نهایة النهایة فی شرح الکفایة للآخوند الخراسانی جلد 2

This is a Digital Library

With over 100,000 free electronic resource in Persian, Arabic and English

نهایة النهایة فی شرح الکفایة للآخوند الخراسانی - جلد 2

علی الأیروانی النجفی‏

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فهرس المطالب

الجزء الثاني

المقصد السادس:

في بيان الأمارات المعتبرة شرعا أو عقلا

في بيان الأمارات المعتبرة شرعا أو عقلا

حجية القطع

استحقاق العقوبة و المثوبة علي وفق القطع

عدم استحقاق العقوبة على مخالفة القطع

ما يرد علي بعث الرسل و غيره

أقسام القطع و أحكامها

الموافقة الالتزامية

اتحاد القطع: قطع القطّاع

القطع الإجمالي

إمكان التعبد بالأمارات

حجيّة الظواهر

حجيّة العمل بالكتاب

حجيّة كلام اللغويّين

حجيّة الإجماع المنقول

حجيّة الشّهرة























الصفحة 6

حجيّة الخبر الواحد

الآيات التي استدلّ بها

الإجماع على حجيّة الخبر الواحد

الأخبار التي دلّت على اعتبار اخبار الآحاد

الوجوه العقلية الدالة على حجيّة الخبر الواحد

في الوجوه الدالة على حجيّة الظن

مبحث انسداد باب العلم

في مقدمات دليل الانسداد

في نتيجة مقدمات دليل الانسداد

المقصد السابع:

في الأصول العملية

في الأصول العملية

فصل: لو شك في وجوب شي‏ء أو حرمته و لم تنهض عليه حجة

في الشبهة البدوية

في الأدلة الدالة على أصالة البراءة في الشبهة البدوية

فيما استدلّ به على الاحتياط في الشبهة البدوية

فصل: لو شك في المكلّف به مع العلم بالتكليف من الإيجاب أو التحريم

في دوران الأمر بين المتباينين

دوران الأمرين الأقل و الأكثر الارتباطيين

خاتمة: في شرائط الأصول

قاعدة لا ضرر و لا ضرار

حجيّة الاستصحاب

الاستدلال على حجيّة الاستصحاب بالأخبار

بيان الفرق بين الحكم التكليفي و الحكم الوضعي

تنبيهات الاستصحاب

لا بدّ في الاستصحاب من بقاء الموضوع

عدم جريان الاستصحاب مع الأمارة

خاتمة: بيان النسبة بين الاستصحاب و سائر الأصول العملية























الصفحة 7

تعارض الاستصحابين

المقصد الثامن:

مبحث التعادل و الترجيح

مبحث التعادل و التراجيح

تعارض الأدلة و الأمارات

في بيان التعارض بين الأمارات























الصفحة 9







المقصد السّادس:















في بيان الأمارات المعتبرة شرعا أو عقلا























الصفحة 10







في بيان الأمارات المعتبرة شرعا أو عقلا







بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ولي التوفيق و هو حسبي و نعم المعين، و صلى اللّه على محمد







البشير النذير و على آله و أصحابه المنتجبين.















قوله «قده»: و إن كان خارجا من مسائل الفن:















و ذلك لما عرفت من ان مسائل الفن هي الباحثة عمّا تقع نتيجته في طريق الاستنباط و تحصيل العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها، فلا







يكون البحث عن نفس هذا العلم منها، و امّا وجه شباهته بمسائل الكلام، فهو: ان البحث واقع هنا عن حسن العقاب و الثواب و قبحهما







بالموافقة و المخالفة للقطع، و هذا يشبه مباحث الكلام المتضمنة للبحث عن فعل المبدأ و تمييز ما يليق صدوره منه من الأفعال عمّا لا







يليق. نعم، الموضوع في هذا المبحث حسن صدور العقاب و عدمه عن مطلق العقلاء لا خصوص. المبدأ جلّ و علا، و لذا كان شبيها بمباحث







الكلام لا نفسها، و اما مناسبته مع المقام، فلحصول الاستقصاء في مسائل الحجية، التي يتضمنها بحث حجية الظن.















قوله: فاعلم انّ البالغ الّذي وضع عليه القلم:















يعني من شمله التكليف الإنشائي و وضع عليه قلم الإنشاء، و حصل للمولى الإذعان و التصديق بصلاح فعله، و إن كان مزاحما بما يمنعه







عن الوصول إلى درجة الفعلية و الإرادة و الكراهة، و هذا تفسير























الصفحة 12







للفظ المكلّف الواقع في كلام شيخنا المرتضى «قده» دفعا للاعتراض الوارد عليه، و هو: انّ التكليف يكون في رتبة متأخّرة عن الالتفات،







فكيف يؤخذ عنوان المكلف في رتبة سابقة عليه و يجعل مقسما. و يقال: فاعلم انّ المكلّف إذا التفت إلى حكم... إلخ.















و حاصل الدفع: انّ الاعتراض متّجه ان كان المراد من المكلف من توجه إليه التكليف الفعلي، كما هو ظاهر لفظه، لكن المراد منه هو







الداخل تحت التكليف الإنشائيّ بقرينة التقييد بقوله: إذا التفت. ثم انّ التقييد بالبلوغ لم أعرف وجهه، فان الحكم الملتفت إليه ان عمّ







أحكام الغير تحقق هذا التقسيم في شأن الصبي المميّز إذا التفت إلى حكم البالغين، و ان اختصّ بحكم نفس الملتفت لم يشمل الالتفات إلى







أحكام المقلّدين. و دعوى: انّ المقسم الالتفات الّذي يكون له أثر، امّا في حقّ نفسه أو في شأن الغير، و التفات غير البالغ لا أثر له، و لذا







قيد الالتفات بالبالغ. مدفوعة: بأنّ اللازم على ذلك التقييد بسائر شرائط جواز التقليد، لأنّ التفات الفاسق إلى أحكام الغير و قطعه و







ظنّه و شكّه لا أثر له.















قوله: إلى حكم فعلي واقعي أو ظاهري... إلخ:















الحصر الثنائي بين الحكم الواقعي و الظاهري غير تام على مسلكه، من: أنّ مؤدّى أدلّة اعتبار الأمارات جعل الحجية دون جعل الحكم







الظاهري. و الصحيح على هذا المسلك، أن يقال: إذا التفت إلى حكم واقعي أو ظاهري أو حجة شرعية على أحدهما، فإمّا أن يحصل له







القطع أو لا، و على الثاني، المرجع هو العقل، و المتبع هو حجته. ثم انّ المصنّف العلامة «قده» غفل عمّا هو مقصد شيخه من تثليث الأقسام،







فانّه أراد بذلك بيان موضوع كل رسالة رسالة من الرسائل التي اشتمل عليها كتابه، فنبّه بحصر الأقسام في ثلاثة: على موضوع الرسالة







الأولى، و هو القطع، و موضوع الرسالة الثانية: و هو الظنّ، و موضوع الرسالة الثالثة و الرابعة، و هو الشكّ بأقسامه الأربعة، التي بيّنها







في كتابه، و هي موضوع رسالة الاستصحاب، و الأقسام الثلاثة لموضوع رسالة البراءة الباحثة عن أصول ثلاثة، و إن كان عنوانها







أصالة البراءة.























الصفحة 13







و من المعلوم انّ هذا الغرض يفوت بتلخيص العبارة و ذكر الأقسام الثلاثة في ضمن حصر ثنائي، و ليس كلّ اختصار و تلخيص مرغوب







فيه، بل ما لم يخل بالغرض و المقصود.















قوله: لعدم اختصاص أحكامه:















كما لا تختصّ أحكامه بما إذا كان متعلّقا بالحكم، بل تعم ما إذا تعلّق بالحجّة، بل لو عممنا الحجّة للحجّة العقلية انحصرت الأقسام في







واحد، فانّ الشخص إذا التفت إلى القانون الّذي ينبغي أن يعمل عليه سواء كان ذلك حكما واقعيا أو ظاهريا أم حجّة شرعية أو عقلية







حصل له القطع به البتة من غير ثان.















قوله: و إن أبيت إلاّ عن ذلك فالأولى أن يقال:















هذا شروع في بيان إشكال آخر أورده على عبارة شيخه، حيث جعل عنوان الأقسام الثلاثة: القطع و الشك و الظنّ، جاعلا الثاني







موضوعا للأصول، و الثالث موضوعا للأمارات، مع انّه ربّما تقوم في حال الشك أمارة معتبرة و التكليف يقضي بالأخذ بها دون الأصول،







كما ربّما يكون التّكليف في مورد الظنّ هو الرجوع إلى الأصول، لعدم الدليل على اعتباره، فيحصل التداخل بين القسمين في حكمهما،







فلذلك عدل إلى التقسيم الثلاثي الّذي بيّنه في المتن.















حجّيّة القطع















قوله: لا شبهة في وجوب العمل:















ليس وجوب العمل على وفق القطع من مدركات العقل، كما في حسن الإحسان و قبح الظلم، بل هو عبارة عن تأثير القطع في الحركة







الخارجية نحو المقطوع حسنه، أو في الفرار عن المقطوع ضرره و قبحه، و هذا التأثير خصوصية تكوينية و قوة عقلية عمالة، فإذا أدرك







العقل بقوته العلامة حسن فعل، كإطاعة المولى مثلا، ثم قطع بصغرى هذا الكبرى، المدركة أثر قطعه ذلك في الحركة نحو المقطوع







تأثيرا اقتضائيا ما لم يمنع عنه سائر القوى، كالقوة الشهوية























الصفحة 14







و الغضبية، فإنّ لكل من القوى هاتين الجهتين: جهة الإدراك وجهة التأثير في الحركة نحو ما أدرك ملائمته، و لو لا ذلك لم يكن مجرد







إدراك العقل ملائمة شي‏ء، و إدراك سائر القوى ملائمة أشياء، مؤثّرا في تحريك الشخص نحو ما أدرك و يبقى واقفا لا يتحرك،







فالحركة عقلية كانت أم شهوية أم غضبيّة لا زالت نتيجة قوتين:















قوة الإدراك و قوة التحريك، فلو كان وجوب العمل على وفق القطع من قوة الإدراك لآل الأمر إلى التسلسل، فإن القطع بحكم العقل







بوجوب العمل بالقطع أيضا، مصداق للقطع، يحكم العقل بوجوب العمل على وفقه و هلمّ جرّا، و لكان هذا الحكم العقلي عين حكم العقل







بوجوب الإطاعة لا حكما آخر، و لما أثر في الحركة الخارجية.















قوله: موجبا لتنجز التكليف الفعلي:















يعني كونه موجبا لحكم العقل بحسن العقاب على مخالفته، و الثواب على موافقته فيما أصاب بناء على انّ استحقاق الثواب و العقاب عقلي،







لا بالوعد و الوعيد. و أيضا كونه موجبا لحكم العقل بقبح العقاب بموافقته فيما أخطأ. و امّا حكم العقل باستحقاق العقل بمخالفته فيما







أخطأ و كذلك الثواب بموافقته في هذا الحال، فهو من محل الإشكال، الّذي سيأتي البحث عنه مستقلا بعنوان التجري و الانقياد. ثم







الظاهر: انّ أعذار العقل في صورة الخطأ ليس بعنوان القطع بما هو قطع، بل بعنوان الجهل القصوري العام، فانّ من مصاديق الجاهل







القاصر، هو القاطع بخلاف الواقع، فعدّ ذلك من أحكام القطع، ليس على ما ينبغي.















قوله: و لا يخفى انّ ذلك لا يكون بجعل جاعل:















يعني انه خصوصيّة تكوينية لازمة لذات القطع، و ما هذا شأنه لا يكون مجعولا بسيطا، كما هو واضح و لا تأليفيا تكوينيّا و لا تشريعيّا لأنّ







جعله يرجع إلى تحصيل الحاصل بعد فرض لزومه للذات تكوينا، المستلزم لمجعوليته بجعلها، فهو حاصل مجعول بجعل محله بلا انتظار







جعل آخر، و معه لا يعقل أن يكون مجعولا بجعل آخر، مع ان جعله مستلزم للتسلسل، لتعلق القطع بهذا الجعل المحتاج أيضا إلى الجعل، و







هلمّ جرّا. ثم انّ ما ذكره من المجعولية























الصفحة 15







بجعل القطع لا بجعل آخر بالنسبة إلى الحكم الأول، أعني وجوب متابعة القطع صحيح، بناء على ما قدّمناه من معنى وجوب المتابعة، و ان







ذلك بمعنى التأثير التكويني في الحركة. و الظاهر انّه المراد من اسم الإشارة بقرينة ما سيذكره، من لزوم اجتماع الضدين في صورة







المنع. و امّا بالنسبة إلى حكم العقل بالمنجزية و المعذرية، أعني حكمه بحسن العقاب و الثواب و قبحه، فلا معنى محصل له، فان حكم







العقل بهما قائم بالنفس، و ليس من الخصوصيات القائمة بالقطع ليكون مجعولا بجعله، فلا بدّ انّ يراد من ذلك مجعولية الخصوصية







القائمة بالقطع، الموجبة لحكم العقل لا نفس حكم العقل.















قوله: مع انّه يلزم منه اجتماع الضدين اعتقادا مطلقا:















يعني وجوب الواقع المقطوع وجوبه و حرمة العمل بهذا القطع، فيكون الواقع بذاته واجبا، و بما انه مقطوع الوجوب حراما، و يكون كما







إذا قيل أكرم زيدا و لا تكرم زيدا العالم. و لا فرق في ذلك بين أن يكون القطع جزء الموضوع و ان يكون تمامه، فان اجتماع الضدين







في نظر القاطع لا محالة لازم. و يحتمل أن يراد من اجتماع الضدين وجوب العمل بالقطع المجعول بجعل ذاته تكوينا، و المنع عن العمل







به تشريعا. و من ذلك يظهر لزوم اجتماع المثلين اعتقادا مطلقا و حقيقة في صورة الإصابة من جعل وجوب المتابعة للقطع، فيكون







المتحصل من ذلك و مما ذكرناه أوّلا براهين ثلاثة في جانب عدم معقولية الجعل برهان تحصيل الحاصل، و برهان التسلسل، و برهان







اجتماع المثلين، و في جانب المنع عن العمل برهان واحد، و هو برهان اجتماع الضدين و لو اعتقادا، ثم انّ إطلاق الحجّة على القطع في







أحكامه الثلاثة، أعني وجوب المتابعة و المنجزية و المعذرية، جار على اصطلاح أهل الميزان، لأنّ القطع موضوع للأحكام الثلاثة العقلية،







فصح جعله وسطا لإثباتها، فيقال: هذا ما قطع بوجوبه، و كل ما قطع بوجوبه يجب الإتيان به عقلا، و يصحّ العقاب على مخالفته مع















الموافقة، و يقبح العقاب على مخالفته مع الموافقة.















قوله: و إن كان ربّما يوجب موافقته استحقاق المثوبة:















و ذلك فيما إذا كان المانع























الصفحة 16







عن الفعلية من قبيل مصلحة التسهيل على العباد و عدم إيقاعهم في المشاق، فان هذا يحصل بعدم توجيه تكليف إلزامي إليهم، مع كون







الفعل تام المصلحة غير مزاحمة مصلحته بمفسدة.















امّا إذا كان المانع عن الفعلية مفسدة اشتمل عليها الفعل فلا استحقاق، بل أقول: انّ الثواب و العقاب من خواص الإطاعة و العصيان، و امّا







الإتيان بالمصالح و المفاسد العارية عن الطلب، فلا يترتب عليه إلاّ المدح و اللوم من العقلاء دون الثواب و العقاب من المولى.















نعم، فيما كان المانع من فعلية التكليف مصلحة التسهيل، بأن لم تكن مصلحة الفعل بمثابة تقوى على مفسدة إيقاع الغير في المشقة







بالتكليف و الإلزام، استحق الثواب. و لكن ذلك ليس لأجل مجرد الإتيان بما فيه المصلحة بل الطلب الفعلي غير الإلزاميّ موجود على







طبقها، فان المانع لم يمنع إلاّ عن الإلزام. و امّا أصل الطلب فالمقتضي له غير مزاحم بمانع، فلا بدّ أن يكون فعليا.















و على ما ذكرنا يقع الإشكال في استحقاق الثواب بالاحتياط في مجاري البراءة و الأصول النافية للتكليف، إلاّ أن يلتزم بالاستحباب







المولوي في أوامر الاحتياط، أو يلتزم بأن ذلك ثواب الانقياد، و لذا يستحقه، خالف الواقع أو اصابه.















قوله: نعم، في كونه بهذه المرتبة موردا:















لا مناسبة معتدا بها لهذه العبارة مع المقام.















استحقاق العقوبة و المثوبة على وفق القطع















قوله: الأمر الثاني: قد عرفت أنّه لا شبهة:















انّ العقاب و الثواب في الإطاعة و المعصية الحقيقتين، امّا أن يترتّبا على الخصوصيات الكامنة في النّفس، من الشقاوة و السعادة







الذاتيتين، أو يترتّبا على ما ينشأ من القصد: و هي الحركة الخارجية المعنونة بعنوان الإطاعة تارة، و بعنوان المعصية أخرى لكن الأول







باطل بالقطع، و الثاني مختار المصنف «قده»، و الثالث مختار شيخنا المرتضى «قده».















و تحقيق هذا الكلام أجنبي عن مسألة التجري، و إن أدرجه المصنف «قده» فيها























الصفحة 17







و مزجه بها مزجا، تحتاج فيه تصفية كل من الكلامين عن الآخر إلى إمعان النّظر و البحث عن مسألة التجري وظيفة من يقول: بأنّ العقاب







أو الثواب في المعصية و الإطاعة الحقيقيّتين على الفعل. و امّا من يقول: بأنّهما على القصد أو على تلك الخصوصية الذاتيّة المستتبعة







للقصد، ففي راحة عن هذا البحث. و أيضا نزاع القائلين بترتبهما على الفعل نزاع صغروي، فانّهم مع قصدهم الثواب و العقاب على







الإطاعة و المعصية الحقيقيّتين، يبحثون عن ترتبهما على التجري و الانقياد بحثا صغرويا، و هو:















انّ القطع بحرمة شي‏ء ليس بحرام، أو وجوب شي‏ء ليس بواجب، هل يوجب انقلاب الفعل عما هو عليه من الحسن و القبح، بتأثير منه في







ذلك، و كذلك يوجب انقلاب الّذي كان عليه، فيصير الفعل المباح بالقطع بحرمته قبيحا و حراما، و يكون إتيانه حينئذ معصية، فيستحق







عقاب العصاة. و كذلك جانب القطع بالوجوب، أو لا يوجب الانقلاب، و ليس القطع من العناوين المؤثرة في الحسن و القبح و الإيجاب و







التحريم.















و الحاصل: ان النزاع واقع في انه هل من العناوين القبيحة فعل مقطوع القبح، و بالملازمة يثبت تحريمه شرعا، ثم يترتّب عليه استحقاق







العقاب؟ و الإنصاف: انّ سلب كونه من العناوين القبيحة ليس بذلك الوضوح، بل لا تبعد دعوى ذم العقلاء على إتيان ما يعتقد الشخص







قبحه، فلو أرسل العبد ماءً أو أجّج نارا أو ألقى حائطا، باعتقاد انّ ذلك يقع على مولاه و يهلكه، و كذا لو أرسل إليه سبعا أو ألقى نفسه من







شاهق، فانّه يذم في كل ذلك على فعله، فيكشف ذلك عن قبحه، و حيث انه لا قبح في ذاته، يكشف ذلك عن انّ القبح قد أتى إليه من قبل







وصف القطع بالقبح.















نعم، فيما إذا تجري بفعل واجب أو ترك حرام، لا يبعد من عدم استحقاق الذم و اللوم على الفعل، و إن كان ملوما من حيث الخبث







الفاعلي، أو يوازن بين جهات الواقع و جهات التجري، فيحكم بتأثير الأقوى منهما ملاكا، فيمكن على ذلك اتّصاف الفعل المتجري به بكل







من الأحكام الخمسة، كما ذهب إليه بعض الفحول.























الصفحة 18







ثم انّ المصنف «قده» قد استدلّ على عدم تحريم الفعل المتجري به، بأنّ الفعل بعنوان مقطوع الحرمة أو الوجوب لا يكون اختياريا، و مع







ذلك كيف يكون متعلّقا للحكم، و محكوما بالوجوب و التحريم؟ و توضيح ما أفاده هو: انّ الفعل المتجري به كشرب الماء المقطوع







بحرمته أو خمريته، له عنوانان واقعيان، و هو كونه شرب ماء و كونه مقطوع الحرمة، أو شرب مقطوع الخمرية، و عنوان واحد خيالي،







و هو كونه حراما أو كونه شرب خمر، و قد تعلّق القصد به بعنوانه الخيالي، و المفروض انه ليس له واقع دون عنوانه الواقعي، أعني كونه







شرب ماء للقطع بأنّه ليس له واقع، أو عنوان كونه مقطوع الحرمة، لعدم التفات القاطع إليه، و إنّما هو متوجه إلى ذات ما قطع به دون







عنوان المقطوعيّة الآتي من قبل قطعه، فانّه غير ملتفت إليه، فما تعلق القصد به ليس له مطابق في الخارج، و ما هو المتحقق في الخارج، لم







يتعلق القصد به.















و امّا دعوى: انّ الفعل بعنوان الشرب لجنس المائع المشترك بين عنوانه الواقعي، الّذي هو شرب الماء، و عنوانه الاعتقادي المقصود،







الّذي هو شرب الخمر، مقصود لا محالة، و ان لم يكن مقصودا بعنوان شرب الماء.















فهي محجوجة: بأنّ الاختيار إذا تعلق بالجنس تحت فصل من فصوله لم يكن الجنس المطلق متعلقا للاختيار، بل كان المتعلق للاختيار







خصوص الحصة الموجودة في ضمن ذلك الفصل، و المفروض انها ليست الواقعية، فليس شي‏ء من مراتب الأجناس المتصاعدة، صادرة







بالاختيار.















و الجواب عن هذا الاستدلال:















امّا أوّلا: فبأنه إذا قصد الفعل بعنوان حرام، و كان في الواقع معنونا بعنوان آخر حرام، كفى ذلك في كون الفعل الحرام اختياريا و في







استحقاق العقاب عليه، فلو قطع الشخص بخمرية ماء فشربه ثم ظهر انه نجس، أو اعتقد انه المصداق الكذائي للخمر فظهر انّه المصداق







الآخر لها، عوقب على شربه. و أوضح من ذلك: ما لو اعتقد انّ فعلا بمرتبة خاصة من تأكّد الحرمة فارتكبه، ثم ظهر انه بمرتبة أخرى،







فان























الصفحة 19







الفعل في الجميع بعنوان انه حرام اختياري. و السّرّ في ذلك: انّ ذات الحركة الصادرة من الشخص في صورة اشتباه العنوان اختيارية و







ليست قسريّة، فان الضرورة شاهدة بأن الانقباض و الانبساط الحاصلين حينئذ، حاصلان عن مبدأ الاختيار، و العناوين المعتقدة من







قبيل دواعي الإرادة لا من قبيل قيود المراد.















نعم، لا يكفي مجرد هذا الاختيار في ترتب التحسين و التقبيح، المترتبين عقلا على العنوان، بل يحتاج إلى قصد ذلك العنوان الحسن و







الآخر القبيح، و لكن يكفي قصد جامع كل من العنوانين، فلو قصد عنوانا حسنا فظهر انّه عنوان حسن آخر، أو قصد عنوانا قبيحا فظهر







انّه عنوان قبيح آخر، ترتب على الأول التحسين و على الثاني التقبيح.















و امّا ثانيا: فالذهول عن القطع و عن عنوان المقطوعية في الغالب، ممنوع، بل أول ما يلتفت الإنسان إليه هو علمه، و انه يعلم ما يعلم،







فيختار ما يعلم انّه أكل كذا أو شرب كذا و الذهاب إلى كذا إلى غير ذلك، و يكفي في التقبيح الإتيان بالفعل مع العلم بانطباق عنوان







قبيح عليه، و لا يلزم أن يكون ذلك العنوان هو المحرك للعمل، فلو علم بأنّ فعله هذا قتل أو ضرب كان قبيحا و يذم على فعله، و إن لم







يقصده بعنوان انّه قتل، بل كان له في ذلك غرض آخر.















قوله: و إن قلنا: بأنّه لا يستحق مؤاخذة أو مثوبة:















سينتهي كلام المصنف «قده» إلى ما يستلزم ترتب الثواب و العقاب على الخصوصيات الذاتيّة، الكامنة في النّفس، حيث علل تكليف العصاة







بأنه لأجل إقامة الحجة، و مرجع ذلك إلى حصول سبب العقاب، لو لا التكليف، و إنّما التكليف لأجل أن لإيجابه العبد مولاه، بان ذاتي ذات







طيبة، لو كنت كلفتني لرأيتني ممتثلا، و كي لا تكون له على اللّه الحجة.















قوله: ضرورة انّ القطع بالحسن:















بل لا يبعد أن يكون القطع من الوجوه و الاعتبارات المغيرة للفعل، فيكون من جملة الأفعال القبيحة فعل ما يعتقد الشخص قبيحة، امّا







مطلقا أو بشرط أن لا يكون فيه حسن ملزم يصادم القبح الآتي من قبل اعتقاد القبح. و ما ادعاه المصنف «قده» من الضرورة، باطل. فان







ما ذكرناه لو























الصفحة 20







لم يكن ضروريا فلا أقل من غموض المسألة، و كونها محتاجة إلى النّظر و التأمّل.















قوله: لا يقصده إلاّ بما أنّه قطع انّه عليه:















إذا علم و التفت إلى انطباق عنوان قبيح على فعله، كفى ذلك في تحقق اختيار القبيح، و ان لم يقصده بما انّه قبيح. و دعوى الذهول عن







الانطباق المذكور، و هي الدعوى الآتية قد عرفت فسادها، بل قد عرفت انّ اعتقاد انطباق عنوان قبيح خطأ، يكفي في التقبيح بالعنوان







الواقعي القبيح.















عدم استحقاق العقوبة على مخالفة القطع















قوله: إن قلت: إذا لم يكن الفعل كذلك:















لم أعرف موقعا لهذا الإشكال بعد التصريحات السابقة: بأنّ العقاب ليس على الفعل بل على القصد، كما أجاب به عن الإشكال. و الظاهر







انّ المصنف «قده» أراد بذكره ذلك التمهيد للإشكال الآتي، و فيه ما لا يخفى. و لقد كان حق الإشكال الآتي هو التقديم، و ذكره عند ذكر







العقاب على القصد، و قد خلط المصنف «قده» بين مسألة التجري و مسألة ما يكون عليه العقاب في المعاصي، فتارة تتكلم في هذه و







أخرى في تلك.















و الحق: انّ القصد بنفسه لا يترتب عليه العقاب في أحكام العقلاء، بل العقاب على فعلية مخالفة التكليف لا على مجرد قصد المخالفة، بحيث







لو دلّ دليل على ترتب العقاب على القصد، كشف ذلك عن تعلق النهي بالقصد، و كون القصد بنفسه مخالفة عملية للتكليف، كيف، و لو







كان القصد بنفسه موجبا لاستحقاق العقاب، لزم أن يستحق من قصد مخالفة التكليف، العقاب، و ان عدل عن قصده و أطاع، أو لم يتمكن







من المخالفة، مع وضوح بطلانه.















و دعوى: انّ الندم يسدّ مسدّ العقاب، مدفوعة: بأنا نفرض عدم حصول الندم عمّا مضى ليكون توبة، بل كان مجرد عدول عن القصد فيما







سيأتي، أو كان مجرد عدم الفعل، و لو بلا اختيار ثم انّ إشكال عدم اختيارية القصد يسري إلى الفعل، فلو لم يكن القصد اختياريا يصحّ







العقاب عليه، و لم يكن الفعل - أيضا - اختياريا،























الصفحة 21







لأنه صادر بذلك القصد غير الاختياري، و المعلول لأمر غير اختياري، غير اختياري. فليس إشكال العقاب على أمر غير اختياري مختصا







بالعقاب على القصد، إلاّ أن يقال: انّ الاختياري حيث ما يطلق، يراد منه ما كان صادرا عن مبدأ العلم بالصلاح و الخير، مقابل الاضطراري







الصادر لا عن هذا المبدأ، و هذا هو الّذي يترتب عليه الثواب و العقاب في حكم العقل، و هو حاصل في الفعل و غير حاصل في القصد، و إلاّ







لزم التسلسل، إلاّ أن يلتزم بأنّ اختيارية القصد بنحو آخر و بنفس ذاته لا بقصد آخر، كي يلزم التسلسل، و امّا ما ذكره المصنف «قده»،







من:















انّ بعض مبادئ الاختيار غالبا يكون بالاختيار، و ان لم يكن مبدأه الأول، أعني تصور الفعل، و كذا مبدأه الثاني، أعني الميل إليه







بالاختيار، و قد أوضح ذلك في حاشيته على الرسائل.















ففيه: مع انّ الغلبة لا تجدي لأنّ المفروض استحقاق العقاب دائما انّ إشكال التسلسل وارد عليه و لا يكاد يتخلص منه، فان ذلك المبدأ







الّذي يكون بالاختيار يحتاج إلى مقدمات الاختيار حيث كان بالاختيار، فننقل الكلام إلى مقدمات ذلك الاختيار، فان كانت بلا اختيار







كان الاختيار بلا اختيار، و إلاّ عاد هذا الكلام إلى ما لا نهاية له و تسلسل.















و امّا ما أجاب به أخيرا من الالتزام باستحقاق العقاب على القصد، و إن لم يكن بالاختيار، فتترتب على ما لا بالاختيار، أعني القصد







المنبعث عن الخصوصية الذاتيّة الكامنة في ذات العبد، حالة في العبد يعبر عنها بالبعد عن المولى، و يكون من آثارها العقاب، فالعقاب







أثر تلك الحالة، و هي أثر قصد المعصية، و قصد المعصية أثر خصوصية كامنة في ذات العبد، مثل انّ طينته من عليين أو من سجين،







فالذات تؤثر في حصول العقاب تأثير العلل التكوينيّة في معاليلها، و لا ينافي ذلك لحوق التوبة و الشفاعة و سائر موجبات الخلاص من







النار، فانّ الذات الموفقة للتوبة و التي تشملها الشفاعة ذات خيّرة و طينتها من عليين، و الذات الشريرة التي تعصي و تقود معصيتها







صاحبها إلى أن توصله إلى جهنم، لا تتوفق للتوبة و لا تصلح أن























الصفحة 22







تشملها العناية الإلهية و الشفاعة النبوية «و لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى».















هذه خلاصة ما رامه المصنف «قده»، و أنت خبير بأنّ سلوك هذا المنهج يفضي إلى أن يكون تكليف العصاة نقمة عليهم، قائدا لهم إلى







الدركات، كما ان تكليف المطيعين يكون رحمة لهم، موصلا لهم إلى الدرجات، فإنّ ظهور الخصوصيّات الكامنة بالقرب و البعد الفعليين







يكون بسبب التكليف، فيطيع طائفة المطيعين، فيستحقون بذلك الدرجات، و يكون تكليفهم لطفا لهم و موجبا لفعلية كمالاتهم، و يعصي







طائفة العصاة فيستحقون بها الدركات، و يكون تكليفهم قهرا عليهم، موجبا لفعلية نقائصهم الذاتيّة.















و الّذي يختلج بالبال: هو انّ التكليف الّذي هو هداية السبيل المترتب عليه كون المكلف «إمّا شاكرا و إمّا كفورا»، لطف من اللّه العزيز،







لأجل تكميل النفوس و إيصالها إلى كمالاتها الفعلية، من غير فرق بين العصاة و المطيعين، و حيث انّ الوصول إلى تلك الكمالات لا يكون







إلاّ بإتعاب النّفس و حملها على المشاق، بالإرادة و الاختيار، كما قال شاعر العجم: «نابرده رنج گنج ميسّر نميشود»، و المشقة المكملة







إحدى مشقتين: مشقة العمل بالتكليف في دار التكليف، و مشقة العقاب في دار الجزاء، فإذا اختار المكلف مشقة دار التكليف، كمل في دار







التكليف و استحقّ نعيم الجنان، بمجرد الرحلة من هذه الدنيا، و إذا اختار مشقة العذاب، احتاج إلى التكميل في الدار الآخرة بالعقاب، فإذا







عوقب التحق بأولئك الأوّلين، و قد اختار المولى اختيار المشقة الأولى، لكونها أهون بمراتب في جنب عذاب الآخرة.















لكن هذا المنهج لا ينجح عموما و لا يصحح الخلود في نار جهنم، و قد أنكر الخلود في العذاب بعض أهل المعقول مع الاعتراف بالخلود في







نار جهنّم، قائلا: بأنّ أهل جهنّم ينتهي شأنهم إلى الالتذاذ بنار جهنّم و الأنس بمؤلماتها. و أنت خبير: بأنّ كلّ ما يقال في أمثال هذه







المسائل التي لا سبيل إلى العلم بحقيقة الحال فيها، ان لم يكن كفرا، فهو فضول و رجم بالغيب و تخرّص، و المتبع في ذلك كلام أهل







الوحي، فكل























الصفحة 23







ما يصدر منهم نؤمن به و كل ما سوى ذلك نكفر به.















ما يرد على بعث الرسل و غيره















قوله: و يكون حجة على من ساءت سريرته:















أي يكون قاطعا سبيل الاعتراض عنهم، بمثل «لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك»، و أنت خبير: بأنّ التكليف لغرض العقاب من أقبح







ما يكون، و يظهر من هذه العبارة: أنّ تلك الخصوصية الذاتيّة هي المستتبعة للعقاب، و انّ الاستحقاق ثابت بلا توسط قصد المعصية، و انّ







التكليف لمجرد قطع اعتراضهم و مقتضى ما سبق منه أن يكون التكليف هو المحصّل لسبب الاستحقاق، و هو القصد إلى العصيان، و هو







أشد فسادا من هذا، لما عرفت من انّه مستلزم لأن يكون التكليف نقمة على العصاة، كما كان رحمة للمؤمنين الأبرار.















قوله: إذ للخصم أن يقول: بأن استحقاق:















مقصوده: انّ المصادف قطعه للواقع هو الّذي خالف و عصى عن عهد، و امّا غير المصادف فلم يتحقق منه اختيار المعصية الواقعية.















نعم، المتحقق منه اختيار ما تخيله معصية، فظهر عدمها، فهو غير عاص بلا اختيار، و غير العاصي بلا اختيار لا يستحق العقاب كغير







العاصي بالاختيار، فان الاستحقاق يحتاج إلى سبب اختياري، فإذا انتفى، انتفى الاستحقاق، كمن ترك المعاصي نسيانا أو لا عن شعور.















قوله: بل عدم صدور فعل منه:















مقصوده: التفصيل بين الجهل بالحكم و الجهل بالموضوع.















ففي الأوّل: نفس الفعل الصادر من المتجري اختياري، و عدم كونه معصية لا بالاختيار.















و امّا في الثاني: فنفس الفعل خارج عن الاختيار. و قد تقدم توضيح القول في عدم اختيارية الفعل، مع جوابه.























الصفحة 24







قوله: كما لا وجه لتداخلهما:















نعم، لا وجه لتداخلهما إذا كان أحد الاستحقاقين بسبب القصد و الآخر بسبب الفعل، و امّا إذا كان أحد الاستحقاقين بالقصد و الآخر







بالفعل المجرد، الصادر عن القصد، و قد تكرر القصد في المقامين، فلا جرم يكون في مورد الفعل الصادر عن القصد سبب واحد، لأنّ







القصد واحد، و معه يتحد المسبب البتة، مع انّه يحتمل أن يكون المراد من التداخل اشتداد العقاب لا سقوط التأثير عن أحد السببين رأسا.















إلاّ أن يقال: أنّ الاشتداد إن كان بمعنى الجمع بين العقابين، فهو ليس تداخلا، و إلاّ فما ذا يكون عدم التداخل في المقام؟ و إن كان بمعنى







الشدة في السنخ الواحد من العقاب، فلا وجه له مع فرض اختلاف موجب العقاب في السنخ، و هو عين عدم التداخل مع فرض عدم







الاختلاف.















أقسام القطع و أحكامها















قوله: و قد يؤخذ في موضوع حكم آخر يخالف:















في العبارة تسامح، و مقصوده جواز أخذ القطع بحكم في موضوع حكم آخر متعلق بموضوع آخر، كما إذا أخذ القطع بحرمة الخمر قيدا







لموضوع وجوب التصدق، أو لموضوع حرمة الكذب، و كون متعلق القطع هو الحكم المماثل، كما في الصورة الثانية، أو المخالف كما في







الأولى، حيث انّهما، أعني الحكم المترتب على القطع و الحكم المتعلق به القطع، في موضوعين، فلا يلزم اجتماع الضدين أو المثلين.















نعم، يستحيل أخذه قيدا في نفس موضوع الحكم الأول، الّذي تعلق به القطع للزوم اجتماع المثلين أو الضدين، بنحو يكون أحدهما







استقلاليا و الآخر ضمنيا في متعلق الحكم الأوّل، و إن لم يلزم ذلك في متعلق الحكم الثاني.















قوله: و في كل منهما يؤخذ طورا بما هو كاشف:















فانّ للقطع جهتين و حيثيتين:















جهة كونه صفة من صفات النّفس، و في هذه الجهة يشارك سائر صفات النّفس، من الجود و الشجاعة و العدالة. و جهة كونه ذا كشف و







حكاية عن متعلقه، و في هذه























الصفحة 25







الجهة يمتاز عن سائر الصفات النفسانيّة، إذ ليس فيها هذا الكشف.















و حينئذ قد يؤخذ في الموضوع بجهته الأولى، كما قد يؤخذ فيه بجهته الثانية.















و يمكن أن يؤخذ فيه بكلتا الجهتين، كأخذ زيد في الحكم بما هو عالم و هاشمي جميعا.















و لكن الحق بطلان التقسيم المذكور. بيان ذلك: انّ الحكم إن تعلق بالقطع بما هو صفة، كان اللازم أن يعم الحكم سائر الصفات أيضا،







لما تقدم من مشاركته بهذه الجهة لسائر صفات النّفس، مع انّهم لا يلتزمون به، و خلاف المفروض من تعلق الحكم بالقطع. و ان اختص







الحكم بالقطع، كان ذلك الحكم حكما على جهة كشفه و واردا على فصله، المميز له عن سائر الصفات، و ليس ذلك إلاّ جهة كشفه عن







الواقع، إذ ليس له جهة مميزة غيره.















و بالجملة: انّ تعلق الحكم بالجهة المميزة، كان ذلك حكما على القطع بما هو كاشف، و ان تعلق الحكم بالجهة المشتركة، لم يكن ذلك







حكما على القطع، بل حكما على كل صفة للنفس و من ذلك القطع.















نعم، لا بأس بالحكم عليه تارة بما هو كاشف بإلغاء جهة كونه صفة للنفس، أو أخرى بما هو صفة خاصة كاشفة عن الواقع، فيكون الدخيل







في الموضوع على الأول محض جهة الكشف، و على الثاني جهة الصفتية منضما إلى جهة الكشف.















و ربّما يتوهم: انّ القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الكشف لا يعقل أن يكون على وجه تمام الموضوع، و هو توهّم ناشئ من حسبان







انّ المراد من الكشف هنا الكشف الحقيقي، الموجود في العلم، مع انّ المراد منه الكشف الزعميّ، أعني به الكشف في نظر القاطع، فان







القطع هو الاعتقاد الجازم، و العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع.















نعم، أخذ العلم في الموضوع على وجه تمام الموضوع غير معقول.















قوله: من الصفات الحقيقية ذات الإضافة:















أخرج بالقيد الأول الصفات الاعتبارية التي لا وجود لها في الخارج، فإن العلم ان لم يكن جوهرا و عين النّفس























الصفحة 26







فلا أقلّ من كونه صفة حقيقية قائمة بها، و بالقيد الثاني أخرج سائر الصفات الحقيقية، التي لا إضافة لها إلى شي‏ء، كالشجاعة و الجبن و







الكرم و البخل، و لكن لا يخفى ان إضافة العلم إلى الخارج، و بعبارة أخرى إضافة المعلوم بالذات إلى المعلوم بالعرض، ليست إلاّ بمعنى







التطابق بين الأمرين، و كون ما في النّفس عالما عقليا مضاهيا للعالم الحسّي، و إلاّ فأيّ نسبة و إضافة منقولية بين الصور المجرّدة







العقليّة، و الصور المادية الخارجية؟.















قوله: ثم لا ريب في قيام الطرق و الأمارات:















هذا البحث راجع إلى مقام الإثبات، و إنّ أدلة التنزيل ناهضة بتنزيل الأمارات منزلة القطع بأقسامه، أو غير ناهضة إلاّ بتنزيلها منزلة







القطع الطريقي، و خصوص القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الكشف، أو غير ناهضة إلاّ بالتنزيل منزلة القطع الطريقي فقط، و إلاّ







ففي مقام الثبوت لا إشكال في إمكان قيام الأمارات مقام القطع بأقسامه، و في إمكان التعبير عن ذلك بعبارة واحدة جامعة.















فالنزاع في انّ مثل تنزيل الظن منزلة القطع و نحوها من العبارات المشتملة عليها أدلّة الاعتبار، وافية بمجموع التنزيلات الثلاثة، أو غير







وافية إلاّ بتنزيل واحد، بل لا يمكن شمولهما لأزيد من تنزيل واحد حسب زعم المصنف «قده»، أو بتنزيلين، أعني بهما تنزيل الظن منزلة







القطع الطريقي و تنزيله منزلة القطع المأخوذ في الموضوع على جهة الكشف، كما ذهب إليه شيخنا المرتضى «قده».















و الحقّ: انّ أدلّة الاعتبار غير ناظرة إلى تنزيل الظن منزلة القطع المأخوذ في الموضوع رأسا، بل مفادها ليس إلاّ جعل المؤدّى، كما هو







صريح قوله عليه السلام:















«ما يقوله عنّي فعنّي يقول» فلا حاجة بعد ذلك إلى البحث عن إمكان إرادتهما جميعا من هذه العبارة.















نعم: هاهنا أمر آخر، و هو انّه هل يغني تنزيل الظن منزلة القطع الطريق عن تنزيله منزلة القطع الموضوعي مستقلا، لأنّه يستفاد تنزيله







منه بالالتزام، أو يغني تنزيل الظن منزلة القطع الموضوعي عن تنزيله منزلة القطع الطريقي، عكس ما قلناه























الصفحة 27







أوّلا، لاستفادته منه التزاما، فيترتّب على الظنّ آثار القطع الموضوعي بكلا قسميه و القطع الطريق أو لا يغني أحدهما عن الآخر. هذا بناء







على انّ المجعول في الطرق و الأمارات هو المؤدّى.















و امّا بناء على مذهب المصنف «قده» من انّ الحجية أمر قابل للجعل، و ان مؤدى أدلة الاعتبار هو ذلك، فالأمر واضح جدا. و يكفي تنزيل







الظن منزلة القطع في ترتب تمام الآثار، لأنّ الحجية من أحكام نفس القطع عقلا، فإذا فرضنا: انّ الشارع أيضا رتب عليه حكمين آخرين:







أحدهما بجهة كاشفيته و الآخر بجهة صفتيّته، فصار القطع ذا أحكام ثلاثة: أحدها عقلي و الآخران شرعيان، فتنزيل الشارع الظن منزلة







القطع تترتب عليه أحكامه الثلاثة، فيصير الظنّ منجزا شرعا، كما كان القطع منجزا عقلا، و لا حاجة في هذا التنزيل إلى لحاظ القطع آليّا،







ليلزم اجتماع اللحاظين: لحاظه كذلك مع لحاظه استقلالا، لأنّ الحجية حكم نفس القطع، و القطع موضوع فيها، كما هو موضوع في







الحكمين الآخرين، فلا حاجة إلى لحاظ المؤدي في حصول هذا التنزيل، ليكون القطع مأخوذا على سبيل المرآتية له، بل تلحظ نفس صفة







الظن و نفس صفة القطع، و تنزل تلك منزلة هذه، فتترتّب به الأحكام الثلاثة.















ثم لو أغمضنا عن هذا المسلك و قلنا: بان الحجية غير قابلة للجعل، و إنّما القابل للجعل هو الحكم التكليفي على طبق مؤدّى الأمارات،







أمكن تنزيل مؤدّى الظن منزلة المقطوع بلحاظ الظن و القطع آليّا و مرآة إلى المتعلق، فيكون هذا مدلول أدلّة الاعتبار مطابقة، ثم







يحصل تنزيل الظن منزلة القطع في أحكام القطع بالدلالة الالتزاميّة، و إن شئت قلت: تنزيل القطع بهذا الحكم الظاهري المجعول على







طبق المؤدّى، منزلة القطع بالحكم الواقعي فيما يترتّب عليه من الأحكام، بجهته الصفتية و الكشفية. و هو الّذي نقله المصنّف «قده» من







حاشيته على الرسائل، ثم أورد عليه.















و سيجي‏ء دفع الإشكال.















لكن يتجه عليه منع التلازم بين التنزيلين، و لذا لا ملازمة بين تنزيل زيد منزلة























الصفحة 28







الأسد، و بين تنزيل أبيه منزلة أبي الأسد و أخيه منزلة أخي الأسد.















و هناك تقرير ثالث يصحح ما صار إليه شيخنا المرتضى «قده»، و هو: ان يكون دليل التنزيل متمما لجهة كشف الظن و حاكما بإلغاء







احتمال خطأه، و ان كشفه الناقص هو ذلك الكشف التام القطعي، مريدا بذلك جعل حكم القطع المترتب على جهة كشفه للظن بالمطابقة،







و أيضا جعل مؤدّى الظن بالملازمة العرفية بين الجعل الأول و الجعل الثاني.















لكن الملازمة باطلة، كما عرفت في نظيره، فيصار المتحصل عدم معقولية تكفل دليل تنزيل الظن منزلة القطع بالتنزيلين بعد عدم ثبوت







التلازم بينهما.















لكن ذلك على مسلك جعل المؤدّى في الأمارات، لا على ما ذهب إليه المصنف «قده» من جعل الحجيّة، فانّ المعقولية على هذا أوضح من







الشمس، كما عرفت.















قوله: و لحاظه في أحدهما آليّ و في الآخر استقلالي:















يعني انّ لحاظ الظن و القطع في تنزيل المؤدّى الّتي يشار به إلى المؤدّي، و قد أتي بهما للعبرة للمؤدّى، كما في لفظ التبين في قوله







تعالى «حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود» و نظيره سائر الكنايات، مثل طويل النجاد و مهزول الفصيل، و في تنزيل







أنفسهما استقلالي، كما في مثل زيد عالم و عمرو ظان، و من المعلوم: انّ في استعمال واحد لا يمكن الجمع بين المعنى الحقيقي و







الكنائي، فيراد من طويل النجاد طول النجاد و طول القامة.















قوله: في الحقيقة إلى الواقع و مؤدّى الطريق:















هذا الكلام ليس من حق المصنف «قده»، فان مؤدّى دليل الاعتبار عنده ليس هو جعل المؤدّى، بل جعل الحجية للظن، نحو ما هو منجعل







تكوينا للقطع.















نعم، الإشكال متّجه على شيخنا المرتضى «قده» حيث جمع بين التنزيلين، مع ذهابه إلى جعل المؤدّى، إلاّ ان يقول باستفادة تنزيل







المؤدّى و المنكشف من أدلة الاعتبار بالدلالة الالتزامية، على أن يكون دليل الاعتبار بمدلول المطابقي، متكفّلا























الصفحة 29







بتنزيل الكشف الناقص الظنّي منزلة الكشف التام القطعي، و بالمدلول الالتزامي، مفيدا لتنزيل المظنون منزلة المقطوع. لكن عرفت منع







الملازمة.















قوله: و لا يكاد يمكن الجمع بينهما:















بل لو أمكن الجمع بينهما لتوقف الحكم به على دلالة دليل، فهو كاستعمال المشترك في أكثر من معنى واحد، إذا جوّزناه في احتياج







إرادتهما إلى قرينة، و مع عدمها يحكم بالإجمال.















قوله: نعم، لو كان في البين ما بمفهومه جامع:















يعني لو كان في البين مفهوم واحد يكون أحد مصاديقه هو الواقع و الآخر هو الظن، و أتي به في مقام التنزيل، نهض ذلك بإثبات







التنزيل من غير حاجة إلى تعدد اللحاظ، كما يحتاج إليه في مثل عبارة الظن منزل منزلة العلم، أو صدق الظن، لكن ليس لنا مثل هذا







المفهوم.















و بالجملة: القصود انّما هو في الدليل و مقام الإثبات، و إلاّ فليس الجمع بين التنزيلين أمرا ممتنعا بحسب مقام الواقع و الثبوت.















قوله: فيكون حجة موجبة لتنجز متعلقه:















قد عرفت انّ جعل الحجية غير منوط بلحاظ الظن و القطع آليّا، بل اللحاظ كذلك مضرّ به، لأنّ الحجيّة من أحكام نفس القطع عقلا، فتكون







من أحكام نفس الظن بالجعل و التنزيل.















نعم، جعل المؤدّى يحتاج إلى اللحاظ فيكون القطع بهذا المؤدّى المجعول حجة عقلية، كالقطع بالحكم الواقعي، بل لا يعقل لجعل الحجية







معنى سوى ذلك و ما ليس بحجة لا يكون حجة، بقول: جعلته حجة، فالحجة منحصرة في القطع و ليس وراء القطع شي‏ء، يكون هو الحجة.















نعم، لا فرق في القطع الّذي يكون حجة بين أن يكون متعلقا بالحكم الواقعي، و ان يكون متعلّقا بالحكم الظاهري.















و بالجملة: معنى جعلت الظن حجة جعل مؤدّاه، فيكون المظنون منجزا كالمقطوع، لكن منجزه هو القطع بذلك الحكم المجعول، و لذلك لا







يتنجز بمجرد الظن به لو لا القطع بجعل المظنون كالمقطوع، إلاّ إذا تمت مقدمات الانسداد و كانت نتيجتها حجية الظن عقلا على سبيل







الحكومة، فان الظن حينئذ هو المنجز، كالقطع عند الانفتاح.























الصفحة 30







و الحاصل: انّ ما يكون حجة بالذات لا يخرج عن الحجيّة، و ما ليس حجة بالذات لا يدخل في الحجية، فجعل الحجية باطل، كرفعها.















قوله: و امّا الأصول فلا معنى لقيامها مقامه:















إن أراد قصور أدلّة الأصول عن إفادة القيام مقام الواقع، و إن لسانها جعل الوظيفة عند عدم تيسر العلم بالواقع.















ففيه: انّ جريان هذا البحث لا يتوقف على كون أدلّة الاعتبار بلسان التنزيل منزلة الواقع، و لذا يجري هذا البحث في الاستصحاب -







باعتراف المصنف «قده» - مع اشتراك دليله مع أدلّة سائر الأصول، في عدم كونه بلسان التنزيل، بل بلسان عدم نقض اليقين. فيعلم: انّ







مناط هذا البحث و ملاكه ما يعم ذلك، و هو أخذ اليقين أو الظنّ في لسان الدليل.















و ان أراد: عدم معقولية التنزيل مقام الواقع في جعل الأصول، لعدم نظرها إلى الواقع و حكايتها عنه، كما هو قضية التعبير بقوله: فلا







معنى لقيامها مقامه.















ففيه: انّ التنزيل و معقوليته لا يختص بباب الأمارات، و هل الطواف أمارة، حتى صحّ أن يقال: الطواف بالبيت صلاة؟ فكما صحّ أن يقال:







الظن كالعلم بقصد تنزيل المؤدّى، أو بإرادة تتميم الكشف، صحّ أن يقال: ما لم تعلم حرمته كما علمت حليته بقصد جعل الحل، أو بإرادة







جعل أحكام العلم بالحل، طابق النعل بالنعل. ثم انّ العبارة، ظاهرها: انّه لا معنى لقيام الأصول مقام الواقع، كما لا معنى لقيامها مقام







القطع، فتمتاز الأصول عن الأمارات في عدم القيام مقام الواقع، حيث أنّ الأمارات كانت تقوم مقام الواقع، و انّما لم تكن تقوم مقام القطع







فقط.















