هذا، وأمّا الآيات فمفادها بعيد تمام البعد عن تقديس جميع الصحابة أو ثلّة جماعة بيعة السقيفة، بل إنّ كلّ منها بنفسه دليل على عدم التـعميـم فـي عدالـة الصحـابة، سـواء فسّـرت الصحـبة بمـعنى كـلّ مـن رآه صلى الله عليه وآله وسلم ، أو نقل الحديث عنه، أو لازمه مدّة مديدة.
* أمّا الآية الاَُولى:
فهي قوله تعالى: ( السابقون الاَوّلون من المهاجرين والاَنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّـات تجري تحتها الاَنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) .فنرى أنّ الآية قد قيّدت المرضيّ عنهم من المهاجرين والاَنصار بقيدين، الاَوّل: السبق؛ الثاني: كونه أوّل السابقين، أي الاَوّلية في السبق، ومن المقرّر في موضعه تاريخياً ـ برغم الدعاوي الاَُخرى ـ أنّ أوّل السابقين إلى الاِسلام هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ومن ثمّ حاولت الدعاوي الاَُخرى الاستعاضة لتطبيق الآية بأنّ عليّـاً أوّل من أسلم من الاَحداث، وأنّ خديجة أوّل من أسلم من النساء، وأنّ...ولكنّ السبق والاَوّلية في الآية غير مقيّدتين بحيثية السنّ أو الجنس، هذا من جانب، ومن جانب آخر نرى أنّ استعمال القرآن الكريم للسبق هو بمعنىً خاصّ كما تطالعنا به سورة الواقعة، وهذا كديدَن الاستعمال القرآني في العديد من عناوين الاَلفاظ كالصدّيقين والاصطفاء والتطهير..فالمعنى الذي في سورة الواقعة ( السابقون السابقون * أُولئك المقرّبون) هو خصوص «المقرّب»، وقد أكّدت الآية على عنوان «السبق» بالتكرار للاِشادة به، و «المقرّب» قد أُريد به معنىً خاصّ في سورة المطفّفين: ( كلاّ إنّ كتاب الاَبرار لفي علّيّـين * وما أدراك ما علّيّـون * كتابٌ مرقومٌ * يشـهده المقرّبون ) ، فعرّف المقرّب بأنّه الذي يشهد كتاب الاَبرار، وشهادة الاَعمال من خصائص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكرت ذلك الآيات كما في سورة التوبة..وهذا يعطينا مؤدّى أنّ «المقرَّب» ليس من درجة الاَبرار من أنماط المؤمنين، بل فوقهم شاهد لِما يعملونه، وشهادة الاَعمال لا ريب أنّها نحو من الغيب الذي لا يطلعه الله إلاّ لمن ارتضى من رسول، فهي نحو من العلم اللدُنّي الاِلهي المخصّص بالمقرّبين، فهم نحو من الّذين أُوتوا مناصب إلهية غيبية جعلها لهم. ويعطي ذلك التقسيم في سورة الواقعة لمن يحشر من البشر إلى ثلاثة أقسام: السابقون، وأصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة؛ ولا ريب في دخول الاَنبياء والرسل والاَوصياء في القسم الاَوّل، وهو يقتضي عدم مشـاركة غيرهم لهم في الدرجـة، فالباقـون هـم في القسـمين الاَخيـرين، فـ «السبق» في الاستعمال القرآني هو في من حاز العصمة والطهارة الذاتية من الذنوب، فالسبق ها هنا هو في الدرجات لا السبق الزمني، مع أنّ أوّل السابقين زمناً من المهاجرين هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام ..ومن ذلك يظهر المراد من أوّل السابقِين من الاَنصار، فإنّ المطهّر من الذنب من الاَنصار ـ أي الذي لم يهاجر ـ هما الحسـنان، فإنّهما اللذان نزلت فيهما وفي أبويهما آية التطهير كما هو مقرّر في موضعه من سبب نزول الآية في أخبار الفريقين.وكذلك يظهر المراد من الّذين اتّبعوهم بإحسان، أنّهم المطهَّرون من الذنب من الذرّية النبوية، ويطالعك بهذا المعنى ـ مضافاً إلى أنّه مقتضى معنى «السبق» في الاستعمال القرآني ـ أنّ مقام الاِحسان في القرآن لا ينطبق على غير المعصوم من الزلل والخطأ، إذ لم يُسند الاِحسان إلى فعل مخصوص، بل جُعل وصفاً لكلّ معصوم من الذنب، لاحظ قوله تعالى: (ومن ذرّيّته داود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين) ..وقوله تعالى: ( ولمّا بلغ أشدّه آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين ) .. وقوله تعالى: (ولمّا بلغ أشدّه واستوى آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين) ..وقوله تعالى: (سلام على قوم نوحٍ في العالمين * إنّا كذلك نجزي المحسنين) ..وقوله تعـالى: (قد صـدّقت الرؤيا إنّا كذلك نجـزي المحسـنين) ..وقوله تعالى: (سـلام على إبراهيـم * كذلك نجـزي المحسـنين) ..وقوله تعالى: (سلام على موسى وهارون * إنّا كذلك نجزي المحسـنين) ..وقوله تعالى: (سلام على إل ياسين * إنّا كذلك نجزي المحسـنين) ..