شوری و ولایة الفقیه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شوری و ولایة الفقیه - نسخه متنی

قاسم ابراهیمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید











الشوري وولاية الفقيه

الشيخ قاسم الإبراهيمي



إنّ البحث في أدلّة الشوري تارة يجري في أصل مشروعيتها ، واُخري في كيفية إجرائها ومن له حق ممارستها .


وقد كفانا بعض المحققين مؤونة البحث في الأمر الأوّل بما أورده من أدلّة كثيرة علي ذلك مما يحصل معه القطع بتمامية بعض الأدلّة جزما ؛ دلالةً وورودا ( 1 ) .


وإنّما ينبغي البحث في الأمر الثاني ، لكنا مع ذلك سنختار من بين مجموع الأدلّة المساقة لذلك آية الشوري لحصول الغرض بها ، ونبحث فيها عن كلا الجهتين :


فقد جاء في كتاب اللّه‏ سبحانه وتعالي قوله : « وما عندَ اللّه‏ِ خيرٌ للذينَ آمنوا وعلي ربِّهم يتوكّلون * والذينَ يجتنبونَ كبائرَ الإثمِ والفواحشَ وإذا ما غضبوا هم يغفرون * والذينَ استجابوا لربّهم وأقاموا الصلاةَ وأَمرُهم شوري بينَهم وممّا رزقناهم ينفقون »( 2 ) .


وفقرة الاستدلال الواردة في الآيات الكريمة هي قوله تعالي : « وأمْرُهم شُوري بَينَهُم »( 3 ) ، فهذه الفقرة يمكن الاستدلال بها علي شرعية الانتخاب من جهة ، وإلزامية النتيجة للجميع من جهة اُخري . لكن لابدّ من بيان بعض المقدمات المرتبطة بالدليل قبل الشروع في بيان الاستدلال فنقول :


ذكرت للأمر في اللغة معانٍ عديدة ، منها : الطلب ( 4 ) ، والشيء ، والحادثة ( 5 ) ، والشأن ( 6 ) ، والحال ( 7 ) . وقد أرجع بعض الاُصوليين جميع هذه المعاني إلي أصل واحد ؛ تارة بمعني الواقعة والحادثة المقيدتين بالخطورة والأهمية أو بدونهما ( 8 ) ، واُخري بمعني الفعل والحدث ( 9 ) . في حين ذهب بعض آخر إلي رجوعها إلي أصلين ، هما : الطلب والشيء غير العَلَم ( 10 ) .


وأمّا أهل اللغة فربما جعلوا اُصولها خمسة ، بعضها الأصلان المتقدّمان ، لكن المصدر في الاُصول الثلاثة الباقية مفتوح العين ( 11 ) .


والظاهر صواب ما ذهب إليه الرأي الثاني من رجوع هذه المعاني إلي أصلين أحدهما الطلب ، وإن كنّا نري أنّ الأصل الثاني يساوق معني « الموضوع » المعبّر به عن كل ما يؤخذ بنظر الاعتبار ، فهو يلتقي مع معني لفظة « شيء » ، إلاّ أنّه يختلف عنها في أنّ لفظة « شيء » تنطوي علي صفة التحقق والوجود في حين لا ينطوي لفظ « الأمر » علي هذا المعني . ولذا صحّ الإخبار بلفظ « شيء » ، فيقال : « الكتاب شيء » بمعني أنّه موجود ، ولا يصح في الأمر ، كأن يقال : « الكتاب أمر » .


نعم ، لو اتصف الأمر بصفةٍ صحّ أن يعبر عنه بالأمر ، كأن يقال : « الكتاب أمر حسن » و « النار أمر ضروري في الشتاء » .


وكيفما كان ، فلفظ الأمر مستعمل عندنا بأحد معنيين : الطلب والموضوع .