هذا، و لكن مقتضى تعليله بقوله: لوضوح أن المراد... إلخ، هو عدم القيام مقام القطع.















و ذلك لوضوح: انّ التنجيز من أحكام القطع و خواصه لا من أحكام الواقع.















لكن المصنف «قده» حكم في الأمارات بالتنجيز مع حكمه بأنّ مفاد أدلة اعتبارها هو تنزيل المؤدّى منزلة الواقع لا تنزيل نفسها منزلة







القطع. و لم أدر، كيف جمع بين الأمرين























الصفحة 31







قوله: و امّا النقلي: فإلزام الشارع به:















إلزام الشارع بالاحتياط ليس إلزاما نفسيّا في عرض الواقع، بل ناشئ من فعلية التكليف في ظرف الجهل، و عدم رفع اليد عنه بسببه. و







في الحقيقة يكون إلزامه إرشادا إلى حكم العقل و تنبيها على أن الحكم بمثابة لا يعذر فيه بالجهل، و يكون منجزا بحكم العقل بمجرد







الاحتمال، فيكون المنجز هو الاحتمال، كما في موارد الدماء و الفروج، كما انّ المنجز هو العلم التفصيليّ تارة، و الإجمالي أخرى فتأثير







كل من العلم التفصيليّ و الإجمالي و الاحتمال في تنجيز التكليف في عرض واحد عقلي ليس بجعل الشارع، بل قد عرفت: انّ التنجيز و







الحجية لا يعقل أن يكون بالجعل، بل لا بد أن يكون ذاتيا و بحكم العقل.















قوله: فانّه لا يكاد يصحّ تنزيل جزء الموضوع:















لا يخفى أنّ الأحكام لم تجعل ابتداء بالإنشاءات اللفظية بل هي مجعولة في الواقع مرسومة في اللوح المحفوظ، و هذه الإنشاءات الصادرة







بالخطابات قوالب لتلك الواقعيات، فإذا جعل مؤدّى الاستصحاب أو سائر الأصول، و كذلك مؤدّى الأمارات، حكما ظاهريا في حق







المكلف في اللوح المحفوظ، و قلنا: بأنّ ذلك يستلزم و يستتبع جعلا آخر في ذلك المقام متعلقا بالقطع بذلك الحكم الظاهري، و انّه







كالقطع بالحكم الواقعي، فيما يترتب عليه من الأحكام، ثم علمنا: بدليل التنزيل بذلك الحكم الأول، علمنا:















بالدلالة الالتزامية الثابتة لهذا الدليل بهذا الحكم الثاني.















نعم، مصداق متعلق الحكم الثاني يتحقق بعد ورود الخطاب بالحكم الأوّل، إذ به يعلم الحكم الظاهري المجعول موضوعا للحكم الثاني و







هذا مما لا بأس به و لا محذور يترتب عليه على فرض تسليم الملازمة بين الجعلين، إلاّ أنّ الملازمة ممنوعة، فانّه يمكن التفكيك بين







التنزيلين، فينزل مؤدّى الأمارات و الأصول منزلة الحكم الواقعي و لا ينزل القطع به منزلة القطع بالحكم الواقعي.















و قد عرفت: انّ تنزيل زيد منزلة الأسد لا يستلزم تنزيل أبيه منزلة أبي الأسد و هكذا، ليكون أقارب زيد كلهم أسود بهذا التنزيل.















و بالجملة: لا مانع من جعل الحكم الظاهري و جعل القطع بالحكم الظاهري























الصفحة 32







كالقطع بالحكم الواقعي في الآثار، في عرض واحد، و إن كان حصول القطع بالحكم الظاهري في رتبة متأخّرة عن جعل الحكم







الظاهري، إلاّ انّ تنزيل القطع بالحكم الظاهري منزلة القطع بالحكم الواقعي لا يتوقف على حصول القطع في الخارج، ليكون جعل حكمه







متأخّرا عن جعل ذلك الحكم الظاهري بمرتبتين، فان الحكم متأخر عن موضوعه لحاظا و تصورا لا خارجا، فما أورده المصنف «قده«







هنا على ما أفاده في الحاشية من إشكال الدور ليس في محلّه، بل ما أفاده في الحاشية هو الصواب لو لا أنّ الملازمة بين الجعلين باطلة،







فلا يدلّ دليل جعل المؤدّى على جعل أحكام القطع بالواقع للقطع بالمؤدّى.















نعم، لو لم يكن المؤدّى بنفسه حكما شرعيا قابلا للجعل أو موضوعا لحكم شرعي مستقلا، بل كان موضوعا على سبيل قيد الموضوع و







جزئه، بأن كان الأثر مرتبا على القطع بالمؤدّى كما إذا أخبرت البيّنة بحياة الولد و لم تكن الحياة بنفسها منشأ للأثر، بل كان الأثر







للقطع بالحياة، لم يصح تنزيل المؤدّى بلحاظ ذلك الأثر المشترك، لأنّ التنزيل المذكور يتوقف على تنزيل الجزء الآخر بعد عدم







إحرازه بالوجدان، كما في المقام و تنزيل الجزء الآخر يتوقف على هذا التنزيل، لأنّ الملازمة بين تنزيل المؤدّى منزلة الواقع و تنزيل







القطع بالواقع التنزيلي منزلة القطع بالواقع الحقيقي، فيلزم الدور، كما ذكره المصنف «قده».















قوله: في موضوع نفس هذا الحكم للزوم الدور:















و كذا لزوم الخلف، فانّ مقتضى تعلق القطع بالحكم أن يكون الحكم ثابتا للموضوع مع قطع النّظر عن متعلق القطع به فلو فرض دخل







تعلق القطع به في ثبوته، كان خلفا، و أيضا يلزم اجتماع النقيضين، أعني دخل القطع في الموضوع و عدمه.















قوله: نعم، يصحّ أخذ القطع بمرتبة من الحكم:















و قيل لا يصح بعين الوجه الّذي لم يكن يصح به أخذ القطع بحكم في موضوع نفس ذلك الحكم.















بيان ذلك: انّ كلّ مرتبة من الحكم تقوم بما قامت به مرتبته الأخرى، و لا تقوم مرتبة الفعلية بغير ما قامت به مرتبة الإنشاء، و إلاّ لم تكن







الفعلية فعلية























الصفحة 33







تلك الإنشاء، بل فعلية مرتبة إنشاء قائمة بما قامت به هذه الفعلية، فالإنشاء الّذي يصير بالقطع فعليا، ان كان إنشاء هذا الفعلي لزم دخل







القطع فيه، كدخله في الفعلية، فيكون القطع بالحكم الإنشائيّ دخيلا في الحكم الإنشائيّ، و هذا محال. و إن كان إنشاء غير هذا الفعلي، لم







يكن ذلك من أخذ القطع بمرتبة من الحكم في موضوع، مرتبة أخرى منه.















و لكنّ المختار: صحّة أخذ القطع بمرتبة من الحكم في موضوع مرتبة أخرى منه، فيؤثر القطع المتعلق بالمصلحة في بلوغها إلى درجة







التأثير في الفعلية، و ذلك لأنّ مرتبة الفعلية انّما تقوم بما قامت به مرتبة الإنشاء، إذا كانت مرتبة الإنشاء علة تامّة للفعلية، امّا إذا كانت







من مجرد الاقتضاء، فلا محيص من دخل عدم المانع في الفعلية مع عدم دخله في الاقتضاء، و ليكون المقام من ذلك، فيكون القطع مزيلا







للمانع المتمم لفعلية التأثير.















قوله: لاستلزامه الظنّ باجتماع الضدين:















بل و نفس اجتماع الضدين أو المثلين في صورة الإصابة.















قوله: يمكن أن يكون الحكم فعليا:















لا يخفى أن تغيير العبارة و تسمية ما ليس بفعلي فعليا، لا يرفع الإشكال، فإنّا نقول: انّ الإرادة أو الكراهة التي هي مرتبة الفعلية إن







كانت موجودة على طبق الواقعيات و الأحكام الشرعية، من لزوم العمل بالظنّ أو حرمته، لزم ما ذكر من اجتماع الضدين أو المثلين







اعتقادا مطلقا و واقعا في صورة المصادفة، و إن لم تكن موجودة على طبقها لزم أن لا تتنجّز بالقطع بها، لأنّ القطع المتعلق بالحكم غير







الفعلي لا أثر له في التنجيز مع ضرورة تنجز الأحكام الشرعية بتعلق القطع بها. و دعوى: انّها بالقطع بها تصير فعلية، لما ذكر من جواز







أخذ القطع بمرتبة من الحكم في مرتبة أخرى منه. يدفعها: انّ هذا القطع لا يعقل أن يكون مؤثرا في التنجيز، فان مرتبة التنجيز لا بدّ أن







تكون متأخرة عن مرتبة الفعلية، فإذا صار الحكم بالقطع (فعليا توقّف تنجزه على قطع آخر يتعلق بذلك الّذي صار فعليا بالقطع، بأن







يعلم المكلف انّ قطعه هذا أثّر في فعليّة























الصفحة 34







الحكم، و إلاّ فهو معذور في ترك الامتثال، كما في سائر الأحكام الفعلية إذا جهلها.















و الحاصل: انّ القطع الواحد لا يؤثّر في الفعلية و التنجيز جميعا، مع ضرورة تنجز الأحكام الشرعية بالقطع بها بلا قطع آخر، فيعلم انّها







فعلية مع قطع النّظر عن القطع، و قد تعلّق القطع بالحكم الفعلي، و لذا أثّر في تنجيزه. فإشكال اجتماع المثلين أو الضدين فيما إذا أوجب







العمل بالظن بتلك الأحكام، أو حرّم، يكون بحاله. و بالجملة: لا يمكن الجمع بين القول بجواز إيجاب العمل بالظن بالتكليف أو تحريمه،







و بين القول بتنجز ذلك التكليف بالعلم به، فإنّ قضية الثاني فعليته لو لا العلم، و قضية الأول عدم فعليته و إلاّ لزم اجتماع المثلين أو







الضدين، لكن تنجز الأحكام في الشريعة بالقطع مما لا ريب فيه، فلا بدّ من رفع اليد عن القول بجواز إيجاب العمل بالظن. و حينئذ يكون







معنى صدق الظن أو صدق الأمارة الفلانية فعلية الواقع عند المطابقة، و رفع اليد عنه عند المخالفة.















قوله: إن قلت كيف يمكن ذلك:















هذا الإشكال و جوابه عين الإشكال السابق و جوابه، فكان اللازم الاقتصار على أحدهما و ترك الآخر.















الموافقة الالتزامية















قوله: يقتضي موافقته التزاما:















لم أفهم المراد من الموافقة الالتزامية، و هل في النّفس شي‏ء يقال له: الموافقة الالتزامية. وراء العزم و التوطين على الامتثال فيما سيأتي. و







وراء الإذعان و التصديق بصدور هذه التكاليف من المولى الّذي هو التصديق بما جاء به النبي صلّى الله عليه وآله، و وراء كون الداعي







على الامتثال طلب المولى، الّذي هو معنى إتيان الفعل على وجه العبودية و وراء إتيان الفعل بالطوع و الرغبة و طيب النّفس، مقابل







إتيانه بالكره و الإجبار و خوفا من العقاب، و ليس شي‏ء من ذلك من الموافقة الالتزامية في كلامهم، كما هو واضح، و لا أرى في النّفس







شيئا سوى ما تقدم يكون هو الموافقة الالتزامية و يشبه أن يكون ذلك نظير























الصفحة 35







الكلام النفسيّ الّذي أثبته الأشاعرة. ثم انّ تعرض المصنف «قده» لهذا البحث هنا انّما هو لبيان جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي







مع عدم ترتب مخالفة عملية عليها. و هذا البحث يختص بمن يرى عموم أدلّة الأصول للأطراف، فيبحث حينئذ عن منع المخالفة الالتزامية







عنه، كمنع المخالفة العملية عنه، و امّا من يرى عدم العموم، ففي فسحة عن هذا البحث لهذا الغرض، و أيضا انّما يحتاج إلى هذا البحث إذا







صدقت الشرطية، أعني كان من أثر إجراء الأصول في الأطراف، إلغاء العلم الإجمالي في الالتزام، و هو عندي محل نظر، و تحقيقه يظهر







من بيان ما يجب الالتزام به من التكاليف.















فنقول: متعلق وجوب الالتزام امّا أن يكون هي التكاليف الفعلية المنجزة، كما يظهر من جعله عدلا للموافقة العملية، أو الأعم منها و من







التكاليف غير المنجزة، بل و الواقعية غير الفعلية. غاية الأمر: التزام كل على ما هو عليه من الشأن و المنزلة، فيلتزم في التكليف الفعلي







المنجز بتكليف فعلي منجز، و في التكليف غير المنجز بتكليف غير منجز، و في التكليف غير الفعلي بتكليف غير فعلي. و على كلّ تقدير







لا نعقل أن يلزم من إجزاء الأصول مخالفة التزامية أو ترك موافقة عملية.















امّا على الأول فواضح، إذ بعد جريان دليل الحكم الظاهري لتعيين حكم العمل، و حكمه بإباحة الفعل المردد بين الوجوب و الحرمة، لا







يبقى إلزام منجز ليلتزم به، فيكون الالتزام دائما في مرتبة متأخرة عن تنجز الحكم، فلا يعقل أن يكون وجوبه مزاحما لما يكون رافعا







للتنجز أو للفعلية.















و امّا على الثاني: فلأنّ الحكمين لعمل واحد، إن أمكن اجتماعهما خارجا، مع قطع النّظر عن لزوم مخالفة التزامية، بأن يكون أحدهما







واقعيا و الآخر ظاهريا، أو يكون أحدهما اختياريا و الآخر اضطراريا، لم يكن هناك ما يتصور أن يكون مانعا من التزامه، فتجري







الأصول لإثبات حكم ظاهري، و مع ذلك يكون الحكم الواقعي محفوظا في مرتبته، و يلتزم المكلف بهما معا، فأين لزوم ترك الالتزام























الصفحة 36







بالحكم الواقعي من إجزاء الأصول في الأطراف؟ و لعمري انّ ذلك، أعني عدم لزوم المخالفة الالتزامية بإجراء الأصول في الأطراف،







واضح لا سترة عليه. و لا أدري كيف خفي على هؤلاء الفحول فأتعبوا أنفسهم في منع بطلان اللازم بإنكار وجوب الالتزام رأسا، أو







الاعتراف به، و إنكار لزوم الالتزام بالأحكام تفصيلا، و انّه يلتزم بما هو الثابت في الواقع، و إن لم يعلم بتفصيله، و هو يجتمع مع إجراء







الأصول، و دعوى سقوطه بعد الاعتراف بثبوته، بعدم القدرة عليه عند الاشتباه و عدم المعرفة به، و المفروض عدم الظفر به بعد







الفحص عنه، فانّ الالتزام بالواقع تفصيلا غير مقدور، و الالتزام بأحد الاحتمالين تخييرا، فرارا عن لزوم المخالفة القطعية لخطاب التزم







مستلزم للوقوع في محذور احتمال التشريع، أو دعوى انّ الالتزام يجب بحكم العقل فيما لا يشمله عموم أدلة الأصول دون ما يشمله.















و أنت خبير: بأن كلّ ذلك مستغنى عنه، و انّ الالتزام بالحكم الواقعي تفصيلا على تقدير التمكن منه، أو الالتزام بأحد المحتملين من







الوجوب و الحرمة، فيما إذا تردد الأمر بينهما، يجتمع مع إجراء الأصول في كلّ من الاحتمالين، كالحكم بالإباحة في المردد بين الوجوب







و الحرمة.















قوله: تجب، و لو فيما لا يجب عليه الموافقة:















إذا لم تحرم الموافقة القطعية، لعدم التمكن من تركها، بل و كذا الموافقة القطعية. كان معنى ذلك سقوط التكليف بالتعذر، و مع ذلك لا







يبقى شي‏ء يلتزم به، إلاّ أن يقال: بوجوب الالتزام بالتكاليف الواقعية، و إن لم تبلغ مرتبة الفعلية.















قوله: لما كانت موافقته القطعية الالتزامية حينئذ ممكنة:















و ذلك لغرض الفحص و اليأس عن الظفر بالتكليف، و وصول النوبة إلى إجراء البراءة. و يمكن أن يقال: انّ التمكن العقلي من موافقة







التكليف لا يرتفع بمجرد اليأس عن الظفر بالدليل الموجب لجريان الأصل، فلأجل امتثال وجوب الالتزام يجب الفحص حتى يحصل







القطع بعدم التكليف، و لا يقتصر على الفحص المعتبر في البراءة.























الصفحة 37







و الّذي يهوّن الأمر، بل يوجب عدم الإلزام بالفحص من جهة امتثال وجوب الالتزام، انّ الشكّ في توجه هذا التكليف عند العلم الإجمالي







بأحد الحكمين الإلزاميين، بدويّ للشك في القدرة على امتثاله بالظفر بما يدلّ على أحدهما، فتجري البراءة عن وجوب الالتزام إلاّ أن







يقال: انّ وجوب الالتزام عقلي لا شرعي، و لا معنى لإجراء البراءة عن الحكم العقلي.















نعم، لا يبعد عدم حكم العقل بوجوب الالتزام عند الفحص و اليأس عن الظفر بدليل يعين أحد الحكمين، كما لا يحكم بوجوب الإطاعة،







عملا عند الفحص و اليأس كذلك.















قوله: فانّ محذور الالتزام بضد التكليف عقلا ليس بأقلّ:















يعني انّه بعد عدم التمكن من الالتزام بالتكليف الواقعي على وجه القطع بالالتزام بالوجوب و الحرمة جميعا، تجب الموافقة الاحتمالية







بالالتزام بأحدهما، إن كان المكلّف متمكنا منها. لكنه غير متمكن، لدوران الأمر في ذلك بين محذورين، فانه بأيّهما التزم، امّا أن يكون







التزامه به واجبا، ان كان الحكم هو الّذي التزم به، أو يكون حراما، إن كان الحكم غيره، لأنّه تشريع محرم، و الحكم في دوران الأمر بين







المحذورين هو التخيير في مقام العمل، و العمل فيما نحن فيه هو الالتزام، فله اختيار ترك الالتزام، بل يتعين ذلك إن قلنا: بأن محذور







التشريع أشد.















سيجي‏ء من المصنّف «قده» في مبحث دليل الانسداد، انّه لا يرى وجوب الموافقة الاحتمالية عقلا عند تعذر الموافقة القطعيّة، فهو هاهنا في







فسحة من هذه التعليلات، بإنكار حكم العقل بوجوب الالتزام بأحد الحكمين، تحصيلا للموافقة الاحتمالية بعد تعذر الموافقة القطعية







بالالتزام بكليهما.















قوله: مع ضرورة انّ التكليف لو قيل:















هذا تعليل آخر للمدعى، لكنه عليل، فانّ التخيير لا يلتزم به باقتضاء دليل التكليف، بل بحكم العقل بوجوب الموافقة الاحتمالية بالأخذ







بأحد احتمالي التكليف، مخيرا بينهما، بعد تعذر الموافقة القطعية، بالأخذ بكليهما.























الصفحة 38







نعم، لو قيل: انّ التكليف يقتضي ذلك، صحّ ما ذكره من المنع، و لم يكن يختص المنع بالمقام، بل يجري في التخيير في الموافقة العملية







بالأخذ بأحد الاحتمالين، عملا عند تعذر الأخذ بكليهما. و قد عرفت: انّ المصنف «قده» ليس ذلك من مذهبه، فهو في غنى من هذه







التعليلات.















قوله: إلاّ على وجه دائر:















قد ضرب على هذه العبارة في بعض النسخ المصححة، و لنعم ما صنع، فانّ الدور انّما يلزم إذا توقف جريان الأصول على تحقق عدم







المخالفة الالتزامية، أو عدم الموافقة الالتزامية في الخارج. و قد فرض: انّ عدم لزوم المخالفة الالتزامية تكون بجريان الأصول، و







يتوقف على جريانها و إخراجها للموضوع المشتبه عن موضوع الحكمين، فيلزم الدور. لكن جريان الأصول لا يتوقف على شي‏ء من







ذلك، فانّ أدلة الأصول على الفرض تشمل كل مشتبه، و إن كان مشوبا بالعلم، و قد خرج منها ما يلزم من شمولها له محذور المخالفة







العملية، أو محذور المخالفة الالتزامية للتكليف المعلوم، و لا يلزم هذا المحذور في الأصول الموضوعية، بل و كذا الأصول الحكمية في







موارد العلم الإجمالي، حسبما ذهب إليه شيخ مشايخنا المرتضى «قده». لأنّ موضوع خطاب التزم هو الحكم، و لا حكم بعد جريان الأصل







و هذا كما في الأصول الموضوعية النافية لموضوعات التكاليف، فتجري الأصول بلا مزاحمة أدلّتها بمانع عقلي أو شرعي، فأين الدور







الّذي ذهب إليه المصنف «قده«؟ نعم، ما ذكره شيخ مشايخنا «قده» أيضا غير مستقيم، و قد عدل عنه بعد ذلك















بأسطر. فلا وجه للإشكال عليه.















قوله: مع عدم ترتب أثر عملي عليها:















الظاهر اشتباه عدم لزوم المخالفة العملية، المفروض في محل البحث، بعدم أثر عملي، و إلاّ فالأثر العملي ثابت فيما نحن فيه، إذا كانت







الشبهة موضوعية، كالمرأة المرددة بين منذورة الوطء و منذورة تركه، و مجرى الأصل بنفسه حكم العمل إذا كانت الشبهة حكمية،







كالحكم بعدم الوجوب و عدم الحرمة فيما تردد أمره بينهما.























الصفحة 39







و بالجملة: جريان الأصول من جهة وجود مصحح التنزيل لا إشكال فيه، فانّ الكلام بعد فرض كون المجرى حكما أو موضوعا ذا حكم،







فيبحث عن مانعية المخالفة الالتزاميّة.















قوله: مضافا إلى عدم شمول أدلّتها لأطرافه:















يعني انّ البحث عن مانعية المخالفة الالتزامية مبني على شمول أدلّة الأصول للأطراف امّا إذا لم تكن شاملة لها، فالبحث ساقط رأسا، و







الأصول غير جارية حتما، سواء كانت المخالفة الالتزامية مانعة أم لم تكن مانعة، و قد قرر عدم الشمول شيخ مشايخنا «قده» بالتعارض







بين قوله عليه السلام: «لا تنقض اليقين بالشك» و قوله عليه السلام: «بل انقضه بيقين آخر»، فانّ الأولى تشمل كلاّ من أطراف العلم، و







الثانية تشمل الواحد المعلوم بالإجمال، المسقط للفقرة الأولى عن الحجية، أو الظهور في أطراف العلم. و قد أجاب المصنف «قده» عنه:







بأنّ الروايات غير المشتملة على فقرة الذيل، الموجبة للإجمال، كافية لإثبات المقصود و الأولى أن يقال: انّ هذا البيان إن صحّ لم يجر







في المقام المفروض فيه عدم لزوم مخالفة عملية من إجراء الأصول، فانّه لا معنى لنقض اليقين السابق فيما علم إجمالا بتوجه أحد







الإلزامين: امّا الإلزام بالفعل أو الإلزام بالترك، إذ ليس لهذا العلم أثر عملي ليعقل النقض و عدمه، بالإضافة إليه، و عليه يبقى خطاب «لا







تنقض» في الأطراف سالما عن المزاحم، كما بقي في الشبهات البدوية سالما عنه.















اتحاد القطع: قطع القطّاع















قوله: لا تفاوت في نظر العقل أصلا فيما رتب:















انّ موضوع حكم العقل بمتابعة القطع هو القطع بالواقع، على أن يكون القطع جزء الموضوع لا تمامه، و جزئه الآخر هو الواقع، بل الأمر







كذلك حتى في نظر القاطع، فانه لا يحكم بمتابعة القطع الّذي أخطأ الواقع المعبر عنه بالجهل المركب.















نعم، هو مشتبه في الصغرى و يزعم عدم الخطأ في قطعه، و من ذلك يعلم























الصفحة 40







اختصاص حكم العقل بالحجية، الّذي هو من رشحات حكمه بوجوب المتابعة بما اختصّ به وجوب المتابعة، فالحجة هو القطع المصيب، و







أوضح من هذا في الاختصاص بالقطع المصيب حكم العقل، بالمنجزية، فانّه لو لا الواقع و الإصابة تكون منجزا لأي شي‏ء، و امّا المعذرية،







فهو حكم ثابت في موضوع القطع المخطئ، بل قد عرفت: انّه حكم مطلق الجهل بالواقع، بسيطا كان أو مركبا، ما لم يكن عن تقصير. ثم:







انّ أثر اختصاص الحجية بالقطع المصيب يظهر في حق الغير، إذا توجه إليه حكم في موضوع قيام الحجة عند القاطع، بل في حق القاطع







أيضا، فيما إذا علم قبل قطعه بخطإ مقدمات خاصة، و مع ذلك زاولها حتى أثرت في حصول القطع، فانّه لا يعذر فيه. و إن كان في حال







القطع لا يخاطب بترك العمل به، لأنّه يرى إصابة قطعه. فإذا صحّ قصر الحجية بطائفة خاصة من القطع، و قام الدليل الشرعي على النهي







عن متابعة ما يحتمل الانطباق عليه، يحكم بالانطباق. فإذا نهى الشارع عن متابعة القطع الحاصل من المقدمات العقلية، يحكم بأنّ القطع







الحاصل من هذه المقدمات كله خطأ، لا إصابة فيه، كما هو ظاهر اخباره أيضا، و في الحقيقة القصر في الحجية من العقل لا من الشرع، و







الشارع بنهيه يكشف عن خروج مورد















النهي عن موضوع الحجية العقلية.















نعم، قد عرفت: انّ لا أثر لهذا الخطاب بالنسبة إلى القاطع، و لا يوجه إليه.















ثم انّ هناك وجها آخر لقصر الحجية ببعض أقسام القطع، بل سلب الحجية عنه بالمرة.















و حاصله: انّ من المحتمل أن يؤثر القطع مطلقا أو في الجملة مفسدة في المتعلق، مزاحمة لما في متعلقه من المصلحة، مسقطة لها عن







التأثير، فيكون الحكم الثابت - لو لا القطع - مرتفعا به، و يكون القطع عنوانا ثانويا، كسائر العناوين الثانوية، رافعا للحكم المقطوع به،







في هذا لا محيص للمولى من ترك الطلب و عدم بعث العبد نحو الفعل، لأنّ ذلك نقض لغرضه، و ليس له طريق للوصول إلى مقصده إلاّ







بجعل الاحتياط فيما كان الأثر لمطلق القطع.























الصفحة 41







و امّا فيما كان الأثر لقطع خاص، فله ان ينهى عن العمل بذلك القطع الخاصّ، و يكون ذلك القطع لوجوده رافعا للحكم، مزاحما لملاك







المتعلق، فيكون الحكم فعليا إذا تعلق به غير هذا القطع الخاصّ. و لا يتوهم: انّ ذلك من باب دخل قطع خاص في موضوع الحكم، فيخرج







عن محل الكلام، و يدخل في القطع الموضوعي، الّذي لا كلام في جواز التصرف فيه بدخل نوع خاص من القطع في متعلق الحكم. و ذلك:







لأنّ هذا من باب دخل عدم قطع خاص، و هو غير ملازم لدخل ما يقابله من سائر أنواع القطع، فاعتبار أن يكون القطع حاصلا من







المقدمات العقلية أو مما لا يتعارف حصول القطع منه، لا يستلزم اعتبار أن يكون حاصلا من المقدمات النقليّة، أو مما يتعارف حصول







القطع منه.















و حسب هذين الوجهين: إذا ورد دليل رادع عن العمل ببعض أفراد القطع أخذ به، و لم يكن وجه لرده و الأخذ في تأويله، كما ورد







بالنسبة إلى الحاصل من المقدمات العقلية.















نعم: القطع الحاصل مما يتعارف حصول القطع منه، و هو المعبر عنه بقطع القطاع، لم يرد منع فيه، و لا يشمله ما دلّ على عدم اعتناء







الوسواسي بشكه. و يمكن أن يقال: انّ حكم العقل بالحجية لا يعمّه، بل هو معدود من الأمراض، و لا سيّما بعض مراتبه.















نعم، القاطع بنفسه معذور لو حصل ذلك له بلا اختيار منه و من غير تعمد النّظر إلى ما يوجبه.















قوله: كما ينادي به بأعلى صوته ما حكى:















و ينادي أيضا بأعلى صوته بمخالفته في هذا المقام، ما حكي عنه من عبارته الأخرى قال: انّ المعلوم هو انّه يجب فعل شي‏ء أو تركه أو لا







يجب، إذا حصل الظن أو القطع بوجوبه أو حرمته أو غيرهما، من جهة نقل قول المعصوم أو فعله أو تقريره، لا أنّه يجب فعله أو تركه أو لا







يجب، مع حصولهما من أي طريق كان. انتهى. و مع هذه الصراحة، كيف يكذّب نسبة الخلاف في المسألة إليهم، و هل يمتنع اجتماع







الخلاف في مسألة الملازمة مع























الصفحة 42







الخلاف في هذا المقام؟ فليكن الأخباري مخالفا في كلا المقامين.















قوله: و أنت إذا تأمّلت في هذا الدليل علمت:















فيه انّ مراده من الخطأ الواقعي هو الخطأ الواقعي و إن لم يلتفت إليه العبد حين العمل، و هو الّذي يقبح الأمر باتباعه من غير مدخلية







للالتفات و احتمال الخطأ في قبحه.















القطع الإجمالي















قوله: فهل القطع الإجمالي كذلك:















القطع الإجمالي: إمّا أن لا يكون له تأثير في تنجيز التكليف و في الأعذار أصلا، و يكون حاله كحال الشك البدوي، أو يكون له تأثير







ناقص، و هو التأثير في حرمة المخالفة القطعية فقط، أو يكون له تأثير تام، و هو التأثير بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية أيضا، و







على فرض التأثير: إمّا أن يكون تأثيره بنحو الاقتضاء أو بنحو العلة التامة أو بالاختلاف بين تأثيره في وجوب الموافقة القطعية، فعلى







سبيل الاقتضاء، و تأثيره في حرمة المخالفة القطعية، فعلى وجه العلية التامة، فهذه ستة احتمالات، أقواها التأثير على وجه العلية التامة،







فيما كان القطع التفصيليّ مؤثرا، أعني القطع بالحكم الفعلي التام التأثير في البعث، و عدم التأثير أصلا، حتى على وجه الاقتضاء، فيما لا







يكون كذلك، فإنّ القطع الإجمالي لا يزيد على القطع التفصيليّ، و القطع التفصيليّ بحكم غير تام الفعلية لا أثر له، فكيف بالقطع الإجمالي







بمثل هذا الحكم، و لو كان عدم تمام فعليته، لتوقف تمامية فعليته على القطع التفصيليّ، إذ لا فرق بين توقف تمام الفعلية على القطع و







توقفه على أمر آخر، في انّ القطع بغير تام الفعلية لا أثر له. و قد اختار المصنف «قده» هنا تأثير العلم الإجمالي في كلتا الجهتين على







سبيل الاقتضاء. لكن كلامه هنا في غير















مفروض البحث، و هو تعلق العلم الإجمالي بالحكم التام الفعلية، لا ما تكون فعليته ناقصة، و يتوقف تمامها على العلم التفصيليّ، فان







البحث في مجرد نقص العلم و إجماله مع تمام الحكم، و إلاّ كان عدم التأثير من تلك الجهة، و لذا اختار في مسألة الاشتغال في الموضوع







الّذي ذكرناه، التأثير على سبيل العلية التامة.























الصفحة 43







و بالجملة: تأثير العلم الإجمالي في التّنجيز فيما إذا تعلق بحكم غير عادم لما سوى التنجيز، ممّا لا ريب فيه، كما لا ريب في انّ تأثيره في







ذلك على سبيل العلية التامة، غير مراعى بعدم إذن من الشارع في الأطراف كلاّ أو بعضا، فإنّ الإذن في الأطراف يعدّ مناقضا للأمر







الفعلي بالواحد المشتبه في تلك الأطراف، بل حكم العقل بالتأثير على سبيل الاقتضاء ممّا لا يعقل له معنى، و هل يعقل أن يكون وجوب







الإطاعة منوطا بأن لا يوجد أمر كذا أو حالة كذا، بحيث لو وجد رخص العقل في ترك الإطاعة و إلغاء أمر المولى، بل تمام موضوع حكم







العقل هو الإطاعة، فإن كان الفعل إطاعة وجب بلا منع مانع، و إلاّ لم يجب رأسا، فحكم المصنف «قده» بالتأثير على وجه الاقتضاء، لم







نفهم وجهه، فإنّ الحكم إذا لم يكن تام الفعلية، كما هو موضوع كلامه، لم يكن القطع التفصيليّ به مقتضيا لوجوب العمل، فضلا عن القطع







الإجمالي، كما انّه إذا كان تام الفعلية كان القطع الإجمالي مؤثرا على وجه العلية التامة، كما صرح به في باب الاشتغال، فالقول بالتأثير







على وجه الاقتضاء باطل على كل حال.















ثم انّ المصنف «قده» توهم من كلام شيخه «قده» في الرسالة، التفصيل جزما أو احتمالا، بين الموافقة القطعية و المخالفة القطعية، بتأثير







العلم في الأول على سبيل الاقتضاء، فيجوز الإذن و الترخيص في بعض الأطراف، و تأثير في الثاني على سبيل العلية التامة.















و أنت إذا تأملت الرسالة لا تشك في انّ مختاره التأثير على وجه العلية التامة في جميع الأطراف ما دام العلم الإجمالي باقيا، فإنّه صرّح







بعدم جواز الإذن في شي‏ء من الأطراف مع بقاء العلم.















نعم، للمولى التحيّل بحل العلم الإجمالي أولا بجعل بعض الأطراف بدلا عن الواقع، فيصير الشك في الآخر بدويا، فيأذن حينئذ فيه، و هذا







غير التأثير على وجه الاقتضاء في موضوع بقاء العلم الإجمالي.















و توضيح الانحلال: إنّا إذا علمنا بحرمة أحد شيئين، ثم أمر الشارع في موضوع























الصفحة 44







الاشتباه بالبناء على حرمة واحد معين، انحلّ علمنا الأول بالعلم تفصيلا بحرمة هذا المعين و الشك، بدوا في حرمة الآخر، فيعامل بما







يعامل به الشك البدوي، و هذا واضح لا إشكال فيه.















قوله: فانّه يقال: كيف المقال في موارد ثبوته:















لا يخفى انّ المصنف «قده» أيضا يرفع اليد عن فعلية الحكم الواقعي في موارد الترخيص، و لو رفعا جزئيا و من جهة واحدة، مع الالتزام







بالفعلية من سائر الجهات، فيكون تمام الفعلية منوطا بالعلم التفصيليّ بالحكم، فهو يعترف باستحالة الجعل الظاهري مع الحكم الفعلي







التام الفعلية من كلّ الجهات. سواء علم به إجمالا في أطراف محصورة أو غير محصورة، أو شك فيه، فعدم فعلية الحكم الواقعي في كل







مورد من موارد الجعل الظاهري مقطوع عنده.















و عليه لا بدّ من حمل عبادته هذه الموهمة للخلاف على إرادة الفعلية الناقصة، أعني الفعلية من غير جهة الإناطة بالعلم التفصيليّ.















و محصل الجواب عمّا ذكره، هو: انّه يلتزم بعدم الفرق مع عدم الفعلية التامة بين صور العلم تفصيلا و إجمالا، بين أطراف محصورة و







غير محصورة، و صورة الشك و الغفلة في عدم تنجز الواقع، فانّه ما لم يكن تمام الفعلية لا يتنجز بالعلم التفصيليّ فضلا عن غيره، كما لا







فرق مع الفعلية التامة بين العلم به تفصيلا و العلم به إجمالا بين أطراف محصورة أو غير محصورة في تنجز الواقع، و عدم معقولية جعل







حكم ظاهري.















نعم، صورة الاحتمال و الشك تفترق عن ذلك، فانّه يصحّ جعل الحكم الظاهري مع احتمال الحكم الواقعي الفعلي، و يكون دليل الجعل







المذكور حجة على عدم فعلية الواقع، فيصحّ الأخذ بعموم دليل الحكم الظاهري في صورة احتمال الفعلية التامة، و استكشاف عدم الفعلية







التامة من هذا الدليل، و لا يصحّ في صورة العلم بها، من غير فرق بين صور العلم، فجعل جميع الصور بنحو واحد، كما في المتن، في غير







محلّه.















قوله: مع القطع به أو احتماله، أو بدون ذلك:















لا يعقل أن يكون الواقع فعليا مع























الصفحة 45







عدم القطع و الاحتمال، أعني صورة الغفلة و الذهول، و القطع بالخلاف، فانّ التكليف مشروط بالالتفات، فلا محذور أصلا في جعل حكم







آخر مخالف أو مماثل.















قوله: نعم، كان العلم الإجمالي، كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء:















قد عرفت: بطلان القول بالتأثير على وجه الاقتضاء مطلقا، سواء كان المعلوم بالإجمال حكما تام الفعلية أم حكما غير تام، و انّ التأثير







في الأول على سبيل العلية التامة، بحيث لا يعقل الترخيص في شي‏ء من أطراف العلم، مع بقاء هذه الفعلية، و في الثاني لا تأثير أصلا حتّى







على سبيل الاقتضاء، فانّه لو علم تفصيلا بحكم غير تام الفعلية لم يكن له تأثير، فكيف بما إذا علم به إجمالا؟ نعم، إذا كانت قاعدة







المقتضي و المانع قاعدة عقلائية أمكن أن يحكم بفعلية الحكم بعد إحراز المقتضي له و الشك في المانع، فإذا ورد دليل على الترخيص







كشف عن عدم الفعلية و وجود المانع. ثم انّ الّذي قلناه، من: انّ تأثير العلم الإجمالي على وجه العلية، بحيث يمتنع معه الإذن في الأطراف،







يختص بما إذا كان العلم الإجمالي بالحكم علما وجدانيا، امّا إذا كانت الحجة قائمة على الحكم على سبيل الإجمالي فيمكن أن يقال: انّ







عموم دليل صدق لتلك الحجة يعارض بدليل كل شي‏ء مطلق، الشامل للأطراف، فانّ دليل الأمارة، و إن كان مقدما على دليل الأصل







حكومة أو ورودا، في غير مقام، لكن يعارض به في المقام.















و السرّ في ذلك: أنّ دليل الأمارة انّما يذهب بموضوع الأصل حقيقة أو حكما، في مورد الأمارات لا في غير موردها.















و بعبارة أخرى فيما لو كان الوجدان بدل هذه الأمارة لكان الشك ذاهبا حقيقة، و من المعلوم انّه لو كان العلم الإجمالي بدل هذه الأمارة







الإجمالية في المقام، لم يوجب ارتفاع الشك من الطرفين، فإذا لم يكن دليل الأمارة متعرضا للشك حقيقة و لا حكما، شملته أدلّة الأصول و







عارضت بشمولها لجميع أطراف العلم دليل الأمارة، فيتساقطان، و يكون المرجع الأصول العقلية.















قوله: و امّا احتمال انّه بنحو الاقتضاء بالنسبة:















هذا تعريض بشيخه «قده». و قد























الصفحة 46







عرفت: انّ كلام شيخه «قده» بري‏ء عن هذه النسبة، بل صريح فيما اخترناه، من العلية التامة و انّه لا يجوز الإذن في شي‏ء من الأطراف مع







بقاء العلم.















نعم للمولى أن يتحيّل بإذهاب العلم الإجمالي بجعل شي‏ء من الأطراف بدلا عن الواقع، فيكون الطرف الآخر مشكوكا بالشك البدوي،







فيرخص حينئذ فيه.















قوله: و امّا في العبادات، فكذلك فيما لا يحتاج إلى التكرار:















ما يحتاج إلى التكرار و ما لا يحتاج يشتركان في توجه الإشكالات و دفعها، لأنه إن اعتبرنا في الاجزاء قصد الوجه و التمييز فانّما







نعتبرهما في مجموع العمل المركب المأمور به و هو ليس إلاّ الاجزاء بالأسر فيعتبران في الاجزاء بالأسر، فإذا لم نعلم جزئية أمر، فكيف







يمكننا قصدهما في العمل المشتمل على ذلك الجزء؟ فلا تكون الاجزاء بالأسر صادرة بهما، و هكذا الحال في إشكال اللعب، و لا سيّما إذا







تردد الجزء بين أمرين و لم يعلم انّ أيّهما هو الجزء، فأتى بهما جميعا، بل لا يبعد أن يكون ذلك من قبيل ما يحتاج إلى التكرار، و يكون







تكراره بإتيانهما جميعا في ضمن عمل واحد.















قوله: فربّما يشكل من جهة الإخلال بالوجه تارة:















يتوجه إشكال الإخلال بقصد القربة أيضا، فان الأمر من المولى انّما هو لغرض علم المكلف بطلبه و إتيانه بالفعل بتحريك علمه، و هذا







عين الإتيان بالفعل بداعي الأمر، و هو معنى قصد القربة، و من المعلوم: انّ هذا لا يكون مع عدم العلم تفصيلا بالأمر، سواء شك فيه أم







علم به إجمالا.















إن قلت: على هذا تكون كلّ الأوامر تعبدية، و يستحيل الأمر التوصلي، بمعنى أن يكون الغرض من الأمر الإتيان بالفعل و لو لا بداعي







الأمر، بل بداع نفساني.















قلت: نعم، يستحيل الأمر لغرض إتيان العبد بالفعل بدواع نفسية، فان الغرض هو الّذي يترتّب على الفعل في الوجود، و لا يترتب بين







الأمر و إتيان الفعل بالدواعي النفسانيّة، فليس امتياز الأمر التوصلي عن غيره بما ذكر، و انما يمتاز عن غيره بحصول الغرض الأقصى،







و إسقاط الأمر في التوصّلي و بذات الفعل بخلاف التعبدي، فغسل الثوب النجس الصادر لا بداعي الأمر يسقط الأمر لارتفاع موضوع























الصفحة 47







القذر الّذي أمر بغسله، فليس هذا الغسل مصداقا للواجب، بل هو و الغسل، بإطارة الريح الّذي ليس فردا للمأمور به قطعا، يسقطان الأمر







بجهة واحدة.















نعم، في الأوامر العرفية، حيث انّ سنخ الأغراض معلوم لديهم و انّه متعلق بذات المأمور به، يحكمون بسقوط الأمر بالإتيان بمتعلقه، و لو







لا بداعي الأمر، و هذا بخلاف الأوامر الشرعية التي لها أغراض خفية، و حكم لا تنالها الأفهام العرفية، و ليست من سنخ أغراضهم التي







يجدونها في أفعالهم، و لذلك يحتمل دخل الإتيان بداعي الأمر في حصول تلك الأغراض فلا سبيل حينئذ إلى الحكم بسقوط الأوامر







الشرعية بالإتيان بمتعلقاتها.















و يمكن دفع ما ذكرناه ب: ان في موارد الأمر غرضين مترتبين:















أحدهما: الغرض من البعث، الّذي يحمل المولى على الأمر، و هو حصول الفعل بداعي البعث، و هذا غرض مقدمي.















ثانيهما: الغرض الأصلي، الحاصل من نفس الفعل و الموجب لإرادته، و هذا الغرض لا يعقل دخل قصد الأمر في حصوله، و هو إشكال دخل







قصد القربة في المأمور به في العبادات، فإذا حصل ذات الفعل حصل هذا الغرض و لم يبق للبعث لأجل الغرض المقدمي محل و سقط الأمر،







فالمأتي به لا بداع البعث مصداق للمراد الأصلي و ليس مصداقا للمراد التّبعي المقدمي.















نعم، إذا كان الحاصل بتحريك البعث بقيد حصوله بتحريكه متعلقا للإرادة الأصلية، و كانت الإرادة متعلقة بالفعل الحاصل عقيب بعثه







بداعي بعثه و بتحريكه، ثم بعث إلى الفعل، يكون الفعل لا بداعي البعث خارجا عن حين الإرادة و البعث، و كان الواجب عباديا مقابل







القسم الأول، ثمّ الدخيل في متعلق الإرادة.















تارة: يكون هو قيد الحصول بتحريك العلم بالإرادة تفصيلا.















و أخرى: قيد الحصول بتحريك مطلق العلم الشامل للإجمالي منه.















و ثالثة: ما يعم الحاصل بداعي احتمال الأمر.















فإن كان الأول: بطل الاحتياط رأسا، يعني في موارد العلم الإجمالي، و وجب























الصفحة 48







تحصيل الإطاعة الظنية، و لو بالعمل بالظن، و إن كان الثاني، بطل الاحتياط في موارد الشك البدوي. و إن كان الثالث، لم يبطل







الاحتياط في شي‏ء من الموارد، و أدلّة اعتبار النية في العبادات لا يزيد مؤدّاها على الثالث، و انّه تحتاج العبادات إلى نيّة في الجملة في







قبال عدم الحاجة إلى النية رأسا، و لذلك صحّ الاحتياط في جميع موارد الجهل.















قوله: و كونه لعبا و عبثا، ثالثة:















مآل هذا الوجه إلى عدم تحقق قصد التقرب لتحقق ما يضاده، و هو العبث بأمر المولى و التمسخر بأوامره، و ذلك لا يجتمع مع قصد







التقرب، و كيف يتأتى قصد التقرب بما هو مصداق للإهانة و الاستهزاء و السخرية، و إلاّ فاللعب بنفسه ليس من العناوين المانعة عن







صحة العمل.















ثم انّ عنوان اللعب ان حصل، فانّما هو فيما أتى بمحتملات كثيرة لإدراك واقع واحد، فتوضأ بألف إناء، أحدها ماء مطلق، و صلى في ألف







ثوب أحدها طاهر.















و هذا في الشبهات الحكمية لا يتفق إلاّ بتداخل عدة شبهات و اختلاط بعضها ببعض، فتزيد المحتملات من أجل ذلك، كما إذا علم إجمالا







بوجوب واحد من القصر و الإتمام، و واحد من الجهر و الإخفات، و هكذا.















قوله: هذا كلّه في قبال ما إذا تمكّن من القطع تفصيلا:















إذا كان الاحتياط باطلا و الإطاعة به غير حاصلة للوجوه المتقدمة، كلاّ أو بعضا، لم يكن معنى للتفصيل بين صورة التمكن من الإطاعة







التفصيلية قطعا أو ظنّا، و بين صورة عدم التمكن منها، بل كانت القاعدة قاضية بسقوط التكليف عند عدم التمكن من الامتثال التفصيليّ







بعين الوجه الّذي كان، يوجب تحصيل الإطاعة التفصيليّة مع التمكّن منها، إلاّ ان يدل دليل على انقلاب الواجب من التعبدية إلى التوصلية







بتعذر إتيانه على وجه التعبدية.















و من ذلك ظهر عدم الفرق بين قسمي الظن، أعني الظن الخاصّ و الظن المطلق، و ان مسلك الاحتياط إذا بطل ببعض تلك الوجوه بطل







رأسا، و انحصر الامتثال بالامتثال التفصيليّ مع التمكن، و سقط التكليف مع عدم التمكن.























الصفحة 49







قوله: و ان ثبوتها لها محتاج إلى جعل:















لا تثبت الحجيّة بالجعل كي يكون غير الحجة حجّة بإنشاء حجيته، بل ما هو حجة حجة بحكم العقل امّا مطلقا أو في حال الانسداد، و ما







ليس بحجة لا يكون حجة أبدا، لا لأنّ الحجيّة غير قابلة للجعل، و إن كان الأمر كذلك، بل لأنّ الحجيّة إن كانت بالجعل لزم التسلسل إلى







حجة أخرى مثبتة للحجة الأولى، و هي إن كانت عقلية كانت الحجة في الحقيقة هي تلك الحجة العقلية لا هذه الشرعية، و إن كانت حجة







جعليّة شرعية عادة ذكرناه أوّلا، و هكذا.















و بالجملة: لا بدّ أن تكون الحجية صادرة من باب العقل، و لا محيص عن أن يكون مناخ رحال التكليف ببابه، فصحّ أن يقال: ليست الحجّة







إلاّ القطع أو الظن على الحكومة.















قوله: و لعله لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل:















المراد من المحتمل هنا ما يشمل الموهوم، و دفعه غير لازم، و إن قلنا بوجوب دفع الضرر المشكوك، لكن ذلك لا يجدي في المقام







المقطوع فيه توجه الضرر، فإن العقل يلزم في مثله بوجوب دفعه على سبيل القطع و لا يكتفي بالظنّ، مع بقاء احتمال عدم الدفع، و لو







ضعيفا، و هو المعبر عنه بقاعدة الاشتغال.















قوله: و عدم لزوم محال منه عقلا:















يعني أن البحث في الإمكان الوقوعي بعد التسالم على الإمكان الذاتي، لكن ظاهر كلام ابن قبّة عكس ذلك، و إن التعبد بالظنّ بنفسه







محال لا أنّه مستلزم للمحال، و هو كذلك، لأن البحث في التعبد بالظن بعد ثبوت الأحكام الواقعية، و إلاّ فلا استحالة بوجه، لا ذاتا و لا







بالغير، لو قطع النّظر عن الأحكام الواقعية، كما يراه المصوبة. و بعد ثبوت الأحكام الواقعية يكون التعبد بالظن محالا ذاتا، لأنّه من







اجتماع الضدين مع الخطأ و المثلين مع الإصابة.















نعم، يلزم من التعبد تفويت المصالح الواقعية و الإلقاء في المفاسد الواقعية، و كذلك يلزم طلب الضدين فيما إذا أخطأ و أدّى إلى طلب







ضد ما هو المطلوب واقعا، و كل منهما قبيح، ليس بمحال، و إن كان يستحيل صدوره من الحكيم.























الصفحة 50







قوله: و ليس الإمكان بهذا المعنى، بل مطلقا:















يعني الإمكان بجميع معانيه، من الإمكان الذاتي و الوقوعي و الاستعدادي، و الإمكان بالقياس ليس ممّا يبني عليه العقلاء عند الشكّ، و







احتمال ما يقابله من الامتناع. لكن الّذي ينبغي أن يقال، هو: انّ امتناع التعبد بغير العلم مع بقاء الأحكام الواقعية على فعليتها ضروري لا







ينبغي الشك فيه، و إن الشك فيه شك في إمكان اجتماع الضدين و امتناعه، و هل يحتمل عاقل إمكانه، فلا بدّ أن يكون البحث في المقام







بحثا صغرويّا، و عن كون المقام من صغريات اجتماع الضدين و عدمه، فالقائل: بأنه ليس من صغرياته لا بدّ له من أن يرفع اليد عن أحد







أمرين، لا محيص له عن ذلك: امّا ان يرفع اليد عن فعلية الأحكام الواقعية الثابتة في موارد الظن على الخلاف، بل مطلقا، أو يرفع اليد عن







كون مفاد أدلة الاعتبار جعل أحكام ظاهرية، فليست جهة الاستحالة مجهولة حتى يتمسك بدليل وقوع التعبد بغير العلم، لإثبات إمكانه،







بل الاستحالة ثابتة ما لم يرفع اليد عن أحد الأمرين اللذين ذكرناهما، و مع رفع اليد عن أحدهما لم تكن استحالة قطعا من غير حاجة إلى







الاستدلال على الإمكان، بدليل وقوع التعبد به.















قوله: بمعنى الاحتمال القابل للقطع:















يعني احتمال وقوع الغريب المسموع، و ذلك يستلزم احتمال الإمكان أيضا، و حصول هذا الاحتمال قهرا الموجب للغوية هذا الكلام من







الشيخ الرئيس، يكون قرينة على انّ المراد إظهار هذا الإمكان بمعنى الاحتمال في مقابل المبادرة بالإنكار، كما هو شأن سواد الناس،







فيكون الكلام دستورا أخلاقيّا.















