منزلته العلمية
لعل أهم ما قبل عن منزلة محمد بن بحر العلمية هو ما كتبه عنه الشيخ الطوسي قائلا إنه ألّف أكثر من خمسمائة مصنف بين كتاب ورسالة76، وكان معظم هذه الكتب موجوداً في خراسان قبل غزو المغول77، ولكنها تلفت بعد تلك الحملة الكارثة. سلم من بين كتبه «كتاب القلائد» الذي كان محفوظاً عند السيد صفيالدين محمد بن معد الموسوي كما أخبر به العلامة الحلي. وكان صنف في الادب والتاريخ والجغرافيا والأنساب وعلوم القرآن والكلام والفقه والحديث. يصفه الشيخ الطوسي بأنه العالم المتكلم. ياقوت الحموي، كما سيأتي، استفاد من بعض كتبه وأثني عليه.يقول ياقوت: «محمد بن بحر الرُهني، أبو الحسين الشيباني... معروف بالفضل والفقه.» ثم ينقل كلام أستاذه رشيد الدين فيه:«كان حاد الذكاء، حافظا. كان يحفظ ثمانية آلاف حديث، وكان يبحث عن غريب الحديث، وكان معمرّاً. كان يعرف أن الاحاديث الغريبة فيها الكذب أيضا. وقد رأيت له «كتاب البدع» ولم أر فيه منكراً والله هوالعالم. وكان عالماً بالأنساب وأخبار الناس»78.كذلك يقول ياقوت: «محمد بن بحر كان من العلماء الأدباء، قرأ كتاب سيبويه علي ابن كيسان، روي الكثير من أحاديث الشيعة، وله تآليف في مذهب الشيعة»79.كتب العلامة الحلي: «وجدت بخط السيد صفي الدين محمد بن معد أن هذا الكتاب (كتاب القلائد الفقهي) كان عندي في خراسان. كان كتاباً نافعاً جمع بعض الغرائب. وكان فيه جزء باسم كتاب النكاح وقد كتب كتابة جيدة. قرأت اجزاء مختلفة منه ووجدته يحمل إجازة الذي قريء الكتاب عليه 80. والعجيب إني وجدت في نسخة أخري من «الإيضاح» أنه أضيف «كان الكتاب نافعاً» علي استمرارية الجملة.. وكان كتابه «مقدمات علوم القرآن» عندي وكان جيداً جداً»81.ابن حجر أيضا يقول: «منتجب الدين، في «تاريخ الري» يذكره ويقول: كان قوياً في الأدب»82.اتهامه بالغلو
علي الرغم من كل المدح الذي اسبغوه علي محمد بن بحر، فقد اتهموه بالغلو. جاء في رجال الكشي: «حدثني أبو الحسن (كذا) محمد بن بحر الكرماني الرهني (كذا) النرماشيري، قال: وكان من الغلاة الحنقين»83. ثم جاء في المكان نفسه: «محمد بن بحر هذا غال»84.علي هذا الاتهام، يكتب النجاشي قائلا: «يري بعض أصحابنا أنه كان في مذهبه ارتفاع».ولكن حديثه أقرب إلي الصحة ولا أدري لم قال فيه ما قال85. وياقوت يروي هذا الكلام نفسه عن ابن النحاس86.الشيخ الطوسي يكتب عن محمد بن بحر فيقول: «كان متكلماً عالماً بالأخبار، إلا أنه متهم بالغلو»87. وفي موضع آخر يتهمه بالتفويض88. والمعلوم أن المفوضة في مرتبة أخف من الغلاة وهم أقرب إلي الاعتدال.العلامة الحلي يقول أيضاً:«قال ابن الغضائري إنه كان يميل إلي الغلاة. أنا أعتقد بالتوقف في القبول بأحاديثه89.ابن شهر آشوب يقول أيضا إنه من المتكلمين ومتهم بالغلو90. منتجب الدين أيضا يروي اتهامه بالغلو ويقول: كان قوياً في الأدب واللغة91.إن اتهامه بالغلو بدأ من ابن الغضائري، ومع ذلك فقد اشتهر بين الرجاليين، حتي إن النجاشي دافع عنه. حسب الظاهر إنه حتي لو كان هناك أي اتهام، فليس بالغلو، بل بالتفويض، كالمعتدلين من الشيعة. إلا أن متشدداً مثل ابن الغضائري يري ذلك غلواً. ينقل الصدوق عن محمد بن بحر أنه يرجح الأنبياء والأئمة علي الملائكة. يري بعض الشيعة المعتدلين أن هذا الرأي يحتمل أن يكون هو السبب في اتهامه بالتفويض أو الغلو. في أقواله الباقية في روايات الصدوق وغيره لا يوجد ما يدل علي ميله إلي الحلول أو تأليه الأئمة. خلال فترة الغيبة الصغري كان مهمناً بالأئمة الاثني عشر وكان في زمرة أصحاب الشلمغاني لا غيرهم، وهذا ما يمكن استنتاجه من عناوين كتبه. النجاشي، بالرجوع إلي رواياته انتبه الي صحتها، لذلك كتب يقول: «لا أدري تهمة الغلو هذه من أين جاءته ولماذا وجهت إليه.»بالنظر لوجود تصريحات كثيرة عن تشيعه وكذلك عناوين مهلفاته، تلقي ظلالاً من الغموض علي ما ورد في «السان الميزان» من أنه من علماء أهل السنة92.