العوامل المؤثرة في ازدهار العلم في الحضارة الاسلامية اللامعة
الدكتور مهدي گلشني تقديم
الحضارة، بمفهومها العام، تشمل مجموعة العلوم والفنون والقوانين والآداب والرسوم والعادات التي تميز الحالة الفكرية والسياسية والإقتصادية والصناعية وساير المظاهر المادية والمعنوية في حياة أمة من الأمم ضمن حقبة معينة من الزمان. إنه لمما يؤسف له أن تكون الصورة التي لدينا عن حضارة الأمة الإسلامية منذ صدر الإسلام حتي الآن ــ باستثناء بضعة قرون ــ ليست لامعة. إننا في هذه العجالة نركز أنظارنا علي الفترة اللامعة المذكورة لدراسة العوامل التي أدت إلي ظهورهاوللاعتبار بعظمة الماضي ودروسه في سبيل التقدم نحو إقامة حضارة إسلامية عالمية تتناسب و عصرنا الحاضر.
لا يختلف المؤرخون كثيراً في أن ترجمة الكتب العلمية من اللغات اليونانية والسريانية والفهلوية و غيرها قد أحدثت نهضة علمية في عالم الإسلام، ومن ثم خلال القرون التي تلت ذلك شهد الإسلام ازدهار حضارة لامعة. وإذا كان هناك ثمة اختلاف بين المؤرخين فإنه يدور حول مدي إبداع المسلمين وخلاّقيتهم في العلوم التي وصلتهم من الآخرين. وإذا كان لدي بعض المؤرخين الغربيين القدامي بعض الشك في ذلك .
ففي هذا القرن الأخير تزايد عدد الذين اخذوا يعترفون بخلاقية المسلمين. وكمثال ننقل اليكم ما قاله بريفالت :
لقد قام اليونانيون بالتنظيم والتعميم والتنظير، إلا أن السير الجريء علي طريق البحث والتحقيق، والتقاط المعلومات الإيجابية، والأساليب العلمية الدقيقة، والمشاهدات المفصلة الطويلة والدراسات التجريبية، كانت غريبة علي طبيعة اليوناني. إن ما نطلق عليه اسم العلم قد نشأ في أوربا، نتيجة لروح البحث وأساليب التحقيق الجديدة، و طرق التجربة، والمشاهدة، والوزن، والتوسع فيالرياضيات، مما لم يكن معروفاً لدي اليونانيين، إنما هم تعلموها من العرب.
إن العلم «الجديد» أهم جانب من جوانب الحضارة الإسلامية1.
يعترف جون برنال ان العالم الإسلامي كان ملتقي علوم آسيا وأوروبا، وقد برزت فيه ختراعات، ويقول :
لقد أنقذ المسلمون من العالم القديم شيئاً لم يستطع ارسطو، أن يكمله علي الرغم من نبوغه: الرياضيات والآليات (الميكانيكا).
يبدو أن عظمة العرب تتجلي في كونهم استطاعوا أن يتمثلوا أفضل التراث العقلي البشري الذي صادفوه، دون أن يحدثوا تجديداً لافتاً للنظر. إنهم تمثلوا علم الرياضيات والطب اليوناني ـ وهو ما احتقره الرومان وأهمله المسيحيون ـ فقاموا بعملية تنمية تدريجية وتطبيق عملي لما كان اليونانيون يزدرونه في أفضل الظروف.
لقد اخذوا من الهند العلامات الضرورية «العربية» والعمليات الجبرية التي بدونها لم يكن المحدثون قادرين علي أن يضيفوا شيئاً علي عمل اليونانيين. وفي أسپانيا القرن العاشر خلقوا حضارة لم تكن مقصورة علي العلم وحده، بل استخدموا الفنون في الحياة العلمية. باختصار، كانوا في القرون الوسطي يتمتعون بذلك النوع من الفكر العلمي الصناعي الذي ننسبه نحن اليوم إلي الألمان الجدد. والظاهر أنهم ــ خلافاً لليونانيين ــ لم يحتقروا المختبر والتجربة. في الطب والآلية وجميع الفنون جعلوا العلم في خدمة الحياة مباشرة ولم يعتبروه هدفاً بذاته. أوروبا ورثت منهم ما يعجبنا أن ننسبه الي بيكن، تلك الروح التي تعمل علي حد سواحل الإمبراطورية الإنسانية علي الطبيعة»2.
لقد تسلم المسلمون القيادة العلمية في العالم طوال ستة قرون: القيادة المطلقة خلال 350 سنة و القيادة المشتركة مع المسيحيين خلال 250 سنة. يري جورج سارتون أن المسلمين منذ النصف الثاني من القرن الثاني حتي نهاية القرن الخامس الهجري كانوا القادة بلا منازع، ويميز شخصاً بعينه خلال كل نصف قرن و يطلق اسمه علي تلك الفترة3. مثل :
1. عصر جابر بن حيان (750 ـ 800 ه···)
2. عصر الخوارزمي (800 ـ 850ه·· )، وهو يعتبره من أعظم علماء الرياضيات المسلمين وأعظم رياضي في عصره .
3. عصر الرازي (850 ـ 900ه·· ) الذي يراه أعظم طبيب سريري بين المسلمين، وطليعة أساتذة الكيمياء في عصر النهضة.
4. عصر المسعودي (900ـ 950ه··) ويصفه بأن من أكبر الجغرافيين وجامع للعلوم .
5. عصر أبي الوفاء (950 ـ 1000 ه··) من أكابر الرياضيين المسلمين وكانت له مساهمات مهمة في المثلثات .
6. عصر البيروني (1000 ـ 1050ه··). يري سارتون أنه أعظم عالم مسلم و من أكبر العلماء في جميع العصور. وهو يطلق هذه الصفة علي ابن سينا أيضا، ولكنه يسمي الفترة باسم البيروني .
7. عصر الخيام (1050ـ 1100ه··)، وهو يري الخيام من أعاظم رياضيي القرون الوسطي .
و في القرنين والنصف التالية يعدد اسماء علماء من الطراز الأول، مثل نصيرالدين الطوسي، و ابن رشد، و اين النفيس. ولكن في هذه المرحلة يذخل المسيحيون بأشخاص مثل روجربيكن .
خلال فترة إزدهار الحضارة الإسلامية كانت جميع العلوم المتداولة تحظي بالعناية، والمجتمعات الإسلامية لم تكن متقدمة في العلوم والفلسفة فحسب، بل في الفنون والابداع الفني أيضاً.
ثمة عدد من العوامل كان لها تأثير في ازدهار العلوم والفنون في دار الإسلام و توصل المسلمين إلي التفوق العلمي. وفيما يلي أهم هذه العوامل :
1. تشجيع القرآن والسنة اكتساب العلم
إن الدافع الأول الذي حمل المسلمين علي تعلم العلوم المختلفة من شتي المصادر اليونانية والمصرية والهندية و غيرها هو وصية الإسلام بذلك في جميع الأحوال، والتقدير الذي أولاه لأهل العلم، وقال: «هَل ْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُون َ وَ الَّـذِيـنَ لا يَعْلَمـوُنَ» (الزمر/ 9) وقال رسول الله ( صلياللهعليهوآلهوسلم ):
«من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم»4.
كما قال ( صلياللهعليهوآلهوسلم ): «هلاك أمتي في ترك العلم»5.