قوله: أمور، أحدها اجتماع المثلين:















لا تجتمع المحاذير الثلاثة إلاّ في مورد واحد، و هو ما إذا أدّت الأمارة أو الأصل إلى وجوب ضد ما هو الواجب، و ما عدى ذلك:















امّا يلزم فيه محذوران، و هو ما إذا أدّت الأمارة إلى خلاف الحكم الواقعي في موضوع الحكم الواقعي، فانّ اللازم اجتماع الضدين و







تفويت مصلحة الواقع.















أو يلزم فيه محذور واحد، و هو ما إذا أدّت إلى ما يوافق الحكم الواقعي، فإنّ محذوره هو اجتماع المثلين لا غير.























الصفحة 51







إمكان التعبد بالأمارات















قوله: ثالثها انّ الأصل فيما لا يعلم اعتباره:















المراد من الأصل هنا القاعدة دون الأصل العملي بالمقرر في موضوع الشك، فإنّه لا شكّ في عدم الحجيّة عند الشك في الحجية، بل عدم







الحجية قطعي.















و امّا رفع المناقضة بين كون عدم الحجية قطعيا و الشكّ فيها، فيما مرّ من تعلّق الشكّ بمرتبة من الحكم و القطع بمرتبة أخرى منه، فإنّ







الحجية عند المصنف «قده» حكم مجعول له مراتب، حسب ما للحكم التكليفي من المراتب، فيشك في الحجية الإنشائيّة، و عند الشكّ في







الحجية الإنشائيّة يقطع بعدم الحجية الفعلية، لأنّ الحجيّة الفعلية قوامها القطع، و إلاّ لم يحصل تعذير و تنجيز.















قوله: و امّا صحّة الالتزام بما أدّى إليه من الأحكام:















شرع في الإيراد على شيخه «قده» حيث تمسّك لعدم الحجيّة عند الشكّ فيها بأدلة حرمة الافتراء و التشريع، فانّ نسبة ما أدّت إليه الأمارة







إلى اللّه تعالى افتراء، كما انّ الالتزام به على انّه من الدين، تشريع.















و حاصل ما أورده، هو: انّ حرمة الافتراء و التشريع أجنبية عمّا هو المقصود، و لا يثبت بها عدم الحجية، فان الافتراء، و هو نسبة الحكم







إلى اللّه مع عدم العلم بأنّه منه، أو الالتزام به على أنّه من الدين، حرام، حتى مع القطع بالحجية، كما في الظن على الحكومة، فحرمتهما لا







تكشف عن عدم الحجية و لا هي عين عدم الحجية.















و هذا الاعتراض من المصنف «قده» في غير محله، لأنّه كلام شيخه «قده» يبتنى على ما سلكه من انّ الحجية الشرعية عبارة عن جعل







المؤدّى فان الحكم الّذي أدّت إليه الأمارة، إذا كان مجعولا بدليل اعتبار تلك الأمارة، جاز نسبته إلى اللّه تعالى، و جاز الالتزام به على أنّه







من الدين، فكان معنى عدم جوازهما عند الشكّ بأدلّة حرمة الافتراء و التشريع عدم حجية تلك الأمارة. و المصنف «قده» يختلف معه في







المبنى، لاعتقاده أن الحجية الشرعية عبارة عن المعذرية و المنجزية، و هي مجعولة بجعل مستقل.























الصفحة 52







و عليه: فلا يسمح له بالإشكال على متفرعاته في كل مورد مورد.















نعم، له حقّ النزاع في المبنى عند وقوع البحث فيه.















حجية الظواهر















لا شبهة في لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع في تعيين مراده في الجملة















قوله: فصل: لا شبهة في لزوم اتباع:















ينبغي البحث هنا في مقامين:















الأوّل: في حجيّة الظهور الملقى من المتكلم المتلقى منه بجميع مكتنفاته و قرائنه، حالية و مقالية، متصلة و منفصلة، بحيث لم يشذ مما







اعتمد عليه في أداء مقصده شي‏ء، و مع ذلك احتمل عدم مطابقته لمقصوده، و انه ترك القرينة المفهمة لتمام مقصوده: امّا عمدا أو سهوا و







اشتباها، و هذا هو ظاهر عنوان المصنف «قده»، حيث جعل الكلام في حجية الظهور، فانّ ذلك لا يكون إلاّ مع العلم بأنّ ما وصل تمام ما







هو الصادر، و تمام ما اعتمد عليه في إفادة المقصود، و حينئذ يمكن أن يتمسك لحجيته، مضافا إلى ما ذكره المصنف «قده»: بأنّ الشارع







اختار في إفادة مقاصده هذه الطريقة، و تلك مسلك الألفاظ و إلقاء الظواهر، فلو لا انّه أراد العمل بها كان ذلك لغوا منه.















ثمّ انّ الظاهر عدم الفرق في بناء العقلاء على الأخذ بالظهور بين من قصد افهامه و من لم يقصد بعد وصول تمام ما وصل إلى المقصود







افهامه إليه، حسب ما هو المفروض.















نعم، الظاهر التفصيل في اعتبار الظنّ بالمراد، بل الاطمئنان به بين الظواهر، التي يكون بها المخاصمة و الاحتجاج، فلا يعتبر، بل لا







يضر الظنّ بالخلاف و بين الظواهر الأخرى، التي ترجع إلى مقاصد العقلاء من منافعهم و مضارّهم فلا يعملون إلاّ بالوثوق و الاطمئنان،







فانّهم كما يعتبرون في سند الحكاية، الاطمئنان، يعتبرون في دلالتها أيضا الاطمئنان، ليكون ورودهم و صدورهم عن اطمئنان.























الصفحة 53







الثاني: في حجية أصالة عدم القرينة عند الشك فيها، و عدم القطع بوصول تمام ما اعتمد عليه المتكلم في إفادة مقصوده إلى الشخص، و







قد جعل عنوان البحث شيخنا المرتضى «قده» في رسائله ذلك، و هذا لا يكون إلاّ بعد الفراغ عن المقام الأوّل، و حجية أصالة الظهور.















و الحقّ في هذا المقام، عدم الحجيّة، فانّ بناء العقلاء على حمل الكلام على ظاهره الأوّلي عند تردد الأمر بينه و بين صدوره متصلا بما







يصرفه عن ظهوره، أو منفصلا عمّا يصرفه عن حجيته، ممنوع، فانّ تردد الأمر بين صدور رأيت أسدا، أو ظهور رأيت أسدا يرمي،







كتردد الأمر بين صدور أحد ظهورين متباينين في عدم البناء منهم على صدور أحدهما إلاّ بقطع، أو ما هو كالقطع.















نعم، في خصوص المقصودين بالإفهام، إذا كان المتكلم حكيما، لا يبعد ذلك، فانّ تعمده لترك القرينة مدفوع بمنافاته للحكمة، و احتمال







الغفلة عن نصبها لا يعتنى به، و هذا بخلاف غير المقصودين بالإفهام، فان احتمال تعمّد الترك قائم.















و من هنا صحّ التفصيل في هذا المقام بين المقصودين بالإفهام و غيرهم.















نعم، لا فرق بينهما في المقام السابق، المقطوع فيه وصول تمام ما اعتمد عليه المتكلم في إفادة مقصوده.















قوله: امّا بدعوى اختصاص فهم القرآن:















الأخبار التي يستفاد منها المنع عن العمل بظواهر الكتاب و الاستقلال بالتمسك به، بل و كذلك نصوصه، لاحتمال النسخ، على طوائف







خمس:















الأولى: الأخبار الدالة على المنع من التفسير بالرأي، مثل النبويّ: «من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار» و في آخر: «فقد افترى







على اللّه الكذب»، و في ثالث: «فأصاب فقد أخطأ»، و عن الصادق عليه السلام: «ان أصاب لم يؤجر و إن أخطأ سقط أبعد من السماء» إلى







غير ذلك.















و الجواب: انّ التفسير هو كشف المعاني المحجوبة دون الظاهرة الواضحة، فانّ ذلك هو الترجمة. و أيضا العمل طبق الكلام من دون







نسبة إرادة مفاده إلى متكلم























الصفحة 54







لا يعد تفسيرا، فيعمل على طبق ظاهر القرآن قضاء لحجية الظهور، و لا تنسب إرادة مدلوله إلى اللّه تعالى، كما تقدم ذلك من المصنف







«قده» في مطلق الحجة.















و امّا الجواب عن ذلك: بأن المراد بالرأي هو الاعتبار الظني و الاستحسان العقلي.















فمدفوع: بأنّ الرّأي مطلق الاعتقاد بالشي‏ء عن اجتهاد و استدلال و لو عن طريق معتبر، كتعيين مداليل الألفاظ بالعلائم المقررة لذلك،







كالتبادر و عدم صحّة السلب، و لذا يطلق الرّأي على ما استنبطه الفقيه من الأدلّة الشرعية.















الثانية: الأخبار الدالة على اختصاص فهم القرآن و معرفته بمن خوطب به، و هذا يحتمل أن يكون من جهة عدم استقلاله بإفادة المقصود،







بل بقرائن منصوبة للمخاطب، و يحتمل أن يكون من جهة غموض مطالبه و عدم نيل الإفهام لدركها، فان الكتب العلمية لا ينال معانيها







كلّ أحد، مع الالتفات إلى معاني كل جملة منها و فهم ظواهرها.















لكن ظاهر رواية زيد الشحام، اختصاص تفسير القرآن بمن خوطب به، لا فهم ظواهره، فترجع حينئذ إلى الطائفة الأولى. قال: دخل







قتادة على أبي جعفر عليه السلام فقال عليه السلام له: «أنت فقيه أهل البصرة» فقال: هكذا يزعمون. فقال عليه السلام: «بلغني انّك تفسّر







القرآن». قال: نعم، إلى أن قال عليه السلام: «يا قتادة ان كنت قد فسّرت من تلقاء نفسك فقد هلكت و أهلكت، و إن كنت قد فسّرت من







الرّجال فقد هلكت، و أهلكت يا قتادة، ويحك انّما يعرف القرآن من خوطب به.» الثالثة: ما دلّ على النهي عن الأخذ بالمتشابه بدعوى







شمول المتشابه لغير النص، سواء كان ظاهرا أم لم يكن.















و الأولى أن يقال: انّ المتشابه هو كلّ ما له ظاهر أريد منه خلافه، مع عدم نصب قرينة واضحة، مثل (الرحمن على العرش استوى)، و مثل







(يد اللّه فوق أيديهم)، و مثل (و ما رميت إذ رميت و لكن اللّه رمى)، فيكون المتشابه قسما واقعيا من الظواهر، فإذا نهى عن اتباع هذا







القسم الواقعي و لم يعلم به المكلّف عينا،























الصفحة 55







وجب أن لا يؤخذ بشي‏ء من الظواهر مقدمة لترك العمل بالمتشابه الواقعي.















الرابعة: ما دلّ على النهي عن التمسك بالقرآن لإرادة خلاف الظاهر فيه بالنسخ و التخصيص و نحوهما، عما لا يعرف مواقعه إلاّ أهل بيت







الوحي.















الخامسة: ما دلّ على وقوع التحريف في القرآن، و ما هذا شأنه، لا يتمسك به.















و يضاف إلى هذه الطوائف الخمس من الأخبار: دعوى العلم الإجمالي بإرادة خلاف الظاهر فيه، كما هو مؤدّى الطائفة الرابعة، و يفترق







هذا الوجه عنها، بأنّ دعوى انحلال العلم الإجمالي بالظفر بموارد إرادة خلاف الظاهر بمقدار المعلوم بالإجمال، لا تجري في التمسك







بالأخبار التي عزلت جميع الظواهر عن الحجية، باشتمالها على تصرفات واقعا، مع انّ دعوى انحلال العلم الإجمالي في بناء العقلاء، كما







ترى، فانّ العلم الإجمالي بارتكاب خلاف الظاهر في أطراف، يوجب إلغاء تلك الأطراف، و عدم العمل بشي‏ء منها حتى يحصل الظفر بما







يعلم انّما تمام ما وقع من التصرف في تلك الأطراف، و لا يجري الظفر بمقدار المعلوم في العمل بالباقي، و لا أقلّ من عدم إحراز بنائهم







على ذلك، و كون الحال في التكاليف كذلك لا يقتضي أن تكون في العمل بأصالة عدم القرينة كذلك، بل عرفت: انّ لا أصل لأصالة عدم







القرينة مطلقا، و انه يلزم القطع بعدمها.















ثمّ انّه يذكر بإزاء الطوائف الخمس اخبارا أخرى دلّت على الأخذ بظواهر الكتاب، فيجمع بين الطائفتين بحمل المانعة على المجملات، و







لكن لا دلالة في شي‏ء منها، فمن جملة تلك الأخبار حديث الثقلين، و فيه: انّ جواز التمسك بالكتاب، بل وجوبه بمعنى الأخذ بمضمونه، ممّا







لم ينكره أحد، و انّما أنكر جواز استقلال كل شخص بتعيين ذلك المضمون من دون دلالة العترة، التي هي الثقل الآخر، و لا سيما بعد







ورود الأخبار بالمنع عنه، الّذي يوجب كون التمسك بظواهره بعد ذلك تركا للتمسك بالعترة، أ ترى انّ حديث الثقلين يقتضي أن يأخذ







ما يفهمه من الكتاب كل سوقي و بدوي من أهل اللسان و غيرهم كلاّ، و أهل اللسان بعد ورود ما يدلّ على اختصاص فهم القرآن بأهل







البيت عليهم السلام، يكون حالهم حال























الصفحة 56







الأجانب من اللسان.















و من جملتها ما دلّ على الأخذ بما وافق الكتاب من الخبرين المتعارضين.















و فيه: انّه لم يدّع أحد اختصاص تشخيص ظاهر الكتاب بالمعصوم، و انّما المدعى عدم جواز الأخذ بظاهره ما لم ترد على طبقه رواية







من المعصوم، و بعد ورود خبر يوافق ظاهر الكتاب، يخرج عن موضوع المنع الأدلّة المانعة، و يكون مما ورد على طبقه رواية.















و من جملتها: ما دلّ على ردّ ما خالف الكتاب من الشروط.















و فيه: انّ المخالفة و المطابقة تتصوران بالنسبة إلى مضمون الكتاب لا لفظه، و لا إشكال في بطلان مضمون ما خالف الكتاب، و لا دلالة







فيه بوجه على جواز تشخيص هذا المضمون لكل أحد بالأخذ بظواهره، و لا سيما بعد ورود الاخبار بالمنع.















و من جملتها عدة روايات تمسّك فيها المعصوم بظاهر الكتاب، و لا يخفى الاستدلال بها انّما يتم إذا كان الإمام عليه السلام بصدد







التنبيه على التمسك و إرجاع الناس إلى الأخذ بظاهر الكتاب، و هو ممنوع، حتى في قوله عليه السلام في رواية عبد الأعلى: «هذا و







أشباهه يعرف من كتاب اللّه»، «ما جعل عليكم في الدين من حرج» ثم قال عليه السلام: «امسح عليه» مشيرا إلى المرارة التي وضعها على







إصبعه. لأنه لم يثبت انّ المراد من «يعرف» معرفة كلّ أحد، بل الظاهر معرفة أهل المعرفة بالقرآن، و هم أنفسهم عليهم السلام. و يشهد







له انّه لا يستفاد من الآية ما استفاده عليه السلام، أعني المسح على المرارة، لو لا تنبيهه عليه السلام على ذلك.















و من جملتها: ما دلّ على عدم العذر لمن سمع بالآية ثم ترك الأخذ بظاهرها.















منها: ما ورد فيمن أتمّ في السفر من انّه إن قرأ عليه آية التقصير أعاد و إلاّ فلا، و فيه: انّ ذلك مقيد بما ورد في روايات اخر من انّه إن







قرئت عليه و فسّرت له، بل يجب تقييده بذلك و لو لم ترد هذه الروايات، لأنّ الآية من الظواهر التي أريد خلافها لظهور، لا جناح في







الترخيص دون الإيجاب.























الصفحة 57







و منها قوله عليه السلام في جواب من أطال الجلوس، في بيت الخلإ لاستماع الغناء، معتذرا بأنه لم يكن شي‏ء أتاه برجله: «أما سمعت قول







اللّه عز و جلّ (انّ السمع و البصر و الفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولا). و فيه انّ الآية لو كانت دليلا على حرمة استماع الغناء صحّ







الاستدلال بالرواية للمقام، لكن الآية بمعزل عن ذلك، و انّما مدلولها تعذيب اللّه على ارتكاب المعاصي الثابت كونها من المعاصي بالأدلّة







الخارجية، فيعلم انّ المخاطب كان عالما بالحكم، متحيلا في ارتكابه، و العذاب على المعاصي مع انّه ليس من أحكام العمل، ممّا ثبت







بالضرورة من الدين، و مثل هذا الظاهر المطابق للدليل القطعي لا منع عن الأخذ به، بل لا يسوغ المنع، بل ليس الأخذ به حقيقة إلاّ أخذا







بذلك الدليل القطعي.















و بما ذكرناه تقدر على الجواب عن كلّ ما استدلّ به للمقام، مثل ما دلّ على الأمر بقراءة القرآن و التفكر في معانيه و غير ذلك.















حجيّة العمل بالكتاب















قوله: نعم، لو كان الخلل المحتمل فيه أو في غيره:















لا يخفى انّ الخلل الحاصل بالتحريف من هذا القبيل فانّه خلل حاصل بالمتصل امّا في هذا أو غيره، و قد عرفت انّ الاحتمال البدوي







للقرينة المتصلة مضرّ بالأخذ بالظهور، فضلا عمّا إذا علم بها إجمالا، لأنّ الظهور الملقى من المتكلم غير معلوم على التعيين، و لم يثبت







البناء على أصالة عدم القرينة في تعيين الظاهر الصادر، بل و كذلك الحال في احتمال القرينة المنفصلة، و يحتمل أن يكون المراد من







العبارة إحراز اتصال شي‏ء بالكلام، و العلم الإجمالي بكونه مخلا بظاهره أو بأظهر غيره، فلا يتجه عليه ما ذكرناه، و إن كان يتجه عليه







انّ العلم الإجمالي بحصول الخلل غير لازم، بل يكفي في السقوط عن الحجية الشك البدوي، كما سيجي‏ء.















قوله: و لم يثبت تواتر القراءات:















و لو ثبت تواتر القراءات، فإن كان هناك جمع























الصفحة 58







دلالي بين الإثنين أخذ به كما في كلّ ظاهرين تعارضا، فان كلتا الآيتين بعد التواتر تكونان من القرآن و يكون المنزل من اللّه تعالى







كلتاهما، فيجمع بينهما إن أمكن و إلاّ تساقطتا، و كان المرجع العموم إن كان، و إلاّ فالأصل، فيحكم في مثل آية يطهرن بجواز إتيانهنّ







بعد انقطاع دم الحيض قبل الاغتسال، بمقتضى العموم الأزماني، في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم) و لو فرض







عدم العموم، كان المحكم استصحاب الحرمة.















قوله: فلا وجه لملاحظة الترجيح بينها:















بل يمكن أن يقال: لا وجه للجمع الدلالي أيضا إن أمكن، لأنّ الاستدلال بهما الظاهر في الأخذ بظاهر كلتيهما الّذي قام عليه الدليل لا







يمكن، و ترك ظاهر إحداهما و الأخذ بظاهر الأخرى لم يدل عليه دليل إلاّ في ظاهرين مقطوعي الصدور أو في حكم مقطوعي الصدور







لقيام الدليل على التعبد بالصدور، و المفروض هاهنا عدم قيام دليل على التعبد بالصدور، بل على الأخذ و الاستدلال.















حجية كلام اللغويّين















قوله: فلا خلاف في انّ الأصل عدمها:















لا أصل لهذا الأصل و لا سيّما إذا احتملت القرينة المتّصلة، إذ في الحقيقة الظهور الصادر من المولى غير محرز، فانّ اللفظ مع القرينة له







ظهور، و بلا قرينة له ظهور، و لا يعلم انّ أيّهما هو الصادر، و بناء أهل المحاورات على صدور معيّن عند الشك الّذي هو معنى أصالة عدم







القرينة غير ثابت، بل حال هذه الصورة حال صورة احتمال قرينية الموجود المتصل.















قوله: لكن الظاهر انّه معه يبنى على المعنى الّذي:















يعني إذا كان عدم القرينة و العراء عنها قرينة على معنى غير ما هو معنى اللفظ في حد ذاته، كعدم البيان في مقام البيان، الّذي هو قرينة







إرادة الشيوع و السريان من لفظ اسم الجنس الموضوع للماهيّة المهملة، كانت قضية أصالة عدم القرينة، حمل اللفظ على ما هو معناه























الصفحة 59







الوضعي الأولي لا ما هو معناه بقيد عدم القرينة، فليس بناء العقلاء على عدم القرينة بناء على عدم القرينة، من حيث انّ نفس عدم القرينة







بنفسه قرينة، ليكون ذلك منهم بناء على القرينة، بل بناء منهم على ترتيب آثار عدم كلّ قرينة حتّى عدم القرينة من حيث كونه قرينة، و







أثر و مقتضى ذلك حمل اللفظ على ما هو معناه الأولى مع قطع النّظر عن كلّ قرينة، و لكن يمكن أن يقال: انّ ظهور اللفظ في معناه







الحقيقي، أعني إبرام هذا الظهور و استقراره، انّما يكون مع عدم انضمام قرينة صارفة بحيث كان عدم الانضمام هو الموجب لاستقرار







الظهور، فعلى ما ذكره يلزم عدم حمل اللفظ على معناه الحقيقي بأصالة عدم القرينة، و لا يكون لأصالة عدم القرينة أثر و فائدة في مورد







من الموارد.















قوله: لا انّه يبنى عليه:















العبارة لا تخلو عن استخدام، فانّ ضمير عليه لا يرجع إلى ما ذكره من المعنى بما أريد منه هناك، بل إلى مطلق المعنى.















قوله: بناء على حجيّة أصالة الحقيقة:















الشكّ في انّ حجيّة أصالة الحقيقة من باب التعبد أو من باب الأخذ بالظهور، صار منشأ الإشكال، لا انّ الإشكال مبني على اعتبارها من







باب التعبد، كما يوهمه ظاهر العبارة، فالمقصود انّ أصالة عدم القرينة إن كان معناها الأخذ بالظهور و دفع احتمال القرينة بسببه، فلا







ظهور في صورة الاتصال بما يحتمل القرينيّة ليدفع آخذا به احتمال قرينيته ما اتّصل و إن كان معناها البناء على عدم القرينة تعبدا من







العقلاء و إن لم يكن ظهور في البين، جرت أصالة عدم القرينة في الصورة المذكورة. و قد عرفت منع البناء على أصالة عدم القرينة







مطلقا في هذه الصورة و في صورة الشك في وجود القرينة و لا سيما المتصلة، فانّ الظهور غير محرز هناك أيضا، ثم انّ الشك في







القرينية لا معنى له، فان الصالح للقرينية هو الأقوى دلالة، فمع كون المتصل متصفا بقوة الدلالة كان قرينة فعلية و إلاّ لم تكن قرينة







قطعا. نعم، يتصور ذلك مع الجهل بمقدار الدلالة، و الظاهر ان ليس الكلام فيه و انّما المراد ان يتصل بالكلام ما يساويه في الظهور و







يعانده في الدلالة، فان ذلك يوجب إجمال الكلام، كما انّ اتصال الأقوى ظهورا يوجب























الصفحة 60







صرف الكلام عن ظاهره إلى ظهور ثانوي.















حجية الإجماع المنقول















قوله: فصل: الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة:















اعلم انّ البحث عن حجية الإجماع المنقول يكون بعد القول بحجية المحصل منه، بأحد الطرق الآتية، إذ مع إنكار حجيته لعدم الإذعان







بمسلك التضمن و بقاعدة اللطف، كما هو واضح، و عدم الحدس القطعي برأي المعصوم من الإجماع لا يبقى للبحث عن المنقول منه







مجال، و أيضا البحث عنه مبني على عدم اختيار مسلك التضمن و إلاّ كان سبيله سبيل خبر الواحد في انّه نقل لقول المعصوم عن حسّ.







غاية الأمر، عدم معرفة الإمام تفصيلا، و من المعلوم عدم دخل ذلك في الحجية، و مثل ذلك ما إذا نقل عن الإمام في زماننا، كبعض







الأدعية الّتي أخبر السيد الجليل ابن طاوس انه سمعها من الإمام عليه السلام، فان شمول دليل صدق له واضح، و لا مجال للتأمل فيه







بمجرد الاستبعاد، و لا ينافيه ما ورد من الأمر بتكذيب مدعي الرؤية إذ لم يدع الرؤية بل ادّعى السماع.















نعم، لو نقل رأي المعصوم حدسا، جاء الإشكال من جهة شبهة اختصاص اعتبار دليل حجية الخبر بالأخبار عن حسّ، و ذلك غير بعيد







بالنسبة إلى الأدلة اللفظية الّتي أقيمت على اعتباره، فانّ ظاهر أكثرها عدم الاعتناء باحتمال تعمد الكذب من حيث اعتبارها الوثاقة،







فيعلم انّ مورده ما إذا كان احتمال الخطأ ملغى ببناء العقلاء و هذا ليس إلاّ في الاخبار عن حسّ فانّ احتمال الخطأ في الحدس مما يعتنون







به نعم، في بعض الاخبار ما ظاهره العموم، مثل ما عن أبي الحسن عليه السلام فيما كتبه جوابا عن السؤال عمن يعتمد عليه في الدين،







قال: «اعتمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا، كثير القدم في أمرنا».















و امّا الإجماع الّذي أقيم على حجية خبر الواحد، فاختصاصه بالخبر الحسّي























الصفحة 61







لا إشكال فيه لاختلاف المجمعين على حجية الخبر الواحد في حجيّة الإجماع المنقول.















نعم، لا يبعد أن يقال: انّ بناء العقلاء على العمل بخبر الواحد لا يختص بالخبر الحسّي، بل بنائهم على العمل بالخبر الموثوق به مطلقا. نعم،







في الخبر الحدسي يعتبرون مع ذلك كون المخبر من أهل الخبرة، و ممن يكون الغالب في حدسه الإصابة، و إن شئت قلت: انّ بناءهم







على العمل بما يثقون به، و هذا يحصل في الخبر الحسي بكون المخبر ثقة لا يتعمد الكذب، و في الخبر الحدسي بكونه ثقة لا يتعمد







الكذب في الاخبار عن حدسه، و كونه من أهل الخبرة الذين لا يخطئون في حدسهم غالبا، لغلبة الخطأ في الحدس دون الحسّ. ثم انّا لو







لم نقل بحجية نقل الإجماع من باب نقل المسبب و قول المعصوم لكونه عن حدس، فلا وجه لاعتباره من باب نقل السبب، و قول







المجمعين سواء كان المنقول تمام السبب أو بعضه، و قد احتاج إلى تحصيل ما يكون متمّما له، فان السبب المذكور انّما كان معتبرا من







جهة حصول الحدس القطعي منه لا بما هو، و من المعلوم ان الحدس لا يحصل ما لم يقطع بالسبب.















نعم، إذا كان السبب ملازما لقول المعصوم و كاشفا عنه كشفا عقليا أو عاديا، و لم يكن بنحو يحدس المنقول إليه منه اتّفاقا، بحيث كان







معنى دليل صدق الشامل له ترتيب قول المعصوم عليه، كدليل صدق الشامل لألفاظ المعصوم، الكاشف عن إرادة معناه، اعتبر نقل







الإجماع من حيث نقل السبب، فان كان تمام السبب ترتّب عليه لازمه و إلاّ توقف ترتّبه على تتميمه بما يكون معه تمام السبب، و من ذلك







يظهر الكلام في نقل التواتر، فانّ الكلام فيه كالكلام في نقل الإجماع، من حيث نقل السبب و المسبب، بل لا يبعد اعتبار نقل التواتر من







حيث نقل المسبب، و إن لم نقل به في الإجماع، لقرب الحدس هنا من الحسّ، فيكون كالشهادة بالعدالة و الاجتهاد، من الأمور الحدسية







القريبة من الإحساس، فانّ كلّ واحد من الرّواة ينقل الرواية حسّا من المعصوم و يحصل الحدس القطعي من المجموع بقول المعصوم، و







هذا بخلاف فتوى المجمعين، فانّها ناشئة عن مقدمات حدسية، فيكون الحدس























الصفحة 62







فيها بقول المعصوم حدسا ناشئا من الحدس، فيبعد من أجل ذلك عن الإحساس.















قوله: و أخرى لا ينقل إلاّ ما هو السبب عند ناقله:















إذا نقل ما هو السبب عند ناقله فلا جرم يكون قد نقل المسبب. نعم، نفس ما نقله من السبب، حيث اختصت سببيته بنظره، لا يكون كاشفا







و لو بالالتزام عن نقل المسبب، فان ذلك انّما يكون إذا كانت علاقة السببية عقلية أو عادية دون ما إذا كانت في نظرنا، فله كذلك، لكن







إذا انضمّ اعتقاده إلى نقله كشف عن نقل المسبب، فنقل السبب لا ينفك عن نقل المسبب.















قوله: إلاّ انّه كان سببا بنظر المنقول إليه:















قد عرفت عدم كفاية السببية بنظر المنقول إليه ما لم يكن سببا عقليا أو عاديا كاشفا عن المسبب، ليكون معنى صدّق المتوجه إليه







ترتيب لازمه و إثبات قول المعصوم به.















قوله: إذ المتيقن من بناء العقلاء:















قد عرفت عموم بناء العقلاء و شموله للخبر عن حدس إذا كان الحدس من أهل الخبرة، بل لا يبعد أن يكون بناؤهم بملاك حصول







الوثوق و الاطمئنان بلا خصوصية في سببه، و لذا لا يفحصون عن حال الخبر و انه عن حسّ أو حدس فيما إذا جهلوا ذلك، و قد التجأ







المصنف إلى الالتزام بتحقق بنائهم على العمل لدى الجهل، ما لم تكن أمارة على الحدس.















قوله: إذا كان من نقل إليه ممن يرى الملازمة:















قد تقدم انّه إذا كانت حكاية رأي الإمام عن حدس لا تشملها أدلة الاعتبار، و مجرد ان المنقول إليه ممن يعتقد الملازمة لا يجدي في ذلك.







نعم، تعتبر حينئذ من حيث نقل السبب، لكن بما عرفته من الشرط كون الملازمة بين ذلك السبب و قول المعصوم عادية أو عقلية، ليكون







كاشفا عنه لا مجرد اعتقاد المنقول إليه بالملازمة.















قوله: نعم، لو كان هناك أثر للخبر المتواتر:















لا يخفى انّ اخباره حينئذ يكون اخبارا عن موضوع خارجي ذي أثر، و هو اعتقاده، فيتوقف ثبوته على البيّنة إلاّ ان يكتفى باخباره من







باب انّه مما لا يعلم إلاّ من قبله.























الصفحة 63







حجية الشهرة















قوله: لوضوح أن المراد بالموصول:















لا يخفى انّ اشتهار الرواية بين الأصحاب لا يصدق إلاّ مع تلقيهم لها بالقبول و أخذهم إيّاها و إذعانهم بها، و ان اتّحد سندها، نقلهم لها







معرضين عنها غير حاملين بها، فلا يعدّ من الاشتهار بين الأصحاب و إن تعدد سندها و تكثر رواتها، فالعبرة في الصدق باشتهار







الفتوى دون مجرد النقل من غير اعتماد و اتكال. ثمّ انّ المقبولة و إن دلّت على وجوب الأخذ بالرواية المشتهرة بين الأصحاب، لكن







تعليلها يقتضي التسرية إلى كلّ ما اشتهر، و إن كان حكما ليس في مورده رواية.















قوله: لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد:















كون بناء العقلاء دائرا مدار الاطمئنان و سكون النّفس، بلا دخل شي‏ء من الأسباب فيه، من الواضحات التي لا تنكر، بل عملهم بالعلم أيضا







بهذا الملاك لا بما هو علم، غير محتمل للخلاف.















حجيّة الخبر الواحد















قوله: و عليه لا يكاد يفيد في ذلك:















يفيد في ذلك إذا كان المراد من الأدلّة الأدلّة الحاكية، فيكون المراد من السنة الاخبار الحاكية عن قول المعصوم و فعله و تقريره، فانّ







البحث عن حجيتها بحث عن عوارضها، و لا سيما على مذاق المصنف من كون الحجية بنفسها امرا مجعولا قائما بذات الحجة، و انّها غير







وجوب العمل، و إلاّ أمكن أن يقال أيضا: انّ الوجوب ليس من عوارض الخبر، بل من عوارض فعل المكلف و عمله، على طبق الخبر.















قوله: مع انّه لازم لما يبحث عنه في المسألة:















يريد انّ عنوان البحث هو حجية الخبر لا ثبوت السنة بالخبر، نعم، هو لازمه، و المناط في الدخول و الخروج عن مسائل























الصفحة 64







الفن نفس ما هو عنوان البحث لا ما هو لازمه. قلت: بل هو عينها لا يختلف عنها إلاّ في مجرد التعبير، و اختلاف التعبير عن مطلب واحد لا







يضرّ بحقيقة المطلب إذا كان بحقيقته داخلا في مسائل الفنّ، و إن عبّر عنه بتعبير يوهم الخروج.















قوله: و الجواب: امّا عن الآيات فبان الظاهر منها:















لا تخفى قوة ظهورها في العموم بملاحظة ما فيها من التعليل، فان قوله تعالى: «إن يتبعون إلاّ الظن و إنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئا» و







قوله تعالى: «لا تقف ما ليس لك به علم انّ السمع و البصر و الفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولا» كيف يسوغ دعوى اختصاصها بالظنّ في







الأصول الاعتقادية، و إن فرض انّ مورد الآية الأولى ذلك، و منه يظهر ما في دعوى تخصيصها بما دلّ على حجيّة خبر العدل، فانها







بملاحظة ما فيه من التعليل غير قابلة للتخصيص.















فالصواب في الجواب أن يقال: انّ مفاد الآيات لا يتجاوز ما يحكم به العقل من عدم جواز الاتكال و الاعتماد على مجرد الظنّ، و امّا الأخذ







بدليل ظنّي قامت الحجة القطعية على اعتباره، فليس اعتمادا على الظن، بل على تلك الحجة القطعية، و إن شئت قلت: انّ الحكم الظاهري







المنشأ على طبق الأمارة الظنية يكون قطعيا، فيؤخذ بهذا الحكم القطعي، فالدليل القطعي على اعتبار أمارة ظنية لا يزاحم ظهور الآيات،







بل يوجب خروج مورد موضوعها على سبيل التخصيص.















قوله: فبان الاستدلال بها خال عن السداد، فانها اخبار آحاد:















يمكن أن يقال:















انّها و إن كانت اخبار آحاد لكنها القدر المتيقن من الحجة، لأنها موافقة للكتاب، أعني الآيات الناهية عن اتباع الظنّ، و قد دلّت على عدم







حجية الأخبار المخالفة، فتكون حجة على ذلك و تعارض الأخبار الدّالة على حجية خبر العدل بالعموم من وجه، فامّا أن تقدّم هذه







بموافقة الكتاب أو تتساقطان، و يكون المرجع أصالة عدم حجية المخالف، لا يقال: انّها مخالفة للكتاب، أعني آية النبأ و نحوها، مما دلّ







على حجيّة خبر العدل. قلت: انّ سلّمت دلالة آية النبأ فهي معارضة للآيات المتقدمة بعد أن عرفت عدم قبولها للتخصيص، و بعد التساقط







تكون الأخبار الناهية غير























الصفحة 65







مخالفة للكتاب، و قد دلّت على عدم حجية الأخبار المخالفة، و يمكن أن يكون التمسك بهذه الأخبار على عدم حجية أخبار الآحاد مع







كونها بنفسها أخبار آحاد لا لإثبات عدم الحجية بها، بل لتحطيم أخبار الحجية، فانّ تلك الأخبار لو كانت بنفسها مفيدة للقطع لو لا هذه







لم تكن مع هذه مفيدة له.















قوله: بل لا محيص عنه في مقام المعارضة:















يعني انّ مآل عدم حجية المخالف للكتاب و السنة جميعا إلى ترجيح أحد الخبرين المتعارضين، أعني السنة الموافقة للكتاب على هذا







الخبر المخالف له و للكتاب، و ترجيح السنة على الخبر بموافقة الكتاب، و هذا مما لا محيص عنه، و فيه:















أوّلا: انّ ذلك لا يصحّ فيما يمكن الجمع الدلالي بين الكتاب و السنة و بين الخبر المخالف لهما، كما إذا كان الخبر خاصا و الكتاب و السنة







عامين، فانّ السّنة لا ترجح حينئذ بموافقة الكتاب، بل يخصصان جميعا بالخبر.















و ثانيا: انّه يمكن دعوى تواتر بقية الأخبار مما عدا ما تضمن الأمر بطرح ما خالف الكتاب و السنة، فينبغي الأخذ بالأخص من البقية، مع







انّه يمكن دعوى الجزم بأنّ المراد من هذا أيضا هو مخالفة كلّ واحد من الكتاب و السّنة لا مخالفة مجموعهما، فتكون الواو بمعنى أو.















فالجواب الحاسم لمادة الإشكال، هو: أنّ هذه الأخبار طائفتان: طائفة دلّت على انّ ما خالف الكتاب باطل و زخرف، و لم يقولوه. و







أخرى دلّت على الأمر بطرح ما خالف أو ما لم يوافق أو لم يكن عليه شاهد أو شاهدان من كتاب اللّه تعالى. فامّا الطائفة الأولى: فهي







أجنبية عن المقام و مضمونها مقطوع به لو لا هذه الروايات أيضا، فانّ المراد من الكتاب فيها واقع الكتاب و حكمه لا ظاهره و ما نفهمه







منه.















و امّا الطائفة الثانية: فهي و إن دلّت على أنّ المقياس فيما يؤخذ و ما يطرح هي المخالفة و عدم المخالفة، أو الموافقة و عدم الموافقة







للكتاب، اللتين لا محيص من حملهما على المخالفة و الموافقة بحسب ما نفهمه من الكتاب لا ما هو واقعه، لكنّ الأخبار التي دلّت على







تصديق العادل حاكمة على هذه.























الصفحة 66







بتقريب، انّ هذه الأخبار لا مزاحمة لها بوجه مع ما نسمعه من الإمام من المخالفات لظواهر الكتاب مخالفة جزئيّة، فانّها لا تدلّ إلاّ على







طرح الأخبار المخالفة لظاهر الكتاب لا أقوالهم المخالفة لظاهره، فما تسمعه منهم أو نقطع بصدوره منهم يؤخذ به و يتصرف في ظاهر







الكتاب، و حينئذ فإذا دلّ الدليل على تنزيل قول العادل منزلة السماع منهم، مثل قوله عليه السلام: «ما يقوله عنّي فعنّي يقول» كان ذلك







دليلا حاكما على دليل طرح ما خالف من الأخبار، و يكون المتحصل من المجموع حجية قول العدل مطلقا، و قول غير العدل إذا وافق







الكتاب.















قوله: خصوصا في المسألة، كما يظهر وجهه للمتأمّل:















فانّ دليل حجية الإجماع المنقول هو دليل حجية الخبر الواحد، فالتمسك به على عدم حجية الخبر تمسك بالخبر على نفي حجية الخبر، و







يمكن إصلاحه بالنسبة إلى عدم حجية خصوص الأخبار المخالفة، بما تقدم في التمسك بالأخبار على طرح ما خالف الكتاب.















قوله: و لا يخفى انّه على هذا التقرير لا يرد انّ الشرط:















فيه أوّلا: انّ هذا التقرير بمعزل عن ظاهر الآية، فانّ المعلق عليه، المدخول لأداة الشرط فيها هو مجي‏ء الفاسق بالنبإ لا فسق الجائي،







ليكون المفهوم عدم فسقه بعد مفروغية أصل النبأ.















و ثانيا: انّ هذا التقرير أيضا لا يسلم عن الإشكال أيضا، و ذلك لوضوح انّ موضوع التبين الّذي هو كناية عن عدم العمل في تالي القضية،







هو التبين عن ما جاء به الفاسق من النبأ لا كلّ نبأ و لا طبيعة النبأ بما هي طبيعة، و قانون المفهوم، هو انتفاء هذا التالي عند انتفاء المقدم،







و من المعلوم انّ انتفاء هذا التالي عند كون الجائي بالنبإ عادلا، يكون من السالبة بانتفاء الموضوع فانّ موضوع النبأ الّذي جاء به







الفاسق يكون منفيا حينئذ، فينتفي حكمه، و امّا النبأ الّذي جاء به العادل فلا يكون تعرض لحكمه في جانب شرطية المنطوق ليكون بذلك







قد تعرض له في جانب شرطية المفهوم، و من المعلوم أنّ الشرطيتين لا تختلفان في غير جهة الإيجاب و السلب، إن قلت: لا ريب في







ثبوت المفهوم في قولنا: زيد إن أكرمك أكرمه، و يكون مفهومه ان لم يكن كذلك لا يجب إكرامه. و ما نحن فيه يكون من ذلك























الصفحة 67







القبيل، و تكون القضية هكذا: النبأ إن كان الجائي به فاسقا تبين عنه و لا تعمل به، و يكون مفهومه: النبأ إن لم يكن الجائي به فاسقا لا







تبيّن عنه، بل اعتمد به.















قلت: فرق بين المقام و المثال، فانّ زيدا موجود خارجي، يكون له حالتان:















حالة الإكرام و حالة عدمه، و هذا الموجود الخارجي جعل موضوعا للحكم معلقا على تحقق إحدى الحالتين، فينتفي عنه الحكم عند انتفاء







هذه الحالة، و هذا بخلاف النبأ، فانّه لا تحقق له إلاّ بالمجي‏ء به، و يكون المجي‏ء به عبارة عن إيجاده، كما انّ رزق الولد يكون عبارة عن







وجوده، فيكون الحكم في التالي معلقا على موضوعه، و هو وجود بناء الفاسق، فحينئذ يتوجه إشكال انّه لا يكون مفهوم له أصلا، أو







يكون مفهومه سالبة بانتفاء الموضوع، و عليه، فلا فرق بين الشرطية التي فسّرها المصنف و بين الشرطية الأخرى التي هي ظاهر الآية،







و من هنا ظهر الكلام عليها و انّ التالي إذا كان هو وجوب التبين في خبر الفاسق و عدم العمل به لم ينتف بانتفاء المقدم إلاّ هو، فيكون







المفهوم إن كان سالبة بانتفاء الموضوع، و لا يكون تعرض عن خبر العادل بخبر في جانب المنطوق ليكون عنه التعرض في جانب







الموضوع، فانّ المفهوم لا يختلف عن المنطوق إلاّ في الإيجاب و السلب.















قوله: إلاّ انّها ظاهرة في انّ انحصار:















هذا الظهور مبنى على كون الآية في مقام بيان تمام ما يتبين فيه، و لم تذكر سوى خبر الفاسق، لكنه لم يثبت، بل لا يبعد أن تكون في







مقام الردع عمّا كان فعلا مظنة العمل، و هو خبر خالد. نعم، في الاقتصار في الردع على خبر الفاسق إيماء إلى التقرير بالنسبة إلى خبر







العادل، لكنه لا تبلغ مرتبة الدلالة لتكون حجة.















الآيات التي استدلّ بها















قوله: و لا يخفى انّ الإشكال انّما يبتنى:















الظاهر عدم الإشكال حتّى بناء على كون الجهالة بمعنى عدم العلم، كما هو الظاهر، و سنشير إلى وجهه، فانّه لا جهالة في نظر العرف







في خبر العادل المأمون من الكذب، فانّه يفيد العلم العادي، بل في الآية























الصفحة 68







أيضا إيماء إلى ذلك، فانّ تخصيص الأمر بالتبين بخبر الفاسق ثم الإشارة إلى علته، بأنه الإصابة بجهالة، يشير إلى اختصاص هذا الخبر







بها و عدم وجودها في خبر العادل.















و امّا حمل الجهالة على السفاهة فيأباه ذيل الآية، أعني قوله: (فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، فانّ مقتضاه كون خوف الندم و عدم الأمن







هو السبب لترك العمل، و هو يناسب أن تكون الجهالة، بمعنى عدم العلم، و إلاّ فالجهالة بمعنى السفاهة بنفسه باطل و لا يعلل بخوف







الندم.















ثمّ انّه لو سلمنا عموم التعليل و شموله لخبر العادل لم يكن ريب في انّه أقوى دلالة من المفهوم، فيمنع أن ينعقد للقضية ظهور في







المفهوم، فيستدلّ حينئذ بالآية على عدم حجية خبر الواحد، و لو فرض التكافؤ حصل الإجمال فلم يستدل بالآية على شي‏ء من المذهبين.















قوله: ربّما أشكل شمول مثلها للروايات الحاكية لقول الإمام عليه السلام















: قد ذكر هاهنا إشكالان متعاكسان، أحدهما شمول دليل اعتبار الخبر للخبر مع الواسطة، أعني للخبر الحاكي عن الخبر، و الآخر







شموله للخبر المحكي بالخبر، و مناط الإشكالين متعدد.















فمناط الأول هو: انّ دليل صدق لا يتوجه إلى مورد خلي عن الأثر لعدم معقولية التصديق و اللا تصديق. فيه، فكلّ مورد كان محكي الخبر







ممّا يشتمل على الحكم بحيث لو كان المخبر له عالما بالمحكي بلا واسطة الحاكي لتوجه إليه الحكم، توجه هناك دليل صدق، و كان معنى







توجهه إنشاء ما يماثل المحكي من الحكم، و كل مورد لا يكون كذلك للتوجه دليل صدق، فإذا فرضنا انّ خطاب صدق انحصر في خطاب







واحد لم يعقل أن يشمل إلاّ الخبر الحاكي عن الإمام بلا واسطة، لأنه المشتمل على الأثر بلا لحاظ نفس صدق، و امّا شموله للخبر الحاكي







عن الحاكي فذاك يتوقف على شمول صدق ابتداء للحاكي الأول ليكون بشموله له ذو أثر، فيشمل بلحاظه للحاكي الثاني، و ذلك







مستحيل، لاستلزامه اتحاد الحكم و الموضوع،























الصفحة 69







كما في كل خبري صادق لو شمل نفسه، إذ كما انّ صادق حينئذ يكون موضوعا و محمولا، كذلك صدق الّذي هو بمعنى رتب الأثر يكون







في الخبر مع الواسطة حكما و موضوعا للحكم، فانّه فيه يكون بمعنى رتب الأثر الّذي هو عبارة عن نفس رتب هذا.















و لا يخفى انّ حمل القضية على الطبيعية في كلّ خبري صادق و إرادة طبيعة الأثر في صدق العادل لا يدفع المحذور، فانّه إن أريد من







الطبيعة، الطبيعة في الجملة لم يجد ذلك، و إن أريد منها الطبيعة السارية حتّى في هذا الفرد عاد المحذور، إذ كفى في توجه المحذور







إرادة الحصة الموجودة في هذا الفرد و إن خرجت الخصوصيات الشخصية عن حيّز الحكم، فالصواب في دفع الإشكال، هو أن يقال: إنّ







دليل صدق معناه فرض الخبر صادقا و المعاملة معه معاملة ما إذا كان قاطعا بالصدق، فإذا كان قاطعا بصدق الخبر بلا واسطة عن حكم







عملي كان عمله هو القيام بمقتضى ذلك الحكم، و امّا إذا كان قاطعا بصدق الخبر مع الواسطة فذاك، و إن لم يكن له أثر مطلقا لكن له أثر







إذا كان قاطعا أيضا بصدق ذلك الخبر الواسطة، فإذا قام دليل الاعتبار على تنزيل كلا الخبرين الواسطة و ذي الواسطة جميعا في عرض







واحد منزلة المقطوع صدورهما لم يكن مانع من الأخذ بمؤداه، و لا يكون ذلك، كما إذا لم يكن لفرض صدق الخبر أثر أصلا، فدليل







صدق يفيد الحكم بتصديق الخبر بلا واسطة، و أيضا يفيد الحكم بتصديق الخبر مع الواسطة، و لكن بواسطته لا مجردا، كي يشكل بعدم







الأثر. هذا تمام الكلام في الإشكال الأول.















و امّا الإشكال الثاني: فمناطه عدم شمول عموم دليل الحكم للفرد المتولد من موضوعه بنفس الحكم في القضية، و إلاّ لزم تأخر







الموضوع عن حكمه، مع انّه سابق عليه، و امّا كون ما نحن فيه على تقدير شمول دليل صدق لخصوص الوسائط من ذاك القبيل، فهو: أن







ثبوت خبر المفيد الّذي حكاه الشيخ يكون بنفس شمول دليل صدق لخبر الشيخ، فكيف يكون هذا الثابت بدليل صدق مشمولا لدليل







صدق؟























الصفحة 70







و الجواب: بأنّ الموضوع طبيعة الخبر الشاملة للفرد المتولد من الحكم في القضية عليها، قد عرف ما فيه. فالصواب في الجواب، أن يقال:







انّ شمول دليل صدق للخبر المحكي ليس من حقيقة الشمول، كي يتوقف على ثبوت الموضوع و تحققه، فيلزم المحذور المذكور، بل من







باب المعاملة معه معاملة الثبوت، و التحقق بترتيب أثره عليه و هو حكم صدق، كما في الأصول الموضوعية و الأمارات القائمة على







الموضوعات.















قوله: و هو الترجي الإيقاعي الإنشائي:















لا يبعد أن يقال: انّ مفهوم الترجي، و هو ترقب حصول ما هو مطلوب و محبوب، غير منوط معنى تحققه بالجهل بالحصول، بل يحصل







من العالم كما يحصل من الجاهل، فانّ ترقّب حصول ما يعلم انّه سيتحقق رجاء له، كما انّ هذا المعنى بعينه في جانب المكروه خوف،







فالعالم بتحقق العقاب، و انّه سيعاقب خائف، و على ذلك، فحقيقة الرجاء يتحقق من اللّه تبارك و تعالى بلا حاجة إلى التكلفات التي







ارتكبوها، مع انّ فيها ما فيها، فانّه أية علاقة بين الترجي و المحبوبية، فانّ كون الترجّي ترقب أمر محبوب، لا يصحح الاستعمال في قيد







الموضوع له، و كذا كون الداعي لإنشاء الترجي هو المحبوبية، من غير استعمال اللفظ في المحبوبية، كما صنعه المصنف، فانّه أية مناسبة







بين الأمرين ليكون أحدهما داعيا محركا لإيجاد الآخر؟















قوله: لعدم الفصل:















لا حاجة إلى ضمّ عدم الفصل، فانّ إطلاق الحكم بالمحبوبية لموارد اخبار العدل بالوجوب مع احتمال الحرمة، و كذلك العكس يكشف عن







الوجوب و الحجية لعدم تصوير المحبوبية في الموردين اللذين كان العمل بهما على خلاف الاحتياط لو لا الحجية.















نعم، الآية لا تعمّ أخبار العدل عن الأحكام غير الإلزامية، فلا بدّ فيها من ضمّ عدم القول بالفصل.















قوله: لوجوبه مع وجود ما يقتضيه:















هذا مبني على انحصار مادة التحذّر بالفرار عن العقاب، امّا إذا قلنا بعمومها و شمولها للفرار عن المفاسد أو فوت المصالح الدنيوية،























الصفحة 71







فلا يتمّ الاستدلال إلاّ بعد ضمّ ما ذكرناه، من إطلاق الآية لمورد عدم إمكان الاحتياط لاحتمال حكمين إلزاميين، فانّه لا يمكن ذلك الفرار







حينئذ، فإن كان العمل بقول العادل مع ذلك محبوبا كان ذلك لحجيته، بل يمكن أن يقال: انّ مادة الحذر إن أطلقت على الفرار عن







المفاسد أو ترك المصالح، فانّها لا تطلق إلاّ على الفرار عن أحد الملزمتين منهما دون غيرها، و من المعلوم أنه لا إلزام في المفاسد و







المصالح الموجودة في مورد اخبار العدل، إذا لم يكن اخباره حجة.















