فاطمة الزهراء (علیها السلام) امتداد النبوة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فاطمة الزهراء (علیها السلام) امتداد النبوة - نسخه متنی

السید محمد الحسینی الشیرازی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فهرس المطالب

الحديث القدسي

معنى الحديث

السؤال الأول

السؤال الثاني

مشاهد من التأريخ

استمرار المؤامرة

عظمة الزهراء (عليها السلام)

الزهراء (عليها السلام) نور الله

سيدة نساء العالمين

أُسوة وقدوة حسنة

الحياة الزوجية

لمعة من إيثارها (عليها السلام)

من عبادتها (عليها السلام)

من علوم الزهراء (عليها السلام)

خطبتها في المسجد

الشهادة والألم















طهر وعفاف، صفاء ونقاء، جمال وارتقاء، سمو ونبوغ، دفء وألق، حنان وثورة، أخلاق ودعوة، أزهار وسنابل، مسك وعنبر، حدائق وبساتين، إمامة ونبوة، سيدة نساء العالمين.







هي فاطمة: اللوحة الإلهية التي أبدع الخالق في تكوينها وألوانها إبداعاً، هي الفيض لجمال الروح والعقل والإحساس والقول والعمل، والمشاعر التي تبهر بصفاءها وهيبة حضورها الجمالي والإنساني القلوب الطاهرة والعيون الحزينة والضمائر الحالمة.







هي فاطمة: بنت مَن ومَن، زوج مَن، وأم مَنْ ومَنْ ومَن هي القطب الذي تبتهج معاني الأخلاق العالية متألقة بالدوران حوله، مثلما هي محور النبوة والإمامة والدعوة إلى الرسالة الخاتمة، وهي الأسوة والقدوة والمنهج والرؤية.







من ذلك كانت أهمية كتاب «فاطمة الزهراء امتداد للنبوة» للإمام الشيرازي الراحل حيث يستعرض (قدّس سرّه) فيه الشواهد والدلائل والنصوص والمواطن التي تشهد على عظمة السيدة الزهراء (عليها السّلام) من خلال امتداد النبوة بها وتواصل الإمامة من خلالها.































بسم الله الرحمن الرحيم















الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.















الحديث القدسي















قال الله تعالى في الحديث القدسي لرسوله الكريم (صلّى الله عليه وآله):















«يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»(1).















ما هو الفرق بين الحديث القدسي وآيات القرآن الحكيم؟















الفرق بينهما: في عدة مسائل، منها: (التحدي).. فان القرآن الكريم معجزة من عند الله سبحانه يحمل في طياته منهجاً متكاملاً لسعادة الدنيا والآخرة ويشتمل على التحدي والاعجاز، التحدي من جميع الجهات: العلمية والبلاغية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والغيبية... الخ.















ثم إن التحدي ليس فقط بالقرآن ذاته وإنما كذلك بالنسبة إلى من نزل عليه القرآن وهو النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله).















قال سبحانه وتعالى: ((قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً))(2).















وفي آية أخرى قال عزّ وجلّ: ((أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين))(3).















وفي آية ثالثة قال جل وعلا: ((وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين))(4).















ومن هنا تظهر صورة الاعجاز والتحدي في القرآن الحكيم، حيث عجز الناس بأجمعهم منذ نزل القرآن وإلى يومنا هذا من الإتيان حتى بسورة واحدة ولو بقدر سورة الكوثر.















ويبقى القرآن الكريم يحمل هذه الصفة إلى يوم القيامة، والتحدي كان ومازال وسيبقى إلى ما شاء الله.















أما الحديث القدسي فإنه صدر من الله سبحانه وتعالى أيضاً ولكنه غير مختص برسول الإسلام (صلّى الله عليه وآله) بل شمل العديد من أنبياء الله وبالتعاقب ولم يحمل صفة التحدي والإعجاز.















وقد جمع بعض العلماء مجموعة من هذه الأحاديث القدسية في كتبهم:















مثل العلامة المجلسي (قدس سره) في كتابه القيم (بحار الأنوار)، وفي بعض مؤلفاته الأخرى أيضاً.















ومثل الأخ الشهيد(5) رضوان الله عليه في كتابه (كلمة الله).















أما كلمة (القدسي)(6)، فإنها تعني (المُنَزّه) أي الذي ليس فيه عيب أو نقص، فالحديث القدسي: هو الحديث المُنَزّه والخالي من العيوب والنواقص.















والأحاديث القدسية على قسمين:















بعضها قوية السند، أي تكون مروية عن رسول الله والأئمة الأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وذلك بسند صحيح والتي ينقلها عنهم ثقاة الرواة.















والبعض الآخر من الأحاديث مرسلة السند، أي مقطوعة السند ويكون مُرسلها ضعيفاً.















فما كان منها من القسم الأول فهو مورد القبول والاعتماد عند العلماء.















أما القسم الثاني: فان كانت تحمل في طياتها نوعاً من الحكمة والوعظ والإرشاد بما يعود على الإنسان بالنفع والخير، أو حكماً غير إلزامي فتشمله قاعدة التسامح في أدلة السنن(7) وما أشبه.. ولذا فهي مورد قبول أيضاً.