و قال الإمام علي« عليهالسلام »:«اكتسبوا العلم يكسبكم الحياة»6
يقول جورج سارتون في كتابه «مقدمة علي التاريخ»:إنني أسأال ثانية، كيف يمكن أن نتعرف علم المسلمين معرفة صحيحة إذا لم ندرك تحوره حول القرآن؟7
2. حث القرآن علي دراس الطبيعة
يكرر القرآن حث الناس علي التدبير والتفكر في أحوال الكائنات ويحذرهم من سطحية النظر إلي آيات الله في الطبيعة:«أفَلا يَنْظُرُونَ إلي الإِبلِ كَيْفَ خُلِقَت ْ، و إلي السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَت ْ، وإلي الجِبال ِ كَيْف َ نُصِبَتْ وَ إلي الأرْض ِ كَيْف َ سُطِحَتْ» (الغاشية / 17 ـ 20) و «قُل ْ انْظُرُوا ماذا فِي السَّموات ِ وَالأَرْض..» (يونس / 101) و «وَكأَيّ مِن ْ آيَةٍ فِي السَّمْوات ِ وَ الأَرْض ِ يَمُرّوُن َ عَلَيْها وَهُم ْ عَنّها مُعْرِضُونَ» (يوسف / 105) .
يقول نالينو بكلام صريح أن ما اجتذب المؤمنون إلي علم الهيئة هو القرآن الذي بحث في منافع الأجرام السماوية وحركتها، ودعا الناس إلي التدبر فيها فيقول:
«العامل الآخر الذي لفت أنظار المتدينين إلي علم الهيئة هو ما جاء في القرآن من آيات تتحدث عن الفوائد التي أودعها الله في الأجرام السماوية وحركتها لمصلحة جميع الناس، داعية الناس إلي أن يتفكروا بعمق في الفيض الرحماني والحكمة الإلهية الكامنة فيها. لذلك فانت تلاحظ في التفاسير الكبري، مثل تفسير مفاتيح الغيب لفخر الرازي، وتفسير نظام الدين الحسن القمي النيسابوري، تفصل، كلما واتتها الفرصة، الكلام علي المسائل الفلكية. ابن يونس، المنجم المصري المشهور المتوفي سنة 399ه·· / 1009م، جمع في مقدمة زيجه جميع الآيات التي تتصل بالأمور السماوية ورتبها ترتيباً جميلاً بحسب الموضوع. كما أن الكثيرين ممن ألّفوا الكتب في التوحيد، اعتقدوا بأن خير الطرق لمعرفة الله وإعظامه هو التفكر في عجائب الخلق وتدبر الحكمة التي أودعها الله في مخلوقاته، إذ إنها جميعاً تدل علي بارئها وسعة علم خالقها8.
3. التحريض علي اكتساب العلم حيثما وجد
يستنبط من القرآن والسنة الإسلامية أن علي المرء أن يأخذ العلم والحكمة حيثما وجدها. يقول القرآن:« فَبَشّرْ عِبادِ الّذِين َ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلُ فَيَتَّبِعُون َ أَحْسَنُه» (الزمر / 18). وجاء في حديث نبوي:« أطلبوا العلم ولو بالصين»9.
وعن علي « عليهالسلام » أنه قال:« العلم ضالة المؤمن فخذوه ولو من أيدي المشركين »10.
في تعليقة المرحوم ميرداماد علي أصول الكافي ءشارة إلي أن تتلمذ هشام بن الحكم علي يد أبي شاكر الزنديق كان امتثالاً لهذا الأمر النبوي القائل: «الحكمة ضالة المؤمن تؤخذ حيث وجدت» 11.
وفيما يتعلق بترجمة الكتب العلمية والفلسفية باللغة العربية في أيام الخلفاء العباسيين، يشير الاستاذ مطهري إلي نكتة لافتة للنظر، ويقول :
«من بين أحاديث أئمتنا وأخبارهم التي لم تن تنظر بعين النقد إلي الخلفاء وتعلن عن انحرافهم وتكرر ذلك...لم أجد حديثاً يعتبر أعمال الخلفاء من البدع وأنهم قد خربوا الأمر بإقدامهم علي ترجمة علوم الكفرة من اليونان والروم والهند وإيران وأدخلوها في دنيا الإسلام، بينما كان هذا من أفعل الوسائل في التنديد بهم لدي العامة من الناس. ولكننا لم نجذ حتي حديثا واحداً يصف عمل الخلفاء هذا بأنه بدعة ومخالف للإسلام.»12
كانت هذه السنة الحسنة، سنة تعلم العلم حيث وجد، من الأمور التي لم يتركها المسلمون، فكانوا يتتبعون العلوم والفنون في مظانها ويستوعبونها،، من دون أن يخالط عملهم هذا، أي تحيز أو تعصب. لذلك استطاعوا أن يستوعبوا في فترة قصيرة من الزمن أغلب علوم زمانهم، وصنفوها في مجموعات تنسجم مع روح الإسلام وسعوا في تطويرها.
يقول جرجي زيدان ما لخصه أن علماء الإسلام كانوا، بكل تواضع، يهرعون إلي العلماء المسيحيين وغير المسيحيين في حرّان ليكتسبوا علومهم13.
أبو ريحان البيروني، الذي عاصر السلطان محمود الغزنوي وابنه مسعود، رحل إلي الهند و عاشر الهنود وتعلم لغتهم وآدابهم وعلومهم وعاداتهم. في كتابه «ماللهند» يقول (بتلخيص):
«كان من الصعب علي أن أدخل في هذا الفرع العلمي وبذل جهدي والبحث فيه...لا أبخل بجهد ولا مال في جمع الكتب السنسكريتية، وحيثما أحتمل وجود مثل هذه الكتب وفي أية نقطة مهما تكن بعيدة إذا سمعت بوجود عالم يستطيع أن يعينني في فهم موضوع أو حل مشكل أرحل إليه أو أدعوه للمجيء إليّ.»14
أبوالريحان، في رسالته «إفراد المقال في أمر الضلال» فيما يتعلق بتعيين الأوقات الشرعية، في رده علي من أنكر استعمال اداة صنعها غير المسلمين، يقول :
لقد حمله جهله علي أن يرفض شيئاً مبنياً علي الأشهر الرومية و يمنع دخوله إلي المسجد بحجة أنهم ليسوا مسلمين.
فقلت له : إن الروم يأكلون الطعام ويسيرون في الأسواق، إذن فلا تتبعهم في هذين.»15
باختصار، من أهم مميزات الثقافة والحضارة الإسلامية هو انفتاحها علي تقبل علوم الآخرين وجعلها منسجمة مع نظرة الإسلام التوحيدية.
إن مما يلفت النظر هو أن الإسلام، في الوقت الذي لا يجيز اعتماد المسلمين علي غير المسلمين ولا توليهم، فإنه يزيل هذا الحاجز فيما يتعلق بتعلم العلم ويجيز اكتسابه من أي مصدر كان ويحث عليه. لذك ففي القرون الهجرية الأولي لم يكن العلماء المسلمون هم وحدهم الذين ينظر إليهم بإجلال وإكبار، بل العلماء غير المسلمين كانت لهم تلك المنزلة أيضاً. عندما توفي أبوإسحق الصابئي، كاتب عزالدولة الديلمي ومن الأدباء المبرزين في عصره. فإن السيد الرضي، بالرغم من علمه بأنه كان ينكر الإسلام، رثاه بقصيده منها:
ما كنت أعلم حطك في الثري أن الثري يعلو علي الأطواد
فنقدوا علي السيد الرضي أنه رثا كافراً، فقال: إني اثنيت علي فضله وكماله، لا جسمه .