والأمر قد يأتي مفردا معرّفا بالألف واللاّم ، كما قد يأتي مضافا إلي ذات أو جماعة معينة ؛ فالأوّل لا شكّ في انصرافه إلي المعهود عند العرف أو خصوص المخاطب ، والثاني إلي أهم الموضوعات المرتبطة بهما . وبهذا النحو ينبغي أن تحمل لفظة « الأمر » الواردة في الآيات والروايات ، والتي منها :


قوله تعالي : « قُلْ إنّ الأمْرَ كُلُّه للّه‏ »( 12 ) و « يَقولونَ لو كانَ لَنا مِنَ الأمرِ شيءٌ ما قتِلنا ههنا »( 13 ) و « لو أنْزَلْنا مَلَكا لقُضي الأمرُ ثُمّ لا يُنْظرونَ »( 14 ) و « للّه‏ غَيبُ السمواتِ والأرضِ وإليهِ يَرجِعُ الأمرُ كُلُّه »( 15 ) و « بَلْ للّه‏ِ الأمرُ جَميعا »( 16 ) .


وقول الإمام علي عليه‏السلام : « فلما نهضتُ بالأمر نكثت طائفة » ( 17 ) ، والإمام الحسن عليه‏السلام في كتابه إلي معاوية : « ولاّني المسلمون الأمر بعده » ( 18 ) ، والإمام الرضا عليه‏السلام بإسناده عن النبي صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم أنّه قال : « من جاءكم يريد أن يفرّق الجماعة ويغصب الاُمّة أمرها . . . » ( 19 ) . إلي غير ذلك مما لا يسع إيراده هذا المختصر .


المراد بالشوري :


والشوري مشتقة من مادة « شور » التي ذكرت فيها عدّة معانٍ ، منها : الإبداء والعرض ( 20 ) ، والأخذ والجني ( 21 ) ، والإشارة والإيماء ( 22 ) ، والإعانة ( 23 ) ، وحسن الهيئة ( 24 ) ، وبدء السوءة ( 25 ) ، وغيرها .


لكن اللغويين أرجعوا الشوري إلي أحد المعاني الثلاثة الاُولي ، فظاهر الفراهيدي ( 26 ) والجوهري ( 27 ) وابن عباد ( 28 ) : انّها مشتقة من الشور بمعني الإيماء والاشارة ، وهو المنقول عن الليث ( 29 ) والأصمعي ( 30 ) ، وصريح ابن فارس ( 31 ) والراغب ( 32 ) : أنّها مشتقة منه بمعني الأخذ والجني ، والمطرّزي ( 33 ) وابن الأثير ( 34 ) والفيومي ( 35 ) : أنّها مشتقة منه بمعني الإبداء والعرض ، وهو المنقول عن شمر ( 36 ) .


وأيّا كان مصدر الكلمة فمعناها واضح ؛ وهو عرض المسألة وأخذ الرأي فيها .


والظاهر اختلاف الشوري عن المشاورة والمشورة ؛ فإنّ هاتين تطلقان علي الفعل ، وتلك تطلق علي ما تقع فيه المشورة . والظاهر أنّها صفة مشبّهة بالفعل علي وزن « فُعلي » ( 37 ) ، فيكون قوله تعالي إخبارا عن أنّ أمر المؤمنين من الاُمور التي يتشاور فيها ، كما صرّح بذلك الراغب ( 38 ) والمطرّزي ( 39 ) .


لكن الظاهر من ابن عبّاد أنّها فعل أو اسم فعل ( 40 ) ، وبالاسم صرّح صاحب المصباح ( 41 ) .


مضمون آية الشوري :


تفرض آية الشوري للمؤمنين ـ الذين يعود عليهم ضمير الإضافة في « أمرهم » ـ اُمورا تتعلق بهم خاصة ولا تتعلّق باللّه‏ سبحانه ؛ فإنّ للّه‏ سبحانه وتعالي في خلق الكون والإنسان أغراضا ومقاصد ؛ حيث قال : « وما خَلَقْنا السمواتِ والأرضَ وما بينهما لاعبينَ »( 42 ) ، وقد كشف عن هذه الأغراض نظريا بتعاليمه ، وترجمها إلي قوانين عملية بأحكامه وتشريعاته ، وبذلك حدّد الهدف ورسم الطريق إليه .


