حكم التخدير عند اجراء العقوبات الجسديه - حکم التخدیر عند اجراء العقوبات الجسدیه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حکم التخدیر عند اجراء العقوبات الجسدیه - نسخه متنی

السید محمود الهاشمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

حكم التخدير عند اجراء العقوبات الجسديه

آيه اللّه السيد محمود الهاشمى

هل يجوز تخدير العضو الذى يراد قطعه حدا او قصاصا او تخدير المحكوم عليه بالرجم او بالجلد ام لا يجوز ذلك؟ سوال يطرح نفسه اليوم فى ضوء ما احرزته التقنيه الحديثه فى مجال الطب الجراحى من امكان تخدير الانسان او عضو منه فلا يكاد يحس بالم الجرح او الضرب، ولا شك ان هذا لو كان جائزا ومن حق المحكوم عليه بحد او قصاص او تعزير فسوف يطلبه حتما، لان فيه التخفيف عليه كثيرا.

والمساله ليست مبحوثه فى كلمات الفقهاء سابقا، لانها مستحدثه ولم تكن ممكنه فى تلك الازمنه ليبحثوا حكمها، فلابد من فتح باب البحث والاستنباط فيها كما فى سائر المسائل المستحدثه.

وحيث ان العقوبه فى باب الحدود والتعزيرات تختلف طبيعه وملاكا عنها فى باب القصاص، من هنا لابد وان نورد البحث فى مسالتين:

الاولى: حكم التخدير فى الحد او التعزير.

الثانيه: حكمه فى القصاص.

التخدير فى الحد او التعزير:

اما المساله الاولى: فلابد فيها من ملاحظه ادله الحدود والتعزيرات ليرى هل يستفاد منها ان الايلام بالمقدار الذى يقتضيه طبيعه ذلك الحد او التعزير شرط لازم وداخل فى العقوبه ام لا، فان لم نستفد منها الشرطيه كان مقتضى الاصل جواز تخدير المحكوم عليه نفسه، بل قد يقال بحرمه اقامه الحد عليه من دون تخدير اذا طالب به مع امكانه لحرمه ايذاء المسلم زائدا عما يثبت من العقوبه، والمفروض ان الايلام ليس داخلا فيها.

والصحيح ان المستفاد من ادله الحدود والتعزيرات لزوم تلك المرتبه المتعارفه من الايلام وبالتالى عدم جواز تخدير المحكوم عليه عند اجراء العقوبه بحيث لا يحس الم الجلد او القطع او التعزير. وهذا ما يمكن تقريبه ببيانات عديده، منها ما يلى:

البيان الاول:

استفاده ذلك من الايات الشريفه المتعرضه للحدود حيث ورد فى اكثرها ما يدل على دخول الايلام والاذى فى العقوبه المقرره وشرطيته فيها.

ففى حد الزنا والفاحشه ورد التعبير بالعذاب والايذاء حيث قال تعالى:

(الزانيه والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مئه جلده ولا تاخذكم بهما رافه فى دين اللّه ان كنتم تومنون باللّه واليوم الاخر وليشهد عذابهما طائفه من المومنين).

فلئن قيل:

ان عنوان الجلد ومفهومه لا يدل صريحا على شرطيه الايلام والاذى. قلنا: ان ذيل الايه صريح فى اراده العذاب منه، بل وصدرها ايضا يدل على ذلك بقرينه قوله تعالى: (ولا تاخذكم بهما رافه).

وقال تعالى فى اللعان: (ويدروا عنها العذاب ان تشهد اربع شهادات باللّه انه لمن الكاذبين).

وفى حد الاماء: (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب).

وفى اللواط او الزنا: (واللذان ياتيانها منكم فاذوهما فان تابا واصلحا فاعرضوا عنهما ان اللّه كان توابا رحيما).

وفى حد القذف قال تعالى: (ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المومنات لعنوا فى الدنيا والاخره ولهم عذاب عظيم) بناء على ان المراد ان لهم العذاب فى الدنيا -وهو حد القذف - والاخره.