هذا بالإضافة إلى أن العديد منها قد تلقاها المشهور بالقبول وتلقي المشهور وعملهم جابر على ما بين في الأصول، خاصة مع عدم ترتب حكم شرعي عليها، إذ أن الأحاديث القدسية غالباً ما تأتي في باب الأخلاق والآداب والحكم والسنن الاجتماعية والإرشاد إلى بعض المصالح والتحذير من بعض المفاسد الكونية والاجتماعية والأخلاقية ونحو ذلك.















وعوداً على بدء، فإن للحديث الذي صدرنا به الكتيب دلالة واضحة ساطعة على عظمة أهل البيت (عليهم السلام) وعلو مقامهم، وخاصة أساس شجرتهم المباركة، وهم فاطمة الزهراء وأبوها وبعلها وبنوها صلوات اللهم عليهم وعلى آلهم أجمعين.















معنى الحديث















إن الله سبحانه وتعالى يخاطب الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) ويقول: (يا أحمد: لولاك لما خلقت الأفلاك) فهو (صلّى الله عليه وآله) الغاية من خلق الأفلاك (ولولا علي.. لما خلقتك) أنت..، (ولولا فاطمة الزهراء لما خلقتكما).















وفي هذا الشطر ـ الأخير ـ تظهر لنا قيمة الزهراء(عليها السلام) وعظمتها عند الله سبحانه وتعالى وعند رسوله (صلّى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) وما لها من الفضل الكبير والتأثير الوضعي والتكويني على خلق هذا الكون والناس أجمعين..















وقد تطرقنا إلى هذا الحديث القدسي بالذات لنتشرف بذكر بعض فضائل هذه السيدة الجليلة التي قال في حقها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين)(8)..















وربما يخطر على بال البعض هذان السؤالان:















السؤال الأول















هل أن الله (سبحانه وتعالى) بخيل ـ والعياذ بالله ـ بحيث لو لم يكن الرسول (صلّى الله عليه وآله) لما خلق الكون والأفلاك والشمس والقمر والنجوم؟















وإذا لم يكن كذلك فما معنى «لولاك لما خلقت الأفلاك»؟















وللجواب على هذا السؤال نسأل:















أولا: هل لله عزّ وجلّ هدف وغاية في خلق هذا الكون بصورة عامة، والإنسان بصورة خاصة أم لا؟















الجواب: نعم.















وثانياً: ما هي هذه الغاية؟















الجواب: إيصال الإنسان للكمال المعنوي الرفيع كما يقول سبحانه وتعالى: ((وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون))(9).















وثالثاً: هل الكمال حقيقة مشهودة للجميع «أي محسوسة بالحواس الظاهرة» أم خفية؟















الجواب: انها حقيقة غير ظاهرة للجميع.















ورابعاً: هل هذه الحقائق يمكن الوصول إليها أم لا؟















الجواب: هذه الحقائق لا يمكن للإنسان ـ عادة ـ الوصول إليها إلا بواسطة الدليل والمرشد.















خامساً: وما هو الدليل ومن هو المرشد؟















الجواب: الدليل هو القرآن الكريم، والمرشد هو النبي الأعظم(صلّى الله عليه وآله) وفاطمة الزهراء... والأئمة الأطهار (عليهم الصلاة السلام).















فإذا كان كذلك، فالمحقق للغرض من الخلقة هو وجود الرسول وفاطمة الزهراء والأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين). فلولاهم(عليهم السلام) لكانت خلقة العالم ناقصة، والله عزّ وجلّ لا يخلق خلقاً ناقصاً ومن هنا قال تعالى: (لولاك لما خلقت الأفلاك..).















أما إذا كان الله سبحانه يخلق الإنسان دون أن يخلق معه الدليل فانه لا يتحقق الغرض من خلقه وسيعني ذلك نقص الخالق وعجزه ـ والعياذ بالله ـ ويصبح خلق الإنسان عبثاً، والله سبحانه منزه عن العبث(10).















وعلى هذا الأساس يكون خلق النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) هو سبب خلق هذا الكون، وانه أول ما خلق الله هو النبي (صلّى الله عليه وآله) وأهل البيت(عليهم السلام) ومن ثم خلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون بأجمعه من نورهم. فهم العلة الغائية للتكوين كما يعبر عنه الحكماء.















وفي حديث الكساء: «اني ما خلقت سماءاً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً وشمساً مضيئة ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة»(11).















وقال الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف): (نحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائعنا)(12).















وجاء في كتاب البحار للعلامة المجلسي (قدس سره) نقلاً عن كتاب الهداية للشيخ الصدوق (رحمه الله) انه قال:















«يجب أن نعتقد أن النبوة حق، كما اعتقدنا أن التوحيد حق، وان الأنبياء الذين بعثهم الله مائة وأربعة وعشرون ألف نبي،جاءوا بالحق من عند الحق، وان قولهم قول الله، وأمرهم أمر الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، وانهم لم ينطقوا إلا عن الله عزّ وجلّ وعن وحيه، وان سادة الأنبياء خمسة عليهم دارت الرحى، وهم أصحاب الشرائع وهم أولو العزم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلوات الله عليه وعليهم)، وان محمداً سيدهم وأفضلهم، وانه جاء بالحق وصدق المرسلين،وان الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه أولئك هم المفلحون، ويجب أن نعتقد أن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أفضل من محمد (صلّى الله عليه وآله) ومن بعده الأئمة (صلوات الله عليهم)، وانهم أحب الخلق إلى الله عزّ وجلّ وأكرمهم عليه، وأولهم إقراراً به، لما أخذ الله ميثاق النبيين في عالم الذر وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى.