وإذ أتمّ اللّه‏ تشريعاته وأحكامه حيث قال : « اليومَ أكملتُ لَكُم دينَكُم وأتْمَمتُ عَلَيكُم نِعْمَتي »( 43 ) فقد أتمّ أغراضه ، وأتي علي مقاصده وأهدافه ، فما بقي مما لم يشرّعه لا يدخل في غرضه ولا يهمّه ، وإن كان شيء من ذلك يهمّ أحدا أو شخصا فإنّما يهمّ الناس ويرتبط بهم . فالاُمور علي هذا علي قسمين : اُمور ترتبط باللّه‏ سبحانه فقد شرع لها الأحكام المناسبة من وجوب وحرمة واستحباب وكراهة وإباحة ، ونجاسة وطهارة ، وصحة وبطلان ، واُمور لا ترتبط به ولا تدخل في حيّز اهتماماته ، بل ترتبط بمن أهمّته من الناس . ومن ذلك ما يكون أثره عائدا علي فرد واحد فهو أمر شخصي ، ومنه ما يكون أثره عائدا علي جماعة من الناس فهو أمر جماعي .


وقد ترك اللّه‏ سبحانه القرار في الاُمور الشخصيّة لأصحابها ونهي عن التعرّض إليهم فيها بحكم قاعدة السلطنة ، وأمّا الاُمور الجماعية وهي ما عبّر عنه اللّه‏ بـ « أمرهم » فمع أنّه سبحانه لم يشأ التدخل في مضمونه إيجابا ولا نفيا ولا وضعا أو رفعا لكنه تدخّل في تحديد طريق العمل به منعا للاختلاف ، وحيلولة من الفرقة والنزاع ما يفوت به الغرض من بعث الأنبياء والرسل عليهم‏السلام .


بيان الاستدلال :


والاستدلال بهذه الآية يكون تارة علي حكم العمل بالشوري ، واُخري علي حكم قرارها ؛ فإنّ القرار الصادر منها ربما لا يكون إلزاميا لمن لم يصوّت لصالحه وإن أثبتنا مشروعية عمل الشوري . فالكلام يقع في جهتين :


الجهة الاُولي ـ حكم العمل بالشوري :


يمكن تقريب حكم العمل بالشوري من الآية بعدة تقريبات ، أهمها :


التقريب الأوّل :


إنّ اللّه‏ سبحانه عدّ في الآية الشريفة العمل بمبدأ الشوري فيما يرتبط بالجماعة من صفات الذين آمنوا ، ومقتضي ذلك أنّ كل قرار يرتبط بالجماعة ولا يقوم علي أساس الشوري لا يكون من صفات المؤمنين ، ويكون باطلاً .


ولازم ذلك لزوم العمل بالشوري علي المؤمنين لدي تصدّيهم لاتخاذ أي قرار يرتبط بالجماعة ، وعدم مشروعية الاستبداد فيه الذي هو معني آخر عن عدم ترتب أثر شرعي عليه .


وهذا التقريب مناقش فيه :


أوّلاً : بأنّ انتفاء الوصف لا يقتضي انتفاء الموصوف ؛ لأنّ إثبات شيء لشيء لا يعني نفي ما عداه عنده ، نعم لو علم دخالة الوصف ـ وهو العمل بمبدأ الشوري في الاتصاف بالإيمان وعدمه ـ أمكن انتزاع لزوم العمل به ، لكن إثبات ذلك ممتنع .


وثانيـا : أنّ الضمير المضاف إليه لفظ الأمر لا يعود علي المؤمنين وإن ذهب جملة من الفقهاء والمفسرين إلي ذلك ( 44 ) . . . بل مرجعه الاسم الموصول المستعمل في جمع العقلاء ، ولفظ « آمنوا » التي اُرجع إليها الضمير في « أمرهم » جملة صلة الموصول الأوّل ، فلا خصوصية لها ليعود الضمير عليها بل عطف العبارات الاُخري من الأسماء الموصولة وصلتها علي مدخول شبه الجملة ـ أعني الاسم الموصول الأوّل وصلته ـ يقتضي انقطاعه عن صفة الإيمان ، فكأنّ اللّه‏ سبحانه وتعالي قال : وما عند اللّه‏ خير للمؤمنين والمتوكلين علي ربهم ، وكذا المجتنبين كبائر الإثم والفواحش والغافرين عند الغضب ، وكذا المستجيبين لربهم والمقيمين الصلاة والعاملين بالشوري في الأمر المرتبط بهم والمنفقين مما رزقناهم .


