ملتقطة من کتاب الدرر النجفیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ملتقطة من کتاب الدرر النجفیة - نسخه متنی

یوسف البحرانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید











درّة نجفيّة ( في الفرق بين الإجزاء والقبول ) ملتقطة من كتاب الدرر النجفية

للمحدِّث الكبير الشيخ يوسف البحراني قدس‏سره

تحقيق : التحـرير
[ عرض ما أفاده الشيخ البهائي : ]
قال شيخنا البهائي عطر اللّه‏ مرقده في الأربعين في شرح الحديث الثلاثين المتضمّن لعدم قبول صلاة شارب الخمر أربعين يوما ( 1 ) ما صورته :

« لعلّ المراد بعدم قبول صلاة شارب الخمر أربعين يوما عدم ترتّب الثواب عليها في تلك المدة ، لا عدم إجزائها ؛ فانّها مجزية اتفاقا . فهو يؤيّد ما يستفاد من كلام السيد المرتضي علم الهدي أنار اللّه‏ برهانه من أنّ قبول العبادة أمر مغاير للإجزاء ، والعبادة المجزية المبرئة للذمة المخرجة من عهدة التكليف ، والمقبولة هي ما يترتّب عليها الثواب ، ولا تلازم بينهما ولا اتحاد كما يظنّ .

وممّا يدلّ علي ذلك :

1 ـ قوله تعالي « إنّما يتقبّل اللّه‏ من المتقين »( 2 ) مع أنّ عبادة غير المتقي مجزية إجماعا .

2 ـ وقوله تعالي ـ حكاية عن إبراهيم وإسماعيل عليهما‏السلام ـ : « ربّنا تقبل منّا »( 3 ) مع أنهما لا يفعلان غير المجزي .

3 ـ وقوله تعالي : « فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر »( 4 ) مع أنّ كلاهما فعل ما أُمر به من القربان .

4 ـ وقوله صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : « إنّ من الصلاة لما يتقبل ( 5 ) نصفها وثلثها وربعها إلي العشر ، وإنّ منها لما يلفّ ( 6 ) كما يلفّ الثوب الخلق فيضربُ ( 7 ) بها وجه صاحبها » ( 8 ) والتقريب ظاهرٌ .

5 ـ ولأنّ الناس لم يزالوا في سائر الأعصار والأمصار يدعون اللّه‏ تعالي بقبول أعمالهم بعد الفراغ منها ، ولو اتحد القبول والاجزاء لم يحسن هذا الدعاء إلاّ قبل الفعل .

فهذه الوجوه الخمسة تدلّ علي انفكاك الإجزاء عن القبول .

وقد يجاب عن الأوّل : بأنّ التقوي علي ثلاث مراتب :

أوّلها : التنزّه ( 9 ) عن الشرك ، وعليه قوله تعالي : « وألزمهم كلمة التقوي »( 10 ) قال المفسّرون : هي قوله « لا إله إلاّ اللّه‏ » .

وثانيها : التجنّب عن المعاصي .

وثالثها : التنزّه عمّا يشغل عن الحقّ جلّ وعلا .

ولعلّ المراد بالمتقين أصحاب المرتبة الاُولي ، وعبادة غير المتقين بهذا المعني غير مجزية ، وسقوط القضاء لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله .

وعن الثاني : بأنّ السؤال قد يكون للواقع والغرض منه بسط الكلام مع المحبوب وعرض الافتقار له ، كما قالوه في قوله : « ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا »( 11 ) علي بعض الوجوه .

وعن الثالث : بأنّه يعبر بعدم القبول عن عدم الإجزاء ، ولعلّه لخلل في الفعل.

وعن الرابع : أنّه كناية عن نقص الثواب وفوات معظمه .

وعن الخامس : أنّ الدعاء لعلّه لزيادة الثواب وتضعيفه .

وفي النفس من هذه الأجوبة شيء ، وعلي ما قيل في الجواب عن الرابع ينزّل عدم قبول صلاة شارب الخمر عند غير السيد المرتضي رحمه‏الله » ( 12 ) انتهي كلامه ، زيد إكرامه ، وعلا في الفرودس مقامه .

ويظهر منه الميل إلي ما ذهب إليه السيد المرتضي رضي اللّه‏ عنه في هذه المسألة حيث استدلّ له بهذه الأدلّة الخمسة وطعن فيما ذكره من الأجوبة عنها بأنّ في النفس منها شيء .