وان الله بعث نبيه (صلّى الله عليه وآله) إلى الأنبياء (عليهم السلام) في عالم الذر، وان الله أعطى ما أعطى كل نبي على قدر معرفته نبينا (صلّى الله عليه وآله) وسبقه إلى الاقرار به.















ونعتقد أن الله تباك وتعالى خلق جميع ما خلق له ولأهل بيته (صلوات الله عليهم)، وانه لولاهم ما خلق الله السماء والأرض ولا الجنة ولا النار ولا آدم ولا حواء ولا الملائكة ولا شيئاً مما خلق (صلوات الله عليهم أجمعين)»(13). انتهى.















وهذا الكلام المنقول عن الصدوق (قدس سره) هو خلاصة أحاديث وروايات كثيرة جاءت عن أهل البيت(عليهم السلام) ترشدنا إلى انهم(عليهم السلام) اساس خلق الكون، وقد جعلهم الله الوسائط في خلق العالم والعلة الغائية له، كما انهم(عليهم السلام) سبب لطف الله تعالى وافاضته على العالم، وبهم (عليهم السلام) استمرار قيام العالم... وقد صرح بذلك في مختلف الأدلة.. فلولاهم لساخت الأرض(14).















ولهم (عليهم السلام) ـ بما فيهم السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) ـ الولاية التكوينية إضافة إلى التشريعية.. ومعناها أن زمام العالم بأيديهم(عليهم السلام) حسب جعل الله سبحانه، كما أن زمام الاماتة بيد عزرائيل فلهم(عليهم السلام) التصرف فيها ايجاداً واعداماً، لكن من الواضح أن قلوبهم أوعية مشيئة الله تعالى.. فكما منح الله سبحانه القدرة للإنسان على الأفعال الاختيارية منحهم (عليهم السلام) القدرة على التصرف في الكون(15).















السؤال الثاني















ما معنى «لولا علي لما خلقتك»؟ مع أن الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله) يمتلك الشخصية العظمى؟ فلماذا يتعلق خلقه(صلّى الله عليه وآله) بخلق علي أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ وما هي الرابطة الموجودة بينهما؟















والجواب على ذلك: أن الإمامة المتجسدة في أمير المؤمنين(عليه السلام) هي الامتداد الطبيعي للنبوة، وان السلسلة المترابطة الحلقات بين النبوة والامامة جعلت أمير المؤمنين (عليه السلام) المحقق للغرض من خلق الرسول (صلّى الله عليه وآله)، لأن النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) جاء ليهدي الناس إلى الإسلام ويوصلهم إلى الكمال المنشود.. ولكن عمر النبي (صلّى الله عليه وآله) محدود ولا بد أن يكون بعده من يواصل الدرب، بالاضافة إلى أن أغلب الناس لا يصلون إلى الكمال دفعة واحدة، وإنما لا بد من التدرج..















إذاً كان ولا بد من وجود محقق آخر بمثابة المكمّل والامتداد بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله)، وهو الوصي لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) والإمام من بعده(صلّى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام)..















مضافاً إلى انه قد تآمر قوم على دين رسول الله(صلّى الله عليه وآله) وأخذوا بتحريف الإسلام، فلولا علي(عليه السلام) لما تبين الحق من الباطل..















فلذلك خلق الله سبحانه وتعالى (علياً (عليه السلام)) لكي يقف أمام الانحراف والتفرق والاختلاف الذي سيحصل في الأمة بعد رحيل الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)..















ولولا وجود أمير المؤمنين (عليه السلام) لذهبت جميع الجهود التي بذلها الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في نشر الرسالة الإسلامية سدى، ولرجع الناس إلى الجاهلية الجهلاء مرة اخرى، ولعم التحريف والإعتقادات الباطلة مثل التجسيم والجبر والتفويض وما أشبه ذلك، ولسادت العالم الإسلامي الأفكار والمعتقدات التي جاء بها معاوية واشباهه ـ فيما بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ـ ليهدروا جهد ومتاعب النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في نشر الدين الإسلامي الحنيف، واتباع سننه وتطبيق مبادئه، سواء في الأحكام الشرعية أو التعامل مع الآخرين حكومة وشعباً..















وبذلك لا تكون فائدة مرجوة من وجود الدين الإسلامي، وتصبح بعثة النبي (صلّى الله عليه وآله) التي لم تصل إلى الغاية التامة لا فائدة منها..















وهنا تظهر ضرورة وجود الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) حيث نزلت في شأنه (عليه السلام) آية اكمال الدين يوم الغدير عندما نصب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) خليفة من بعده بأمر من الله تعالى، فقال عزّ وجلّ: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا))(16).















فكان الإمام علي (عليه السلام) واقفاً بما للكلمة من معنى إلى جانب الرسالة الإلهية لحمايتها وصونها من كيد المنافقين..