التقريب الثاني :


إنّ الصفة المذكورة وردت في الآية ضمن سياق الحديث عن الصفات الواجب علي الناس الاتصاف بها ، فتكون واجبة مراعاةً لوحدة السياق .


وفيه :


أوّلاً : أنّ من جملة الصفات الواردة في ضمن الآية ما يقطع بعدم وجوب التحلّي به ، كقوله تعالي : « وإذا ما غَضَبوا هُم يَغْفِرونَ »( 45 ) ؛ فإنّ غفران الذنب للمذنب ليس واجبا قطعا وإنّما هو مستحب ، فيكون السياق دالاًّ علي مطلوبية هذه الصفات لا أكثر ، ومعه لا يمكن الاستدلال بلزوم العمل بالشوري .


وثانيـا : أنّ أصالة وحدة السياق مختلف فيها كبرويا بين الأعلام ؛ إذ منهم من لا يري ثبوتها .


فالاستدلال ممنوع كبري وصغري .


التقريب الثالث :


تقدم أنّ اُمور الناس علي قسمين : أحدهما الاُمور المختصة بالأشخاص ، فذلك مما ترك أمره إليهم بمقتضي قاعدة السلطنة ، وثانيهما الاُمور المرتبطة بالجماعة ، فالتصرف فيها مما يحتاج إلي دليل .


وقد أقرّ اللّه‏ سبحانه وتعالي ـ بمقتضي آية الشوري ـ العمل بهذا المبدأ في هذا القسم ، فهو بمثابة حكم وضعي بمشروعية العمل المذكور ، ومقتضي الإطلاق عدم عِدلٍ آخر ، كما لا دليل منفصل علي جواز غير الشوري أيضا ، فثبت من كل ذلك لزوم العمل بالمبدأ المذكور فيما يخصُّ اُمور الجماعة .


وقد يناقش هذا الدليل :


أوّلاً : بكفاية اجراء أصل البراءة الشرعيّة في القرارات المتخذة بناءً علي مسلك حق الطاعة ، والعقليّة علي مسلك قبح العقاب بلا بيان خصوصا فيما لا ينافي ذلك حقا أو حكما للآخرين .


وفيه : أنّ الأصل مقطوع بقاعدة السلطنة ؛ فإنها وإن طبّقت عادة فيما يتعلّق بالأفراد من اُمور مما ربما يتوهم إرادة العموم الاستغراقي بخصوصه بصيغة الجمع الوارد فيها لا العموم المجموعي وحده ولا هو والعموم الاستغراقي ؛ لاستلزامه استعمال الصيغة في أكثر من معني واحد ، لكن تطبيقها كذلك ليس من هذا الباب ، بل لا خصوصية لصيغة الجمع في ذاتها ، وإنّما لرجوع القاعدة إلي نكتة مركوزة لدي العقلاء ؛ هي أنّ المالك لشيءٍ مسلّط عليه .


وثانيـا : بأنّ شوروية الأمر الوارد في الآية ليس حكما وضعيا ؛ إمّا لأنّ الحكم الوضعي اعتبار لوضع وفقرة الاستدلال ليست كذلك ، أو لأنّ اللّه‏ سبحانه في مقام الوصف لا التشريع .


والجواب : أنّه وإن فرض عدم كون شوروية الأمر حكما وضعيّا ، لكن امتداح هذه الصفة من قِبل اللّه‏ سبحانه لا يعطيها الاعتبار والمشروعية فحسب ، بل يجعل التحلّي بها أمرا مستحبا .


التقريب الرابع :


إنّ الآيات الكريمة رتّبت الثواب الاُخروي علي من توفّرت لديهم الصفات المذكورة ، ومن الواضح أن الثواب الاُخروي لا يترتّب علي كل صفة وحدها بل علي مجموع الصفات المذكورة ؛ لعدم كفاية الإيمان وحده لترتبه ، ولا التوكّل كذلك ؛ وحينئذٍ فلو كانت الصفة المذكورة غير واجبة التحصيل والعمل لَما توقّف ترتُّب الثواب عليها .


