بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید والجامع بين هذه الصور هو عنوان التنازل ، وهذا العنوان وإن لم يكن مذكورا في الفقه الغربي إلاّ أنّ الصور مذكورة ، ولا خلاف بين الفقه الإسلامي والفقه الغربي في ذلك وأنه يوجب انحلال الدين ، لكن الخلاف في المصطلحات .
والفرق بين هذين النحوين من أنحاء التصرف الواقع علي الدين وبين الأنحاء الثلاثة الآتية : أنّ الدين في هذين النحوين المزبورين غير ثابت بل هو منحلّ ، وأمّا في الأنحاء الثلاثة الآتية فالدين ثابت في نفسه ، غاية الأمر يكون التغيير بالنسبة إلي الدائن أو المدين أو المال مع الحفاظ علي أصل الدين .
الثــالث : تغيير الدائن مع الحفاظ علي أصل الدين وعلي المدين ، فمثلاً إذا كان زيد مدينا لعمرو بخمسة فيجوز تبديل الدائن ـ وهو عمرو ـ بشخص آخر ، وهذا نظير المال الخارجي ، فكما يمكن تبديل مالك المال الخارجي بالبيع وغيره كذلك يمكن تبديل مالك المال الذمي ؛ فإنّه ليس إلاّ رمزا أو اعتبارا يعتبره العقلاء ، فيمكن اعتباره في وعاء ملصق بشخص آخر ، فلا فرق بين المال الخارجي والمال الذمّي في كونهما مالاً ، غاية الأمر أنّ المال الخارجي روح العشرة دنانير والمال الذمي رمزها .
وتغيير الدائن تارة يكون ببيع الدين واُخري بهبته ، أمّا الأول فالمشهور عند الفقه الجعفري هو الجواز إذا كان البيع بنقد حاضر لا بدين آخر وإلاّ فيكون من باب بيع الدين بالدين ، وأمّا الثاني فالمشهور عدم الجواز . وأمّا العامة فالمشهور عندهم ـ إلاّ مالك ـ عدم الجواز في بيع الدين فضلاً عن هبته إلاّ علي المدين نفسه ، فإنه يجوز عندهم بيع الدين علي نفس المدين ، وأمّا مالك فيري جواز بيع الدين مطلقا .
الرابــع : تغيير المدين مع انحفاظ الدائن والمال ؛ بمعني أن يتحوّل المدين من شخص إلي آخر ، فيكون من قبيل تبديل مكان المال الخارجي ، فإنّ مكان المال الذمّي هو الذمّة فيجوز تحويله من ذمّة إلي ذمّة اُخري ، غاية الأمر أنه يتوقف علي رضا المحول إليه ؛ إذ هو الذي تكون ذمّته وعاءً للمال بعد تحويله من ذمّة المدين ، وهذا لا إشكال فيه وإن كان بحسب الفهم الفلسفي يري أنّ الدين يتغيّر بسبب تحويله من ذمّة إلي اُخري ؛ لأنّ الاعتبار لا ينقل والذمّة أمر اعتباري ، فإذا نقلت إلي ذمّة اُخري فمعناه إحداث دين غير الأوّل .
إلاّ أنّ هذا فهم فلسفي لا فقهي ، والكلام في الثاني دون الأوّل ؛ فإنّه لا اعتبار بالفهم الفلسفي في الاُمور الارتكازيّة العقلائية ؛ فإنّ العقلاء يرون أنّ المكان قد تغيّر من دون أيّما تغيير في الدين .
وهذا هو أحد محتملات الحوالة بحسب الفقه الإسلامي كما يتضح بعد ذلك إن شاء اللّه تعالي .
والآن فقد جاء دور النحو الخامس من الأنحاء الخمسة ، وقبل بيانه لابد من الوقوف علي النحو الثالث والرابع لنري الفرق فيهما بين التصوّر الإسلامي للذمّة وبين التصوّر الغربي لها ، فإنه بناءً علي التصوّر الإسلامي للذمّة يصبح إمكان النحو الثالث والرابع علي درجة عالية من الوضوح ؛ وذلك لأنّ الذمّة بحسب التصوّر الإسلامي عبارة عن الوعاء الاعتباري للأموال الرمزيّة ـ كما سبق ـ والدين هو المال المطروح في ذلك الوعاء ، وحينذاك فيمكن تبديل مالك الوعاء وكذلك يمكن تبديل الوعاء نفسه ؛ أي يمكن تبديل الدائن ـ وهو النحو الثالث ـ وتبديل المدين ـ وهو النحو الرابع ـ ولا يرد عليه أيّ إشكال بناءً علي هذا.