قوله: ثانيها: انّه لما وجب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب:















لا يخفى عدم توقف هذا الوجه من الاستدلال على وجوب الإنذار، بل لو كان الإنذار راجحا أيضا كفى في الاستدلال على وجوب القبول







للزوم اللغوية لولاه، و هذا الوجه يحتاج إلى ضمّ ما تقدم في ذيل الوجه الأول، من عدم معقولية محبوبية الحذر و رجحانه من غير وجوب







و إلاّ كفى ذلك في خروج الأمر بالإنذار عن اللغوية، و لم يمكن إثبات وجوب الحذر ببرهان اللغوية.















قوله: ثالثها: انّه جعل غاية للإنذار الواجب:















الأولى في تقرير هذا الوجه أن يقال: انّ كلمة لو لا تدلّ على وجوب مدخولها، و هو النفر، فإذا وجب النفر وجب جميع غاياته ما كان بلا







واسطة، كالتفقه و الإنذار، أو ما كان مع الواسطة، كالحذر، و ذلك لأنّ غاية الواجب لا بدّ أن تكون مما لا يرضى الأمر بعدمها، و لازمه







أن تكون واجبة إذا كانت من الأفعال الاختيارية.















و فيه: انّ المراد من غاية الواجب إن كان هو الفعل الاختياري الّذي ترشح وجوب ذي الغاية من وجوبه، فيكون وجوب ذي الغاية ناشئا







من وجوبه، فلا إشكال في انّه لو ثبت وجوب ذي الغاية بهذا الوجوب الغيري كان ذلك كاشفا عن وجوب الغاية، لكن المقام بمعزل عن







ذلك، فانّ وجوب النفر و التفقه و الإنذار لا يكاد يترشح من وجوب الحذر على القوم لعدم وجوب فعل على أحد، وجب بوجوب غايته







على آخر، و إن كان المراد من غاية الواجب الحكم و المصالح المترتبة عليه، فهذا ممّا لا يجب بوجوب الواجب، بل يتحقق بتحققه البتة، إن







كان























الصفحة 72







الواجب علة تامّة له، هذا مضافا إلى أنّ غاية النفر ثمّ التفقه و الإنذار ليس هو الحذر الخارجي حتّى يقال: انّ غاية الواجب واجبة، و انّما







احتمال الحذر و ترقبه في نفس المولى، هو الّذي دعى المولى إلى الأمر، و هذا لا يقتضي وجوب نفس الحذر في الخارج.















و الجواب العام الشامل لجميع وجوه الاستدلال: انّ الآية ليست في مقام إيجاب التحذر تعبدا، بل مسوقة بعد الفراغ عن اقتضاء الإنذار







للتحذر، امّا الحصول القطع أو لأجل بناء العقلاء على العمل بخبر العدل، لبيان وجوب الإنذار، لترقب ترتب مسبب عليه، طبعا في مقابل







تخلفه عنه عمدا و عصيانا. نعم، لو قيل: انّ الآية بإطلاقها الشامل لغير مورد إفادة الإنذار للعلم، تدلّ على تقرير بناء العقلاء على العمل







باخبار الثقة، لكان قريبا.















قوله: و يشكل الوجه الأول بأن:















قد تقدم الجواب عن هذا الإشكال بوجهين:















أحدهما: إطلاق الآية و شمولها، لما إذا أخبر العادل بالحرمة، و احتمل الوجوب أو العكس، فانّه لا يجري هنا ما أفاده من الإشكال.















و الثاني: انّ الحذر عن المفسدة أو ترك المصلحة انّما يطلق إذا كانت المفسدة و المصلحة المذكورتان ملزمتين، فلا يطلق على الاحتياط







في الشبهات البدوية، فصحّ انّ مادة الحذر لا يطلق إلاّ مع الإلزام.















قوله: و الوجه الثاني و الثالث:















بعد الاعتراف بإطلاق الآية في إيجاب النفر الشامل لما إذا أفاد العلم و ما إذا لم يفد، تمّ الاستدلال سيما إذا علم بعدم تيسّر ضمّ ما يحصل







به العلم و الإنذار من إنذار سائر الناس، و لم يحتج إلى إثبات إطلاق آخر في جانب غائية التحذر، فانّه بعد فرض كونه غاية و كون







المغيا مطلقا، كانت الغاية أيضا مطلقة. نعم، إذا كانت الآية مهملة في إيجاب النفر و الإنذار، كما صحّ ما ذكره «ره» لكن منع الإطلاق، ممّا







لا وجه له.















قوله: عند إحراز انّ الإنذار بها:















لا يخفى أنّ الخطاب ليس. للمنذرين بالفتح بأنّكم إذا أنذرتم احذروا، ليتجه ما أفاده «ره» بل للنافرين المتفقهين، بأنه أنذروا،























الصفحة 73







و المنذر يعلم بأنّه منذر بالأحكام، و هو موضوع وجوب الحذر على المنذرين بالفتح، مع انّ صدق عنوان الإنذار بشي‏ء أو الاخبار به







يحصل بمجرد إنذار المنذر و المخبر بلا توقف على إحراز تحقق المنذر به أو المخبر به، فانّ الاخبار بقيام زيد يحصل بمجرد قول







المخبر: زيد قائم. و إن لم يعلم بتحقق القيام منه في الخارج، بل و إن علم بعدم تحققه، و لذا يتصف الخبر بكل من الصدق و الكذب.















ثمّ انّه إن صحّ هذا الجواب اتّجه على جميع وجوه الاستدلال و لا يختصّ بالوجهين الأخيرين، و كان لازمه عدم وجوب النفر و الإنذار إذا







علم بعدم حصول العلم للمنذرين، و لو من جهة عدم انضمام إنذار من يحصل بانضمام إنذارهم العلم.















قوله: لا يذهب عليك انّه ليس حال الرّواة:















يظهر من هذا الجواب انّ المصنف لم يصل إلى حقيقة الإشكال، و هو: انّ عنوان الرواية انّما ينطبق على نقل ما سمعه الشخص من الإمام







بلفظه أو بمعناه: و عنوان الإنذار ينطبق على الاجتهاد في فهم ما سمعه و بذل ما اعتقده، و لو بلفظ يجب و يحرم من غير تصريح







بالعقاب، فانّ ذلك متضمن للوعيد بالعقاب بمدلوله الالتزامي، و كذلك عنوان الإنذار ينطبق على التخويف الحاصل من الوعّاظ، مع علم







المنذرين بأصل الحكم أو تلقيهم له من طريق معتبر عندهم، من اجتهاد أو تقليد، فالراوي بما هو راوي، الّذي يراد إثبات حجية روايته







في حق مجتهد آخر لا يطلق عليه المنذر، لتكون الآية من أدلّة حجية الرواية، كما انّه بما هو منذر، لو انضمّ إلى روايته الإنذار و التخويف،







لا يكون إنذاره حجة إلاّ للعوام، إذ اعتقدوه جامعا للشرائط، فانّ منذريته تكون متقومة بجهة فهمه للرواية، الّذي هو عبارة عن فتواه







بمؤدّاها، و فهمه ليس حجة على مجتهد آخر.















و من ذلك يظهر انّ الاستدلال بالآية على حجية نقل الراوي إذا انضمّ إلى نقله الإنذار، ثمّ تتميم المدعى في ما لم ينضمّ بالإجماع في غير







موقعه، فانّه في ما إذا انضمّ، ليس نقله حجة لينضم إليه الإجماع، و إنّما الحجة إنذاره، فيختصّ بمن يجوز له تقليده.























الصفحة 74







قوله: و تقريب الاستدلال بها: انّ حرمة الكتمان يستلزم القبول:















حرمة الكتمان انّما كان يستلزم القبول إذا كان مستلزما لوجوب الإظهار، و هو ممنوع، فانّ الظاهر ثبوت الواسطة بين الكتمان و







الإظهار و ليس الكتمان عبارة عن مجرد عدم الإظهار، بل عبارة عن الستر و الإخفاء، لما من شأنه الظهور لو لا الستر، كما في آية







كتمان الحمل، فيكون مفاد الآية لعن من يكتم و يستر الهدى و البينات و يمنعها عن الظهور، و ذلك بمعزل عن المطلوب.















نعم، يستعمل مادة الكتمان في التعمد بعدم إظهار ما ينبغي إظهاره، كما في آية كتمان الشهادة، فلو كان الكتمان في هذه الآية بذاك







المعنى صحّ التمسك بها للمقام. و لعلّ الاستثناء في الآية الثانية بقوله عزّ من قائل: (إلاّ الذين تابوا و أصلحوا و بيّنوا) يشهد على ذلك، إلاّ







أن يقال: انّ الارتداع عن الكتمان بعد تحققه انّما يكون بالبيان، و إلاّ بقي الأمر مكتوما، فاستمرّ بذلك العصيان.















قوله: و لا يخفى انّه لو سلمت هذه الملازمة:















لا يخفى: انّ الملازمة تتبع الإطلاق، و شمول الآية إذا لم يكن إظهار البيّنات و الهدى مفيدا للعلم لا بنفسه و لا بانضمام إظهار من يفيد







انضمام إظهاره للعلم، فانه لو كان الإظهار حينئذ واجبا لاقتضى وجوبه جواز القبول، و إلاّ لزم اللغوية، فلو لم يكن للآية إطلاق يشمل







هذه الصورة، و كان ظاهرها أو متيقّنها صورة إفادة العلم لم تتمّ الملازمة. و منه يظهر ما في كلام المصنف، من انّه لا مجال لمنع الإطلاق







مع تسليم الملازمة، فانّ الأمر على العكس:















لا مجال لمنع الملازمة مع تسليم الإطلاق.















قوله: لا مجال للإيراد على هذه الآية:















لعل عدم المجال من جهة إفادة الموصول للعموم في صلته، فيكون العموم وضعيا.















قوله: لتحصيل العلم لا للتعبد بالجواب:















نعم، الظاهر انّ هذه الآية و بقيتها ليست بصدد بيان الحكم الشرعي و إعطاء التعبد، بل و كذا آية النبأ، و لكنّها تدلّ بإطلاقها على كون







الجواب معمولا به بالطبع، و لو لم يفد، فتكشف عن العلم ثبوت بناء من العقلاء على العمل و تكون الآيات تقريرا له.























الصفحة 75







نعم، يجب التقييد بخصوص ما إذا حصل العلم في مورد هذه الآية، حيث انّه من الأمور الاعتقادية، بل التمسك بها في غير موردها غير







صحيح، لعدم ثبوت الإطلاق فيها و ان فرض عموم أهل الذّكر لغير الأئمة، و أيضا عدم إرادة خصوص علماء أهل الكتاب منها.















قوله: و فيه: انّ كثيرا من الرّواة يصدق عليهم انّهم أهل الذّكر:















قد تقدّم في ذيل آية النفر ما في هذا الإيراد من الضعف و الوهن. نعم، قد أضاف هنا شيئا آخر، و هو إطلاق الأمر بالسؤال و شموله لما







إذا كان السائل بنفسه من أهل العلم، و كأنّه يريد أن قضية الإطلاق المزبور هو أن يكون السؤال بما هم رواة لا بما هم أهل العلم، و إلاّ لم







تكن تشمل لمن هم مثلهم في قوة الاجتهاد.















و فيه: انّ ظهور دخل حيثية كون المسئول منه من أهل العلم، ظهور لفظي يمنع من انعقاد الإطلاق في جانب السائل، مع انّ فقرة (إن كنتم لا تعلمون) كالصريح في خروج السائل عن عنوان أهل الذّكر، مع انّ عدم جواز تقليد من له قوة الاجتهاد، بالإجماع، و خروجه عن







إطلاق الآية لا يوجب التصرف في الآية إلاّ بالتقييد دون التصرف في ظهورها في التقليد بحملها على العمل بالرواية، فانّ التقييد أقرب







وجوه التصرف.















قوله: فانه تبارك و تعالى مدح نبيّه بأنّه يصدق المؤمنين:















يحتمل أن يكون من الإيمان للمؤمنين بمعنى الأمان لهم لا بمعنى التصديق لقولهم، و يكون اختلاف التعدية بالباء و اللام في الموردين







للإشارة إلى ذلك، و يكون من أمانه لهم عدم مؤاخذتهم بأقوالهم بعضهم في حقّ بعض و في حقّ أنفسهم.















قوله: انّما مدحه بأنّه اذن، و هو سريع القطع:















كون الاذن هو سريع القطع ممنوع، و إن كان يشهد له قوله عزّ شأنه (يؤمن باللَّه و يؤمن للمؤمنين) إذا قلنا: بأنّ المراد منه هو الإيمان







بمعنى التصديق، فانّ الاذن فسّر بالمستمع القابل لما يقال له، و هو أعم من المستمع عن تصديق و من مجرد ترتيب الأثر. و يساعده انّ







سرعة القطع بنفسها ليست من الصّفات المحمودة، فانّ القاطع يمشي على مقتضى قطعه، ان























الصفحة 76







أضرّ الناس أو نفعهم. نعم، بمنكشفه، حيث انّه يكشف عن صفاء النّفس من الغلّ و الغش، حتى لا يتصور الدغل في حقّ أحد من الصفات







الكريمة، و يساعده أيضا انّه لا معنى للقطع باخبار اللّه و باخبار غير اللّه، على طرفي النقيض، كما نقل في مورد الآية، فلا بدّ من أن







يكون المراد من الاذن هو المستمع و من الإيمان للمؤمنين هو مجرد الاستماع بترتيب الأثر الخارجي، فيما ينفعهم من دون حصول







إذعان له على طبقه.















قوله: هو ترتيب خصوص الآثار التي تنفعهم:















و يشهد لذلك انّه لو كان المراد ترتيب جميع الآثار لما كان ذلك خيرا، و مما يستحق الشخص للمدح عليه، و أيضا يشهد له تعدية الإيمان







باللام الدال على إرادة ترتيب ما ينفعهم من الآثار، لا يقال:















يثبت المطلوب بذلك أيضا في الجملة، و هو حجية خبر الواحد فيما كان مفاده ينفع المؤمنين، بل لو ضمّ ذلك الإجماع على عدم الفضل







يثبت المطلوب على سبيل العموم، فانه يقال: لم يثبت انّ ذلك كان لأجل حجيته حتى يزاحم حجة أخرى إذا كانت على الخلاف، بل الظاهر







انّ ذلك من باب انّه ينفعهم و لا يضرّ أحد، و لا يكون فيه إلغاء لحكم شرعي.















الأخبار التي دلّت على اعتبار أخبار الآحاد















قوله: إلاّ انّها متواترة إجمالا:















يمكن منع حصول القطع بصدور واحد على سبيل الإجمال بعد ملاحظة الاخبار المانعة، و إن كان يحصل القطع لولاها، و لو سلّم حصول







القطع فلا ريب انّ الاخبار المانعة أيضا، مفيدة للقطع كذلك، إلاّ أن يقال: ان الجمع العرفي يقتضي الأخذ بهذه، فلا ينتهي الأمر إلى







التساقط، فراجع ما تقدم. و يمكن أن يقال: انّ الاخبار كالآيات ليست في مقام تشريع حكم، بل وردت على العادة الجارية على العمل







بخبر الثقة، و ليس مناط العادة الجارية هو























الصفحة 77







العمل بالخبر بما هو خبر مطلق أو خبر مخصوص مفيد للوثوق، بل العمل على الوثوق و سكون النّفس، كان ذلك حاصلا من الخبر أو







غيره، فصحّ دعوى انّ العمل بالخبر عند الإمامية جار مجرى العمل بالقياس في البطلان.















و بالجملة: مناط السيرة ما ذكرناه، و الأدلّة الاخر كلّها ظاهرة في تقرير السيرة لا تفيد جعلا تعبديا وراء ما جرت عليه السيرة، و امّا







الإجماع فينهدم بوجود من يعمل بالخبر بمناط الاطمئنان في جملة المجمعين، ثم الفرق بين التواتر الإجمالي و المعنوي، هو اتفاق







المجمعين في المعنوي على الحكم بعنوان واحد تحت مفهوم فارد، و لو كان ذلك مستفادا من لازم كلامهم و اتفاقهم في الإجمالي على







الحكم في مصداق واحد و لو بعناوين متعددة و مفاهيم متشتتة، فالخبر الواحد المشتمل لمجموع الخصوصيات معتبر عند الكل، لكن







واحد يعتبره لخصوصيته و آخر لأخرى و ثالث لثالثة و هكذا، لكن الوجه في اعتباره خبر واحد خصوصية عند الآخر غيرها، و هكذا.















الإجماع على حجية الخبر الواحد















قوله: إلاّ انّه يتعدّى عنه فيما إذا كان بينها:















انّ مجرد فرض وجود خبر كذائي لا يجدي شيئا، بل اللازم في مقام الاستدلال إحراز وجود مثل هذا الخبر، و ينبغي أن يكون هذا الخبر







خارجا عن ما يتمّ به التواتر، و إلاّ لم يكن حجة بنفس هذا التواتر.















قوله: من زماننا إلى زمان الشيخ، فيكشف رضاه:















لم أعلم وجه خصوصيته لزمان الشيخ، فامّا أن يلزم انتهاء ذلك إلى ما بعد زمان الشيخ، أو لا يلزم الوصول إلى زمان الشيخ أيضا.















قوله: أو من تتبع الإجماع المنقولة:















إذا اختلفت مباني نقلة الإجماع، فواحد ينقل على سبيل الحدس بأحد وجوه الحدس، و آخر على سبيل الحس، لم تكن عبرة بتواتر النقل،







بل و كذلك إذا اتّفق الكلّ على النقل من باب الحدس إلاّ من باب نقل السبب على الوجه المتقدم، فيكون السبب قطعيا و يحتاج إلى ضمّ







المتمم هنا، كما كان يحتاج في الإجماع المنقول.















قوله: اللهم إلاّ أن يدّعى تواطؤها على الحجية:















التواطؤ على الحجية حاصل على كل حال، و المقصود من العبارة تواطؤ طوائف المجمعين على الحجية التي هي الكلمة























الصفحة 78







الجامعة بلا رفع اليد عنها في حال من الأحوال، لو فرض رفع اليد عن ما يعتبره من الخصوصية، و لكن يتجه عليه منع الجدوى في هذا







الإجماع التقديري إن لم يكن يجدي الإجماع الفعلي، من جهة اختلاف المجمعين فيما اعتبروه من الخصوصيات.















قوله: و من الواضح انّه يكشف عن رضا الشارع:















يكشف كشفا قطعيا عن تقرير الشارع، و مع ذلك يحتمل أن لا يكون الحكم الواقعي ذلك، لاحتمال التّقية و شبهها في التقرير.















قوله: فانّه مضافا إلى انّها وردت:















قد عرفت: انّ الآيات عامة و إن خصّت موارد بعضها، بل بتعليلاتها بالغة إلى حيث لا يمكن تطرق التخصيص إليها.















نعم، الظنّ الّذي قام على اعتباره حجة قطعية خارج عن مدلولها تخصصا، لكن ذلك لا يمنع عن شمولها للسيرة و ردعها لها، لأنّ السيرة







ممّا لم يقم على حجّيتها دليل قطعي، فهي مندرجة تحتها.















نعم، لو لا الآيات لكان على اعتبارها دليل قطعي، و امّا ما ذكره المصنف من الدور فهو ممّا لا أصل له، و لذا خالفه عند التمسك على







حجية الاستصحاب بالسيرة.















و وجهه: انّ كشف السيرة و أماريتها كشف طولي و فيما لا أمارة و لا ظهور يقضي بالردع، فأول مرتبة من الظهور في الردع يكون







متبعا، و تنتفي معه أمارية السيرة، كما في الغلبة مع سائر الأمارات، و لا يكون مجال لمزاحمته بالسيرة و إلاّ لم يحصل الردع بالنص







القطعي أيضا، بل زاحمته السيرة، فيسقطان من الجانبين، فانّ السيرة المخصصة للظاهر تكون معارضة للنص البتة.















و بالجملة: بناء العقلاء انّما هو الأخذ بظهور دليل الردع و رفع اليد عن ما جرت عليه سيرتهم، و إن شئت قلت: انّ اعتبار السيرة انّما هو







لاستكشاف رأي المعصوم استكشافا قطعيا لا للتعبد، و لا يبقى للاستكشاف القطعي مجال مع قيام ما ظاهره الردع، بل و ما يكون







محتمله ذلك.















قوله: انّما يكفي في حجيته بها، عدم ثبوت الردع عنها:















بل يكفي في حجية عموم























الصفحة 79







دليل الردع عدم ثبوت التخصيص له بالسيرة، فالأولى ان يجاب بهذا عمّا أورده من الدور هناك، لأنّ بناء العقلاء و أهل المحاورة على







العمل بالعموم، حتّى يثبت التخصيص، و هذا بخلاف السيرة، فانّها ليست دليلا تعبديّا، بل العمل بها من باب الاستكشاف القطعي لرأي







المعصوم، و لا استكشاف مع احتمال الردع و دعوى قيام السيرة، و بناء العقلاء على العمل بالسيرة ما لم يثبت الردع، باطلة، لأنّا ننقل







الكلام إلى هذه السيرة، فانّها مع احتمال الردع عنها كيف يعمل بها هذا، مع انّ ما أفاده المصنف من كفاية عدم ثبوت الردع يكشف عن







تسليمه كون عدم الردع دوريا، و لذا أنكر التوقف عليه، مع أنّه لا يعقل أن يكون الردع و عدمه دوريا، و إلاّ كان اللازم ارتفاع







النقيضين.















الوجوه العقلية الدالة على حجية الخبر الواحد















قوله: و لازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع الاخبار:















الأول بمقتضى قاعدة الاحتياط و الثاني بمقتضى قاعدة البراءة بعد انحلال العلم الإجمالي، و لذا أشكل عليه: بأنّ قضية ذلك اختصاصه







بما إذا لم تقم حجة على الخلاف، كقيام أمارة معتبرة مطلقا أو قيام استصحاب مثبت للتكليف أو قاعدة اشتغال في مورد الأمارات







النافية لعدم جريان الأصل في مقابل الأمارة و لا البراءة في مقابل الاستصحاب، أو قاعدة الاشتغال، إذا كان المقام موردا لقاعدة







الاشتغال، كما لو علم إجمالا بوجوب واحد من الظهر و الجمعة، و دلّ خبر من أطراف ما علم بصدوره على عدم وجوب الجمعة، أو شك







في جزئية السورة على القول فيه بالاشتغال، و دلّ خبر على عدم الجزئية.















قوله: أو الاستصحاب بناء على جريانه في أطراف علم إجمالا:















إذا كان الأصل في مسألة جزئية هو الاستصحاب، كما في الشك في وجوب صلاة الجمعة، و يدلّ خبر من أطراف العلم الإجمالي بالصدور







على النفي، يكون العمل على الاستصحاب من غير ابتناء على ما ذكره، لعدم كون المسألة من أطراف العلم الإجمالي























الصفحة 80







بالانتقاض، و كذلك إذا أريد استصحاب الحكم من الشريعة السابقة، فان العلم الإجمالي بانتقاض أكثر أحكام تلك الشريعة لا يمنع من







هذا الاستصحاب بعد انحلال هذا العلم الإجمالي بالظفر على أحكام ثابتة في هذه الشريعة في طيّ جريان الاخبار المثبتة للتكليف، و إن







لم يعلم كونها بعنوان النسخ للشريعة السابقة أو بعنوان التقرير، فانّ ذلك لا يمنع من الانحلال، و إلاّ لم يجرّ أصالة عدم النسخ في شي‏ء







من الموارد.















قوله: و فيه أنّه لا يكاد ينهض على حجية الخبر:















و أيضا لا يكاد ينهض على وجوب العمل على طبق الخبر المثبت للتكليف فيما إذا دلّ الخبر على وجوب شي‏ء، و احتمل في المسألة، مع







كون تلك الحرمة المحتملة أهمّ، فانه مع أهمية الحرمة المحتملة في مسألة دوران الأمر بين الوجوب و الحرمة، يتعين الأخذ بالحرمة و







ترك الاعتداد باحتمال الوجوب.















قوله: ثانيها: ما ذكره في الوافية:















ان ما ذكره في الوافية يرجع إلى الوجه الأول، و لذا كان الجواب عنه هو الجواب عنه. نعم، قد خصّ صاحب الوافية العلم الإجمالي بالأخبار







الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة مع عمل جمع به، و ذلك لا يوجب عدة، وجها مستقلا في مقابل الوجه الأول.















قوله: ثالثها: ما أفاده بعض المحققين بما ملخصه: أنا















: ان وجوب الرجوع إلى الكتاب و السنة إن كان بمعنى استعلام الأحكام من الكتاب و السنة، وجوبا نفسيا في عرض سائر التكاليف







الشرعية، أو كان بمعنى العمل بالأحكام من طريق الكتاب و السنة من باب تعدد المطلوب، على أن يكون الإتيان بالتكاليف الشرعية







مطلوبا، و كون العمل منبعثا من العلم الحاصل من الكتاب و السنة مطلوبا آخر، فذلك لا يقتضي بطلان العمل الحاصل لا من غير الكتاب







و السنة، بل العمل صحيح. غاية الأمر، يفوت الواجب الآخر الأكيد بانتفاء موضوعه، فلا بدّ أن يكون مراد بعض المحققين: كون انّ







الواجبات الواقعية و المحرمات الواقعية مقيدة بأن يكون حصولها من طريق الكتاب و السنة، ليكون الحاصل لا من طريقهما باطلا







عاطلا،























الصفحة 81







فيتنزل عند انسداد باب العلم إلى ما ظنّ كونه واقعا، و كان حاصلا من طريق ظنّ انّه الكتاب و السنة، فحيث انتفى أحد الظنين لم يجد







ذلك.















و فيه: منع هذا التقييد، فانّ وجوب الرجوع إلى الكتاب و السنة وجوب طريقي، لمحض إدراك الواقع، لا من باب الموضوعية و السببية







كسائر الاجزاء و الشرائط المعتبرة في متعلق التكليف، ليتنزل من العلم بالكتاب و السنة إلى الظنّ بهما.















مع انّ العلم إذا كان سببا دخيلا فلا وجه لقيام الظن مقامه عند تعذره، بل سقط التكليف كما في الظنّ في أصول الدين، و انّما يقوم الظنّ







مقام العلم الطريقي عند تعذره، و أيضا مقتضى هذا الوجه هو العمل بالأخبار المظنون الصدور أو مظنون الاعتبار إذا أريد بالسنة ما







يعمّ حكاية قول المعصوم إذا أفاد الظنّ بالحكم لا مطلقا.















في الوجوه الدالة على حجيّة الظن















قوله: الا انّه لا يستقل أيضا بعدم استحقاقها معه:















لعل ذلك من جهة العلم الإجمالي بالتكليف، و كون تأثيره مختصا بالأطراف المظنون، كونها موردا للتكليف دون الموهوم كونه كذلك.















مبحث انسداد باب العلم















في مقدمات دليل الانسداد















قوله: و لا مانع كذلك لو كانت موارد الأصول المثبتة بضميمة:















لا مطلقا، بل بمقداره المحتمل مطابقته للواقع. و إلاّ فمقدار منه كاذب لا يوجب الانحلال قطعا.















قوله: بمقدار المعلوم إجمالا:















هذا انّما يكون، إذا كان العلم بثبوت أحكام جديدة في هذه الشريعة، على خلاف الشريعة السابقة في الجملة، بان احتمل أن يكون جميع







ذلك في موارد الأصول المثبتة، على خلاف الحالة السابقة، و عليه، فلا ينبغي























الصفحة 82







التأمل في جريان الأصول النافية و المثبتة جميعا.















و امّا إذا علم بارتفاع جملة من الإلزاميات في الشريعة السابقة، بالإباحة لا بالإلزام على الخلاف و جملة من غير الإلزاميات بالإلزام، فلا







يكاد يجدي جريان الأصول المثبتة في الانحلال، فالانحلال في فرض العلم بالنسخ، و عدمه في فرض آخر.















قوله: من جهة ما أوردنا على المقدمة الأولى:















و من جهة ما أوردنا على المقدمة الثانية، من انفتاح باب العلمي بمقدار واف بمعظم الفقه.















في نتيجة مقدمات دليل الانسداد















قوله: بنصب طرق خاصة باقية فيما بأيدينا:















أقول: يعتبر العلم بالبقاء، لو لم يكن مضرّا لاقتضائه الاحتياط في ما بأيدينا، كما سيذكره المصنف «قده» فلو علمنا بنصب طرق خاصة







أعم ممّا في أيدينا و ممّا لم يصل إلينا، الّذي مثاله إلى التقييد، أعني العلم بالتكليف في مؤديات هذه الأمارات التي بأيدينا، و التي ليست







بأيدينا، و حسب الاحتياط في جميع ما احتمل كونه مؤدّى الأمارة، و حيث ينجر إلى العسر يجب التنزل إلى الظنّ.















قوله: و كذا فيما إذا تعارض فردان:















هذا مبني على العلم بحجية الثاني، على تقدير حجية المثبت.















و لعلّ ذلك هو المراد من قوله: فردان من بعض الأطراف، و إن عمّت العبارة.















امّا إذا احتمل حجية المثبت خاصة، فيجب الأخذ به، و لو كان المرجح مع النافي، فانه من تعارض الحجة و اللاحجة، و ليس مورد الملاحظة







الترجيح.















قوله: و كذا كل مورد لم يجر فيه الأصل:















هذا انّما يفيد مع احتمال انتقاض حكم الجميع، و إلاّ وجب الاحتياط أيضا، مع جهة العلم الإجمالي.















قوله: و ثانيا: لو سلّم ان قضيته:















هذا الإشكال ناشئ عن عدم تحرير وجه دلالة ما أفاده من العلمين الإجماليين على ما ادّعاه من قصر الحجية بالظن بالطريق.























الصفحة 83







و الظاهر: انّ الوجه: امّا الصرف و التقييد في الأحكام الواقعية.















و امّا تعدد المطلوب، بأن يكون الأخذ بالطرق الخاصة مخلا للتكليف النفسيّ.















و الأوّل مضافا إلى فساده، خلاف ظاهر تعليله الأخير للأخذ بالظن بالطريق، بكونه أقرب إلى الواقع ممّا عداه.















و امّا الثاني فلا ينتج فساد العمل بالظن بالواقع، غايته حصول المخالفة للتكليف الآخر، المتوجه إلى العمل بالطريق.















قوله: لا بما هو مؤدى طريق القطع:















هذا لا يعلم من الإجماع. فالأولى ان يقال:















انّ العمل المصادف للواقع يجزي، و لو لم يكن حين العمل، ممّا تعلق القطع به، و لا مؤدى دليل معتبر.















قوله: لا يكاد ينفك عن الظن بأنه مؤدّى:















لكن لا بقيد كونه فيما بأيدينا، بل يعلم انّه ليس فيما بأيدينا من الطريق، و الفرض انّ العلم الإجمالي عنوان بذلك.















قوله: غير مجد:















بل مجد، كما في صورة القطع بالطريق، فانّه ربّما لا يورث الظن بالواقع، و مع ذلك يجب العمل به، امّا لأنّه الواقع أو عذر عنه.















قوله: و الفرض عدم اللزوم:















فيما إذا كان الطريق المعلوم نصبه على سبيل الإجمال، لم يعلم كونه فيما بأيدينا، أو علم بعدم كونه فيما بأيدينا، فانّ رعايته يفضي إلى







ترك التكاليف رأسا، لتعذر قيده، باعتبار تعذر الاحتياط في أطراف الطرق المحتملة.















قوله: بل عدم الجواز:















لم يعلم وجه عدم الجواز، فانّه ليس نظير الاحتياط التام.























الصفحة 85







المقصد السّابع:















في الأصول العمليّة























الصفحة 87







في الأصول العمليةقوله: ممّا دلّ عليه حكم العقل أو عموم النقل:















لا يخفى انّ المستفاد من الأصول العملية التي دلّ عليها النقل أحكام فرعية كلّيّة ظاهريّة، متعلقة بالعمل و الأصول ما بمعونتها تستنبط







هذه الأحكام و أضرابها، كليّة و جزئية، من أدلّتها التفصيلية، و امّا الأصول العقلية، فالبحث عنها ليس بحثا عن مدرك الحكم الشرعي، و







لا يراد بها استفادة الحكم الشرعي منها بقاعدة الملازمة، ليكون بحثا عمّا يقع في طريق الاستنباط، و لذا التجأ المصنف في أول الكتاب







لأجل إدراج مثل ذلك في علم الأصول بزيادة قيد أو التي ينتهي إليه المجتهد في مقام العمل في تعريف الأصول، و كلامه هناك - و إن







كان مطلقا - يشمل الأصول النقليّة.















لكن عرفت: انّ الأصول النقليّة أحكام فرعية عملية، و علم الأصول ما بمعونته تستنبط مثل هذه الأحكام عن الأدلة، و مجرد ان ذلك







أحكام الشك، فيكون موضوعها متأخّرا عمّا إذا قام دليل خاص على الحكم الجزئي، فيختصّ بما بعد الفحص و اليأس لا يجعله من علم







الأصول.























الصفحة 88







قوله: و لم تنهض عليه حجة:















و لو مثل دليل الاستصحاب فيما كان هناك حالة سابقة متيقنة، أو العلم الإجمالي بواحد من الوجوب و الحرمة لا على سبيل التعيين أو







العلم إجمالا بأحدهما معينا في أطراف محصورة أو غير معيّن، كما إذا علم بوجوب هذا، أو حرمة ذلك، فيخرج مجاري الأصول الثلاثة عن







موضوع البحث.















فصل:















لو شك في وجوب شي‏ء أو حرمته و لم تنهض عليه حجة















قوله: و كان عدم نهوض الحجة لأجل فقدان النص:















هذا تعريض على شيخه حيث أفرد لكل من فقد النصّ و إجماله و تعارض النصين مسألة مستقلة. و أضاف إلى ذلك بمسألة رابعة للشبهات







الخارجية، و لكن لا يخفى من راجع كلامه «ره» انّ ذلك منه لأجل اختصاص بعض تلك المسائل بخصوصية، من ثبوت خلاف أو وفاق و







نحو ذلك، فيكون الإجمال مخلا بهذا المقصود.















قوله: أظهرها قوله تعالى: (و ما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا):















الاستدلال بالآية مبني على إرادة بعث الرسول بعنوان كونه رسولا لا ذات الرسول و شخصه، و إن لم يبلّغ بعد رسالته. و على إرادة







الرسول في كلّ مسألة، فلا يجدي الرسول في مسألة بالنسبة إلى مسألة أخرى. و على إرادة معنى عام من الرسول و هو مطلق المبلغ،







ليكون شاملا للرواة المبلغين للأحكام من المعصومين عليهم السلام دون شخص النبي صلى الله عليه و آله المبلغ للكل بواسطة الرواة،







فلا يجدي التبليغ إلى الوسائط، و إن أمروا بتبليغ الشاهد منهم للغائب، و قد أنكر الأخباريون هذا الأخير، و قالوا بجريان البراءة قبل







بعث الرسول، و امّا بعده و اختفاء الأحكام فلا.















قوله: و فيه: انّ نفي التعذيب قبل إتمام الحجة:















انّ ظاهر الآية نفي كون التعذيب قبل بعث الرسول، من شأنه تعالى، فيدلّ على القبح، و لازمه عدم الاستحقاق، إذ























الصفحة 89







لولاه كان من شأنه ذلك، فانّ كلّ ما هو حسن فهو من شأنه تعالى. و بذلك يندفع إشكال اختصاص الآية بالأمم السابقة، إذ هي حكاية عن







معاملته تعالى معهم، مع انّه لا اشعار فيها بالاختصاص بهم، بل حذف المتعلّق يفيد العموم.















نعم، غاية ما يستفاد من هذه الآية و غيرها، تقرير حكم العقل، إذ لا يعقل لنفي الاستحقاق معنى راجعا إلى غير باب العقل.















نعم، نفي فعلية العقاب يمكن أن يكون من المولى تفضلا.















قوله: ليس عنده بأعظم ممّا علم حكم:















مع انّه فيما علم حكمه قد ثبت العفو، كما في الظهار، و مع ذلك الاستحقاق ثابت حتّى عند الخصم، فيعلم انّ الملازمة بين نفي الفعلية و







الاستحقاق غير مسلم عنده، كي يتمسك بالآية على إلزامه.















قوله: منها حديث الرفع:















انّ الاستدلال بهذا الحديث على المطلوب يتوقف على أن يكون المراد بالموصول في «ما لا يعلمون»، هو الحكم دون الموضوع، بإرادة







عدم معلومية عنوانه، كاللحم الّذي لا يعلم انّه لحم غنم، ليكون حلالا، أو لحم خنزير ليكون حراما، و إلاّ كان دليلا على البراءة في الشبهات







الموضوعية، فيخرج عن محل البحث، لكن إرادة الحكم من الموصول خلاف ظاهر سياق باقي الفقرات، فانّ المتعيّن فيها إرادة الموضوع.







لا يقال: إرادة الموضوع من الموصول يستلزم التقدير في الكلام. لأنّ الموضوع غير قابل للرفع، فلا بدّ من تقدير المؤاخذة أو تمام







الآثار أو الأثر الظاهر، و حيث انّ التقدير خلاف الأصل يقتصر فيه على مورد الضرورة، و هو سائر الفقرات، و امّا هذه الفقرة فتحمل







على ما لا يستلزم التقدير، و هو الحكم، فانّه بنفسه قابل للرفع، فانه يقال: نمنع الحاجة إلى التقدير على تقدير إرادة الموضوع أيضا،







فان رفع الفعل و وضعه يكون بالتكليف به، و رفع التكليف عنه، و يكون التكليف من قبيل الواسطة في العروض.















و السرّ فيه: انّ الفعل يثقل على النّفس بتعلق التكليف به، فكأنّه موضوع على الشخص كوضع الحمل الثقيل عليه، كما انّه يخفّ برفع







التكليف عنه، فكأنّه مرفوع عنه برفع ثقله عنه، كرفع الحمل الثقيل، و لذا يطلق لفظي الرفع و الوضع في























الصفحة 90







الدين و العيال و أشباههما، و ليس ذلك استعادة من رفع الثقيل الخارجي، بل الكلمة موضوعة لمعنى عام يشمل رفع كلّ ثقيل على







النّفس، لا خصوص الثقيل بالمادة، بل إطلاقه في التكليف أيضا، باعتبار انّ متعلقه يثقل على النّفس بسببه، و إلاّ فلا ثقل يتصور في







التكليف بما هو هو.















و من ذلك يظهر جهة أخرى لحمل الموصول على الفعل دون الحكم، فانّه مضافا إلى سياق باقي الفقرات ظهور مادة الرفع يقتضيه.















و لكن الحقّ مع ذلك جواز التمسك بالحديث على ما هو المطلوب في المقام من غير انّ يأباه السياق، و لا ان يمنعه ظهور مادة الرفع.















و ذلك انّ الموصول في هذه الفقرة و باقي الفقرات يحمل على عمومه، و هو رفع كلّ ما استكرهوا و ما اضطرّوا و ما لا يطيقون و ما لا







يعلمون، دون خصوص الفعل أو الحكم أو نحوهما، و انحصار مصداق ذلك في سائر الفقرات بالفعل، لعدم معقولية الاضطرار و الإكراه







و عدم الإطاقة بالحكم، لا يوجب أن يكون الفعل هو المستعمل فيه للفظ الموصول، كي يقضي السياق بأن المراد من الموصول في فقرة







«ما لا يعلمون» أيضا هو الفعل، فإذا كان المراد من الموصول هو معناه العام، و حصل له في هذه الفقرة مصداقان: أحدهما الحكم و الآخر







الفعل المتعلق للحكم، أخذ بالفقرة في مصداقها، و تكون دليلا على البراءة في الشبهة الحكمية و الموضوعية جميعا، و لا يمنع عن ذلك







انحصار مصداق سائر الفقرات بالفعل.















و أمّا مادة الرفع، فنمنع:















أوّلا: انّه لرفع ما فيه ثقل، فانّ رفع الحجاب و الساتر و الغطاء و أشباه ذلك رفع، و ليس في شي‏ء من ذلك ثقل.















و ثانيا: انّ ثقل الفعل إذا كان من جهة التكليف، ففي الحقيقة، الثقيل و إن كان هو التكليف و الفعل المتعلق له يكون ثقيلا بالعرض، و







بواسطته، إلاّ انّ ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات، فيصحّ نسبة الرفع إلى التكليف، كما في رفع القلم عن الصبي حتّى يحتلم، و يكون هو







المصحح لنسبته إلى الفعل.























الصفحة 91







و من ذلك يظهر عدم اختصاص الرفع بالأحكام الإلزامية، بل يعمّ كلّ موضوع على المكلّفين و مجعول في حقّهم وضعيا أو تكليفيا غير







إلزامي، اقتضى المنة رفعه لما عرفت: انّ مادة الرفع لا يختص إطلاقه بما فيه كلفة و مشقة، كما لا يخفى على من راجع موارد استعماله. و







امّا تقدير المؤاخذة أو الإسناد بلحاظها، ففيه مضافا إلى انّ التقدير لا يصار إليه عند عدم الضرورة: انّ المؤاخذة المقدرة إن كانت هي







المؤاخذة الفعلية لم تدل الرواية على نفي الاستحقاق، كما في آية (و ما كنّا معذبين.). و إن كان استحقاق المؤاخذة لم يكن معنى لرفع







الاستحقاق العقلي إلاّ رفع منشأ الاستحقاق، و هو التكليف، فيئول الأمر إلى رفع التكليف.















ثمّ انّ معنى رفع «ما لا يعلمون» كما في رفع «ما اضطروا» و باقي أخواته، هو رفع التكليف واقعا لا رفعه ظاهرا مع ثبوته واقعا، كما هو







مقصود المتمسكين بالحديث على البراءة، فانّ الرفع ظاهرا مع الثبوت واقعا لا معنى له، و لا يلزم ممّا ذكرنا محذور الدور، و هو توقف







ثبوت التكليف على العلم به، مع انّ العلم لا يكون إلاّ بعد التكليف.















و ذلك لأنّ التكليف الّذي حقيقته هو الإرادة القائمة بنفس المولى لو توقف على العلم بهذه الإرادة، لكونها إرادة متعلقة بالعالمين بهذه







الإرادة، لزم ما ذكر، لكنّه لا يتوقف على هذا العلم، بل على العلم بإنشائها و طلبها، فيكون الموقوف غير الموقوف عليه، لأنّ التكليف







يتوقف على العلم بإنشاء التكليف و الاطلاع على البعث الصادر من المولى، فإرادة المولى تعلق بإتيان من ظفر على بعثه و اطلع على







إعلامه بداعي التحريك دون من لم يظفر و لم يطلع. و الاختصاص المذكور عقلي، فيكون مفاد حديث الرفع مطابقا لما هو قضية حكم







العقل بلا تعبد شرعي.















و بالجملة: التكليف مختصّ بمن وصل إليه إعلام المولى، لا يتجاوز إرادة المولى عن ذلك قيد شعرة.















نعم، لا يختص الاعلام المذكور و البعث نحو الفعل بأن يكون مطابقا لإرادته، بل يكفي البعث بعنوان الاحتياط تحفظا على إرادته، فمن







لم يصل إليه أحد البعثين،























الصفحة 92







امّا البعث النفسيّ أو البعث الغيري الاحتياطي، فهو خارج عن حيطة التكليف، كما اعترف به الأخباريون المخالفون في المسألة.















لا يقال علي ما ذكر: يكون الرفع عقليا من غير منّة و لا اختصاص بهذه الأمة، مع انّ ظاهر الحديث هو المنّة و الاختصاص. فانّه يقال: المنّة







هو في عدم إيجاب الاحتياط و الاقتصار على الطلب النفسيّ، الموجب لقصر التكليف بمن علم بالطلب النفسيّ مع التمكن من تكليف من لم







يعلم بذلك، بإيجاب الاحتياط، لما عرفت، من: انّ أحد الإعلامين كاف في حصول الإلزام عقلا.















و الحاصل: انّ الإرادة سواء تعلقت بفعل النّفس أو بفعل الغير تكون على تقدير ترتيب المقدمات في تحصيل المراد، و من المقدمات في







تحصيل المراد في الإرادة المتعلقة بفعل الغير، هو إعلام ذلك الغير بتحقق هذه الإرادة لغرض حصول الانبعاث منه نحو المراد، سواء







كان بصيغة افعل أو بالجملة الخبرية، فإذا اختصّ الاعلام بشخص اختصت الإرادة بالتعلق بفعله دون فعل من لم يصدر إعلام في حقّه، و







لو لأجل عدم الظفر بإعلام المولى، و هذا واضح بالتأمل في موارد الإرادات المتعلقة بالفعل بالمباشرة و الفعل بالتسبيب.















إن قلت: الاعلام انّما يكون بالتكليف لا بأمر آخر، و دخله في توجه التكليف انّما يكون من أجل انّه يوجب العلم بالتكليف، فيئول اشتراط







التكليف بالإعلام إلى اشتراطه بالعلم بالتكليف، و الحال انّ العلم بالتكليف متوقف على ثبوت أصل التكليف، فالدور المتقدم يكون







باقيا على حاله بلا دافع عنه.















قلت: للاعلام بالطلب بداعي البعث جهتان: جهة كونه إعلاما بما في النّفس من الطلب و جهة كونه بعثا و تحريكا و مقدمة، أعملها المولى







لغرض التوصل إلى وصول مراده، فهو بالجهة الأولى: كاشف عن ذاك المعنى النفسانيّ، الّذي لا يجب تنفيذه عقلا، و بالجهة الثانية:







يوصل ذلك المعنى إلى حدّ يجب تنفيذه عقلا، إذ يكون بذلك إرادة فعلية يجب إنجازها، و بعبارة أخرى: به يتحقق العلم بمادة التكليف و







به يتحقق فعليته، فانّ الإرادة القائمة بالنفس ليس تكليفا و طلبا، بل























الصفحة 93







و إرادة ما لم يصر المولى بصدد إنفاذه بتهيئة مقدمات نفوذه، الّذي منه الاعلام به بداعي تحريك العبد المسمّى ذلك بالبعث، و بالإعلام







المذكور يكون ذلك تكليفا يجب إطاعته، فالإعلام إعلام بمادة التكليف، و هو بنفسه محقق لصورته و موجب بصيرورة تلك المادة







تكليفا فعليا، يجب إطاعته، فالتكليف الّذي يتعلق به العلم و يتوقف عليه العلم، هو مادة التكليف، و الّذي يكون هو متوقفا على العلم هو







صورته و فعليته الواجب امتثاله، فصحّ أن يقال: لا تكليف حقيقة مع عدم البعث و الاعلام، و ان اعلم و بعث آخرين، فانّ تكليف أحد لا







يوجب بعث آخرين.















إن قلت: يلزم على ما ذكر من اختصاص الأحكام بالعالمين، التصويب الباطل بالإجماع.















قلت: مادة التكليف عام بالنسبة إلى العالم و الجاهل، و إن كان بعثه الّذي عليه يدور الإطاعة و الامتثال خاصا، و هو كاف في دفع







التصويب الباطل.















قوله: لا يقال: ليست المؤاخذة من الآثار الشرعية:















هذا الإشكال أشكله و أورده شيخ مشايخنا المرتضى «ره» على نفسه، حيث لما قدر المؤاخذة، و تبعه على ذلك حضرة الأستاذ المصنف







«قده» مع انه لم يذهب إلى عدم تقديره للمؤاخذة، بل جعل الموصول عبارة عن نفس الحكم، و نفس الحكم قابل للرفع و يرتفع المؤاخذة







عقلا بارتفاع الحكم، فانّ حكم العقل بالبراءة عن العقاب موضوعه أعمّ من عدم الحكم واقعا و عدمه ظاهرا، و مع ذلك فتوجيهه للإشكال







على نفسه عجيب، ثم الأعجب وقوعه في المخمصة في الجواب عنه، أعجب، مع وضوح جوابه و عدم الحاجة إلى ما أفاده على انّه فاسد في







حدّ نفسه، فانّه يتّجه عليه:















أوّلا: انّ المقدر حينئذ يكون هو إيجاب الاحتياط، مع انّ الكلام على فرض تقدير المؤاخذة.















و ثانيا: انّ العقاب منشؤه هو ثبوت التكليف فعلا، و في حال الجهل، و ثبوت التكليف يكون منشأ أيضا، لإيجاب الاحتياط، تحفظا على







التكليف المذكور،























الصفحة 94







فإيجاب الاحتياط و العقاب كلاهما ينشئان في عرض واحد من ثبوت التكليف حال الجهل لا أن يكون منشأ العقاب هو وجوب الاحتياط،







بل ظاهر اخبار الاحتياط هو العكس، و إنّ منشأ إيجاب الاحتياط هو التحرز عن الوقوع في المهلكة، ثمّ انّه يتجه الإشكال على التمسك







بالحديث بوجهين:















الأوّل: انّه على فرض تقدير المؤاخذة، كان الحديث دليلا على رفع فعلية المؤاخذة دون استحقاقها، و هو أعمّ من المطلوب، و كون







المنفي في سائر الفقرات هو الاستحقاق، لا ينافي نفي الفعلية في الجميع.















نعم، لو قدر استحقاق المؤاخذة، صحّ الاستدلال بالحديث على المطلوب، لكن تقدم انّه لا معنى لرفع الاستحقاق إلاّ رفع منشئه، و هو







خلف، لأنّ المرفوع حينئذ يكون ذلك المنشأ دون العقاب.















الثاني: انّ الحديث إنّما يصحّ التمسك به إذا أريد منه رفع التكليف عن كلّ فرد من أفراد الأمّة، ما لا يعلمه ذلك الفرد، امّا إذا أريد رفعه







عن الجميع، ما لا يعلمه الجميع، فالحديث يكون دليلا على انّ الأصل في الأشياء قبل الشرع، الإباحة، كما اعترف به، و امّا بعد الشرع و







عروض الاختفاء فلا دلالة على شي‏ء و لا ظهور له في المعنى الأول، إلاّ أن يقال: سياق باقي الفقرات يعيّنه.















قوله: و إن كان في غيره لا بدّ من تقدير الآثار:















قد عرفت: عدم اللابدية، و إن الفعل يوضع و يرفع عن الشخص بالإلزام به و ترك الإلزام به، على أن يكون الوضع و الرفع منسوبا إلى







الفعل حقيقة، و يكون التكليف من قبيل الواسطة في الثبوت، و هذا كما في ثبوت الدّين في الذّمّة و العيال في العهدة، فانّ كلّ ذلك على







الحقيقة.















و بالجملة: كلّما يكون ثابتا في العهدة شرعا أو عرفا، فهو موضوع على الشخص، فيكون رفعه رفعا عن الشخص، و لو لا ذلك كان







سياق باقي الفقرات قاضيا بالتقدير هنا أيضا، فانّ التكليف بين الفقرات بالتقدير في غاية البعد و عدمه.























الصفحة 95







في الشبهة البدوية















قوله: بعد وضوح انّ المقدر في غير واحد غيرها:















الظاهر انّ مراده: انّ المقدر في غير واحد من فقرات الحديث غير المؤاخذة. لأن الحديث في مقام الامتنان، و لا منة في رفع المؤاخذة عمّا







اضطروا و بعض أخواته، لأنّ رفعه عقلي لا يختص بأمة دون أمّة.















و فيه انّ المنّة تكون في رفع المؤاخذة في سائر الفقرات أيضا، فانّ الظاهر: انّ المراد من الاضطرار ليس هو الاضطرار الموجب لسلب







الاختيار، بل كما في اضطرار المريض إلى شرب الخمر، و كذلك لا يقبح عقاب الناسي بإيجاب التحفظ عليه، فإذا عمّت المنّة و أمكن







تقدير خصوص المؤاخذة و تقدير تمام الآثار، كان تقدير خصوص المؤاخذة هو المتيقن، مع انّ التحفظ على عموم أدلة سائر الآثار







يقتضي قصر المقدر بالمؤاخذة.















نعم، تمسك الإمام عليه السلام بمثل هذا الحديث على بطلان ما استكره عليه من الحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك، يدلّ على







عموم المقدر.















قوله: و الموضوع للأثر مستدع لوضعه:















انّ هذا البيان لا يجدي شيئا على تقدير عموم حديث الرفع لكل أثر، حتّى المترتب على نفس العناوين. غاية الأمر، تقع المعارضة بينه و







بين الأدلة المثبتة لتلك الآثار على تلك العناوين، فهذا الحديث يرفعها، و تلك الأدلة تثبتها.