4. تشجيع العلماء وتوفير الإمكانات للبحث والتعلم
من عوامل ظهور الحضارة الإسلامية التشجيع والدعم للذين كان الخلفاء والامراء والوزراء وكبار رجال المجتمع يسبغونهما علي أهل العلم وإعدادهم لهم ما يمكنهم من مواصلة الدرس والتدريس والبحث والتحقيق. وفيما يلي أمثلة علي الإجراءات التي كانت تتخذ لترويج العلم :
أ. إعظام العلماء
توكيد القرآن والسنة إعظام العلماء في ذلك العصر الذهبي كان له تأثير كبير، بحيث أن أهل الكتاب كانو موضع الإكبار والإجلال أيضا. كثير من القادة وكبار رجال عالم الإسلام يومذاك كانوا يجتذبون العلماء إليهم بطرق متنوعة، ولم يكونوا يبخلون بشيء في سبيل تكريمهم. إليكم أمثلة من ذلك:
بلغ أبو ريحان البيروني في بلاط قابوس بن وشمگير درجة من التكريم بحيث أنه كان يدخل عليه ويخرج دون اذن منه17.
كان عضد الدولة قد أعد في بيته جناحاً خاصاً للحكماء والفلاسفة لكي يجتمعوا هناك للمباحثة والنقاش 18.
كان علماء الأندلس يتمتعون بمنزلة رفيعة ومحترمة عند الناس.
كانت مدن الأندلس مليئة بالشعراء والأدبا والأطباء وعلماء الطبيعة معروفين بحيث إن اسماءهم كانت تملأ ستين صفحة بحسب بعض الروايات 19.
بعد هجوم المغول علي العالم الإسلامي، كان من الطبيعي أن يتواري العلماء هنا وهناك. في مثل تلك الظروف استطاع الخواجة نصير الدين الطوسي أن يقنع هولاكو المغولي أن يبني مرصداً، وجعله وسيلة لاجتذاب العلماء من دمشق والموصل وقزوين وتفليس وأماكن أخري، فجمع أشهر علماء عصره هناك، مثل قطب الدين الشيرازي، و محي الدين المغربي، و نجم الدين ذبيران القزويني،و أثير الدين الأبهري، و مؤيدالدين العُرَضي الدمشقي وغيرهم، حتي إنه ذعا منجماً صينياً يدعي فامونجي ليقوم بتدريس مباديء اقليدس و المجسطي20 . وقد سعي الخواجة في رعاية حال العلماء، وكان يعزهم ويرفه عنهم حتي أنه أجري لهم المرتّبات من عوائد الأوقاف التي كانت تحت ادارته 21. يقول مؤيدالدين العرضي في مقدمة رسالة يصف فيها مرصد مراغة :
«من بين جميع الناس جمع الله في وجوده [الخواجة نصير الدين]كل الفضائل والمناقب الحسنة وحُسن السيرة والحلم والصبر والحزم وسرعة الخاطر والإحاطة بمختلف العلوم. إنه بعطاياه وهداياه الوافرة جمع أهل العلم حوله وهو أرأف بهم من آبائهم. إننا نعيش تحت ظله عيشة هنيئة مريحة ونفرح لرؤيته. إننا نشكر الله علي أن وفقنا لخدمته وجعلنا مسرورين بفوائده، وعلي الرغم من بعدنا عن الأهل والعشيرة والوطن، فإننا نجد فيه تعويضاً عن كل شيء فقدناه. كل من وجده لم يفقد شيئاً. نسأل الله أن لا يحرمنا منه ويمتعنا بطول عمره. »22
ب. إعانة العلماء ماليا
ًفي تلك الأزمنة كان قضاء حاجات العلماء المالية أو الإعانات التشجيعية من الأمور الجارية في محافل العلم والأدب. إليكم فيما يلي بعض الأمثلة:
سيف الدولة الحمداني عيّن لأبي النصر الفارابي أربعة دراهم كل يوم 23.
السلطان مسعود الغزنوي قرر إثابة أبي الريحان البيروني علي كتابه «القانون المسعودي» حمل فيل فضة. إلا أن البيروني أعاد الجائزة إلي خزينة الدولة قائلاً: «لست بحاجة إليها، فقد أمضيت عمراً في قناعة، وليس من اللائق ترك عادة ألفتها.»24
كان الخواجة نصيرالدين الطوسي قد عيّن مرتّبات كافية من عائدات الأوقاف: التي كانت تحت تصرفه، للعلماء والمعاونين الذين اشتغلوا معه في مرصد مراغة.
ج. إعانة الطلبة مالياً
لقد ساهم في ضمان حاجات الطلبة الخيرون من الناس والحكام والوزراء. وفيما يلي
أمثلة من ذلك:
شيد الشريف الرضي بناية باسم دار العلم وخصصه بالباحثين، موفراً لهم ما كانوا يحتاجون إليه 25.
عند إقامة مرصد مراغة، عين الخواجة نصير الدين مرتّباً للطلبة. ولما هجرت الفلسفة وأهمل الطب، وراح الطلبة يدرسونها في الخفاء، كان يمنح طلابهما مرتباً أعلي من غيرهم، فاقبلوا عليهما يدرسونهما.
د. إنشاء المدارس
من الإجراءات المفيدة التي قام بها الأمراء ورجالات البلد لترويج العلم كان إنشاء المدارس والحوزات العلمية. وهكذا ظهرت في عالم الإسلام حوزات علمية كبري في اصفهان ونيشابور وجرجان وشيراز وبغداد و حلب والموصل ودمشق والقاهرة وقرطبة وغيرها. وهذه أمثلة منها:
أسس المأمون، الخليفة العباسي، بيت الحكمة جمع فيه عدداً من المترجمين لترجمة الكتب الفلسفية كجزء من سياسته، وخصص الأموال للحصول علي الكتب وترجمتها.
أنشأ الفاطميون جامعة الأزهر في مصر، وهيأوا الإمكانات لكل أصحاب المذاهب الإسلامية لتدريس كتبهم. ومن أهم ما قاموا به هو أنهم تكفلوا بدفع مصاريف المعيشة للعلماء لكي ينصرفوا إلي علومهم بفراغ بال .
كانت المدارس الإسلامية في الأندلس حلقة وصل بين أوروبا والعالم الإسلامي، و قد درس عدد كبير من رجال العلم الأوروبيين في تلك المدارس. جلبرت الذي بلغ مركز البابوية سنة 388هـ / 999م، كان قد درس علي العلماء المسلمين في الأندلس 26.
هـ. كثرة المكتبات
من أسباب ازدهار العلم في ذلك الزمان كان توافر المكتبات الكثيرة، فقد قام الخيّرون من الناس بتأسيس المكتبات واوقفوها علي رجال العلم. من أمثلة ذلك:
أسس أبوالقاسم الموصليمكتبة في الموصل كان العلماة يرحلون إليها، والفقراء منهم كانوا يجهزون بالورق والمال 27.
أنشأ الحاكم بأمر الله الفاطمي سنة 395 هـ مكتبة عظيمة في القاهرة باسم دار الحكمة في القاهرة، وكانت فريدة في بابها يومذاك، وكان العلماءيترددون عليها للمطالعة أو الإستنساخ أو استيعاب العلوم، حيث كان الورق والحبر متوافراً فيها28.
ياقوت الحموي، الذي كان في 616 هـ، قبيل حملة المغول، يقوم بالبحث في مرو يصف هذه المدينة بقوله :
تركت هذه المدينة وهي في أفضل الظروف العلمية والإجتماعية. ولولا توقع حملة المغول لبقيت فيها إلي آخر لحظات الحياة. في هذه المدينة عشر مكتبات موقوفة، منها مكتبة الخواجة نظام الملك في مدرسته، ومن حيث الكتب التي فيها لم أجد مكتبة تضاهيها»29.
