كما قال تعالي: [لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم[، فصيام يوم تجددت فيه هذه النعمه من الله سبحانه على عباده المؤمنين حسن جميل، وهو من باب مقابله النعم فى أوقات تجددها بالشكر. والمقصود الوصول بهذه الطاعه إلى محبه الله ورسوله، وقد يتحقق هذا المقصود بأى وسيله مشروعه، فالوسائل لها حكم المقاصد اذا كان المقصد شرعيا». [45]



2. أخرج مسلم أيضا فى صحيحه عن ابن عباس (رض) قال: لما قدم النبى (ص) المدينه وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسُئلوا عن ذلك فقالوا: هو اليوم الذى أظفر الله موسى وبنى إسرائيل على فرعون، ونحن نصوم تعظيما، فقال رسول الله (ص): نحن أولى بموسى و أمر بصومه. [46]



و هذا الحديث تأصيل لملاحظه الزمان والعنايه به. وقد استدل الحافظ ابن حجر العسقلانى بهذا الحديث على مشروعيه الإحتفال بالمولد النبوى الشريف، كما فى فتوى له نقلها الحافظ السيوطى فى (حسن المقصد فى عمل المولد) فقال ما نصه: (فيستفاد من فعل الشكر لله على مامن به فى يوم معين من إسداء نعمه أو دفع نقمه، ويعاد ذلك فى نظير ذلك اليوم فى كل سنه والشكرلله يحصل بأنواع العباده كالسجود والصيام والصدقه والتلاوه، و أى نعمه أعظم من النعمه ببروز هذا النبى (ص) نبى الرحمه فى ذلك اليوم) . [47]



3. كان الصحابه يتذاكرون سير الأنبياء فأرشدهم النبى إلى ذكر سيرته، لانه أفضل وأكمل الأنبياء، والجامع لما كان متفرقا فيهم، وما المولد إلا عمل بهذا الإرشاد النبوى، لأن فيه ذكراً لسيره النبى (ص).



فقد أخرج الترمذى وغيره عن ابن عباس قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله (ص)، فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون قال بعضهم: إن الله اتخذ إبراهيم خليلا. وقال آخر: موسى كلمه تكليما. وقال آخر: فعيسى كلمه الله وروحه. قال آخر: آدم اصطفاه الله. فخرج عليهم رسول الله (ص) وقال: قد سمعت كلامكم و عجبكم أن إبراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسى نجى الله وهو كذلك، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامه، تحته آدم فمن دونه ولا فخر، وانا أول شافع وأول مشفع يوم القيامه ولا فخر، وانا أول من يحرك حلق الجنه فيفتح الله لى فيدخلنيها ومعى فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر.[48] وهذا حديث قوى وله شواهد ذكرها البيهقى فى دلائل النبوه. [49]



4. قال الحافظ بن ناصر الدين الدمشقى فى كتابه: (مورد الصادى فى مولد الهادي):



«قد صح أن أبا لهب يخفف عنه العذاب فى مثل يوم الإثنين لاعتاقه ثويبه سرورا بميلاد النبى (ص) ثم أنشد:






  • إذا كان هذا كافرا جاء ذمه
    أتى أنه فى يوم الاثنين دائما
    فمالظن بالعبد الذى كان عمره
    بأحمد مسرورا ومات موحدا



  • وتبت يداه فى الجحيم مخلدا
    يخفف عنه بالسرور بأحمدا
    بأحمد مسرورا ومات موحدا
    بأحمد مسرورا ومات موحدا




فإذا كان هذا الكافر الذى جاء القرآن بذمه يخفف عنه العذاب لفرحه بمولد النبي(ص) فما بال المؤمن الذى يحتفل بذلك. وهذا ما ذكره و قرره أيضا شيخ القراء الحافظ شمس الدين الجزرى فى (عرف التعريف بالمولد الشريف).



5. أخرج البيهقى عن أنس: أن النبى (ص) عق عن نفسه بعد النبوه، مع أنه قد ورد أن جده عبدالمطلب عق عنه فى سابع ولادته. قال الحافظ جلال‌الدين عبدالرحمن بن أبى بكر السيوطى فى الحاوى للفتاوي: «والعقيقه لاتعاد مره ثانيه، فيحمل ذلك على أن الذى فعله النبى (ص) إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمه للعالمين، وتشريع لأمته، كما كان يصلى على نفسه. لذلك فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالإجتماع وإطعام الطعام ونحوذلك من وجوه القربات، و إظهار المسرات».[50]



6. صحّ أن النبى (ص) قال فى فضل يوم الجمعه : ( وفيه خلق آدم). [51]



فقد تشرف يوم الجمعه بخلق آدم، فبدلاله النص وفحوى الخطاب و قياس الأولى ثبت فضل اليوم الذى ولد فيه المصطفى (ص).



7. إن الاحتفال بالمولد الشريف يشتمل على الصلاه على النبى (ص) والذكر والصدقه ومدح وتعظيم الرسول (ص)، و ذكر شمائله الشريفه و أخباره المنيفه، وكل هذا مطلوب شرعا ومندوب إليه.