فالحقّ أن يقال: انّ ظاهر الحديث رفع الأحكام الثابتة في مورد عروض العناوين بعروضها، بحيث يكون الحكم الّذي يرفعه ثابتا بدليله







قبلها، و في رتبة سابقة عليها، لا ثابتا بعدها، كما في الأحكام المترتبة على تلك العناوين، أو ثابتا في عرضها، كما في الأحكام الثابتة







للعناوين المضادة لتلك العناوين التسعة، مثل ما ثبت من الحكم بعنوان العمد، فان الخطأ و النسيان لا يرفع هذا، بل هو بنفسه يرتفع و







ينفد لنفاد موضوعه، بحصول الخطأ و النسيان.























الصفحة 96







قوله: و إيجاب التحفظ في الخطأ و النسيان:















ان إيجاب التحفظ عن الوقوع في الخطأ و النسيان ليس من الأحكام المترتبة على الخطأ و النسيان الحاصلان من ترك التحفظ، فانهما







حاصلان بعد سقوط التكليف بالتحفظ، امّا عمدا عصيانا أو لعذر، فهما لا يرفعان إيجاب التحفظ لأجل ما ذكرنا لا لأجل انّ إيجاب







التحفظ حكم أتي من جهة هذين العنوانين، فلا يرتفع بهما.















نعم، نسيان إيجاب التحفظ عن النسيان، نسيان رافع لإيجاب التحفظ، و ليس إيجاب التحفظ حكما لهذا النسيان حتّى لا يرتفع به.















و بالجملة: إيجاب التحفظ أجنبي عن المقام.















نعم، إيجاب الاحتياط حكم نفس الجهل و لا مجال لإنكاره.















و ما أفاده المصنف في الجواب من انّه يكون باقتضاء الواقع في مورد الجهل، ان أراد: انّ الجهل ليس علة تامة لهذا الحكم، بل جزء من







العلة و جزئه الآخر قيد كون الجهل متعلقا بالواقع.















ففيه: انّ دخل أحد هذه العناوين و لو بأدنى دخل في حكم، كاف في عدم توجه الرفع إلى ذلك الحكم، و لا يلزم أن يكون تمام الموضوع







في ذلك، فانّ الوجه القاضي بذلك عام يعمّ جميع صور الدخل، و الّذي ينبغي أن يقال في الجواب، هو:















انّ إيجاب الاحتياط، و إن كان حكم الجهل لكنه ناشئ من عموم الحكم الواقعي الثابت بدليله، و شموله لحالي العلم و الجهل، و ليس







الحكم الواقعي هذا حكما للجهل، فالجهل يرفعه، فإذا رفعه الجهل لم يبق ما هو منشأ إيجاب الاحتياط في ظرف الجهل، فالجهل لا يرفع







حكم الجهل و هو وجوب الاحتياط ابتداء، بل يرفع سبب هذا الحكم و علته، فيرتفع هو بارتفاع سببه و علته، و من هنا كان اللازم







استثناء الأحكام الثابتة لهذه العناوين بسبب أحكام العناوين الأولية، من كلية عدم ارتفاع أحكام هذه العناوين بحديث الرفع. و







الاستثناء، و إن كان منقطعا، لما عرفت:















انّ هذه أيضا لا يرتفع بهذا الحديث بل يرتفع منشؤه، فيرتفع هو، لكن يجب التنبيه عليه.















قوله: إلاّ انّه ربّما يشكل بمنع ظهورها:















هذا مضافا إلى أنّ ظاهر الحديث حجب























الصفحة 97







علمه عن جميع العباد، فلا يشمل ما بينه لبعضهم، ثم اختفى على آخرين.















و يمكن الجواب عن الإشكالين: بأن استصحاب الحجب الثابت في صدر الشرع ينقح به الموضوع، فيتم الاستدلال بالحديث بضميمة لا







يقال: عنوان الحجب يتوقف على ثبوت واقع مستور، و هذا لا يقين لنا به كي يستصحب، لأنّا نقول:















الأمر مردد بين أن لا يكون حكم إلزامي واقعا، أو يكون و قد حجب. فعلى الأول:















فلا إشكال، و على الثاني: يكون استصحاب الحجب منتجا للبراءة الظاهرية، إلاّ أن يقال: باعتبار صفة اليقين في جريان الاستصحاب و







توجّه حكم «لا تنقض» و لا يكفي ثبوت الواقع في ذلك ليتّجه ما قلناه من ثبوت الإباحة على كلّ حال، امّا إباحة واقعية أو ظاهرية، و







استصحاب الإباحة المرددة بين الواقعية و الظاهرية الثابتة قبل الشرع أيضا غير جار لعدم إحراز الموضوع فيه، لاحتمال كونها إباحة







ظاهرية موضوعها الحجب، و هو غير محرز في الزمان الثاني، و الّذي يهوّن الخطب انّه ينبغي انّ المراد القطع من الحجب في الحديث







هو: عدم ورود البيان من قبل الشارع في خصوص الواقعة من غير دخل لثبوت الواقع في ذلك، و إلاّ لغي الحديث، لأنّ إحراز موضوع







الحجب يكون بالعلم بثبوت الواقع، و به يرتفع الحجب و يحصل الاطلاع على الواقع، فلا يبقى مورد يتمسّك بالحديث.















و على ما ذكرنا، فاستصحاب عدم البيان يكفينا المئونة، هذا مضافا إلى أنّ مناط الوضع على ما هو اللائح من الحديث، هو عدم اطلاع







العباد على الواقع، من غير دخل لثبوت الواقع، و تحقق عنوان الحجب، و يشهد له حديث الرفع المتحد مضمونا مع هذا الحديث، ثمّ انّ هذا







الحديث إن تمّ دلالته عارض اخبار الاحتياط، التي مضمونها عدم وضع ما حجب علمه عن العباد، بل وضعه عليهم و إلزامهم به بإيجاب







الاحتياط عليهم، فلا يقال: وجوب الاحتياط ممّا علمناه باخبار الاحتياط، و لم يحجب علمه عنّا، فليس موضوعا عنّا. فتكون تلك الاخبار







واردة على هذا الحديث.















قوله: و منها قوله عليه السلام: «كلّ شي‏ء لك حلال»:















و امّا قوله عليه السلام: «كلّ شي‏ء فيه























الصفحة 98







حلال و حرام، فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه» فدلالته مبنية على أن يكون المراد من قوله: «فيه حلال و حرام» أن يكون فيه







احتمال الحلّ و الحرمة، و هو خلاف الظاهر، بل ظاهره الانقسام إليهما، فيحمل قوله: «كلّ شي‏ء» على إرادة كلّ كلي ينقسم إلى قسم حرام







و آخر حلال، أو على مجموع أشياء، مشتمل على الحرام بالعلم الإجمالي، فتكون الرواية على هذا دليلا على حلّ أطراف العلم الإجمالي،







كما انّها على الأول دليلا على البراءة في الشبهات الموضوعية، و يحتمل بعيدا أن يكون المراد ان كل شخص كان في كلّيّه قسما حلالا و







آخر حراما، و شك في اندراج ذلك الشخص في أحد الكلّيين، فتختص الرواية أيضا بالشبهة الموضوعية، و مع فرض تساوي الاحتمالات،







يؤول إلى الإجمال المبطل للاستدلال.















في الأدلة الدالة على أصالة البراءة في الشبهة البدوية















قوله: مطلقا، و لو كان من جهة عدم الدليل:















يعني ان إطلاقه يشمل الشبهة الحكمية التحريمية و لا يختص بالشبهة الموضوعية، المتسالم على البراءة فيها، فإذا شمل الشبهة الحكمية







التحريمية ألحقت بها الشبهة الوجوبية بعدم القول بالفصل، ثمّ انّ ظاهر الحديث انّ الغاية للحلّ معرفة الحرمة، حرمة ثابتة للشي‏ء بعنوان







نفسه أوّليا كان ذلك العنوان أو ثانويا، نفسية كانت الحرمة أو غيرية، فلا يشمل الحرمة الثابتة بعنوان الاحتياط لأجل التحفظ على







الواقع، الّذي معناه عدم حلية الشي‏ء عند الجهل بحرمته، فلا يكون اخبار الاحتياط واردا على هذا الحديث.















قوله: تأمل:















لعلّه إشارة إلى أنّ منصرف الشي‏ء في قوله صلّى الله عليه وآله: «كلّ شي‏ء» هو الشي‏ء الوجوديّ، فلا يشمل العدمي. و فيه: انّه مع ذلك







يمكن التمسك بالحديث على إثبات المطلوب. بتقريب: انّ ظاهر «حلال» هو الحلية، بمعنى الترخيص في الفعل و الترك دون ما يشمل







الوجوب، و معلوم انّ الحلية بهذا المعنى مغيّاة بعدم معرفة الإلزام بكلّ من الفعل و الترك، و إن لم يذكر الحديث إلاّ أحدهما.















قوله: فيعارض به ما دلّ على وجوبه:















المعارضة موقوفة على أن تكون الميم موصولة،























الصفحة 99







أضيف إليها لفظ «سعة» فيكون المعنى: الناس في سعة من جهة الإلزام الّذي يجهلونه ليسوا في ضيق منه، و يلزمهم الاحتياط لأجل التحفظ







عليه. امّا إذا كانت مصدرية ظرفية على أن يكون معنى الحديث: الناس في سعة ما دام لم يعلموا الضيق.















فيكون قد علمنا الضيق باخبار الاحتياط، و مع تشابه الأمر كانت النتيجة مطابقة مع الاحتمال الثاني، و لم يجز التمسك بالحديث في







مقابل اخبار الاحتياط.















قوله: و دلالته تتوقف على عدم صدق:















و أيضا يتوقف على أن يكون المراد من النهي غير النهي لأجل حفظ الواقع المشتبه، الّذي معناه عدم كون المشتبه بما هو مشتبه مطلقا، و







إلاّ كان اخبار الاحتياط واردا عليه و لم يجز التمسك به في قبالها.















نعم، يتّجه عليه انّه لا ريب في عموم النهي و شموله لكلّ نهي كان بعنوان أوّلي أو ثانوي غيري أو نفسي حتى النهي بعنوان الجهل، و لذا







يقدم اخبار الاستصحاب على مثل هذه الاخبار، فيتّجه الإشكال على ذلك بأنه لم يقدم الاخبار الدالة على ثبوت الإلزام في موضوع الجهل







بما هو جهل على هذه الأخبار، مع انّها نظير اخبار الاحتياط في إثبات الحكم في موضوع الجهل، فان كان تقدم من حكومة أو ورود،







ففي المقامين، أو معارضته، ففي المقامين. لكن يمكن أن يدفع بأن ذلك لسان الخصوصية في اخبار الاستصحاب، حيث كان بعنوان عدم







نقض اليقين بالشك، كما بيّن في محله.















قوله: و لا يكاد يعم ما إذا ورد النهي:















يمكن أن يقال: في مثل هذا الفرض المرجع استصحاب النهي لانتقاض الحالة السابقة قطعا بورود النهي، و قد شك في ارتفاع النهي،







فيستصحب. فصحّ أن يقال: كلّ موارد الجهل الخالي عن أمارة أو أصل يقتضي ثبوت النهي، يحكم عليه بأنّه مطلق، سواء كان ذلك بمعونة







الاستصحاب، أو بنفس هذا الحديث، حسب الاختلاف في المعنى المراد من الورود.















قوله: انّما يجدي فيما كان المثبت للحكم بالإباحة:















يعني انّ الملازمة بين الحكم الظاهري لشبهة للحكم الظاهري لأخرى، و إن كانت ثابتة، حيث لم يفعل الأصوليون و لا الأخباريون بين







موارد الشبهة، بل هؤلاء على البراءة مطلقا، و أولئك























الصفحة 100







على الاحتياط كذلك، لكن الأصل لا يترتّب عليه الملازمات إلاّ أن تكون الملازمة بين الحكمين الظاهريين أيضا، و الحكم من أصله في







المقام، و إن كان ظاهريا حيث انه حكم الشك، لكنه واقعي بالإضافة إلى البراءة الثابتة بمعونة الاستصحاب، فانّ البراءة الثابتة بأصالة







عدم ورود النهي، ظاهري في ظاهري، و الملازمة بين الظاهريين في المرتبة الأولى لا تقتضي الملازمة بينهما في المرتبة الثابتة، حتّى







يترتّب على البراءة الثابتة بحكم الاستصحاب في مورد البراءة في مورد آخر.















قوله: فانّه قد استقل بقبح العقوبة و المؤاخذة:















اعلم: انّ حكم العقل بالإطاعة و حرمة المعصية لا ينحصر ملاكه في دفع العقاب و الضرر، و لذا يحكم مع الأمن من العقاب بالعفو من







المولى، و عليه فلا يجدي حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان في ثبوت الرخصة في الإقدام على المشتبه ما لم يثبت حكم عقلي آخر، و







هو قبح التكليف من غير بيان، فان ثبت هذا أغنانا عن الأول، بل خرجت الشبهة عن موضوع قبح العقاب بلا بيان و دخلت في موضوع







قبح العقاب بلا تكليف، المسلم بين الكلّ. لكن الشأن في ثبوت ذلك إذا لم نقل بما تقدم من تقوم حقيقة التكليف بالبيان و البعث، لكن







تقدم: انّ الحق ذلك، فلا نبالي ان ثبت هذا أو لم يثبت، ثمّ انّ هنا شبهة عويصة و هي: انّ البيان في قاعدة قبح العقاب بلا بيان يعمّ بيان







التكليف و بيان الاحتياط، كما انّه بيان الشارع و بيان العقل، فإذا حكم العقل بالاحتياط في مادة، كموارد العلم الإجمالي، لم يكن مجال







لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، لحصول البيان بلسان العقل، و عليه فإذا ظنّ بالتكليف أو احتمل احتمالا معتدا به، كان قاعدة دفع الضرر







المحتمل بيانا واردا على قاعدة القبح، كما انّ قاعدة القبح حيث ما تحقّقت كانت رافعة لموضوع احتمال الضرر، و بالنتيجة















واردة على قاعدة دفع الضرر المحتمل، و لا مجال لتقديم إحدى القاعدتين و إخراج المورد عن موضوع الأخرى، كما صنعه حضرة







الأستاذ «ره» بل اللازم ملاحظة المورد قاطعا للنظر عن القاعدتين، ثم ملاحظة انّه مورد ولايتهما، و المورد في المقام مورد لكلتيهما،







لكن القاعدتين بأنفسهما لا تجتمعان، لأنّ العقل لا يحكم























الصفحة 101







متخالفين، فامّا هذه أو تلك، أو لا هذه و لا تلك.















نعم، يمكن أن يقال: ان تحيّر العقل و لم يجزم بانطباق إحدى القاعدتين على سبيل التعيين أو لا انطباقهما جميعا، حكم حكما ثانويا في







موضوع عدم جزمه بالبراءة فانّه إذا لم يكن له ملزم خارجي، و هو بيان الشارع، و لا داخلي، و هو حكم العقل بالاحتياط في الشبهة،







حكم بالبراءة، بمعنى أنّه رخص في الفعل و الترك، و بعد هذا الترخيص كان العقاب قبيحا بقبح العقاب مع الترخيص العقلي، فكانت







النتيجة مطابقة مع حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان، و ان لم تكن بملاكه.















ثم لا فرق فيما ذكرنا بين الضرر الأخروي المترتب على المعصية، و الدنيوي المرتب على الفعل المحتمل حرمته، الا في عدم ترتب







الضرر في الأول بعد ترخيص العقل في الإقدام، و ترتبه في الثاني، و اما إباحة الفعل فهي ثابتة في كلتا الصورتين، و لا مضادة بين







الرخصة في الفعل و ترتب الضرر عليه لو صادف نظيره ما إذا لم نوجب دفع الضرر المحتمل، فارتكب فصادفه. بل ذكر الأستاذ «ره«







في المتن: ان الضرر المقطوع ربما لا يجب دفعه فضلا عن المحتمل، و ان كان فيه عندي نظر سأبين وجهه.















قوله: كما انه مع احتماله لا حاجة:















الحاجة إلى القاعدة انما هي في الحكم بقبح الإقدام لا في ترتب العقاب عند تحقق المخالفة.















قوله: ضرورة عدم القبح في تحمل بعض المضار:















لو لا تدارك تلك المضار بما يوازنها أو يرجح عليها من المنافع قبح تحمل أدنى ضرر، و امّا مع الموازنة فيخرج مورد الضرر عن







الموردية له، إذ بعد التكاسر لا يبقى ضرر، ثمّ لو صحّ ما ذكره لم يختص بالضرر الدنيوي، بل عمّ الضرر الأخروي، إلاّ أن يقال: انّ







الضرر الأخروي لعظمه لا يسوغه شي‏ء من الدواعي الدنيوية.















قوله: ليست براجعة إلى المنافع و المضار:















لا ريب أن لا ضرر فيه لا مفسدة فيه، و إنّ كلّ مفسدة لا تنفك من أن تكون: امّا ضررا للبدن أو المال أو العرض أو الجاه،























الصفحة 102







و كأنّ توهم التغاير نشأ من تخيّل انّ بعض المفاسد، كالخروج مكشوف العورة إلى المجامع و الأسواق ليست من قبيل المضار، و هو







فاسد، فانّها ضرر بالنسبة إلى الجاه و الاعتبار، و ليس الضرر مقصورا على ضرر المال و النّفس، بل ربّما يكون الضرر الحاصل من







ذلك أعظم من ضرر النّفس، فيرضى الإنسان بذهاب الأنفس و لا يرضى بذلك، ثمّ على تقدير التعدد و كون المفسدة غير الضرر، لا







ينبغي الريب في انّ الحكم حكمه في قبح الإقدام على مقطوعه و مظنونه و محتمله حكمه، و لا يصغى إلى ما يقال من التفكيك بينهما بقبح







الإقدام على ما لا يؤمن ضرره، و عدم قبح الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته.















قوله: نعم، ربّما يكون المنقصة أو المضرة مناطا:















و عليه فينفتح باب احتمال الضرر في موارد الشبهات لاحتمال كون مناط الحكم فيها هي المضرّة، فيحصل الكرّ على ما فرّ منه، إلاّ أن







يضعف ذلك الاحتمال بحيث لا يعتد به، حيث انّه احتمال في احتمال، لأنّ أصل التكليف احتمال، و كون مناطه الضرر احتمال في احتمال،







لكن ربّما يكون هذا الاحتمال الأخير قويا جدّاً، حتّى كان الاحتمال في الاحتمال بمنزلة احتمال واحد مساو طرفيه.















قوله: كيف و قد اذن الشارع:















الشارع اذن في موارد احتمال الضرر، بل القطع به أيضا. و الحلّ في الجميع ان اذنه يكشف عن تدارك ما ندركه من المفاسد و المضار







بما يوازنه من المصالح و المنافع الخفية الخارجة عن إدراكنا، فلا قبح.















قوله: و الجواب: انّه لا مهلكة في الشبهة البدوية:















يعني انّ هذا الاخبار بمقتضى تعليلها تكون مختصة بما فيه المهلكة من الشبهات، مع قطع النّظر عن هذه الاخبار، و لا مهلكة في غير







الشبهات قبل الفحص، و الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي، بعد حكم العقل و دلالة النقل على البراءة.















و بالجملة: الأمر بالتوقف في هذه الاخبار ناش عن ثبوت العقاب بسبب سابق، فلا يكون منشأ لثبوت العقاب فتختص بموارد تنجز







التكليف بسبب سابق، لا انّها هي المنجزة للتكليف، فلا تزيد هذه الاخبار على ما هو قضية حكم العقل،























الصفحة 103







و هو وجوب التحرز عن العقاب، و مورده الشبهات المنجز فيها العقاب بعلم إجمالي أو شبهة قبل الفحص، و يمكن أن يقال: انّ التعليل







في هذه الاخبار و ان أوهم ما ذكره، لكن بيان فعلية الطلب في مورد الشبهة بإثبات العقاب، كأن يقول: قف عند الشبهة، فإنّي أعاقبك







على مخالفة الواقع بارتكابها: شايع صحيح، و إثبات العقاب، كما يكون على الوجه الّذي ذكرناه، يكون على وجه التعليل، كما في







الروايات، مريدا بذلك تسجيله و فرضه مفروغا عنه متسالما عليه، فانّ ذلك أبلغ في إفادة المقصود و أتمّ في بيان المطلوب، فان بيان







ثبوت الأهوال في ركوب البحر، تارة يكون بالتصريح به بعبارته المطابقي، و أخرى بمثل ترك الاسترباح خير من ركوب الأهوال. و







على ما ذكرنا يؤخذ بعموم الشبهة في الاخبار و شمولها للشبهات البدوية غير المشتملة على العقاب، لو لا هذه الاخبار، و يحكم بأنّ هذه







الاخبار مثبتة للعقاب فيها بهذا اللسان، الّذي عرفت انّه أبلغ لسان.















قوله: لما عرفت من انّ إيجابه يكون طريقيا:















يعني طريقيا لأجل حفظ امتثال التكاليف الواقعية لا طريقيا لأجل التحرز عن عقاب الواقع، فانّ العقاب يكون بسببه، فيكون هذا قسما







ثالثا وراء القسمين اللذين أبطلهما القائل في مقام الجواب عن الاخبار.















قوله: إلاّ انّها تعارض بما هو أخصّ و أظهر:















انّ الأخصيّة انّما تكون بعد تخصصها بالشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي و الشبهات قبل الفحص، و ليس من قانون المعارضة ملاحظة







النسبة بين المتعارضين بعد علاج أحدهما مع ما يعارضه، بل يلاحظ مجموع المتعارضات في عرض واحد، و يعالج حسب تلك النسبة







الأولية الكائنة بينها، إلاّ ان يمنع شمول اخبار البراءة لموارد العلم الإجمالي، و فيه نظر. هذا مضافا إلى انّ اخبار الاحتياط آبية عن







التخصيص، و كيف يخصص قوله عليه السلام:















«أخوك دينك فاحتط لدينك» و قوله عليه السلام: «ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط»، و مع ذلك فأيّ جدوى لأخصية







اخبار البراءة، و قد صرّح المصنف الأستاذ «ره» بما نذكر بعد أسطر، و مع ذلك أتى بخلافه هنا.























الصفحة 104







فيما استدلّ به على الاحتياط في الشبهة البدوية















قوله: مع انّ هناك قرائن دالّة على انّها للإرشاد:















قرائن الإرشاد ليست في جميع الاخبار، بل في مثل «أخوك دينك فاحتط لدينك» و نظائره، مع انّ حمل الأمر على الإرشاد لا يجدي







القائل بالبراءة، فانّ معنى الإرشاد هو أن يكون الأمر صادرا من مصدر العقل، و المولى بما هو أحد العقلاء قد تكلّم به لا بما هو مولى، و







قضية ذلك عدم جعل تعبدي من قبل المولى، و كون الحكم هو حكم العقل، لكن ذلك لا يقتضي قصر وجوب الاحتياط بمورد يحكم العقل







حكما فعليا بوجوب الاحتياط فيه، بل يعمّ وجوبه موارد وجود ملاك حكم العقل بوجوب الاحتياط، لأهمية التكليف المشتبه، و إن لم







يدرك العقل هذه الأهمية.















و بالنتيجة: عدم حكمه فعلا بالاحتياط، فإذا عمّ الأمر الإرشادي الإيجابي حسب ظاهر الدليل جميع موارد الشبهة كشف ذلك عن ثبوت







هذه الأهمية في جميع تلك الموارد، و يشهد على عدم اعتبار فعلية حكم العقل في تحقق الأمر الإرشادي، انّ أوامر الطبيب إرشادي مع انّ







العقل لا يحكم صغروية في مواردها، بل من أمر الطبيب يستكشف عن وجود ملاك إلزام العقل.















و بالجملة: لا سبيل إلى المناقشة في اخبار الاحتياط سندا، فانّها متظافرة إن لم تكن متواترة، و لا دلالة برميها إلى كلّ مرمى سحيق،







فانّ فيها ما هو نصّ في الوجوب، فلا سبيل إلى حملها على الاستحباب، و كيف يحمل على الاستحباب قوله عليه السلام: «ليس بناكب عن







الصراط من سلك سبيل الاحتياط».















و قد عرفت ما في التخصيص و الحمل على الإرشاد، و مع ذلك فالحق في المسألة هو البراءة لعدم التعارض بين اخبار الطرفين، و







ورود اخبار البراءة على اخبار الاحتياط، فانّ اخبار البراءة تفيد حلّ المشتبه، فيخرج بذلك عن موضوع الشبهة و يدخل في الحلال







البيّن، فانّ ظاهر الشبهة ما لم يعلم حكمه بوجه من الوجوه و بعنوان من العناوين، حتّى بعنوان مشتبه الحكم، كما انّ ظاهر الحلال و







الحرام























الصفحة 105







البيّن هو ما علم حكمه بوجه، فالخمر المحرم واقعا من الحلال البيّن عند الاضطرار إليه، و التتن المحرم، كذلك من الحلال البيّن إذا اشتبه







حكمه، و كان حكم مشتبه الحكم هو الحلّ.















لا يقال: الحليّة في اخبار البراءة مغياة بورود النهي، و النهي، شامل للنهي بأيّ عنوان كان، و منه النهي بعنوان الاحتياط، فتكون اخبار







الاحتياط واردة على اخبار البراءة محصلة لغايتها، فانّه يقال: نعم، لكن لا يجدي مع كون موضوع ما ورد فيه النهي في اخبار الاحتياط







هو عنوان الشبهة المرتفعة بورود اخبار الحلّ، فلا يصل الأمر إلى ملاحظة حكمه، حتى يقال: تحصل به غاية الحل.















و الحاصل: لا ينبغي أن يرتاب في انّ قضية «كلّ شي‏ء حلال حتى تعلم انّه حرام» كسائر الأدلة المشتملة على الأحكام الواقعية واردة على







قوله صلّى الله عليه وآله: (من ترك الشبهات نجا من المحرّمات)، و انّ موضوع الشبهة يزول بحكم الأول، فلا يبقى محل لحكم الثاني،







حتّى يرتفع موضوع الأول.















نعم، الموضوع في بعض اخبار الاحتياط هو الجهل، كما في موضوع البراءة لكن تلك الاخبار واردة في الشبهات قبل الفحص، الخارجة







عن محل البحث.















قوله: كيف لا يكون قوله: «قف عند الشبهة»:















انّ المصنف «قده» قد خلط البحث، و عاد إلى الطائفة الأولى من الاخبار المعللة، التي تقدم منه الجواب عنها، فالأولى إسقاط هذه العبارة







إلى قوله: و امّا العقل، قد تقدم منّا كيفية التمسك بهذه الاخبار، فلا يلتبس عليك الأمر بما أفاده «قده» هاهنا.















قوله: و امّا العقلاء فلاستقلاله:















قد تقدم في طيّ الدليل العقلي على البراءة تقرير ثالث للدليل العقلي، و هو وجوب دفع الضرر المحتمل، بل الضرر المظنون عند مظنة







التكليف، و قد تكلّم الأستاذ هناك على هذا الدليل، و سيتكلم أيضا في ذيل التقرير الثاني من تقرير حكم العقل، و نحن قد بيّنا و سنبيّن







ما فيما أفاده، فلاحظ.















قوله: و قد انحلّ هاهنا:















اعلم: انّ العلم التفصيليّ الحاصل في مورد العلم الإجمالي























الصفحة 106







يكون على صور ثلاث:















الأول: أن يعلم تفصيلا بعين ما كان يعلمه إجمالا، كما إذا علم تفصيلا بتلك القطرة من الدم، الّذي كان يعلمها إجمالا.















الثاني: ان يعلم تفصيلا بغير ما كان يعلمه إجمالا، كما إذا علم بوقوع قطرة دم أخرى في إناء معيّن، في أطراف المعلوم بالإجمال وقوع







قطرة دم فيها.















الثالث: أن يعلم تفصيلا بما يحتمل أن يكون هو عين المعلوم بالإجمال، و يحتمل أن يكون غيره، و انّه لا إشكال في جميع الصور، فيما إذا







كان العلم التفصيليّ سابقا على العلم الإجمالي، يعني انّ العلم التفصيليّ يكون مانعا عن حصول العلم الإجمالي، فلا يحصل بعده إلاّ شك







بدويّ، كما انّه لا إشكال أيضا في انحلال العلم الإجمالي و زواله - العلم الإجمالي - موضوعا في جميع الصور الثلاث فيما إذا كان العلم







التفصيليّ لا حقا، انّما الإشكال في بقاء حكمه، أعن بقاء حكم العقل بالاحتياط و الاشتغال، و ان لم يبق العلم الإجمالي، لا إشكال. امّا في







الصورة الأولى فلا إشكال انّ العقل بعد الظفر تفصيلا على ما كان يعلمه إجمالا، لا يحكم بالاحتياط في ما عدى الطرف المعلوم تفصيلا،







بل يحكم عليها بحكم الشك البدوي، كما انّه لا ينبغي الإشكال في بقاء حكم العقل بالاحتياط و الخروج عن عهدة التكليف، الّذي كان







يعلمه إجمالا بتحصيل القطع التفصيليّ بالامتثال في الصورة الثانية، و يظهر من شيخ مشايخنا المرتضى «ره» في هذا المقام خلاف ذلك،







فانّه صرح بعدم الفرق في وقوع قذر في أحد الإناءين المعلوم نجاسة أحدهما بين أن يكون سابقا على العلم الإجمالي أو لا حقا في انّه لا







يجب الاحتياط عن الآخر. و أنت خبير بأنه















لو صحّ ذلك لأمكن حلّ العلم الإجمالي في غالب موارده بإيجاد علم تفصيلي بحكم جديد في بعض الأطراف، و هو باطل قطعا.















و الظاهر: انّ قيام الأمارة أو الأصل في بعض الأطراف على الحكم بناء على إنشاء الحكم به يكون من هذا القبيل، فانّ الحكم التفصيليّ







المنشأ بعنوان اخبار العدل أو أداء الأصل غير الحكم المعلوم بالإجمال الّذي موضوعه نفسه الواقع،























الصفحة 107







فلا يوجب هذا انحلال ذلك إلاّ مع نفي الأمارة. أو الأصل للحكم عن غير مورد قيامهما بأن يفيد ان للحصر، و انّ الحكم مختص بذاك







الطرف الّذي قاما، فتكون الحجة حينئذ حجتان: حجة على الإثبات، و أخرى على النفي. و بعد قيام الحجة في الطرفين لا يبقى مجال لحكم







العقل بالاحتياط.















بقي الكلام في حكم الصورة الثالثة، و هو: ان يعلم تفصيلا بما يحتمل انطباقه على المعلوم بالإجمال، و الظاهر انّ حكم هذه الصورة حكم







الصورة الثانية، و ان حكم العقل بالاحتياط لا يرتفع بذلك، و ان ذهب العلم الإجمالي، فان حكمه بالاحتياط لا يدور مدار العلم الإجمالي







حدوثا و استمرارا، بل يبقى، و إن ذهب العلم الإجمالي، كما يبقى في مورد ثبوت التكليف بالعلم التفصيليّ بعد زوال - العلم التفصيليّ،







فإذا علم تفصيلا بتوجه التكليف ثم شك في سقوطه وجب عقلا الاحتياط، فكذلك إذا علم إجمالا بتوجهه ثم شك في سقوطه.















و إن شئت، قلت: انّ الحكم العقل بالاحتياط عنوانان: أحدهما: إجمال التكليف و تردده بين الأطراف، و الآخر: الشك في سقوط التكليف







بعد العلم بثبوته. و فيما نحن فيه، حكمه بالاحتياط بالعنوان الأول يرتفع لزوال موضوعه و يبقى حاكما بالاحتياط بالعنوان الثاني.















و مما ذكرنا ظهر ما في جواب المصنف عمّا أورده على نفسه، بقوله: قلت انّما يضرّ السبق... إلخ. لما عرفت: انّ قيام الأصل أو الأمارة على







الحكم في بعض الأطراف من قبيل الصورة الثانية، و انّ الحكم المتوجه بهما حكم جديد بعنوان جديد، و هو لا يوجب انحلال العلم







الإجمالي به لحكم الأول، لا من قبيل الصورة الثالثة، و على تقدير كونه من الصورة الثالثة لم يكن يجدي أيضا، لما عرفت من اتحاد في







الصورتين بحسب الحكم، و انّ الواجب فيهما هو الاحتياط.















فتحصل: انّه لا سبيل إلى المناقشة في هذا الدليل من طريق الانحلال على الوجه المذكور.















نعم، يمكن المناقشة فيه بإنكار العلم الإجمالي بالتكاليف قبل قيام الطرق























الصفحة 108







و الأمارات و أداء الأصول، بل العلم الإجمالي حاصل بقيامها، فيختص بالأحكام التي تكون في مؤدياتها، فينحل بالظفر على مقدار







المعلوم بالإجمال في مؤدياتها، فانّه يكون من الصورة الأولى التي لا إشكال في الانحلال فيها، و سيشير إليه المصنف في آخر كلامه، و







دعوى انّ العلم بالأحكام حاصل من الإجماع و الضرورة، بلا دخل لقيام الأمارات في ذلك.















مدفوعة: بأنّ ما علم بالإجماع و الضرورة، علم بهما تفصيلا أيضا، و تلك هي الأحكام القطعية التي لا تحتاج إلى التعبد، و البقية معلومة







إجمالا بالاطلاع على قيام الأمارات إجمالا، ثمّ يعلم تفصيلا بالاطلاع على موارد الأمارات تفصيلا.















قوله: يكون عقلا بحكم الانحلال:















قيام الحجة في بعض الأطراف لا يوجب إلاّ تأكد الحجة القائمة في جميع الأطراف، و هو العلم، فيكون هناك حجتان: حجة عقلية عامة، و







أخرى شرعية خاصة، فيكون الحكم بالاحتياط في جانب الحجتين بملاكين: ملاك الحجة العقلية، و ملاك الحجة الشرعية، و هذا لا يوجب







رفع تأثير الحجة العقلية القائمة في الطرف الآخر حتى لا يجب الاحتياط فيه.















نعم، لو كان المعلوم بالإجمال في الأطراف على وجه الانحصار كانت حينئذ على الحكم في طرف حجة على عدم الحكم في الطرف







الآخر، و لم يجب الاحتياط، لمكان قيام الحجة في الجانبين. و امّا ما مثل به المصنف «ره» من العلم الإجمالي بحرمة إناء زيد. ففيه: انّه مع







انحصار إناء زيد في واحد، يكون من قبيل ما ذكرنا، و مع عدم الانحصار و احتمال كون كلا الإناءين لزيد، نمنع الانحلال بقيام البينة







على واحد معين منهما، انّه لزيد.















قوله: و لو لا ذلك لما كان يجدي:















أحدهما لا ربط له بالآخر حتّى يكون الانحلال على أحد التقديرين منوطا على انحلال على التقدير الآخر. و قد عرفت: عدم الانحلال على







كلا التقديرين، لكن عدم انحلال كلّ معلل بجهة غير جهة عدم انحلال الآخر.















قوله: من استقلال العقل بالحظر في الأفعال الضرورية:















لعلّ الوجه في حكمه























الصفحة 109







ذلك هو كون مباشرة الأفعال اقدام على التصرف فيما يرجع امره إلى الغير، فانّ العالم برمته للّه تبارك و تعالى، و لا يجوز لأحد







التصرف في شي‏ء منه إلاّ بإذنه تعالى، و فيه انّ العقل انّما يحكم بذلك بمناط انّ التصرف بغير إذن المالك مزاحمة لسلطان المالك، و







فيما نحن، المتصرف و ما تصرف فيه كله في قبضة اللّه تعالى، و أيّ عقل يحكم بأنّ الأثمار تبقى على أصولها حتّى تخيس و لا ينتفع بها







الآكلون.















نعم، لو سلّمنا حكم العقل هذا، لم يكن وجه للفرق بين المقام و بين ما قبل الشرع، فانّ مناط الحكم في المقامين واحدا، فان كان حكم







العقل في أحدهما هو الحظر، كان حكمه في الآخر أيضا ذلك، و إن كان حكمه في أحدهما الإباحة و قبح العقاب بلا بيان، كان حكمه في







الآخر أيضا هو ذلك.















قوله: لا وجه للاستدلال بما هو محل الخلاف:















لكن الاستدلال به يجدي في إلزام القائلين بالحظر في تلك المسألة بالقول به هنا، لما عرفت، من: اتحاد مناط الحكم فيهما منعا و جوازا.















قوله: و ثالثا: انّه لا يستلزم:















قد عرفت اتحاد طريق المسألتين و لا تختص إحداهما بأمر لا يجدي في الأخرى. و ما نقله المصنف في مقام الفرق بينهما بقوله: و ما قيل







من انّ الإقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه، كالإقدام على ما تعلم فيه المفسدة، مشترك بين المسألتين لا يختص بإحداهما.















قوله: ممنوع، و لو قيل:















قد تقدم انّا لا نعقل للمفسدة معنى غير الضرر، و على تقدير تعدادهما مشتركان في حكم العقل بوجوب دفع محتملهما و لا وجوبه، مع







انّ احتمال أن يكون ملاك الحكم في المشتبه هو الضرر، كاف في اندراجه تحت قاعدة دفع الضرر المحتمل، و دعوى ضعف الاحتمال







المذكور على إطلاقها، كاف في اندراجه تحت قاعدة دفع الضرر المحتمل و دعوى ضعف الاحتمال المذكور على إطلاقها، ضعيف، فربما







يكون قويا جديا، و عليه، فينبغي التفصيل بين موارد الشبهات، مع انّه لم يذهب إليه أحد.















قوله: مع انّ الضرر ليس دائما ممّا يجب التحرز عنه:















لكن لا يبعد دعوى وجوب























الصفحة 110







التحرز حتّى يعلم بالتدارك، و لا علم بالتدارك قبل قيام دليل شرعي على الإباحة.















قوله: فانه معه لا مجال لها أصلا، لوروده عليها:















تقدمه عليها يكون من جهتين: من جهة انّه في رتبة السبب، و الأصل في السبب عندهم مقدم على الأصل في المسبب.















و من جهة انّه استصحاب، الاستصحاب عندهم مقدم على أصالة البراءة، و لو في موضوع واحد. و تحقيق الكلام في التقدمين يطلب من







تنبيهات مسألة الاستصحاب.















قوله: فلا تجري مثلا أصالة الإباحة:















اعلم: انّ للتذكية أعمالا صورية من فري الأوداج و التسمية و الاستقبال، و كون آلة الذبح جديد أو الذابح مسلما، و خصوصية أخرى







معنوية قائمة بالحيوان. و لذا تقع هذه الأعمال بعينها في حيوان و لا تجدي شيئا، و ليس وجهه إلاّ فقد تلك الخصوصية، فالأعمال







بخصوصية كذا مؤثرة في الحل و الطهارة أو في الطهارة فقط، فإذا شككنا بالشبهة الحكمية في اعتبار فعل أو صفة، ككون الذابح







مسلما، أو في وجود الخصوصية في حيوان، أعني كون الحيوان حلال الأكل، أو شككنا بالشبهة الموضوعية في تحقق فعل من الأفعال







المعتبرة، أو في كون الحيوان ذلك الحيوان الحلال الأكل أو الآخر الحرام الأكل، كان استصحاب عدم التذكية، أعني عدم تلك الأفعال







بخصوصيتها موجبا لإدراج الحيوان في غير المذكى، المحكوم عليه بالحرمة. و لا يبقى مجال الرجوع إلى أصالة الإباحة، و العلم بتحقق







الأفعال جميعا عند الشك في وجود الخصوصية، لا يكون مانعا من الرجوع إلى الأصل في الأفعال، مقيدة بتلك الخصوصية، كما لا يمنع







العلم بتحقق الأفعال المعلوم دخلها من الرجوع إلى الأصل في مجموع ما هو الدخيل واقعا عند الشك في اعتبار فعل آخر مضافا إلى ما







علم، و يمكن أن يقال: انّ الشك إذا















كان في اشتمال الحيوان على تلك الخصوصية ثم قطع بتحقق سائر ما يعتبر في التذكية، لم يكن مجال الرجوع إلى أصالة عدم التذكية،







لأنّ تلك الخصوصية كسائر الخصوصيات المنبعثة عنها الأحكام، من قبيل مناط الحكم و علته، و ليست























الصفحة 111







في موضوعه، ليكون ترتب الحكم عليه ترتبا شرعيا، و يجري الأصل فيها نفيا و إثباتا، و لو بمعنى جريان الأصل في المركب المقيد بها،







فيقال: لم تكن الأفعال المقيدة بوقوعها في المحل القابل، واقعة حين لم يقع فعل، و هو إلى الآن و بعد وقوع جميع الأفعال غير واقع، و







لو لأجل عدم قيدها.















نعم، المأخوذ في موضوع الحكم، نفس الأفعال، فهذه الأفعال موضوع الحكم بالطهارة و الحلية في حيوان، لوجود مناط الحكم في ذلك







الحيوان، و ليس موضوعا للحكم في حيوان آخر، لعدم وجود مناطه فيه.















ثمّ انّ ما ذكرنا يسدّ باب الأصل الموضوعي، و امّا استصحاب حرمة أكل لحم الحيوان من حال حياته، بناء على حرمة أكل الحيوان حيّا، و







بناء على انّ الحياة و الممات حالان للموضوع لا يختلف بهما الموضوع، فهو جار، و لا يبقى معه مجال الرجوع إلى البراءة لتقدم







الاستصحاب عندهم على أصالة البراءة.















قوله: فأصالة الإباحة فيه محكمة:















لا فرق في جريان أصالة عدم التذكية بين المقام و الفرض السابق، فان صحّ جريانها هناك جرت هاهنا أيضا، و العلم بقبول الحيوان







للتذكية المؤثرة في الطهارة يجتمع مع الشك في قبوله للتذكية المؤثرة في الحل، فيجري أصالة عدم تلك التذكية الخاصة المؤثرة في







الحلّ و الطهارة جميعا، و إن علم بتحقق التذكية المؤثرة في الطهارة، فللتذكية مرتبتان: تذكية ذات أثر واحد، و أخرى ذات أثرين، و







كلتاهما عبارتان عن أفعال مخصوصة مع خصوصية في المحل، و اختلاف الأثرين منشأه اختلاف الخصوصيّتين، و إلاّ فأصل الأفعال







مشتركة بينهما، فكما إذا شككنا في اشتمال الحيوان على خصوصية، يوجب تأثير وقوع الأفعال عليها الحلّ و الطهارة، يرجع إلى أصالة







عدم التذكية، كذلك إذا شككنا في اشتماله على خصوصية، توجب تأثير الأفعال فيه الحلّ، مع العلم باشتماله على خصوصية، توجب







تأثيرها فيه الطهارة، يرجع إلى أصالة عدم التذكية، و العلم بوقوع التذكية عليه بالمعنى الأخير لا يمنع من الرجوع إلى أصالة عدم







التذكية بالمعنى الأوّل.























الصفحة 112







قوله: فهو قبل الجلل كان يطهر و يحلّ بالفري:















هذا هو الاستصحاب التعليقي المعارض عندي، حسب ما يأتي تحقيقه بالاستصحاب الآخر التنجيزي، و هو استصحاب الحرمة من حال







الحياة، و بعد التساقط يرجع إلى أصالة الحلّ. هذا ما في ما قرره من الاستصحاب بهذه العبارة، و امّا ما في ما قرره بعبارته السابقة،







أعني استصحاب القابلية، فقد عرفت و ستعرف في مبحث الاستصحاب التعليقي: انّه لا أثر لها.















قوله: لا شبهة في حسن الاحتياط شرعا و عقلا:















حسن الاحتياط عقلا بعد قيام الدليل النقلي على الإباحة شرعا ممنوع، فانه بعد ترخيص الشارع في الفعل و حكمه بإباحته المستلزم







لسقوط الواقع عن فعليته لا يبقى ملاك الحكم الواقعي، بل بمزاحمة ملاك الإباحة التي هي مؤدى الأصل يضمحل، كما في كلّ ملاك ابتلي







بملاك آخر أقوى منه.















قوله: كما لا ينبغي الارتياب في استحقاق الثواب:















أعني ثواب الانقياد في صورة الخطأ و ثواب الواقع، بل و الانقياد أيضا في صورة الإصابة.















قوله: عند دوران الأمر بين الوجوب و غير الاستحباب:















بل و عند دوران الأمر بين الوجوب و الاستحباب، بناء على عدم كفاية قصد مطلق الطلب و اعتبار قصد الوجه، فانّ المولى حيث يوجب،







يقصد ان يأتي المكلف بالفعل بداعي إيجابه، و حيث يندب، غرضه ان ينبعث المكلف إلى الفعل بندبه، و لا يعقل أن يكون غرض المولى







في كلّ من الإيجاب و الندب إتيان المكلف بالفعل بداعي مطلق الرجحان، ثمّ انّ محصل الإشكال في المسألة هو انّ معنى الاحتياط







المرغب إليه شرعا و عقلا هو الإتيان بما يحتمل مطابقته للواقع، و يحتمل كونه صحيحا مطابقا لغرض المولى، و هذا لا يعقل فيما اعتبر







إتيانه بداعي امتثال الأمر على أن يكون العلم بالأمر محركا للعبد نحو العمل، فانّ هذا لا يكون مع الشك في الأمر الّذي هو مورد







الاحتياط، فلا يحتمل مطابقة ما أتى به لا بداعي العلم بالأمر للواقع، سواء كان اعتبار قصد امتثال الأمر قيدا مأخوذا في المأمور به أو







دخيلا في حصول الغرض























الصفحة 113







عقلا، فلا يجدي في التخلّص عن الإشكال إخراج قصد الأمر عن حيّز الأمر مع اعتباره في دخله حصول الغرض، فانّه مع الإتيان لا بداعي







العلم بالأمر يقطع بعدم مطابقة العمل لغرض المولى، فيكون إتيانه لغوا عبثا، و الّذي يجدي في دفع الإشكال هو تعميم قصد القربة لما







يشمل الإتيان بداعي احتمال الأمر أو بداعي حسن الفعل أو بداعي مصلحته، سواء كان كلّ ذلك معتبرا في المأمور به أو في حصول







الغرض عقلا. و من ذلك يظهر ما في ما أفاده حضرة الأستاذ العلامة، حيث بنى الإشكال في المسألة على دخول قصد القربة في المأمور







به، فلا يكون إشكال على مختاره من الخروج.















و يظهر أيضا أن الأمر المتوجه إلى عنوان الاحتياط، سواء استفيد ذلك من الأدلة النقليّة أو من حكم العقل بالثواب انّا أو من حكمه بحسن







الاحتياط لمّا لا يجدي في تصور الاحتياط على أن يقصد المحتاط هذا الأمر، فان هذا الأمر يتبع متعلّقه، ففي مورد لا يكون متعلقه معقولا







لا يكون أمر، فكيف معقولية المتعلق يكون بهذا الأمر، و هل هذا إلاّ الدور؟ فالصواب في دفع الإشكال: التمسك باخبار من بلغ و قبل







الخوض في تقريب الاستدلال. نقول: انّ الثواب في الواجبات و المستحبات، حتّى التوصلية منها، متوقف على إتيان العمل بقصد الامتثال،







فيكون معتبرا في موضوع الثواب في مطلق المطلوبات، ما هو معتبر في خصوص الصحة في العبادات.















و عليه: فإشكال الاحتياط في العبادات يعمّ بالنسبة إلى استحقاق الثواب، مطلق الواجبات و المستحبات، يعني لا يتأتى للشخص تحصيل







الثواب الموجود مع الشك في الأمر، لعدم تأتّي قصد الامتثال حينئذ.















إذا عرفت ذلك، فنقول: ظاهر اخبار من بلغ، هو انّ ترتب الثواب على العمل برجاء الثواب و رجاء الواقع ثابت على وجه الاستحقاق، على







تقدير، و على وجه التفضل، على آخر. فامّا تقدير الاستحقاق فهو تقدير مطابقة العمل للواقع، و امّا تقدير التفضل فهو تقدير لا مطابقة،







فإذا تأتّى الإتيان بموضوع استحقاق الثواب مع























الصفحة 114







الشك في الأمر، تأتى الإتيان بموضوع الصحة في العبادات مع الشك في الأمر، لأنّ الثواب متفرع على العمل المأتي به على وجه العبادة،







فمن ترتب الثواب يعلم انّ العمل المأتي به بداعي احتمال الأمر واقع على وجه العبادة، و انّه لا يعتبر في العمل العبادي إتيانه بداعي







الجزم بالأمر، بل يكفي إتيانه برجاء الأمر و الثواب.















قوله «ره»: غاية الأمر، انّه لا بدّ أن يؤتى به على نحو:















يظهر من العبارة انّ الأمر الواقعي بواقعيته يكون هو الداعي، فيما إذا أتى بداعي احتمال الأمر، ثمّ ظهر ثبوت الأمر واقعا، فيكون العمل







مأتيا به على وجه التقرب بأمره الواقعي، و هو فاسد، فانّ الداعي على العمل امّا هو العلم بالأمر أو احتماله، و امّا الأمر الواقع بما هو، فلا







يعقل أن يكون داعيا محرّكا نحو العمل، حتّى يقال: انّه على تقدير الأمر به واقعا، يقع الفعل مقربا.















قوله: لمّا كان من الاحتياط:















بل كان من الاحتياط بالنسبة إلى الواقع المشكوك و إن لم يكن منه بما هو مأمور به بهذا الأمر، كسائر ما تعلق به الأمر بعنوان قيام







الأمارة أو أداء أصل هذا، مع انّ المقصود تصحيح الأعمال المشكوك تعلق الأمر الواقعي العبادي بها، مقابل وقوعه باطلا، و لو كان هذا







الشك موجبا لتعلق أمر بعنوان من العناوين بها، و لا غرض بالخصوص متعلق بتصحيحه بعنوان الاحتياط، حتّى يقال: يخرج بعد فرض







تعلق الأمر بها عن عنوان الاحتياط.















فظهر انّه لو قيل بدلالة اخبار من بلغ على استحباب العمل البالغ عليه الثواب، كفى في ثبوت المقصود، مضافا إلى ما تقدّم من تقريب







الاستدلال بهذه الاخبار على المقصود بطريق مخصوص. فراجع.















قوله: لكان توصليا:















التوصلية غير ضار في إثبات المقصود، و هو التمكن من الاحتياط بقصد هذا الأمر، فان قصد التعبد بالأمر التوصلي بمكان من الإمكان.















نعم، لا يعتبر في سقوطه ذلك، و ليس المقصود في المقام إثبات أمر عبادي.















قوله: ظاهرة في انّ الأجر كان مترتبا على نفس العمل:















ظهورها في ترتب الثواب على نفس العمل ممنوع، بل ظاهرة في ترتبه على العمل المأتي به برجاء الثواب، كما























الصفحة 115







هو قضية الفاء التفريعية في قوله «فعمله» فتطابق الصحيحة باقي الاخبار المصرحة بذلك، و دعوى انّ ثواب الانقياد لا يلزم أن يكون هو







الثواب البالغ بعينه، مع انّ ظاهر الصحيحة ترتب الثواب البالغ بعينه. مدفوعة: بأنّ تعيين ذلك المقدار لعله يكون تفضلا من اللّه تعالى.















قوله: بداهة انّ الداعي إلى العمل لا يوجب له وجها:















اعلم: ان هناك احتمالات ثلاث: كون الثواب على نفس العمل، كسائر المستحبات، و كونه على الانقياد و القصد، و كونه على العمل،







بعنوان الاحتياط، و المدعى هو الأول، فيلزم إبطال الأخيرين ليتعين به ذلك، فأبطل كونه على القصد، بظهور الصحيحة، في كون الثواب







على نفس العمل، و أبطل كونه على العمل، بعنوان الاحتياط، لا على نفس العمل بهذه العبارة. و حاصلها: انّ عنوان الاحتياط عنوان مترتب







على الداعي الخاصّ، أعني قصد إتيان الفعل برجاء الثواب، و العنوان المترتب على الداعي، و القصد لا يكون مقصودا لأن العنوان المتعلق







به القصد لا بدّ أن يكون سابقا على القصد، و هذا لا حق، فإذا لم يكن مقصودا لم يكن يعقل ترتب الثواب عليه، لأنّ الثواب لا يكون على







أمر غير مقصود، فلا بدّ أن يكون الثواب على ذات العمل المتعلق به القصد، و هذا هو المقصود، و لا يخفى ما فيه. فانّ الثواب على جرم







العمل و ذاته مما لا يكون حتّى في سائر المستحبات، بل لا بدّ في استحقاق الثواب وقوع الفعل بعنوان الامتثال، و ظاهر هذه الاخبار،







حتّى الصحيحة، كفاية الإتيان على وجه الرجاء و احتمال الواقع في ترتب الثواب و عدم اعتبار القصد إلى الامتثال















الجزمي، و هذا لا يقتضي استحباب العمل البالغ عليه الثواب، فلعل الثواب من جهة كون الفعل انقياد، كما هو الظاهر الّذي لا يبقى فيه







الريب بعد التأمّل في الاخبار، و مع ذلك فالفتوى باستحباب العمل يكون بلا مدرك.