يقول اليعقوبي عن أيامه (278هـ) إنه كان في بغداد اكثر من مئة وراق حيث كانت تباع الكتب أو يتم استنساخها. هذا إضافة إلي المكتبات التي كانت في المساجد، وكان في أكثر المدن مكتبات عامة تحتوي علي أعداد كثيرة من الكتب يرتادها الطلبة وقتما يشاؤون30.
و. تخصيص الموقوفات لترويج العلوم
من أهم الواردات المالية التي كانت تصرف علي توفير حاجات الحوزات العلمية كانت الموقوفات، إذ كان كثير من الأثرياء يوقفون أملاكهم للأمور الخيرية وخدمة العلم. وفي ذلك يقول بروكلمان في تاريخ الملل الإسلاميه:
« كبار الأثرياء السوريين والمصريين كانوا، مثل نظرائهم العراقيين، يوقفون أملاكهم في طريق الخير وخدمة العلم وصيانته من خطر المصادرة»31.
كذلك كان كثير من الوزراء و المسئوولين يوقفون الموقوفات للصرف علي المدارس، ومن أمثلة ذلك أن :
العزيز والحاكم، الخليفتين الفاطميين خصصا موقوفات للجامع الأزهر.
عند تأسيس النظاميات قام الخواجة نظام الملك الطوسي بإيقاف الموقوفات للصرف عليها. وكانت مدخولات النظامية في بغداد 15 ألف دينار، وأكثر من عشرة آلاف دينار لنظامية اصفهان، وكانت هذه تصرف لشراء الطعام والكساء وتنقلات الطلبة32.
و بحسب ما ينقله أبوالفرج كانت واردات جميع موقوفات بلاد المغول تحت ادارة الخواجة نصير الدين الطوسيو تصرفه، فكان يسد حاجات مدارس هذا البلد. كما أن مرصد مراغة قد بني باموال الموقوفات. يقول شمس الدين العُرضي بن مؤيد الدين إن الخواجة الطوسي اخذ من أموال هولاكو لبنا مرصد مراغة ما لا يعلم حسابه إلا الله تعالي33.
5 . الشعور بالمواطنة العالمية عند العلماء المسلمين
من العوامل الأخري التي أدت الي دعم العلم ورواجه في العالم الاسلامي في تلك الحقبة هو الشعور بالمواطنة العالمية لدي رجال العلم المسلمين. كانوا يعتبرون لبلدان الإسلامية كلها وطناً لهم، فاذا لم يجدوا البقاء في مكان ما يتفق وأهدافهم، أو إذا شاؤوا التعلم من أحد الأساتذة أو مدرسة خاصة، انتقلوا فورا إلي مكان آخر من دارالإسلام، كانوا يرون تقديم الخدمات في أية نقطة كانت خدمة لدار الإسلام برمّته. لقد كانت هذه النظرة ذاتها هي التي تحمل رجال العلم وطالبيه علي تحمل عناء السفر وهجر الديار لكسب العلم، فيحطون رحالهم حيثما وجدوا المكان مناسباً للدرس والبحث واعتبروه وطنهم. جاء في مقدمة ابن خلدون : أن السفر لنيل العلوم العلوم وللقاء كبار العلماء كان لازماً لطلاب العلم لا شك في أن أي عالم حكيم لا يمكن أن يستوعب العديد من الفروع العلمية، أو أن يعرف جميع مسائل علم من العلوم، لذلك، فلكي يتزود طالب العلم بعلم واسع عميق لابد له من السفر ولقيا كبار العلماء علي قدر ما يستطيع34.
إذا كان مكان ما غير مناسب للعمل العلمي فإن الطريق كان مفتوحاً للانتقال إلي غيره. أبوالريحان البيروني الذي ولد في خوارزم بقي فترة من الزمن في بلاط قابوس بن وشمگير، وأمضي مدة في جرجانية عند الأمير عباس الخوارزمشاهي، ومدة أخري عند السلطان محمود و السلطان مسعود الغزنوي. في تلك الفترة الإختلافات فيما بين، قادة الدول الإسلامية لم تمنع العلماء من التنقل فيها، و لم يكن ثمة كلام علي العنصرية والقومية والتبعية. يقول آدم متز عن الحضارة الإسلامية في القرن الرابع:
كان المسلم يستطيع أن يسافر تحت راية الإسلام حيثما شاء ليلتقي مواطنيه المسلمين الذين يعبدون إلاهاً واحداً ويصلّون صلاة واحدة و لهم دين و قانون وسنن واحدة. حق المواطنة كان محفوظاً لكل مسلم بحيث لم يكن لأحد أن يتعرض لحرية أي شخص في تلك الأرض الواسعة أو أن يسترقّه. وهذا ناصر خسرو الذي ساح في كل تلك البلدان في القرن الخامس الهجري (11الميلادي) لم يواجه تلك المشاكل التي كان أحد الألمان يواجهها في القرن الثامن عشر.35
إن التسهيلات التي كانت تهيأ للسياح المسلمين تدل علي الجو الطيب الذي كان سائدا يومذاك. لم يكن الأمر يشبه ما يجري اليوم من أن العالم إذا أراد أن ينتقل من مكان في دار الإسلام إلي مكان آخر فيها يجد أمامه ألف مانع و مانع أو يحس بالغربة. ابن بطوطة يقول في رحلته :
من هناك سافرنا الي مدينة أرضروم التي كانت ايضاً تحت حكم العراق، وهي مدينة كبيرة.. مضيفنا في الخانقاه، اخي تومان، كان شيخاً في الثلاثين بعد المئة من عمره. رأيته يتوكأ علي عصاه، إلا أنه كان ما يزال حاد الذهن ولا ينسي موقيت الصلاة ويؤدي أعماله بدقة، إلا أنه لم يكن قادراً علي الصوم. كان هو بنفسه القائم علي استضافتنا، و قام أولاده بخدمتنا في الحمام. وفي اليوم الثاني عند عزمنا علي متابعة السفر، أظهر عدم ارتياحه لذلك قائلاً إنكم بهذا تهينونني لأن الحد الأقل من الضيافة ثلاثة أيام. فبقينا عنده يوماً ثالثاً احتراماً له.»36
6. سيادة روح التسامح
كانت صفة سعة الصدر وتحمل آراء الآخرين والتزام الإنصاف في التعامل مع الفرق الأخري الإسلامية، سبباً في فتح باب المناظرة بين مختلف الأقوام في دار الإسلام، و التعاون في تطوير العلوم والفنون وتقدمها. كان من سيرة أولياء الدين قبول الحوار الحر مع أصحاب الأديان الأخري. تعامل المسلمين مع غير المسلمين كان قائماً علي أساس الأمر القرآني:
وجادلوهم بالتي هي أحسن، في المسائل العلمية والفلسفية. كانت هذه الروح المسامحة هي التي جعلت الأقوام المختلفة تحس بالأمان وهي تعيش في دار الإسلام ، ولا تتقاعد عن التعاون مع المسلمين في تقدم العلم. يقول جرجي زيدان إن من أسباب سرعة التقدم العلمي والأدبي في العهد العباسي كان قيام الخلفاء به بذل الغاليو الرخيص علي طريق الترجمة ونقل العلوم، من دون تحيز أزاء قومية العلماء والمترجمين ومذاهبهم و عناصرهم ، بل كانوا يحترمونهم و يكرمونهم بكل انواع العون، وكان العلماء المسيحيون واليهود والزردشتيون والصابئة والسامريون يجتمعون في بلاط الخلفاء ويتمتعون بمحبتهم وعطفهم، ذلك السلوك الذي ينبغي أن يكون مثالاً لقادة كل أمة و دين في طلب الحرية ونشر العدالة.37
وهو يقول أيضا: لم يكن الخلفاء العباسيون في عصر النهضة هم وحدهم الذين يسلكون هذا السلوك المحمود، بل كل دولة إسلامية تميل إلي العلم والأدب كانت بالطبع تؤيد حرية الفكر والعقيدة. كان أغلب الأطباء في بلاط الفاطميين في مصر من اليهود والمسيحيين والسامريين، وكانوا يتمتعون بامتيازات علية القوم مثل ساير الناس، فيتسلمون المناصب الرفيعة ويمنحون المرتّبات العالية..38
ارنولد. في كتاب الدعوة إلي الإسلام، يقول :
من كل هذه الأمثلة التي ضربناها علي تسامح المسلمين المنتصرين علي المسيحيين العرب في القرن الاول الهجري والقرون التالية له، نستنتج أن تلك القبائل المسيحية التي تقبلت الاسلام قد ختارته بملء حريتها، وأن العرب المسيحيين الذين يعيشون ألآن بين ظهراني المجتمعات الإسلامية خير برهان علي هذا التسامح.39
مثلا، في دولة سيف الدولة الحمداني الشيعية،لم تكن الفرق السنية وحدها تعيش في رفاه، بل أهل الذمة أيضاً كانوا يتمتعون بكامل الحقوق الإجتماعية ويتكلمون بلغاتهم (الآرامية والسريانية)، ويشاركون في نشاطاتهم الإجتماعية، وأكثر الأطباء كان مسيحيين والعلماء المسلمون وغير المسلمين يشتغلون بتأليف وترجمة كتب الطب والرياضيات والتنجيم والأدب 40.