قال سبحانه: ((وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم))(17).















والله سبحانه وتعالى أراد من الآية الكريمة انه لا يجوز أن يترك دين الله، سواء كان الرسول(صلّى الله عليه وآله) بين أظهر الناس أم لم يكن(18).















وفعلاً كان للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) دور كبير واساسي في الوقوف أمام نوايا المنافقين والكافرين والغاصبين وفي حفظ الإسلام من الانحراف والضياع.















وقد ورد عنه (عليه السلام) قوله: «فأنا فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجرأ عليها أحد غيري»(19).















وعن ابن عباس قال: رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم فتح مكة متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: اللهم ابعث لي من بني عمي من يعضدني، فهبط عليه جبرئيل فقال: «يا محمد أو ليس قد أيدك الله بسيف من سيوف الله مجرد على أعداء الله؟ يعني بذلك علي بن أبي طالب»(20).















مشاهد من التأريخ















ولقد جمع معاوية بن أبي سفيان حوله مجموعة من الذين لا يخافون الله وكانوا من أهل الدنيا.. فكوّن بهم اسلاماً خاصاً به ونظاماً أسوأ حالاً من الجاهلية، وبفضل هذا الإسلام السفياني أخذ الناس يقتل بعضهم بعضاً باسم الدين، ومن جملة ما فعله معاوية: انه أحرق في اليمن أربعين ألف مسلم وذلك باسم الدين.















ولولا وقوف أمير المؤمنين (عليه السلام) بوجه معاوية لكان الدين الإسلامي وسيلة لتحقيق الظلم والجور واستغلال ونهب حقوق الآخرين.















فإن العقل والمنطق يؤيد هذا الحديث القدسي (السابق الذكر)؛ إذ لولا مجيء أمير المؤمنين والأئمة المعصومين(عليهم السلام) بعد الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) لما عرف الناس حقيقة الإسلام، ولظنوا أن الإسلام يتمثل بالانحراف الأموي حيث جعل بنو أمية من الإسلام وسيلة لخدمة أغراضهم الدنيوية واشباعاً لرغباتهم وأهوائهم..















ولولا أهل البيت (عليهم السلام) لانطمست معالم الدين الحنيف وانطفأت أنواره ولساد في المجتمع الإسلامي اعتقاد مفاده أن الدين هو هذا الظلم والجور والانحراف الأموي، وذلك لأن الناس المعاصرين لحكومة بني أمية لم يروا السنة الحسنة التي جسدها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بناء المجتمع الإسلامي.















فهل جرائم معاوية وأمثاله كانت من سنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟















كلا.. فانهم كانوا يعلنون الفساد والانحراف والابتعاد عن أحكام الدين، وكانوا يشربون الخمور ويقتلون الأبرياء بغير ذنب ويهتكون الأعراض والحرمات، وكل ذلك باسم خلافة رسول الله(صلّى الله عليه وآله) ولم يكونوا ليكتفوا بذلك، بل كانوا يزعمون بأنهم (ظل الله في الأرض) وان أفعالهم كلها صحيحة ومطابقة للشرع..















وقد نقل عن معاوية انه قال يوماً للمغيرة بن شعبة: «أن الحمر قد ازدادوا وقد فكرت أن أقتل ثلثهم»(21).















استمرار المؤامرة















لكن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وقف بوجه خط معاوية وحفظ الإسلام من الانحراف..















أما بعد شهادة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، فمن الذي سيقف طول التاريخ أمام الحكام الذين يلعبون بمقدرات الأمة وباسم الإسلام كالأمويين والعباسيين؟















ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى الأئمة الأطهار المعصومين(عليهم السلام) فلولاهم لمسخ الدين كله ولذهب أتعاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) هباءاً..















فتبين لنا دور فاطمة الزهراء (عليها السلام) كحقيقة كبرى وضرورة ملحة في الحكمة الإلهية من وراء الخلق وهو مما يفسره لنا المقطع الثالث من الحديث القدسي: «ولولا فاطمة لما خلقتكما».















هذا بالاضافة إلى أن الصديقة الطاهرة (عليها السلام) كان لها الدور الاساسي في فضح الذين حكموا باسم الإسلام، ولولا مواقفها المشرفة لالتبس الأمر على عموم المسلمين.. فكانت(عليها السلام) من حفظة دين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مباشرة.















(1) راجع: (كشف اللآلي) للعرندس على ما نقله السيد مير جهاني في (الجنة العاصمة)، والعلامة المرندي في (ملتقى البحرين): ص14، و (مستدرك سفينة البحار): ج3 ص334، ونقله (عوالم العلوم): ص26 عن (مجمع النورين)، و (من فقه الزهراء (عليها السلام)): ج1 ص19.







(2) سورة الإسراء: 88.







(3) سورة هود: 13.







(4) سورة البقرة: 23.







(5) آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) مؤسس الحوزة العلمية في سوريا (1347هـ ـ 1400هـ).







(6) انظر (لسان العرب): مادة (قدس).







(7) راجع (رسالة التسامح في أدلة السنن) المؤلّف في ضمن (الوصائل إلى الرسائل: ج6)، للإمام الشيرازي.