نعم، ظاهر قوله عليه السلام: «أوتيه و إن لم يكن الأمر كما بلغه» يعطي انّ إيتاء الثواب في صورة الخطأ من باب التفضل، و هذا ممّا يدلّ







على انّ الثواب على نفس العمل، و إلاّ فثواب الانقياد ليس من باب التفضل، و فيه: انّ الثواب على نفس























الصفحة 116







العمل أيضا على تقدير الاستحباب لا يكون من باب التفضل.















قوله: في زمان أو مكان:















أو مطلقا و بلا تقييد بقيد.















قوله: و لو بالأصل:















و لو كان ذلك الأصل أصالة البراءة، فان قضية كلّ شي‏ء حال في الفرد المشتبه هو جواز الارتكاب، و إن كان العقل حاكما بالاحتياط







لولاه، للشك في حصول براءة الذّمّة عن التكليف المتوجه إلى الطبيعة لولاه، إن قلت: الطبيعة مما قد علمنا حرمتها، فيجب الخروج عن







عهدة النهي المتوجه إليها.















قلت: نعم، و لكن الإتيان بالافراد المشتبهة انّما هو بضمّ حكم العقل، و لا حكم للعقل بعد ترخيص الشارع.















و بالجملة: لا حاجة إلى الاستصحاب الموضوعي كما أفاده حضرة الأستاذ، بل قضية أصالة البراءة هو جواز ارتكاب الافراد المشتبهة







مطلقا، سواء توجه النهي إلى الطبقة أو إلى الأفراد و سواء كان تعلقه بالأفراد على سبيل الاستغراق أو على سبيل العموم المجموعي، كما







إذا كان مجموع التروك مطلوبا واحدا للمولى، ثمّ علم بفردية طائفة و ان تروكها تروك للطبيعة و شكّ في فردية طائفة أخرى. نعم،







جريان البراءة في هذا الأخير مبني على القول بالبراءة في الأقل و الأكثر. ثمّ لو قلنا بالحاجة إلى الأصل الموضوعي، فلا ريب انّ الأصل







الموضوعي دائما موجود لسبق حال الشك دائما بالترك، إلاّ انّه لو كان مسبوقا بالفعل لكان النهي ساقطا بسبب ذلك الفعل، و لم يبق







شك في سقوط النهي.















قوله: إلاّ انّ قضية لزوم إحراز الترك:















قد عرفت: انّ لزوم إحراز الترك حكم العقل، و لا مساغ للعقل مع ترخيص الشارع في الفعل.















قوله: عقلا و نقلا:















امّا عقلا فواضح، و امّا نقلا فلظاهر الأمر به في الاخبار، بلا داعي يدعو إلى حمله على الإرشاد، و اشتمال بعض الاخبار على التعليلات







العقلية لا يكون صارفا لظهورها، فانّ الأحكام الشرعية تنبعث عن المناطات العقلية، كانبعاث الأحكام العقلية عنها.















نعم، فيما لا يمكن حمل الأمر على حقيقته، كأوامر الإطاعة يتعين فيه الحمل على الإرشاد.























الصفحة 117







قوله: و لا يخفى انّه مطلقا كذلك حتّى فيما كان هناك حجة:















إطلاق حسن الاحتياط عقلا مع قيام الحجة على عدم الإلزام بناء على جعل الحكم في مورد الأمارات، كما في الأصول، دون مجرد جعل







الحجية ممنوع، سواء سلكنا مسلك السببية و حدوث المصلحة على وفق ما قامت عليه الأمارة، أو اخترنا مسلك الطريقية. امّا على الأوّل







فواضح، فانّ مناط الواقع بمزاحمة ما حدث بقيام الأمارة من المناط صار كأن لم يكن، و مع ذلك فما معنى الاحتياط؟ و امّا على الثاني:







فلأنّ الشارع إذا أباح ما إباحته الأمارة، و لو على وجه الطريقية، في الفعل ملاك الإباحة البتة، كائنا ما كان هذا الملاك، و معه: أي معنى







يبقى للاحتياط، و هل فرق بين هذا المباح و المباحات الواقعية؟ بل أقول: حتّى على مسلك جعل الحجية، لا معنى للاحتياط، فانّ الشارع







برأفته على عباده إذا نصب لهم حجة، لكي لا يقعوا في ضيق تحصيل الواقع، كان تتبع وراء ذلك الطريق، من التضييق على النّفس، الّذي







ربّما لا يرضى الشارع به، و إن أدركوا به مصالح الواقعيات لا انّ كونهم في وسع، أحبّ إليه من درك تلك المصالح، و في الحديث «لعن







اللّه الخوارج بتضييقهم على أنفسهم» و «انّ الدين أوسع من ذلك».















إن قلت: هذا بالنسبة إلى حكم العقل، و امّا الأدلة النقليّة الدالة على حسن الاحتياط فلا مانع من شمول إطلاقها لموارد قيام الحجة.















قلت: عنوان الأدلة النقليّة هو الاحتياط في الدين، سواء وقع التصريح بهذا العنوان فيها أو لم يقع، و ما قامت عليه الحجة هو الدين، و الأخذ







به أخذ بحقيقة الدين، لم يفت منه شي‏ء من الدين.















قوله: ترجيح بعض الاحتياطات احتمالا أو محتملا:















فيختار للاحتياط موارد قوة احتمال التكليف فيها، بلغ مرتبة المظنة أو لا على موارد ضعف احتماله، و كذلك موارد احتمال التكليف







المهمة على موارد احتمال التكاليف الغير المهمة، و مع الدوران بين رعاية قوة الاحتمال و قوة المحتمل يتخير.















ثمّ انّه بقي أمر لم يشر إليه المصنف الأستاذ «ره» و هو: انّه لا فرق في جريان























الصفحة 118







البراءة بين أن يكون التكليف المحتمل تعيينيا أو تخييريا، و أيضا بين أن يكون عينيّا أو كفائيا، فلو شك في وجوب شيئين تخييرا أو







أباحتا أو وجوب شي‏ء كفاية على جماعة أو إباحته لهم، فأدلّة البراءة عقلا و نقلا تقتضي الإباحة في المقامين، و لو علم بوجوب شيئين أو







أشياء و شك في التعيينية و التخييرية، كالكفارة المرددة بين كفارة الجمع و كفارة التخيير، أو علم بوجوب شي‏ء على جماعة و شك انّه







على سبيل الكفاية، حتى يسقط بفعل أحدهم، أو على سبيل العينية فالاستصحاب يقتضي التعييني العيني، فانّه يشك في سقوط الوجوب







عن أحد الأشياء أو عن أحد المكلّفين بفعل الآخر أو بإتيان واحد، و الأصل البقاء على صفة الوجوب و ذلك كاف، في إلزام العقل بلا حاجة







إلى إثبات حدّ الوجوب من التعيينية العينية، و دعوى انّ البراءة جارية تنفي حدّي التعينية و العينية، لأنّه كلفة زائدة على أصل الوجوب، بل







يمكن أن يقال: انّ بيان العقاب لم يتم في الأول إلاّ بالنسبة إلى ترك الفعلين معا، كما انّه لم يتم في الثاني إلاّ بالنسبة إلى ترك جميع







المكلفين. و امّا بالنسبة إلى ترك أحد الفعلين أو بعض المكلفين فلم يبين عقاب. و الأصل يقتضي البراءة.















مدفوعة: بأنّ الاستصحاب بيان قاطع لأصالة البراءة و من هنا يظهر حكم صورة أخرى، و هي ما إذا علم بوجوب أحد شيئين أو أشياء و







شك في انّه عيني أو تخييري بينه و بين الشي‏ء الآخر فيكون الشك في وجوب الشي‏ء الآخر تخييرا أو علم وجوب شي‏ء على شخص و شك







في انّه واجب عيني كصلاة الميت على الولي أو كفائي بينه و بين غيره من المكلفين، و انّ الأصل البراءة عن وجوب ما شك في وجوبه أو







الوجوب على من شكّ في وجوبه عليه. و نتيجة هذا الأصل أيضا تطابق الوجوب التعييني العيني، بل مقتضى استصحاب وجوب ما علم







وجوبه أو الوجوب على من علم وجوبه عليه، و عدم سقوطه بفعل محتمل الوجوب أيضا، هو ذلك.















قوله: أو مع الحكم عليه بالإباحة شرعا:















لا يقال: هذا هو عين الوجه الأول، أعني البراءة عقلا و نقلا، فان التخيير بين الفعل و الترك عقلا هو البراءة العقلية، فإذا























الصفحة 119







انضمّ إلى الحكم بالإباحة شرعا صار الحكم هو البراءة عقلا و نقلا، و هو الوجه الأول، فانّه يقال: التخيير بين الفعل و الترك ليس بمناط







قبح العقاب بلا بيان لما سيجي‏ء من عدم قصور البيان، فانّ البيان يشمل البيان الإجمالي، و هو هنا حاصل، بل البيان بالنسبة إلى جنس







الإلزام تفصيلي، بل بمناط عدم الترجيح بينهما و بطلانه بلا مرجح.















و الحق في المسألة هو البراءة عقلا فقط عكس ما اختاره المصنف «ره»، فانّ موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان هو عدم البيان







المحرك نحو الفعل أو الترك المصحح للعقاب و هذا العدم هنا حاصل فانّ البيان الإجمالي المردد بين الإيجاب و التحريم لا يكون







محركا نحو شي‏ء منهما في حكم العقل، فلا يكون مجوزا للعقاب، فيكون وجوده كعدمه، و يكون العقل على حكمه الأصلي من قبح العقاب







بلا بيان، و إن ضايقت من ذلك قلنا: للعقل حكم آخر بقبح العقاب، و ذلك في موضوع البيان الإجمالي للإلزام، بل العقاب على خصوص







كلّ من الفعل أو الترك مستندا إلى هذا البيان الإجمالي أقبح من العقاب معترفا بعدم البيان رأسا، و امّا أدلّة البراءة النقليّة فموضوعها أو







منصرفها ما لم يعلم فيه بإلزام امّا بالفعل أو الترك، و هنا قد علم فيه ذلك، فظهر انّ أصالة التخيير، أعني كون الحكم عند دوران الأمر







بين وجوب شي‏ء و حرمته، هو ما اختاره المكلف لنفسه منهما باطل لم يقم عليه دليل، بل الدليل قائم على البراءة مضافا إلى انّه غير







معقول، فانّ الإيجاب و التحريم من فعل الغير، و هو الشارع، فكيف يتعلق به اختيار المكلف، مضافا إلى أن تبعية الاختيار ينافي حقيقة







التكليف، الّذي هو القهر و الإكراه، إلاّ أن يقال: انّ جنس















الإلزام يكون بالقهر، و إن كان كلّ من حديه بالاختيار، هذا مع انّه يحتاج إلى تكليف آخر باختيار أحد الحكمين في حق نفسه و إلاّ فله







أن لا يختار شيئا منهما، فلا يكون في حقّه شي‏ء من الحكمين، بل لو التزمنا بهذا التكليف أيضا كان في صورة عصيان واحد لهذا







التكليف، لعدم توجه التكليف إيجابا، و تحريما بالنسبة إلى الواقع لفرض عدم اختياره.























الصفحة 120







و امّا التخيير بين الروايتين فليس معناه انّ ما يختاره المكلّف للحجية فيهما يكون هو الحجة، ليكون نظير المقام في عدم المعقولية، بل







معناه ان ما يختاره للعمل يكون هو الحجة، و ليس يمكن نظيره في المقام بأن يقال: انّ ما يختاره المكلف من الفعل و الترك يكون هو







المتعين في حقّه، فيجب باختياره للفعل و يحرم باختياره للترك، فانّ ذلك غير معقول إذ الاختيار علة لحصول الامتثال في الخارج،







المتأخر عن الحكم، فكيف يصير علّة للحكم أيضا المستلزم لا أن يكون الحكم و امتثاله في مرتبة واحدة معلولان للاختيار















قوله: و شمول مثل كلّ شي‏ء لك حلال:















فيه منع الشمول، فانّ منصرف الرواية هو حلّ محتمل الحلّ و الحرمة، و المراد من الحلّ في الموردين هو بالمعنى الأخص دون الحلّ







المجامع للوجوب، فيكون مفاد الرواية إباحة محتمل الإباحة و الحرمة. و المصنف أخذ بالظهور الأول و أنكر ما ادعيناه من الانصراف، و







لكن الناظر في الاخبار يكاد يقطع بأنه ليس في شي‏ء منها التعرض لحكم المقام.















قوله: و أين ذلك ممّا إذا لم يكن المطلوب:















العبارة لا تخلو عن تشابه، و المقصود، هو إبداء الفارق بين المقام و بين تعارض الخبرين باشتمال كلّ من الخبرين على شرائط الحجية







و مناط الطريقية، غاية الأمر، التعارض عن الأخذ بهما بخلاف المقام الّذي لا مقتضى إلاّ في جانب أحد الحكمين، فلا يكون التخيير هناك







مستلزما للتخيير هنا، لاختلاف الموضوع.















قوله: و لا مجال هاهنا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان:















قد عرفت: انّ له مجال واسع و انّ المراد بالبيان فيهما هو البيان المصحح للعقاب و ليس البيان الإجمالي، و إن كان بيانا مصححا







للعقاب، مع انّا لو سلّمنا عدم المجال لهذه القاعدة هاهنا فلا ينبغي أن يرتاب انّ العقاب في المقام أيضا قبيح، بل أقبح من موارد عدم







البيان رأسا، فانّ الاستناد في العقاب على خصوص الفعل أو على خصوص الترك على بيان جنس الإلزام بالأعم من الوجوب و







الاستحباب أقبح من العقاب بلا بيان أصلا.















قوله: و الموافقة الاحتمالية حاصلة:















قد بيّنا في محلّه انّ التكليف بشي‏ء























الصفحة 121







موافقة المكلّف إيّاه احتمالا باطل، فانّ التكليف ان ثبت وجب موافقته قطعا، كما انّه إن لم يمكن موافقته قطعا لم يثبت التكليف، بل كان







ساقطا رأسا. و حضرة الأستاذ «ره» معترف بأن مقتضى القاعدة ذلك، ما لم يقم دليل خارجي من إجماع و نحوه على لزوم الموافقة







الاحتمالية، الكاشف ذلك الدليل عن انّ التكليف منجّز في بعض احتمالاته، فهو على مبناه مطالب بالدليل على التخيير بين الفعل و







الترك، و هو فإن لم يكن له ثمر في التوصليين، لكن له ثمرة في التعبديين أو التعبدي أحدهما، و قد استدلّ على ذلك ببطلان الترجيح







بلا مرجح. و لا يخفى انّ هذا الدليل انّما يجدي في قبال من يرجّح واحد من الفعل و الترك على صاحبه، و امّا على ما اخترناه من الإباحة







عقلا فلا أثر لهذا الاستدلال.















قوله: إذا كان كذلك هو التخيير عقلا:















بل الحكم فيهما على حذو التوصليين هو الإباحة و جواز ترك كليهما، و لا أثر لهذا العلم الإجمالي، و في الحقيقة لا علم إجمالي بتكليف







فعلي لعدم معقولية إلزام فعلي مردد بين الإيجاب و التحريم، فانّ الإلزام المذكور إذا لم يكن مؤثرا عقلا في تحريك العبد نحو جانب







كان إلزامه محالا من المولى الحكيم، لكونه لغوا. و قد عرفت: انّ التكليف بالواقع لغرض موافقته احتمالا، باطل.















قوله: بالنسبة إلى ما هو المهم في المقام:















فانّ المهم في المقام تعيين حكم ما تزاحم فيه احتمال حكمين إلزاميين من غير مدخلية، لعدم إمكان المخالفة القطعية و إمكانها. نعم، انّما







يجدي ذلك في عدم جواز إجراء البراءة الشرعية من الحكمين، لاستلزامه المخالفة العملية في هذا المقام على خلاف المقام السابق، لكن







قد عرفت: انّ البراءة العقلية جارية في المقام على حذو المقام السابق.















قوله: و لا يذهب عليك انّ استقلال العقل بالتخيير:















لكن على ما اخترناه من حكم العقل بالإباحة لا فرق بين كون أحد المحتملين مقطوع الأهمية فضلا عن محتمل الأهمية و بين غيره، فانّ







العقل حاكم بقبح العقاب في جميع الموارد، كما يحكم بقبحه في الشك البدوي كذلك، إلاّ إذا علم باهتمام الشارع بمثابة أوجب























الصفحة 122







الاحتياط في الشك البدوي.















قوله: و كذا وجب ترجيح احتمال ذي المزية:















الترتيب الطبيعي يقتضي تقديم هذا في الذّكر على سابقه، فانّ مزية أحد المحتملين هنا قطعي و هناك محتمل، فكان أصل الحكم محتملا







و مزيته محتمل آخر، فإذا كان الترجيح ثابتا هناك كان ثابتا هنا بطريق أولى.















فصل: لو شكّ في المكلّف به مع العلم بالتكليف من الإيجاب أو التحريم















قوله: لو شكّ في المكلّف به مع العلم بالتكليف من الإيجاب أو التحريم:















و كذا الجهل بكل من الإيجاب و التحريم مع العلم بجنس الالتزام، لكن مع إمكان الاحتياط، كما إذا علم إجمالا بالإلزام المتعلق بأحد







الفعلين، لكن لم يعلم انّه وجوب متعلق بهذا أو تحريم متعلق بذاك، فيجب فعل هذا و ترك ذاك، امّا إذا لم يعلم الوجوب و التحريم على كلّ







تقدير المتعلق هو هذا أو ذاك، كان ذلك من دوران الأمر بين المحذورين، الداخل في موضوع البحث المتقدم، فانّ كلاّ من الفعلين يكون







مرددا بين الواجب و الحرام.















قوله: فلا محيص عن تنجزه و صحّة العقوبة:















لكنّ للمولى جعل الأصل في بعض الأطراف بان يحتال ابتداء في حلّ العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي و شك بدوي، ثمّ يرخص في جانب







الشك البدوي و حيلته هو ان يوجب الاجتناب عن بعض الأطراف بعنوان قيام أمارة أو أداء أصل إلى الاجتناب عن ذلك الطرف، فيكون







هذا الطرف معلوم الاجتناب بالعلم التفصيليّ و الآخر مشكوكا بالشك البدوي.















نعم، حكم العلم الإجمالي لا يزول بهذا الانحلال بل وجب الاحتياط عقلا لكن يمكن الترخيص في مورده شرعا، و لا يكون مثل ما قبل







الانحلال في مناقضة الترخيص لما علم من الحكم، فظهر انّ العلم الإجمالي و إن كان علّة تامّة في التنجيز كالعلم التفصيليّ، لكن يمتاز







عنه بإمكان الترخيص في بعض أطراف العلم بعد إخراجه عن الطرفية للعلم.























الصفحة 123







قوله: مخصصا عقلا لأجل مناقضتها معه:















هذا إذا كان العلم الإجمالي المتعلق بالحكم في الأطراف حكما وجدانيا، امّا إذا كانت الحجة قائمة على الحكم في بعض الأطراف كان







عموم تلك الحجة أو عموم دليل حجية تلك الحجة معارضا بدليل الأصل في كلّ واحد من الأطراف، مثلا عموم دليل صدق العادل و شموله







لاخبار العادل بحرمة أحد شيئين يكون معارضا بعموم دليل كلّ شي‏ء حلال و شموله لذينك الشيئين، بل دليل كلّ شي‏ء حلال يكون







شارحا مبيّنا لاختصاص حرمة المحرمات بصورة العلم التفصيليّ، و ليس هذا من معارضة الدليل بالأصل، بل تقديم الأصل عليه، فانّ







موردهما مختلف و الدليل مقدم على الأصل إذا تواردا على موضوع واحد، و لذا لو كان بدل الدليل علم وجداني لم يرتفع به موضوع







الأصل، و كان الشك محفوظا في الأطراف، لا يقال: تقييد أدلّة المحرمات بصورة العلم التفصيليّ مستلزم للدور المحال، فانّه يقال: امّا







الشبهات الموضوعية المشوبة بالعلم، مثل العلم الإجمالي بخمرية أحد الإناءين أو نجاسة أحد الثوبين، فلا إشكال في تقييد دليل الحرمة و







النجاسة فيها بالخمر و النجس المعلومين بالتفصيل، لأن متعلق العلم فيها هو الموضوع دون الحكم، و امّا الشبهات الحكمية فان كان







الحكم















المعلوم بالإجمال ممّا قامت عليه الحجة، كخبر العدل و ظهور الكتاب، فيقيد حجيتهما بما إذا أفادت تفصيلا حرمة شي‏ء، فتخرج الحجة







الإجمالية عن الحجية.















قوله: و لو كان بحيث لو علم تفصيلا لوجب امتثاله:















يعني لو علم تلك المرتبة الغير تامة الفعلية لبلغت إلى تمام الفعلية و صارت إرادة و كراهة بسبب تعلق العلم، و لا مانع من أن يكون للعلم







تأثير كذلك. و قد تقدّم إمكان أخذ القطع بمرتبة من الحكم في موضوع مرتبة أخرى منه. و غرض المصنف من هذه العبارة رفع التهافت







بين إجراء الأصل في الأطراف في مورد العلم الإجمالي و إيجاب الامتثال، و الحكم تنجيز الواقع في مورد العلم التفصيليّ، فانّه ربما







يخطر بالبال في بادي النّظر: انّ الحكم المتعلق للعلم إن كان حكما فعليا بالغا إلى مرتبة البعث لم يكن فرق بين العلمين في تنجيز الواقع







و عدم جريان الأصل، و إن لم يكن فعليا كذلك لم يكن أيضا























الصفحة 124







فرق بين العلمين في عدم وجوب الامتثال و تنجيز الواقع، فما وجه التفكيك؟ فأفاد «قده» إلى إمكان أن يكون متعلق العلم في المقامين







حكما غير تام الفعلية، و مع ذلك يجب الامتثال و يتنجز الواقع في مورد العلم التفصيليّ بتأثير من العلم في فعليته، و إلاّ فالعلم التفصيليّ







بحكم غير فعلي كالعلم الإجمالي به في عدم إيجاب التنجيز، و يتجه على المصنف «ره» بأنّ التنجيز لا محيص له من علم يتعلق بحكم







فعلي، فلو كانت فعلية الحكم بالعلم فلا بدّ من علم آخر يتعلق بما صار فعليا بالعلم الأول ليكون هذا العلم الثاني منجزا له، و إلاّ فيمكن أن







يبلغ الحكم مرتبة الفعلية التامة بالعلم الأول و لا يبلغ مرتبة التنجّز، لعدم العلم بأنّ العلم الأول أثر في وصوله إلى مرتبة الفعلية، حتّى







يكون الحكم الفعلي قد تعلق به العلم، و ما لم يكن كذلك لا يعقل التنجز، مع انّه في موارد تعلق العلم بالأحكام ليس إلاّ علم واحد، و هو







الّذي ينجز الأحكام، فيعلم انّ متعلقه هو حكم فعلي تام، و عليه، فلو كان بدل هذا العلم التفصيليّ علم إجمالي، وجب الحكم بالتنجيز و







عدم جريان الأصل في الأطراف.















قوله: لا محالة يصير فعليا معه من جميع الجهات:















لا ضرورة تستدعي ذلك، لإمكان دخل العلم بمرتبة خاصة أو عن سبب مخصوص في التأثر في فعلية الحكم المتعلق به، فلا يكون كلّ علم







مؤثرا في الفعلية، فصحّ جعل الحكم الظاهري في مورد العلم التفصيليّ، كما صحّ جعله في مورد العلم الإجمالي، و إن كان في تسمية ذلك







كلّه حكما ظاهريا، نظر، فانّ الحكم الظاهري عندهم هو الحكم المجعول بعنوان الجهل بالحكم الواقعي، و ظاهرهم الجهل بالحكم







الواقعي الفعلي على تقدير وجوده، و الحكم الفعلي في الموارد المفروضة مقطوع الارتفاع، فكان هذا أولى بتسميته حكما واقعيا ثانويا،







كالحكم المنشأ بعنوان الاضطرار.















قوله: و لو كانت أطرافه غير محصورة:















الظاهر: انّ العلم الإجمالي في أطراف غير محصورة الأثر له في تنجيز العلم، فانّه لضعف الاحتمال فيه صار بحيث لا يعتد به العقلاء و لا







يكون مؤثرا في انبعاثهم، فانّ من المشاهد بالوجدان انّ أعزّ الأشياء التي























الصفحة 125







هي النّفس إذا علم ذهابها بركوب سفينة من سفن العراق أو شرب إناء من الأواني الموجودة في البلد، لم يعتني به العقلاء في اجتناب







ركوب كلّ تلك السفن أو شرب كلّ تلك الأواني، بل يسفهون من اجتنب، و لو ارتكب و وقع في المحذور لم يكن ملوما عندهم، و هذا







شاهد على أنه لا تأثير لهذا العلم، و إن تعلق بتكليف فعلي.















نعم، مع هذا الوصف لا يعقل من المولى الحكيم التكليف الفعلي مقتصرا على البيان الإجمالي في أطراف غير محصورة، فانّ البيان إذا لم







يكن باعثا لم يكن يعقل ان يصير مقدمة أمرية رتبها المولى للتوصل إلى حصول مقصوده في الخارج، كما بينّاه في المبحث السابق.















و بالنتيجة: لم يعقل علم إجمالي بتكليف فعلي من المولى الحكيم في أطراف غير محصورة، فظهر الفرق بين كلّ واحد من العلم التفصيليّ







و العلم الإجمالي في أطراف محصورة، و العلم الإجمالي في أطراف غير محصورة و بين صاحبه، و إن الأول منجّز للتكليف بلا مجال







للترخيص، و الثاني منجز للتكليف مع إمكان الترخيص في بعض الأطراف بالطريق المتقدم، و الثالث غير منجز للتكليف رأسا.















قوله: و قد انقدح انّه لا وجه لاحتمال:















كما انقدح مما ذكرناه: انّ هذا الاحتمال هو المتعين، لكن على الوجه المتقدم، بحلّ العلم ابتداء ثم الترخيص في مادة الشكّ.















قوله: كذلك يكون مانعا لو كان إلى غير معين:















الاضطرار إلى غير المعين ليس اضطرارا إلى الحرام و لا يحتمل أن يكون ما اضطر إليه هو الحرام، و لذا لو كان عالما بالحرام تفصيلا







وجب أن يختار للارتكاب ذاك الآخر المباح، فالاضطرار المذكور لا يندرج تحت دليل رفع «ما اضطروا»، فيكون التحريم باقيا على







حاله غير مرتفع بالاضطرار، و حينئذ نقول: انّ الاضطرار المذكور: امّا أن يكون اضطرارا مرخصا للارتكاب، أو يكون اضطرارا موجبا







له.















فإن كان الأول لم يزد الاضطرار ذلك على إباحة الطرف الآخر بشي‏ء، فكان























الصفحة 126







أحدهما محرّما و الآخر مباحا ذاتا و مباحا بعنوان الاضطرار، و الاحتياط في مثل هذه الصورة واجب كما كان واجبا أوّلا قبل عروض







الاضطرار، و إن كان الثاني، كان أحدهما معينا حراما و الآخر واجبا، و قد اشتبه الواجب بالحرام.















و الحكم في مثل ذلك هو التخيير لدوران الأمر في كلّ منهما بين الإيجاب و التحريم، لكن إذا اختار أحدهما للفعل وجب اختيار الآخر







للترك.















و على مختارنا في مسألة دوران الأمر بين المحذورين هو البراءة عقلا، فيجوز له فعلهما جميعا أو تركهما كذلك، فيطابق مختار







المصنف «ره».















في دوران الأمر بين المتباينين















قوله: و كذلك لا فرق بين أن يكون الاضطرار كذلك سابقا:















هذا مختاره هنا، و قد عدل عنه في الدورة الأخيرة من بحثه، فحكم بوجوب الاحتياط في الاضطرار اللاحق إلى أحدهما معينا.















و حاصل ما أفاد، هو: انّ العلم الإجمالي حاصل بحرمة أحد الإناءين، امّا هذا المضطر إليه إلى زمان الاضطرار أو ذلك الآخر أبدا، فيجب







ترك هذا إلى زمان الاضطرار و الآخر أبدا، لأنّ أطراف العلم الإجمالي هما ذلك، نظيره ما إذا علم إجمالا بوجوب صوم يوم من رجب أو







عشرة من شعبان، في انّ يوما من رجب يقابل مجموع عشرة من شعبان، فيكون أحد الطرفين يوم واحد و الآخر عشرة أيّام، فيحتاط







بإتيان الطرفين جميعا، و ليس ذلك من قبيل الأقلّ و الأكثر لينحل العلم الإجمالي، لأنّ ضابط الأقل و الأكثر الموجب للانحلال هو دخول







الأقل في الأكثر، و ليس الأمر كذلك في المقام.















و الحق عندي: ما اختاره هنا، لأنّ مجرد تعلق العلم الإجمالي بخطاب مردد، متعلقه بين أمر مستمر و آخر منقطع، على أن يكون خطاب







«اجتنب» قد توجه فعلا، و تردد بين أن يكون متعلقه اجتناب هذا اجتنابا أبديا أو ذاك إلى زمان،























الصفحة 127







كذلك لا يقتضي وجوب الاحتياط على طبق علمه الإجمالي ما لم يكن التكليف بنفسه مستمرا، فانّ مجرد تعلق التكليف بأمر مستمر لا







يقتضي وجوب إتيان ذلك المستمر في العلم التفصيليّ، فضلا عن المقام، بل لا بدّ من استمرار نفس التكليف أيضا، و نظيره إباحة المالك







للتصرف في أمواله أبدا، فان مجرد ذلك لا يوجب حلّ التصرّف أبدا ما لم يستمر الإباحة و الرضي بنفسها و لو بالاستصحاب و حينئذ إذا







تردد التكليف بين أن يكون متعلقا بفعل كذا و باقيا، و بين أن يكون متعلقا بفعل آخر و مرتفعا. فالحكم الاحتياط بإتيان الطرفين ما







دام القطع بالتكليف باقيا، فإذا ارتفع القطع يرجع إلى البراءة، لأنّ علمه الإجمالي ينحل إلى مقدار من التكليف معلوم بالعلم التفصيليّ، و







مقدار آخر مشكوك بالشك الابتدائي، و لا يضرّ في ذلك انّ التكليف حين ما علم توجهه كان متوجها في أحد الاحتمالين بفعل مستمر لما







أشرنا إليه انّ مجرد تعلقه بفعل مستمر لا يوجب الإتيان بالفعل مستمرا ما لم يكن التكليف بنفسه مستمرا. و استصحاب كلي التكليف لا







يثبت تعلق التكليف بذلك الطرف المستمر تكليفه، و ما لم يثبت لا يكون له أثر.















نعم، الاستصحاب يجري إذا تردد تكليف متعلق واحد بين دائم و منقطع، هذا إذا اضطر إلى واحد معيّن من الطرفين بعد العلم الإجمالي،







امّا إذا اضطر إلى واحد غير معيّن، ففيما ذكرناه من التفصيل: لا فرق في ذلك بين السابق منه على العلم الإجمالي و بين اللاحق. و







المصنف أيضا لم يرجع في البحث بالنسبة إلى هذه الصورة عن ما اختاره هنا. و قد صرّح بذلك في حاشية منه ألحقها بالكتاب، فراجع.















ثم لا فرق في ما ذكرنا بين أن يرتفع التكليف من أحد الجانبين بالاضطرار أو بسائر الأمور الأخر، مثل الخروج عن محل الابتلاء أو فقد







الطرف و لو بشرب أحد الإناءين المعلوم خمرية أحدهما. و حينئذ فيشرب الجانب الآخر أيضا، و لا ضير في الالتزام به. فيقال: يجب







الاجتناب من الأطراف ما دام العلم الإجمالي باقيا، فإذا زال، و لو بارتكاب بعض الأطراف، جاز ارتكاب البعض الآخر أيضا، و لا وجه







للاستبعاد.























الصفحة 128







قوله: فانّه يقال: حيث ان فقد المكلّف به ليس:















محصل ما أفاده في بيان الفرق، هو: انّ دوران التكليف مدار متعلقه وجودا و عدما ليس من قصر التكليف و تقييده بالمتعلق، بل التكليف







باق على إطلاقه، و انّما التكليف بحسب الهوية يدور مدار المتعلق و لا يكون، و يتعلق بلا متعلق، فلا يكون المتعلق إلاّ محققا لحقيقة







التكليف و مقوما لذاته لا محددا مخصصا لوجوده. و هذا بخلاف الاختيار المقابل للاضطرار، فانّه من قواسر التكليف و مقيداته الثابت







بدليل رفع الاضطرار. و على ذلك فيكون العلم بالتكليف المردد بين طرفين يخرج أحدهما عن محل الابتلاء بعد زمان، علما بتكليف







مطلق غير مقيد بقيد بخلاف العلم بالتكليف المردد بين طرفين، يضطر إلى أحدهما بعد حين، فانّه علم بتكليف لم يثبت إطلاقه، فلا







يكون المعلوم أزيد من التكليف إلى زمان الاضطرار، و أثر هذا الفرق انّه في الصورة الأولى حيث علم بتوجه تكليف مطلق، وجب







الخروج عن عهدته يقينا، لأنّ الشغل اليقيني يستدعي ذلك، و ذلك لا يكون إلاّ بالاجتناب عن كلا الطرفين ما دام الابتلاء بهما باقيا، و







عن الطرف المبتلى به عند خروج أحدهما عن محل الابتلاء. و في الصورة الثانية حيث لم يعلم من ابتداء الأمر إلاّ بتكليف إلى حدّ طرو







الاضطرار على















أحدهما، فلا يجب عليه الاحتياط لا إلى هذا الحد، و بعد هذا الحد يرجع إلى البراءة.















و لا يخفى ما فيه، فانّه كلام صوري. فان كون الاضطرار من حدود التكليف دون فقد المتعلق لا يوجب الفرق بينهما في وجوب الاحتياط،







لأنّ واقع التكليف في كلتا الصورتين منقطع غير دائم، و مجرد كون الانقطاع لفقد الموضوع أو لحصول الحدّ لا يؤثر في حكم العقل،







فان كان شي‏ء مؤثر فهو انقطاع التكليف المعلوم، يعني عدم العلم بدوامه، و هذا حاصل في الصورتين. فينبغي أن لا يجب الاحتياط







فيهما، و إلاّ فينبغي أن يجب الاحتياط فيهما، بلا وجه للتفرقة و التفصيل.















قوله: لأجل أن يصير داعيا للمكلّف نحو تركه لو لم يكن له داعي آخر:















بل الغرض من النهي، بل من مطلق الطلب، هو احداث الداعي مطلقا، حتّى فيما هناك داعي آخر، و مقتضاه قلب الداعي إلى داعي الطلب







فيما كان هناك داعي آخر،























الصفحة 129







و لو لا ذلك بأن كان الغرض من الطلب احداث الداعي لو لم يكن للمكلف داعي آخر، لزم أن لا يكون طلب لو كان للمكلف داعي آخر، أو







يكون الطلب لغوا، و كلاهما باطل. لا يقال في المولى غير العالم بالعواقب يمكن القول بأنّ طلبه من باب الاحتياط، و لأجل احتمال أن لا







يكون للعبد داعي نفساني، فيكون هذا داعيا له، فلا يكون طلبه لغوا، و يكون الطلب عاما للجميع، فانه يقال: لازم ما ذكر أن لا يكون







طلب و تكليف واقعا عند وجود داعي آخر، لأنّ معنى الاحتياط هو انّ تكليفه واقعا للأشخاص الذين لا داعي لهم، و حيث لا يعرف ذي







الداعي عن غير ذي الداعي، وجه التكليف إلى الجميع، لاحتمال أن يكون الجميع من غير ذي الداعي، و إلاّ فلا تكليف بحسب الواقع







بالنسبة إلى ذي الداعي.















ثمّ انّ ما ذكره المصنف «ره» من: انّ الغرض من النهي أن يكون داعيا حيث لا داعي لا ينتج ما أراد استنتاجه منه، و هو عدم صحة التكليف







فيما لا ابتلاء به عادة، بل هذه نتيجة ما ذكرناه من كون الغرض هو أن يكون النهي داعيا فعليا، فلو رفع اليد عن الدعوة الفعلية أمكن أن







يقال: انّ النهي فيما لا ابتلاء به لغرض أن يكون داعيا حيث يبتلى به، و يكون عدم الابتلاء من قبيل وجود الداعي إلى الترك الغير المانع







من توجه النهي فعلا.















قوله: كان الابتلاء بجميع الأطراف مما لا بدّ منه في تأثير العلم:















هذا الكلام عندي على إطلاقه غير مستقيم، و لنشر إلى ضابط العلم المؤثر في التنجيز، ثم نعقبه ببيان ضعف ما أطلقوه في المقام، فنقول:







كلّ علم تعلّق بإرادة المولى إرادة يجب تنفيذها عقلا، فهو منجز لتلك الإرادة، و الإرادة الواجب تنفيذها هي الإرادة الموجبة لبعث المولى







و تحريكه نحو الفعل دون الإرادة الساذجة التي هي مادة الإرادة، و إلاّ فعنوان كونها إرادة، يتحقق بفعلية البعث و التحريك من قبل







المولى، و فعلية البعث و التحريك انّما يكون مع اجتماع شرائط التكليف، و من جملتها القدرة، فغير المقدور الّذي من افراده ما خرج عن







ابتلاء المكلف رأسا و كان تركه ضروريا له بحسب العادة لا يتعلق به التكليف، و على ذلك فلو علم إجمالا بتعلق إرادة المولى بين























الصفحة 130







أطراف، خرج بعضها عن ابتلاء المكلّف، لم يكن العلم المذكور مؤثرا في التنجيز، و حكم العقل بالاحتياط بين تلك الأطراف لاحتمال







كون متعلقها ذلك الخارج عن محل الابتلاء، الّذي على تقديره لا إرادة يجب تنفيذها، فلا يكون علم إجمالي بإرادة واجب التنفيذ عقلا.















لا يقال: الإرادة لا تتعلق بغير المقدور و الخارج عن ابتلاء المكلّف، فكيف يعقل علم إجمالي بإرادة بين أطراف بعضها كذلك، فانّه يقال:







القدرة و غيرها من شرائط التكليف ليست شرائط لمادة الإرادة، التي هي العلم بالصلاح أو الشوق المؤكد على الخلاف في معنى الإرادة،







بل شرائط للبعث على طبق تلك الإرادة، فانّ البعث مع فقد تلك الشرائط يكون لغوا، و حيث انّ التكليف هو عنوان هذه المرتبة، لعدم







وقوع العبد قبل تأثير الإرادة في البعث من قبل المولى في كلفة إلزام العقل بالانبعاث على طبق الإرادة، لهذا عدّ هذه الشرائط شرائط







للتكليف، فصحّ تعلق العلم الإجمالي بالإرادة بين أطراف بعضها، خارج عن محل الابتلاء.















لكن العلم الإجمالي المذكور لا يكون علما مؤثرا في التنجيز، لعدم تعلقه بالتكليف، لقيام احتمال أن يكون متعلق الإرادة ذلك الطرف







الّذي على تقديره لا تكليف و لا بعث. إذا ظهر ذلك نقول:















إذا كانت الإرادة بالنسبة إلى الخارج عن محل الابتلاء فعلا، مما لا مانع عن قيامها بنفس المولى، و انّما كان المانع عن البعث الفعلي،







فليرفع اليد عن مقتضى إطلاقات دليل التكليف بمقدار المانع، و هو البعث الفعلي، و امّا البعث على وجه التعليق بالابتلاء فلا مانع منه،







فيؤخذ بالإطلاقات و يحكم بالبعث على وجه التعليق فيما إذا كانت الواقعة ممّا يبتلى بها بعد حين.















و عليه، فالعلم الإجمالي بين طرفين داخل في محل الابتلاء و خارج عنه فعلا، مع الابتلاء به بعد حين يكون منجزا للتكليف، و وجب







اجتناب هذا فعلا، و ذلك بعد الابتلاء، للعلم بالتكليف الفعلي المتوجه امّا إلى هذا فعلا أو إلى ذلك و بعد حين، بمعنى انّ التكليف فعلي







على كلّ حال، و المتعلق امّا الترك الحالي أو























الصفحة 131







الاستقبالي، و قد التزم المصنف «ره» بالاحتياط في العلم الإجمالي، بالتكليف بين أطراف تدريجي الحصول، إذا كان التكليف فعليا على







كلّ حال، و إن كان المتعلق استقباليا على تقدير، فانّ بعد الزمان كبعد المكان في اقتضاء الخروج عن محل الابتلاء.















نعم، في صورة لا يتفق ابتلاء المكلف بالطرف أصلا، صحّ ما ذكروه، فصار المحصل في العلم الإجمالي بين أطراف لا يبتلى ببعضها، هو







التفصيل بين ما لا يبتلى به أصلا، فلا يحتاط، أو يبتلى به بعد حين، فيحتاط، و كذلك العلم بين أطراف بعضها غير مقدور، فيفصل بين







غير المقدور رأسا و بين غير المقدور فعلا مع القدرة بعد حين.















قوله: و لو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة:















لكن البراءة العقلية لا البراءة الشرعية، فان دليل البراءة الشرعية ترفع حكما يسوغ وضعه، كما انّه مع سبق إحدى الحالتين، من الخروج







عن محل الابتلاء أو الدخول، لا يرجع إلى الاستصحاب، لعدم أثر شرعي مترتب عليه، فان ترتب التكليف على عنوان الداخل في محل







الابتلاء ليس ترتبا شرعيا، بل ترتب عقلي، لأنّ الشرط شرط اعتبره العقل دون الشرع، و امّا استصحاب التكليف فانّه أيضا غير جار،







لأنّ التكليف حتّى الظاهري الاستصحابي منه مشروط بشرائط التكليف، فكيف يتمسك به عند الشك في تحقق شرطه فالرجوع إلى أدلة







البراءة النقليّة و أدلة الاستصحاب باطل بعين ملاك بطلان الرجوع إلى إطلاق أدلة التكاليف الواقعية، فان تلك الأدلة مقيدة طرّا بشرائط







التكاليف العقلية، فإذا شك في تحقق تلك الشرائط، كيف يسوغ التمسك بإطلاقها المقيدة؟ نعم، في موارد الشك في الدخول في محل







الابتلاء لا يحكم العقل بوجوب الاحتياط، كما لا يحكم في موارد القطع بالخروج، لعدم تحقق موضوع حكمه، و هو العلم بتوجه تكليف







فعلي على كلّ تقدير.















قوله: نعم، ربما يكون كثرة الأطراف في مورد موجبة لعسر:















ينبغي التكلم هنا في























الصفحة 132







مقامات ثلاثة: الأوّل: انّ تعسر الاحتياط أو ضروريته، هل يوجب سقوط التكليف المردد بين الأطراف عن فعليته أو لا؟ الثاني: انّه لو







أوجب، فهل يوجب السقوط المطلق و في جميع الأطراف، حتّى يجوز المخالفة القطعية، أو يوجب السقوط في الجملة و بمقدار يرتفع







العسر و الضرر؟ الثالث: في جواز التمسك بإطلاق الخطاب عند الشك في حصول العسر أو الضرر و عدمه.















فنقول: امّا الكلام في المقام الأول: فقد وقع الخلاف بين الأستاذ العلامة و شيخه المرتضى في تعيين مفاد دليل نفي الحرج و الضرر،







فاختار الأستاذ: انّ مفادهما نفي كلّ حكم كان متعلقه حرجيا أو ضرريا، و اختار شيخه: انّ مفادهما نفي كلّ حكم يلزم منه الحرج أو







الضرر و إن لم يكونا في متعلقه. و الثمرة بين القولين تظهر في مثل المقام.















فعلى الأول: لا يسقط التكليف المشتبه اللازم من الاحتياط في أطرافه أحد المحذورين عن الفعلية، بل كان باقيا على فعليته، و وجب







الاحتياط في أطراف الاشتباه، ما لم يلزم محذور عقلي من الاحتياط. فحينئذ يسقط.















و على الثاني: يسقط عن الفعلية، إذ لو لا انّ الحكم فعلي في متعلقه لم يلزم الاحتياط الموجب لأحد المحذورين، فالمحذور ناش من الحكم







و إن لم يكن في متعلقه، و لا يبعد دعوى ظهور دليل النفيين في ما اختاره الأستاذ. و انّ ظاهر نفي الحرج و الضرر في الدين نفي







التكليف بأمر حرجي أو ضرري لا نفي ما يلزم منه أحد الأمرين، و إن لم يكن ذلك في متعلقه، كما في المقام، و دعوى المناط العام







الشامل للمقامين غير ثابتة.















و مما ذكرنا ظهر: انّ كلامه الأستاذ في المقام جار على غير مذاقه.















و امّا الكلام في المقام الثاني: فقد اختلف نظر الأستاذ العلامة «ره» و شيخه «قده» أيضا في ذلك، فاختار الأستاذ سقوط التكليف بعدم







وجوب الاحتياط التام في الأطراف، أو عدم التمكن منه، فلا يجب الاحتياط رأسا إلاّ أن























الصفحة 133







يقوم دليل خاص من إجماع و نحوه على التبعيض في الاحتياط، كما في مورد الانسداد، و اختار شيخه سقوط الاحتياط بمقدار يندفع به







المحذور، فيجب الاحتياط بما لا يلزم معه المحذور، و إذا لزم المحذور رفع اليد عنه، و الحاصل يسقط الموافقة القطعية دون الاحتمالية،







و الحق في ذلك أيضا مع الأستاذ «ره»، فانّ التكليف إذا كان فعليا في متعلقه الواقعي افتضح القطع بالموافقة، و إذا لم يجب القطع







بالموافقة لم يكن التكليف فعليا في متعلقه، و ليس التكليف بالاحتياط إلاّ تكليفا مقدميا لأجل إحراز الواقع لا تكليفا نفسيا حتى إذا تعذر







الاحتياط التام وجب الاحتياط الناقص.















و الحاصل: تعذر الاحتياط عقلا أو شرعا يزاحم بقاء التكليف بالواقع، فيسقط الاحتياط رأسا، لا أنّه يزاحم وجوب الاحتياط حتى يكون







مزاحمته بمقدار التعذر لا أزيد من ذلك.















و امّا الكلام في المقام الثالث: فالحق هو الرجوع في موارد الشك في ترتب محذور الحرج أو الضرر، على الاحتياط في الأطراف إلى







أصالة البراءة، و لا يجوز التمسك بإطلاق خطاب دليل التكليف، لأن الإطلاق المذكور بعد أن صار محكوما بأدلة نفي الحرج و الضرر







يسقط عن درجة الحجية بالنسبة إلى موارد الاشتباه في مصداق المخصص.















نعم، إذا بنينا على حجية العموم في الشبهة المصداقية جاز التمسك، لكن ذلك خلاف مختار المصنف، و مع ذلك فقد تمسك بها في المقام.















قوله: الرابع: انّه انّما يجب عقلا رعاية الاحتياط:















اعلم: انّ مناط إلزام العقل بالاحتياط امران: الأول: العلم بالتكليف. الثاني: تردد متعلقه بين أمرين أو أمور، فيحكم العقل حينئذ بالإتيان







بمجموع الأمرين أو الأمور بلا تجاوز عن أطراف التردد إلى غيره، و إن كان ذلك الغير متحد الحكم مع بعض الأطراف. و عليه، فإذا







علم إجمالا بوقوع قطرة واحدة من البول في هذا الإناء و قطرتين في إناءين آخرين، أو علم بوجوب صوم يوم من رجب أو يومين من







شعبان، كان الاحتياط























الصفحة 134







واجبا في مجموع الأطراف الثلاثة، و امّا إذا علم بوقوع قطرة بول في أحد إناءين ثم علم بملاقاة إناء ثالث لأحدهما، أو علم بأنه مديون







امّا لزيد بدينار واحد أو لعمرو بدينارين، فانّه لا يجب الاحتياط إلاّ بالاجتناب عن إناءين، و إعطاء دينارين لشخصين، و إن كانت







صورة القضية هنا كصورتها في الفرض الأول، فانّه صادق أيضا انّه يعلم إجمالا بنجاسة هذا الإناء أو ذينك الإناءين، أعني الملاقى و







الملاقي.















و السرّ في ذلك انطباق ما ذكرناه من الضابط هنا على الطرفين خاصة، و في انطباقه في الفرض الأول على أطراف ثلاثة.















توضيح ذلك يتم ببيان أمرين:















الأول: انّ تكليفا واحدا لا يتّخذ لنفسه إلاّ متعلقا واحدا بسيطا أو مركبا من عدة أمور.















الثاني: انّ كلّما علم إجمالا بتوجه تكليف واحد أو تكليفين، فالمعلوم لا يكون إلاّ التكليف الواحد، و الزائد عليه يكون مشكوكا بالشك







البدوي.















و عليه: فالمعلوم في كلّ من صورتي العلم الإجمالي ليس إلاّ تكليف واحد و الزائد عليه غير معلوم، و مع ذلك يجب الاحتياط في الأطراف







الثلاثة في صورة و في الطرفين في أخرى، و ذلك لتردد متعلق هذا الواحد المعلوم بين أطراف ثلاثة في صورة و بين طرفين في أخرى،







فان في مثال العلم بنجاسة هذا الإناء أو ذينك الإناءين لا يتعين أحد ذينك الإناءين، لأن يكون طرفا للشبهة حتى يخرج الأخرى عن







الطرفية، بل هذا الواحد المعلوم مردد بين كلّ واحد من الثلاثة بنسبة واحدة، بخلافه في مثال العلم بنجاسة أحد إناءين ثم لاقى مع واحد







منهما ثالث، فانّ التكليف الواحد المعلوم يعلم انّ متعلقه غير خارج عن الإناءين، و امّا الإناء الآخر الملاقي لأحدهما، فإن كان بالنسبة إليه







تكليف، كان تكليف آخر وراء التكليف المعلوم بالإجمال، فلذا يخرج عن كونه عن أطراف العلم الإجمالي، و يدخل في الشبهة البدوية، ثمّ







لا فرق في ذلك بين أن يكون الملاقاة قبل العلم و بين أن يكون بعده، لاشتراكهما فيما ذكرناه من خروج الملاقي عن أطراف ما علم























الصفحة 135







بالإجمال.















نعم، إذا كان الملاقى - بالفتح - حين حدوث العلم خارجا عن قابلية توجه التكليف، امّا بالخروج عن محل الابتلاء و غير ذلك، وجب







الاحتياط عن ملاقيه و ذاك الطرف الآخر، بل و كذا لو خرج بعد حدوث العلم، لأنّ العلم الإجمالي بتوجّه خطاب «اجتنب» عن أحد أمرين







امّا الملاقي - بالكسر - أو ذاك الطرف الآخر، حاصل فعلا، ثم لو فرض دخول ذلك الخارج إلى ما كان قد خرج عنه صار حاله حال







الملاقي - بالكسر - في الصورة السابقة، في عدم وجوب الاجتناب لعدم العلم بتوجه «اجتنب» آخر بدخوله في محلّ الابتلاء.















نعم، لو حصل التبادل بان خرج الملاقي - بالكسر - بعد دخول الملاقى - بالفتح - انتقل الاحتياط منه إليه لانتقال العلم الإجمالي منه إليه،







و هكذا الحال. فيكون المحصل وجوب الاحتياط بين طرفين أبدا، لكن أحد الطرفين لا يتغير، و هو صاحب الملاقى - بالفتح -، و التبادل







انّما يكون من الملاقي و الملاقى.