بالطبع لم تكن دار الاسلام في كل الأزمنة والأماكن من تلك الحقبة علي مثل تلك الخصائص دائماً، بل كانت توجد أماكن يسود فيهاضيق النظر. ولكن حيثما جدت سعة الصدر في التعامل مع العلماء وجدت بؤرة لاجتذاب العلماء المتخصصين .
من الأسباب التي أدت إلي ركود العلم في دار الإسلام في القرن التالية لذلك ذهاب روح التسامح وظهور ضيق النظر بين المسلمين ومع الأقوام الأخري. وقد حمل هذا العلماء والفلاسفة، وحتي أصحاب الفرق المختلفة الإسلامية، علي مهاجمة بعضهم بعضاً وتكفيرهم وتخطئتهم، واضمحلال تبادل الأفكار اللازمة لتطوير العلوم وتعميقها.
بالطبع كانت سيادة سعة الصدر و روح التسامح وتحمل آراء الآخرين جائزة من دون تعريض الدين إلي الخطر.
7. التزام اتباع البرهان
يحذر الإسلام أتباعه من تقليد الإخرين تقليداً أعمي و من التعصب، ويدعوهم إلي الرضوخ للبرهان :
«وَ لا تَقْفُ ما لَيْس َ لَكَ بِه ِ عِلْمٌ...» (الإسراء / 36 )
«وَإذا قِيل َ لَهُم ْ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللّه ُ قالُوا بَل ْ نَتَّبِع ُ ما أَلْفيْنا عَلَيْهِ آباءَنا، أَوَ لَوْ كان َ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُون َ شَيْئاً وزلا يَهْتَدُون َ» (البقرة / 170)
بل في معرض معارضة الكفار يدعوهم القرآن إلي الإتيان ببراهينهم:
«وَمَن ْ يَدْع ُ مَع َ اللّه ِ آخَرَ لا بُرْهَان َ لَه ُ...» (المؤمنون / 117).
«ءَإله مَع َ اللّه ِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُم ْ إن ْ كُنْتُم ْ صادِقينَ» (النمل / 64).
كما أن القرآن يدعو المسلمين إلي المجادلة الحسنة مع أهل الكتاب :
«و َ لا تُجادِلُوا أَهْل َ الكْتِابِ إلاّ بِالَّتِي هيَ أحْسَن...» (العنكبوت / 46).
الامام الصادق ( عليهالسلام ) يفسر في هذه الآية الجدال الأحسن والجدال غير الأحسن 41، ويقول إن الجدال غير الحسن هو أن نرد علي الطرف الآخر بدون برهان، أو أن ننكر عليه حقاً قد يستفيد منه ضدنا. في هذه الحالة نكون مثله، فهو أنكر حقاً ونحن أنكرنا حقاً آخر. إن اتباع هذا المنطق في القرون الهجرية ، الأولي هو الذي سهل البحث الحر بين علماء المسلمين التابعين لمختلف الفرق و غير المسلمين و كان هذا مراً رائجاً، حتي أن شخصاً مثل ابن أبي العوجاء الزنديق كان يخالط المسلمين ويطرح شبهاته، فيرد عليه علماء الإسلام بالاستدلال والبرهان ويدفعون شبهاته. قال الإمام علي « عليهالسلام »مرة:
سلوني فإني لا أسأل عن شيء دون العرش إلا أجبت فيه. فصاح يهودي من العرب: أيها المدعي الجاهل والمقلد الغافل. إن عندي أسئلةأريد أجوبتها. فقام شيعة علي وأصحابه ليوقفوه عند حده، فقال الإمام :
«إن الطيش لا تقوم به حج الله ولا به ظهر براهين الله »42 و ثم قال له الإمام: «سل ما بدا لك».
ونقلاً عن العلامة المجلسي أن المفضل بن عمر دخل مسجد النبي للصلاة. في الوقت نفسه دخل المسجد ابن أبي العوجاء الزنديق وجلس في زاوية، ثم جاء أحد الزنادقة وجلس إلي جانبه، فراح ابن ابي العوجاء يسب الله والنبي ويسهزيء بالمعاد. فغضب المفضل ونهره عن ذلك. فقال له ابن أبي العوجاء: إذا كنت من أهل الإسلام أحادثك، فاذا أثبتّ شيئاً تبعتك. وإذا لم تكن منهم فلا كلام لي معك وإذا كنت من اصحاب جعفر بن محمد الصادق، فانه لايجادلنا مثلما فعلت، فهو يستمع أولاً إلي كلامنا ويصبر حتي ينتهي كلامنا. إن سلوكه يجعلنا نتصور أنه يكاد يقبل ما نقول. ولكنه بكلمات قصار يدلي بحججه بحيث لم تكن نقدر علي الرد عليه. فاذا كنت من أصحابه فكلمنا مثله43.
هذه الأمثلة تدل علي قدرة كبارنا العلمية وينبغي أن يحذو المسلمون حذوها، أي إن عليهم أن يتسلحوا دائماً بسلاح الاستدلال.
هذه السنة الحسنة في المباحثة مع المخالفين استمرت شيئاً فشيئاً بصورة أبحاث كلامية. والواقع إن الأبحاث الكلامية في القرن الثاني الهجري كانت عوناً كبيراً في رواج البحث والتحقيق، حتي أن الخلفاء والأمراء و كبار رجال الدولة اشتركوا في ذلك ودافعوا عنه، مما أدي بدوره إلي تشجيع رواج العلوم العقلية.
في تلك الفترة من ازدهار العلم والفلسفة، كان العلماء والفلاسفة المسلمون يعتقدون أن معيار تمييز الحق من الباطل هو البرهان. ابن سينا يقول :
«من تعود أن يصدق من غير دليل فقد نسلخ عن الفطرة الانسانية»44.
و في كتاب التلويحات يقول شيخ الاشراق:
ولا تقلدني وغيري فالمعيار هو البرهان 45.
