التبري تطبيق القوانين الإسلامية الحريات الإسلامية خطبة الرسول (صلّى الله عليه وآله)
توضيحات للخطبة المباركة
شهر رمضان، مناسبة عبادية وعقائدية، ومناسبة للتعرف على القوانين الإسلامية التي سنها الباري عزوجل لعموم البشر، ومناسبة لتركيز المسلم جهوده للاستفادة منه بأكبر قدر ممكن، ويمضي كراس (الاسلام وشهر رمضان) في نفس هذا الاتجاه لعرض الإسلام بعقائده وقوانينه ومن ثم استجلاء أسباب اختصاص هذا الشهر الكريم بهذه الفضائل عن طريق خطبة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وشرحها الذي تفضل به سماحة السيد المؤلف وعلّق عليها، وتضمن هذا البحث العناوين التالية:
الاعتقادات، العبادات، تطبيق القوانين الإسلامية، الحريات الإسلامية، خطبة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتوضيحات للخطبة المباركة..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله الدائمة على أعدائهم إلى يوم الدين.
أما بعد.. فان شهر رمضان المبارك شهر صيام وصلاة وطهارة ونزاهة وقداسة وتقوى.
فعلى الإنسان ان ينظف نفسه حسب المستطاع، وذلك بتصحيح اعتقاداته وأعماله، والله المستعان.
الكويت
28 شعبان 1391 هـ
محمد الشيرازي
والعقائد الإسلامية هي:
التوحيد
أولاً: الاعتقاد بالله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، خلق الكون وبيده أزمة الوجود وهو (عالم) (قادر) (حي) (مريد) (مدرك) (قديم) (أزلي) (متكلم) (صادق) و(ليس بمركب) و(لا جسم) و(ليس بمرئي) لا في الدنيا ولا في الآخرة و(لا محل له) وانه (ليس محلاً للحوادث) و(لا شريك له) و(ليست صفاته زائدة على ذاته).
العدل
ثانياً: الاعتقاد بان الله عادل لا يظلم أحداً ولا يأمر بالظلم، وان ما نراه من ظلم الناس بعضهم البعض، ليس ظلماً من الله تعالى وإنما ظلم من الإنسان لأخيه الإنسان وسوف ينتقم الله من الظالم ويجزي المظلوم إما في الدنيا وإما في الآخرة.
وكذا ما نراه من الأمراض والأعراض التي ليس للانسان دخل فيها والتي تأتي من قبل الله سبحانه، فهي ليست ظلماً من الله، فتكون للمؤمن رفع درجات أو كفارة سيئات، ولغير المؤمن عقاباً أو أن ذلك لأجل التخفيف من العقوبة في الآخرة، وكذلك ما نراه من فقر بعض الناس فهو إما بسبب ظلم الناس للفقير حيث منعوه حقه وإما لما ذكرناه في قولنا عن الأمراض والأعراض.
وأما ما نراه من الكوارث الكونية كالزلازل والفيضانات مما تؤدي بالانسان وتؤذيه، فانه ينطبق عليه ما ذكرناه آنفاً في قولنا عن الأعراض والأمراض.
النبوة
ثالثاً: الاعتقاد بان الله قد أرسل إلى البشر أنبياء ينقذونهم من الضلالة ويخرجونهم من الظلمات إلى النور، وقد أدى هؤلاء الرسل مهمتهم أحسن أداء، فما نراه في عالم اليوم من حضارة وثقافة وزراعة وصناعة وتجارة ومدنية ونظام، انما كلها من آثار الرسل، ولولاهم لكان البشر لا يرون مواضع أقدامهم، كما ان ما حرف البشر من مناهج الرسل قد سبب انحراف الحضارة والمدنية عن الطريق السوي فأولد مشاكل للناس، فمثلاً يقر القانون الاسلامي ان (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم)(1)، فالذي نراه من كبت وتأخر فانما هو نتيجة عدم تطبيق هذه القاعدة في بعض جوانب الحياة.