[ ثمرة البحث : ]
أقـول : ومظهر الخلاف في هذه المسألة يقع في مواضع :

منهـا صلاة شارب الخمر كما صرّح به في الخبر المذكور .

ومنها صلاة من لا يقبل بقلبه علي صلاته كما صرّحت به جملة من الأخبار من انّه لا يقبل منها إلاّ ما أقبل عليه بقلبه .

ومنها عبادة غير المتقي كما يعطيه ظاهر الآية المتقدّمة ، وما عدا صلاة المرائي من ذلك القبيل كما ذكره السيد قدس‏سره ، بل جعلها لهذه المسألة كالأصل الأصيل حتي فرّعوا عليها هذه الأفراد المذكورة وجعلوها من جملة جزئيّاتها المشهورة فيتضح لك ما فيه مما يكشف عن باطنه وخافيه .

[ أدلّة استلزام الإجزاء للقبول : ]
هذا ، والذي يظهر لي هو القول باستلزام الإجزاء للقبول ، كما هو المرتضي عند جلّ أصحابنا رضوان اللّه‏ عليهم والمقبول . ولنا عليه وجوه :

منهـا : أنّ الصحة المعبّر عنها بالإجزاء امّا أنّ يفسَّر بما هو المشهور ـ وهو الظاهر المنصور ـ من أنّها عبارة عن موافقة الأمر وامتثاله ، وحينئذٍ فلا ريب أنّ ذلك يوجب الثواب وعلي هذا فالصحة مستلزمة للقبول .

أو يفسَّر بمعني ما أسقط القضاء ، كما هو المرتضي عند المرتضي .

وفيه : أنّه يلزم القول بترتب القضاء علي الأداء ، وهو خلاف ما يستفاد من الأخبار ، وما صرّح به غير واحد من علمائنا الأبرار من أنّ القضاء بأمر جديد ، ولا ترتّب له علي الأداء .

ومنهـا : أنّ الظاهر أن لا خلاف بين كافة العقلاء في أنّ السيد إذا أمر عبده أمرا إيجابيّا بعمل من الأعمال ووعده الأجر علي ذلك العمل فامتثل العبد ما أمره به مولاه فانّه يجب علي السيد قبوله منه والوفاء بما وعده ، فلو انّه ردّه عليه ولم يقبله منه ومنعه الأجر الذي وعده مع انّه لم يخالف شيئا ممّا أمره به فانهم لا يختلفون في لومه ونسبته إلي خلاف العدل ، سيّما إذا كان السيد ممّن يصف نفسه بالعدل والإكرام ويتمدّح بالفضل والانعام .

وما نحن فيه كذلك ؛ إذ الفرض أنّ المكلّف لم يخلّ بشيء يوجب الابطال ، ولم يأت بمنافٍ يوجب الإخلال .

فإن قيل : إنّه قد أخلّ فيها بالاقبال الذي هو روح العبادة ، كما ورد من أنّه لا يقبل منها إلاّ ما أقبل عليه بقلبه فربما قبل نصفها أو ربعها أو نحو ذلك .

قلنا : لا ريب انّ الأمر بالاقبال والتوجّه والخشوع إنّما هو أمر استحبابي ، وكلامنا الذي عليه بني الاستدلال إنّما هو في الأمر الايجابي ، فلا منافاة . وأمّا الأخبار فيجب تأويلها بما سنذكره إن شاء اللّه‏ تعالي .

ومنهـا : أنّا نقول : إنّ عدم القبول مستلزم لعدم الصحة فانّه لا يخلو : إمّا أن يراد بعدم القبول الردّ بالكلية وعود العمل إلي مصدره كما كان قبل الفعل ، فيكون كأنّه لم يفعل شيئا بالمرة ، ولا ريب انّ هذا منافٍ للصحة ؛ إذ هي نوع من القبول لاسقاطها التكليف الثابت في الذمة بيقين ، فكيف يعود العمل إلي مصدره كما كان أوّلاً ؟ !

وإمّا بأن يراد به إيقاف العمل علي المشية واحتباسه حتي يحصل له مكمّل فيقبل أو محبط فيردّ نظرا إلي ما ورد من احتباس صلاة مانع الزكاة حتي يزكي ونحوه ، فهو منافٍ للصحة أيضا عند التحقيق والتأمّل بالنظر الصائب الدقيق ؛ لأنّ الاحباط والايقاف لا يكون إلاّ لوجود مانع من القبول بالفعل أو فقد شرط ، وعندهما تنتفي الصحة ؛ لما عرفت من أنّها نوع من القبول ، وقد فرضنا انتفاءه .