وفى حد السرقه قال تعالى: (والسارق والسارقه فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من اللّه واللّه عزيز حكيم)، والنكال هو العذاب.

وفى حد المحاربه ايضا تدل الايه على التشديد فى القتل والصلب والقطع حيث جيى بها بصيغه التفعيل الدال على التشديد، والمتفاهم منه التشديد فى العذاب والعقوبه.

فالمستظهر من آيات الحدود والتى هى الاصل فى تشريعها ان المنظور فيها تعذيب المرتكب والتنكيل به وايذاوه بها لكى يرتدع هو بل والاخرون ايضا عن ارتكاب الجريمه، ولهذا ايضا وجب فى بعضها ان يشهد التعذيب طائفه من المومنين.

ودعوى: ان مرتبه من الاذى او العذاب قد تحصل بها حتى مع التخدير ولو بلحاظ آثار اجراء الحد بعد ذلك خصوصا فى مثل القطع، فلا دلاله لهذه الايات على شرطيه الاذى اكثر من ذلك.

مدفوعه : بان هذا خلاف ظهورها فى ان نفس الحد من الجلد او القطع عذاب واذى اى التعذيب والنكال بها لا باثارها فيما بعد وما قد يعير به، بل المتفاهم عرفا والمرتكز عقلائيا فى باب العقوبه بالضرب والقطع ونحوهما ان المنظور فيها حيثيه الايذاء والايلام الجسدى لكى يرتدع المرتكب وغيره ويودب نظير العذاب والعقوبه الاخرويه او التعذيب الذى كان ولا يزال يمارسه السلاطين والطغاه. وهذا يعنى ان هناك قرينه لبيه ارتكازيه تصرف ادله الجلد والقطع والرجم ونحوها الى اراده الايلام والتعذيب بها لا مجرد اشكالها وصورها، فحتى اذا كان التعبير بالجلد او القطع او الضرب لا العذاب والايذاء مع ذلك كنا نستفيد منه شرطيه العذاب والايلام فى مقام العقوبه بمقتضى هذه القرينه النوعيه والفهم الارتكازى، فالمقدار المتعارف من الايلام والايذاء بحسب طبع هذه العقوبات ماخوذ فى مفهومها عرفا وارتكازا، وهذا مما لا ينبغى التشكيك فيه.

البيان الثانى:

ما ورد فى السنه العديد من الروايات المتعرضه لكيفيه بعض الحدود او التعزيرات مما يدل على اشتراط الايلام والعذاب فى العقوبات الجسديه.

ففى الباب (15) من ابواب حد الزنا المحصن ورد التعبير بان (عذاب الدنيا اهون من عذاب الاخره) فى معتبره ابى العباس، وفى مرسله صفوان ورد: المرجوم يفر من الحفيره فيطلب؟ قال: (لا، ولا يعرض له ان كان اصابه حجر واحد لم يطلب، فان هرب قبل ان تصيبه الحجاره رد حتى يصيبه الم العذاب). وفى نقله الاخر (... وان لم يكن اصابه الم الحجاره رد).

وفى الباب (15) من ابواب حد القذف روايات عديده تدل على ان الضرب فى الزنا اشد منه فى شرب الخمر، وفى الخمر اشد منه فى القذف، وهو اشد منه فى التعزير، والشده فى الضرب لا تكون الا بلحاظ الايلام ومرتبه الاذى، كما هو واضح.

وفى معتبره الحسين بن ابى العلاء فيمن احتلم بام الاخر فاخبره به، قال امير المومنين(ع): (ان فى العدل ان شئت جلدت ظله، فان الحلم انما هو مثل الظل، ولكنا سنوجعه ضربا وجيعا حتى لا يوذى المسلمين). فضربه ضربا وجيعا.

وفى صحيح محمد بن مسلم فى حد شرب الخمر قال: سالته عن الشارب فقال: (اما رجل كانت منه زله فانى معزره، واما آخر يدمن فانى كنت منهكه عقوبه لانه يستحل المحرمات كلها، ولو ترك الناس وذلك لفسدوا).