وأول هؤلاء الرسل آدم(عليه السلام) وآخرهم نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
الإمامة
رابعاً: الإعتقاد بأن الرسول الكريم محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد عين بأمر من الله تعالى اثني عشر خليفة من بعده:
أولهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وبعده الإمام الحسن ابن علي، ويتلوه الإمام الحسين بن علي، ومن بعده ابنه زين العابدين علي بن الحسين، ويتلوه ابنه محمد الباقر بن علي زين العابدين، ومن بعده ابنه جعفر الصادق بن محمد الباقر، ومن بعده ابنه موسى الكاظم ابن جعفر الصادق، ويتلوه ابنه علي الرضا بن موسى الكاظم، وبعده ابنه محمد الجواد بن علي الرضا، ويتلوه ابنه علي الهادي بن محمد الجواد، ومن بعده ابنه الحسن العسكري بن علي الهادي، ومن بعده ابنه محمد بن الحسن العسكري(صلوات الله عليهم أجمعين)، ومحمد هذا هو المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الذي سيظهر من آخر الزمان ليملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً بعد ان ملئت ظلماً وجوراً، وهو حي في دار الدنيا يدخره الله لنصرة دينه ونصرة الإسلام الذي سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وهؤلاء الأئمة الأطهار الأحد عشر كجدهم رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأمهم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء، وأبيهم علي بن أبي طالب معصومون من كل خطأ وسهو ونسيان، ويجب اطاعتهم ويسعد الناس في الدنيا وفي الآخرة بولائهم، سلام الله عليهم أجمعين.
المعاد
خامساً: الاعتقاد بان الإنسان إذا مات فانه سيجيء في يوم المعاد ليحاسبه الله تعالى على ما عمل في دنياه، فان كان مؤمناً عاملا بالشريعة دخل الجنة، وإذا كان كافراً أو عاملاً بالمعاصي دخل النار.
ويلزم الاعتقاد بأن الإنسان إذا مات قامت قيامته، وان روحه يبقى حياً إما في نعيم وإما في جحيم، وان القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النيران.
لذلك فانه يجب على الإنسان ان يجعل في حسابه ذلك اليوم عند كل عمل يعمله، فكما ان الطالب في المدرسة يتعب عشرين سنة أو أكثر لأجل ان يتخرج طبيباً أو مهندساً ويستريح بعد ذلك، فان على الإنسان العاقل ان يتعب باتيان الواجبات وترك المحرمات لأجل ان يسعد ما بعد الموت ويستريح بعدئذ فانه لا رجعة إلى الدنيا بعده، وقد دل العلم الحديث (بالتنويم المغناطيسي) و(التحضير) على بقاء الروح، كما فصل الأمر حوله في كتب حديثة كثيرة.
1 ـ راجع غوالي اللئالي: ج1 ص222 الفصل التاسع وفي ص457 المسلك الثالث، وفيه: (الناس مسلطون على أموالهم).
كذلك فان على المسلم تعلم المسائل الشرعية العبادية منها وغير العبادية، أي ما يتعلق من هذه المسائل بالعبادات وما يتعلق بغيرها خاصة في شهر رمضان المبارك، فالإنسان مسؤول عن المسائل التي يتعرض لها ويبتلى بها.
وعبادات الإسلام هي:
الصلاة
أولاً: الصلاة، والصلوات كثيرة، أهمها الصلوات اليومية وهي:
1ـ صلاة الصبح، ركعتان.
2ـ صلاة الظهر، أربع ركعات.
3ـ صلاة العصر، أربع ركعات.
4ـ صلاة المغرب، ثلاث ركعات.
5ـ صلاة العشاء، أربع ركعات.
ومن مقدمات الصلاة الطهارة وهي (وضوء) و(غسل) و(تيمم).