أخرج أحمد، وابن أبى شيبه، والطبرانى، عن الأسود بن سريع قال: قلت: يا رسول الله! مدحتُ الله بمدحه ومدحتك بمدحه. قال رسول الله (ص): [هات وابدأ بمدحه الله] . [52]



على بن زيد جدعان وهو ضعيف، إلا أن حمزه بن يوسف السهمى أخرجه فى تاريخ جرجان عن أبى سعيد الأشج. قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن عوف، عن الحسن، عن الأسود، عن النبى (ص) نحوه، واسناده صحيح عندهم، مسلسل بالثقات، المحتج بهم فى الصحيح. وعوف هو ابن أبى جميله ، والحسن هو البصرى، وقد سمع من الأسود.



8. روى أحمد والطيالسى فى مسنديهما عن رسول الله (ص) أنه قال:



[ان جبرئيل ذهب بإبراهيم إلى جمره العقبه، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ، ثم أتى الجمره الوسطى، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ، ثم الجمره القصوى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ......] . [53] و هكذا جعل الله ذكرى رمى إبراهيم الشيطان، والاحتفال بذكره من مناسك الحج. و قد جاء مدح رسول الله (ص) على لسان عدد من الصحابه منهم: أبو رواحه، فقد أخرج البخارى فى صحيحه عن أبى رواحه قال يمدح رسول الله (ص):






  • فينا رسول الله يتلو كتابه إذا
    أرانا الهدى بعد العمى
    يبيت يجافى جنبه عن فراشه
    اذا استثقلت بالكافرين المضاجع[54]



  • انشق معروف من الفجر ساطع
    فقلوبنا به موقنات أنّ ما قال واقع
    اذا استثقلت بالكافرين المضاجع[54]
    اذا استثقلت بالكافرين المضاجع[54]




المولد عيد:


1. قال الدياربكرى فى هذا الصدد: (لا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده، ويعملون الولائم، و يتصدقون فى لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويزيدون فى المبرات، ويعتنون بقراءه مولده الشريف، ويظهرعليهم من كراماته كل فضل عظيم).[55]



2. وقال أبو شامه المقدسي: (ومن أحسن ما ابتدع فى زماننا ما يفعل فى اليوم الموافق ليوم مولده (ص) من الصدقات و المعروف بإظهار الزينه والسرور، فإن فى ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء شعارا لمحبته). [56] ومعلوم أنه أراد بالبدعه المعنى اللغوي.



3. وقال القسطلاني: (ولازال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده(ع)، ويعملون الولائم، ويتصدقون فى لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويزيدون فى المبرات و يعتنون بقراءه يوم مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عظيم ... فرحم الله امرءاً إتخذ ليالى شهر مولده المبارك أعياداً، ليكون أشد عله على من فى قلبه مرض). [57]



ويؤيد ذلك أن هذه الإحتفالات تجسيد لتكريم النبى (ص) فإنه يقضى بلا مريه على أنها إعلاء لمقام النبى (ص) و إشاده بكرامته وعظمته، على أن المحتفلين يعزرون نبيهم ويكرمونه ويرفعون مقامه إقتداء بقوله تعالي. [ورفعنا لك ذكرك] . [58]



4. ولقد أطنب ابن الحاج فى المدخل فى الإنكار على ما أحدثه الناس من البدع والأهواء والغناء بالآلات المحرمه عند عمل المولد الشريف، فالله تعالى يثيبه على قصده الجميل. [59]



5. وقال ابن عباد فى رسائله الكبري: (... وأما المولد فالذى يظهرلي: أنه عيد من أعياد المسلمين، وموسم من مواسمهم، وكل ما يفعل فيه مما يقتضيه وجود الفرح والسرور بذلك المولد المبارك من ايقاد الشمع و امتاع البصر و السمع و التزين بلباس فاخر الثياب، وركوب فاره الدواب، أمر مباح لاينكر على أحد ). [60]



6. قال ابن الحاج أيضا: فإن كان يوم الجمعه فيه ساعه لايصادفها عبد مسلم يسأل الله تعالى شيئا إلا اعطاه إياه، وقد قال الإمام أبوبكر الفهرى المشهور بالطرطوشى، معظّم العلماء والأخيار: أنها بعد صلاه العصر إلى غروب الشمس، وقوى (ره) ذلك بحديث قال فى كتابه: (رواه مسلم فى الصحيح، وذكر فيه: أن آدم خلق بعد العصر من يوم الجمعه فى آخر ساعه من ساعات الجمعه، ما بين العصر إلى الليل...)



إلى أن قال: إذ ان المعنى الذى فضل الله به تلك الساعه فى يوم الجمعه هو خلق آدم عليه الصلاه و السلام، فما بالك بالساعه التى ولد فيها سيد الأولين والآخرين (ص). [61]



7. للحافظ السيوطى رساله سماها «حسن المقصد فى عمل المولد»، قال:



«فقد وقع السؤال عن عمل المولد النبوى فى شهر ربيع الأول ما حكمه من حيث الشرع؟



وهل ممدوح او مذموم؟ وهل يثاب فاعله أولا؟



و الجواب عندي: أن أصل عمل المولد الذى هو اجتماع الناس، وقراءه ما تيسر من القرآن، وروايه الأخبار الوارده فى مبدأ أمر النبى (ص)، وما وقع فى مولده من الآيات، ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زياده على ذلك هو من البدع الحسنه التى يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبى (ص)، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف. وأول من أحدث فعل ذلك صاحب إربل الملك المظفر أبوسعيد كوكبرى بن زين‌الدين على بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الاجواد، و كان له آثارحسنه، وهو الذى عمر الجامع المظفرى بسفح قاسيون). [62]