وفى معتبره ابى بصير: قال: سالته عن السكران والزانى قال: (يجلدان بالسياط مجردين بين الكتفين، فاما الحد فى القذف فيجلد على ما به ضربا بين الضربين).

ومثلها روايات اخرى فى الباب (11) من ابواب حد الزنا.

وفى روايه الحسين بن علوان عن جعفر عن ابيه عن على(ع) انه سئل عن راكب البهيمه؟ فقال: (لا رجم عليه ولا حد ولكن يعاقب عقوبه موجعه).

والاستدلال بهذه الالسنه من الروايات كالاستدلال المتقدم بالايات المباركه فلا نعيد.

البيان الثالث:

ما ذكره الاصحاب فى باب حد شارب الخمر من انه لا يقام عليه الحد فى حال سكره، بل يمهل حتى يفيق ثم يقام عليه الحد.

قال فى النهايه: (ولا يقام الحد على السكران فى حال سكره، بل يمهل حتى يفيق ثم يقام عليه الحد).

وفى المراسم: (ولا يجلد الشراب على السكر، ويجلدون عراه على ظهورهم وكفوفهم).

وفى المهذب: (واذا كان شارب المسكر سكرانا لم يقم الحد عليه حتى يفيق ثم يقام عليه ذلك).

وفى الشرائع: (ويضرب الشارب عريانا على ظهره وكتفيه، ويتقى وجهه وفرجه، ولا يقام عليه الحد حتى يفيق). ومثله عبارته فى المختصر النافع.

وفى القواعد: (ولا يقام الحد عليه حال سكره، بل يوخر حتى يفيق).

وقال فى الجواهر تعليقا على كلام الشرائع: (وكذا لا خلاف فى انه لا يقام عليه الحد حتى يفيق لتحصل فائده الحد التى هى الانزجار عنه ثانيا).

فاذا كان نظرهم بالنسبه لحاله السكر وعدم الافاقه منها ذلك، فكيف بحاله التخدير العام وعدم الوعى والاحساس بالضرب اصلا، فانه لا بد وان لا يصح اقامه الحد عليه فى تلك الحال بطريق اولى.

وكلمات الفقهاء هذه وان لم تكن دليلا ومستندا شرعيا بنفسها فى المساله كما ان التعليل الذى ذكره صاحب الجواهر(قدس‏سره) اشبه بالحكمه وعلل الاحكام لاالعله المصطلحه، الا انه يمكن ان يستفاد من مثل هذه الكلمات ما اشرنا اليه فى الوجهين السابقين من استظهار شرطيه الايلام والعذاب بالمقدار المتعارف الذى تقتضيه طبيعه العقوبه الجسديه المقرره فى الحد او التعزير وان هذا هو المستفاد من ادله الحدود والتعزيرات وانها تعذيبات جسديه لهدف الزجر وردع المرتكب او الاخرين عن ارتكاب تلك الجرائم، فيكون فهم الفقهاء شاهدا لنا على صحه الاستظهار المذكور.

قال فى المبسوط: (فاذا تقرر ما يقام بالسوط فالكلام فى ثلاثه فصول: صفه السوط وصفه الضرب وصفه المضروب. اما صفه السوط فسوط بين السوطين لا جديد فيجرح، ولا خلق فلا يولم.

روى عن زيد بن اسلم ان رجلا اعترف عند النبى عليه وآله السلام بالزنا، فدعا له رسول اللّه(ص) بسوط، فاتى بسوط مكسور، فقال: (غير هذا، فاتى بسوط جديد لم يقطع ثمرته، فقال: بين هذين. فاتى بسوط قد ركب به ولان، قال: فامر به فجلد) هذا لفظ الحديث.

وعن على(ع) انه قال: (ضرب بين ضربين، وسوط بين سوطين).