هذا ، وأمّا لو فرض القبول بعد الايقاف والاحتباس فانما هو تفضّل ابتدائي غير مستند إلي صحة العمل ، وإلاّ لم يكن للايقاف والاحتباس معني ، وهذا كما جاء في كثير من الأخبار قبول أعمال الناصب بعد رجوعه إلي القول بالولاية ( 13 ) ، وحينئذٍ فيجب حمل عدم القبول الوارد في صلاة من لم يقبل علي صلاته كلاًّ أو بعضا ، والوارد في صلاة شارب الخمر ، وكذا في صلاة غير المتقي ، علي عدم القبول الكامل ، بمعني عدم ترتّب الثواب الموعود به من أقبل علي صلاته ومن ترك شرب الخمر ومن اتقي اللّه‏ تعالي والسالم عن معارضة المعاصي التي توجب من العذاب مثل ما يوجبه قبول العمل من الثواب حتي يصير العمل عند الموازنة كأنّه لم يفعل .

ثمّ إنّه يحتمل أيضا حمل حديث شارب الخمر علي أنّه لا يوفّق مع عدم الاتيان بالتوبة النصوح إلي الاتيان بصلوته كاملة الشرائط خالية من الموانع في تلك المدة .

ونقل بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين بالنسبة إلي قوله سبحانه : « إنّما يتقبل اللّه‏ من المتقين »( 14 ) انّه قد ورد الخبر بطرق عديدة عن أهل البيت عليهم‏السلام أنّ المراد بالمتقين في الآية هم الموحّدون من الشيعة ، وحينئذٍ فالمعني انّ غير الموحدين من الشيعة لا يجب علي اللّه‏ تعالي القبول منهم لعدم إتيانهم بشرائط الصحة والقبول من العقائد الحقة وانّه إن قبلت أعمالهم بعد الانابة والتوبة فانما هو تفضّل منه سبحانه ، وربما ورد جزاؤهم علي الأعمال وهو محمول علي الجزاء المنقطع العاجل دون الثواب المتصل الآجل .

ومنهـا : أنّه لا خلاف بين أصحاب القولين المذكورين في أنّ العبادة المتصفة بالصحة والإجزاء مسقطة للعقاب الموعود به تارك العبادة ، ولا ريب انّ إسقاطها العقاب مستلزم للقبول ؛ إذ لو لم يقبل لكان صاحبها باقيا تحت العهدة وكان مستحقا للعقاب بلا ارتياب ، إذ المفروض أنّ سقوط العقاب إنّما استند اليها لا إلي التفضّل منه تعالي .

فإن قيل : إنّ القبول إنّما هو عبارة عن الجزاء عليها بالثواب .

قلنا : متي ثبت استلزام سقوط العقاب للقبول بمعني انّ الشارع إنّما أسقط عن المكلّف العقاب والمؤاخذة لقبوله لها ترتّب عليها الثواب البتّة .

هذا ، وأمّا ما ذكره قدس‏سره من الوجوه الخمسة فقد عرفت الجواب عن أكثرها بما ذكرناه في الوجه الثالث .

بقي الكلام في الدليل الثالث من أدلّته ، وهو قوله : « فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر »( 15 ) .

والجواب عنه : هو ما ذكره طاب ثراه ، وهو جواب عارٍ عن وصمة النقض والايراد مؤيد بأخبار السادة الأبرار الأمجاد عليهم صلوات ربّ العباد ، فانّها قد تضمّنت أنّ هابيل كان صاحب ماشية ، فعمد إلي أسمن كبش كان في ضأنه فقرّبه ، وقابيل كان صاحب زرع فقرّب من شرّ زرعه ضغثا من سُنبل ، قال المحدّث الكاشاني عطّر اللّه‏ مرقده في تفسيره الصافي ـ بعد ذكره قوله سبحانه « فتقبل من أحدهما »ما لفظه ـ : « لأنّه رضي بحكم اللّه‏ وأخلص النيّة له وعمد إلي أحسن ما عنده وهو هابيل » ( 16 ) وقال بعد قوله : « ولم يتقبل من الآخر »ما لفظه : « لأنّه سخط حكم اللّه‏ ولم يخلص النية في قربانه وقصد إلي أخسّ ما عنده وهو قابيل » ( 17 ) ، انتهي .