قال ابن كثير فى تاريخه (البدايه والنهايه): «كان يعمل المولد الشريف ـ يعنى الملك المظفر ـ فى ربيع الأول، ويحتفل به إحتفالا هائلا، وكان شهما شجاعا بطلا عاقلا عالما عادلا رحمه الله و أكرم مثواه».[63]



ويذكر سبط بن الجوزى فى مرآه الزمان: أنه كان يحضر عنده فى المولد أعيان العلماء والصوفيه.[64]



8. وقال الشيخ عبد الله الهروى المعروف بالحبشى فى كتابه: (الروائح الزكيه فى مولد خير البريه (ص) ): «فتبين من هذا أن الاحتفال بالمولد النبوى بدعه حسنه فلا وجه لإنكاره، بل جدير بأن يسمى سنه حسنه، لأنه من جمله ما شمله قول رسول الله (ص): «من سن فى الاسلام سنه حسنه فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء»، وإن كان الحديث وارداً فى سبب معين وهو أن جماعه أوقع بهم الفقر فجاؤا إلى رسول الله وهم يلبسون النمار مجتبيها، أي: خارقى وسطها، فأمر الرسول بالصدقه فاجتمع لهم شيء كثير، فسر رسول الله لذلك فقال: «من سن فى الإ سلام..» الحديث، وذلك لأن العبره بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقررعند الأصوليين، ومن أنكر ذلك فهو مكابر».[65]



فوائد الاحتفال بمولد النبى (ص) والائمه (ع)


1. كونها ذكرى سنويه يتذكر فيها المسلمون نبيهم (ص) فيزداد حبهم وتعظيمهم له.



2. سماع بعض الشمائل والفضائل المحمديه، ومعرفه النسب النبوى الشريف، وقد قال الله تعالي: [لقد كان لكم فى رسول الله أسوه حسنه]. [66]



3. إظهار الفرح بولاده الرسول (ص)، لما يدل ذلك على حب الرسول و كمال الإيمان به.



4. إطعام الطعام وهو مأمور به، وفيه أجر كبير، لا سيما بنيه الشكر لله تعالي.



5. الإجتماع على ذكرالله تعالى وقراءه القرآن.



6. ان المولد الشريف مناسبه و فرصه للاكثار من الصلاه و السلام على المصطفى الحبيب (ص) المطلوبين بنص قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). [67]



7. إن الإجتماعات ـ يعنى فى المولد ـ وسيله للدعوه إلى الله تعالي.



من ألّف حول الاحتفال بالمولد النبوى من أهل السنه


1. الإمام السيوطى، ألف كتابا فى المولد النبوى أسماه: (حسن المقصد فى عمل المولد).



و فى كتابه (الحاوى للفتاوي) يبين فى أحد فصول الكتاب حكم الإحتفال بالمولد النبوى، ويردّ فيه على من قال بأن المولد بدعه مذمومه.



2. الإمام الحافظ ابن كثير (777-842 هـ) ألف فى المولد النبوى كتباً عده، ذكر صاحب (كشف الظنون فى أسامى الكتب والفنون) [68] أن الحافظ ابن كثير قد صنف فى المولد النبوى الشريف أجزاء عديده منها: (جامع الآثار فى مولد النبى المختار) فى ثلاثه مجلدات، و (اللفظ الرائق فى مولد خير الخلائق)، وهو مختصر، وقال ابن فهد: إن لابن كثير كتابا يسمي: (المورد الصادى فى مولد الهادي).



3. ومنهم الإمام الحافظ العراقى، صنف هذا الإمام كتابا فى المولد الشريف سماه: (الورد الهنى فى المولد السني).



4. ومنهم الامام الحافظ السخاوى، له كتاب فى المولد يسمي: (التبر المسبوك فى ذيل السلوك).



5. ومنهم الإمام ملاعلى قارى، له كتاب فى المولد سماه: (المورد الروى فى المولد النبوي)



6. ومنهم: العلامه الغماري.



أدله القائلين بحرمه الاحتفالات


إن من يراجع كلمات هؤلاء القوم يجد أنهم يستدلون لما يذهبون إليه بأدله إستنباطيه وروائيه، وان كانت كلماتهم قد جاءت فى الأكثر خطابيه فلابد من ايراد جانب منها واستخلاص ما يمكن إستخلاصه مما أوردوه على شكل إستدلال و مستند لهم:



1. الاحتفال نوع من العباده


جاء فى هامش (كتاب فتح المجيد) ما نصه: (وهى التى يسميها الناس اليوم «الموالد والذكريات» التى ملأت البلاد بإسم الأولياء، وهى نوع من العباده لهم و تعظيمهم... وقد إمتلأت البلاد الاسلاميه بهذه الذكريات، وعمت المصيبه، وعادت بها الجاهليه إلى بلاد الإسلام ولا حول ولا قوه إلا بالله، ولم ينج منها إلا نجد والحجاز فيما نعلم بفضل الله، ثم بفضل آ ل سعود الذين قاموا بحمايه دعوه الشيخ محمد بن عبد الوهاب). [69]