و لا يخفى انّ ما ذكرناه يختص بما إذا لم يجر استصحاب النجاسة في الملاقى - بالفتح -، و إلاّ كان من أحكامه نجاسة ملاقيه، و أيضا







يختص بما إذا لم يحصل للطرف الآخر أيضا ملاق يمكن التكليف بالاجتناب عنه، و إلاّ وجب الاجتناب عن الفرعين كالأصلين، لحصول







علم إجمالي آخر بينهما.















قوله: فانّ حال الملاقي في هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه:















لا يخفى انّ الملاقي - بالكسر - يطلق اصطلاحا على الخارج عن أطراف العلم الإجمالي من المتلاقيين، كما يطلق الملاقى - بالفتح - على







الداخل منهما، و على ذلك لا يكون فرق بين هذا المثال و بين الصورة السابقة في عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي - بالكسر -، فان







العلم الإجمالي الثاني الحاصل بين الملاقي - بالكسر - و بين طرف الملاقى - بالفتح - لا أثر له بعد عدم العلم بتوجه خطاب جديد وراء







ما علم توجهه أولا بالعلم الإجمالي، فكما لا أثر للعلم الإجمالي بوقوع قطرة دم في الإناء النجس أو الإناء الطاهر كذلك لا أثر للعلم







الإجمالي بوقوع قطرة دم امّا في الإناء النجس أو الإناء الطاهر























الصفحة 136







كذلك لا أثر للعلم الإجمالي بوقوع قطرة دم، امّا في بعض أطراف العلم الإجمالي بالنجاسة أو في إناء آخر طاهر.















و الحاصل: فرض العلم الإجمالي الثاني لغو، و لا يختلف حكم هذا المثال عن حكم الصورة السابقة التي لا علم إجمالي فيها، و لكن أصل







الصورة صحيح، و كفى مثالا له المثال الثاني المذكور في المتن.















قوله: و ثالثة: يجب الاجتناب عنهما:















قد عرفت: انّه لا فرق بين تقدم العلم الإجمالي على الملاقاة و بين تأخره، في عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي - بالكسر -، لعدم العلم







بخطاب وراء الخطاب المعلوم بالإجمال المتشخص بأحد متعلقين، امّا الملاقى - بالفتح - أو طرفه، و ليس من قبيل العلم الإجمالي







بنجاسة هذا الإناء أو ذينك الإناءين، لأنّ الخطاب الواحد المعلوم بينهما غير معلوم التشخص بإناءين منها ليخرج الآخر عن الطرفية، بل







مردد بين أن يكون متشخصا بإحدى أوان ثلاث، فيكون المعلوم بالإجمال مرددا بين أطراف ثلاثة، و يكون كما إذا علم بوقوع نجس







في إحدى الأواني الثلاث.















دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين















قوله: المقام الثاني: في دوران الأمر بين الأقل و الأكثر:















محل البحث فعلا دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الخارجيين على أن يكون للزيادة وجود على حدة احتمل اعتبارها منضمة إلى الأقل و







الأمر بالمجموع المركّب، و هذا معنى كونهما ارتباطيين مقابل كونهما استقلاليين، و هو ان تكون الزيادة على تقدير التكليف بها







مستقلا بالتكليف، كما في دوران الأمر في الفوائت بين مقدار أقل و آخر أكثر، و هكذا في الدين، و امّا دوران الأمر بين المشروط







بشي‏ء و بين مطلقه، أو دورانه بين طبيعة و بين فرد من تلك الطبيعة، فيجي‏ء البحث عنهما. ثمّ انّ البحث يقع تارة في موضوع الأقل و







الأكثر، و ان ما يعدونه من دوران الأمر بين الأقل و الأكثر، هل هو من دوران الأمر بين الأقل و الأكثر أو من دورانه بين المتباينين و







أخرى في حكمه،























الصفحة 137







حتّى لو فرض كونه من دوران الأمر بين المتباينين؟ امّا الكلام في المقام الأول: فاعلم انّ الأقل الّذي هو طرف للعلم الإجمالي ليس هو







ذات الأقل و هو الجنس الموجود في ضمن كلّ من الأقل بحد القلة و الأكثر، بل هو الأقل بحد القلة الّذي يباينه الأكثر، فيكون دوران الأمر







بين هذا الأقل و الأكثر من دوران الأمر بين المتباينين و لو باعتبار حديهما، و هو الأقل بشرط لا و الأكثر، و امّا ذات الأقل اللا بشرط







الموجود في ضمن كلّ من الأقل بشرط قطعا لا و الأكثر، فهو ليس متعلقا للتكليف باليقين، بل المتعلق محدود بأحد حدين لا محالة.















و امّا الكلام في المقام الثاني، و هو حكم دوران الأمر بين هذا النحو من المتباينين و اختصاصه بحكم من كلية دوران الأمر بين







المتباينين و عدمه: فالحق انّ هناك علمين إجماليين: علم إجمالي بالتكليف و آخر بالغرض، فامّا العلم الإجمالي بالتكليف فهو منحل







بالعلم التفصيليّ بوجوب الأقل و الشك البدوي في وجوب الزائد عليه، و امّا العلم الإجمالي بالغرض فهو باق على حاله، و لمكانه يجب







الاحتياط.















امّا انحلال العلم الإجمالي الأول فبيانه: انّ العقل يحكم حتما بالاحتياط في كلّ مورد يحتمل التكليف المنجز، يعني يحتمل تكليف لا يقبح







العقاب عليه، سواء كان من أطراف العلم الإجمالي بالتكليف أو لم يكن، و في مورد دوران الأمر بين الأقل و الأكثر احتمال التكليف في







جانب الأقل، احتمال التكليف منجز، و احتمال التكليف كان بيانه تاما من قبل المولى، فانّه كفى بيانا للتكليف، الاعلام بأنّ الأقل واجب،







و امّا بيان انّه تمام الواجب فغير محتاج إليه، بل لو كان الأقل تمام الواجب في الواقع و لم يأت به المكلف مع هذا البيان لم يعدّ معذورا، و







كانت الحجة من جانب المولى تامة، و لم يكن للعبد أن يعتذر بأنه لم يكن يعلم انّه كان تمام الواجب.















و الحاصل: العلم الإجمالي بتكليف مردد بين الأقل و الأكثر يكون بيانا منجزا لحكم الأقل، لو كان هو الواجب واقعا، و هذا المقدار كاف







في إلزام العقل بإتيان























الصفحة 138







الأقل، و امّا الأكثر فيبقى بلا بيان، و المرجع قاعدة قبح العقاب بلا بيان.















نعم، لو كان التنجيز في جانب الأقل لأجل قيام العلم الإجمالي، اقتضى العلم الإجمالي المذكور، التنجيز في جانب الأكثر أيضا، لكن







عرفت: انّ التنجيز في جانبه لقيام العلم التفصيليّ بالوجوب و إن لم يعلم حدّ الواجب، و يمكن تقرير الانحلال بنحو آخر مبني على إمكان







تبعض حكم واحد في التنجيز و عدمه، فيتنجز بنسبة ما علم من اجزاء متعلقه و لا يتنجز بنسبة ما لم يعلم. فيقال: انّ التكليف المردد بين







الأقل و الأكثر منجز بالنسبة إلى الأقل، سواء كان متعلقا به أو بالأكثر، لأن وجوبه معلوم، فيكون تركه مستتبعا للعقاب، امّا على ترك







نفسه أو على ترك الأكثر المستند إلى تركه، و إن كان ترك الأكثر لأجل ترك سائر الاجزاء غير معاقب عليه.















و هذا البيان يظهر من كلام شيخ مشايخنا المرتضى، و إن فهم الأستاذ العلامة من كلامه معنى آخر، أو هو: انّ التكليف بالأقل منجز على







كلّ حال، امّا بتنجز التكليف بالأكثر و في ضمنه، إن كان التكليف بالأكثر، و امّا مستقلا، إن كان التكليف بالأقل. فأورد عليه كما في







المتن بأنّ إجراء البراءة مع ذلك عن الأكثر خلف، لأنّ ذلك معنى عدم تنجزه إن كان متعلقا بالأكثر، و أيضا مستلزم للمحال، و هو







لزوم عدم تنجز التكليف بالأقل على كلّ حال من تنجزه على كلّ حال، و عدم انحلال التكليف من انحلاله، فانّ الإشكالين واردان لو







كان الأمر كما فهمه، لكن التعمق في كلامه يعطي خلاف ما فهمه، و انّ مراده التبعض في التنجيز، فيبقى البحث معه في إمكان التبعض







المذكور. و الحق استحالته. فانّ تكليفا واحدا شخصيا كيف يعقل اتصافه بصفة التنجز و عدمه باعتبار أبعاض متعلقه، بل إن تمت الحجة







و البيان كان منجزا في جميع متعلقه و إلاّ لم يكن منجزا في شي‏ء من متعلقه.















و امّا عدم انحلال العلم الإجمالي الثاني، و هو العلم الإجمالي بالغرض فان الغرض يجب تحصيله عقلا كما يجب إطاعة الأمر، بل لعل







وجوب إطاعة الأمر أيضا بملاك تحصيل الغرض، حيث انّ عنوان الإطاعة من جملة أغراض المولى،























الصفحة 139







فبيانه: ان الغرض المعلوم بالإجمال غرض واحد شخصي مردد بين أن يكون قائما بالأقل أو بالأكثر، و لازمه انّه إذا أتي بالأقل لا يعلم







بحصول شي‏ء من هذا الغرض و انّما يعلم بحصوله إذا أتى بالأكثر.















نعم، إذا كان الأقل مشتملا على غرض ملزم على كلّ حال و احتمل غرض آخر قائم بالأكثر، لم يجب الإتيان بالأكثر، لانحلال العلم







الإجمالي بالغرض بالعلم التفصيليّ به، و سيجي‏ء عن قريب احتمال الانحلال بالنسبة إلى التكليف و الغرض جميعا، بل عدم جواز التكلم







في مسألة الغرض في عرض مسألة التكليف، بل هو طولي بالنسبة إلى التكليف. و قد يقرر وجوب الاحتياط من باب وجوب العلم







بتحصيل الغرض بوجه آخر مذكور في المتن غير ما ذكرناه، و هو انّ الأمر بالشي‏ء لا يسقط ما لم يحصل الغرض منه، فمتى شك في







حصول الغرض فقد شك في سقوط الأمر، و العقل يحكم في مثله بالاحتياط حتى يقطع بسقوط الأمر و سيجي‏ء ما فيه.















و يمكن تقرير وجوب الاحتياط في خصوص ما إذا كان المردد بين الأقل و الأكثر تكليفا عباديا بوجه آخر. و حاصله: انّ الأمر لا يدعو







إلاّ إلى تمام متعلقه، و دعوته إلى أبعاضه يكون تبعيا و في ضمن دعوته إلى الكلّ، فالأمر الواحد يحدث داعيا واحدا إلى مجموع ما تعلق







به، فإذا تردد الأمر بين أن يكون متعلقا بالكل أو بالأبعاض لم يعقل أن يدعو هذا الأمر المردد إلى الأبعاض لاحتمال تعلقه بالكل الّذي لا







يدعو على تقديره إلى الأبعاض استقلالا، فإذا أتى بالأقل فلا بد أن يكون إتيانه بداعي احتمال الأمر لا الجزم به. و يبقى الاحتمال الآخر







غير ممتثل أصلا، فالمأتي به لا يكون متيقن الوجوب على كلّ حال ليكون الجزء الزائد مشكوكا بالشك البدوي، بل يكون أحد طرفي







العلم الإجمالي بالوجوب، و الطرف الآخر لم يؤت بشي‏ء منه، لكن يرده انّ أصالة البراءة عن وجوب الأكثر يعين توجه التكليف إلى







الأقل، فيؤتى بداعي هذا الأمر الظاهري بالأقل.















فتحصل في المقام وجوه ثلاثة لوجوب الاحتياط، و يختص الأوليان منها بغير مذهب الأشاعرة، و يعمّ الأخير جميع المذاهب مع







اختصاصه بالعبادات، و امّا























الصفحة 140







التمسك لإيجاب الاحتياط باستصحاب كلي الوجوب، المردد بين تعلقه بالأقل و بين تعلقه بالأكثر، بعد ان يؤتى بالأقل فهو مبني على







القول بالأصل المثبت، و ان استصحاب القسم الثاني من الكلي يثبت به كون الموجود هو الفرد الطويل العمر، فحينئذ يؤتى بالأكثر،







بعنوان الوجوب لا بعنوان الاحتياط، امّا لو لم نقل بالأصل المثبت فالتكليف المردد الثابت بالأصل لا يزيد على المردد الثابت بالقطع،







الّذي لم يوجب الاحتياط فيه. ثم انّ أرد الأقوال في المسألة ما اختاره الأستاذ العلامة من التفصيل بحسب المدرك بين البراءة الشرعية و







العقلية، فتجري الأولى دون الثانية.















امّا جريان الأولى فلعموم أدلتها، و امّا عدم جريان الثانية فللعلم الإجمالي و عدم الانحلال. و فيه: انّ الانحلال ان لم يحصل لم تجر البراءة







النقليّة أيضا، فانّ عموم الأدلة إن لم ننكر شموله لصورة العلم الإجمالي، فلا أقل من سقوطه عن الحجية بالمعارضة.















نعم، إذا كانت الجزئية قابلة للجعل الاستقلالي بنفسها لا بمنشإ انتزاعها جاز أن يقال: انّ جزئية الجزء المشكوك غير معلومة، فان العقل







يحكم في مثل ذلك بالاحتياط، خلافا للأستاذ و وفاقا لشيخه المرتضى «ره» و ذلك لأنّ الحجة و البيان قد تمّ من جانب المولى، و تعيين







المصداق ليس من وظيفته، فيجب القطع بإتيان المفهوم المبين المتعلق به التكليف، و على ذلك يبتنى جعل ثمرة النزاع في مسألة الصحيح







و الأعم هو الرجوع إلى البراءة و الاحتياط عند الشك في جزئية شي‏ء و شرطيته، بناء على وضع الألفاظ على مذهب الصحيحي بإزاء







مفهوم مبيّن، كعنوان الناهي عن الفحشاء، و قد أنكر الأستاذ «ره» هذه الثمرة بناء على مذاقه من عموم البراءة للشبهة الحكمية و







الموضوعة، و امّا شيخه المعترف بالتفصيل فإنكاره للثمرة مبني على حسبان ان الشبهة تكون حكمية و لأجل إجمال من جهة النص انّ







الألفاظ تكون موضوعة بإزاء ذوات الأجزاء لا عنوان النافي عن الفحشاء، و هو فاسد من جهة عدم جامع مركب بين الأفراد الصحيحة،







يكون هو المسمّى بلفظ الصلاة مثلا. فهي مرفوعة بحديث الرفع، لكنه بمعزل عن التحقيق، و لو صحّ جرت























الصفحة 141







العقلية أيضا. ثمّ انّا لو قلنا بالبراءة في هذه المسألة، فانّما نقول بها في الشبهة الحكمية دون الشبهة الموضوعية لأجل اشتباه الأمور







الخارجية، مع كون متعلق التكليف مفهوما مبنيا، كما إذا أمر بصوم ما بين الهلالين بما هو هذا العنوان، أعني هذا العنوان بما هو هذا







العنوان، الّذي مصداقه مجموع أيام الشهر لا أن يكون عنوانا مشيرا إلى آحاد الأيام على سبيل الاستغراق، أو مجموع الأيام على سبيل







الاجتماع، ثم شك في انّ مصداق هذا العنوان هو ثلاثون يوما و تسعة عشرون يوما















قوله: على تنجز التكليف مطلقا:















قد عرفت عدم توقفه عليه، بل احتمال تكليف منجز كاف في حكم العقل بوجوب الأقل، كما في كلّ شك بدوي، كان التكليف على تقدير







ثبوته واقعا منجزا، كما في الدماء و الفروج. و قد عرفت بيان تنجز التكليف بالأقل على تقدير تحققه، فيرجع في الزيادة إلى البراءة.















قوله: مع انّه يلزم من وجوده عدمه:















يعني من وجود الانحلال عدم الانحلال، و يمكن أن يقال: انّه يلزم من وجوب الأقل على حال عدم وجوبه على كلّ حال، فانّ وجوبه على







كلّ حال مستلزم لعدم وجوب الأكثر المستلزم لعدم وجوبه على كلّ حال، و الواسطة هنا واحدة، و في بيان المتن اثنتان.















قوله: نعم، انّما ينحل إذا كان الأقل:















في هذه الصورة أيضا العلم الإجمالي بالتكليف لا ينحل و انّما يجب الأقل على كلّ حال، تحصيلا لما فيه من الغرض، و ذلك لوضوح انّ







التكليف للتوجه إلى متعلق واحد واحد و ان نشأ من ألف غرض، فإذا تردد التكليف بين أن يكون متعلقا بالأقل أو بالأكثر و كان على







تقدير تعلقه بالأكثر ناشئا من غرضين: غرض قائم بالأقل، و آخر بالأكثر، أو مرتبة منه قائما بالأقل و أخرى قائما بالأكثر، وجب







الاحتياط بمقتضى هذا العلم الإجمالي بإتيان الأكثر، و كون الأقل واجب الإتيان عقلا على كلّ حال تحصيلا لما فيه من الغرض، لا يوجب







رفع اليد عمّا يقتضيه العلم الإجمالي، بالتكليف من الاحتياط.















نعم، إذا كان الجزء الزائد على تقدير وجوبه مستقلا بالتكليف انحلّ العلم الإجمالي بالتكليف، و كان من قبيل دوران الأمر بين الأقل و







الأكثر الاستقلاليين،























الصفحة 142







الجاري فيه البراءة بلا إشكال.















قوله: هذا مع انّ الغرض الداعي:















يمكن أن يقال: انّ الغرض الباعث على الطلب الثابت في متعلق الطلب لا يزيد على الغرض المترتّب على الطلب الثابت في موضوع







الإطاعة، كما يقوله من لا يرى الأوامر و النواهي ناشئا من المصالح و المفاسد في المتعلق، فكما انّ الغرض الثاني لا يجب تحصيل القطع







بحصوله بإتيان ما يقطع بحصول الإطاعة معه، بل يقتصر على الإتيان بما هو مكلف به يقينا، كذلك الغرض الأول، و تكون الإطاعة







الواجبة بحكم العقل مقياسا للغرض اللازم تحصيله بحكم العقل، بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر و لا ينقص، فكما انّ العقل لا يلزم بإتيان







أزيد ممّا علم دخله في المأمور به من الأجزاء، إن كان هو تمام المأمور به أو لم يكن كذلك، لا يلزم برعاية الغرض المحتمل تحققه في هذا







الأجزاء المعلوم دخله في المأمور به، و لا يوجب تتبع ما وراء ذلك، و ان احتمل كون الغرض فيه و كونه هو المأمور به. و بالجملة: أحد







احتمالي العلم الإجمالي تكليفا و غرضا يكون هو المنجز دون الاحتمال الآخر، و لو سلّمنا وجوب تحصيل العلم بحصول الغرض في







سقوط الأمر لم يكن فرق بين الغرضين، أعني الغرض الموجود في ذات الفعل الناشئ منه الأمر، و الغرض المترتب على عنوان الإطاعة. و







الحقّ: انّ الغرض طولي بالنسبة إلى















التكليف، و لا يليق ان يتكلم فيه في عرض التكلم عن التكليف، فإذا فرضنا جريان البراءة عن الأكثر، و انّه يثبت به تعلق الأمر بالأقل،







ثبت به كون متعلق الغرض أيضا هو الأقل، و كان كما لو قام الدليل الاجتهادي على وجوب الأقل.















قوله: بل من ذهب إلى ما عليه غير المشهور:















غير المشهور، و منهم المصنف «ره» هم المكتفون في التكليف من الأمرين، أعني ثبوت المصلحة في الأمر و ثبوته في المأمور به، فانّ







ثبوته في المأمور به على هذا المذهب يكون محتملا، فلا يقطع بسقوط الأمر بإتيان الأقل، لاحتمال أن يكون الغرض مترتبا على الأكثر.







و فيه: انّ الغرض في الأمر إذا لم يكن مما يجب القطع بحصوله في سقوط الأمر على خلاف الغرض في المأمور به كانت النتيجة عند الشك







تابعة لأخسّ الاحتمالين، و هو كون الغرض في























الصفحة 143







الأمر، فيكون العقل مستريحا من جهة الغرض و يبقى همه مصروفا في تحصيل الإطاعة فقط، و المفروض الاكتفاء في تحصيلها بالإتيان







بما يقطع بكونه مأمورا به، فيكون مذهب غير المشهور من العدلية في مسألة البراءة مطابقا لمذهب الأشاعرة.















قوله: كيف، و لا إشكال في إمكان الاحتياط هاهنا:















القائل بإمكان الاحتياط لا بدّ له أن يرفع اليد من اعتبار قصد الوجه مطلقا أو في خصوص مورد الحاجة إلى الاحتياط، و إلاّ فقصد الوجه







بمعنى الإتيان بالمأمور بداعي العلم بالأمر إيجابا أو استحبابا، ممّا لا يعقل في الإتيان بالأكثر، و ان تعقّلناه في المتباينين. بتقريب: انّ







العلم الإجمالي بالأمر بأحد الفعلين يدعو إلى الإتيان بمجموع الفعلين، فان الأقل هاهنا معلوم الوجوب تفصيلا، فيعقل إتيانه بداع العلم







بالأمر، و الجزء الزائد عليه مشكوك الوجوب فلا يعقل إتيانه إلاّ بداعي احتمال الأمر. و المفروض انّه غير كاف، و دعوى انّ المأمور به







الواقعي الحاصل في ضمن الإتيان بالأكثر يأتي به بداعي العلم بالأمر، فلا خلل في قصد الوجه.















نعم، قد اختل تميز المأمور به الواقعي عن غيره، فلا يعرف الاجزاء الواجبة عن غير الواجبة، و معرفته أيضا غير معتبر.















مدفوعة: بأنّ الداعي انّما يدعو إلى الأعمال الخارجية لا إلى عنوان المأمور به، و الأفعال الخارجية بين معلوم الوجوب، و هو الأقل،







فيمكن أن يصدر عن مبدأ العلم بالأمر و بين غيره، فلا يمكن أن يصدر إلاّ عن مبدأ احتمال الأمر، فلا محالة يكون قصد الوجه بالنسبة







إلى الجزء المشكوك الوجوب مفقودا. و من ذلك يظهر انّ تردد الجزء المشكوك بين كونه جزءاً للماهية المأمور بها، و بين كونه جزءاً







للفرد، و هي الاجزاء المستحبة، ممّا لا يجدي في تحقق هذا المعنى، و هو قصد الوجه بالنسبة إليه و إن كان محققا بالنسبة إلى غيره من







الاجزاء المعلوم الوجوب.















قوله: فلا وجه معه للزوم مراعاة الأمر المعلوم:















لعل المراد من العبارة هو انّ قصد الوجه كما لا يتيسر في إتيان الأكثر كذلك لا يتيسر في إتيان الأقل، لاشتراكه معه في عدم العلم بتعلق







الأمر به، فكيف يؤتى به بداعي العلم بالأمر و امّا العلم























الصفحة 144







بالأمر الحاصل من تردد المأمور به بين الأقل و الأكثر فيكون الأقل مأمورا به، على كلّ حال، فهو لا يجدي في البعث نحو إتيان المأمور







به، و ذلك لما عرفت: انّ الأمر لا يدعو إلاّ إلى تمام ما تعلق به لا إلى بعض ما تعلق به، و كون الأقل هو تمام ما تعلق به غير معلوم حتّى







يبعث الأمر نحوه.















نعم، المعلوم هو انّه ممّا تعلق به الأمر بالأعم من كونه تمامه أو بعضه، و هذا لا يجدي في حصول الداعي. و حينئذ فإن كان قصد الوجه







دخيلا في حصول الغرض، لا جرم يسقط وجوب امتثال الأمر بسبب عدم التمكن من الإتيان من تحصيل الغرض، و كان الإتيان بذات







الأقل كالإتيان بذات الأكثر لغوا، و إن لم يكن دخيلا وجب الإتيان بالأكثر لأجل تحصيل القطع بالغرض.















و على كلّ حال يكون الإتيان بالأقل باطلا، بل امّا أن لا يجب شي‏ء أو يجب الإتيان بالأكثر. هذا، و لكن مبنى كلام المجيب هو التمكن من







قصد الوجه في إتيان الأقل مع احتمال دخله في حصول الغرض، فيدور الأمر بين مراعاة قصد الوجه و بين إتيان الأكثر حيث لا يمكن







الجمع بينهما و كلّ منهما روعي، ينتفي الآخر، و من أجله لا يقطع بحصول الغرض، فلا جرم يكون القطع بحصول الغرض غير لازم







لتعذره، فيبقى إطاعة الأمر واجبا، و اللازم منها هو الإتيان بما يقطع بتعلق الأمر به، فيرجع نزاع المصنف «ره» معه كبرويا، و إلى







إمكان الإتيان بالأقل الّذي علم تعلق الأمر به بقصد الوجه و عدمه.















قوله: و امّا النقل فالظاهر انّ عموم:















قد تقدم بطلان التفصيل بين حكم العقل و النقل، فانّ مناط الشمول و اللاشمول فيهما واحد، فان أدرج المقام تحت العلم الإجمالي الدائر







بين المتباينين لم يحكم العقل بالبراءة و لا يشمل الأدلة النقليّة و لو لأجل تزاحم فردين من أفرادها، حسب ما قرر في دوران الأمر بين







المتباينين، و إلاّ حكم العقل و شمل الدليل النقلي، و قد نبّه على ذلك الأستاذ العلامة في مجلس البحث و رجع عما هنا.















قوله: و هذا كاف في صحة رفعها:















إن أراد صحة رفعها تبعا و برفع منشأ























الصفحة 145







انتزاعها، و هو الأمر بالأكثر، كما هو صريحه هنا، المطابق لمذهبه، من عدم كون الجزئية قابلة للجعل بالاستقلالي، فلا تكون قابلة







للرفع بالاستقلالي، و إن كان صريحه في مقامين من مبحث الاستصحاب خلافه، فالأصل المذكور يكون معارضا بأصالة البراءة من الأمر







بالأقل، لأنّ العلم الإجمالي حاصل بوجوب الأقل، امّا ضمنا و في ضمن الأكثر، أو استقلالا، و أصالة البراءة من وجوب الأكثر الّذي هو في







قوة أصالة البراءة، من وجوب الأقل ضمنا، يكون معارضا بأصالة البراءة من وجوب الأقل استقلالا، و إن أراد صحّة رفعها استقلالا فهو،







و إن كان يطابق كلامه في مبحث الاستصحاب، لكن يخالف مذاقه في الجزئية من عدم كونها قابلة للجعل الاستقلالي، فان ما لا يكون







قابلا للجعل الاستقلالي لا يكون قابلا للرفع الاستقلالي، بل يكون وضعه و رفعه بوضع منشأ انتزاعه و رفعه.















قوله: لا يكاد يتوهم هاهنا:















و ذلك لأنّ الانحلال المتوهم فيه كان منشؤه وجوب الاجزاء ضمنا على تقدير وجوب الأكثر، حتى صحّ أن يقال: انّ الأقل واجب على كلّ







حال، امّا استقلالا أو في ضمن الأكثر. و هذا كما ترى يختص بالاجزاء الخارجية، لأنّ المتّصف بالوجوب هو ما في الخارج، فإجزاء ما في







الخارج يتصف بالوجوب الضمني دون ما في العقل، لتتصف الأجزاء العقلية بالوجوب التبعي، ثم لو تمّ الانحلال هنا أيضا، فالذي يكون







واجبا ضمنا بوجوب الخاصّ هي الطبيعة اللا بشرط المقسمي، و هي الطبيعة المهملة دون الطبيعة المطلقة، فانّ التقييد يرد على هذه







الطبيعة فيكون المتيقن وجوبه هي هذه الطبيعة، و ذلك لا يجدي في المطلوب، و هو جواز الاقتصار على سائر أفراد الطبيعة، فانّ سائر







الأفراد مباينة للأكثر، أعني الخاصّ المعلوم وجوبه، لأنّها مقيدة بقيود تخالفه لا انّها داخلة فيه و جزء منه، هذا، و لكن لو صحّ ما ذكر بطل







الانحلال في الاجزاء الخارجية أيضا، فانّه لو لا لحاظ الاجتماع و التركب لم يكن عنوان الكلية و الجزئية، و كانت أجزاء المركب أمورا







متباينة متشتتة، و معلوم إذا جاء اللحاظ في البين صار التركب عقليا، إذ لا موطن للحاظ إلاّ العقل، فصار المركب من أجزاء الأقل مباينا







للمركب من























الصفحة 146







أجزاء الأكثر، لا ان يكون الأول داخلا في الثاني. نعم، ذات الأجزاء يكون داخلا و يكون التوصيف بالأقلية و الأكثرية أيضا بهذا الاعتبار.







لكن عرفت: انّ لا أمر بذات الأجزاء كذلك، و إلاّ تعدد الأمر بتعدد الأجزاء، و خرج عن الأقل و الأكثر الارتباطي إلى الأقل و الأكثر







الاستقلالي.















قوله: نعم، لا بأس بجريان البراءة النقليّة:















التخصيص بالنقلية من جهة انّ مبناه في الشك في الجزئية أيضا ذلك، و الظاهر انّ منشأ التفصيل بين مسألة الشكّ في الشرطية و مسألة







دوران الأمر بين وجوب المطلق و وجوب الخاصّ، هو: انّ للشرط و المشروط وجودان في الخارج، اعتبر أحدهما مقيدا بالآخر، فالتعدد







حقيقي و الوحدة اعتباريّة، فصحّ أن يقال: انّ المتيقن وجوب الإتيان بأحد الوجودين، و هو المشروط، و وجوب الآخر مشكوك، يرفع







بالأصل، و هذا بخلاف الخصوصية في الخاصّ، فانّه موجود بعين وجود الكلي الحاصل في ضمن تلك الخصوصية، فالوحدة حقيقته و







التعدد اعتباري، فلا يصحّ أن يقال: انّ هذا الوجود الواحد باعتبار انّه وجود للكلي واجب، و باعتبار انّه وجود للخصوصية مشكوك







وجوبه يرجع فيه إلى البراءة، و لو لا ذلك لم يكن فرق بين المسألتين، فان دوران الأمر بين المشروط بشي‏ء و بين المطلق عن ذلك







الشرط أيضا وجود خاص، غاية الأمر خصوصيته اعتبارية لا حقيقية، فيكون وجوده من غير ذلك الشرط مباينا لوجوده مع ذلك الشرط







لا جزءا منه، و امّا الحاجة في المشروط إلى ضمّ شي‏ء زائد على الذات في الخارج بخلافه في مسألة الخاصّ، فهذا لا يجدي في ما هو







المطلوب، لأنّ هذا الزائد















غير دخيل في المأمور به على الذات في الخارج، بخلافه في مسألة الخاصّ، فهذا لا يجدي في ما هو المطلوب، لأنّ هذا الزائد غير دخيل في







المأمور به، و انّما يؤتى به مقدمة لتحصيل الخصوصية المعتبرة إذا لم تكن حاصلة، و مثل هذا الاحتياج موجود في الوجود الخاصّ أيضا،







فإذا أمر بعتق مؤمنة و لم يتمكن منها وجب السعي إلى إهداء الكافرة إلى الإيمان أولا، ثمّ عتقها.















قوله: الثاني: أنّه لا يخفى انّ الأصل فيما إذا شك في جزئية شي‏ء:















اعلم انّ الجزئية























الصفحة 147







بالنسبة إلى حال النسيان ليس بمعنى الجزئية للمأمور به الفعلي للقطع بعدم الأمر فعلا بالمركب من الجزء المنسي و غيره، بل بمعنى







دخل الجزء المنسي في متعلق الغرض، و عليه فلا معنى لإجراء البراءة عن الجزئية، فانّ البراءة شأنها رفع التكليف الفعلي، و عدم







التكليف الفعلي بالمركب قطعي، و الشك انّما هو في التكليف الفعلي بما عدى الجزء المنسي، و الأصل البراءة عن هذا التكليف الفعلي،







الّذي هو لازم الجزئية، بمعنى الدخل في متعلق الغرض. هذا، مع انّ البراءة شأنها التخفيف و التسهيل، و إجرائها هاهنا في الجزء المنسي







تثمر التشديد، ان أثبت وجوب الباقي، و يكون لغوا ان لم يثبت، إلاّ أن يقال: العلم حاصل بتوجه التكليف فعلا امّا إلى الناقص و في هذا







الحال، أو إلى التام بعد رفع النسيان، و مقتضى ذلك هو الاحتياط بإتيان الناقص فعلا و التام بعد رفع النسيان هذا إذا كان ارتفاع







النسيان بعد خروج الوقت، امّا إذا كان في الوقت فالعلم حاصل بتوجه التكليف، امّا إلى الكلي المنطبق على كلّ من الناقص في هذا الحال







أو التام بعد رفع النسيان، أو توجهه إلى خصوص التام بعد رفع النسيان، فيكون من الدوران حين التخيير و التعيين، فيبتني على الأصل







في تلك المسألة.















امّا مع عدم هذا العلم فالبراءة تجري عن الناقص في هذا الحال، و عن التام بعد رفع النسيان، كما في كلّ علم إجمالي بين أطراف







تدريجي الحصول، هذا إذا لم يكن إطلاق يقتضي وجوب التام بعد رفع النسيان، و إلاّ وجب تمسكا بخطاب:















أقيموا الصلاة في الوقت، و بدليل: اقض ما فات في خارج الوقت. هذا كلّه بعد معقولية تكليف الناسي بما عدى الجزئي المنسي، و إلاّ كان







عدم التكليف بالنسبة إلى كلّ من الناقص و التام قطعيا.















و الظاهر: انّ المعقولية ممّا لا ينبغي الريب فيه، و إن كان الخطاب بعنوان الناسي غير معقول، فانّ التكليف الّذي هو الإرادة النفسانيّة لا







يتوقف معقوليته على جواز الخطاب على طبقه، و لا مانع من إرادة الباقي من الناسي، و امّا بعثه فلا حاجة إليه، لأنّ الناسي بنفسه ينبعث







بتوهم دخوله تحت الخطابات المتوجهة























الصفحة 148







إلى العمل التام، بتوهم انّ عمله تام، و الحاجة إلى البعث انّما هو لأجل التحريك نحو المراد، فإذا كان سبب التحريك موجودا لم تكن







حاجة بعد إلى البعث. هذا كلّه مع قطع النّظر عن حديث «لا تعاد»، و إلاّ فالأمر واضح.















قوله: لا يذهب عليك انّه كما يمكن رفع الجزئية:















توجيه خطاب الرفع إلى الناسي حال نسيانه بمثل حديث الرفع أيضا غير معقول الغفلة عن نسيانه، فلا يختص الغير المعقولية بالخطاب







بالدليل الاجتهادي، و امّا بعد رفع النسيان فكل من الخطابين معقول بلا إشكال، و لذا وقع التمسك بحديث «لا تعاد» منضما إلى حديث







الرفع.















قوله: بعنوان آخر عام أو خاص:















المراد من العموم هو العموم لكل ناس، كما إذا فرض انّ غلبة البلغم يلازم النسيان، فوجه الخطاب بعنوان بلغمي المزاج، و امّا الخطاب







الخاصّ فهو أن يوجه الخطاب إلى كلّ واحد من الأفراد الناسين بشخصه، و لكن ليس لنا في الشريعة خطاب شخصي. و قد عرفت انّه لا







حاجة إلى هذه التكليفات، بل إرادة الباقي منه، ثمّ تنبيهه على ذلك بعد النسيان، بمكان من الإمكان، من غير حاجة إلى بعثه في حال







النسيان، لحصول الغرض من البعث بنفس الخطابات الواقعية.















قوله: الثالث: انّه ظهر ممّا مرّ حال زيادة الجزء إذا شك في اعتبار عدمها:















اعلم:















انّه لا فرق فيما ذكر في مسألة الأقل و الأكثر، بين أن يكون الزائد الّذي شك في دخله أمرا وجوديا أو عدميا، فعلى القول بالبراءة في







تلك المسألة جاز ترك ذلك الأمر العدمي، الّذي شك في دخله بإتيانه عمدا، فضلا عن الجهل و النسيان.















نعم، هناك إشكال آخر أجنبي عن إشكال مسألة الأقل و الأكثر، و يعمّ هذا الإشكال لصورة ترك ما يشك في دخل وجوده، بل يعمّ هذا







الإشكال ترك ما يقطع بعدم دخله، وجوديا كان أو عدميا.















و حاصل الإشكال هو: انّه لو كان العمل عباديا و قصد الشخص قصد التقرب و الامتثال بمجموع الزائد و المزيد عليه، امّا عمدا تشريعا







أو سهوا أو جهلا، و باعتقاد الأمر، فهل تقع عبادته صحيحة لقصده الامتثال بها، و قصده للزيادة























الصفحة 149







لا يضر، بل يبطل الزائد بنفسه و يصحّ هذا، أو تقع باطلة، لأنّ ما قصد التقرب به، و هو المجموع المركب غير قربي، و ما هو قربي، و هو







خصوص المزيد عليه، لم يقصد الامتثال و التقرب به.















الحق في خبر الزيادة السهوية، أعني الزيادة العمدية، امّا تشريعا أو جهلا، قصوريا أو تقصيريا، هو الثاني. لأنّ الداعي إلى الجزء في







المركبات هو الداعي إلى المجموع، و المفروض انّ الداعي إلى المجموع في المورد لم ينشأ من أمر واقعي، بل من أمر اعتقادي أو بنائي،







و الأمل الواقعي المتعلق بالجزء لم يكن داعيا فعلا، و إن كان في صورة الجهل، لو التفت إلى انّ الأمر متعلق بالجزء لدعاه إلى إتيان







الجزء، لكن فعلا ليس داعيه إلى إتيانه ذلك.















نعم، إذا كان في مورد الجهل القصوري أمر ظاهري بالمجموع، كما إذا أدّى اجتهاده إلى وجوب المجموع فأتي به، ثم ظهر خطؤه، فانّه لا







يبعد الحكم بالصحّة و الاجزاء لأنّه قصد امتثال الأمر الظاهري، و هو و إن لم نقل باقتضائه للأجزاء، لكن هاهنا يجزي لأنّه طابق الواقع







بالنسبة إلى البعض المأتي، و لا دليل على اعتبار قصد التقرب بالأمر الواقعي استقلالا، بل كفى التقرب به ضمنا.















قوله: مع عدم اعتباره في جزئه:















يعني لم يقطع باعتبار عدمها في جزء الواجب، إذ لو قطع كان بذلك إتيانه نقصا لذلك الجزء، و فيه: انّ الزيادة ان قطع بعدم دخل







عدمها في المركب و لا في جزئه، فلا إشكال انّها بما هي زيادة غير مضرّ إلاّ أن يؤل الأمر إلى النقيصة أيضا، من جهة عدم التقرب







بالعمل العبادي، و هو خصوص المزيد عليه، و إلاّ كان مآلها امّا إلى النقيصة، ان قطع بدخل عدمها في المركب أو في جزئه، أو إلى الشك







في النقيصة، ان شك في كلّ من الأمرين. و على كلّ حال لا يكون للبحث عن الزيادة بما هي زيادة محل، بعد البحث عن النقيصة.















قوله: و ذلك لاندراجه:















تعليل لقوله ظهر.















قوله: و امّا لو أتي به على نحو يدعو إليه على أيّ حال:















دعوته إليه على أي حال لا يجدي في وقوع العمل فعلا صحيحا، لأنّ المعيار في وقوع العمل صحيحا، صدوره























الصفحة 150







فعلا لأجل التقرب بالأمر الواقعي، و المفروض في المقام صدوره فعلا لأجل التقرب بالأمر التشريعي، و إن كان لو لا دخل الزيادة







تشريعا لكان آتيا أيضا بالعمل، لكن ذلك داعي آخر حادث على تقدير عدم التشريع بالزيادة، و امّا داعيه فعلا حال التشريع، فداعي







تشريعي لا واقعي، لكي يحكم بالصحّة.















نعم، إذا كان داعيه فعلا هو الأمر الواقعي و شرع في ادعائه تعلق ذلك الأمر بالكل، و هو في الواقع متعلق بالبعض، لم يبعد الحكم







بالصحّة. و مقصود المصنف أيضا هو هذه الصورة، كما يظهر من تعليله.















قوله: باستصحاب الصحة:















استصحاب الصحة على تقدير سلامته من الإشكال يختص بما إذا لم يقصد الإتيان بالزيادة من أول الأمر، و أيضا لم تكن الزيادة واقعة







في ابتداء العمل، و إلاّ جاء احتمال عدم الانعقاد من أول الأمر، و لم يكن متيقن سابق ليستصحب.















قوله: لاستقلال العقل بالبراءة عن الباقي:















إلاّ أن يعلم إجمالا بتوجه الخطاب بأحد فعلين، امّا الناقص في هذا الحال أو التام بعد رفع الاضطرار، فانّه يجب عليه الاحتياط بالجمع بين







أطراف العلم الإجمالي، و قد تقدم ما ينفع في المقام في مسألة نسيان الجزء، فانّ الكلام في المسألتين واحد، و ان اختلف كلام المصنف







«ره» فيهما، لكن الحق ما ذكره هنا.















قوله: فانّه يقال: انّه لا مجال هاهنا لمثله بداهة:















مضافا إلى ما عرفت في مسألة نسيان الجزء: انّ حديث الرفع انّما يرفع التكليف، و عدم التكليف هاهنا قطعي، و أيضا لا يثبت تعلق







التكليف بالباقي، و لا يقاس المقام على الموارد التي ثبت فيها أصل التكليف، كما في الشك في أصل الجزئية.















قوله: في بعض الصور:















و هي صورة طرو العجز بعد دخول الوقت و توجه التكليف إلى الكل.















قوله: و لكنّه لا يكاد يصحّ الأبناء على صحة:















فيقال: ما عدى الجزء المتعذر من الاجزاء كان متصفا بجنس الوجوب الشامل للأصلي و التبعي، و الآن أيضا























الصفحة 151







على اتصافه، و إن كان الفرد المتيقن من هذا الاتصاف هو الاتصاف بالوجوب التبعي، و الفرد المشكوك منه هو الاتصاف بالوجوب







الاستقلالي.















قوله: أو على المسامحة في تعيين الموضوع:















غرضه استصحاب اتصاف الباقي بالوجوب الأصلي، حيث يكون المتعذر جزءا يسيرا لا يضرّ فقده بتوصيف البقية عرفا بالوجوب







الأصلي، كما في توصيف الماء بالكرية بعد أخذ مقدار يسير منه، لكن يتجه عليه انّهم لا يعتبرون المسامحات العرفية في القيود المعلوم







دخلها، كما في المقام.















و انّما يعتبرونها في القيود المشكوك دخلها، و إن كان وجه التفصيل غير معلوم لنا.















قوله: لا بيانية و لا بمعنى الباء:















لا يحتمل البيانية في الرواية، إذ لا تفيد إيضاحا، لم يكن حاصلا من قبل، و شأن من البياني ذلك. نعم، كونه بمعنى الباء خلاف الظاهر.















قوله: إلاّ انّ كونه بحسب الاجزاء غير واضح:















التبعيض لا يكون إلاّ بحسب الاجزاء إذ الفرد ليس بعضا من الكلي، بل في الخارج هو هو، و على تقدير التسليم يشمل النبوي الجزء و







الفرد جميعا، و ليسا هما مانعة الجمع، حتى إذا شمل الفرد لا يشمل الجزء، كما يظهر من المصنف. و منه يظهر: انّ غاية ما يقتضيه مورد







النبوي شموله للفرد لا عدم شموله للجزء، فبمقتضى الإطلاق يحكم بإرادة الأمرين جميعا.















نعم، لو كان ظاهر في الجزء و بقرينة المورد رفع اليد عن هذا الظهور، دار الأمر بين حمله على الفرد و على الكلي الجامع بين الفرد و







الجزء المعبر عنه بعموم المجاز، لم يكن أحد المجازين أولى من الآخر، فيحصل الإجمال، و كان المتيقن دخول الفرد في الحكم، امّا







استقلالا أو في ضمن الكلي الشامل له و للجزء.















قوله: لاحتمال إرادة عدم سقوط الميسور من افراد العام:















لا يخفى ظهور عدم السقوط في الثبوت العيني، و ليس الثبوت في افراد العام عينيا، فلا بد أن يراد من عدم السقوط عدم سقوط الجزء







الميسور من المركب بتعسر الجزء المعسور منه، أو يراد عدم سقوط واجب بتعسر واجب مستقل آخر لكن الثاني باطل، فيتعين الأول،







إذ ليس ممّا يتوهم فيه السقوط ليحتاج إلى البيان، مع انّ إرادته لا تنافي إرادة الأول أيضا.























الصفحة 152







قوله: مضافا إلى عدم دلالته على عدم السقوط لزوما:















انّ ظهور هذه الرواية و كذلك الرواية الآتية في انّ حكم الميسور لا يتغير بتعسر المعسور، فهو باق على حكمه، كائنا ما كان، ممّا لا يقبل







الإنكار. فلا مجال لهذا الكلام أصلا. ثمّ على تقدير التسليم لا ريب في تقديم ظهور الفعل، و هو قوله: لا يسقط في الوجوب على ظهور







متعلقه في العموم و الشمول للواجب و المستحب، كما قيل في مثل لا تضرب أحدا، مع انّ ظهور الفعل في المقام بالوضع و ظهور متعلقه







بالإطلاق، فتختص الرواية حينئذ بالواجبات. و ممّا ذكرنا، ظهر ما في كلام المصنف في الرواية الثالثة.















قوله: لصدقه حقيقة عليه:















صدقه عليه مطلقا، ممنوع. نعم، لا يبعد الصدق فيما إذا كان للشرط وجود مستقل اعتبر المشروط مقيدا به، فشابه الجزء في ذلك، كما في







الطهارة و الستر، امّا في مثل الرقبة المؤمنة، فالرقبة الكافرة مع تعذر المؤمنة، تعد مباينة لها لا ميسورة منها، و كذلك الفاسق للعادل و







العامي للمجتهد.















قوله: فيما إذا لم يصدق عليه الميسور عرفا:















انّ صدق الميسور من المركب عرفا لا يختص بمعظم الاجزاء منه، بل يصدق، و هو كان الميسور جزءا واحدا، و إلاّ لم يصدق المعسور منه







أيضا إلاّ بتعسر معظم اجزائه، فيحصل التدافع بين الفقرتين.















ثمّ لو سلّمنا اختصاص هذه الرواية بمعظم الاجزاء فكفى للعموم الرواية الأخرى، و هي رواية «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه».















خاتمة: في شرائط الأصول















قوله: امّا الاحتياط فلا يعتبر في حسنه شي‏ء:















ليس الاحتياط الّذي لا يعتبر في حسنه شي‏ء، من الأصول العملية الأربعة، التي يتكلّم الآن في شرائطها، فان ما هو معدود من الأصول







الأربعة هو الاحتياط الواجب، المختص بمورد العلم الإجمالي و الاحتياط الحسن، احتياط يعمّ مورد العلم الإجمالي و الشك البدوي، بل و







على























الصفحة 153







ما تقدّم من المصنف مورد قيام الأمارة. و على ما ذكرناه فالاحتياط الواجب أيضا يكون مشروطا بشرائط سائر الأصول، إلاّ أن يقال:







انّ الاحتياط يجب بمجرد حصول العلم الإجمالي، و جواز الفحص لرفع العلم الإجمالي لا يمنع من الوجوب في موضوع العلم الإجمالي.















ثمّ اعلم: انّ الأصول العقلية موضوعها هو عدم الظفر بالتكليف في طريق اعتاده المولى في بيان تكاليفه اعتيادا شخصيا، أو كان عادة







النوع، و امّا الفحص فليس بنفسه عنوانا يعتبر في جريان الأصول، و انّما يلزم أحيانا لأجل تحقيق هذا الموضوع. فإذا كانت عادة المولى







إيصال التكليف و تسليمه بيد العبد، فبمجرد عدم الوصول يحكم العقل بحكم الأصل، بلا حالة منتظرة، و توقف على التفتيش و الفحص.







و إذا كانت عادته إيداعه في كتاب أو عند شخص أو بيانه بطريق السؤال عنه، احتاج إلى الفحص و التفتيش عن هذه الطرق، لاحتمال







وجود التكليف فيها، و العقل لا يعذر العبد في إجراء البراءة لأن موضوعها، و هو عدم الظفر بالتكليف في طريق اعتاده المولى، لا







يحصل حتى ينظر في ذلك الطريق، ثم لا يظفر بالتكليف فيه. و من ذلك يظهر ما في كلام المصنف «ره».















قوله: إلاّ إذا كان موجبا لاختلال النظام:















إن كان اختلال النظام غير مانع عن التكليف، كان الاحتياط على حسنه، و إن كان مانعا، لم يتحقق موضوع الاحتياط بالنسبة إلى







التكليف، و امّا الاحتياط لإدراك مصلحة التكليف فليس مصلحته إلاّ إدراك مصلحة التكليف، و هذا يحصل بالإتيان بالأطراف، و ان وقع







في محذور أشد و مفسدة أقوى، قائمة في بعض الأطراف. نعم، يلام على إتيان ذي المفسدة بل و إتيان ذي المصلحة أيضا، لأنّ الآمر إذا







دار بين إتيان الجميع و ترك الجميع حكم العقل، مع غلبة مفسدة ذي المفسدة على مصلحة ذي المصلحة، بترك الجميع، فلو خالف و أتى







بالجميع يلام على إتيانه، و لكن تترتب على فعل ذي المصلحة مصلحته.















قوله: مع انّه لو لم يكن بهذا الداعي و كان أصل إتيانه:















هذا إذا كان في اختياره























الصفحة 154







لطريق الاحتياط عابثا لم يناف ذلك كون داعيه لإتيان الواجب أمر المولى، و امّا إذا كان متمسخرا بأمر المولى مستهزئا إيّاه، الّذي لعلّه







المراد من اللعب، نافى ذلك كون داعيه لأصل الفعل أمره.















قوله: لقوة احتمال أن يكون المستند مجمل لو لا الكل:















لا يخفى انّ العقل لا يحكم في مقابل الإطلاقات، فتقييدهم للإطلاق أدلة البراءة كاشف عن كون مستند فتواهم دليلا نقليا، وصل إليهم.















قوله: لقوة ظهورها في انّ المؤاخذة و الاحتجاج:















و على ما ذكره لا تصلح الآيات و الاخبار لتقييد إطلاق أدلة البراءة لأنّ مفادها حينئذ وجوب تحصيل العلم وجوبا نفسيا، كما نسب إلى







المحقق الأردبيلي و مال إليه المصنف «ره» هاهنا، و انّما تصلح لتقييد إطلاق أدلة البراءة إذا كان ظهورها في وجوب تحصيل العلم







وجوبا طريقيا، لأجل العمل بالواقع، و ترتب العقاب على ترك الواقع بترك تحصيل العلم، كما يشير إلى ذلك قوله في الرواية: و إن قال:







لا، قيل: هل تعلمت حتى تعمل؟ فتكون دالة على تنجز التكاليف الواقعية قبل الفحص، ثمّ لو سلّم ظهور الاخبار فيما أظفرنا إليه، فلا تبعد







دعوى انصرافها إلى موارد العلم الإجمالي بثبوت التكاليف الواقعية، أو لا أقل من أن يكون محملها القريب جمعا بينها و بين إطلاق أدلّة







البراءة ذلك.















قوله: و لا يخفى اعتبار الفحص في التخيير العقلي أيضا:















ينبغي التقييد بالنقلي فتقييد إطلاق دليل التخيير النقلي، إن كان بعين ما قيل به إطلاق أوّله البراءة، و امّا العقلي، فقد عرفت: انّ موضوع







الأصول العقلية طرأ بعد عدم الظفر بالتكليف في الطرق العادية، فيحتاج الجميع إلى الفحص تارة و لا يحتاج إليه أخرى، حسب اختلاف







عادة المولى في طريق إيصال تكاليفه.