وبذلك يتضح لك : أنّ الجواب المذكور عارٍ عن وصمة القصور ، وحينئذٍ فيحتمل ـ واللّه‏ أعلم ـ أنّ المراد بقوله : « إنّما يتقبل اللّه‏ من المتقين »يعني المخلصين في ذلك العمل القاصدين به وجهه سبحانه ، وعلي هذا فلا دلالة في الآية علي ما ادّعاه قدس‏سره ؛ إذ العمل متي كان غير خالص لوجهه تعالي فهو غير مجزٍ ولا صحيح فضلاً عن أن يكون مقبولاً كما سيتّضح لك في آخر هذه المقالة بأوضح دلالة .

ولو اُريد بالمتقين في الآية هو من لم يكن فاسقا مطلقا للزم منه بطلان عبادة الفاسق وإن اشتملت علي شرائط الصحة والقبول ما عدا التقوي ، وحينئذ فلا تقبل إلاّ عبادة المعصوم ومن قرب من درجته ، وهم أقل قليل ؛ إذ قلّ ما ينفكّ من عداهم عن الذنوب .

قال شيخنا أبو علي الطبرسي قدس‏سره في تفسير مجمع البيان ـ بعد ذكر الآية المذكورة ـ : « واستدلّ بهذا علي أنّ طاعة الفاسق غير مقبولة ، لكنها تسقط عقاب تركها ، وهذا لا يصحّ ؛ لأنّ المعني : إنّ الثواب إنّما يستحقه من يوقع الطاعة لكونها طاعة ، فأمّا إذا فعلها لغير ذلك فلا يستحق عليها ثوابا ، ولا يمتنع علي هذا أن يقع من الفاسق طاعة يوقعها علي الوجه الذي يستحق عليها الثواب فيستحقّه » ( 18 ) انتهي . وهو صريح فيما قلناه ومؤيّد لما ادّعيناه .

هذا ، والذي ما زال يختلج بالخاطر الفاتر ويدور في الفكر القاصر وإن لم يسبق إليه سابق في المقام ولم يسنح لأحد من علمائنا الأعلام هو أنّ الخلاف في هذا المجال والاشكال فيما أورد من الاستدلال المحوج إلي ارتكاب جادّة التأويل والاحتمال إنّما يجري علي تقدير كون الثواب منه تعالي والجزاء علي الأعمال استحقاقيّا للعبد ، كما هو ظاهر المشهور بين أصحابنا رضوان اللّه‏ عليهم ؛ بمعني أنّ العبد يستحقّ منه سبحانه ثواب ما عمله من العبادة ، لكن هل يترتّب ذلك علي مجرّد الصحة كما هو القول المشهور وإن تفاوت قلّة وكثرة باعتبار الاقبال وعدمه والتقوي مثلاً وعدمه أو لا يترتّب إلاّ علي ما اقترن بالاقبال والتقوي مثلاً ونحوهما كما هو القول الآخر ، لا علي تقدير كونه تفضّلاً منه سبحانه ، كما هو ظاهر جمع منهم أيضا ؛ فانّه علي هذا القول يضمحلّ الاشكال ويزول عن وجوه تلك الأدلّة غبار الاختلال ، ولا يحتاج إلي ارتكاب التأويل فيها والاحتمال .

وحينئذٍ فما ورد من أنّ صلاة شارب الخمر لا تقبل أربعين يوما يعني لا يكون أهلاً للتفضّل منه سبحانه عليه بالثواب ضمن هذه المدة ، وكذا من لم يقبل علي عبادته كلاًّ أو بعضا فانّه لا يكون أهلاً للتفضّل فيما أخلّ فيه بالاقبال ومثلهما عبادة غير المتقي .

ويتوجّه حينئذٍ صحة الدعاء بالقبول بعد الفراغ من العبادة ؛ فانّه لمّا كان القبول والجزاء بالثواب غير واجب عليه سبحانه بل إن شاء أعطي وإن شاء منع حسن الدعاء منه بالقبول وحصول الثواب واتجه التبتّل إليه والرغبة في هذا الباب . وعلي هذا القول يدلّ كثير من أدعية الصحيفة السجادية علي من وردت عنه أفضل صلاة وتحية .