ابوالريحان البيروني يقول في نهاية كتابه الآثار الباقية:
ولنختم آخر الكتاب بالحمد لله الذي نصر وهدي وأوضح سبيل الرشد من العمي ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حيّي عن بينة46.
وقال ابن رشد:«إذن علينا أن نلقي نظرة علي نوع نظرة الماضيين إلي الكائنات في العالم، وطريقة استدلالهم علي وفق شروط البرهان، وأن ندقق فيما قالوه وأثبتوه في كتبهم، فنقبل الحق ونفرح به ونشكرهم عليه، ولا نقبل الباطل بعد إذ تبين الحق، وأن نعذرهم.»47
8. طلب البحاثة للحقيقة
من خصائص الإسلام لبارزة وضعه الحق فوق كل شيء، وإيصاؤه المسلمين أن لا يبخلوا بشيء في سبيل الوصول إلي الحق، حتي إن أضر ذلك بهم. جاء في القرآن :
«وَمَن أَظْلَم ُ مِمّنِ افْتَري عَلَي اللّهِ كَذِباً أو كَذَّب َ بِالحَقِّ لَمّا جَاءَهُ» (العنكبوت / 68)
وفي حديث نبوي: «في القلب نور لا يضيء إلا من اتباع الحق»48 ويروي الامام الصادق « عليهالسلام »«إن من حقيقة الإيمان أن ثؤر الحق. وإن ضرك، علي الباطل وإن نفعك»49.
المرحوم المجلس، في بحار الأنوار (ج 70 الطبعة الجديدة) له باب بعنوان إيثار الحق علي الباطل والأمر بقول الحق وإن كان مراً. إن توصية الإسلام هذه باتباع الحق في المعرفة والقضاء كان موضوع عناية المسلمين منذ أوائل التمدن الإسلامي، وأكده معظم رجال العلم والفلسفة، وقالوا إن أساس عملهم في البحث هو طلب الحق، وأوصوا الآخرين باتباع ذلك، وكمثال علي ذلك نشير إلي اقوال بعض العلماء:
ابويعقوب الكندي يقول :
وينبغي أن يكون غرضنا اقتناء الحق من أين أتي فإنه لا شيء أولي بطلب الحق من الحق 50.
الفارابي في كتاب «ما ينبغي أن يقدم قبل تعلم الغلسفة» يقول :
علي استاذ الفلسفة أن يكون حسن الخلق محتاطاً متجنباً الشهرة بحيث أن شهرته تعينه في تحري الحقيقة والعلم فقط. علي استاذ الفلسفة أن يكون محباً لقياس ارسطو [المنطق [لكي يكون دليله المرشد، لا أن يفضل منطق ارسطو علي الحق، ولا أن يكون مبغضاً له بحيث يحمله ذلك علي تكذيب الحق.51
ابوالفضل البيهقييقول:
عندما أقدمت علي كتابه هذا التاريخ التزمت أن يكون ما أكتبه إما عن طريق مشاهداتي له، وإما عن طريق سماعه من ثقة موثق 52
في كتاب «تحقيق ما للهند» يقول البيروني:« لقد ألفت هذا الكتاب في عقائد الهنود ولم أتهمهم مطلقاً بما لا أساس له بالرغم من أنهم يتختلفون عنا ديناً، كما رأيت انني لا أخالف الدين والإسلام إذا ما اضطررت أحياناً إلي الدخول في التطويل والتفصيل لتوضيح الأمر، فإذا كانت هذه المنقولات يشوبها الكفر وينكرها طلاب الحق المسلمون، فإني أقول إن هذه هي عقائد الهنود، وهم أعرف بكيفية رد تلك الاعترافات »53
إن انتقاد البيروني علي الهنود يدور حول كونهم يعتقدون بأن ما يتفق ووجهة نظرهم هو الحق وأنما يخالفها هو الباطل 54، مصداقاً للآية الشريفة: «بَل ْ كَذّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا...»(التوبة / 39) .
ولكن هذا البيروني نفسه الذي يرفض قبول فيزياء ارسطو قبول الأعمي والأصم، ويفتح باب المناقشة مع ابن سينا، يستقبح الذين يرفضون منطق ارسطو لوقوعه في بعض الإشتباهات، فيقول :
بما أن المنطق منسوب إلي ارسطو، وفي آرائه وعقائده أمور لا تتفق والإسلام، لأن اليونانيون والرومان في زمانه كانوا يعبدون النجوم والأصنام، فإن ما قاله قائم علي أفكاره ورؤيته الخاصة، لا علي الدين. إن المتعصبين في زماننا يعتبرون كل شخص ينتهي اسمه بالسين، مثل ارسطوطاليس، كافراً لا دين له..، مع أن التغاضي عمن فيه ذلك، بسبب الغضب، اظهاره علي أنه باطل، والإبتعاد عن الحق بسبب ضلال القائل، يخالف ما جاء في القرآن الذي يقول:
«الذّين يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أولئِكَ الّذِينَ هَداهُمُ اللّه...»55 (الزمر/ 18) و الخواجة نصير الدين الطوسي، في آخر كتاب «مُصارع المصارع» الذي كتبه رداً علي كتاب «المصارعات» للشهرستاني، يقول إنه لم يكتب هذا الكتاب انتصاراً لابن سينا و دحض مصارعات الشهرستاني، بل أراد أن يسير في طريق الحق والإنصاف وأن يبين حقيقة الأمر في هذه المصارعات لكيلا ينخدع الجهلاء بكلام أدعياء العلم56.
9. شمولية العلوم الإسلامية ووحدتها
يؤمن رجال الفكر المسلمون بأن منشأ جميع العلوم هو الله، لذلك كانوا يرون وجود علاقة عضوية بينها، ولم يكونوا يعتقدون بوجود انفصال بين العلوم الدينية الخاصة والعلوم الطبيعية، معتبرين هدف كليهما واحداً، فالعلوم الطبيعية تكشف عن وحدة الطبيعة التي تحكي عن وحدة مبدأ العالم، وهذا هو هدف الأديان. لذلك فقد كانوا يدرّسون جميع العلوم في مكان واحد، وكان بعضهم يتخصصون في يعض العلوم ويجمعون بين الفلسفة والعلوم الطبيعية والحكمة الدينية، ولهم في كل ذلك مؤلفات، كابن رشد في الفلسفة والطب والفقه الاسلامي.
كان هؤلاء يرون نجاح العلوم الطبيعية يكمن في إظهارها وحدة الكائنات، لأن وحدة مختلف مراتب الوجود وترابطها أساس المنظور الاسلامي جاء في احدي رسائل إخوانالصفا:
علي العموم، من الجدير بإخوتنا أن لا يخاصموا أي علم من العلوم، ولا يهملوا أي كتاب من الكتب، ولا يتعصبوا و يتعصبوا ضد أي دين من الأديان، لأن رأينا ومذهبنا يضم جميع المذاهب. ويجمع كل العلوم وذلك لأن مذهبنا عبارة عن التأمل والتحقيق في الكائنات، الحسية والعقلية، من البداية حتي النهاية، ظاهراً وباطناً، عياناً وخفية، ويعين الحقيقةلكونها جميعاً من مبدأ واحد، و علة واحدة، وعالم واحد، و من نفس واحدة، علي الرغم من أنها تحولت إلي جواهر مختلفة وأجناس متباينة، وفروع متفرقة، وفروع متغرقة، وأجراء متغايرة57.
أولئك ــ علي العكس من علماء اليوم الذين يعنون بالبعد الرياضي للقضايا فحسب أو يشستغلون بالفروع الدقيقة جداً من العلم ــ كانوا يسعون إلي الربط بين مختلف العلوم وتصوير صورة منسجمة للطبيعة.