الصوم
ثانياً: الصوم وهو واجب ومندوب، والصوم الواجب أقسام، أهمها صوم شهر رمضان، ويجب الامساك فيه من الفجر الصادق إلى المغرب الشرعي عن مفطرات عشرة هي:
1. الأكل.
2. الشرب.
3. الجماع.
4. الاستمناء.
5. البقاء على الجنابة إلى الفجر.
6. ايصال الغبار الغليط إلى الحلق.
7.القيء.
8. الارتماس في الماء.
9. الحقن بالمانع.
10. الكذب على الله تعالى ورسوله والأئمة من آله صلوات الله عليهم أجمعين.
الخمس
ثالثاً: الخمس، وهو ان يخرج الإنسان خمس أمواله التي ربحها والتي تزيد عن مؤنة سنته، فيسلمه إلى المجتهد أو وكيله.
والخمس نصفان:
أحدهما: يسمى (سهم الإمام) ويصرفه المجتهد في الأمور الدينية.
والنصف الآخر: يسمى (سهم السادة) ويصرفه المجتهد على السادة الفقراء المتدينين، ويرى بعض الفقهاء انه يصح ان يعطي المرء نفسه حق السادة إلى من يستحقه دون مراجعة المجتهد.
ويجب الخمس أيضاً في:
1. المعدن.
2. الكنز.
3. الغوص.
4. غنائم دار الحرب.
5. الحلال المختلط بالحرام.
6. الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم.
ولو ان الناس أدوا الخمس تماماً لقامت المشاريع الإسلامية المختلفة كالمدارس والمساجد والمستوصفات ودور العجزة والمكتبات ومدارس العمى، ولكان بالامكان كذلك تأسيس دار إذاعة إسلامية، ونصب محطة تلفزيون إسلامية، ومن المعلوم ان الإذاعة والتلفزيون من أهم وسائل الاعلام.
وكذلك لأمكن ارسال المبلغين إلى مشارق الأرض ومغاربها، ولما بقي فقير واحد، إذ ان الخمس مالية ضخمة تصاعدية تكفي لكل الأمور الاجتماعية المهمة أو معظمها، وبالامكان استثمار الخمس أي المتاجرة به باذن الحاكم الشرعي وعلى أيد أمينة، فتكون الأرباح عندئذ كثيرة وتصرف في المشاريع الإسلامية الحيوية.
الزكاة
رابعاً: الزكاة، وهي مقدار خاص من المال يدفع إلى الفقراء والى المصالح الإسلامية، وتتعلق الزكاة بتسعة أشياء هي:
1: البقر.
2: الإبل.
3: الغنم.
4: الذهب.
5: الفضة.
6: التمر.
7: الزبيب.
8: الحنطة.
9: الشعير.
كما تتعلق الزكاة ـ استحباباً ـ بمال التجارة وبعض الأشياء الأخرى.
ولو ان المسلمين أدوا الحقوق الواجبة والمستحقة والنذورات وما أشبه لقفزوا إلى الأمام فجأة ووصلوا من السمو والرفعة إلى مكان، وهذه الحقوق هي الخمس والزكاة كما ذكرنا.. والكفارات، والنذور، والأوقاف، والهبة، والهدية، والأثلاث، والتبرعات، والصدقات.
الحج
خامساً: الحج، وهو واجب على المستطيع مرة في العمر، والحج عبارة عن عمليتين هما: العمرة والحج، والأعمال فيها كالآتي:
1: جهاد مع النفس بتطهيرها من الرذائل وتحليتها بالفضائل.
2: وجهاد مع العدو وهو قسمان:
أ: (جهاد ابتدائي) ويكون ذلك بغزو بلاد الكفار لأجل إعلاء كلمة الله وإنقاذ المستضعفين من براثن المستغلين والظالمين.
ب: و(جهاد دفاعي)، فيما لو داهم الكفار بلاد المسلمين، فانه يجب الدفاع عندئذ لإجلائهم عن البلاد وصد هجومهم وغزوهم.