ووجود بعض الصفات غير الواجبة كذلك ـ كغفران الذنب ـ لا يضرّ بالاستدلال ، فليكن تخصيصا .


وهكذا يثبت لزوم العمل بمبدأ الشوري .


لكن فيه : أنّه من غير الواضح استفادة توقّف الثواب الاُخروي علي الاشتمال علي هذه الصفات ، بل لا إشعار في الآية بالتوقف وإنّما هي بصدد بيان فضل الثواب الاُخروي علي متاع الدنيا مع ذكر متعلّقهما لا علي سبيل الحصر وفي مقام البيان .


فتحصّل من كل ما تقدّم : عدم تمامية الدليل علي وجوب العمل بالشوري فيما يتعلّق بجماعة الناس ، ومعني ذلك أنّ الاُمّة غير ملزمة شرعا باتّباع طريق الشوري فيما يتعلّق بها ، فيمكن أن تقرّ تصدي المتصدّي لذلك أو ما اتفق عليه أهل الحلّ والعقد أو أيّة جماعة اُخري ، لكنه مع ذلك يستحب لها أن تتبع هذا المبدأ في مثل هذه الاُمور ، ويكون هذا حكما أوّليا مجعولاً من قِبل الشارع يقضي بجعل هذه الاُمور بيد الاُمّة ، بل لنا أن نقول : بأنّ ما يناسب شأن الشارع بما هو شارع التدخل فيما هو داخل في حيّز اهتماماته مما أبان عنه بتشريعاته دون ما خرج عن ذلك مما يرتبط بالناس .


فالاختلاف بين القائلين بالولاية المطلقة مع النصب وبين القائلين بالشوري معه هو في صغري كون هذه الاُمور مما تخصّ الشارع أم لا كي يُنصب من ينوب عنه فيها أم لا ؟


الجهة الثانية ـ وأمّا حكم قرار الشوري فيمكن بيانه من عدة وجوه :


الوجه الأوّل : أن يقال بأنّ الأمر في الآية الشريفة وارد بمعني الطلب وظاهر في الطلب الوجوبي ، لكن لمّا كان الإخبار عنه بأنّه شوري بينهم لا يستقيم ؛ للتباين وعدم التصادق عرفا ، فلابدّ من حمل الأمر في الآية علي الأمر الادعائي لا الحقيقي ، فالشارع ينزّل الشوري بين الناس منزلة الأمر العرفي الظاهر في الوجوب ، وبه يكون قرار الشوري لازما للغير ولو كان مخالفا .


لكن قد يناقش هذا الوجه : بأنّ حمله علي هذا المعني خلاف أصالة الحقيقة . نعم ، لو كانت هناك قرينة علي إرادة هذا المعني لم يكن في ذلك ضيـر .


الوجه الثاني : أن يقال بأنّ اعتبار الشارع العمل بمبدأ الشوري فيما يتعلّق بالجماعة بأحد التقريبات الأربعة المتقدمة في البحث السابق إمضاءٌ لقرارها بما يستلزم ذلك من موافقة ومخالفة وامتناع ؛ فإنّ إطباق أعضاء الشوري علي رأي واحد لا يقع إلاّ نادرا ، فمثله لا يُصرف إليه الاعتبار المذكور .


الوجه الثالث : تتميم الأدلّة المتمسك بها في البحث السابق بالتمسك بآية ولاية المؤمنين بعضهم علي بعض ، فيقال : إنّ الشارع جوّز بموجب الأدلّة المتقدمة عمل الشوري ، فما يختاره أكثر أعضاء الشوري يكون بموجب ولاية المؤمنين علي بعضهم ملزما للبعض الآخر المخالف أو الممتنع . وإلي هذا الرأي ذهب السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر رضي‏الله‏عنه ( 46 ) .