إن الدراسات في الفروع المتوسطة والتي ازدهرت في الغرب في السنوات الأخيرة تذكرنا بالمساعي التي بذلها المفكرون المسلمون في هذا المجال .
المفكرون المسلمون فضلا عن كونهم لم يفصلوا بين العلوم الطبيعية والدين، فإنهم في الأبحاث الخاصة بهذه العلوم لم يكونوا ينظرون إلي النتائج السريعة فحسب بل عنوا بتبيان العالم. لذلك فحتي العلوم التي لم تكن ذات فوائد عملية أو مادية في نظر ذلك الزمان كانت تلقي اهتمامهم، مثل العلوم المحض التي لها مكانتها الخاصة في اميركا وأوروبا و لا تدرس لمجرد فوائدها العملية السريعة. بالطبع، في تلك الأزمنه أجري بعضهم مباحثات حول فوائد بعض العلوم النظرية مثلاً، الجغرافيا الرياضية كانت تعتبر علماً غير نافع، إلا أن ذلك لم تكن مجمعاً عليه لأنهم لم يعتبر والفائدة المادية هي المعيار في اعتبار علم ما مفيداً.
10. اجتهاد العلماء المسلمين في اكتساب المعرفة
من العوامل الأخري في ترويج سوق العلم وعلو درجته في دار الإسلام يومذاك هو الجهد الذي كان يبذله العلماء المسلمون دون كلل، و ذلك لأن الإسلام أوصي بكسب العلم حيثما كان. من أي شخص كان من المهد إلي اللحد. لذلك فإن العلماء المسلمين لم يبخلوا بأي جهد في سبيل الوصول إلي علم أو حل مشكلة علمية أو فلسفية، فلا ظروف المحيط الصعبة، و لا الكهولة وكبر السن، كانت تمنعهم من البحث عن العلم و المعرفة. وفيما يلي نماذج لأمثال هؤلاء الرجال :
محمد زكريا الرازي، في ذكرياته عن أيام شيخوخته و حبه لاكتساب العلم، يقول:
أما حبي للعلم وجهودي في سبيل اكتسابه فليس خافيا علي الذين صاحبوني، فمنذ طفولتي حتي هذا التريخ سعيت جاهداً في سبيل العلم، بحيث إنني كلما عثرت علي كتاب لم اقرأه أو أزور عالماً لم يسبق لي أن رأيته لم يشغلني عن ذلك شيء، علي الرغم من إنني كنت أتحمل في سبيل ذلك الكثير من الخسارة والعناء حتي أحصل علي الكتاب، أو أميز مكانة ذلك العالم ومركزيته. كان لي من الصبر علي ذلك ما مكنني من أن اكتب 20000 ورقة من المذكرات، واشتغلت 15 سنة في تأليف «الجامع الكبير» ليلاً و نهاراً حتي ضعفت عيناي وتيبست إحدي عضلات يدي وتوقفت عن العمل. هاتان العلتان، ضعف الباصرة و ضحف اليد، يمنعانني من القراءة و الكتابة. مع ذلك فانني أقرأ وأكتب علي قدر الإمكان، وأستعين دائماً بأشخاص يقرأون لي و يكتبون مذكراتي.»58
ابو الريحان البيروني كان شديد الولع بالمطالعة والبحث، حتي أنه لم يترك كتاباً أو رسالة بالفارسية أو العربيه أو الهندية أو غيرها قبل أن يقرأه ويعلق عليه. ظل سنوات يبحث عن كتاب كان الرازي قد كتبه عن ماني حتي حصل عليه و راح يقرؤه باشتياق، وما أن انتهي منه حتي آمن بأنه ليس سوي حفنة من الأباطيل، فاستغرب أن ينخدع الرازي، العالم الفاهم، بتلك الأقوال. وصحب ابوالريحان السلطان محمود الغزنوي إلي الهند و مكث هناك بضع سنوات، و بعد تحمل الكثير من العناء استطاع أن يقيم علاقات صداقة مع علماء المنطقة و جلب اعتمادهم بسلوكه وتواضعه، و تعلم السنسكريتيه و علوم الهند وآدابها، وأخذ في تأليف كتابه «ماللهند» الذي ما يزال من أكبر المصادر القديمة عن الهند.
المسعودي، و هو من كبار الجغرافيين المسلمين، ولد في بغداد و رحل إلي سوريا و فلسطين والحجاز وزنجبار وايران وآسيا المركزية والهند حتي بلغ بحر الصين، ثم دوّن مشاهداته في 30 مجلداً تم تلخيصهامرتين واخرجت باسم «مروج الذهب» في اربعة مجلدات. وقد كتب عن الجغرافية النباتية والحيوانية والتاريخية للمدن التي زارها، و شرح عادات أهالي تلك البلاد واديانهم و علومهم وفلسفاتهم .
بالاضاف إلي اتثاف هذا العالم بالاجتهاد والسعي، فإنه كان يشجع تلاميذه علي التفحص والتعمق. يقول أحد تلامذته في وصفه:
كان من عادة الاستاذ الرئيس (رحمه الله) أنه لم يصرب مثلا في كتبه، وإذا فعل أحياناً فبصورة مغلقة وبالفاظ بعيدة عن الفهم. فسألته عن السبب فقال ره :
إن السبب في خلو كتبي من الأمثال هو أن أحمل القاريء علي بذل الجهد بنفسه لفهم ما يقرأء كما هو المنتظر من أصحاب التجربة والتمرين والإجتهاد ممن يحبون العلم أنفسهم. أما اذا كان ممن ليست فيهم هذه الصفات، فلا ينتظر منهم أن يفهموه، وهو سيان عندي59.
الخلاصة
منذ النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، يوم بوشر بترجمة الكتب العلمية في الرياضيات والعلوم الطبيعية و غيرها في دار الإسلام، استوعب المسلمون بسرعة العلوم من الكتب التي ألفها اليونانيون والهنود و الفرس و غيرهم، وأضافوا إليها. عددنا في هذا الفصل العوامل الناشئة من الثقافة الإسلامية والمنظور الإسلامي، مما كان لها تأثير في استيعاب العلوم ووضعها في نص إسلامي و في تطورها عندما فقدت العلوم العقلية أهميتها لأسباب متنوعة، بل وقف الحكام في بعض المناطق ضدها، توقف تطور العلوم الطبيعية أيضا في دار الإسلام. و لكن في ذلك الوقت نفسه الذي أخذ ضوء هذه العلوم يخبو في العالم الإسلامي، تنبه إليها الغرب وأخذ يطورها ويوسعها وجاء بالصناعة والفن وجعل عالم الإسلام محتاجاً إليه.
واليوم، بعد إذ بدأت النهضة في العالم الإسلامي للعودة إلي الأصالة الإسلامية ورفعة الأمة الإسلامية، يلزمنا أن ندرس أسباب بزوغ الحضارة الإسلامية المشرقة وأفولها دراسة عميقة لإزالة ما يحول دون نمو العلم وتطوره في دار الإسلام، ولتوفير متطلبات قيام حضارة إسلامية لامعة أخري مما يتناسب وإمكانات العصر الحاضر وجدير به.
1. M.Iqbal, The Recanstruction of religious Thought in Islam, Lahoure, Ashraf Press, 1960, pp. 130, 131 .
2. J.H, Randall, The Making of the Modern Mind, Now York, Columbia University Press, 1976, p. 208.
3. G, Sarton Introduction to the History of Science, Baltimore Carnegie Institution of Washintong, 1927, pp, 520 783
4. باقر شريف القرشي، النظام التربوي في الاسلام، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1399ه··، ص 188 .