(8) أمالي الصدوق: ص298 المجلس49 ح12.







(9) سورة الذاريات: 56.







(10) للتفصيل راجع (القول السديد في شرح التجريد) المقصد الرابع في النبوة، للإمام المؤلف (دام ظله).







(11) الدعاء والزيارة: حديث الكساء، وانظر أيضاً المجلد الأول من كتاب (من فقه الزهراء(عليها السلام)).







(12) الغيبة للطوسي: ص285 ح7، والاحتجاج: ص467.







(13) بحار الأنوار: ج16 ص372 باب فضائل النبي (صلّى الله عليه وآله) وخصائصه.







(14) راجع الكافي: ج1 ص179 ح10.







(15) للتفصيل راجع: (من فقه الزهراء) المجلد الأول.







(16) سورة المائدة: 3.







(17) سورة آل عمران: 144.







(18) راجع مجمع البيان للطبرسي (رحمه الله): ج1 ص512 ـ 514.







(19) نهج البلاغة: الخطبة 93.







(20) بحار الأنوار: ج41 ص61 ب106 ح1.







(21) الحمر: يعني «الحمراء» وهم الموالي الذين اعتنقوا الإسلام بعد أسرهم، وفي القاموس: الموالي والحمراء هم العجم أي كل ما سوى العرب.































عظمة الزهراء (عليها السلام)















للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) دور كبير في بناء وتدعيم قواعد الدين الإسلامي وتثبيت أركانه، إذ يقول سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: «ولولا فاطمة لما خلقتكما».















فالزهراء (عليها السلام) هبة إلهية وعطية ربانية للرسول الأعظم(صلّى الله عليه وآله)(1)، ومزيد نعمة وهي سر الإمامة، ومحور خلق الأئمة المعصومين(عليهم السلام).. إذ انها أنارت الحياة، وأقامت الدين الحق بأبنائها المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم) وبمواقفها التاريخية..















والى يومنا هذا ترى الإسلام محفوظاً بفضل وجودها ووجود آخر أئمة الهدى صاحب العصر والزّمان الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وهو بركة من بركات الصديقة الطاهرة، عليها وعلى أبنائها أفضل الصلاة والسلام..















وهناك أحاديث كثيرة وربما متواترة توضح مقام الزهراء (عليها السلام) وقد رواها الفريقان في مختلف كتبهم.















كما أن تعظيم مقام الزهراء(عليها السلام) تعظيم لمقام النبوة، وتعظيم للقيم الدينية التي أنزلها الله سبحانه.















الزهراء (عليها السلام) نور الله















قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «خلق الله نور فاطمة (عليها السلام) قبل أن يخلق الأرض والسماء.















فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسيّة؟















فقال(صلّى الله عليه وآله): فاطمة حوراءُ إنسيّة.















قالوا: يا نبي الله وكيف هي حوراء إنسيّة؟















قال: خلقها الله عزّ وجلّ من نوره قبل أن يخلق آدم؛ إذ كانت الأرواح، فلما خلق الله عزّ وجلّ آدم عُرضت عليه..















قيل: يا نبي الله وأين كانت فاطمة؟















قال: كانت في حقّة تحت ساق العرش.















قالوا: يا نبي الله فما كان طعامها؟















قال (صلّى الله عليه وآله): التسبيح والتهليل والتحميد، فلما خلق الله عزّ وجلّ آدم وأخرجني من صلبه أحب الله عزّ وجلّ أن يخرجها من صلبي، جعلها تفّاحة في الجنة وأتاني بها جبرئيل (عليها السلام) فقال لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، يا محمد















قلت: وعليك السلام ورحمة الله حبيبي جبرئيل.















فقال: يا محمد إن ربك يُقرؤك السلام.















قلت: منه السلام واليه يعود السلام.















قال: يا محمد إن هذه تفاحة أهداها الله عزّ وجلّ إليك من الجنة.















فأخذتها وضممتها إلى صدري.















قال: يا محمد يقول الله جل جلاله كلها.















ففلقتها.. فرأيت نوراً ساطعاً ففزعت منه.















فقال: يا محمد مالك لا تأكل؟ كلها ولا تخف فإن ذلك النور للمنصورة في السماء وهي في الأرض فاطمة.















قلت: حبيبي جبرئيل ولم سميت في السماء المنصورة وفي الأرض فاطمة؟















قال: سميت في الأرض فاطمة لأنها فطمت شيعتها من النار وفطم أعداؤها عن حبها، وهي في السماء المنصورة وذلك قول الله عزّ وجلّ: ((ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم))(2) يعني نصر فاطمة لمحبيها»(3).















وقد أنشد المرحوم والدي(4) (قدس الله نفسه الزكية) قصيدة رائعة وطويلة لمولدها المبارك، وهذه بعض أبياتها:















درة أشرقت بأبهى سناها *** فتلألأ الورى فيها بشراها القلل







لمع الكون من سنا نور قدس *** بسنا ناره أضاء طواها







يا لها لمعة أضاءت فأبدت *** لمعات أهدى الأنام هداها















(1) اشارة إلى قوله تعالى ((إنا اعطيناك الكوثر)) سورة الكوثر: 1.







(2) سورة الروم: 4و5.