واما صفه الضرب فانه ضرب بين ضربين لا شديدا فيقتل ولا ضعيفا فلايردع، ولا يرفع له باعه فينزل من عل، ولايخفض له ذراعه حتى لا يكون له الم، لقول على(ع): (ضرب بين ضربين، وسوط بين سوطين). وروى عن على(ع) وابن مسعود وغيرهما انهم قالوا: (لا يرفع يده فى الضرب حتى يرى بياض ابطه).

واما صفه المضروب فان كان رجلا ضرب قائما ويفرق الضرب على جميع بدنه، ولا يجرد عن ثيابه، لان النبى(ص) امر بالضرب، ولم يامر بالتجريد. وروى اصحابنا ان فى الزنا يقام عليه الحد على الصفه التى وجد عليها ان كان عريانا فعريانا وان كان عليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه، فان كان عليه ما يمنع الم الضرب كالفروه والجبه المحشوه نزعها وترك بقميصين، ولا يشد، ولا يمد، ولا يقيد، ويترك يداه يتقى بهما، لان النبى‏عليه وآله السلام لم يامر بذلك.

واما جلد المراه فانها تجلد جالسه لانها عوره، ويشد عليها ثيابها جيدا لئلا تنكشف، ويلى شد الثياب عليها امراه، وتضرب ضربا رفيقا لا يجرح ولا ينهر الدم، ويفرق الضرب على بدنها ويتقى الوجه والفرج، لقوله(ع): (اذا جلد احدكم فليتق الوجه والفرج).

وعن على(ع) انه قال للجلاد: (اضرب واوجع، واتق الراس والفرج).

المناقشه الاولى:

وقد يناقش فى البيانات المتقدمه كلها بان قصارى مفادها ان ما يكون من الحدود والتعزيرات جلدا او رجما يمكن ان يستند الى تلك البيانات لاثبات اشتراط الايلام والاذى بالمقدار المتعارف فيه، فلا يجوز التخدير المانع عن الاحساس به. واما ما يكون من العقوبات قتلا وازهاقا للنفس او قطعا لليد كما فى حد السرقه فلا يمكن تعميم ذلك اليه، لان الايات والروايات المتقدمه مختصه بالجلد او الرجم، والتعدى منهما الى حد القتل او قطع العضو بلا موجب، خصوصا وان القتل او قطع اليد فى نفسهما ومع قطع النظر عن الالم عند اجرائهما حكمه الرادعيه فيهما تامه، وليست موقوفه على الايلام حين اجرائهما. فالحاصل لا دليل على ان العقوبه اكثر من نفس ازهاق الروح فى حد القتل او اكثر من نفس قطع العضو وفقدان الجانى له فى حد القطع لكى يشترط عدم جواز التخدير حين الاجراء، والنتيجه انه لابد من التفصيل فى الحدود بين عقوبه الجلد والرجم وعقوبه القتل والقطع، فيحكم فى الاولين بعدم جواز التخدير، وفى الاخيرين بجوازه.

والجواب: اما فى القطع فى حد السرقه فالظاهر من الايه حمل النكال فيها - وهو العذاب لغه - على نفس قطع اليد، لا ما يحصل منه نتيجه من فقدان العضو، فان هذا خلاف الظاهر، فالمستظهر من سياقها ان العذاب الحاصل بنفس قطع اليد ايضا داخل فى العقوبه.