5. المصدر نفسه، ص 185 .
6. عبد الواحد العماري التميمي، غرر الحكم و درر الكلم، تصحيح السيد مهدي رجائي، قم، دار الكتاب الإسلامي، 1410 ه··، ص 150.
7. G. sarton, Iroduction to the History of Science, vo1. 1, baltimore, The Willams & Wilkins co., 1927, p. 1.
8. كارلو الفونسـو تاليتـو تاريـخ التنجيم الاسلامي، ترجمة احمد آرام، طهران، مطبعة بهمن، 1329ه·· .ش، ص 288. 289 .
9. محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج 1، بيروت، دار احياء التراث العربي، 1403ه·· ص 180.
10. ابو عمر بن يوسف بن عبد البر القرطبي، جامع بيان العلم وفضله، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، 1415 ه·· ص 122 .
11. مير داماد، تعليق علي الكافي، قم، سيد مير دامادي، 1403 ه··، ص 171.
12.مريضي المطهري، تعليم و تربيت در اسلام، طهران، انتشارات صدرا، 1367 ه·· .ش. ص 278. 13. جرجي زيدان، تاريخ التمدن الاسلامي، ترجمة علي جواهر الكلام، طهران، مؤسسة طبع ونشر امير كبير، 1345 ه··، ص 586.
14. بررسي هايي در باره ابوالريحان بيروني، بمناسبة الذكري الألفيه لولادته، طهران، المجلس الأعلي للثقافة والفن، 1352 ه··، ص 19.
15.ابوالريحان البيروني، «إفراد المقال في أمر الضلال» رسائل البيروني، حيدر آباد الدكن، جمعية دائرة المعارف العثمانية، 1948، ص 7 ـ 36.
16. الشريف الرضي، «ديوان الشريف الرضي»، قم دفتر انتشارات إسلامي، 1361 ه··. ش. ص 101. 102.
17. علي اصغر الحلبي، «تاريخ فلاسفه ايراني»، طهران، كتابفروشي زوار، 1361 ه··. ش. ص 256.
18. نفسه، گزيده متن «رسائل اخوان الصفا وخلان الوفاء»، طهران، كتابفروشي زوار، 1360 ه··. ش. ص 23 .
19. ويل دورانت، «تاريخ الحضارة» الكتاب الرابع (عصر الإيمان، الفصل الثاني: الحضارة الإسلامية، طهران، انتشارات اقبال، 1343 ه··. ش. ص 256.
20. السيد حسين نصر، «علم وتمدن در اسلام» ترجمة احمد آرام، طهران، نشر انديشه، 1350ه··. ش. ص 70.
21. جلال الدين همائي، «تاريخ علوم إسلامي»، طهران، سازمان قلم، 1363 ه··. ص 138.
22. عبدالله النعمة، «فلاسفة الشيعة» ترجمة السيد جعفر غضبان، طهران، سازمان انتشارات وآموزش انقلاب إسلامي، 1367 ه·· .ش. ص 290 و291.
23.ابن أبي أصيبعة، «عيون الأنباء في طبقات الأطباء»، بيروت، دار مكتبة الحياة، 1965، ص 604.
24. ذبيح الله صفاء، «أحوال وآثار ابو ريحان بيروني»، طهران، انتشارات اداره كل نگارش وزارت فرهنك وهنر، 1352 ه··. ش. ص 57 .
25. باقر شريف القرشي(المصدر السابق) ص 231.
26. علي عبد الله الدفاع، «الموجز في التراث العلمي العربي الاسلامي» نيويورك، جون وايلي واولاده، 1979، ص 216.
27. عبدالرحيم غنيمة، «تاريخ الجامعات الإسلامية» ترجمة نور الله كسائي، طهران، انتشارات يزدان، 1364 ه··. ش، ص 92.
28. المصدر نفسه، ص 94 و 95.
29. المثدر نفسه، ص 20.
30. ويل دورانت، المصدر السابق، 1366ه··. ش، ص 304.
31. عبدالرحيم غنيمة، المصدر السابق، ص 304.
32. احمد شلبي، «تاريخ التعليم في الاسلام» ترجمة محمد حسين ساكت، طهران، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، 1361 ه. ش، ص 288.
33. محمد تقي مدرس رضوي، «أحوال وآثار نصير الدين»، طهران، انتشارات بنياد فرهنگ ايران، 1354 ه··. ش، ص 49.
34. احمد شلبي، المصدر السابق، ص 253.
35. آدم متز، «الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري» ترجمة علي رضا ذكاوتي قراگوزلو، ج 1، ص 15، طهران، انتشارات امير كبير، 1362 ه··. ش.
36. رحلة ابن بطوطة ترجمة محمد علي موحد، ج 1 ص 330و 331، طهران، مركز انتشارات علمي وفرهنگي، 1361 ه··. ش.
37. جرجي زيدان، المصدر السابق، ص 582.
38. المصدر نفسه، ص 586.
39. عفيف عبد الفتاح طبارة، «روح الدين الاسلامي»، بيروت، دار العلم للملايين، بدون تاريخ، ص 288.
40. مصطفي الشكعة، «سيف الدولة الحمداني او مملكة السيف وذولة الأقلام»، بيروت، عالم الكتب، 1397 ه··، ص 169. 170و 223 ـ 225.
41. احمد الطبرسي، «الاحتجاج»، ج 1 ص 21 و 22، مشهد المقدسة، نشر المرتضي، بدون تاريخ .
42. محمد باقر المجلسي، المصدر السابق، ج 57 ص 231 و 232.
43. صدر الدين الشيرازي، «الحكمة المتعالية في الأسفار الاربعة العقلية»، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ص 364.
45. شهاب الدين يحيي السهروردي، «مجموعة مصنفات شيخ الإشراق»، ج 1 ص 121، طهران، مؤسسة مطالعات و تحقيقات فرهنگي، 1372ه··. ش.
46. ابو الريحان البروني، «الآثار الباقية عن القرون الخالية»، لايبزيك Deutsche Morgent Gesllschaft، 1923، ص 362.
47. محمد بن رشد، «فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الإتصال»، ترجمة السيد جعفر السجادي، طهران، انجمن فلسفة ايران، 1358 ه··. ش، ص 37.
48. محمد باقر المجلسي، المصدر السابق، ج 2 ص 265.
49. المصدر نفسه، ج 70 ص 106.
50. ماجد الفخري، « تاريخ الفلسفة الاسلامية» المترجم العربي كمال اليازجي، بيروت ، الجامعة الاميركية 1979، ص 111، المصدر السابق.
51. علي اصغر حلبي، المصدر السابق، 1361 ه·· ش، ص 106.
52. أبوالفضل البيهقي، «تاريخ البيهقي»، تصحيح علي أكبر فياض، طهران، انتشارات دانشگاه، 1356 ه··. ش، ص 905.
53. السيد حسين نصر، المصدر السابق، ص 251.
54. علي الشابي، «زنديگينامه بيروني» ترجمة پرويز اذكايي، طهران، انتشارات وزارت فرهنگ و هنر، 1352 ه··. ش، 119.
55. المصدر نفسه، ص 89.
56. نصير الدين الطوسي، «مصارع المصارع»، طهران، مكتبة آية الله المرعشي العامة، 1405ه··. ص 201 و 202.
57. علي اصغر حلبي، المصدر السابق، 1360 ه·· ش، ص 36.
58. عبةالله النعمة، المصدر السابق، ص 313.
59. علي الشابي، المصدر السابق، ص 122.