(3) معاني الأخبار: 396 و397.







(4) هو آية الله العظمى الميرزا مهدي الشيرازي (قدس سره) (1304هـ ـ1380هـ).















سيدة نساء العالمين















كانت الزهراء (عليها السلام) في بداية تكوين المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة صغيرة السن ولما تكمل عامها الثامن، إلا انها كانت عارفة واعية بالعلم الرباني اللدني وبالعصمة الإلهية التامة، بحيث أنها أدت دوراً مهماً في نشوء المجتمع الإسلامي الجديد، وامتازت بإخلاصها الشديد وتفاعلها مع الأحداث واستيعابها للرسالة السماوية..















وبالرغم من وجود نساء أخريات في بيت الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، لكنها نالت مرتبة سامية وعالية عند الله سبحانه وتعالى وفي المجتمع الإسلامي، وذلك بفضل اصطفائها من عند الله وإخلاصها وزهدها وعبادتها وإنفاقها وجهادها وصبرها وتحملها في سبيل الله...















فأدت (عليها السلام) الدور الملقى على عاتقها بأحسن وجه، فاستحقت أن تكون سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.















وفي الحديث عن المفضل قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): أخبرني عن قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في فاطمة انها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها؟















فقال (عليه السلام): «ذاك مريم كانت سيدة نساء عالمها، وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين»(1).















فاستحقت الزهراء (عليها السلام) أن يكون وجودها شرطاً لوجود الرسول الأعظم وأمير المؤمنين (عليهما الصلاة والسلام) كما جاء في الحديث القدسي، حيث كان لها (عليها السلام) الدور المكمّل والمتمم في بناء المجتمع الإسلامي والحفاظ على بقاء الإسلام وفي تحقيق الغاية من خلق الإنسان وخلق الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)؛ إذ لولا فاطمة لما خلق الأئمة(عليهم السلام) من ذرية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في هذا العالم، وعدم وجود الأئمة يعني ابطال الغرض من وجود النبي وابطال وجود الإسلام معاً، وهذان أيضاً بدورهما يسببان إبطال وجود الإنسان أيضاً..















ولذا فانه لولا فاطمة(عليها السلام) لما اصبح للنبوة امتداد وديمومة، فهي(عليها السلام) سر الامامة، مضافاً إلى ما سبق من كونها وقفت امام المؤامرات التي حدثت بعد النبي(صلّى الله عليه وآله).















أُسوة وقدوة حسنة















إن المتتبع لسيرة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يجد انها مدرسة متكاملة في مختلف أبعاد الحياة.. فينبغي أن تكون قدوة لجميع النساء بل وحتى الرجال..















فهي التي وقفت مع أبيها في تبليغ الدعوة الإسلامية، وتحملت أذى مشركي قريش مع الثلة القليلة من المؤمنين في شعب أبي طالب، وتحملت صعوبة الهجرة من مكة إلى المدينة. ووقفت أيضا بجانب أمير المؤمنين(عليه السلام) الذي أرسى دعائم الإسلام.. فكانت المجاهدة والمهاجرة.















وتحملت أيضاً الآلام وقساوة الظروف الصعبة جرّاء طلاقها للدنيا واختيارها الآخرة، كما تزوجت بأمير المؤمنين علي(عليه السلام) لتشارك في إسناد الرسالة والإمامة معاً وإرساء قواعد المجتمع الإسلامي ونشر الدعوة الإلهية بجانب أبيها وبعلها الذي نذر نفسه لله تعالى. وهذا خير مثال يقتدين به النساء المسلمات.















الحياة الزوجية















كما انها (عليها السلام) تقاسمت مع الإ‎‎‎مام ‎‎‎علي (عليه السلام) أعمال الحياة الزوجية فكانت مسؤولية داخل البيت عليها وخارجه عليفعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إن فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت، وضمن لها علي(عليه السلام) ما كان خلف الباب: من نقل الحطب وأن يجيء بالطعام، فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟















قالت: لا والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به.















قال: أفلا أخبرتني؟















قالت: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نهاني أن أسألك شيئاً، فقال: لاتسألي ابن عمك شيئاً. إن جاءك بشيء عفو، وإلا فلا تسأليه.















قال: فخرج الإمام (عليه السلام) فلقي رجلاً فاستقرض منه ديناراً ثُمَّ أقبل به وقد أمسى، فلقى المقداد بن الأسود.















فقال للمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة؟















قال: الجوع والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين.















قال (الراوي): قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ورسول (صلّى الله عليه وآله) الله حي؟















قال (عليه السلام): ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) حيٌّ.















قال الإمام علي (عليه السلام) للمقداد: فهو أخرجني وقد استقرضت ديناراً وسأوثرك به، فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جالساً وفاطمة (عليها السلام) تصلي وبينهما شيء مغطى، فلما فرغت، احضرت ذلك الشيء فإذا جفنة من خبز ولحم.















قال (عليه السلام): يا فاطمة، أنى لك هذا؟















قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.















فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ألا أحدثك بمثلك ومثلها؟















قال: بلى.















قال: مثلك مثل زكريا إذا دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقاً، قال: يا مريم أنى لك هذا، قالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب(2).