وقالوا أيضاً: (والمستقرئ لشؤون البشر وما يطرأ عليها من التطورات الصالحه والفاسده يعرف حقيقه هذه الأعياد الجاهليه بما يرى اليوم من الأعياد يسميها أهل العصر (الموالد)، أو يسميها (الذكريات) لمعظميهم من موتى الأولياء و غيرهم... وكل ذلك إنما هو إحياء لسنن الجاهليه، وإماته لشرائع الإسلام من قلوبهم وإن كان أكثر الناس لايشعرون بذلك لشده استحكام ظلمه الجاهليه على قلوبهم، ولا ينفعهم ذلك الجهل عذرا، بل هو الجريمه كل الجريمه التى تولد عنها الجرائم من الكفر والفسوق والعصيان ). [70]



ويلاحظ عليه


أولاً: ان العنصر المقوم لصدق العباده على العمل هو الاعتقاد بألوهيه المعظم له أو ربوبيته، واما اذا خلا التعظيم عن هذا الاعتقاد، واحتفل بذكرى رجل ضحى بنفسه و نفيسه فى طريق هدايه المحتفلين، فلا يعد ذلك عباده له، وإن أقيمت له عشرات الإحتفالات، و ألقيت فيها القصائد والخطب.



ومن المعلوم أن المحتفلين المسلمين يعتقدون أن النبى الأكرم عبد من عباد الله الصالحين وفى الوقت نفسه هو أفضل الخليقه، فلأجل تكريمه يقيمون الإحتفال أداء لشكر النعمه.



وثانياً: إنهم قد خلطوا بين العباده و التعظيم و صاروا يكفرون الناس إستناداً إلى ذلك:



قال السيد الأمين (ره): (العباده بمعناها اللغوى الذى هو مطلق الذل والخضوع والإنقياد ليس شركا ولا كفرا قطعاً، وإلا لزم كفر الناس جميعا من لدن آدم إلى يومنا هذا لأن العباده بمعنى الطاعه والخضوع لا يخلو منها أحد، فيلزم كفر المملوك، والزوجه، والولد، والخادم و... بإطاعتهم وخضوعهم للمولى والزوج، والاب، و المخدوم... وقال تعالى لرسوله (ص): (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين).



والخلاصه: إن ما يترتب عليه الكفر والشرك ليس هو التعظيم، ومطلق التعظيم ليس عباده، وإنما الذى يترتب عليه الكفر والشرك هو الخضوع والانقياد الخاص). [71]



2. الاحتفالات تشتمل على أمور محرمه


قال ابن الحاج: إن هذه الإحتفالات مشتمله على الأمور المحرمه فى الغالب، كاختلاط النساء بالرجال، وقراءه المدائح مع الموسيقى والغناء.[72]



ويلاحظ عليه:



أولا: نحن لا ننكر أن ارتكاب أى من المعاصى لا يجوز، ولكن عدم جواز ذلك لايختص بالإحتفالات، بل حرمتها مطلقه، ولا يلزم من تحريمها تحريم إقامه الذكريات والمواسم والإحتفالات، بل يمكن أن تكون هذه محكومه بالحليه، وتلك بالحرمه، ولا ملازمه بينهما، إذ يمكن إقامه الاحتفالات من دون تعرض للمعاصى إطلاقا، كما هو معلوم ومشاهد، وإلا فلو استغلت الصلاه لخداع الناس مثلا فهل تكون الصلاه محرمه أم أن المحرم هو خصوص هذا الذى يضاف إلى الصلاه، ويجب الابتعاد عنه وتركه؟!



وثانيا: إن الإستدلال على الجواز أو المنع بالأمور الجانبيه خروج عن الإستدلال الفقهى، فإن الحكم بالجواز والمنع ذاتا يتوقف على كون الشيء بما هو هو جائزا أو ممنوعاً، وأما الاستدلال على احدهما بالامور الطارئه فليس إستدلالاً صحيحا.



ثالثا: إن الإستدلال على الجواز بما جرت عليه السيره العقلائيه من إقامه الإحتفالات لعظمائهم قياس مع الفارق، لأن الاحتفالات الرائجه بين العقلاء من الأمور العاديه، والأصل فيها هو الحليه، وأما الإحتفال بمولد النبى (ص) فانما هو إحتفال دينى، وعمل شرعى فلا يقاس بتلك الإحتفالات.



قال السيوطى فى «الحاوى للفتاوي»: [إن التحريم فيه إنما جاء من قبل هذه الأشياء المحرمه التى ضمت إليه، لا من حيث الإجتماع لإظهار شعائر المولد، بل لو وقع مثل هذه الأمور فى الإجتماع لصلاه الجمعه مثلا لكانت قبيحه شنيعه، ولا يلزم من ذلك ذم أصل الإجتماع لصلاه الجمعه، كما هو واضح ... نقول: أصل الإجتماع لإظهار شعار المولد مندوب وقربه، وما ضم إليه من هذه الأمور مذموم وممنوع] .[73]



3. إستدلالهم ببعض الروايات


وقد أستدلوا بما روى عن أبى هريره قال: قال رسول الله (ص): [لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبرى عيدا، وصلّوا على، فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنتم] .[74]



وقد رووا: ( أنّ عمر نهى عن اتخاذ آثار الأنبياء أعياداً). [75]



و قال ابن القيم: (... نهيه لهم أن يتخذوا قبره عيدا، نهى لهم أن يجعلوه مجمعاً، كالأعياد التى يقصد الناس الإجتماع إليها للصلاه، بل يزار قبره (ص) كما يزوره الصحابه (رضوان الله عليهم) على الوجه الذى يرضيه ويحبه...). [76]



ويلاحظ عليه:



أولا: يحتمل أن يكون المراد الحث على كثره زياره قبره (ص) وأن لايهمل حتى يكون كالعيد، الذى لا يؤتى فى العام إلا مره.