منهـا : قوله عليه‏السلام في دعاء الاعتراف وطلب التوبة : « إذ جميع إحسانك تفضّل وإذ كل نعمك ابتداء » ( 19 ) ، وقال العلاّمة الحبر العماد مولانا مير محمّد باقر الداماد طيّب اللّه‏ مرقده ـ في شرح هذا الكلام علي ما نقله عنه الفاضل المحدّث السيد نعمة اللّه‏ قدس‏سره في شرح الصحيفة ما صورته ـ : « إذ قاطبة ما سواك مستند إليه بالذات أبد الآباد مرّة واحدة دهرية خارجة عن إدراك الأوهام ، لا علي مشاكلات المرّات الزمانية المألوفة للقرائح الوهمانية ، فطباع الامكان الذاتي ملاك الافتقار إلي جدتك ومناط الاستناد إلي هبتك ، فكما انّ النعم والمواهب فيوض جودك ورحمتك فكذلك الاستحقاقات والاستعدادات المرتبة في سلسلة الأسباب والمسببات مستندة جميعا إليك ، وفائضة بأسرها من تلقاء فياضتك » ( 20 ) انتهي .

ثمّ قال ذلك الفاضل المحدّث ـ بعد نقله ـ : « وهو كلام حسن رشيق » ( 21 ) ثمّ نقل عن الفاضل المحقق آقا حسين الخونساري قدس‏سره انّه قال أيضا في هذا المقام : « الحكم بأنّ الإحسان والنعم كلّها تفضّل إمّا بناء علي أنّ المراد منهما الأكثر ، وإمّا علي أنّ المراد منهما ما يكون في الدنيا ؛ لأنّ بعض النعم الاخروية بالاستحقاق ، وإمّا بناء علي انّ استحقاق بعض النعم لما كان متوقّفا علي الأعمال الحسنة وهي متوقفة علي الوجود والقدرة وسائر الآلات وهي منه تعالي فكأنّ النعم والاحسان كلّه تفضّل » ( 22 ) انتهي .

أقـول : وهذا الكلام منه قدس‏سره بناء علي اختيار القول المشهور ، فلذا ارتكب في العبارة التأويل المذكور ، ثمّ قال ذلك الفاضل المحدث ـ بعد نقل هذا الكلام ـ : « والظاهر من ممارسته الأخبار والأدعية المأثورة عنهم عليهم‏السلام أنّ الاحسان الدنيوي والاُخروي وسائر المثوبات كلّها تفضّل منه تعالي ، نعم قد تفضّل سبحانه بأن جعل شيئا من الثواب في مقابلة الأعمال ، ولو كافأنا حقيقة لذهبت أعمالنا كلها بالصغري من أياديه .

وروي أنّ عابدا من بني إسرائيل عبد اللّه‏ تعالي خمسمئة سنة صائما قائما وقد أنبت اللّه‏ له شجرة رمّان علي باب الغار يأكل منها كل يوم رمّانة واحدة ، فاذا كان يوم القيامة وضعت تلك العبادة كلّها في كفّة من الميزان ووضعت في الكفة الاُخري رمّانة واحدة فترجح تلك الرمانة علي سائر تلك الأعمال .

ولو لم يكن في استظهار هذا الكلام إلاّ مكافاته الحسنة بعشر أمثالها لكفي في صحة ما ادّعيناه » ( 23 ) انتهي كلامه علا في الفردوس مقامه .

وحينئذٍ فغاية ما توجبه العبادات إذا خلت من المبطلات هو سقوط القضاء والمؤاخذة عن فاعلها ، وهو معني الصحة والإجزاء فيها ، وأمّا القبول بمعني ترتّب الثواب عليها فهو تفضّل منه سبحانه ، إلاّ أنّه بمقتضي تلك الأدلّة التي استند اليها ذلك القائل قد ناط سبحانه و [ تعالي ] التفضّل ببعض الشروط مثل الاقبال والتقوي وترك شرب الخمر ونحو ذلك ممّا وردت به الأخبار . وظنّي انّ تلك الأخبار إنّما خرجت عنهم عليهم‏السلام بناء علي هذا القول المذكور ، وإلاّ فلو كان الثواب والقبول استحقاقيا كما هو القول المشهور للزم الاشكال فيها والمحذور ، واحتيج إلي التأويل فيها كما عليه الجمهور ؛ لمعارضتها بما ذكرنا من الأدلّة الواضحة الظهور .

