التفاهم بين الشيعة وأهل السنة
السّيّد جواد المصطفويالإتّحاد بين المسلمين يعني تقارب الفرق الاسلاميّة فيما بينها، مع الإحتفاظ بكياناتها وماهيّاتها. أي الحفاظ علي الأُصول المشتركة، واطلاق الحرّية لكُلِّ فرقةٍ في الفروع الخاصّة بها. و هذا بمعني عدم التّخاصم والنّزاع فيما بينها، بل يعني اطّلاع الجميع، بعض علي معتقدات بعض، بحيث لا تكون كلّ فرقة شديدة الحسّاسيّة بالنّسبة لمعتقدات الفرق الأخري. و طريق الوصول إلي ذلك الهدف هو الإستناد إلي العقل والمنطق وتجنب كُلّ الانفعالات العابرةِ والعصبياتِ الجامحةِ. والآن نفتح كتاب (نهج البلاغة) لنقرأ ما يقوله الإمام عليّ بن أبي طالب ( عليهالسلام ) في وصف الاسلام : «لأِنَّهُ اسْمُ سَلامَةٍ، وَ جِمَاعُ كَرامَةٍ»1. فالإسلامُ من السّلامة. روح الإسلام وجوهره هو السّلامة الّتي تمثل جماع كرامة الإنسان و مقامه، فالّذين ينضمون تحت لواء الاسلام لابُدّ أن يعيشوا معاً بسلام و سلامة، وأن يحافظوا علي شرفهم وكراماتهم مشرقة ساطعة أبداً. إنّ الّذين لايختلفون في مواضيع مثل اللّه، والدّين والرّسول، والقبلة، والكتاب، وهي الحجر الأساس في بناء عقيدتهم، والّذين حفظ اللّه لهم هذا الحجر الأساس علي مدي أَربعةَ عَشَرَ قرناً من السّنين، وصانه من كلّ نفوذ غريب عليه وتأثير خارجيّ فيه، عليهم أن يواصلوا النّظر في تلك الأصول الأساس المذكورة باعتبارها من عوامل الاتّحاد والتّضامن والتّعاضد الّتي لا تنال منها الحوادث والأيام. إنَّ المسلمين الّذين يملكون بين أيديهم الملايين من نسخ القرآن، المطبوعة والخطّية، والّتي لا تحريف فيها و يعترف بها الجّميع، والمنتشرة في كلِّ بيت، عليهم أَنْ يفتحوها أمامهم و يمنعوا النّظر في الآية الكريمة : «واعتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَميعاً وَلا تَفرَّقُوا»2، و ليعلموا أَنَّ هذه الآية الشّريفة، بكلّ كلماتها وحروفها، هي من وحي اللّه، كما يعتقدون جميعاً، وأَنَّ اللّه الرّحمان قد هداهم في هذه الآية إلي طريقِ العِزَّةِ والسّعادة والكمال والسّلامة. ثم ليفتحوا صفحة جديدة، ويقرأوا الآية : «ولا تَنازَعوا فَتَفْشَلوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم»3 معتقدين أَنَّ هذه الآية أيضاً بكلماتها وعباراتها، نازلة من اللّه. ثّم صفحة أخري ليقرأوا «إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فأصْلحُوا بَيْنَ أخويكُمْ»4. وفي صفحة أُخري «إنَّ هذهِ أُمَّتُكُمْ أمَّةً واحِدَةً»5. إنَّكُمْ في كلّ صفحة تقلبونها و كلّ سورة تقرأونها، ستجدونها تقول لكم بكلّ جلاء ووضوح : «إِنَّ الإئتلافَ والاتّحَادَ نصرٌ و عزَّةٌ، وإنَّ التّنافُرَ والتّشتُّتَ سُقُوطٌ وذِلَّةٌ». وإنَّه لمن حسن الحظّ أن سُنَّة رسول اللّه ( صلياللهعليهوآلهوسلم )، وما جاء في نهج البلاغة، والأخبار الواردة عن أهل البيت ( عليهمالسلام )، مما يحظي بقبول جميع المسلمين، أو غالبيتهم العظمي، تدلّنا كذلك إلي إكسير الكرامة ورمز السّعادة والعزّة.يقول رسول اللّه ( صلياللهعليهوآلهوسلم ): 1. مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشْتَكَي منهُ عُضْوٌ تَدَاعَي لَهُ سائرُ الجَسَدِ بالسّهرِ والحُمَّي 6. 2. مَنْ أصبحَ لا يهتمُ بِأمورِ المسلمينَ فليسَ بمسلمٍ7. 3. مَنْ فارقَ الجماعةَ شِبراً فميتتهُ جاهلية8. 4.ألا أُخبُركُمْ بأفضلِ مِنْ درجةِ الصّلاةِ والصّيامِ والصّدقةِ؟ قالوا : بلي. قال : إِصْلَاح ذَات الْبَيْنِ، و َفَسَادُ ذَات الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ9. و فضلاً عمّا جاء في القرآن والسُّنَّةِ والأخبار، فإن جميع الأحكام الاجتماعية الإسلامية، بدون استثناء و في جميع الحالات الّتي فيها وجوب أو استحباب، تكون غايتها النّهائية ايجاد المحبّة، والأُلفة، والأُخوّة، والإِتّحاد بينَ المسلمين، كالأمر بإقامة صلاة الجمعة والجماعة، والقاء السّلام، والمصافحة، والمعانقة، والتّقبيل، والإِبتسام، وادخال السّرور، والمشورة، والنّصيحة والتّعاون، واصلاح ذات البين، والنّظافة، والأمانة، والعدالة، والصّدق، والمواساة، والتّرحم، والعطف، والاحسان بالوالدين، وصلةالرّحم، وحقّ الجوار، وحقّ الصّحبة، والرفق بالأيتام، والضّيافة، وقضاء حاجات المؤمنين، و حسن المعاشرة، والمطالبة والمزاح ، ومشايعة المسافر واستقباله، وتقديم الهدايا، وعيادة المرضي وتشييع الجنائز، وتسلية المفجوع، والتّواضع، و كظم الغيظ، والزّكاة، والإنفاق، والدّعاء للمؤمن، وشكر المحسن، و.. و .. الخ. وعلي وجهِ العمومِ، كُلّ عملٍ أو صفة نهي عنها لكراهة أو حرمة، كانت للحيلولة دون التّشتـت والإِختلاف والنزاع بين المسلمين، كالنّهي عن سوء الظّنّ، والتّجسّس، والكذب، والغيبـة، والشتم، والتكبّر والأنانية، والإِستبداد، وحبّ الذّات، والسّخريّة، والذمّ، والتّنابز بالألقاب، واللّوم، والتّحقير، والإِستخفاف، والشّماتة، وقطع الرحّم، وعقوق الوالدين، والّنميمة، والخداع، والتّزوير، والغش، وخسـران الميـزان، والإِحتكار، والطّمع، والرّياء، والزّهو، والظلّم، والعدوان، والنّفاق، والحسدوالحقد، والفظاظة، والجدل بالباطل، والغرور، وخلف الوعد، والتّعصّب الأعمي، والإفتراء، و..و.. الخ . من حسن الحظّ أيضاً أن هذه جميعاً مذكورة في كتب الشّيعة الأربعة و في الصّحاح السّتّة لأهل السّنّة، والمؤلّفون جميعاً يوردون هذه الأعمال والصّفات بالألفاظ نفسها أو ما يرادفها و يقرب منها، مؤيّدين ذلك بآيات من القرآن الكريم أو بأحاديث شريفة، أو بمقاطع من نهج البلاغة. ولسوف نحاول في هذه المقالة أن نبيّن جانباً من كلمات أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليهالسلام ) في (نهج البلاغة) فيما يدور حول أهميّة الوحدة وأضرار التّفرّق والتّباعد: 1. الإِمام يري علي ( عليهالسلام )، أن أهمّ مكسب من مكاسب نبوّة خاتم الأنبياء محمّد ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) هو ايجاد الألفة والاتّحاد بين أناس متفرّقين مشتّتين، كانت العصبيّة الرعناء قد أشعلت نار الاقتتال بينهم وكادت أن تؤدي بهم إلي الانهيار والاضمحلال. غير أَنَّ النّبي الأكرمَ ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) استطاعَ بتعاليمِ الإسلامِ أن يوجّه الجميع نحو عبادة اللّه الواحد، ووحد جماعاتهم ومجالسهم في صفّ واحد، وألغي الإمتيازات الواهية، وقال : إنَّ الأسودَ والأبيضَ، والعربيَّ والأعجميَّ، والفقيرَ والغنيَّ، والشّريفَ والوضيعَ، هُمْ مِنْ أَبٍ وأمٍّ واحدةٍ، وأَنْ لافَضْلَ لأحدهِمْ علي الآخرِ إلاّ بالتّقوي والعلمِ والجِهادِ، وهذا ما لا يكونُ إلاّ ببذلِ الجُهْدِ وبالصَّبْرِ، لا بالمالِ والثروةِ والعنصرِ واللَّونِ والحسبِ والنّسبِ مِمَّا يكونُ بالمصادفةِ ومن بابِ الحظِ.