و ثانيا: يحتمل أن يكون المراد: ان إجتماعهم عند قبره ينبغى أن يكون مصحوبا بالخشوع والتأمل والإعتبار، حسبما يناسب حرمته (ص) فان حرمته ميتا كحرمته حياً، فلا يكون ذلك مصحوبا باللهو واللعب والغفله والمزاح، وغير ذلك مما اعتادوه فى أعيادهم. قال السبكي: يحتمل: لا تتخذوه كالعيد فى الزينه والإجتماع وغير ذلك، بل لايؤتى إلا للزياره والسلام والدعاء.[77]



وثالثا: قوله: صلوا على حيث ما كنتم، فهو بيان لأمر آخر، وهو: أن الصلاه على النبى (ص) لا يجب أن يراعى فيها الحضور عنده ، بل هى تصله عن بعد ، كما تصله عن قرب.



و يظهر مما تقدم ان الروايه غير صالحه للإستدلال بها على المنع من الإجتماعات، و إقامه الموالد والذكريات و... فى أوقات معينه، إذ يكفى لرد الإستدلال ورود الإحتمال العقلائى فيه، فكيف إذا كان هذا الإحتمال من القوه بحيث يصير صالحا لان يدّعى أنّه هو الظاهر من الروايه دون سواه؟



مضافا إلى أن الروايه خاصه بالتجمع عند القبور، فلا إطلاق فيها بالنسبه إلى غيرها من المواضع ، ولعل لقبر النبى (ص) خصوصيه فى المقام.



4. إلاحتفالات مضاهاه للنصارى فى ميلاد المسيح (ع)


يقول إبن تيميه: (وكذلك ما يحدثه بعض الناس إمّا مضاهاهً للنصارى فى ميلاد المسيح (ع) وإما محبه للنبي(ص) وتعظيما له، والله قد يثيبهم على هذه المحبه والإجتهاد لاعلى البدع، من اتخاذ مولد رسول الله (ص) عيداً مع إختلاف الناس فى مولده...). [78]



و قال: (حتى أن بعض القبور يجتمع عندها القبوريون فى يوم من السنه ويسافرون لإقامه العيد، إما فى المحرم، أو رجب، أو شعبان ، أو ذى الحجه، أو غيرها...). [79]



كما أن محمد بن عبد الوهاب قد أنكر تعظيم الموالد والأعياد الجاهليه التى لم ينزل فى تعظيمها سلطان ولم تَرد به حجه شرعيه ولا برهان، لأن ذلك مشابهه للنصارى الضالين فى أعيادهم الزمانيه والمكانيه وهو باطل مردود فى شرع سيد المرسلين. [80]



وقال ابن فوزان: «البدع المعاصره كثيره بحكم تأخر الزمن، وقله العلم، وكثره الدعاه إلى البدع، والمخالفات، وسريان التشبه بالكفار فى عاداتهم وطقوسهم... فمن هذه البدع... الإحتفال بمناسبه المولد النبوى فى ربيع الأول... ومن هذا التشبه بالنصارى فى عمل ما يُسمى بالإحتفال بالمولد النبوي... يعملون ذلك تشبها بالنصارى فى ابتداعهم الإحتفال بمولد المسيح عليه السلام...». [81]



ويلاحظ عليه:



أولاً: أن المضاهاه والتشبه بالنصارى من العناوين القصديه التى يحتاج ترتب الحكم عليها الى القصد، فنقول حينئذ: هل ابن تيميه وغيره على يقين بأن المسلمين يقيمون الإحتفال مضاهاه للنصاري؟



وبعباره أخري: إن التشبه من الأمور القصديه، كما يقتضيه باب التفعل أيضاً، ومثله القيام الذى يقصد به التعظيم تاره، والسخريه أخري.



بعباره ثالثه: إن الحكم فى أمثال هذه الموارد المشتركه بين الراجح والمرجوح يكون دائراً مدار القصد، وعليه فلو قصد من إقامه الإحتفال التشبه يكون مرجوحا، وإن قصد منها إقامه شعائر الله، وتجديد العهد بالنبى (ص) وأخلاقه يكون مستحبا وراجحا، للعمومات الداله على لزوم تعظيم شعائر الله.



روى البخارى فى صحيحه، كتاب المغازى فى غزوه أحد: (...فقال أبو سفيان: أُعل هُبل .فقال النبى (ص): أجيبوه ، قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى و أجل. فقال أبوسفيان: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبى (ص) أجيبوه. قالوا: ما نقول: قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم. قال أبوسفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مُثله لم آمر بها ولم تسؤني).[82]



وهل يجوز لك أن تقول: ان هذا العمل تشبه بالكفار؟



وقد قال تعالي: [يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون] . وهل هذا تشبه بالكفار المنهى عنه، وهل مطلق التشبه بالكفار حرام، أم ان الحرام هو الإقتداء والتشبه بهم فى خصوصياتهم الدينيه المبتدعه، كإستعمال الصليب.