وأمّا بناءً علي تصوّر الفقه الغربي للذمّة والدين فإنّ الدين عنده عبارة عن الالتزام الشخصي من قبل إنسان بأن يدفع إلي غيره مالاً ، وبناءً عليه وقع النحو الثالث والرابع المزبوران موردا للإشكال الثبوتي في الفقه الغربي ، فلا يري أنّهما ممكنان ، بل هو يري أنّ أيّة محاولة لتغيير الدائن أو المدين ترجع إلي إنهاء الدين الأوّل وإنشاء دين آخر ، فيكون مرجعه إلي التنازل غير المجّاني ، فالإشكال ناشئ من ناحية تصوّر فقهاء الرومان للدين ؛ حيث فسّروه بالالتزام الشخصي ، ومن هناك استشكلوا في تغيير الدائن أو المدين بأنّ الالتزام الشخصي لايمكن انحفاظه في صورة تغيير الملتزِم أو الملتزَم له ، بل مع تغيير أحدهما يتغيّر الالتزام أيضا ، فلا يبقي الدين أصلاً .
وهذا الإشكال غير صحيح بالنسبة إلي ما تصوّره الفقه الإسلامي للذمّة ؛ فإنّه لا يفسّر الدين بالالتزام كي يرد عليه الإشكال ، بل يفسّره بالمال الرمزي المحتفظ في الوعاء الاعتباري المسمّي بالذمّة ، وهذا ينحفظ حتي مع تغيير الدائن أو المدين فإنّ العقلاء لايرون إشكالاً في تغيير مالك الوعاء أو الوعاء نفسه مع الحفاظ علي أصل الدين كما مرّ آنفا .
وأمّا الفقه الغربي فحيث تصوّر الدين وفسّره بالالتزام الشخصي فاستشكل في جواز حوالة الحق ـ أي تغيير الدائن ـ وحوالة الدين ـ أي تغيير المدين ـ باعتبار أنّ الدين يتغيّر فيهما أيضا ، ولا يمكن انحفاظه مع تغييرهما ؛ لأنّ الدائن والمدين هما المقوّمان للدين ، فبتغييرهما يتغيّر الدين إلي دين جديد ، وهذا هو معني التنازل إلي بدل .
ومن هنا لم يشرّع القانون الروماني حوالة الحق وحوالة الدين ، نعم اعترف في باب الإرث بحوالة الحقّ وحوالة الدين ، فإنّ الابن يقوم مقام أبيه في كونه دائنا أو مديونا ؛ وذلك باعتبار أنّ الوارث امتداد للمورّث واستمرار للحكم الذي كان مسجّلاً علي المورّث سواء كان الحكم هو الدائنيّة أو المديونيّة ، إذن فالالتزام في هذه الصورة لايتغيّر ، فيبقي الدين علي حاله فيصّح .
ثم بعد أن أشكل الفقه الغربي علي الملكيّة بالنسبة إلي الأموال الرمزية ولم يتعقّلها بل اعتبر الملكية في خصوص الأموال الخارجيّة ، أخذ يشعر بوجود الحاجة إلي إعمال هذه العملية ـ أي عملية تغيير الدائن ـ فكان يتوصّل إلي بعض نتائجها أو جميعها عن طريق التجديد ، فإذا كان للشخص مدين وأراد أن يجعل له دائنا آخر فحيث إنّ الدين بنفسه التزام ويستحيل تغيير طرفي الالتزام مع البقاء علي نفس الالتزام فكان الفقه الغربي يحتال علي هذه العملية عن طريق التجديد ـ أي إنشاء دين آخر غير الدين السابق ـ فكان يلغي الدين الكائن بين زيد وعمرو ويحدث دينا آخر بين خالد وعمرو ، فبينما كان لزيد حق لمطالبته عمرا بالدين فقد انتقل الحق إلي خالد وأصبح هو الذي يطالب عمرا بالدين ، وهذا الدين يغاير الدين السابق .