رسول جعفريان استهلال كان تداخل العلوم بعض في بعض من خصائص المرحلة التي لم تكن فيها معرفة الإنسان قد اتسعت مثلما هي في الوقت الحاضر حيث التوجه الي علم من العلوم يستوجب التخلي عن العلوم المشابهة. ثم إن فشخص مثل المقدسي، الذي كتب أهم كتاب جغرافي في القرن الرابع تحت عنوان «أحسن التقاسيم» استقي أكثر معلوماته خلال رحلاته السياحية. إن كتبا من هذا القبيل تصنف وفقاً للتنظيمات الجغرافية السائدة يومذاك في العالم، لا بشكل كتب الرحلات، ومع ذلك فقد كان إلي جانب ذلك كتب كتبت علي غرار كتب الرحلات والجغرافيا وفيها معلومات جغرافية كثيرة، وهذه تقع ضمن دائرة واحدة بشكل ما، لأنها جميعاً تنحي مناحي متشابهة في عرض المعلومات عن المدن والآداب والرسوم. إن كتباً مثل «احسن التقاسيم» و «المسالك والممالك» و «أشكال العالم» و «حدود العالم» و «صورةالأرض» و «معجم البلدان» هي معظمها كتب جغرافية استندت في معلوماتها علي الرحلات والسياحة. إلي جانب تلك الكت نجد كتباً أخري مثل «رحلة» ناصر خسرو، و «رحلة» ابن جبير، و«رحلة» ابن بطوطة وغيرها من الكتب التي كتبت أصلاً كرحلات وردت فيها معلومات جغرافية كثيرة.في غضون ذلك كانت كتب التاريخ الإقليمي، أو كتابة تواريخ المدن في كتب منفردة عن كل مدينة، من أهم مصادر المعارف الجغرافية والتاريخية القائمة علي الدراسات الميدانية وغيرها. هذه الكتب ينبغي أن تعتبر من أهم المصادر في تآليف أوسع، مثل «معجم البلدان»، تلك الكتب التي خلفت لنا معلومات مهمة من التاريخ والجغرافيا و علم الرجال.أما التواريخ الإقليمية فقد كانت تهلف في قسمين: القسم الأول في شرح الموقع الجغرافي للمنطقة، والقسم الثاني في شرح أحوال رجال المدينة ومحدّثيها، وكان جزء الأعظم من هذه الكتب يخصص لشرح أحوال العلماء، وعلي الأخص المحدّثين.يعود تاريخ تأليف أمثال هذه الكتب إلي القرن الثاني الهجري، ومن الطلايع في ذلك هو يحيي بن أبي أيوب (م 168) الذي ألف كتاباً في تاريخ مصر وردت نتف منه في كتبه التالية. وهناك مهلفون آخرون في القرن المذكور. وأقدم كتاب باق هو ما كتبه ابن عبد الحكيم (م 257) وهو عن فتوح مصر والمغرب. والكتب الأخري التي ذكرها سِزگين في مجال التاريخ الاقليمي والجغرافيا المدنية تأتي كلها بعد ذلك الزمن1.لابد من القول إن التراث العلمي الشيعي، علي الرغم من نضجه الخاص، لم يحظ باهتمام كبير. من أهم الكتب الباقية علي هذا الصعيد هو «تاريخ قم» تأليف حسن بن محمد بن حسن القمي من القرن الرابع الهجري. إن في نيتنا هنا أن نعرض لاربعة كتب لمهلفين من الشيعة علي امتداد القرن الثالث حتي السادس ممن كتبوا في البلدان. لقد اخترنا هذه الكتب الأربعة لأنها لم يبق منها إلا مقاطع قليلة. من الجدير بالذكر أن سزگين لم يشر إلي ثلاثة من هذه الكتب التي كان يجدر بها أن نذكرها في كتاب الذي ترجم إلي العربية2.شخصيتا القرن الثالث هما أحمد بن محمد البرقي من آل البرقي الذين عاشوا في القرن الثالث يوم كانت قم في عصر عظمتها الثقافية. والثاني هو محمد بن بحر الرُهني الذي كان يسكن كرمان في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع. إننا سنتناول هاتين الشخصيتين بتفصيل أكثر. بعد ذلك سوف نتحدث عن كتاب «تاريخ الري» لأبي سعيد الآبي المتوفي بعد سنة 432 ه·· ، ومنتجب الدين الذي كان حياً في سنة 600 ه··
آل احمد البرقي
في الواقع أهم شخصية في هذه العائلة هو أحمد، أبو جعفر أحمد بن ابي عبداللّه محمد بن أبي علي3 خالد بن عبدالرحمن بن محمد بن علي البرقي. والنجاشي، بعد أن يذكر اسمه كما مر، يقول: «هم في الأصل من الكوفة. جدّه، محمد بن علي، سجن علي يد يوسف بن عمر، بعد استشهاد زيد بن علي، ثم قتل. و خالد الذي مان صغيراً، هرب مع أبيه عبد الرحمن إلي (بَرق رود).» وبعد بيان تآليفه يذكر تاريخين لسنة وفاته، الأول سنة 274 عن ابن الغضائري، والآخر سنة 2804. عن ابن بنت البرقي، علي بن محمد ماجيلويه.يذكر النجاشي شرحاً موجزاً لأبيه، فيقول:«هو محمد بن خالد من موالي أبي موسي الأشعري، وهو ينتسب إلي (برقه رود) وهي قرية من سواد قم بالقرب من وادي (رود).» كان لمحمد أخواني: الاول أبو علي حسن بن خالد5، والآخر هو ابو القاسم الفضل بن خالد. حفيد الاخ الثاني، علي بن علاء بن الفضل بن خالد كان فقيهاً6. ابن محمد الثاني هو أبو طاهر البرقي الذي يذكره الشيخ7. ابن بنت أحمد بن محمد البرقي، هو علي بن محمد الذيسوف نشير إليه. حفيد أحمد، عبد الله، وحفيد ابنه من عبد الله، أحمد، وهو من الرواة ووسيط نقل الكليني أحاديث أحمد البرقي9 ويحتمل أن يكون هو مهلف كتاب الرجال الموجود والمعروف باسم رجال البرقي10.وبناء علي ذلك يكون آل البرقي من موالي الأشعريين، وهذا يدل علي سبب اختيار قم للهجرة إليها، فقد كان امراً طبيعياً، بعد أن هاجر إليها الاشعريون، أن يهاجروا معهم بصفتهم مرتيطين بهم.