قال الإمام الشيخ محمود شلتوت فى (الفتاوي): «لا يشترط فى صحه الصلاه غطاء الرأس، فتصح الصلاه برأس مغطاه، وبرأس مكشوف، ولا يشترط فى غطائها إذا غطيت نوع خاص من الغطاء. فللمسلم أن يصلى بعمامه و بقبعه ما دامت لا‌تمنعه من وضع الجبهه على الارض. والإسلام لا يعرف زياً خاصا للرأس، والزى وغطاء الرأس من الأمور التى يتركها الإسلام للعرف الذى يجرى عليه الناس وليس صحيحا ما يقال: إن القبعه زى خاص بغير المسلمين وشعار غير إسلامى، فالمسلم وغيره فى ذلك سواء، والذين يلبسون القبعات من المسلمين لا يقصدون التشبه بغيرهم فيما هو من خصائص دينهم، وإنما يلبسونها لتقيهم من حر الشمس أو برد الشتاء مثلا أو لأن عرف بلادهم جرى على ذلك. [83]



وقد روى مسلم فى صحيحه عن ابن عباس (رض) قال: قدم رسول الله (ص) المدينه فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسُئلوا عن ذلك؟ فقالوا: هذا اليوم الذى أظهر الله فيه موسى وبنى إسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيما له، فقال النبى (ص) : (نحن أولى بموسى منكم) فأمر بصومه. [84]



ثانيا: إن الأساس الذى يجب أن يُبنى عليه عمل المسلم هو انطباق العمل على الكتاب والسنه، فلا تكون المضاهاه مانعه عن اتباع الكتاب والسنه.



وثالثا : إن عيد الفطر والأضحى يشبهان الأعياد الزمانيه للنصارى أيضا، كما أن الحج يشبه أعيادهم المكانيه فينبغى أن تصبح هذه الامور محرمه حسب ما يقتضيه الدليل المذكور، كما ينبغى تحريم بناء المساجد، بل تحريم الاجتماع فيها للصلاه، لانه يشبه تجمع النصارى فى كنائسهم.



رابعاً: الظاهر أن المراد من قوله (ص): لاتتشبهوا باليهود ولا النصارى، على تقديرصدوره عنه(ص) هو أنه لايجوز أن تتشبهوا بهم فى خصوصياتهم الدينيه، كنصب الصليب و ضرب الناقوس و...فتكونوا منهم، وإلا فإن المشابهه للنصارى إن كانت فى أمور تقتضيها طبيعه البشر وحياتهم وتعاملهم العادى والطبيعى فلا مانع منها، وكذلك إن كانت نتيجه لتشريع إلهى يتحرى مصلحه البشر وسعادتهم فلا مانع من ذلك أيضا. وأما إذا كانت نتيجه إجتهاد بشرى فى مقابل التشريع الإلهى بهدف إبطال الشرع والدين، أو بهدف الزياده أو إحداث النقص فيه خصوصا إذا كانت من الأمور الخاصه بهم فذلك هو الذنب. لم يحتفل السلف بمولد النبى (ص)



قال ابن تيميه فى (الفتاوى الكبري): «أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعيه كبعض ليالى شهر ربيع الأول التى يقال: إنها ليله المولد، أو بعض ليالى رجب، أو ثامن عشر ذى الحجه، أو أول جمعه من رجب، أو ثامن شوال الذى يسميه الجهال: عيد الابرار، فإنها من البدع التى لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها».[85]



قال ابن الحاج فى (المدخل): «فإن خلا ـ أى المولد النبوى ـ منه ـ أي: السماع وتوابعه ـ وعمل طعاما فقط، ونوى به المولد، ودعا إليه الإخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره، فهو بدعه بنفس نيته فقط، إذ ان ذلك زياده فى الدين، وليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نيه مخالفه لما كانوا عليه لأنهم أشد الناس اتباعا لسنه رسول الله (ص) و تعظيما له ولسنته (ص)، ولهم قدم السبق فى المبادره إلى ذلك، ولم ينقل أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم».[86]



وقال الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز فى رسالته حول حكم الإحتفال بالمولد النبوي:



«لا يجوز الإحتفال بمولد الرسول (ص) ولا غيره، لأن ذلك من البدع المحدثه فى الدين، لأن الرسول (ص) لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولاغيرهم من الصحابه ـ رضوان الله على الجميع ـ ولا التابعون لهم بإحسان فى القرون المفضله، وهم أعلم الناس بالسنه، وأكمل حبا لرسول لله (ص)، ومتابعه لشرعه ممن بعدهم». [87]



و قال ابن تيميه ايضا: «إن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرا محضا أو راجحا لكان السلف ـ رضى الله عنهم ـ أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبه لرسول الله (ص) وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص.» [88]



وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب: «اعتبرناها من البدع المنهى عنها، حيث لم يأمر بها الرسول، ولا فعله الخلفا الراشدون، ولا الصحابه، ولا التابعون».[89]



وقال محمد بن جميل زينو: (الإحتفال لم يفعله الرسول (ص) ولا الصحابه ولا التابعون، و لا الأئمه الأربعه، وغيرهم من أهل القرون المفضله، ولا دليل شرعى عليه).[90]



ويُلاحظ عليه:



اولاً: قد ذكر فى محله أن عدم فعل المعصوم لا يدلّ على الحرمه، بل يدل على عدم الوجوب فقط. كذلك فعل المعصوم لا يدل على الوجوب بل يدل على عدم الحرمه فقط؛ لأن المعصوم لا يفعل الحرام ولا يترك الواجب، هذا فى المعصوم فضلا عن غير المعصوم.