ينـبّه الامام علي ( عليهالسلام ) أصحابه إلي هذه النِعم الإِلهيّة العظيمة ويعيد عليهم ما يقوله القرآن : «.. واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عليكُمْ إذْ كُنتمْ أعداءً فألَّفَ بينَ قُلُوبِكُمْ فأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخواناً وكنتُمْ علي شَفَا حُفرةٍ مِنَ النَّارِ فأنقَذكُمْ مِنْهَا.»10.و في معرض ذكر فضائل النبي الكريم ( صلياللهعليهوآلهوسلم )يقول :.. قد صرفت نحوه أفئدة الأبرار، وثنيت إليه أزمة الأبصار، دفن اللّه به الضغائن، وأطفأبه الثوائر، وألّف به إخواناً..11. و قال أيضاً:فَصَدَعَ بِمَا أُمرَ به، وبلّغ رسالات ربّه، فلمَّ اللّهُ بهِ الصَّدْعَ، وَرَتَقَ به الفتقَ، وألّف به الشّملَ بينَ ذوي الأرحامِ بعد العداوة الواغرة في الصّدور، والضّغائن القادحة في القلوب12.و قال أيضاً:.... إلي أَنْ بَعَثَ اللّهُ سبحانَهُ محمداً رسول اللّه ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) لإِنجازِ عدَّتِهِ، واتمام نبوَّته، مأخوذاً علي النّبيّين ميثاقه، مشهورة سماته، كريماً ميلاده، وأهل الأرض يومئذ مِللٌ متفرّقةٌ، وأهواءٌ منتشرةٌ، وطرائقُ متشتتةٌ، بين مشبهٍ للّهِ بخلقه، أَو ملحدٍ في اسمِهِ، أو مشير إلي غيرِهِ، فهداهُمْ به مِنْ الضّلالةِ، وأنقذهُمْ بمكانِهِ من الجهالةِ...»13. 2. إنَّ اتّحادَ الأُمّةِ الاسلاميَّةِ وتآلفها علي قدرٍ من الأهّميةِ بحيثُ إنَّ اللّهَ سبحانَهُ و تعالي، بعدَ أَنْ قبضَ النّبي( صلياللهعليهوآلهوسلم )، لا يترك النَّاس من دون راعٍ يرعاها، لكيلا يعمد سفهاء الأمّة إلي تمزيق خيوط الوحدة الّتي عقدتها تضحيات الرّسولالكريم ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) وجهود خيرة رجال التّاريخ المؤمنين، ولئلا يعودوا بالأُمّةِ إِلي التّوحَشِ والجاهليةِ الأولي. إن اللّهَ الرحمانَ قد عيّنَ للناسِ بعد النبيِّ ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) ولّياً و خليفةً. وفي ذلك يقول الإمام علي ( عليهالسلام ):لا بُدَّ للنّاسِ من أَميرٍ برٍ أَوْ فاجرٍ14.و يشرحُ العلَّةَ الغائَّيةَ والهدفَ الأساسَ لوجودِ والٍ إلهيٍّ لاستمرار وحدة الناس وتآلفهم وبقاءِ عزَّة الدين و شوكته، فيقول :.. وأعظمُ مَا افترضَ، سبحانَهُ، من تلكَ الحُقُوقِ حَقّ الوالي علي الرّعيّة، و حقّ الرّعيّة علي الوالي، فريضة فرضها اللّه، سبحانه، لكُلٍّ علي كلٍّ، فجعلها نظاماً لألفتهِم، وعزّاً لدينهم ..»15. 3. يري عليٌّ ( عليهالسلام ) أَنَّ أهمَّ عامل في عزّة الأُمم السّابقة ورفعتها هو وحدتهم واتّحادهم. وأهمّ عامل في سقوطهم وذلّتهم هو التّفرق والتّباعد والاختلاف، فيقول :...واحذروا ما نزلَ بالأُمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال، وذميم الأعمال. فتذكروا في الخير والشّرّ أحوالهم، واحذروا أَنْ تكونوا أمثالهم. فإذا تفكرتم في تفاوت حاليهِمْ ، فالزموا كُلَّ أمرٍ لزمت العزّة به شأنهم، وزاحت الأعداء له عنهم، ومُدّت العافية به عليهم، وانقادت النّعمة له معهم، ووصلت عليه حبلهم من الإجتناب للفرقة، واللّزوم للألفة، والتّحاضِّ عليها، والتّواصي بها، واجتنبوا كُلَّ أمرٍ كَسَرَ فِقرتهم، وأوهن منّتهم، من تضاغن القلوب، وتشاحن الصّدور، وتدابر النّفوس، وتخاذل الأيدي...». فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاءُ مجتمعةً، والأهواءُ مؤتلفةً، والقُلُوبُ معتدلةً، والأيدي مُتردِافةً، والسّيوفُ متناصرةً، والبصائرُ نافذةً، والعزائمُ واحِدَةً. ألم يكونوا أرباباً في أقطار الأرضين، وملوكاً علي رقابِ العالمينَ ! فانظرُوا إِلي ما صارُوا إليه في آخِرِ أمورهِمْ حين وقعتِ الفرقةُ، وتشتَّتِ الألفةُ، واختلفت الكلمةُ والأفئدةُ، وتشعَّبوا مختلفينَ، وتفرّقوا مُتحاربين، قد خلعَ اللّهُ عنهم لباسَ كرامتِهِ، وَسَلَبَهُمْ غضارةَ نعمتِهِ، وبقيَ قَصَصُ أخبارِهم فِيكُمْ عِبراً للمعتبرين . فاعتبروا بحال ولد إسماعيل و بني إسحق و بني اسرائيل (أبناء يعقوب) ( عليهمالسلام ). فما أَشَدَّ اعتدالَ الأحوالِ ، وأقرب اشتباه الأمثال ! تأمَّلُوا أمرهم في حال تشتُّتِهِمْ و تفرُّقِهِمْ، ليالي كانت الأكاسرةُ و القياصرةُ أرباباً لهُمْ، يحتازونَهُمْ عن ريفِ الآفاق، وبحرِ العراق، وخُضرَةِ الدُنيا، إلي مَنَابِتِ الشِّيح، وَمَهَافي الرّيحِ، ونكدِ المعاشِ، فتركوهُمْ عالةً مساكينَ إخوانَ دَبَرٍ وَوَبَرٍ، أذلَّ الأُمِمَ داراً ، وأجدبُهُمْ قراراً، لا يأوونَ إلي جناح دعوةٍ يعتصمون بها، ولا إلي ظِلِّ ألفةٍ يعتمدونَ علي عِزّها . فالأحوالُ مضطربةٌ، والأيدي مختلفةٌ، والكثرةُ متفّرقةٌ، في بلاءِ أزلٍ، وأطباقِ جهلٍ ! من بنات موؤدةٍ، واصنامٍ معبودةٍ، وأرحامٍ مقطوعةٍ، وغارات ٍ مشنونةٍ. فانظرُوا إلي مواقعِ نعمِ اللّهِ عليهِمْ حينَ بعثَ إليهم رَسُولاً، فعقدَ بملّتِهِ طاعَتهُمْ ، وجمعَ علي دعوته أُلفتهم. كيفَ نشرتِ النِّعمةُ عليهم جَنَاحَ كرامَتِهَا، وأَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِل نِعَيمِهَا، والتفَّتِ الملَّةُ بهم في عوائد بركتِهَا، فأصبحُوا في نعمتها غرقينَ، و في خضرةِ عَيْشِهَا فكهينَ، قد تربعتِ الأمورُ بهم في ظلِّ سلطانٍ قاهرٍ، وآوتْهُمُ الحالُ إلي كَنَفِ عزٍّ غالبٍ، و تعطّفت الأمورُ عليهم في ذَري مُلكٍ ثابتٍ فهم حُكَّامٌ علي العالمينَ ، وملوكٌ في أطرافِ الارضينَ . يملكون الأمورَ علي من كان يَمْلِكُهَا عليهم، ويمضونَ الأحكامَ فيمْن كانَ يُمْضِيْهَا فيهِمْ ! لا تغمزُ لهُمْ قناةٌ، ولا تُقرعُ لهم صَفَاةٌ. ألا وإنّكم قد نفضتُمْ أيديَكُمْ من حبْلِ الطّاعَةِ، وثلمتُمْ حِصْنَ اللّهِ المضروبِ عَلَيْكُمْ ، بأِحكامِ الجاهليَّةِ، فإنَّ اللّهَ سبحانَهُ قد امتَنَّ علي جماعةِ هذه الأُمَّةِ فيما عقدَ بينهُمْ من حبلِ هذه الألفَةِ الّتي ينتقلونَ في ظِلِّها، وَيَأْوُونَ إلي كنفِهَا، بنعمةٍ لا يعرفُ أَحَدٌ من المخلوقينَ لها قيمةً لأنها أرجحُ من كُلِّ ثمنٍ، وأجلُّ من كلِّ خطرٍ..»16. كما قالَ اللّه تعالي : وألَّفَ بينَ قلوبِهِمْ لَوْ أَنفقتَ مَا فِي الأرضِ جميعاً ما أَلَّفْتَ بينَ قُلُوبِهِمْ وَلكنَّ اللّهَ ألَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ 17. 4.