لكن هذا الوجه يواجه مشكلة من ناحية تطبيق آية الولاية علي خصوص الأكثرية دون الأقلّية أو المساوية ؛ فإنّ الجميع مما يصدق عليهم أنّهم مؤمنون . اللهم إلاّ أن تحلّ بإضافة أصل عقلي أو عقلائي ممضي شرعا يقضي بإخضاع رأي الأقلّية لها ، لكنه ـ بناءً علي هذا ـ هو المتمّم لا الآية المذكورة .


وقد تحصّل من مجموع البحث : أنّ الشوري طريق شرعي لإقرار كلّ ما يرتبط بالجماعة من اُمور وأنّ قرارها ملزم للجميع .


حدود تطبيق مبدأ الشوري :


انتهينا لحد الآن إلي إثبات أنّ الانتخاب أمر مكمّل للنصب علي أغلب المباني الفقهية القائلة بولاية الفقيه ، وأنّ الانتخاب طريق شرعي لاتخاذ القرارات فيما يكون من شؤون الناس ، وانّ قراراته ملزمة لجميع الأفراد ؛ موافقة أو مخالفة أو ممتنعة .


بقي الكلام في بيان حدود تطبيق مبدأ الشوري ، فما هي حدود الاُمور التي يجري تطبيق مبدأ الشوري بشأنها ؟


من الواضح أنّ موضوع آية الشوري هو الاُمور المتعلّقة بجماعة الناس ، فلا تقييد فيه إلاّ من هذه الجهة ، وقد بيّنا أنّ كل أمر يتعلّق باللّه‏ سبحانه فقد بيّنه بمقتضي آية إكمال الدين وإتمام النعمة ، وما عداه فهو من اُمور الناس . هذا من حيث الموضوع .


وأمّا من حيث الحكم فلا يوجد تقييد أيضا ؛ فكل ما كان من اُمور الناس فهو شوري بينهم .


ولما كانت جماعة الناس المضاف إليها لفظ الأمر عنوانا كلّيا مشكّكا يصدق علي أفراده بالتفاوت ، فإنّ حدود هذه الجماعة تتسع وتضيق بحسب من يرتبط بهم الأمر ، فقد تكون الجماعة كل الشعب إذا كان الأمر مرتبطا به كما في إقرار نظام الحكم وتعيين الحاكم العام ، وقد تكون أبناء المدينة كما إذا كان الأمر انتخاب رئيس بلديتها ، كذلك قد تكون طلاب المدرسة بل الفصل كما إذا كان الأمر انتخاب ممثلين عنهم ، وهكذا يكون مبدأ الشوري جاريا علي جميع المستويات .


نعم ، قد يحدّ من جريانه بعض القوانين المشرّعة في مستوي أعلي بتطبيق مبدأ الشوري ، أو وفقا للصلاحيات المخوّلة لتلك الجهة استنادا إلي هذا المبدأ .


تخلّف من لهم حق المشاركة في التصويت :


قد يتخلّف في بعض الحالات عدد ممن لهم حق المشاركة في التصويت عن الحضور فلا يشاركون في الانتخاب ، وقد يكون التخلّف بدرجة عالية لا يمكن معها القول بتحقق أكثرية في أعضاء الشوري ، فكيف يمكن تخريج ذلك فقهيا ؟


والجواب عن هذا الإشكال يحتاج إلي تقصٍّ لحالات التخلّف ، والتعرّف علي أسبابها .


فمن حالات التخلّف ما يؤدّي إلي عدم اكتمال عدد الحضور النصاب القانوني المقرّ في قانونٍ سابقٍ مصوّت عليه من قِبل جهة أعلي هي المانحة للشوري التي حصل التخلّف فيها ، فمن الواضح عدم صحة التصويت المذكور ؛ لمغايرته للقوانين المصوّت عليها ، فهذا الفرض خارج قانونا .


وإنّما تبقي الحالات التي لم يفترض فيها نصاب معين أو التي فرض لها وبلغ عدد الحضور النصاب المعتبر .


والتخلّف في هذه الحالات إمّا أن ينشأ من اعتراضٍ وعدم رضا علي قانون الانتخاب ، أو علي كيفية تنفيذه ، أو من عدم اهتمام ومبالاة .