واما حد القتل وازهاق الروح - كما فى المرتد مثلا- فنفس عنوان القتل وان لم يكن مستلزما ولا متضمنا لشرطيه الايلام والاحساس باذاه من قبل الجانى الا انه مع ذلك بالامكان ان يقال: ان المقصود من شرطيه حصول الايلام ان كان لزومه ووجوب ايقاعه عليه فى مقام العقوبه زائدا على حصول القتل وازهاق الروح فقد يقال بعدم الدليل عليه، وان كان المقصود انه يحرم ايقاعه وان للمحكوم عليه حق المطالبه بالتخدير ومعه لا يجوز اجراء الحد عليه بدون تخدير، بل يجب التخدير مطلقا حتى من دون المطالبه من الجانى لانه اكثر من المقدار الثابت عليه بعنوان العقوبه فيكون حراما بمقتضى القاعده، فممنوع لانه خلاف اطلاق ادله الحدود، حيث ان مقتضاها جواز قتله او قطعه او جلده بلا تخدير او اعمال ما يوجب تخفيف آلامه، خصوصا اذا لاحظنا ان فى تلك الازمنه ايضا كان يمكن تخفيف الالام عن طريق بعض الاعشاب او الادويه الموجبه للاغماء او تقليل الحس او اجراء الحد فى حال النوم، مع انه لم يكن لازما جزما وكانت العقوبات الجسديه كلها تجرى بالنحو المتعارف.

فالحاصل: اطلاق ادله الحدود والسيره المتشرعيه العمليه واطلاق الفتاوى والمرتكزات الفقهيه والمتشرعيه كلها تشهد وتدل على عدم حرمه اجراء العقوبات الجسديه فى باب الحدود من دون تخدير حتى اذا طالب بها الجانى فضلا عما اذا لم يطالب من دون فرق بين حد وآخر.

نعم قد لا يثبت حرمه التخدير او وجوب منع الجانى عنه اذا حاول ذلك بنفسه الا فى مثل الجلد والرجم او الاحراق والالقاء من شاهق ونحو ذلك مما قد يستفاد فى لسان ادلته ملاحظه الشارع لنوع الاذى والعذاب الحاصل بتلك العقوبه عاده ولزوم احساس الجانى به فى مقام اجراء الحد.

المناقشه الثانيه:

وقد يقال: بانه اذا ثبت جواز ايقاع الحد عليه مع الايلام ثبت لا محاله كونه جزء من العقوبه والا لم يكن جائزا، فجوازه فى المقام يساوق كونه من العقوبه المقرره، لما تقدم من ان ايه عقوبه او كيفيه زائده على العقوبه المقرره من انواع الايلام ومراتبه حرام بمقتضى الادله الاوليه. فالامر فى المقام دائر بين الحرمه والوجوب، لانه لو كان من لوازم العقوبه او داخلا فيها كان واجبا لان الحد بتمامه واجب والا كان حراما. فاذا قام الدليل على الجواز بمعنى عدم الحرمه ثبت الوجوب لا محاله، فيمكن منعه عن تخدير نفسه ايضا، بل يجب اجراء للحد بكيفيته التامه.

وان شئت قلت: حيث انه يحرم ايلام الغير شرعا الا ما كان عقوبه مقرره، فكل ايلام للغير لا يكون حراما يكون عقوبه لا محاله، فتتشكل دلاله التزاميه للدليل النافى للحرمه على انه من العقوبه فتكون واجبه، فاطلاق ادله الحدود او السيره المتشرعيه والفقهيه كما يدلان على نفى الحرمه يدلان على وجوبه بالملازمه لكونه من العقوبه، فيجب منع الجانى عن تخدير نفسه.

الجواب:

وهذا البيان رغم صورته الفنيه غير تام، لان حرمه الايلام كما ترتفع بكونه جزء واجبا من العقوبه المقرره كذلك ترتفع بكونه لازما لبعض مصاديق او مراتب العقوبه المقرره والتى يتخير الحاكم فيما بينها، فالاطلاق المذكور غايه ما يثبت ان الحاكم فى مقام اجراء حد القتل او القطع مخير بين اختيار القتل المولم بالمقدار المتعارف والقتل غير المولم وليس ملزما بالقتل غير المولم من ناحيته كما انه ليس واجبا ومتعينا عليه القتل المولم، فالعقوبه بالدقه تخييريه من هذه الناحيه ونتيجه ذلك انه لا يحق للجانى المطالبه بالتخدير ولا يتعين ذلك على الحاكم، ولكنه فى نفس الوقت لا دليل على انه يجب منعه عن تخدير نفسه، لان الايلام لم يكن جزء تعيينا من العقوبه. نعم لازم التخيير المذكور جواز منعه بان لا يسمح له الحاكم او لا ينتظر به حتى يخدر نفسه فله ان يجرى عليه الحد فورا وقبل ان يتخدر بدنه، بل لو كان فى ذلك تعطيل لاجراء الحد مقدارا من الزمان فقد يقال بحرمته ، لما دل على انه ليس فى الحدود نظر ساعه.