إِنَّ الَّذينَ يسودُهُمْ الاختلافُ والتّنافرُ لاينالونَ من اللّهِ شيئاً من الخيرِ والسّعادةِ ، فلم ينالها الماضونَ، ولا الحاضرونَ، ولا الآتونَ . يقول الإمام علي ( عليهالسلام ) بهذا الشّأن :وإنَّ اللّهَ سُبحانَهُ لَمْ يعطِ أحداً بفُرقَةٍ خيراً مِمَّنْ مَضَي، ولا مِمَّنْ بَقِيَ 18. إنّ الّذين يخاصمون إخوانهم فيالدّين بسبب أفكار وهمية، ويبدلون صفاء الحياة وَحَمِيْمِيَّتِهَا إلي كدر ونفار، يحسبون بتفكيرهم الفج هذا أنّهم ينالون من ذلك بعض ربح ومنفعة. يوجّه علي( عليهالسلام ) إلي هؤلاء نصيحته صادقاً مخلصاً قائلاً:إن ظنَّكُمْ باطلٌ، و الطّريقُ الذّي تقطعونَهُ ليسَ هو المطلوبُ ولِذلكَ فإنَّكُمْ سوف تصلونَ في النّهايةِ إلي نهايةٍ لا تريدونَهَا وهي علي النّقيضِ مِمَّا تودونَ .5 . حتي لو حدث أن بعض النّاس لم يرغبوا في الإِتّفَاقِ والاتّحاد، ولميؤمنوا به في قلوبهم باعتباره غير مستحسن، ولكن تراضيهم وتوافقهم مع إخوانهم فيالدّين خير لهم وأقرب إلي مصالحهم من الخلاف والتّفرق. يقول الامام علي ( عليهالسلام )بهذا الشّأن :فإيّاكم والتَّلونَ في دينِ اللّهِ، فإنَّ جماعةً فيما تكرهون من الحقّ، خيرٌ من فُرقةٍ فيما تُحبُّونَ من الباطل ...19. فاذا قلتم هنا: إنّ آباءنا وأجدادنا لم يصغوا، مع الأسف، إلي كلام أميرالمؤمنين ، فأوجدوا الفرقة، وقسّموا الاسلام الواحد الي أكثر من سبعين فرقة، وإنّنا الآن نذوق وبال عاقبة أعمالهم القبيحة، قلنا في الرّدّ علي هذا بأنّ التّباين في تذوق القرآن والسُنَّةِ واختلاف تأثيرهما لا يعني اصطناع المذاهب وايجاد الفرقة، ولعلّ ما كان بين أَبي حنيفةو الشّافعي و مالك و أحمد، و كذلك الخلفاء الراشدين، من اختلاف لميكن بقدر ما هو بين أتباعهم. ثمّ، حتّي لو أنّنا فرضنا أن هؤلاء الأئمّة الأربعة كانوا يقصدون اصطناع المذاهب، فإنّنا في هذا الزّمان ليس علينا أن ننبش الماضيّ وننفخ الرّوح فيما لا روح فيه من المسائل الميتة الّتي كانت موضع خلاف. إنّنا سنوضح هذا أكثر في السّطور التّالية. 6. فيما يتعلّق بأضرار التّفرق والاختلاف والشّقاق بالنّسبة لمن يريد شق عصا المسلمين وايجاد التّشتّت والفّرقة بينهم، يعطي علي ( عليهالسلام )، القول الفصل، معلناً بكلّ صراحة أن مثير الفتن والتّفرقة يستوجب القتل، ابتداءاً من نفسه، وهذا الحكم لا يقتصر علي من يقوم بالتّفرقة عملياً، بل انَّهُ حكم حتّي علي من يطلق شعارات مفّرقة و يخطو الخطوة الأولي نحو شقّ عصا المسلمين. يقول ( عليهالسلام ):... والزمُوا السَّوادَ الأعظمَ، فإنَّ يدَ اللّه معَ الجماعةِ. وإيَّاكُمْ والفُرقَةَ! فإنّ الشّاذَّ من النّاس للّشيطانِ، كما أنَّ الشاذَّ من الغنمِ للذئبِ. أَلَا مَنْ دَعَا إلي هذا الشّعارِ فاقتلُوهُ، ولو كانَ تحتَ عِمامَتِي هذه ...20. لا شكّ إنَّ الدّعوةَ الي التّفرقةِ تؤدي إلي الفتنةِ، واللّه سبحانه وتعالي يقول في كتابه المجيد:والفتنةُ أشدُّ مِنَ القتلِ 21.أما تمييز الشّعارات المثيرة للفتن فيعود إلي الفقيه العادل . 7. إنّ الّذين يفّرقون بين النّاس ويصطنعون الفئات والفرق قد يزين لهم خيالهم الواهي أنّهم يستندون في عملهم القبيح هذا علي آيات القرآن. غير أن عليّاً( عليهالسلام )يجسّد عمل هؤلاء وتسويغاتهم خير تجسيد، فيقول :..فاجتمعَ القومُ علي الفُرقةِ، وافترقوا علي الجماعةِ، كأنَّهم أئمةُ الكتابِ وليس الكتابُ إمامَهُمْ..22. يشير الامام في هذه الجملة إلي أمر دقيق بالغ الدِّقَّةِ، وهو أنَّ الَّذِيْنَ يعتقدون بأنَّ القرآنَ وحيٌّ منزَّلٌ من اللّه ويستندون إليه، عليهم أن يغسلوا أذهانهم من المسموعات والمقروءات السّابقة، وان يستقبلوا حقائقَ القرآنِ بذهنٍ صافٍ، طبيعيّ، طاهر، ومن ثمّ يطبقون المنظور القرآني الذي يحملونه مع العقائد والمذاهب الأخري، لكي يتبيّن كم من تلك العقائد والمذاهب يطابق القرآن، وكم منها يخالفه. أما الَّذينَ يعملون بخلاف ذلك، أي الّذين يتجمعون من أجل اصطناع المذاهب وايجاد التّفرقة ووضع الآراء والعقائد، ثم يجتهدون في حمل آيات القرآن علي التّطابق مع موضوعاتهم لتسويغها، فاولئك يقومون في الواقع بفرض معتقداتهم علي القرآن، ويجعلونها هي الإمام والقرآن هو التّابع المؤتم . 8. إنّ الآخرين الّذين جلسوا في مختبراتهم للتّشريح واجراء التّجارب، والّذين حضروا المؤتمرات وصفوف الدّراسة للبحث والتّحقيق، فكان أن فرضوا سيطرتهم علي أعماق البحار وأجواء الفضاء الّلامتناهي، قاموا في الحقيقة بالقاء الضّوء علي العالم، عرفوا الدّاء ودواءه، وأوصلوا أطراف العالم بعضاً ببعض بالصّوت وباللّون وبالأمواج، بينما تصدّر بعض المسلمين مجالسهم وراحوا يبحثون ويدققون في صحابة رسول اللّه ( صلياللهعليهوآلهوسلم )من منهم يقيم في الجنّة ومن منهم مأواه النّار، أولئك الصّحابة الّذين ماتوا قبل أربعة عشر قرناً، وعيّن اللّه أماكنهم إمّا في الجنّة وإمّا في النّار، وهم الآن إمّا منعّمون وإمّا معذّبون . إن أمثال هـذه المبـاحث أدت أحياناً إلي ظهور آراء مختلفة، وصلت أحياناً إلي حدِّ الخصام والنزاع، مع أن أياً من طرفي النّزاع لم يكن يستدّل علي آرائه بأيّ سند تاريخي أو أحاديث معتبرة، ولعلّ أسانيدهم الأصيلة المعتبرة كانت في حوزة أولئك الأجانب الدّارسين في مدارسهم والباحثين في معاهدهم، إذ لو كانت ادعاءات هؤلاء قائمة علي أسانيد صحيحة ومعتبرة، لما كان ثَمّة ما يدعو لوجود عدّة أقوال بشأن مسألة واحدة . إن سبب وجود الآراء المتعدّدة إمّا ان يكون ناشئاً من الأستناد إلي اسانيد موضوعة أو غير معتبرة ، وإمّا أن يكون ناشئاً من التّعصب والتّقليد واتباع الانفعالات. ولقد كان ممّا يثير العجب أن الشيعي والسنّي اللذين كانا يتجادلان كانا يعتقدان، بسبب عدم تمكّنهما مما يتجادلان فيه، بأن السّني إذا ترعرع في بيئة شيعية، لسوف يساير في تفكيره اسلوب الشيعة ولاستدلّ مثلما هم يستدلّون، وكذلك الحال مع الشيعي الّذي يترعرع في محيط سنّي لجري مجراهم في التّفكير، وعلي الرّغم من ذلك كان كل منهما يصر علي موقفه حتي آخر عمره، مع انَّ الأسانيد الصّحيحة والمقبولة لدي الطّرفين كانت تمنع مثل هذا البحث والجدل . وانَّنا ما دُمنا نبحثُ في منهجِ البلاغةِ فسوف نورد أدلّتنا منه : أ. يبدي الامام عليٌّ ( عليهالسلام )رأيه فيعثمان وقتلته، ويري أن كليهما قد زل ّ وأخطأ : «استأثر فأساءَ الأثرَةَ، وجزعتم فأسأتُمُ الجزع، وللّه حكمٌ واقعٌ في المستأثِرِ والجازع »23، أي أنّكم ليس لكم أن تعيّنوا مواضعهم في الجنّة أو في النّار، فذلك ما فعله اللّه . ب . في الرّسالة الّتي كتبها الإمام ( عليهالسلام ) إلي عثمان بن حنيف ، يشير إلي مزارع فدك، فيقول :.. بَلَي! كانت في أيدينا فدكٌ من كُلِّ ما أظلته السّماء، فشحّت عليها نفوسُ قومٍ، وسخت عنها نفوس قوم ٍ آخرينَ ، ونعْمَ الحكم اللّه (بيننا نحن الّذين سخونا وبين الّذين بخلوا وأخذوها منّا). وما أصنع بفدكٍ وغير فدكٍ، والنّفس مظانُّها في غدٍ جدثٌ تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحُفرةٌ لوزِيد في فُسحتها، وأوسعت يدا حافرها، لأضغطها الحجر والمدر، وسَدَّ فرُّجها التّراب المتراكم ..24. ج . وفيما يتعلّق بالخوارج الّذين خرجوا عليه وحاربوه، يقول:«حكم اللّه أنتظر فيكم »..25. د. بعد حرب الجمل يبدي رأياً في عائشة، ثمّ يقول :«... و لها بَعدُ حُرْمَتُهَا الأولي ، والحساب ُ علي اللّه ِ تعالي ...»26 هـ . وفي الرّسالة الّتي بعثَ بها إلي معاوية يقول :...حتي يحكُمَ اللّه بيننا وهو خَيرُ الحاكمين..27. إذن، في الوقت الذي يترك أميرالمؤمنين الحكم بالنّسبة لعائشة و معاوية وعثمان والّذين أخذوا منه فدك للّه، ويري أن اللّه خير حكم، فلمّاذا ترانا نصرف أوقاتنا في مباحث لا تخصنا بشيء؟ إن علينا أن نبحث في الأعمال والأقوال الّتي ترسل الانسان إلي الجنة أو إلي الجحيم، وأن نتعرف الموازين والمعايير الإسلاميّة في الثّواب والعقاب، ومن ثمّ نعمل علي هداها، فهذا هو الألزم والأهمّ. 9. إن الامام عليّ بن أبيطالب ( عليهالسلام )، الّذي قدَّم هذه النّصائح المؤدية إلي السّعادة لأهل زمانه وللمسلمين كافّة ــ تلك النّصائح الّتي لو سار علي هداها آباؤنا لما وقع بينهم أي نزاع و خصام ، ولتنامت عزّتهم وسعادتهم يوماً بعد يوم، ولورثنا نحن اليوم عنهم تلك السعادة والرفاه ــ كان هو نفسه أوّل من يلتزمها، فهو أجلّ مَنْ يحافظ علي وحدة المسلمين تنازل عن حقِّهِ وحقِّ زوجتِهِ ــ وتحمّل الحرمان والتَّعَسُّفَ، معتبراً اتحاد المسلمين والتفاهم أولي ومقدّماً علي نفسه وزوجته وأولاده وجميع شؤونه. يحسن بي هنا أن أترك القول لقلم أحد الاخوة من أهل السنة، و هو عبدالمتعال الصّعيدي، الاستـاذ بجامعة الأزهـر، لنقـرأ مـا كتبـه تحـت عنوان : «عليّ بن أبيطالب والتقريب بين المذاهب»:هذا فضل كبير لعليّ بن أبيطالب، ( رضياللهعنه )، وكرّم اللّه وجهه، أن يكون هو أوّل واضع لأساس التّقريب بينالمذاهب، حتّي لايكون الإختلاف في الرّأي ممّا يدعو إلي تفريق كلمة الأمّة، واثارة العداوة بين طوائفها المختلفة، بل تبقي لها وحدتها مع الإختلاف في الّرأي، ويعيش فيها المختلفون في الّرأي إخواناً متحابّين، يترك كلّ واحد منهم أخاه ورأيه، لأنّه إمّا مصيب مأجور، وإمّا مخطيء معذور، أو يجادله بالَّتي هي أحسن، فلا يكون في جدالهما تعصّب للرّأي وإنمّا يكون القصد منه الوصول إلي الحقّ، لا المغالبة والانتصار. وإنه لفضل أي فضل لإبن عمّ الرّسول ( صلياللهعليهوآلهوسلم )، لا يقل عن فضله في شرف نسبه وقربه من صاحب الرّسالة، ولا عن فضله في سبقه غيره إلي الإيمان به وهو غلام صغير، فكان به أهدي من كلّ صغير وكبير، ولا عن فضله في جمعه بين الجهاد بالرّأي، والجهاد بالمال، والجهاد بالسّيف. كان الخلاف علي خلافة النبي ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) أوّل خلاف وقع بين المسلمين، فانّه لمّا قبض النّبي ( صلياللهعليهوآلهوسلم )اجتمعت الأنصار إلي سعد بن عبادة سيّد الخزرج، وأرادوا أن يبايعوه بالخلافة..». ثم يستطرد الكاتب بعد شرح وقائع السقيفة، فيقول :«.. وهذا صريح في أن علياً حين بايع أبابكر كان لايزال علي رأيه في أنه أحقّ بهذا الأمر منه، ولكنّه رأي أن يجمع الكلمة بمبايعته له، وألاّ يجعل رأيه سبباً في الفرقة بين المسلمين، ليضرب بهذا أَعلي مثل لهم في التّسامح عند الخلاف في الرّأي .. وكذلك كان شأنه مع عمر بن الخطّاب .. و كذلك كان شأنه مع عثمان بن عفّان .. ولما أراد النّاس أن يبايعوه بعد عثمان، لم يسرع إلي قبول بيعتهم ..لأنّه لم يكن يري الرّأي لمصلحة نفسه، بل كان يراهُ لمصلحة المسلمين .. حتي لا يحدث انقساماً بين المسلمين. و كان هذا شأنه حتي سلطوا عليه عبدالرحمن بن ملجم فطعنه غيلة. وقد جمع علي ( عليهالسلام ) أولاده قبل أن تفيض روحه، فأمرهم أن يطيّبوا طعام قاتله ويليّنوا فراشه فإن يعش فهو وليدمه، عفواً أو قصاصاً، وإن يمت ألحقوه به ليخاصمه عند ربه ..28. وفي رسالة لأبي موسي الأشعري ، يقول الامام ( عليهالسلام ):.. وليس رجلٌ ــ أحرصَ علي جماعةِ أمّةِ مُحمدٍ ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) وأُلفتها مني، أبتغي بذلك حُسنَ الثواب، وكرم المآب، وسأفي بالذي وَأيْتُ علينفسي..29. وفي الخطبة « الشقشقية» وهي أشهر جزء من نهج البلاغة ــ التي عني بشرحها وتفسيرها علماء من أهل السُنّة مثل ابن أبي الحديد، و محمد عبدة ، و الفخر الرازي ، و الملا سعد التفتازاني ، و القاضي يوسف، و محيالدين الخياط ــ يؤكد ابن الأثير و الفيروزآبادي أن الخطبة من كلام الامام علي ( عليهالسلام )، وأنه في بداية الخطبة يشكوالخلفاء قبله، ويصفهم بصفات يؤيد وجودها فيهم التاريخ والروايات. وفي أثناء الخطبة يتقدم رجل من أهل السواد بكتاب إليه، فينشغل به عن اتمام الخطبة. فلما يفرغ من قراءته يقول له ابن عباس : يا أمير لمؤمنين ، لو اطردت خطبتك من حيث أفضيت. فيقول :هيهات يا ابن عباس! تلك شقشقة هدرت ثم قرت !30 وكأنه يريد أن يقول:علي الرغم من أن ما قلته حقيقة تاريخية، ولكني لا أحب المضي فيه، لأن خوضه يثير الكدر. كانت وقائع حدثت ومضت ومضي معها أولئك الثلاثة إلي حيث قيامة، ومحكمة عدل، وإله هو خير الحاكمين، فليس عليكم أنتم أن تتابعوا ذلك ولا أن تبحثوا فيه. وأوضح من الخطبة «الشقشقية» في نهيه عن الخوض في ما يثير الخلاف هو جوابه عن سؤال ذلك الأسدي الذي سأله : كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به، إذ قال : يا أخا بني أسدٍ، إنكَ لقلقُ الوضينِ، تُرسل ُ في غير سَددٍ، ولك بعدُ ذِمامةُ الصِّهرِ و حقُّ المسألة، وقد استعلمتَ فاعلم : أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلَونَ نسباً، والأشدُّون برسول اللّه ــ ( صلياللهعليهوآلهوسلم )ــ نَوطاً، فإنها كانت أثَرَةً شحّت عليها نفوسُ قومٍ، وسخت عنها نفوس آخرين، والحَكم ُ اللّه، والمعوَدُ إليه.ثم تمثل بيت لأمريء القيس :وَدَع ْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ في حَجَرَاتِهِ وَلكِنْ حَديثاً ما حَديث ُ الرَّواحِل وهلُمَّ الخَطبَ في ابن أبي سفيان ، فلقد أضحكني الدهُر بعدَ إبكائه، ولا غروَ واللّه، فيا له خطباً يستفرغ العجب، ويُكثُر الأود! حاولَ القوم إطفاء نور اللّه من مصباحه، وسدَّ فوّاره من ينبوعه ، وَجَدَحُوا بيني وبينهم شرباً وبيئاً، فإن ترتفع عنّا وعنهم مِحنُ البلوي ، أَحْمِلُهُمْ مِنَ الحقِّ علي محضه، وإن تكنِ الأُخري. «فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ، إنَّ اللّه عَليمٌ بِما يَصنَعُونَ»31. يتبين لنا من السؤال وجوابه أن الإمام يلفت نظر السائل إلي موضوع اليوم ، هو حرب صفين، معتبراً سؤالاً عن أمور مضي عليها ثلاثون سنة غير ذي موضوع وليس فيه ما ينفع أحداً، فأجاب عن السؤال بايجاز، ثم التفت إلي حادث أهم، سعيمعاوية للتسلط والاستحواذ علي شؤون المسلمين. ولو كان علي ( عليهالسلام )بين ظهرانينا اليوم وسألناه عن حرب صفين، لردّ علينا قائلاً:إن واقعة اليوم، التي لا يدري المـرء أيضـحك منها أم يبكي، هي أن مسلمي العالم، وهو يبلغون المليار عداً، وقد حباهم اللّه بخير الأديان، وخير اللغات، وخير الثروات، وخير المواقع العسكرية32، ولهم ماضيهم اللامع ذو العزة والسيادة، قد أصبحوا اليوم وهم أذلة تحت سيطرة حفنة من الصهاينة، مع أنهم جميعاً يعلمون أن السبب الوحيد هو أن الأمة المسلمة الواحدة قد تجزأت إلي دول ومذاهب شتي، وظهر بينهم الخلاف والتشتت. فإذا شاءت هذه الأمة أن تستعيد عزتها وسيادتها، عليها أن تتحد وتتفق. ولكنهم ما يزالون متساهلين علي هذا الأمر، وعلي الرغم من الصفعات التي يتلقونها فإنهم ما يزالون يغطون في نومهم. لا أدري متي يستيقظون، أليس الصبح بقريب ؟