الأشياء الإنسانية التي إذا حصلت فيالأمم وفي أهل المدن، حصلت لهم بهاالسعادة الدنيا في الحياة الأولى،والسعادة القصوى في الحياة الأخرى، أربعةأجناس:الفضائل النظرية والفضائل الفكريةوالفضائل الخلقية والصناعات العملية.فالفضائل النظرية هي العلوم التي الغرضالأقصى منها أن تحصل الموجودات، والتيتحتوي عليها معقولة، متيقنا بها فقط. وهذهالعلوم منها ما يحصل للإنسان منذ أول أمرهمن حيث لا يشعر ولا يدري كيف ومن أين حصلت،وهي العلوم الأول، ومنها ما يحصل بتأملوعن فحص واستنباط، تعليم وتعلم. والأشياءالمعلومة بالعلوم الأول هي المقدماتالأول؛ ومنها يصار إلى العلوم التي تحصلعن فحص واستنباط وتعليم وتعلم.والأشياء التي يلتمس علمها بفحص أو تعليمهي التي تكون من أول الأمر مجهولة، فإذافحص عنها والتمس علمها صارت مطلوبة. فإذاحصل للإنسان فيما بعد ذلك؛ عن استنباط أوتعلم، اعتقاد أو رأي أو علم صارت نتائج.والملتمس من كل مطلوب هو أن يحصل به الحقاليقين، غير أنه كثيراً ما لا يحصل لنا بهاليقين؛ بل ربما حصل لنا ببعضه اليقين،وحصل لنا في بعض ما نلتمسه منها ظن وإقناع،وربما حصل لنا في تخيل، وربما ضللنا عنهحتى تظن أنا قد صادفناه من غير أن نكونصادفناه. وربما عرضت لنا فيه حيرة؛ إذاتكافأت عندنا المثبتة والمبطلة له،والسبب في ذلك اختلاف الطرق التي نسلكهاعند مصيرنا إلى المطلوب. فإنه لا يمكن أنيكون طريق واحد يوقعنا في المطلوباتاعتقادات مختلفة، بل يجب أن تكون الطرقالتي توقعنا في أصناف المطلوبات اعتقاداتمختلفة، طرقاً مختلفة لا نشعر باختلافها،ولا بالفصول بينها، بل نظن أنا نسلك إلى كلمطلوب طريقاً واحداً بعينه. فينبغي أننستعمل في مطلوب ما طريقاً شأنه أن يفضيبنا إلى اليقين، ونسلك في مطلوب آخرطريقاً نصير منها إلى ما هو مثاله أوخياله، أو طريقاً يفضي بنا إلى الإقناعفيه والظن فلا نشعر فيه. ويكون عندنا أنالطريق هو واحد بعينه وأن الذي سلكناه فيالثاني هو الذي سلكناه في الأول؛ وعلى هذهنجد الأمر في أكثر أحوالنا وفي جل من نشاهدمن النار والفاحصين. فيتبين من ذلك أنامضطرون قبل أن نشرع في الفحص عنالمطلوبات؛ إلى أن نعرف أن هذه الطرق كلهاصناعية، وإلى علمٍ نميز به بين هذه الطرقالمختلفة بفصول وعلامات تخص واحدة منهاواحدة من تلك الطرق، وأن تكون قرائحناالعلمية المفطورة فينا بالطبع مقومةبصناعة تعطينا علم هذه، إذ كانت فطرتهاغير كافية في تمييز هذه الطرق بعضها عنبعض، وذلك أن تتيقن بأي شرائط وأحوالينبغي أن تكون المقدمات الأول، وبأي ترتيبترتب حتى تفضي، لا محالة، بالفاحص إلىالحق نفسه وإلى اليقين فيه. وبأي شرائطوأحوال تكون المقدمات الأول وبأي ترتيبترتب، فلا تعطي في المطلوب الظن والإقناعحتى توهم أنه يقين من غير أن يكون يقيناً،فتضلل الفاحص عن الحق أو تحيره فيه، حتى لايدري أيما هو الحق من مطلوبه، فتفضيبالفاحص لا إلى الحق نفسه، بل إلى مثالالحق وخياله.فإذا عرفنا هذه كلها، شرعنا حينئذ فيالتماس علم الموجودات. إما بفحصنا نحنبأنفسنا، وإما بتعليم غيرنا لنا. فإنناإنما ندري كيف الفحص وكيف التعليم والتعلمبمعرفة الأشياء التي ذكرناها. وبهذه القوةنقدر أن نميز فيما استنبطنا نحن؛ هل هويقين أو ظن أو هو الشيء نفسه أو خيالهومثاله. وكذلك أيضا نمتحن بما قد تعلمناهمن غيرنا، وما نعلمه نحن غيرنا.