فأكلوا منها شهراً وهي الجفنة التي يأكل منها القائم (عليه السلام) وهي عندنا)(3).















لمعة من إيثارها (عليها السلام)















من الصفات النقية الأخرى التي تحلت بها الزهراء(عليها السلام)، ـ والتي يجب أن تكون درساً لأي مجتمع وأمة تريد الانطلاق إلى الأمام،ـ هي الزهد والكرم والإيثار والصبر ونحوها من مظاهر الخلق السامي الرفيع.















وقصة الاطعام التي وردت في القرآن الحكيم في سورة الدهر أفضل دليل على ذلك، حيث أنفقوا (عليهم السلام) طعامهم الوحيد المؤلف من بضعة أرغفة لا غير، إلى ثلاثة محتاجين في ثلاثة أيام متوالية بقوا فيها طاوين جائعين في سبيل الله، وذلك بعد أن نذروا أن يصوموا لله إذا برأ الحسنان (عليهما السلام) من مرض ألمّ بهما، فلما جلسوا عند الافطار ليتناولوا طعامهم، وإذا بالباب تقرع، وكان ثمة مسكين وراء الباب، فقاموا جميعاً بإعطاء أرغفتهم للمسكين وباتوا جياعاً، وهكذا فعلوا في اليوم الثاني مع اليتيم، وفي اليوم الثالث تكررت الحادثة مع الأسير، فأنزل الله تعالى سورة كاملة بحقهم وهي سورة (الدهر) ومنها هذه الآية: ((ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً))(4).















وهذه القصة روتها العامة أيضاً(5).















من عبادتها (عليها السلام)















وأيضاً كانت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي العابدة لله تعالى بإخلاص وإيمان عالٍ؛ إذ كان قلبها ينبوعاً متفجراً بمعرفة الله والارتباط به سبحانه وتعالى.















قال الإمام الحسن (عليه السلام): «رأيت أمي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء..















فقلت لها: يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟















فقالت: يا بني، الجار ثم الدار»(6).















من علوم الزهراء (عليها السلام)















ومن الصفات الأُخرى التي تحلت بها سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، ويجب على المسلمين رجالاً ونساءاً أن يقتدوا بها اكثر فأكثر هو العلم..















إذ كانت الزهراء(عليها السلام) عالمة بما للكلمة من معنى، فإنها كانت تتلقى العلم من مدينة علم الرسالة وهو النبي (صلّى الله عليه وآله) ومن بابها وهو علي (عليه السلام)(7)..















فهي العارفة بالله وبحقائق الكون وفلسفة الحياة، كما أن قربها من المسجد النبوي كان يتيح لها أن تتابع أحكام الله وتلاوة آياته المباركة.. هذا إلى جوار ما كان لها من العلم اللدني.















فمقاماتها السامية وعلومها الزخارة أهلتّها لأن تقوم بدور التربية والتعليم والتوجيه لنساء العالم في كل عصر ومصر، وخاصة نساء عصرها اللاتي كنّ يجتمعن حولها ويتلقين منها علوم الإسلام ويسألنها عن كل شيء.















وقد كانت الزهراء (عليها السلام) المعلمة والمربية حتى للرجال من خلال النساء، فعن الإمام الحسن العسكري قال (عليه السلام): قال رجل لامرأته: اذهبي إلى فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فسليها عني: أنا من شيعتكم أو لست من شيعتكم؟ فسألتها، فقالت(عليها السلام): «قولي له: إن كنت تعمل بما أمرناك وتنتهي عما زجرناك عنه، فأنت من شيعتنا وإلا فلا».















فرجعت فأخبرته، فقال: يا ويلي ومن ينفك من الذنوب والخطايا، فأنا إذن خالد في النار، فإن من ليس من شيعتهم فهو خالد في النار















فرجعت المرأة فقالت لفاطمة (عليها السلام) ما قال زوجها..















فقالت فاطمة(عليها السلام) قولي له: «ليس هكذا فان شيعتنا من خيار أهل الجنة، وكل محبينا وموالي أوليائنا ومعادي اعدائنا، والمسلم بقلبه ولسانه لنا ليسوا من شيعتنا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا في سائر الموبقات، وهم مع ذلك في الجنة، ولكن بعد ما يطهرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا أو في عرصات القيامة بأنواع شدائدها، أو في الطبق الأعلى من جهنم بعذابها، إلى أن نستنقذهم بحبنا منها وننقلهم إلى حضرتنا»(8).















(1) معاني الأخبار: ص107.







(2) اشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: 37.







(3) تفسير العياشي: ج1 ص171 و172.







(4) سورة الإنسان: 8.







(5) راجع فاطمة الزهراء (عليها السلام) في القرآن: ص313 نقلاً عن تفسير روح المعاني: ج92 ص157.







(6) علل الشرائع: ص181.







(7) اشارة إلى حديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها». عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ص233.







(8) تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص308.























خطبتها في المسجد















ومن أهم ما بقي لنا من السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) خطبتها في المسجد التي اشتملت على علوم مختلفة ومعارف جمة..















والخطبة بحاجة إلى مجلدات لتوضيحها(1)..