ومثل الجهاد الدفاعي (الجهاد الاخمادي) وذلك في حالة ما إذا بغت جماعة من الداخل على الحاكم الشرعي الاسلامي(1) للبلاد فانه يجب الوقوف ضدهم، وليس الجهاد الابتدائي بدفع من حب السلطة؛ وإنما ذلك لأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يمكنه ان ينشر العدل، وهو الدين الوحيد الذي ينعم البشر تحت لوائه بالصحة والسلام والأمن والرفاه والغنى والفضيلة.
ولو أخذ الإسلام بزمام العالم لما كان للمآسي والويلات أثر يذكر، ووصل البشر إلى الثريا والمجرات الأعلى من القمر والمريخ.
الأمر بالمعروف
سابعاً: الأمر بالمعروف الذي أوجبه الاسلام، كالأمر بالصلاة والصيام والأمانة والصدق، كما يستحب الأمر بالمعروف الذي ندب إليه الدين كالأمر بالنوافل والصدقات المستحبة.
وفي القرآن الحكيم:(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)(2).
والأمر بالمعروف له مراتب، أولها تقطيب الوجه، وآخرها الضرب الرادع(3)، كما يجب على الإنسان ان يكون محباً للمعروف بقلبه ومنكراً للمنكر بقلبه.
النهي عن المنكر
ثامناً: النهي عن المنكر الذي حرمه الإسلام ودعا إلى اجتنابه، كالخمر والقمار والربا والزنا والسفور والتبرج والغناء والغش وكبت الحريات والضرائب وتشريع القوانين المنافية للدين والعمل بها.
وان ما نراه اليوم من تأخر المسلمين في كل ميادين الحياة وتسلط أعدائهم عليهم وتبدد شملهم ما هو في الحقيقة إلا لأنهم تركوا النهي عن المنكر ومكنوا للقوانين غير الإسلامية من التفشي في بلادهم، فيجب وجوباً أكيداً على كل مسلم ان يهتم بقلع جذور القوانين الباطلة عن ديار الإسلام، والتمكين للقوانين الإسلامية في الحياة.
قال الله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (4).
ومن المستحب أيضاً النهي عن المكروهات الإسلامية، مثل النوم بين طلوع الفجر وبين طلوع الشمس، والوساخة في البيت واللباس، وسوء الخلق، ومن سوء الخلق ما يصل إلى حد الحرمة.
التولي
تاسعاً: التولي لله ولأوليائه، والمراد اتّباعهم، أما الاعتقاد بهم فذلك داخل في أصول الدين ـ كما تقدم ـ وقد قال الله تعالى: (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون) (5).
وأولياء الله هم: الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) والصالحون، والظاهر ان التولي للمجتهد العادل ـ بتقليده وأخذ فتواه للعمل بها ـ واجب وداخل في التولي.
والتقليد عبارة عن رجوع من يجهل أحكام الإسلام إلى الفقيه الذي عرف الأحكام، ويشترط في المجتهد الذي يقلده المسلم شروط أبرزها: العدالة، أي ان يكون عادلاً بمعنى ان تكون له (ملكة) تحمله على اتيان الواجبات وترك المحرمات، وفي الحديث: (من كان من الفقهاء، صائناً لنفسه حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه)(6).
وحيث ان الإسلام دين شامل لمختلف مراحل الحياة، وفيه السياسة والاقتصاد والحرية والتجارة والزراعة والجيش والدولة والمال وسائر الشؤون التي يحتاج إليها الانسان، وحيث انه دين مرن متطور يواكب التصاعد الحضاري بل يأخذ بالزمام ويتقدم ـ على طول الخط ـ إلى الأمام وباستمرار فان المجتهد المرجع يجيب على كل سؤال، ويتمكن من حل كل مشكلة ويضع التصاميم الصحيحة التقدمية للسلام والغنى والمدنية والحضارة.
التبري
عاشراً: التبرء من أعداء الله وأعداء أوليائه، فالتبري من الملحدين والكفار والمنحرفين واجب اسلامي، وفي القرآن الحكيم: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا ان تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه) (7).