فالحاصل المحتملات ثلاثه:

1 - وجوب التخدير والتخفيف من الم القطع لكونه زائدا على اصل الحد، فيحرم.

2 - حرمه التخدير، لكون الالم جزء منه، فيجب.

3 - جواز التخدير، لكون المستفاد من الادله والسيره عدم تقييد الحد بعدم هذا المقدار من الالم وانه حرام على الحاكم والا لزم حرمه ما كان يفعل سابقا ولزم تقييد اطلاق الامر بالقطع ونحوه بذلك حيث ان المستفاد منه ولو بمعنى الاطلاق المقامى جواز ما كان يقع عاده فى الخارج فى تلك الازمنه، وهذا واضح.

والنتيجه المستخلصه من مجموع ما تقدم فى حكم التخدير فى الحد او التعزير انه لا يجوز التخدير ولا بد من منع الجانى عنه فى مثل الجلد والرجم وبعض انواع القتل الملحوظ فيه الشده كالاحراق والالقاء من شاهق بل والقطع ايضا لو تم الاستظهار المتقدم فى الايه.

واما حد القتل وازهاق الروح وكذلك حد القطع اذا لم نقبل الاستظهار المتقدم فيجوز فيهما اجراء الحد من دون تخدير الا انه لا يجب منع الجانى منه لو اراد ذلك بنفسه، واللّه العالم بحقائق الامور.

التخدير فى القصاص:

واما المساله الثانيه: وهى حكم التخدير فى القصاص، فلا شك ان القصاص حق خاص جعل للمجنى عليه على الجانى، كما انه لا اشكال فى انه قد لوحظ فيه المماثله والمساواه فى الكميه والكيفيه بين القصاص وبين الجنايه، فان هذا مستفاد اجمالا من ادله تشريع القصاص.

وعلى هذا الاساس قد يقال بانه من حق المجنى عليه او وليه فى القصاص ان يمنع الجانى من تخدير نفسه عند الاقتصاص، لان جنايته كانت كذلك. نعم لو كانت الجنايه مع تخدير المجنى عليه جاز للمقتص منه ايضا المطالبه به عند الاقتصاص.

مناقشتان:

وقد يناقش فى هذا الاستدلال:

تاره: بانه لا دليل على اشتراط المثليه فى تمام الخصوصيات والاوصاف ومقدار الالم، وانما الذى قام عليه الدليل اشتراط المثليه فى العضو الذى يراد الاقتصاص منه وكذلك فى القيمه والديه، فلو جنى رجل على امراه فقطع يدها وارادت القصاص منه ردت فاضل الديه عليه ثم اقتصت. واما المماثله باكثر من ذلك كالمماثله فى مقدار الاحساس بالالم او كون القصاص فى الشتاء البارد او الصيف الحار او فى المكان الفلانى فكل ذلك لا دليل على شرطيه المماثله فيه. واما آيه (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فهى ناظره الى احكام قتال الكفار، لا قصاص جنايات الافراد بعضهم لبعض.

واخرى: بقيام الدليل على عدم شرطيه المماثله فى مقدار الالم والاذى فى باب القصاص. وهو الروايات الداله على ان الثابت فى القصاص هو القتل دون عذاب ولا تمثيل وان فعله القاتل.

كصحيح الحلبى عن ابى عبداللّه(ع) قال: سالناه عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات، ايدفع الى ولى المقتول فيقتله؟ قال: (نعم، ولكن لا يترك يعبث به، ولكن يجيز عليه بالسيف).