فأمّا القانون المعترض عليه فإن كان علي حكمٍ شرعي لم يكن لاعتراضهم مورد ؛ لأنّه ليس من الاُمور المرتبطة بهم كي يجري التصويت لصالحها أو ضدها وإنّما من اُمور اللّه‏ الخارجة تخصصا ، وإن كان تشريعا شرّعته الاُمّة أو الجهة المعتبرة قانونا فيمكن تقديم اعتراض المعترضين إليها واتخاذ موقف بشأنه رفعا أو إقرارا أو تغييرا .


وأمّا كيفية تنفيذ القانون فإنّ مردّه إلي الجانب العملي ولا علاقة له بالجانب النظري ؛ لأنّ الفرض مبنيّ علي صحة تطبيقه .


وأمّا لو كان ناشئا من عدم الاهتمام واللاّمبالاة فهو عبارة عن رضا وقبول للنتيجة أيّا كانت ، فلا يؤثر الامتناع عن التصويت علي نتيجته سلبا ولا إيجابا .











( 1 ) انظر : ولاية الفقيه ، المنتظري 1 : 493 ـ 511 .


( 12 ) آل عمران : 154 .


( 24 ) للمثال انظر : العين 6 : 281 .


( 36 ) لسان العرب 7 : 233 ـ 235 .


( 20 ) للمثال انظر : العين 6 : 281 . معجم مقاييس اللغة 3 : 226 ـ 227 . جمهرة اللغة 2 : 735 . تهذيب اللغة 11 : 403 ـ 404 .


( 27 ) الصحاح 2 : 704 .


( 15 ) هود : 123 .


( 39 ) المغرب : 258 .


( 8 ) أجود التقريرات 1 : 86 وما بعدها .


( 45 ) الشوري : 37 .


( 2 ) الشوري : 36 ـ 38 .


( 11 ) معجم مقاييس اللغة 1 : 137 .


( 21 ) للمثال انظر : العين 6 : 280 . معجم مقاييس اللغة 3 : 226 ـ 227 . مفردات الراغب : 469 .


( 31 ) معجم مقاييس اللغة 3 : 226 ـ 227 .


( 35 ) المصباح المنير : 327 .


( 44 ) انظر للمثال : الميزان في تفسير القرآن 18 : 62 ـ 63 . المرجعية والقيادة ، السيّد كاظم الحائري : 44 .


( 18 ) مقاتل الطالبيين : 36 .


( 25 ) انظر : النهاية 2 : 508 .


( 5 ) انظر : لسان العرب 1 : 204 . القاموس المحيط 1 : 688 .


( 28 ) المحيط في اللغة 7 : 378 .


( 13 ) المصدر السابق .


( 14 ) الأنعام : 8 .


( 42 ) الأنبياء : 16 . الدخان : 38 .


( 41 ) المصباح المنير : 327 .


( 43 ) المائدة : 3 .


( 19 ) عيون أخبار الرضا 2 : 62 .


( 16 ) الرعد : 31 .


( 29 ) لسان العرب 7 : 233 ـ 235 .


( 17 ) نهج البلاغة : الخطبة 3 .


( 40 ) المحيط في اللغة 7 : 378 .


( 34 ) النهاية 2 : 508 .


( 10 ) بحوث في علم الاُصول 2 : 11 ـ 14 .


( 4 ) المصباح المنير : 21 .


( 6 ) مفردات ألفاظ القرآن ، الراغب الأصفهاني : 88 . المنجد في اللغة : 18 .


( 8 ) أجود التقريرات 1 : 86 وما بعدها .


( 7 ) المصباح المنير : 21 .


( 37 ) الممتع الكبير في التصريف : 68 .


( 46 ) خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء : 54 .


( 32 ) مفردات غريب القرآن : 469 .


( 33 ) المغرب : 258 .


( 22 ) للمثال انظر : العين 6 : 280 . الصحاح 2 : 704 .


( 30 ) تهذيب اللغة 11 : 403 ـ 404 .


( 38 ) مفردات غريب القرآن : 469 .


( 26 ) العين 6 : 281 .


( 23 ) لسان العرب 7 : 233 ـ 235 .


( 3 ) الشوري : 38 .

/ 1