وقال تعالى في آية أخرى: (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم) (8).
فإذا أراد المسلمون الاستقلال والسيادة فاللازم ان يتبرءوا قولاً وعملاً من الكفار، وذلك لا يكون إلا بأن يقطعوا احتياجاتهم عنهم، فقد قال الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) : (احتج إلى من شئت تكن أسيره)(9) كذلك فمن اللازم التكثير من الخبراء والفنيين والعلماء في مختلف شؤون الحياة، كما يلزم تصنيع بلاد الإسلام حتى لا يحتاج المسلم إلى الكافر إطلاقاً.
1 ـ الذي توفرت فيه الشروط الشرعية.
2 ـ سورة آل عمران: 104.
3 ـ بشروط مذكورة في كتب الفقه، راجع موسوعة الفقه: ج48 كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4 ـ سورة المائدة: 44.
5 ـ سورة المائدة: 56.
6 ـ راجع وسائل الشيعة: ج27 ص131 ب10 ح33401 ط آل البيت.
7 ـ سورة آل عمران: 28.
8 ـ سورة المائدة: 51.
9 ـ شرح نهج البلاغة: ج18 ص212.
تطبيق القوانين الإسلامية
كذلك فان على المسلم تطبيق الإسلام في مختلف الشؤون، فالإسلام قد قرر مناهج خاصة لشؤون الدنيا إلى جانب شؤون الآخرة، ومن يرجع إلى الفقه الاسلامي يجد ما ذكرناه جلياً، فالإسلام يقرر قوانين للبيع والرهن والتجارة والاستثمار والنكاح والطلاق والميراث والقضاء، كما في الإسلام قوانين رادعة عن الجرائم.
وفي الجملة فان الإسلام له عشر شعب هي:
1: العقيدة.
2: الأنظمة.
3: العبادات.
4: الأخلاق.
5: الآداب.
6: التاريخ.
7: التفسير.
8: نظرة الإسلام إلى الكون والحياة.
9: السنة المطهرة.
10: الدعاء وما إليها.
ويكفي لمعرفة شمول الإسلام واستيعابه لجميع الشؤون ان نعرف ان الأنظمة الإسلامية ـ وهي المسماة بالفقه ـ نجد المدون منها أكثر من مائة ألف قانون.
الحريات الإسلامية
وقد يظن بعض الناس ان تطبيق الإسلام مشكل، لأن الإسلام كله قيود، والانسان ـ بطبعه ـ ميال إلى الانطلاق، ولأن الإسلام يمنع الشهوات والانسان بطبعه ميال إلى الشهوات.
ولكن هذا الزعم فاسد، فالحريات الإسلامية أكثر ـ بكثير ـ من حريات سائر المبادئ والأديان، وليس ثمة دين أو مبدأ يوفر للانسان عُشر الحريات التي يوفرها له الإسلام، فان عنوان الإسلام (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم)(1) و(الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم) (2).
أما الشهوات فان الإسلام لم يمنع إلا من الفوضى في ممارستها، وإلا فعنوان الإسلام (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبـات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) (3).
و(ان الله جميل يحب الجمال)(4).
والناس انما يميلون إلى الشهوات غير النظيفة وغير المنظمة حيت تسد عليهم وتغلق في وجوهم أبواب الشهوات النظيفة.
1 ـ سورة الأعراف: 157.
2 ـ راجع غوالي اللئالي: ج1 ص222 الفصل التاسع وص457 المسلك الثالث وفيه صدر الحديث فقط.
3 ـ سورة الأعراف: 32.
4 ـ الكافي: ج6 ص438 ح1 وح4، ص442 ح7.