وثانيا: وعلى فرض أن السلف لم يفعلوا بعض الأمور ومنها الأعياد، غير الفطر والأضحى، فإن عدم فعلهم لا يضر مادام قد انعقد الإجماع بعد ذلك على إقامه هذه المواسم والأعياد، ولا سيما عيد المولد النبوى (ص). وعمّ ذلك جميع قطاعات الأمه صغيرها وكبيرها، عالمها وجاهلها، رئيسها ومرؤسها.



وقد استمرعمل الناس على هذه المواسم إلى ظهور ابن تيميه الذى أقام الدنيا وأقعدها، فى إنكاره أمورا واضحه ، وفى دعاواه العريضه. وهم قد صرحوا بأن الإجماع معصوم، وبأنه يمكن انعقاده فى كل عصر وزمان, ويكون حجه. بل قد صرحوا بأن الإجماع نبوه بعد نبوه، وليس لهم دليل معصوم سواه، وقد جعله الله من الشريعه خَلَفَ النبوه. [91]



ثالثا: إن قولهم: إن السلف كانوا أكثر حباً لرسول الله (ص) منا فهو ينافى قول النبى (ص) [إنه سيأتى أقوام يحبونه أكثر من حب أصحابه له]. [92]



و رابعا: لا يلزم على السلف أن يعملوا بجميع المباحات أو حتى بجميع المستحبات .



وخامسا: إن السلف إذا تأولوا ـ خطأ ـ حديث (لا تتخذوا قبرى عيدا) على ذلك فامتنعوا من عمل الموالد والذكريات، فلو أدركنا نحن خطأهم فى فهم النص أو فى الإستظهار منه كان لنا مخالفتهم، بعد أن فرضنا أن باب الإجتهاد كان ولايزال مفتوحا، حسبما اعترف به إبن تيميه الذى حكم بالأجر لمن اجتهد فى هذا الأمر و أخطأ.



وسادساً: إن المانع هو الذى يحتاج إلى الدليل، وأما الآخرون فلا يدعون أن ذلك جزءاً من الشريعه ليصح الإحتجاج عليهم بفعل السلف ،أو بعدم فعلهم.



وإذا كان عمل السلف حجه، وإن لم يكن المعصوم داخلا فيهم، وكان عصرهم العصرالذى تنعقد فيه الإجماعات، وتصير حجه وتشريعا متبعا...و إذا كان يجوز إطراح القرآن، وكل ما قاله النبى (ص) لمجرد انه انعقد الإجماع بعد عصر النبى (ص) على خلافهم إذا جاز كل ذلك فلقد سُبّ أمير المؤمنين على ابن أبى طالب (ع) على المنابر فى جميع أقطار العالم الإسلامى من قبل وعاظ السلاطين طيله العشرات من السنين، ومن قبل العديد من الصحابه.



سابعا: ان عدم الدليل ليس بدليل. قال ابن القيم فى هذا المعني. حيث اعترض عليه فى مسأله القراءه للأموات فى كتاب (الروح) ما نصه:



والقائل: ان أحدا من السلف لم يفعل ذلك، قائل ما لا علم له به، فإن هذه شهاده على نفى ما لم يعلمه، وما يدريه ان السلف كانوا يفعلون ذلك ولايشهدون من حضرهم عليه.



ثامنا: إن ترك الصحابه الإحتفال بالمولد لا يعنى تحريم أو كراهيه الإحتفال بالمولد، لأن الترك لم يقترن بنهى أو غيره، فغايه ما فيه هو جواز الترك للإحتفال فقط, وقد قال الله تعالي: «ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا»، ولم يقل: ما تركه فانتهوا عنه، فالترك لا يفيد التحريم. و قد حرر بحث الترك تحريرا ما عليه مزيد العلامه الكبير المحقق السيد عبدالله بن الصديق الغمارى الحسنى فى رساله (حسن التفهم والدرك لمسأله الترك) فراجع.




[1] . اقتضاء الصراط المستقيم :293 ـ 295.



[2] . مجموع فتاوى و مقالات متنوعه: 1/183.



[3] . اللجنه الدائمه من الفتوي: رقم 1774.



[4] . البدعه لابن فوزان: ص 25-27.



[5] . إقتضاء الصراط المستقيم لابن تيميه 2/615، البدعه لابن فوزان: ص 28.



[6] . البدعه لابن فوزان: ص 28.



[7] . فتاوى منار الاسلام: 1/42.



[8] . قره العيون ، كما فى فتح المجيد: ص 154.



[9] . تعليق فتح المجيد: ص 154.



[10] . التوبه: 24.



[11] .المستدرك على الصحيحين :3/149.