10. إن واحداً من طرق توطيد الوحدة والاتحاد والحليولة دون التشتت والتفرق هو التزام الأدب في الكلام بحيث يتجلي فيه احترام الطرف الآخر وتوقيره، ولا تشم منه رائحة اساءة الأدب والتجريح، إذ إن القول مهما يكن مدعوماً بالحق والعدالة، فإنه إن صب في قالب الخشونة والتجريح، لا يكون مقبولاً، بل قد يسير بالأمر إلي عكس ما يراد له، فيزيد في تفاقم التباعد والكدر. إن للإِمام علي ( عليهالسلام ) في هذا كلام كثير يشيد فيه بالتقوي : 1. «..بعيداً فحُشُةُ، لَيِّناً قولُهُ ، غائباً مُنكَرُهُ ..»33. 2. «إياك ومستهجن الكلام، فإنه يوغر القلب ..»34. 3. «إن من العبادة لين الكلام»35. 4. «الهذر يأتي علي المهجة»36. 5. «أجملوا في الخطاب، تسمعوا جميل الجواب»37. 6. «حد اللسان أمضي من السنان »38. 7. «عود لسانك لين الكلام وبذل السلام، يكثر محبوك و يقل مبغضوك»39. 8. «ربَّ حرب جنيت من لفظة»40. 9. «من لانت كلمته وجبت محبته»41. 10. «سوء المنطق يزري بالقدر ويفسد الاخوة»42. 11. «سنة اللئام قبح الكلام»43. 12«اللسان ميزان الانسان »44. لقد كان في ما تبادله علماء السُنّة والشيعة من مباحثات ومكاتبات مثالات نافعة ومثمرة بسبب لهجتها اللينة واتسامها بالأدب والاحترام. ومن تلك المكاتبات ما جري بين العالم الشيعي الكبير، السيد عبدالحسين شرف الدين، و الزعيم الديني في مصر، شيخ الأزهر، الشيخ سليم البشري، إذ تبودلت بينهما خمس وخمسون رسالة من كل جانب، يسأل فيها الشيخ سليم، ويجيبه السيد شرف الدين ، جزاهما اللّه عن الاسلام خير الجزاء. وقد طبع هذا الكتاب باسم «المراجعات» وفيه مئة وعشر رسائل ومقدمة، باللغة العربية، وترجم إلي الفارسية والانكليزية والاورديّة وطبع مرات عديدة. إنني كلما تحدثت عن هذا الكتاب مع أي عالم سني أو شيعي سمعت الثناء عليه والتمجيد له وتقديره، لأنهم يرونه خالياً من شوائب التعصب والانفعالات والعواطف . ولكي أضرب مثلا في رعاية الطرفين لأدب التباحث، أورد الرسالتين الأوليتين اللتين تبودلتا بينهما، كتب الأولي الشيخ سليم في 29 ذي القعدة سنة 1329هــ، وبدأها هكذا:بسم اللّه الرحمن الرحيم 1.سلام علي الشريف العلامة الشيخ عبدالحسين شرف الدين الموسوي ورحمة اللّه وبركاته .إني لمْ أتعرف فيما مضي من أيامي دخائل الشيعة، ولم أبلِ أخلاقهم إذ لمْ أجالس آحادهم، ولمْ أستبطن سوادهم، و كنت متلعلعاً إلي محاضرة أعلامهم ، حران الجوانح إلي تخلل عوامهم، بحثاً عن آرائهم، وتنقيباً عن أهوائهم. فلما قدر اللّه وقوفي علي ساحل علمك المحيط، وأرشفتني ثغر كأسك المعين، شفي اللّه بسائغ فراتك أوامي، ونضح عطشي، وألية بمدينة علم اللّه ـ ـ جدك المصطفي ــ وبابها ــ أبيك المرتضي ــ إني لم أذق شربة أنقع لغليل، ولا أنجع لعليل، من سلسال منهلك السلسبيل، و كنت أسمع أن من رأيكم ــ معشر الشيعة ــ مجانبة اخوانكم ــ أهل السنةــ وانقباضكم عنهم، وأنكم تأنسون بالوحشة، وتخلدون إلي العزلة، وأنكم، وأنكم .... لكني رأيت منك شخصاً رقيق المنافثة، دقيق المباحثة، شهي المجاملة، قوي المجادلة، لطيف المفاكهة، شريف المعاركة، مشكور الملابسة، مبرور المنافسة، فاذا الشيعي ريحانة الجليس، ومنية كل أديب . 2. واني لواقف علي ساحل بحرك اللجي، أستأذنك في خوض عبابه، والغوص علي دُرره، فان أذنت غُصْنَا علي دقائق وغوامض تحوك في صدري منذ أمد بعيد، وإلاّ فالأمر إليك، وما أنا فيما أرفعه بباحث عن عثرة، أو متتبع عورة، ولا بمُنِّفدٍ أو مندد، وإنما أنا نشّاد ضالة، وبّحاث عن حقيقة، فإن تبين الحق فإن الحق أحق أن يتبع، وإلاّ فأنا كما قال القائل :نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأيمختلف وسأقصر ــ إن أذنتــ في مراجعتي إياكَ علي مبحثين، أحدهما في إمامة المذهب أصولاً وفروعاً، وثانيهما في الإمامةالعامة، وهي الخلافة عن رسول اللّه ( صلياللهعليهوآلهوسلم )، وسيكون توقيعي في أسفل مراجعاتي كلها (س) فليكن توقيعك (ش ) وأسلفك رجاء العفو عن كل هفو والسلام .(س) فأجابه السيد شرف الدين بما يلي:1. السلام علي مولانا شيخ الاسلام ورحمة اللّه وبركاته .خولتني بكتابك العطوف من النعم، وأوليتني به من المنن، ما يعجز عن أداء حقه لسان الشكر، ولا يستوفي بعض فرائضه عمر الدهر.رسيتني بآمالك، ونزعت إليّ برجائك، وأنت قبلة الراجي، وعصمة اللاجي، وقد ركبت من سوريا إليك ظهور الآمال، وحططت بفنائك ما شددت من الرحال، منتجعاً علمك، مستمطراً فضلك، وسأنقلب عنك حيي الرجاء، قوي الأمل، إلاّ أن يشاء اللّه تعالي. 2. استأذنت في الكلام ــ ولك الأمر والنهيــ فسل عمّا أردت، وقُل ما شئت، ولك الفضل، بقولك الفصل، وحكمك العدل، وعليك السلام.(ش ) حقاً لو أَنَّهُ جرت خلال الأربعة عشر قرناً الماضية، مباحثات مثل هذه بين أهل السنة والشيعة، في جو من الصفاء والود، وبين أمثال هؤلاء المخلصين من الرجال، أكان يحدث أي نزاع أو خلاف ؟ أكانت الحقائق تظل مغطاة ؟ أكان يبقي كلام علي الإتهام بالافتراء؟ المناسبة المؤدبة المرموقة الأخري التي جرت في النصف الثاني من هذا القرن بين علماء الشيعة والسنة، والتي امتدت في محيط واسع خلال نصف قرن، كانت علي يد «دار التقريب بين المذاهب الاسلامية». كان من المساهمين فيها علماء من أهل السنة مثل الشيخ عبد المجيد سليم ، كبير مفتي مصر، و الشيخ حسن البنا مؤسس الأخوان المسلمين وقائدهم، والعلامة الشهير الشيخ محمود شلتوت ، ومن علماء الشيعة آية اللّه البروجردي، مرجع الشيعة الكبير في ايران، و آية اللّه محمد حسين آل كاشف الغطاء ، من المراجع في النجف الأشرف، و آية اللّه السيد عبدالحسين شرف الدين المذكور، فكان من بركات هذا التجمع أن عقدت جلسات في قم ومشهد والقاهرة وغيرها، حيث اجتمع العلماء مع بعضهم، واجتمع شملهم بعد فرقة، وتواصلوا بعد قطيعة، وزالت الاتهامات فيما بينهم، فعرف الشيعة أن أهل السنة يمحضون أهل بيت الرسول ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) المحبة والود، وعرف أهل السنة أن الشيعة لا يملكون قرآناً آخر غير الذي عند أهل السنة، وأنهم لا يعتقدون في علي ( عليهالسلام ) نبياً بعد رسول اللّه ( صلياللهعليهوآلهوسلم )، وزال الكثير من مواضع الخلاف علي أثر اتضاحها علي حقيقتها، تلك الاختلافات التي غذتها السياسات الأجنبية لاستغلالها باتخاذ بعض الجهلة وسيلة لاثارة الفتنة باسم «رد الشيعة» أو «رد السنة»، أو أن يعمد علماء الغرب باسم الاستشراق إلي تفضيل أهل السنة علي الشيعة، ومثل «كولدتسيهر» يتحدث عن «إسلام الشيعة» و «إسلام السُنة» لكي يصنع من الاسلام الواحد إسلامين، في الوقت الذي لا يؤمن هو نفسه بأي من الشيعة والسُنة ولا في عقائدهم . فبالتقارب بين العلماء أمكن حل الكثير من المشكلات وازالة الاختلافات، وأصدر شيخ الأزهر فتواه باعتبار مذهب الشيعة، مثل سائر المذاهب الاسلامية، مذهباً معتمداً يمكن اتباعه، واقتراح إنشاء مقعد لتدريس مذهب التشيّع في جامعة الأزهر. وبعد سنتين من إنشاء «دار التقريب» صدرت المجلة الدينية العلمية «رسالة الاسلام» التي ساهم في تحريرها عدد من كبار رجالات العلم من السُنة والشيعة بأفكارهم العلمية الاصلاحية، حتي غدت هذه المجلة كنزاً من المقالات العلمية، والأدبية، والأخلاقية، والتاريخية، والفقهية، والفلسفية، والاصلاحية، وعلي رأسها سلسة مقالات في تفسير القرآن بقلم المفسر الكبير الشيخ محمود شلتوت، وكان في الحقيقة تفسيراً بعيداً عن التعصب المذهبي . كانت هذه المجلة ميداناً تجلّت فيه طاقات علماء الإِسلام المؤمنة والمخلصة علي أفضل وجه نافع ومفيد. 