كما انها (عليها السلام) رسمت عبر خطبتها وسائر مواقفها النهج الصحيح للأجيال القادمة إلى يوم القيامة.















الشهادة والألم















بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كانت (عليها السلام) تعيش مع زوجها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في أعلى مراتب الجهاد من أجل الحفاظ على الدين الإسلامي والدعوة الإلهية التي أسسها وأرسى دعائمها خاتم الرسل وسيد البشر، بعد أن أصبحت مسؤوليتهما اكبر وأخطر بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)..















فلم تنظر (عليها السلام) إلى الموقف كحدث عابر، بل انها كانت تقف بوجه الاستبداد والديكتاتورية، وكانت تعتبر موقف القوم خطوة أو بداية للتراجع إلى الوراء، وتعدّه طمساً للحضارة الإسلامية المتنامية، فكان وقوفها هذا هو بداية الجهاد والاستشهاد، والذي استمر حتى مع أبنائها وذريتها، فكان جهاد الإمام الحسين سيد الشهداء (عليه السلام) في كربلاء واستشهاده، امتداد للوقفة الفاطمية الخالدة بوجه الانحراف عن الإسلام.















وأثرت هذه المواقف البطولية على صحتها كثيراً، حتى اصيبت الزهراء (عليها السلام) بجروح عديدة بعد مداهمة الأعداء لبيتها وما تبع ذلك من كسر ضلعها واسقاط جنينها محسن الشهيد.. فكان ذلك سبباً في استشهادها وهي في الثامنة عشر من العمر. وقد جاء في الروايات:















«مرضت فاطمة الزهراء (عليها السلام) مرضاً شديداً ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت صلوات الله عليها، فلمّا نعيت إليها نفسها دعت أم أمين وأسماء بنت عميس ووجهت خلف علي (عليه السلام) وأحضرته، فقالت: يا بن عمِّ انه قد نعيت إلي نفسي، وإنني لا أرى ما بي إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي...»(2).















وبعد أن سمع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وصاياها ومنها أن يتزوج بـ (امامة) من بعدها، وان يتخذ لها نعشاً، وان لا يُشهِد جنازتها من ظلمها وسلب حقها، وان تدفن ليلاً وسراً... قال لها ـ كما في رواية ـ: «من أين لك يا بنت رسول الله هذا الخبر، والوحي قد انقطع عنا؟















فقالت: يا أبا الحسن رقدت ساعة فرأيت حبيبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في قصر من الدر الأبيض فلما رآني قال: هلمي إلي يا بنية فإني إليك مشتاق.















فقلت: والله إني لأشد شوقاً منك إلى لقائك.















فقال: أنت الليلة عندي وهو الصادق لما وعد والموفي لما عاهد»(3).















وقد توفيت الزهراء (عليها السلام) مظلومة شهيدة ليلة الأحد لثلاث خلون من شهر جمادى الثانية من العام الحادي عشر من الهجرة، ولها من العمر ثماني عشرة سنة وسبعة اشهر، أي بعد وفاة والدها بثلاثة أشهر..















هكذا جاء في بعض الروايات.. وفي بعضها الآخر: انها (عليها السلام) توفيت في 13 جمادى الأولى وهناك روايات أخرى.















وبالرغم من أنها (عليها السلام) فارقت الحياة في عمر قصير، ولكنها باقية إلى ماشاء الله مدرسة للاجيال، ومشعل نور يكشف عن الزيف والاستبداد، ويقارع الطغاة الظالمين، ويقف بوجه كل من يريد طمس معالم هذا الدين الحنيف.















فالأمة تستلهم الدروس والعبر من مواقفها (عليها السلام) وبطولاتها كما تستلهم الدروس والعبر من مواقف أبنائها المعصومين (عليهم السلام) ببطولاتهم وحملهم هموم الإسلام، حيث مثلوه خير تمثيل..















وما تزال البشرية متطلعة إلى ظهور صاحب العصر والزمان الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) لإنقاذها من براثن المتسلطين والمستبدين ولمحو الظلم والعدوان، ولينشر العدل والإسلام في جميع أرجاء العالم، ويحقق الغاية والهدف الذي خلق من أجله النبي (صلّى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بنشر العدل والأمن والهدى في ربوع المعمورة.















وبما سبق يظهر بعض دلالة قول الله عزّ وجلّ في الحديث القدسي: (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما)..















فلولا فاطمة (عليها السلام) لما وجد الحجة (عليه السلام) وسائر الحجج المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) .. ولولاهم لما كان عدل ولا أمن ولا دين، فصلى الله عليك يا سيدتي يا فاطمة الزهراء وعلى أبيك وبعلك وأولادك الغر البررة.















«السلام عليك يا سيدة نساء العالمين، السلام عليك يا والدة الحجج على الناس أجمعين، السلام عليك أيتها المظلومة، الممنوعة حقّها.















اللهم صل على أمتك وابنة نبيك، وزوجة وصي نبيك، صلاة تزلفها فوق زلفى عبادك المكرمين من أهل السماوات وأهل الأرضين»(4).















وهذا آخر ما أردنا بيانه في هذا الكتيب، نسأل الله سبحانه القبول انه سميع الدعاء.















سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.















قم المقدسة







محمد الشيرازي

/ 1