قلت :
أراد بالمكان المعظّم : جوف البيت الحرام الذي وُلد فيه عليّ عليه السلام ، وتراه قد أرسل ذلك إرسال المسلّمات.
والجاحظ مع كونه متّهماً في عليٍّ وآل الرسول صلوات الله وسلامه عليهم أجمعـين ، حتّى إنّـه يُضـرب به المثل في المناصبة والبغضاء لهـم ، إلاّ إنّه لم يسعه إنكار الولادة في الكعبة لاشتهارها بين أهل الإسلام شهرةً عظيمة لا يقوى على جحدها إلاّ مكابر عنيد ، أو جاهل بليد.
ولو كان قد ثبت عنده في ولادة حكيم بن حزام بالكعبة شيء لَما جاوزه إلى عليّ عليه السلام ، كما لا يخفى على من عرف ديدنه في مثل ذلك.. والحقّ ينطق منصفاً وعنيداً.
* وقال الشيخ الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر محمّـد بن علي بن إسماعيل الشاشي ، المعروف بالقفّال : لم يولد في الكعبة إلاّ عليّ عليه السلام[7].
وكذا قال شيخ الإسلام إبراهيم بن محمّـد الجويني[8].
* وقال الإمام الحافظ أبو عبـدالله الحاكم النيسابوري في كتابه المستدرك على الصحيحين : قد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسـد ولدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه في جوف الكعبة[9].
* وأخرج الإمام الحافظ أبو عبـدالله محمّـد بن يوسف الكنجي في كتابه كفاية الطالب عن الحاكم أيضاً نحو ذلك..
قال : أخبرنا الحافظ أبو عبـدالله محمّـد بن محمود النجّار ، بقراءتي عليه ببغداد ، قلت له : قرأت على الصفّار بنيسابور ، أخبرتني عمّتي عائشة ، أخبرنا ابن الشيرازي ، أخبرنا الحاكم أبو عبـدالله محمّـد بن عبـدالله الحافظ النيسابوري ، قال : وُلد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بمكّة ، في بيت الله الحرام ، ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه ؛ إكراماً له بذلك ، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم[10].
* وقال شمس الدين أبو المظفّر يوسف بن قزأوغلي ، الشهير بسبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواصّ : روي أنّ فاطمة بنت أسـد كانت تطوف بالبيت وهي حامل بعليٍّ عليه السلام ، فضربها الطلق ، ففتح لها باب الكعبة فدخلت فوضعته فيها[11].
* وقال حمد الله بن أتابك بن حمد المستوفي القزويني[12] في تاريخ گزيده ـ ما ترجمته وملخّصه ـ : إنّ مولده عليه السلام كان سنة ثلاثين من عام الفيل الموافقة لسنة 912 الإسكندريّة ، لثمان سنين مضين من ملوكية پرويز ، وكان في الكعبة ، حيث كانت أُمّه في الطواف ، فبان عليها أثر الطلق ، فأشارت إلى البيت ووضعته في جوفه.
* وقال نور الدين علي بن محمّـد بن الصبّاغ المكّي المالكي في كتابه الفصـول المهمّة : وُلد عليّ عليه السلام بمكّة المشرّفة بداخل البيت الحرام في يوم الجمعة الثالث عشـر من شهر الله الأصمّ ، رجب الفرد ، سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة..
قال : ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه ، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها ، إجلالاً له ، وإعلاءً لمرتبته ، وإظهاراً لتكرمته..
قال : ومن كتاب المناقب ، لأبي المعالي الفقيه المالكي ، روى خبراً يرفعه إلى عليّ بن الحسين رضي الله عنهما ، أنّه قال : كنّا عند الحسين رضي الله عنه في بعض الأيّام وإذا بنسوة مجتمعين ، فأقبلت امرأة منهنّ علينا فقلت لها : مَن أنتِ يرحمكِ الله؟
قالت : أنا زيدة ابنة العجلان من بني ساعدة.
فقلت لها : هل عندك من شيء تحدّثينا به؟
قالت : إي والله ، حدّثتني أُمّ عمارة بنت عبادة بن فضلة بن هالك بن عجلان الساعدي أنّها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً ، فقلت له : ما شأنك؟
قال : إنّ فاطمة بنت أسـد في شـدّة من الطلق ؛ ثمّ أخذ بيدها وجاء بها إلى الكعـبة ، فدخل بها وقال : اجلسي على اسم الله ، فطلقت طلقة واحدة فولدت غلاماً نظيفاً منظَّفاً لم أر أحسن وجهاً منه ، فسمّاه أبو طالبٍ عليّـاً ، وقال شعراً :
سمّيته بعليٍّ كي يدوم له
عزّ العلوّ وفخر العزّ أدومُه
عزّ العلوّ وفخر العزّ أدومُه
عزّ العلوّ وفخر العزّ أدومُه
وجاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فحمله معه إلى منزل أُمّه.
قال عليّ بن الحسين : فوالله ما سمعت بشيء حسن قطّ إلاّ وهذا من أحسـنه[13].
* وقال الصفوري في نزهة المجالس : رأيت في الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة ، أنّ عليّـاً رضي الله عنه ولدته أُمّه بجوف الكعبة ـ شرّفها الله ـ وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها ، ذلك أنّ فاطمة بنت أسـد رضي الله عنها أصابها شـدّة الطلق ، فأدخلها أبو طالب الكعبة فطلقت طلقة فولدته يوم الجمعة في رجب سنة ثلاثين من عام الفيل..
قال الصفـوري : وأمّـا حكيم بن حزام فولـدته أُمّـه في الكـعبة اتّفاقاً لا قصداً[14].
قلـت : سيأتي إن شاء الله تعالى في الباب الثاني بسط الكلام في دعوى ولادة حكيم بن حزام في البيت الحرام وبيان بطلانها.
* وذكر الشيخ عبـد الرحمن الجامي حديث الولادة في شواهد النبوّة وأسـنده إلى بعضهم[15].
وفي كتاب روضة الصفا ، للمؤرّخ الشهير الضليع محمّـد خاوند شاه ما ترجمته ملخّصاً : كان ميلاده عليه السلام في جوف الكعبة ، فإنّ أُمّه كانت تطوف بالبيت ، أو أنّ المشيئة الإلهيّة أجاءتها إلى فنائه وكانت في أوان الطلق ، فكانت ولادته فيها..
قال : ولم تتح هذه السعادة لأيّ أحدٍ منذ بدء الخليقة إلى الغاية ، وإنّ لصحّة هذا الخبر بين المؤرّخين المتحفّظين على الفضائل صيت لا تشوبه شبهة ، وتجاوز عن أن يصحبه الشكّ والترديد.
شد او در بيت الحرامش صدف
كسى را ميسَّر نشد اين شرف[16]
كسى را ميسَّر نشد اين شرف[16]
كسى را ميسَّر نشد اين شرف[16]
* وقال علي بن برهان الدين الحلبي في السيرة الحلبيّة : إنّه عليه السلام وُلد في الكعبة وعمره ـ يعني النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ثلاثون سنة[17].
* وقال صفيّ الدين أحمد بن محمّـد بن باكثير الحضرمي في كتابه وسيلة المآل بذِكر فضائل الآل : كانت ولادته ـ يعني عليّـاً عليه السلام ـ بالكعبة المشرّفة ، وهو أوّل من وُلد بها ، بل لم يُعلم أنّ غيره وُلد بها[18].