خطبة الرسول (صلّى الله عليه وآله)
وحيث انتهينا من هذه المقدمة الموجزة التي نرجو ان تكون كافية لايقاظ الشباب الذين لم يعرفوا ـ بعد ـ تفاصيل تعاليم الإسلام، فاننا نذكر خطبة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي أوردها في آخر جمعة من شهر شعبان المعظم وبمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك، تلك الخطبة التي يذكر فيها أرفع المعاني الانسانية النبيلة بأجمل الألفاظ وأسمى العبارات وفي أحسن أسلوب، ذلك هو أسلوب النبوة وبلاغة الرسالة.. نسأل المولى تعالى ان يوفقنا لاتباعه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قولاً وفعلاً، والله الموفق والمستعان.
وهذا نص خطبة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حول شهر رمضان المبارك: عن الرضا عن آبائه عن علي (عليهم السلام): (ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خطبنا ذات يوم (في آخر جمعة من شهر شعبان)(1) فقال:
أيها الناس انه قد أقبل اليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة [1]، شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات[2] هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله[3]، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاءكم فيه مستجاب[4].
فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة[5] ان يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فان الشقي كل الشقي[6] من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم[7] واحفظوا السنتكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم[8]، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على ايتامكم[9].
وتوبوا إلى الله من ذنوبكم وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء[10]، في أوقات صلاتكم فانها أفضل الساعات ينظر الله فيها إلى عباده بعين الرحمة، يجيبهم إذا ناجوه ويلبيهم إذا نادوه ويعطيهم إذا سألوه ويستجيب لهم إذا دعوه[11]، أيها الناس، ان أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم[12]، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخففوا عنها بطول سجودكم، واعملوا ان الله أقسم بعزته ان لا يعذب المصلين والساجدين وان لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين، أيها الناس، من فطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه[13].
فقيل: يا رسول الله وليس كلنا يقدر على ذلك فقال [صلّى الله عليه وآله وسلّم]: اتقوا الله ولو بشربة من ماء، واتقوا النار ولو بشق تمرة.
أيها الناس: من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ومن خفف فيه عما ملكت يمينه[14] خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضاً كان له ثواب من أدى سبعين فريضة في ما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.
أيها الناس، ان أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم ان لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة فاسألوا الله ان لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة[15]، فاسألوا ربكم ان لا يسلطها عليكم.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقمت فقلت: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا ابا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله[16]، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ثم بكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقلت: ما يبكيك، فقال: أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد اتبعك أشقى الآخرين يتبع أشقى الأولين، شقيق عاقر ناقة ثمود[17]، فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك فقلت: يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني[18]؟ فقال: نعم في سلامة من دينك.
ثم قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا علي أنت مني كنفسي، حربك حربي وسلمك سلمي، من أحبك فقد أحبني من جفاك فقد جفاني)(2).
توضيحات للخطبة المباركة
وهنا يطيب لي ان أذكر بياناً لبعض ما ورد في الخطبة الواردة آنفاً فأقول:
[1] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (قد أقبل اليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة): البركة هي الثبات لأن خير شهر رمضان المبارك ثابت باق، والرحمة تعني عطف الله على عباده بالإنعام، والمغفرة غفران الله ذنوب العباد.
[2] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ساعاته أفضل الساعات): ليس شيء (كل أو جزء) في غير رمضان يعادل شهر رمضان في الفضل والثواب.
[3] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من أهل الكرامة على الله): الله يزيد في ضيافتهم باسباغ رحمة أكثر عليهم ويكرمهم بالإنعام في هذا الشهر بما فوق الإنعام والرحمة في غيره من الشهور.
[4] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (وعملكم فيه مقبول ودعاءكم فيه مستجاب): العمل في هذا الشهر يقبل بما لا يقبل مثله في شهر آخر حيث يفقد بعض شرائط القبول وكذلك الحال بالنسبة للدعاء.
[5] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (نيات صادقة وقلوب طاهرة): قد ينوي الإنسان الشيء ويظهره ولكنه ليس بصادق فيه، كما يقول (رب ارحمني) لفظاً وينويه قلباً ولكنه لا يطلب الرحمة حقيقة، وقد يكون القلب ملوثاً بالحقد والغل وسوء الظن وما أشبه ذلك.