هذا ، وما ذكره علم الهدي قدس‏سره من القبول بصحة عبادة المرائي وإسقاطها القضاء وإن كانت غير مقبولة ؛ بناء علي الفرق بين الصحة والقبول كما نقله عنه جمع من الفحول ، فهو ليس ممنوع ولا مقبول كما لا يخفي علي من لاحظ الآيات القرآنية المتعلّقة بالمقام والأخبار الواردة في ذلك عن أهل العصمة عليهم‏السلام ؛ فإنّ كثيرا من الآيات القرآنية والمحكمات السبحانية قد تضمّنت وجوب الاخلاص في العبادة كقوله سبحانه « فادعوا اللّه‏ مخلصين له الدين »( 24 ) « قل ءاللّه‏ أعبد مخلصا له ديني »( 25 ) « وما اُمروا إلاّ ليعبدوا اللّه‏ مخلصين له الدين »( 26 ) « إنّي اُمرت أن أعبد اللّه‏ مخلصا له الدين »( 27 ) إلي غير ذلك من الآيات الدالّة علي وجوب الاخلاص والتنزّه عن الشرك في العبادة والاخلاص .

ومن الأخبار الواردة في المقام قول الصادق عليه‏السلام في خبر ابن القداح لعبّاد ابن كثير البصري : « ويلك يا عباد ، إياك والرياء ؛ فانّه من عمل لغير اللّه‏ وكله اللّه‏ إلي من عمل له » ( 28 ) ، ومثله خبر محمّد بن عرفة عن الرضا عليه‏السلام ( 29 ) ، وفي خبر يزيد بن خليفة عن الصادق عليه‏السلام : « إنّ كل رياء شرك » ( 30 ) ، إلي غير ذلك من الأخبار التي طويناها علي عرفها وأعرضنا خوف التطويل عن نشرها .

وحينئذٍ فكيف يتّجه القول بصحة عبادة المرائي وإسقاطها القضاء ؟ ! وكيف تسقط العبادة الثابتة في الذمة يقينا بغير جنسها وإن تحلّي بصورتها أو تتأدّي الطاعة بجعلها لباسا وقالبا لضرّتها ؟ !

وبذلك يظهر لك أنّ هذا الفرد لا يكون من جزئيات هذه المسألة ، كما أشرنا إليه في صدر المقالة ، وأوضحنا ذلك هنا بأوضح دلالة وإن غفل عن ذلك الكثير من الأصحاب فعدّوا هذا الفرد المذكور من هذا الباب ، واللّه‏ سبحانه الهادي إلي جادّة الصواب .


( 17 ) المصدر السابق .

( 26 ) البينة : 5 .

( 15 ) المائدة : 27 .

( 10 ) الفتح : 26 .

( 28 ) بحار الأنوار 69 : 266 .

( 13 ) انظر : الوسائل 1 : 125 ، ب 31 من مقدمة العبادات . ط ـ آل البيت عليهم‏السلام .

( 6 ) في المصدر : « تلفّ » .

( 9 ) في المصدر : « التبرّوء » .

( 12 ) الأربعين ( للشيخ البهائي ) : 375 ـ 377 . ط ـ جماعة المدرسين / 1415 .

( 11 ) البقرة : 286 .

( 8 ) بحار الأنوار 82 : 305 .

( 24 ) غافر : 14 .

( 29 ) المصدر السابق : 284 .

( 30 ) المصدر السابق : 281 .

( 5 ) في المصدر : « يقبل » .

( 25 ) الزمر : 14 .

( 7 ) في المصدر : « ويضرب » .

( 14 ) المائدة : 27 .

( 18 ) تفسير مجمع البيان 3 : 315 .

( 2 ) المائدة : 27 .

( 3 ) البقرة : 127 .

( 1 ) الفقيه 4 : 8 ، باب ذكر جمل من مناهي الرسول صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم و 57 ، ح 5089 . أمالي الصدوق ( المجلس 66 ) : 378 . الخصال 2 : 167 .

( 16 ) تفسير الصافي 2 : 27 .

( 21 ) المصدر السابق .

( 27 ) الزمر : 11 .

( 20 ) نور الأنوار : 150 . ط ـ دار المحجة البيضاء / 1420 .

( 19 ) الصحيفة السجادية الكاملة : 66 ، من دعائه عليه‏السلام في الاعتراف وطلب التوبة إلي اللّه‏ تعالي . ط ـ جماعة المدرسين .

( 4 ) المائدة : 27 .

( 23 ) المصدر السابق .

( 22 ) المصدر السابق .

/ 1