[12] .صحيح البخارى 1/9،صحيح مسلم1/49،مسند احمد3/177.



[13] .سنن الترمذى 5/644/3789.



[14] . كنزالعمال 12/105/34206.



[15] . سنن البيهقى 3/396.



[16] . الشورى :23.



[17] . الصافات:24.



[18] . الصافات:24.



[19] . انظر هذا الحديث و الذى سبقه فى المستدرك على الصحيحين.



[20] . صحيح البخارى،باب كيفيهالصلوه على النبي(ص).



[21] . المستدرك على الصحيحين 3/161 ح12.



[22] . المستدرك على الصحيحين.



[23] . فتح الباري1/50ـ51.



[24] . صحيح البخاري2/17 كتاب الجنائز.



[25] . البقره:125.



[26] .صحيح البخارى،كتاب الانبياء 2/158ـ159.



[27] . البقره:158.



[28] . صحيح البخارى،كتاب الانبياء 2/158.



[29] . الصافات:101-107.



[30] . الحج:32.



[31] . ابراهيم:5.



[32] . الشوري:23.



[33] . السيرهالحلبيه 1/58، السيرهالنبويه لدحلان1/21.



[34] . الاعراف:157.



[35] . المائده:11.



[36] . الانشراح:7.



[37] . الفتح:3.



[38] . هود:120.



[39] . بلوغ المامول فى الاحتفاء و الاحتفال بمولدالرسول (ص).



[40] . يونس:58.



[41] . الانبياء:107.



[42] . الدرالمنثور 4/367.



[43] . تفسير روح المعانى 10/141،تفسير ابى السعود 4/146.



[44] . صحيح مسلم 2/819.



[45] . لطائف المعارف ص98.



[46] . صحيح البخارى 7/215،صحيح مسلم 1130.



[47] . الحاوى للفتاوى 1/196.



[48] . تحفهالاحوذى 1/86،سنن الدارمى 1/26،الشفاء للقاضى عياض 1/408.



[49] . دلائل النبوه 5/270.



[50] . الحاوى للفتاوى للسيوطى 1/196.



[51] . اخرجه مالك فى الموطا 1/108،الترمذى 491و قال حسن صحيح.



[52] . مسند احمد 4/24، المصنف لابن ابى شيبه6/180،المعجم الكبير للطبراني1/842.



[53] .مسند احمد1/306،مسندالطيالسى،حديث2697.



[54] . صحيح البخارى،كتاب الادب 5/2278 حديث5799.



[55] . تاريخ الخميس1/323.



[56] . السيرهالحلبيه1/83ـ84.



[57] . المواهب اللدنيه1/148.



[58] . الانشراح:4.



[59] . المواهب اللدنيه1/27،السيرهالحلبيه1/83 ـ84، السيرهالنبويه لدحلان1/24.



[60] . القول الفصل فى حكم الاحتفال بمولد خير الرسل ص 175.



[61] .المدخل 2/29 ـ30.



[62] . الحاوى للفتاوي1/189 ـ197.



[63] . البدايه و النهايه3/163.



[64] . الحاوى للفتاوي1/190.



[65] . الروائح الزكيه ص33 ـ34.



[66]. الاحزاب:21.



[67] . الاحزاب:56.



[68] . كشف الظنون.



[69]. فتح المجيد بشرح عقيدهالتوحيد،هامش صفحتى 154 ـ155.



[70]. اقتضاءالصراط المستقيم، هامش ص 119.



[71]. كشف الارتياب، ص 103 ـ106 بتصرف و تلخيص.



[72]. المدخل لابن الحاج 2/2.



[73]. الحاوى للفتاوى 1/190.



[74]. مسند احمد 2/246.



[75]. اقتضاءالصراط المستقيم ص313.



[76]. عون المعبود 6/32.



[77]. انظر: كشف الارتياب ص 449.



[78]. اقتضاءالصراط المستقيم 294ـ196.



[79]. المصدر السابق ص 375 ـ376.



[80]. القول الفصل فى حكم الاحتفال بمولد خير الرسل ص 53.



[81]. البدعه لابن فوزان 25ـ27.



[82] . اخرجه البخارى فى كتاب المغازى، باب غزوه احد ح4043، ابن كثيرفى البدايهو النهايه 4/28.



[83]. الفتاوى لشلتوت ص 88.



[84]. صحيح مسلم 1130، صحيح البخارى 7/215.



[85]. حكم الاحتفال بالمولد النبوى 1/31 نقلا عن الفتاوى الكبرى لابن تيميه.



[86]. نفس المصدر 1/31ـ32،نقلا عن كتاب(المدخل)لابن الحاج.



[87]..حكم الاحتفال بالمولد النبوى 1/57.



[88]. اقتضاءالصراط المستقيم:293 ـ294.



[89]. منهاج الفرقه الناجيهص 55 عن مجموعه الرسائل و المسائل 2/357.



[90]. منهاج الفرقه الناجيه ص 107.



[91]. راجع:المنتظم لابن الجوزى 2/210، الاحكام فى اصول الاحكام1/204 ـ205.



[92]. راجع:مجمع الزوائد 10/66، عن احمد و البزار و الطبرانى،عن ابى ذر.ابى هريره عنه(ص) و عن عماربن ياسر،كنزالعمال 2/374 عن ابن عساكر ،عن ابى هريره.



/ 1