[6] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (كل الشقي) أي كامل الشقاء.
[7] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (صلوا أرحامكم): الرحم، هو كل من يصدق عليه عرفاً انه رحم ولو كان بينهما وسائط كثيرة.
[8] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (احفظوا ألسنتكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم): كالغيبة والنميمة والهمز والسب والغناء وما أشبه من الحرام، والنظر إلى الأجنبية والأجنبي والنظر إلى عورة الغير وغيره من الحرام، والاستماع إلى الكلام المحرم والصوت المحرم وما أشبه من الحرام.
[9] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يتحنن على أيتامكم): ان لبعض الأشياء آثاراً وضعية فكما ان شرب الدواء أثره الوضعي هو الشفاء، فكذلك العطف على ايتام الناس يكون أثره الوضعي ان يعطف الناس على أيتام الانسان، ونفسه، وقد قال الله تعالى: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم) (سورة النساء: الآية9).
[10] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (وارفعوا أيديكم بالدعاء): ليس الله في مكان دون مكان، وإنما نرفع اليد لأنه دليل الاستكانة والاستجداء كالذي يطلب من انسان فوقه.
[11] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يجيبهم إذا ناجوه ويلبيهم إذا نادوه ويعطيهم إذا سألوه ويستجيب لهم إذا دعوه): ان هذه الأمور مقتضيات، كما نقول مثلاً: ان الدواء الفلاني ينفع المرض الفلاني، فمعناه الاقتضاء لا انه علة تامة للشفاء من هذا المرض، فالعلية التامة لا تكون إلا بارادة الله، وكذلك في بعض الفقرات الأخرى في الخطبة كقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا يعذب المصلين).
[12] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ان أنفسكم مرهونة): يقصد ان نفس الإنسان مرهونة بأعماله القبيحة.
[13] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مغفرة لما مضى من ذنوبه): أي ان افطار الصائم يقتضي ذلك في الجملة وعلى وجه اجمالي.
[14] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ما ملكت يمينه): المراد بما ملكت اليمين هو إما العبيد على وجه خاص، وإما من كان تحت سلطة الإنسان وتحت يده.
[15] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (الشياطين مغلولة): أي ان أيدي الشياطين تغل، ولكن النفس الامارة بالسوء تعمل عملها، فان فعل الإنسان فعلاً سيئاً فكت الشياطين، والشيطان روح شريرة يعمل لإغواء الانسان، وقد ثبت في العلم الحديث وجوده علمياً، انظر كتاب (على حافة العالم الأثيري): للتفصيل الوافي.
[16] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (الورع عن محارم الله): من المعلوم ان الاتيان بالنوافل والمستحبات (السنن) لا يصل إلى مرتبة الاتيان بالواجبات والكف عن المحرمات.
[17] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (عاقر ناقة ثمود): هو الذي عقر ناقة صالح على نبينا وآله وعليه السلام، وانما كان أشقى الأولين لأنه رأى المعجزة بعينه ومع ذلك فقد عاند وتسبب في هلاك نفسه وهلاك الناس.
[18] قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (وذلك في سلامة من ديني): هذا إما على سبيل التعليم للناس بمعنى بيان ان الإنسان ينبغي له ان يكون في فكر دينه للمستقبل، لا في فكر شيء آخر، وإما انه على سبيل التنبيه بمعنـى ان يتنبه الناس إلى ان علياً (عليه السلام) يبقى حتى وفاته واللحظة الأخيرة من عمره وفياً لدينه، وكفى الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شاهداً على ان ما فعله أصحاب الجمل ومعاوية والخوارج باطل وان الحق مع علي (عليه السلام).
* * *
وهذا آخر ما أردنا بيانه في هذا الكتاب.
سبحان ربك رب العزة لما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.