11. في المجالس التي تعقد من أجل الوحدة، أو في المقالات التي تكتب بهذا الشأن، يجب عدم الدخول في جزئيات المسائل المختلف فيها، حتي وإن كان الكاتب يهدف من ذلك إلي استنتاج الوحدة والاتفاق وتفنيد الفرقة والاختلاف في نهاية المطاف، إذ إن تشريح الاختلافات وبيان تفاصيلها سيترك آثاراً سيئة في قلوب القراء أو السامعين، وبذلك يتحقق هدف الأجانب من سياستهم المفرقة. وقد يكون بعض القراء أو السامعين من ذوي المشاعر والانفعالات الحساسة التي تتأثر بذكر الاختلافات دون أن تستطيع الاستنتاجات النهائية في البحث ازالة تأثيرها، مثل الأفلام التي تظل ساعة كاملة تصور جريمة من الجرائم بكل دقائقها وتفاصيلها وفنونها وأساليبها وطرق أرتكابها، ثم في النهاية تقول في بضع دقائق ان المجرم قد سجن جراء فعلته. لقد أيَّدت التجارب في مثل هذه الحالات أن الخطوط الأولية التي تنطبع علي صفحات القلب تكون من العمق والثبات بحيث ان الخطوط الضعيفة السريعة في المشاهد الأخيرة لا يكون لها تأثير كبير علي المشاهد القوية الأولي. وقد رُوعيت هذه الحقيقة في المقالات العالمة التي نشرت في «رسالة الاسلام»، ودليلنا من «نهج البلاغة» بهذا الشأن هو نفسه. في ختام هذا المقال أود أن أشير إلي أمرين اثنين هما، في نظري، اتهامان وليسا من الحقائق : أحدهما اتهام للشيعة، والآخر اتهام لأهل السنة. وانه لمن حسن الحظ أن تكون بين أيدينا شواهد كثيرة من نهج البلاغة علي هذا، سوف نشير إلي بعضها. 1. يتهمون الشيعة بأنهم علي الرغم من اعتبارهم علي بن أبي طالب ( عليهالسلام ) إماماً مفترض الطاعة، وعلي الرغم من أن اختلافهم مع أهل السُنة وليد اسلوب تعامل الامام مع الخلفاء الثلاثة قبله، فإنهم فيما يتعلق بالحكم علي مقام أولئك الثلاثة وعلي شخصياتهم ليسوا مثل الامام نفسه، بل انهم يتطرقون في حكمهم بحيث تجدهم في ذلك أشد من الامام اندفاعاً وَحِدَّةً، وهم يرفضون الاعتراف بأن حكمهم علي أولئك هو حكم الامام نفسه عليهم، لقد بقي الامام 23 سنة خلال حياةالرسول ( صلياللهعليهوآلهوسلم )و 25 سنة بعد وفاته يتردد عليهم ويجالسهم، وكانت له بهم قرابة سببية، فاثنان منهم كانا أبوي زوجتين من زوجات النبي( صلياللهعليهوآلهوسلم ) وأثنان منهم كانا صهريه، وكانت أسماء هؤلاء الأربعة تتردد دائماً في الحروب، وفي مجالس الشوري، والمسائل الاسلامية، وتبادل الزيارات بين عوائلهم وبيت رسول اللّه ( صلياللهعليهوآلهوسلم )، و أبو بكر يخطب الزهراء ( عليهاالسلام ) لعلي بن أبي طالب ( عليهالسلام )، ثم يصدع بأمر النبي ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) في شراء حاجات العرس لهما. و عمر في خلافته استشار علياً ( عليهالسلام ) مرات عديدة، أو أن علياً كان يبدي رأيه قبل أن يطلب عمر رأيه في أمر من الأمور، فيتقبله عمر. ومن هذه وردت ثلاث حالات في «نهج البلاغة» بصورة مسهبة45. أما التاريخ فيذكر أكثر من أربعين مناسبة كان فيها عمر، بعد سماع رأي علي ( عليهالسلام )، يقول :«لولاك لافتضحنا»46و «لولا علي لهلك عمر» و «ما بقيت لمعضلة ليس فيها أبوالحسن» وأمثال هذه العبارات. وأما بالنسبة لعثمان، فان علياً ( عليهالسلام ) كان كثير الرعاية له ويريد له الخير. فعندما يثور الناس علي عثمان، يرسل إلي الامام يطلب منه مغادرة المدينة، ظناً منه أَنَّ الناس يعارضونه لأنهم يريدون علياً ( عليهالسلام ) فيتقبل الامام أمره ويترك المدينة. ويتكرر هذا عدة مرات، حتي أَنَّه يقول لعثمان في احدي المرات : إنَّ الناس ورائي وقد استفسروني بينك وبينهم، وواللّه ما أدري ما أقول ُ لكَ!ما أعرف شيئاً تجهله ، ولا أدلك علي أمر لا تعرفُه ُ. إنك لتعلم ما نعلم. ما سبقناك إلي شيءٍ فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيءٍ فَنُبَلِّغَكَهُ . وقد رأيت َ ما رأينا، وسمعت كما سمعنا، وصحبت رسولَ اللّه ــ( صلياللهعليهوآلهوسلم )ــ كما صحبنا، وما ابن أبي قُحافة ولا ابنُ الخطاب بأولي بعمل الحق ِّ منك، وأنت َ أقرب إلي أبي رسول الله ( صلياللهعليهوآلهوسلم )ــ وشيجةَ رحم ٍ منهُما، وقد نلت من صهره مالم ينالا. فاللّه اللّه في نفسك فإنكَ ــ واللّه ــ ما تبصر من عميً، ولا تُعلَّمُ من جهلٍ، وإنَّ الطرق لواضحةُ ، وإنَّ أعلام الدين لقائمةٌ ، فاعلم أنَّ أفضلَ عباد اللّه عند اللّه إمامٌ عادل ٌ ، هُدِيَ وهَدي، فأقام سُنَةً معلومةً، وأمات َ بِدعةً مجهولةً. وإن السنن لنّيرةٌ لها أعلام ٌ ، وإن البدع لظاهرةٌ، لها أعلامٌ. وإن َّ الناس عند اللّه إمام ٌ جائرٌ ضلَّ وضُلَّ به، فأماتَ سُنةً مأخوذةً، وأحيا بِدعة ً متروكةً. وإني سمعت رسول اللّه ــ ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) ــ يقول : يُؤتي يَومَ القِيامةِ بِالإمامِ الجائرِ وليس مَعَهُ نَصيرٌ ولا عاذِرٌ ، فَيُلقي في نار جهنَم، فيدورُ فيها كما تَدورُ الرَّحي، ثُم َّ يرتبطُ في قَعْرِها واني أنشُدُكَ اللّه ألا تكونَ إمامَ هذه الأمة المقتولَ فإنه كان يُقالُ : يُقتلُ في هذه الأمةِ إمامٌ يفتحُ عليها القتلَ والقِتالَ إلي يوم ِ القيامة، ويلبِسُ أمورها عليها، ويبثُّ الفِتنَ فيها، فلا يِبصرونَ الحقَّ من الباطل، يموجون َ فيها موجاً، ويمرُجون فيها مَرجاً (بحيث أن تعبير «قميص عثمان» يصبح شعاراً لكل فتنة وفساد) فلا تكونَنَّ لمروان َ سَيِّقَةً يَسوقُكَ حيث ُ شاءَ بعد جلال السِّنِّ وتقضِّي العُمُرِ...»47. صحيح اننا، بعد أربعة عشر قرناً من تدخل العصبيات ودوافع الحب والبغض عند المؤرخين وصناع الروايات، لا نستطيع أن نتصور الملامح الحقيقية للخلفاء الراشدين واتجاهاتهم، لأن تلك العوامل قد تصرفت في الحقائق وحرفتها. ولكن من حسن الحظ أننا لا نعدم الكثير من المساحات المضيئة في القرآن ونهج البلاغة والأحاديث والتواريخ مما يحظي بقبول الفريقين ويمكن فيها العثور علي الحقيقة، إذا ما نقَينا أذهاننا من ايحاءات المحيط. إلا أن المشكلة الكبيرة هي في تصفية الذهن وتنقيته. فمثلاً ان مصاحبة أبي بكر لرسول اللّه ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) من الأمور المسلّم بها عند الشيعة وأهل السُنّة كليهما، كما أنه أمر يؤكده القرآن والأخبار والتاريخ مما يقبل به الفريقان أيضاً. إلاّ أن هذا الأمر المقبول والمقطوع به عند كليهما ينظر إليه حتي كبار العلماء من وجهتي نظر مختلفتين، فعلماء أهل السنة يرون فيه دليلاً علي فضيلة أبي بكر وامتيازه، ولا يري فيه علماء الشيعة مثل هذا الدليل، مع أن الحقيقة شيء واحد، إنما التعصب والتقليد والأخبار الموضوعة المتراكمة في الذهن هي التي تغطي الحقيقة بأستارهابحيث تصيب الحيرة والتشويش حتي كبار العلماء. 