ومثلها روايه موسى بن بكر عن العبد الصالح(ع) فى رجل ضرب رجلا بعصا فلم يرفع العصا عنه حتى مات، قال: (يدفع الى اولياء المقتول، ولكن لا يترك يتلذذ به، ولكن يجاز عليه بالسيف وهى وان كانت تنهى فى صدرها عن المثله او التلذذ او العبث بالمقتص منه فى مقام الاقتصاص فيكون ظاهرا فى حرمه المثله فى نفسها الثابته بادله اخرى ايضا. الا ان ذيلها ظاهر فى ان ولى القصاص ليس له الا ان يجيز عليه بالسيف، فلا يجوز له ان يضربه بالعصا حتى يموت، كما فعل بالمجنى عليه، فالمماثله فى نوع القتل ومقدار التعذيب الحاصل به لو كان من حق ولى القصاص جاز له ذلك فى مورد السوال، مع ان ظاهر الجواب عدم جوازه وانه ليس له فى القصاص الا حق قتله بالسيف، والذى لعله كان هو الطريق المتعارف امر اسهل الطرق وايسرها للقتل وقتئذ، وهذا الدليل وان كان واردا فى قصاص النفس الا انه قد يتعدى منه الى قصاص الاطراف او الجروح ايضا بعدم احتمال الفرق بينهما من هذه الناحيه عرفا اوفقهيا.

الجواب:

وفى قبال ذلك يمكن ان يقال بامكان استفاده المثليه بهذا المقدار اى فى اصل الايلام وعدمه من ادله القصاص، فان هذه الخصوصيه اعنى اصل التالم والاذى الحاصل بالجرح او القطع او القتل امر مهم جدا عند الناس ومن لوازم الجروح، وليس من قبيل الخصوصيات العرضيه الطارئه او غير المهمه من قبيل كون الجنايه فى الصيف او فى الشتاء او فى الليل او فى النهار، فكون القطع او الجرح او القتل مولما للجانى وعدمه مما يهتم به العرف والعقلاء فى باب القصاص جزما، فلا يمكن اهماله واعتباره خارجا عن حق القصاص. خصوصا اذا اخترنا فى المساله المتقدمه جواز ايصال الجانى لما يقطع منه قصاصا فيقال مثلا فيمن قطع يد الغير عمدا انه يخدر وتقطع يده بعمليه جراحيه ثم توصل فورا ايضا ويكون هذا قصاصا ومماثلا لما فعله بالمجنى عليه الذى جعله اقطع، والذى تحمل مرارات الم القطع الشديده، فهل يمكن قبول هذا عرفا فى القصاص؟

فالحاصل: المثليه فى القصاص فى اصل الايلام والاذى بالمقدار الذى تقتضيه طبيعه الجنايه الواقعه عاده وعرفا يمكن استفادتها تاره: من نفس عنوان القصاص بعد تحكيم مناسبات الحكم والموضوع المركوزه عرفا وعقلائيا لمثل هذا الحكم عليه.

واخرى: من بعض الادله المتعرضه لحكم القصاص:

منها: قوله تعالى: (وجزاء سيئه سيئه مثلها فمن عفا واصلح فاجره على اللّه انه لا يحب الظالمين) فان هذه الايه بقرينه ما فى ذيلها من ذكر العفو ناظره الى قصاص الافراد بعضهم من بعض، والتعبير عنه بالسيئه - مع ان القصاص ليس سيئه بل حق - للازدواج او لانها تسوء من تنزل به، والمعنى انه يجب فيما اذا قوبلت الاساءه ان تقابل بمثلها من غير زياده او تجاوز عما فعل به، فتدل الايه الشريفه على ان مقدار المماثله من حق المجنى عليه، ولا شك ان اصل الايلام والاذى فى قبال ان لا يتاذى اصلا بالتخدير داخل فى ذلك.

ومنها: قوله تعالى: (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) والاستدلال بها كالاستدلال بالايه السابقه.

ومنها: قوله تعالى: (فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل انه كان منصورا)، والظاهر من الايه ان حد السلطنه المجعوله للولى ومقدارها ان لا يسرف فى القتل بان يقتل ازيد او غير قاتله اويمثل بالقاتل حال قتله. هكذا فسرت الايه من قبل المفسرين وفى بعض الروايات - كما فى حديث اسحاق بن عمار عن ابى عبداللّه(ع)... - ما هذا الاسراف الذى نهى اللّه عنه؟ قال: (نهى ان يقتل غير قاتله، او يمثل بالقاتل)، وهو ظاهرها.

فتدل الايه على ان ما لا يكون اسرافا لا فى الكميه ولا فى الكيفيه بل بمقدار الجنايه التى اوقعها الجانى فهو من حق المجنى عليه فى مقام القصاص وتحت سلطانه، ولا اشكال ان اصل الالم والاذى الذى تقتضيه الجنايه داخل فى هذا المقدار والحد.

ومنها: ان المستفاد من مجموع الايات والروايات الوارده فى القصاص من قبيل قوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى ...) وقوله تعالى: (النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن...) اعتبار المساواه والمماثله فى القصاص وان من حق المجنى عليه او وليه مقابله الجانى بالمثل وان هذا هو الاصل الاولى فى الجنايه العمديه لا يخرج منها الا لمانع عن المماثله والمساواه فى المقدار بلا زياده ونقيصه، من قبيل خوف الهلاك والتغرير او الزياده فى الجنايه او عدم امكان تحديد المقدار المماثل فى موارد قصاص الاطراف او الجراحات فانها تمنع عن امكان اجراء القصاص، واما ما يمكن فيه المماثله بلا زياده او تغرير فهو من حق المجنى عليه فى القصاص.

وهذا كله يوكد اعتبار المماثله فى القصاص من الجهات المهمه عقلائيا كمقدار الجرح وموضعه ومنها اصل الالم والاحساس بالاذى بالجرح او القطع.

وقد ورد فى التفسير المنسوب الى الامام العسكرى(ع)، عن آبائه عن على ابن الحسين(ع) قال: ((يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى) يعنى المساواه وان يسلك بالقاتل فى طريق المقتول المسلك الذى سلكه به من قتله...).

وقد ورد فى خبر السكونى عن ابى عبداللّه(ع) قال: (رفع الى امير المومنين(ع) رجل داس بطن رجل حتى احدث فى ثيابه فقضى عليه ان يداس بطنه حتى يحدث فى ثيابه كما احدث او يغرم ثلث الديه).

والحاصل من مجموع ما تقدم يمكن ان نستكشف ان المماثله فى اصل الايلام والاحساس بالاذى بالمقدار الذى تقتضيه الجنايه عاده من حق المجنى عليه او وليه فى باب القصاص فيمكنه ان يطالب به، ولا يمكن للجانى ان يمتنع عنه.

واما ما تقدم فى صحيح الحلبى فلا يستفاد منه اكثر من النهى عن التمثيل او التلذذ بالقاتل فى مقام القصاص نتيجه الحميه والغضب وحب الانتقام - كما هو الغالب - وليس مفادها نفى اشتراط المماثله اوحق المقابله بالمثل، فلم يجوز الامام(ع) فى مورد الروايه ان يقتله بالعصا كما فعل الجانى، لانه فى معرض التلذذ والتمثيل به، سيما وهو لا يدرى كيف ضربه بالعصا وكم ضربه حتى مات. على انه وارد فى خصوص القتل وازهاق الروح وانه يشترط فيه القتل بالسيف دون سائر الطرق غير المتعارفه للقتل كالضرب بالعصا وان كانت الجنايه به، فلا تدل على سقوط المساواه والمماثله فى سائر الجهات، والتى من اهمها الاحساس بالم الجنايه، خصوصا فى باب الجروح وقصاص الاطراف. والحمد للّه رب العالمين، والصلاه والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

/ 1