2. أما التهمة الّتي توجه إلي أهل السُنّة فتقول إِنَّ المنازعات بين الشيعة وأهل السنة، بل وبين زعمائهم وأئمتهم، كانت منذ نحو أربعة عشر قرناً حتي الآن. وخلال ذلك كان فريق واحد هو وحده الذي يقف دائماً علي رأي السلطة والحكومة و يعمل علي الإمساك بزمام الامور والتسلط والتفوق، وإن هذا الفريق لم يأل في سبيل ذلك من التوسل بالقوة، والتزوير، كما اتخذ السجون، والتعذيب، والنفي، والقتل، والتظاهر بالاسلام وسيلة أُخري لبلوغ تلك الغاية، وبذلك كان هذا الفريق يفرغ الاسلام من محتواه الأصيل. و في قبال هذا الفريق كان هناك فريق آخر من المسلمين يسعون دائماً إلي الحفاظ علي الاسلام واعلاء كلمة التوحيد ووحدة الكلمة، فكانوا يسكتون علي مضض، متنازلين عن حقوقهم المشروعة، ومتحملين السجن والتعذيب والاستشهاد، لكي يبقي الإسلام عزيزاً مرفوع الرأس. إن تضحيات هؤلاء العظيمة تبلغ في التاريخ الي حدّ واقعة عاشوراء في كربلاء، و بعد كربلاء نري أبناء الحسين ( عليهمالسلام )، زين العابدين ، و الباقر و الصادق و موسي بن جعفر ( عليهمالسلام ) يقضون أعمارهم في الدعوة للاسلام ونشره وتوسيعه بطرق مختلفة، فمرة عن طريق الدعاء والمناجاة مع اللّه ، ومرَّة عن طريق تفسير القرآن، ومرَّة عن طريق بيان أحاديث رسول اللّه ( صلياللهعليهوآلهوسلم )، واخري عن طريق المناظرة والاحتجاج . ومعظم الذي ذكرناه تجده في «الصحيفة السجادية» و كتب الأدعية، وكتب المناظرات والاحتجاجات، وكتب الأحاديث. الامام السجاد ( عليهالسلام ) كان يجلس علي بساط في زاوية بيت صغير في المدينة، و كذلك الإمامان الباقر و الصادق ( عليهماالسلام )، يشتغلون بالزراعة ويأكلون من كدِّ اليمين وعرق الجبين، ويصرفون أوقاتهم في نشر المعارف الاسلامية الحقيقية وتربية تلامذتهم عليها. ونري أن الشهداء الأول والثاني والثالث والرابع يتهمون بالدفاع عن الاسلام، فيدخلونهم السجون، ويقطعون أجسادهم بالعصي ذات الأشواك، ويفصلون رؤوسهم عن أجسادهم، ويحرقون أجسادهم، ويذرون رمادها في الريح. نري ابن السكيت يتهم بالولاء لاحفاد رسول اللّه ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) فيستخرجون لسانه من قفاه وينال الشهادة تحت ضرب الأقدام، مع أنَّ كُلّ واحد من هؤلاء كان عالماً لا نظير له في عصره، حتي ان كتاب «اللمعة» و « شرح اللمعة» للشهيدين مضي عليهما 700 سنة دون أن يكتب أحد نظيرهما. هؤلاء وأتباعهم كانوا يضحّون بأعز ما يملكون من نفس ومال ومقام وعائلة وكل ما لهم في الحياة، في سبيل الاسلام وترويج المعارف الاسلامية والقرآن. كان هؤلاء هم النبي وأحفاده وأبناؤهم ممن التزموا السير علي نهج جدهم العظيم. وثَمَةَ فريق آخر كان كل شيءٍ عنده هو الجاه والمقام والرفاه والاستمتاع بالمال والبنين، أمثال يزيد والوليد. فالتهمة التي توجه إلي أهل السنة هي أنهم كانوا دائماً يدافعون عن هذا الفريق ، الفريق الذي يتسلم مقاليد الحكم والسلطة، متغاضين كلياً عن الفريق الآخر وغير مهتمين به اطلاقاً، علي الرغم من انه من أبناء رسول اللّه ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) . يقول أصحاب الاتهام : إن أهل السنة يذكرون الصحابة والتابعين وتابعي التابعين بكل اجلال واحتـرام، وينقلون عنهـم الأحاديث والروايات والتاريخ، ويستندون إلي أقوالهم، ولكنهم لا يقيمون وزناً لأقوال عليو فاطمة وأبنائهما، وتخلو مكتباتهم من نفاسيرهم وكتب الرجال وأحاديث الشيعة التي يرد فيها: قال الباقر وقال الصادق .يثنون علي معاوية لكونه قد انتصر وأقام ملكاً وبلاطاً، وامتلك الذهب والفضة والأحجار الكريمة، ولكنهم لا يذكرون علياً لأن ملابسه كانت مرقعة، وداره حقيرة، يوزع بيت المال بالتساوي بين المسلمين ونفسه وأهله، يحارب المستكبرين، وينتصر للمستضعفين، يقيم الدنيا ويقعدها لأن أحدهم سلب امرأة لا وليّ لها خلخالاً، يعاتب عامله لاستمتاعه بلقمة دسمة يدعي إليها ويضع حديدة محماة في يد أخيه عقيل لأنه طلب من بيت المال أكثر مما يستحق، ليذكره بنار جهنم. بديهي إن من السجايا غير الحميدة في الانسان أنه إذا رأي نفسه ضعيفاً خائفاً في هذا العالم الفسيح وأنه لا بُدَّ له من الركون إلي من يحميه ويرد عنه عاديات الزمن وملجاً يلوذ به في الملمات، يري أن من التعقل والحكمة أن يطلب هذه الحماية من القوي، لا من الضعيف، بل عليه أن يبتعد عن الضعفاء والمستضعفين لأنهم جديرون بكل ذم وتحقير. إلا أن هذا المنحي في التفكير يصاحب الانسان الجاهل الذي قلّت تجربته، وهزلت تربيته، ونال من التهذيب أقله، ونسي ما وهبه اللّه من الجرأة والشجاعة، وتخلّي عن الكرامة والعزّة والمنعة. أما إذا كان الانسان قد بلغ هذه المنازل من مراحل تكامله ، فإنه لا ينضوي إلاّ تحت راية الحق والعدل، سواء أكان ضعيفاً مستنضعفاً أم قوياً حاكماً. قلنا : ان هذا الاتهام علي وجه العموم، لا يزيد علي كونه دعوي، لأننا نجد بين أهل السنة أناساً لا يقدرون علي بن أبي طالب ( عليهالسلام ) أجل التقدير فحسب، بل يرونه أعلم الصحابة وأفضلهم، ويري أكثرهم في يزيد ظالماً ، و في الحسين ( عليهالسلام ) وأصحابه مظلومين مضحّين، ويتبرأون من بني أمية وبني العباس الظالمين ومن الحجّاجين القتلة، ولا يثنون علي قاتلي الشهداء الشيعة الأربعة ، ولا يعتبرون أولئك المجرمين في عداد أهل السنة، بل من المتظاهرين بتبعيتهم للتسنن، كما أنهم يضعون فتاوي الامام الصادق في مصاف فتاوي أبي حنيفة ومالك، ويريدون ــ أهل مصر علي الأقل ــ أن يكون في جامعاتهم مقاعد للفقه الجعفري، كَمَا انَّ بعضَ كَتُبِ الشيعةِ يطبعُ وينشرُ هناكَ. والاتهام الموجّه إلي الشيعة أيضاً لا صحة له، فهم يثقون في نهج البلاغة ، بكُلّ محتواه وما فيه من بيان لعلائق علي بن أبي طالب ( عليهالسلام ) الحميمة مع الخلفاء الثلاثة، ويعتبرونـه أخا القرآن، وإذا وجدوا حديثاً في كتب الحديث يختلـف مع ما في نهـج البلاغـة، يقدمون الأخذ بما فيه علي ما في غيره، وهم يشرحونه ويدرسونه. إن أمثال هؤلاء بين الشيعة وأهل السنة هم اناس مسلمون، ملتزمون، أحرار، يتمتعون برؤية واضحة، وببعد نظر، و يتَّصفوون بالاخلاص وبتجنب الرياء، وبالشجاعة والنقاء، تقدموا بكل جرأة لتحطيم تلك السلاسل التي قيد بها أباؤهم ومعلموهم ومجتمعاتهم وأفكارهم وحرية آرائهم، فراحوا يتنفسون هواءً نقياً في جَوٍّ حُرٍّ، بعد أَنْ أزاحوا عن صدورهم قيود التقليد والتبعية. إن أمثال هؤلاء الناس لا تميل بهم مضان العيش والأهواء الدنيوية إلي هذه الجهة أو تلك بكامل وعيهم وارادتهم. أنهم سواء أكانوا من الشيعة أم من أهل السنة، عندما يفكرون في الاختلاف بين المذاهب لا يغرب عن بالهم أنهم لو كانوا قد تَرعرعوا في في محيط المذهب الآخر لفكروا في البداية مثلما يفكر محيطهم، لذلك فهم يدرسون اختلافات المذاهب مع أخذ هذه الفكرة بنظر الاعتبار، وهم، بذلك، يبعدون أنفسهم عن محيطهم الاجتماعي إلي فضاء حُرّ غير ملوث . إن هؤلاء الأحرار الشرفاء الشجعان يعلمون جيداً أنَّ دينَ اللّهِ واحدٌ ونقيٌّ ولا يتخذ لوناً معيناً. أما هذه الألوان والاتجاهات والاختلافات والثنائيات، فهي إما من صنع التعصب والأنانية، وإما من صنع الذين لا يهمهم أن ينالوا لقمة عيشهم بطرق غير شريفة، وإما من صنع التزوير الاستعماري المستغل. إنهم يقولون :ألا يكفي أَربعةَ عَشَرَ قرناً من النزاع والخصام والتقاتل بين الأُخوة؟ ما الذي نالوه من اجترار هذه الإِختلافات سوي تحقيق أهداف العدو، وسوي اضعاف أنفسهم والخضوع للأجنبي فإلي متي ؟ لماذا يجب أن يكون نوم الانسان أثقل من نوم الفيل والأرنب ؟وإذاكانت هذه الاتهامات والحسّاسيات تجاه الاختلافات سائدة بين آبائنا وأجدادنا، فإن المسلمين اليوم قد استيقظوا من نومهم ووعوا، فلا هم يتقبلون هذه الاتهامات، ولا هم ينسبونها إلي هذا وذاك. إنهم يدركون اليوم إذا كانوا يريدون الانتصار علي عدوهم المشترك، فليس أمامهم سوي الوحدة والاتفاق، وأنهم إذا تنادوا بالاخوة في الظاهر وظلت رائحة تبادل الاتهامات تفوح من داخلهم، فلن يكون هناك أي اتحاد حقيقي، ويكون من الصعب التغلب علي العدو، بل قد يكون مستحيلاً. إن من مخططات العدو الماكر هو أَنْ يبادرَ في الدول الّتي يعيش فيها الشيعة إلي جانب أهل السنة إلي منح أحد الفريقين امتيازات خاصة في الحياة وفي المجتمع، ثم يجلس ينتظر النتائج. فإذا لم يكن بين الفريقين وحدة حقيقية، لا يعترض الفريق المتميز علي منحه تلك الامتيازات دون الفريق الآخر، وعندئذ يقوم جمع بأنفسهم أو بتحريض من العدو، بالتحرش والخصام. إن ما نريد أن نخلص إليه مما قلناه في هذه المقالة، هو أن أميرالمؤمنين علي ( عليهالسلام )يؤكد علي المسلمين ويكرر توكيده، بأن عليهم أن لا يثيروا الكلام عن الاختلافات الّتي وقعت بين قادة المسلمين قبلَ أربعةَ عَشَرَ قرناً ، ناهيك عن الاختلافات التي حصلت بعد ذلك.يقول علي( عليهالسلام ):..كانت أثرة شَحَّتْ عليها نفوسُ قوم، وَسَخَتْ عنها نفوس آخرين، والحكم للّه والمعود إليه يوم القيامة...أي ليس لكم أن تحكموا عليهم مَنْ مِنْهُمْ في الجنة وَمَنْ مِنْهُمْ في النار، بل عليكم أن تعنوا بمسائل يومكم، فتناول تلك المسائل القديمة لا ينفعكم في شيء، إلّا لعدد محمدود من الباحثين المحققين المؤرخين ـ لاننا لاستنباط النتائج من أحاديث الرسول ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) لابُدَّ من الرجوع إلي رواة موثوق بهم وهم اليوم الفقهاء ورجال الفتيا ومراجع التقليد، كما أن الابقاء علي حقائق التاريخ يقتضي الركون إلي عدد معين من المحققين والمؤرخين المعتمدين، و هم الذين قصروا جهودهم علي أبعد من القرن والقرنين، حتي أوصلوها إلي أربعةَ عَشَرَ قرناً خلتْ. علي المسلمين، باستثناء المجموعتين المذكورتين، أن لا يلقوا بالاً إلي من يخالفهم في معتقداتهم الخاصة، وأن لا تغلبهم الحساسيات. علي كُلِّ مسلم أن يؤمن بأنَّ الآخرين أفراد من البشر مثله، ولهم مثل ما له من الأفكار والأراء، وهم أحرار مثله في اختيار مذاهبهم، وكما أنه قد اختار مذهبه علي أساس من الأدلة الدامغة المسلّم بها عنده ويراه هو المذهب الصحيح السليم، فإن الآخرين أيضاً يرون أن مذاهبهم تؤيدها الأدلة القاطعة المصيبة. وهذا ما يدعيه العلماء من الطراز الأول من كلا الطرفين، و بعد البحث والنقاش الطويلين، يقولون : «وإنّا أوْإيّاكُمْ لَعَلّي هُديً أو في ضَلال ٍ مُبينٍ»48، مثل مباحثات السيد شرف الدين والشيخ سليم المصري، ولا فرق بين الاختلاف في الخلافة والامامة، والاختلاف في المسائل العلمية الأخري. هدانااللّه و جميع المسلمين إلي الصراط المستقيم*
* مُستلهم من مجلة «المشكوة» الفارسية، العدد2 / ربيع 1362 ه·· ش .
1. نهج البلاغة ، صبحي الصالح، الخطبة 152 ص 212.
2. سورة آل عمران، الآية : 103.
3. سورة الأنفال، الآية : 46.
4. سورة الحجرات، الآية : 10.
5. سورة الأنبياء، الآية : 92 و سورة المؤمنون، الآية : 53 .
6. صحيح البخاري ، أدب، 37، و صحيح مسلم ص 66، و مسند أحمد بن حنبل، ج 4 ص 270.
7. اصول الكافي ، ج 2 ص 163 .
8. صحيح البخاري ، باب الفتن، ص 2 وصحيح مسلم، باب الامارة، ص 53.
9. صحيح البخاري ، ج 1 ص 11، و سنن أبي داود، ص 50 وموطأ مالك، ص 7، ومسند أحمد، ج 2 ص 445 .
10. سورة آل عمران ، الآية : 103.
11. نهج البلاغة ، الخطبة 96 ص 141.
12. المصدر نفسه، الخطبة 231 ص 353.
13. المصدر نفسه، الخطبة 1 ص 44.
14. المصدر نفسه، الخطبة40، ص 82 .
15. المصدر نفسه، الخطبة 216 ص 333.
16. المصدر نفسه ، الخطبة 192 ص 296 .
17. سورة الأنفال، الآية : 63.
18. نهج البلاغة ، الخطبة176 ص 255.
19. المصدر نفسه.
20. المصدر نفسه، الخطبة 127 ص 184 .
21. سورة البقرة، الآية 191.
22. نهج البلاغة ، الخطبة 147 ص 205 .
23. المصدر نفسه ، الخطبة 30 ص 73.
24. المصدر نفسه، الرسالة 45 ص 417.
25. المصدر نفسه، الخطبة 40 ص 83 .
26. المصدر نفسه، الخطبة 156 ص 218 .
27. المصدر نفسه، الرسالة 55 ص 447 .
28. « همبستگي مذاهب إسلامي» عبدالكريم بي آذار الشيرازي، ص 207 ، نقلاً عن مجلة«رسالة الاسلام » السنة الثالثة، العدد 4 ص 434.
29. نهج البلاغة ،الرسالة 78 ص 466.
30. المصدر نفسه ، الخطبة 3 ص 50.
31. المصدر نفسه ، الخـطبة 162 ـ ص 231.
32. مثل : جبل طارق يصل بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وقناة السويس بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وباب المندب بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، ومضيق هرمز بين الخليج الفارسي وبحر عُمان، ومضيق ملقا بين المحيط الهندي وبحر الصين، ومضيق البسفور بين البحر الأسود وبحر مرمرة ، ومضيق الدردنيل بين بحر مرمرة وبحر إيجة (جانب من البحر الأبيض المتوسط).
33. نهج البلاغة ، الخطبة 193 ص 305.
34. « الغرر والدرر» للآمدي ، شرح آقا جمال الخوانساري 2 / 298.
35. المصدر نفسه 2 / 497 .
36. المصدر نفسه331 .
37. المصدر نفسه2 / 266.
37. المصدر نفسه2 / 266.
38. المصدر نفسه3 / 403.
39. المصدر نفسه4 / 329 .
40. المصدر نفسه 4 / 66.
41. المصدر نفسه 5 / 193 .
42. المصدر نفسه 4/ 144.
43. المصدر نفسه4 / 339.
44. المصدر نفسه 1 / 339.
45. نهج البلاغة، الخطبة 134، والخطبة 146 ، والحكمة 270.
46. المصدر نفسه، الحكمة 270.
47. المصدر نفسه، الخطبة 164.
48. سورة سبأ، الآية : 24.