قوله: لعدم التمكن منه بسبب الغفلة:















أو لعدم سعة الوقت له، و إن لم يكن غافلا.















قوله: أو بالالتزام بكون المشروط و الموقت مطلقا:















لكن هذا الوجه لا يجدي في دفع الإشكال بقول مطلق، بل يختص أثره بما إذا علم بتحقق الشرط فيما بعد، امّا إذا























الصفحة 155







احتمل عدمه، كان توجه التكليف إليه غير معلوم ليجب عليه تعلم تفاصيله مقدمة.















قوله: لكنه قد اعتبر على نحو لا تتصف:















ان اعتبر في المأمور به أن يكون حاصل عن مقدمات حاصلة في الوقت، لزم أن لا يجب الفعل الّذي ادّخرت مقدماته و هيئات من خارج







الوقت و لو بداعي انفصالي، و هو باطل بالقطع، و إن اعتبر أن تكون القدرة عليه بمقدماته في الوقت، و إن كان المأتي به عن مقدمات







أتى بها خارج الوقت، لزي أن يجب كلّ من المقدمات الوقتية و الخارج الوقتية وجوبا تخييريا، و المفروض انّه لا تتصف المقدمات







الخارج الوقتية بالوجوب التخييري أيضا.















قوله: فلا إشكال في وجوب الإعادة في صورة المخالفة:















اعلم انّ الواقع الّذي مخالفته و موافقته مناط الحكم بالصحّة و الفساد غير الواقع الّذي مخالفته و موافقته مناط استحقاق العقاب و الثواب.















فالأوّل: عبارة عن كلّ ما أمر به الشارع أمرا أوّليا، أو بعنوان قيام أمارة أو اقتضاء أصل، فكل عمل طابق الواقع أو وافق مؤدّى أمارة أو







أصل صحيح، لأنّ دليل اعتبار تلك الأمارة أو الأصل ذلك، و لا يختص مؤدّاهما بما بعد العلم بهما حتّى لا يصحّ العمل الواقع قبل العلم







المطابق لهما، و كلّ عمل خالف الواقع أو الحجة الغير المعلوم الخطاب كساده و كذا إذا لم يظهر الحال.















و الثاني: عبارة عن الواقع القائمة عليه الحجة، بحيث لو تفحص لظفر بها، فلو خالف عمله الواقع الخالي عن الحجة واقعا، بحيث لو







تفحص أيضا لم يصل إليه، و إن ظفر بحجة أخطأت لم يعد مقصرا، ليصحّ عقابه، كما لا يكفي في استحقاق العقاب مخالفة الحجة فقط مع







موافقة الواقع، إلاّ بناء على ترتب العقاب على مخالفة الأوامر الظاهرية.















قوله: فيما لا يتأتّى منه قصد القربة:















قصد القربة يتأتّى دائما، إذ لا أقل من الإتيان احتياطا و بداعي احتمال الأمر، فمن يكتفي بذلك في غير المقام، فليكتفي























الصفحة 156







به في المقام أيضا.















قوله: و امّا الحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن:















لا يخفى انّ المصنف لم يدفع إشكال استحقاق العقوبة مع عدم التقصير و التعليم في الوقت، فانّه كان له أن يؤخر التعلم إلى آخر الوقت،







و لم يصنع، غير انّه أتى بخلاف الواقع جهلا، و هذا الّذي أتاه، فوت عليه مصلحة الواقع بحكم الشارع، فلا وجه لأن يعاقب العبد عليه.















و الجواب الحاسم لمادة الإشكال، هو أن يقال: انّ دليل كفاية المأتي به عن المأمور به كاشف عن أنّ المأمور به هو الواقع، بشرط عدم







سبق خلافه جهلا، و قد ترك هذا الواقع عن تقصير في تعلم حكمه، و لا يمكنه الإتيان بهذا الواقع، و إن تعلم في الحكم الوقت، لأنّ







المفروض ان شرطه عدم سبق الإتيان بخلافه، و هذا قد تعذر بسبق الإتيان بخلافه، فكلما أتى به بعد ذلك فهو خلاف الواقع، لكان فقد







شرطه.















قوله: لا محالة تكون جارية:















بل لا محالة لا تكون جارية، إذا كان المترتب عليها حكم إلزامي، لأنّ أدلة البراءة سيقت للامتنان، و لا منة في رفع حكم ترتب عليه إثبات







حكم.















نعم، إذا جرى الاستصحاب في نفي الحكم ترتب عليه كافة ما يترتب على الأعم من الواقع و الظاهر من الأحكام الوجودية.















إن قلت: البراءة بنفسها لا مانع من جريانها، فليجر البراءة و لا يرتب عليها ذلك الحكم الإلزاميّ. قلت: المفروض انّ نفي الحكم ظاهرا







موضوع لهذا الحكم، و كيف يعقل ان يثبت الموضوع و لا يترتب عليه حكمه فلا محيص من رفع اليد عن البراءة حتّى لا يلزم منها خلاف







الامتنان و التشديد مع انّ دليلها كان في مقام الامتنان و التسهيل، و لعل هذا مراد من جعل من جملة شرائط أصالة البراءة أن لا يكون







موجبا لثبوت حكم شرعي آخر، لا ما فهمه المصنف، من إرادة إخراج المثبت منها، ليتجه عليه ما وجهه من الإشكال.























الصفحة 157







قاعدة لا ضرر و لا ضرار















قوله: فالظاهر انّ الضرر هو ما يقابل النّفع:















و قد فسّر أيضا بالنقص في الأعيان و بالنقص في الحق و بالضيق و بإدخال المكروه، و الكل خال عن السداد. و الظاهر انّ الضرر هو







الشر الطارئ، و مقابلة النّفع، و هو الخير الطارئ، سواء كان في النّفس أو في المال أو الجاه، فمن كان من بدو خلقته ناقصا أو كاملا لا







يطلق عليه انّه قد تضرر أو انتفع.















نعم، كفى في صدق الضرر فعلية الاستعداد للكمال فحبس دابة الغير عن الحمل أو منع شجره عن الثمر أو عبده عن الوصول إلى مبلغ







درجة الكمال، إضرار له.















قوله: كما انّ الأظهر أن يكون الضرار بمعنى الضرر:















و قد فسّر أيضا مضافا إلى ما أشار إليه المصنف بالضرر مع عدم الانتفاع، مع تفسير الضرر بالضرر مع الانتفاع و لا يخفى انّ التأكيد







مع كونه في حدّ نفسه خلاف الظاهر، ينافيه الاهتمام في الاخبار بذكر أحدهما مع الآخر لا سيّما مع تخلل العاطف، كما انّ تعقيب نفي







طبيعة الضرر الشامل لما كان منه بين الواحد و الاثنين، لما كان منه بين الاثنين، مع عدم اشتماله على مزية يوجب الاهتمام به، لا يخلو عن







ركاكة. و امّا حمله على المجازات على الضرر، فيبطله: انّ المجازات غير منفي في الشريعة، بل مجعول بقوله تعالى: (من اعتدى عليكم







فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) إلاّ أن يحمل على التجاوز عن الحد في المجازات، و لو بدعوى انّ ما يكون منه بمثل ما اعتدى، لا يعد







ضررا، حيث انّه لحكمة حفظ الناس عن الإضرارات.















و امّا إرادة الضرر مع عدم الانتفاع، فيوهنه: انّ اللائق حينئذ تقديم الضرار على الضرر في الذّكر، كما لا يخفى وجهه.















و بالجملة: لم يظهر لنا معنى الضرار، إلاّ انّ إجماله لا يضرّ بالاستدلال بفقرة























الصفحة 158







لا ضرر، فانّهما فقرتان مستقلتان.















قوله: كما انّ الظاهر أن يكون لا لنفي الحقيقة:















لكن حقيقة «لا» ادعاء، كما ارتكبه المصنف «ره» فيراد من نفي الضرر نفي وجود حقيقة العمل الضرري في جملة الأعمال التي قررها







القانون الإسلامي، كما يشهده وجود قيد في الإسلام في بعض الاخبار، فيكون العمل الضرري منفيا وجوده في عداد تلك الأعمال لا في







الخارج، كي يحتاج إلى حمل القضية على النفي الادعائي، فيكون الكلام مسبوقا لبيان انّ ما هو الثابت من الضرر في الخارج خارج عن







الأعمال الإسلامية، و الأصل في ذلك انّ الأعمال المرخصة في شريعة أو دولة بأي أنحاء الترخيص كان إلزاميا أو غير إلزامي، يعد من







إعمال تلك الشريعة، بخلاف الأعمال الممنوعة عنها، فانّها تعد خارجة عن إعمال تلك الشريعة و الدولة، أجنبية عنهما. فإذا أريد بيان







الترخيص و المنع، فكما صحّ أن ينشأ بنفس عبارة الترخيص و المنع، صحّ أن ينشأ بلسان: انّ العمل الكذائي من إعمال هذه الشريعة أو







الدولة، أو ليس من أعمالهما، بل هذه أبلغ في إفادة المقصود.















فتدلّ قضية لا ضرر بأبلغ وجه: على نفي كلّ حكم تكليفي أو وضعي ضرري، و أيضا تدلّ على حرمة الإضرار.















ثمّ انّه قد ذكر لهذا التركيب معاني اخر، غير ما ذكرناه:















أحدها: نفي الحقيقة ادعاء، ذكره المصنّف «ره»، و يتجه عليه مضافا إلى أنّه خلاف الظاهر و لا يصار إليه، مع إمكان الحقيقة على الوجه







الّذي ذكرناه.















أوّلا: انّ هذا لا ينفي الضرر الناشئ من عدم الحكم، كالضرر اللازم من عدم الحكم بضمان منافع الحر.















و ثانيا: انّ نفي الحقيقة ادعاء، انّما يصحّ بانتفاء الآثار و الأحكام المترتبة على تلك الحقيقة، فإذا كان حكم مترتب على موضوع الضرر







جاز نفي حقيقة الضرر بانتفاء ذلك الحكم، امّا الحكم المنبعث منه الضرر، المترتب على موضوع آخر، فانتفاؤه لا يوجب نفي حقيقة







الضرر.























الصفحة 159







الثاني: ما ذهب إليه شيخ مشايخنا المرتضى «ره» من تقدير الحكم الّذي يلزم منه الضرر تكليفيا كان أو وضعيا، أو على طريق ذكر







الضرر و إرادة سببه، فيكون المنفي هو الحكم الضرري، و هذا مع انّه خلاف الظاهر يتجه عليه ثاني الإشكالين المتقدمين.















الثالث: تقدير الصفة، فيكون المنفي هو الضرر الغير المحكوم بالتدارك شرعا، أو نفي حقيقة الضرر ادعاء، بلحاظ الشارع بتدارك ما







يوجد من الضرر، فان وجوده حينئذ كلا وجود، فانّ الضرر بعد تداركه في الخارج بما يوازيه من النّفع لا يعد ضررا حقيقة، و امّا







المحكوم بالتدارك فانّه، و إن عدّ ضررا حقيقة، لكن صحّ نفي الضرر ادعاء، بلحاظ هذا الحكم. و فيه، مضافا إلى كونه خلاف الظاهر: انّ







الرواية حينئذ لا تنفي الأحكام الضررية، التي لا يعقل في مواردها الحكم بالتدارك، كالصوم الضرري و الغسل الضرري، فتختص







بموارد الإضرارات المالية، كالإتلافات و الغبن في المعاملة، و حبس الحر عن العمل.















الرابع: إرادة النهي من النفي، كما في مثل (لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحجّ)، و هو مع كونه خلاف الظاهر، بل لا يمكن في بعض







الروايات، يتجه عليه الإشكال بعدم دلالية حينئذ على نفي الحكم الضرري من قبل الشارع، كالوضوء الضرري و الصوم الضرري، بل و لا







على ثبوت التدارك في الضرر الوارد من بعض على بعض، و انّما مفاده مجرد الحكم التكليفي، و هو حرمة الضرر.















فتحصل: انّ المتعين في معنى الرواية هو ما ذكرناه على كون الضرر بمعناه الاسمي.















نعم، يحتمل أن يكون الضرر بمعناه المصدري، فيكون مفاد الرواية: انّ الشارع لا يورد الضرر على أحد بسبب تشريع حكم ضرري، و







هذا غير تقدير الحكم.















قوله: و قد انقدح بذلك بعد إرادة:















نعم، بعيد، لكن على وجه التقدير للحكم لا على وجه حمل الضرر على معناه المصدري، المنطبق على حكم الشارع حكما ضرريا، فان







حكمه ذلك مصداق للإضرار.























الصفحة 160







قوله: بعد إمكان حمله على نفيها ادعاء:















قد عرفت: انّ مصحح النفي الادعائي للحقيقة هو انتفاء آثار تلك الحقيقة المنفية و أحكامها لا أحكام حقائق اخر متصادقة مع تلك الحقيقة







تصادقا جزئيا، كما في المقام، فان الأحكام المترتبة على عنوان الضرر غير منفية بل ثابتة، و انّما المنفي حكم الوضوء و الصوم مثلا، إذا







صارا ضرريان.















قوله: و من هنا لا يلاحظ النسبة:















ينبغي البحث عن انّ دليل نفي الضرر، هل هو حاكم على أدلة الأحكام أو مقدم عليها توفيقا عرفيا، و ان خرج عن عنوان الحكومة، و كذا







العموم و الخصوص أو مخصص لها بغير مورد الضرر أو معارض له بالعموم، من وجه، حتّى يجري عليه أحكام هذا النوع من التعارض،







أو انّ أدلة الأحكام واردة عليه.















الحقّ من بين الوجوه، هو التخصيص، و ان كانت النسبة العموم من وجه، لوجود ملاك التخصيص، فانّه لو أخذ بدليل النّظر لم يلزم طرح







الأدلة رأسا، بخلاف ما لو أخذ بالأدلة، و مجموع تلك الأدلة بمنزلة عام بالنسبة إلى دليل نفي الضرر، و من ذلك يظهر بطلان معاملة







المعارضة بينهما.















و امّا الحكومة و نظر دليل نفي الضرر إلى أدلة الأحكام فلم يثبت عندنا، و لم يقم عليه ظهور و قرينة، بل الظاهر: انّه كسائر أدلة







الأحكام، ناظر إلى الواقع من غير تعرض إلى مقام إثبات سائر الأحكام، كما انّ دعوى التوفيق العرفي بدعوى انّ أدلة الأحكام،







العناوين الثانوية كلية مقدمة في نظر العرف على الأدلة، الأحكام الأولية موجبة لحملها على مجرد الاقتضاء، و هذه على الفعلية ممنوعة،







فانّ التوفيق الكذائي انّما هو بين الأدلة، الأحكام الترخيصية و الإلزامية، و لو في عنوانين عرضيين، بل و لو كان الترخيص في العنوان







الثانوي و الإلزام في العنوان الأولي، و مجرد ترتب العنوانين لا يوجب تقدم الثانوي على الأولى.















و امّا التزام التخصص، أعني ورود أدلة الأحكام الأولية على دليل نفي الضرر، بتقريب: انّ عموم أدلة الأحكام لمورد يحسب فيه الضرر،







كاشف























الصفحة 161







نفي الضرر عن عدم الضرر في موردها، و لو بمعنى تدارك ما يرى فيه من الضرر بمنافع خفيت علينا، فانّ الضرر المتدارك لا يعد







ضررا.















ففيه: انّ المستفاد من اخبار نفي الضرب بيان قاعدة عامة للمكلفين لينتفعوا هم بها في مواردها، و هذا لا يتمّ إلاّ بكون المدار على ما







يحسبونه هم ضررا، و إلاّ فاحتمال التدارك في جميع الموارد قائم.















فلو بني على الاعتداد بهذا الاحتمال لزم إلقاء هذه القاعدة، فأمر التخصيص و التخصص يدور مدار انّ المستفاد من اخبار نفي الضرر،







هل هو إعطاء القاعدة لأجل العمل أو انّها بيان لمدرك استفادتهم عليهم السلام للحكم، من غير إرجاع الناس إليها؟ فعلى الأول: يتعين







التخصيص، و على الثاني: يتعين التخصص.















و الإنصاف: انّه لا يظهر من الاخبار انّها في مقام إعطاء الضابطة للعمل، و ذلك كفى في الالتزام بالتخصص و عدم الانتفاع بالقاعدة إلاّ







في موارد وقع التصريح بها، إلاّ أن يقال: انّ الإجماع على التمسك بها قرينة على كونها في مقام إعطاء الضابطة إن لم يوهن بظهور







كون مدرك المجمعين استظهار ذلك من نفس هذه الاخبار، التي هي بأعيننا و لا نرى فيها دلالة على ذلك.















قوله: و امّا لو كان بين ضرر نفسه و ضرر غيره:















اعلم: انّ المستفاد من الاخبار هو نفي حكم يلزم منه الضرر لا إثبات حكم يمنع من الضرر و يدفعه، بحيث كان الإنسان يقع في الضرر







لولاه، فلو توقف دفع الضرر من النّفس على إضرار الغير و أخذ ماله لم يرتفع بذلك حرمة التصرف في مال الغير، لأنّ الضرر غير جاء







من حرمة التصرف، كي يحكم بارتفاع الحرمة.















نعم، لو كانت الحرمة باقية مع ذلك، لم يكن الشارع سند الضرر، فدفع الضرر عن النّفس بإيراده على الغير من هذا الباب كلية، و من







فروعه وجوب ردّ العين المغصوبة، و إن لزم منى ذلك هدم دار أو غرق سفينة، إذ لا فرق بين الغصب الابتدائي لدفع الضرر عن النّفس







و بين استمرار الغصب، فالسبيل المتوجه إلى دار الشخص و بستانه لا يجوز سدّ سبيله و إرساله إلى دار الجار و بستانه، هذا في الضرر























الصفحة 162







المتوجه إلى النّفس، و منه يظهر الكلام في الضرر المتوجه إلى الغير، فانّه لا يجب صرفه إلى النّفس، و ليس ورود الضرر مستندا إلى







حكم الشارع بجواز تركه حتى يرد الجواز المذكور بدليل نفي الضرر.















حجية الاستصحاب















قوله «ره»: و هو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم:















يحتمل أن يكون المراد من الحكم الأول: إذعان المكلف و تصديقه و التزامه ببقاء ما كان أولا، حكما كان أو موضوعا. حكم الشارع على







الشي‏ء بعنوان بقاء ما كان و عدم نقضه و على كل حال. المراد من الحكم الثاني هو حكم الشارع، فالاستصحاب على الأول من فعل







المكلف فعلا جوانحيا، و يشهد له استعمال مشتقاته، كما يعين إرادته.















قوله: امّا من جهة بناء العقلاء إلى آخر العبارة:















و على الثاني: هو من فعل الشارع، كما هو الظاهر، و قد صرّح «ره» به في مجلس البحث. و في التنبيه السابع من تنبيهات الاستصحاب







الآتي، صرح: بأنّ قضية الاخبار إنشاء الحكم المماثل للحكم المتيقن سابقا أو إنشاء الحكم للموضوع المتيقن سابقا بما انّه متيقن.















و توضيح الحال في المقام، هو: انّ الاستصحاب يحتمل أن يكون هو اليقين بثبوت حكم أو موضوع ذي حكم، و الشك في استمراره، و







يحتمل أن يكون هو حكم الشارع في هذا الموضوع، بعنوان البقاء و بلسان عدم نقض اليقين بالشك، و يحتمل أن يكون هو إذعان







المكلف و تصديقه بالحكم المذكور، و يحتمل أن يكون هو بناء العقلاء على العمل على الحالة السابقة.















فالاستصحاب على الأول: من الأمارات المفيدة للظن بالبقاء، و على الثاني:















من الأصول العملية. فقول الشارع: «لا تنقض اليقين بالشك» إنشاء لأحكام جزئية مطابقة للحالة المتيقّنة عند الشك في استمرارها بهذا







العنوان العام و الإشارة الإجمالية، و لا يكون الاستصحاب إلاّ هذه الأحكام الجزئية المنشأة بهذا العنوان،























الصفحة 163







و يكون إطلاق الاستصحاب عليها جاريا على طبق معناه اللغوي، فان الشارع بحكمه ذلك قد أخذ الحالة السابقة مصاحبة، و هذا أحد







احتمالي تعريف المصنف الّذي أشرنا إليه، كما انّ الاحتمال الثالث: هو الاحتمال الآخر المساعد له نسبة مشتقاته إلى المكلفين، فيقال:







استصحب زيد حكم كذا إذا أفتى بذلك و اعتقده.















و امّا الاحتمال الرابع: فهو قضية عدّ الاستصحاب من الأدلة العقلية، فان الدليل العقلي هو الحكم العقلي المتوصل به إلى حكم الشارع، و







بناء العقلاء ناشئ عن حكم العقل، المستلزم لحكم الشارع.















و لا يخفى انّ تعريف الاستصحاب يختلف باختلاف الاحتمالات المذكورة، بحيث لا يحويه ضابط واحد، يتوارد عليه الأقوال في مسألة







الاستصحاب.















و الحق من بين المعاني هو المعنى الثاني، فيكون الاستصحاب فعلا من أفعال الشارع و هو حكمه المنشأ بلسان عدم نقض اليقين بالشك،







و عليه فلا يكون له عنوان استقلالي في الأصلية و الفرعية، بل يكون تابعا للمستصحب، فان كان أصوليا فهذا أصولي، أو كان فرعيا







فهذا فرعي، إذ المفروض انّه إنشاء حكم مماثل، و كيف يسوغ لمن يقول: بأن الاستصحاب عبارة عن إنشاء حكم مماثل أن يبحث في انّه







حكم أصلي أو فرعي، كما صدر من حضرت الأستاذ العلامة «ره» كما انّ من يقول بواحد من المعاني الثلاثة الاخر ليس له ان يبحث عن







كونه حكما فضلا عن أن يبحث عن كونه أصوليا أو فرعيا لوضوح عدم كونه بواحد من تلك المعاني حكما، فيكون البحث الإنّي في كلام







الأستاذ ساقطا على كل حال.















و ممّا ذكرنا ظهر: انّ البحث عن كون الاستصحاب من الأدلة العقلية أو من الأمارات الشرعية أو من الأصول العملية، لا يرد على







الاستصحاب بمعنى واحد، بل الأول: مبني على كون الاستصحاب هو بناء العقلاء تعبدا أو بمناط المظنة، و الثاني: مبني على كونه نفس







اليقين و عدم العلم بالزوال الموجب للظن بالبقاء، من غير فرق بين أن يكون مدركه بناء العقلاء أو الاخبار و الإجماع، و الثالث: مبني







على كونه حكم الشارع على المشكوك بعنوان الإبقاء و عدم نقض اليقين بالشك.























الصفحة 164







قوله: امّا من جهة بناء العقلاء:















بناء على أن يكون المراد من الحكم الأول في التعريف هو حكم الشارع، لا إذعان المكلف، لا بد من حمل العبارة على انّ استكشاف







الحكم المذكور يكون من بناء العقلاء أو من الاخبار، و إلاّ فلا معنى لأن يكون حكم الشارع ناشئا من بناء العقلاء أو الاخبار.















قوله: ثم لا يخفى انّ البحث في حجيته مسألة:















قد عرفت سقوط هذا البحث كائنا ما كان معنى الاستصحاب، و انه ليس يحكم على بعض المعاني، و هو أكثرها، و على البعض الآخر،







ليس له عنوان مستقل، بل يتبع في الأصولية و الفرعية للحالة السابقة، فيكون الاستصحاب حكما أصوليّا، إن كان المستصحب حكما







أصوليا، و فرعيا، إن كان حكما فرعيا. و من ذلك يظهر فساد ما استدل به على كونه حكما أصوليا، بأنّ مجرى الاستصحاب ربما لا







يكون إلاّ حكما أصوليا، فانّ هذا الاستدلال انّما يجدي فيما كان المستصحب حكما أصوليا، و لا ينفع فيما كان حكما فرعيا. و بمثله







يستدل على كونه حكما فرعيا فيما يكون المستصحب حكما فرعيا.















قوله: لتمهيد قاعدة تقع في طريق:















ليت شعري كيف يقع الاستصحاب بمعنى إنشاء الحكم المماثل في طريق استنباط الحكم؟ و هل هو إلاّ الحكم، ليس ما ورائه حكم آخر







يستنبط به؟ و من أجل ذلك التجأ المصنف في صدر الكتاب عند تعريف علم الأصول بصناعة تعرف بها القواعد، التي يمكن أن تقع في







طريق استنباط الأحكام إلى زيادة، أو التي ينتهي إليه المجتهد في مقام العمل لتندرج بذلك الأصول العملية في علم الأصول.















قوله: اعتبار أمرين في مورده القطع بثبوت شي‏ء:















لا يخفى عدم اشتمال تعريف المصنف و لا تعريف شيخه للاستصحاب بإبقاء ما كان على دخل صفة اليقين فيه، و غاية ما يقتضيه أخذ







مادة البقاء في التعريف، هو دخل الثبوت السابق. و قد صرّح المصنف في التنبيه الثاني من تنبيهات الاستصحاب بعدم اعتبار صفة







اليقين، و إن المستفاد من الاخبار: هو جعل الملازمة بين ثبوت حكم أو موضوع ذي حكم في زمان و بين استمراره في زمان آخر شك







في استمراره، و قد ألجأه إلى ذلك الفرار























الصفحة 165







عمّا يلزمه من تعطيل الاستصحاب في موارد كانت الحالة السابقة ثابتة بالأمارات المعتبرة لا باليقين الوجداني، بناء على مبناه من عدم







جعل الحكم الظاهري في موارد الأمارات. و إن مؤدّى أدلّة الاعتبار لا يزيد على جعل الحجية، أعني المعذرية عند الخطأ، و المنجزية لدى







الإصابة، فالتزم بعدم اعتبار اليقين و كفاية ثبوت شي‏ء واقعا في الحكم باستمراره، فتكون الحجة على الثبوت حجة على الاستمرار،







حيث انّ الحجة على أحد المتلازمين حجة على ملازمه، فالأمارات كما تكون حجة على ثبوت الأحكام تكون حجة على استمرارها ظاهرا







عند الشك، و يكون شأن اخبار الاستصحاب إثبات هذه الملازمة.















و لا يخفى انّ ظاهر اخبار الاستصحاب دخل صفة اليقين في الاستصحاب كدخل صفة الشك، و إن صفة اليقين صفة لا ينبغي أن تنقض







بصفة الشك، و مع ذلك كيف يؤخذ بظهورها في الثاني و يحكم بعدم جريان الاستصحاب مع غفلة الشخص عن حاله، و كان بحيث لو







التفت لشك. و يترك ظهورها في الأول، بأن يحمل اليقين على اليقين الطريقي المحض مع انّ العكس أولى بذلك، فبذاك الملاك الّذي







عمموا الشك للظن و حكموا باعتبار الاستصحاب في مورد غير المعتبر، ينبغي أن يعمم لمطلق عدم العلم، و منه الغفلة، فان المنقول عن







الصحاح تفسير الشك بخلاف اليقين الشامل للغفلة.















و في صحيحة زرارة الآتية: فان حرّك في جنبه شي‏ء و هو لا يعلم، قال: «لا، حتى يستيقن انه قد نام» و في ذيل هذه الصحيحة: «و لكن







ينقضه بيقين آخر».















و في مكاتبة القاساني، التفريع على قوله اليقين لا يدخله الشك، قوله: «صم للرؤية و أفطر للرؤية».















و دعوى: انّه لا تكليف مع الغفلة، مدفوعة: بأنّ ذلك أمر لا اختصاص له بباب الاستصحاب، و أجنبي عن دخل الشك في موضوع







الاستصحاب، مع انّ في الاستصحابات العدميّة التي يكون الثابت بالاستصحاب عدم الحكم لا إثباته، لا يجري هذا الكلام، فان الغفلة إنّما







تمنع عن التكليف لا عن عدم التكليف، فمن























الصفحة 166







كان محدثا ثمّ غفل عن حاله و صلّى، كان مقتضى الاستصحاب لو عممناه لمطلق عدم اليقين بالخلاف، بطلان صلاته، بمعنى عدم كونه







مصداقا للمأمور به كمن، كان محدثا واقعا و صلّى غافلا ثم التفت.















قوله: فيشكل حصوله فيها:















هذا فيما لو أريد استصحاب اتصاف المتعلق بصفة الوجوب مثلا، امّا لو أريد استصحاب شخص ما كان من الوجوب، لاحتمال بقائه من







جهة عدم دخل ما تخلف من القيود المحتمل دخلها، فجريانه ممّا لا ينبغي الريب فيه، لأنّ الموضوع فيه هو الوجوب دون الفعل، فيقال:







الوجوب الشخصي الّذي قد كان سابقا هو باق إلى زمان الشك. نعم، لا يثبت به اتصاف الفعل الباقي بالوجوب إلاّ على القول بالأصل







المثبت، و ما لم يثبت لا يحكم العقل بلزوم إتيانه فلو كان لثبوت الوجوب بنحو مفاد كان التامة أثر رتب و عاد الأصل موضوعيا بالنسبة







إلى ذلك الأثر، و إلاّ لم يجر الأصل.















لا يقال: يجري الأصل على كلّ حال و يثبت الحكم، ثم يحكم العقل بوجوب تفريغ الذّمّة عنه على سبيل القطع، و ذلك لا يكون إلاّ بالإتيان







بالفعل الناقص، فانّه يقال: لا معنى لتكليف لا يدعو إلى متعلقه و لو متعلقا معلوما على سبيل الإجمال، فأصل الطلب في المقام غير معقول،







حتّى يلتمس المسقط له.















قوله: إلاّ انّه لمّا كان الاتحاد بحسب نظر العرف كافيا:















انّما كان الاتحاد بحسب نظر العرف كافيا إذا كان النقض في لسان الأدلّة مسندا إلى المتيقّن، و امّا مع الإسناد إلى نفس صفة اليقين كما







هو الواقع، فالنقض له لا يصدق إلاّ مع اتحاد الموضوع دقة، فانّ شخص ما كان له من اليقين هو الموضوع لحكم لا تنقض، و المفروض انّ







يقينه كان متقوّما بقيد تخلف، فلا يقين له في الموضوع الباقي حتّى ينقضه أولا ينقضه، و لا وجه للمسامحة في نسبة اليقين إلى الباقي







فيقال: قد كان على يقين من وجوب هذا، ثمّ نسبة النقض إليه، فانّ موضوع الحكم يتسامح فيه عرفا دون موضوع اليقين.















نعم، لو كان اليقين مأخوذا على وجه المرآتية إلى متعلقه، و كان النقض حقيقة























الصفحة 167







منسوبا إلى متعلقه صحّت المسامحة العرفية المذكورة.















لكن المصنف يرى: انّ مصحح نسبة كلمة النقض نفس ما في اليقين من الإبرام الوهمي، و ذلك لا يجتمع مع أخذه مرآة محضا و ستجي‏ء







الإشارة إلى المناقضة بين دعواه هذا، مع حمله لليقين على اليقين المرآتي، الّذي هو ممّا ينظر به لا إليه.















قوله: لأجل طرو انتفاء بعض ما احتمل دخله فيها:















بل بعض ما علم دخله أيضا، لأنّ مناط جريان الاستصحاب في تخلف محتمل الدخل هو اجتماع أركان الاستصحاب و صدق مفهوم







النقض، و هو جار في تخلف مقطوع الدخل، إذ لو لم يكن الدخل الواقعي مضرّا، - و لذا يجري الاستصحاب مع احتمال الدخل - لم يعقل







أن يكون الدخل المعلوم مضرا، فانّ العلم لا تأثير له في ذلك، و التأثير لو كان، فهو للدخل الواقعي. و الظاهر: انّ أحدا لا يلتزم بجريان







الاستصحاب مع تخلف قيد معلوم الدخل. و دعوى انّه مع العلم بالدخل لا يبقى شك، بل كان اليقين السابق منتقضا بيقين آخر، مدفوعة







باحتمال عدم دخل القيد المنفي في أصل المطلوب، بل في تمامه و كماله، فانتفاؤه لا يوجب الانتفاء عن تأكد الطلب لا أصله، كما سيأتي







في كلام المصنف عن قريب، و يأتي منّا الإشكال على ذلك.















قوله: ضرورة صحّة إمكان دعوى بناء العقلاء:















الظاهر انّ بناء العقلاء مختص بما إذا كان الموضوع بحسب الدقة باقيا، لا سيّما إذا كان منشأ حصوله الظنّ من اليقين السابق، و لا أقلّ من







أن يكون المتيقن من بنائهم ذلك، فيختص الاستصحاب عندهم بالشك في الرافع، و امّا المسامحة في الموضوع و الرجوع إلى الموضوع







العرفي، فمنشؤه التمسك بالأخبار، و قد أخذ كلمة النقض في لسانها، و النقض العرفي يدور مدار بقاء الموضوع العرفي، فمن تمسّك







بالأخبار على اعتبار الاستصحاب صحّ له هذه المسامحة دون من لم يتمسّك، و لكن مع ذلك قد تقدم إشكال على هذه المسامحة.















قوله: بلا تفاوت في ذلك بين كون دليل الحكم نقلا أو عقلا:















منشأ الاشتباه في جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية المستكشفة من الأحكام العقلية هو























الصفحة 168







تخلف بعض ما يعلم دخله من القيود، و مع تخلّف قيد معلوم الدخل لا يجري الاستصحاب.















بيانه: انّ عند الشك ليس للعقل حكم قطعا، و إلاّ لم يكن شكّ، و ارتفاع حكم العقل ليس إلاّ لأجل تخلّف قيد يكون دخيلا في حكمه، بحيث







لا يحكم بدونه، فإذا كان دخيلا في حكم العقل لا جرم كان دخيلا في حكم الشرع المستكشف به، لأنّ حكم العقل و الشرع المذكور







يتواردان على موضوع واحد، لأنّ قاعدة الملازمة تقتضي حكم الشرع في موضوع حكم العقل بلا زيادة و نقيصة، فإذا ارتفع قيد دخيل







في أحد الحكمين لم يجر الاستصحاب في الحكم الآخر أيضا، لدخله فيه أيضا، فيكون الشكّ شكّا في حكم حادث في موضوع جديد لا في







استمرار ما كان من الحكم أولا. و الحقّ مع ذلك جريان الاستصحاب.















توضيح الحال: انّ هنا أمورا ثلاثة:















الأول: درك العقل حسن الأفعال و قبحها، أعني ملائمة بعض الأفعال له، كمنافرة بعض آخر له.















الثاني: تطبيق العنوان الكلّيّ، الّذي أدرك حسنه و قبحه، على الجزئيات الخارجية مثل انّ هذا إحسان، و ذلك ظلم.















الثالث: بعث العقل بعد ذا الدرك، و هذا التطبيق إلى جلب الملائم و دفع المنافر، و هذه هي القوة العمالة للعقل، المستخدمة للقوة الأولى







العلامة، و لولاها ثمّ لو لا التطبيق لبقيت مدركات العقل في بوتقة الإدراك و لم تتخط إلى الخارج، فالبعث يكون نتيجة الإدراك و







التطبيق.















و من هذا ظهر لك: انّ موضوع كلّ من حكمي العقل - أعني حكمه العلامة و العمالة - لا يعقل فيه الإجمال، فانّ الحاكم لا يضيع عليه







موضوع حكمه، و هذا كذلك في حكم سائر القوى، من الشهوية و الغضبية، و انّما الإجمال يكون في حكم الغير و لا يشتبه على النّفس ما







في النّفس، فالإحسان الّذي يدرك العقل ملائمة لا يضيع عليه قيوده الدخيلة فيه، و كذا المصداق الخارجي الّذي يحرك نحوه، من























الصفحة 169







مصاديق هذا الإحسان.















نعم، يقع الاشتباه في محل انطباق ذلك العنوان، فيشتبه الخصوصيات الدخيلة، بغير الدخيلة لكن بالنتيجة لا يبعث إلاّ إلى الجامع للقيود،







المعلوم الدخل و المحتمل الدخل، بحيث لو انتفى قيد واحد منها توقف عن البعث، و ان لم يعلم بدخل ذلك القيد في موضوع إدراكه







واقعا، و احتمل ان يكون الفعل بعد انتفاء ذلك القيد باقيا على حسنه، و بالنتيجة باقيا تحت حكم الشارع، و ذلك انّ حكم الشارع يكون







ملازما لحكم العقل، بمعنى إدراكه، لا حكم العقل، بمعنى بعثه، فيمكن أن لا يبعث العقل، و مع ذلك كان حكم الشارع موجودا، لكون حكمه







بمعنى دركه موجودا، فإذا كان التقدير تقدير احتمال بقاء موضوع إدراك العقل و بالمآل تقدير احتمال بقاء موضوع حكم الشرع، كان







سبيل استصحاب حكم الشرع واضحا إذا كان القيد المنفي قيدا لا يضرّ فقده بصدق بقاء الموضوع عرفا، كما فيما إذا كان الحكم







مستفادا من دليل لفظي، طابق النعل بالنعل.















و الحاصل: ارتفاع موضوع بعث العقل بالقطع لا يوجب ارتفاع موضوع إدراكه كذلك، و الحكم الشرعي يلازم الثاني دون الأول، كي لا







يجري الاستصحاب لمكان القطع بارتفاع الموضوع.















قوله: قلت ذلك، لأنّ الملازمة انّما تكون:















بل الملازمة ثابتة في مقام الثبوت و الإثبات، لكن الملازمة مع أحد حكمي العقل - و هو حكمه العلامة دون العمالة - المتوقف على العلم







بانطباق موضوع حكم العلامة على الجزئي الخارجي، فالعقل يحكم بحسن الإحسان و قبح الظلم، ليس له سوى هذين الحكمين اللذين







هما مفاد الآية الكريمة المباركة: (انّ اللّه يأمر بالعدل و الإحسان و ينهى عن الفحشاء و المنكر) و بالملازمة يحكم بأنّ الشارع أيضا أمر







بالأول و نهى عن الثاني، لكن لا يبعث نحو شي‏ء أو يزجر عن شي‏ء إلاّ بعد العلم بانطباق ذينك العنوانين، فإذا لم يعلم و جهل، توقف عن







الحكم، و توقفه لا يوجب عدم حكمه الأول.















و بالنتيجة: لا يوجب عدم حكم الشارع، الملازم لحكمه الأول.























الصفحة 170







قوله: أو احتمال أن يكون معه ملاك آخر:















هذا جواب آخر عن الإشكال بعد تسليم القيد المرتفع في موضوع حكم العقل، و بالنتيجة في موضوع حكم الشارع.















و حاصله: انّ دخل القطع بالدخل لا يمنع من جريان الاستصحاب، إذا احتمل اشتمال الفعل على ملاك آخر غير ما اطلع عليه العقل، غير







دخيل فيه ذلك القيد المرتفع، فإذا احتمل ذلك فقد احتمل بقاء حكم الشرع، فيستصحب حكم الشرع بعد انقطاع حكم العقل، إذا كان القيد







المرتفع ممّا لا يضرّ بوحدة الموضوع عرفا.















و هذا البيان يجري في الأحكام المستفادة من الأدلّة اللفظية أيضا بعد ارتفاع القيود المقطوع دخلها، لكن يشكل عليه: بأنّ الحكم الناشئ







من الملاك الكامل الدخيل فيه القيد المرتفع كان متقوما بالموضوع بقيده المرتفع، فيكون ذلك الحكم مقطوع الارتفاع بارتفاع القيد، و







امّا الحكم الآخر الناشئ من ملاك آخر، فذاك شخص آخر من الحكم لم يتعلق به اليقين في وقت ليستصحب، و استصحاب القدر المشترك







بين الحكمين داخل في استصحاب القسم الثالث من الكليّ، مع انّه لا يثبت له الفرد - أعني تعلق الحكم بما عدى القيد المرتفع - و ما لم







يثبت ذلك لا يجدي في إلزام العقل بالإتيان بالباقي.















قوله: مع تطرقه إلى ما هو موضوع حكمه شأنا:















قد عرفت، و هو عدم تطرق الإجمال و الاشتباه إلى شي‏ء من موضوع حكم العقل، أعني حكمه الشأني المعني به إدراكه و حكمه الفعلي،







المراد به بعثه و زجره.















نعم، قد يجهل انطباق موضوع حكمه الشأني على شي‏ء من الجزئيات الخارجية، كأن يجهل انّ الفعل الكذائي إحسان أو ذلك الآخر ظلم أو







لا، أو يعلم انطباقه إجمالا و لكن يشتبه القيود الدخيلة بغير الدخيلة، و هذا أجنبي عن إجمال موضوع حكم العقل.















الاستدلال على حجية الاستصحاب بالأخبار















قوله: و فيه: أوّلا: منع استقرار بنائهم على ذلك تعبدا:















لا يقال: المهم ثبوت























الصفحة 171







و عدم الردع كائنا ما كان منشأ البناء، فانّه يقال: إذا كان منشأ البناء شي‏ء من المذكورات، اختصّ البناء بما إذا تحقق ذلك المنشأ، و







المدّعى حجية الاستصحاب مطلقا.















نعم، إذا كان البناء من باب الظنّ النوعيّ، عمّ اعتباره مورد وجود الظنّ الشخصي و عدمه، و كان الاستصحاب حجة مطلقا، إلاّ أن يفرض







مورد لا يفيد الاستصحاب المظنة في نوع ذلك المورد.















قوله: أو غفلة:















يعني كان عملهم من باب الغفلة و عدم الالتفات، إلى احتمال ارتفاع الحالة السابقة، بحيث لو حصل منهم الالتفات و الشك لم يكونوا







يعملون.















قوله: كما هو الحال في سائر الحيوانات:















هذا رجم بالغيب، فانّ معرفة حال الحيوانات يتوقف على أن يكون الشخص منهم، كي يطّلع على مدركاتهم بالقياس إلى مدركاته.















نعم، صحّ هذا لأن يكون جوابا عن الاستدلال بعمل الحيوانات، فانّ الاستدلال نظير الجواب في الابتناء على الترخّص، فإنّ العمل على







طبق الحالة السابقة أعم من أن يكون ذلك لأجل الاستصحاب، و كونه معتبرا عندهم.















قوله: و يكفي للردع عن مثله ما دلّ:















قد تقدّم في مبحث حجية خبر الواحد: انّ الردع بالمذكورات دوري، لكن الحقّ ما هنا دون ما هناك.















و وجهه: انّ اعتبار السيرة انّما هو من باب إفادة القطع لا من باب التعبد، و لا يبقى للقطع مجال مع قيام ما ظاهره الردع، بل و ما







محتمله ذلك.















قوله: و لو لا القول: بأن الاستصحاب:















هذه العبارة زائدة غير دخيلة في الدليل، فانّ نفس إجماعهم ان تمّ كان إجماعا على الاستصحاب، و ترجيح الدوام، الحالة السابقة على







ارتفاعها عند الشك.















قوله: المستفاد من قوله عليه السلام: لا في جواب:















و المستفاد من نفس قوله: فانّه على يقين إلى آخره.















قوله: في القضية الكلية الارتكازية:















انّ كلية القضية و شمولها لغير باب الوضوء























الصفحة 172







فضلا عن ارتكازيتها، سواء أريد بالارتكازية الارتكازية من الشرع أو الارتكازية من بناء العقلاء، محل نظر، بل منع، و ظهور الرواية







في عموم القاعدة مبني أوّلا:















على كون الجزاء مقدرا و المذكور علة لها، سادة مسدّها. و ثانيا: على عدم إرادة العهد من اللام في قضية «لا تنقض»، و كونها ظاهرة في







إرادة الجنس من غير وجود ما يصرفها عنه، و كلّ من الأمرين في محل المنع.















امّا الأول: فلأنّ التقدير خلاف الظاهر مطلقا، و لا سيّما في المقام، بعد ملاحظة ظهور قضيته «فانّه على يقين من وضوئه» المتصدرة







بالفاء في انّها هي الجزاء بعينها، مع انّ القضيتين المذكورتين لا تكونان صغرى و كبرى للجزاء المقدر، حتّى تكونا علة لها، سادة







مسدّها، فانّ القضية الثانية قضية خبرية قد استعملت في الإنشاء، و الجملة الإنشائية لا تكون من أجزاء البرهان و من مقدمات القياس،







كما هو واضح.















و امّا الثاني: فكون اللام ممّا له معنى، محل نظر، بل منع عند المصنف، كما تقدم في مباحث الألفاظ، و كون معناه الحقيقي هو الجنس،







حتّى يحمل عليه عند عدم القرينة على العهد، محل نظر آخر، كما انّ عدم كفاية الاقتران بمعهود ذكري للقرينية على إرادته أو لا أقل من







إيراثه الإجمال، محل نظر ثالث. و امّا ما سيأتي عن المصنف عن قضيب، من: انّ المعهود أيضا هو الجنس، فستسمع ما فيه إن شاء اللّه







تعالى.















و بالجملة: العبارة لا ينكر ظهورها في الشرطية الكاملة بشرطها و جزائها، كما لا ينكر ظهور قوله: «فانّه على يقين» في اليقين الوجداني







من الوضوء السابق دون اليقين التعبدي، أو اليقين الوجداني من الوضوء التعبدي الفعلي الّذي هو المعنى المتحصل من الاستصحاب، و إلاّ







فسدت قضية «و لا ينقض اليقين إلى آخرها» إلاّ بالتفكيك بين اليقينين، بإرادة اليقين من الوضوء الواقعي من أحدهما و اليقين بالوضوء







التعبدي من الآخر، و ذلك مخالفة أخرى للظاهر.















و دعوى: انّه لا يمكن الأخذ بالظهورين جميعا، ظهور التفريع في انّ قضية. «فانّه























الصفحة 173







على يقين» هي الجزاء للشرط، و ظهور اليقين في اليقين الفعلي الوجداني من الوضوء السابق، فمع الأخذ بظهور التفريع في الجزاء لا







محيص من حمل اليقين على اليقين بالوضوء التعبدي، كما انّه مع الأخذ بظهور اليقين في اليقين بالوضوء الواقعي، لا بدّ من رفع اليد عن







ظهور التفريع، و ذلك لعدم الترتب و التفرع بين هذا التالي و ذلك المقدم، كي تتألف منهما الشرطية.















مدفوعة: بأنّ ذلك التوهم ناشئ من توهم اعتبار الترتب بين ذات الجزاء و المقدم، و إذ لا ترتب كذلك في مورد الرواية، فلا جرم







يتكلف بالتصرف في ظهور القضية، لكن التوهم المزبور فاسد، إذ يكفي في تأليف الشرطية و ترصيعها ترتب شأن من شئون الجزاء







على الشرط لا ترتب ذاتها، و الترتب المذكور حاصل في المقام، فانّ اليقين بالوضوء السابق، و إن كان لا يترتب ذاتا و تحصلا على عدم







اليقين بالحدث، لكنه يترتب في مقام محكوميته بحكم «لا تنقض» الّذي هو عبارة أخرى، عن ترتب حكم «لا تنقض»، كما وقع التصريح به







في الرواية. و لذا كان حكم الاستصحاب مستفادا من نفس الشرطية مع قطع النّظر عن التصريح من باب دلالة الاقتضاء حفظا للترتب







بين جزئي الشرطية، فانّه حيث لا ترتب بين ذات الجزاء و ذات المقدم، لا جرم كان اللازم الإلزام بأنّ الترتب موجود في مقام المحكومية







بالحكم الّذي هو بقرينة صدر الرواية، عبارة عن الجري على اليقين السابق، فلليقين بالوضوء السابق فردان: فرد حكمه ان لا ينقض، و







آخر حكمه النقض. فالأوّل: هو الّذي لم يتعقبه اليقين بالخلاف دون الثاني، فيشير عليه السلام بقوله:















«فانّه على يقين» بأنه ان لم يحصل اليقين بالخلاف فقد حصل اليقين الّذي حكمه ان لا ينقض، فالمكلف في راحة من تكليف الوضوء. فقوله







عليه السلام: «لا تنقض» تأكيد لما استفيد من الشرطية من باب دلالة الاقتضاء، أو لعله يستفاد منه أزيد ممّا استفيد من نفس الشرطية،







لأنّ المستفاد من الشرطية حرمة النقض في مورد الرواية، و لعلّ من قضية «لا تنقض» يستفاد الحكم على نحو العموم.















و بالجملة: فعبارة الرواية ظاهرها يؤخذ به من القرن إلى القدم من غير تصرف























الصفحة 174







و تأويل في شي‏ء من أطرافها، فيكون الجزاء قوله: «فانّه على يقين» مع حمل اليقين على ظاهره من اليقين الوجداني بالوضوء السابق.















قوله: و هو إلى الغاية بعيد:















سيما بملاحظة قوله بعد ذلك: «و لا تنقض اليقين أبدا بالشك» فانّه لا يتمّ إلاّ بالتفكيك بين اليقين، و حمل اليقين في ذلك على ظاهره من







اليقين الفعلي بالوضوء السابق، و ذلك مخالفة أخرى للظهور.















قوله: و أبعد منه كون الجزاء:















بل ذلك أقرب الاحتمالات بعد الاحتمال الّذي ذكرنا، أعني ما هو ظاهر القضية، و ذلك لما عرفت انّ تقدير الجزاء خلاف الظاهر، ثمّ







التصرف في ظهور الفاء التفريعية الجزائية، خلاف ظاهر آخر، مع انّ القضيتين المذكورتين ليستا علة لها لتسدّ مسدّها، و ليس في هذا







الاحتمال إلاّ اعتراض جملة «فانّه على يقين» بين الشرط و جزائها، و توطئة ذلك للجزاء بالقياس إلى تلك العنايات هيّن، و على ذلك لا







تكون القضية عامة تعم غير مورد الرواية، لأنّ التفريع يمنع من العموم.















قوله: فانّه ينافيه ظهور التعليل:















قد عرفت: منع كونه تعليلا، بل هو الجزاء بعينه، ثمّ منع ظهوره في انّه أمر ارتكازي، و احتمالا انّه قانون جعلي إلهي عام، أو خاص يختص







بباب الوضوء.















قوله: مع انّه لا موجب لاحتماله:















قد عرفت: انّ ظهور القضية في كونها جزاء، موجب آخر لتعين ذلك الاحتمال و لا دخل له باللام. نعم، إذا وجب ترك ذلك الظهور،







انحصر الموجب في كون اللام للعهد.















قوله: مع انّه غير ظاهر في اليقين:















غرضه انّه على تقدير إرادة العهد أيضا يستفاد عموم القاعدة بلا انصدام، لأنّ المعهود الذكري أيضا هو الكون على جنس اليقين.















نعم، قد حصل جنس اليقين من قبل الوضوء و ليس المعهود، الكون على الخاصّ، أعني اليقين الوضوئي على أن يكون قيد من وضوئه،







جزءا من المحمول، فلا فرق بين أن يكون اللام للجنس أو للعهد بعد أن كان المعهود أيضا هو الجنس، لكن يتجه عليه عدم الفرق بين







الصورتين إلاّ في العبارة، و إلاّ فاليقين الّذي هو عليه هو اليقين























الصفحة 175







الوضوئي، على كلّ حال و لا تتفاوت و تختلف الحال بين أن يقال: هو على يقين حاصل من قبل وضوئه، أو هو على يقين وضوئي، بل لو







لم يذكر قيد من وضوئه أيضا، و أطلق قوله «فانّه على يقين» كان المعهود أيضا يقينا خاصا، و هو اليقين الّذي كان هو عليه في الخارج







الّذي ليس ذلك إلاّ اليقين بالوضوء.















ثمّ انّ هاهنا إشكالا آخر يخطر بالبال، يتجه على الاستدلال بالرواية و هو: انّ ظاهر نسبة اليقين إلى الوضوء الظاهر في الغسلتان و







المسحتان دون الأثر الحاصل منهما، هو إرادة قاعدة المقتضي و المانع، و لا ينافي ذلك، قوله: الرّجل ينام و هو على وضوء، لصدق







الكون على الوضوء الّذي هو الغسلتان و المسحتان، بالكون على أثره من غير حاجة إلى التصرف في الكلمة، و حمل الوضوء على







الطهارة الحاصلة منه، تسمية للمسبب باسم السبب.















قوله: و هو ضد الإبرام:















لا يبعد أن يكون ذلك مأخوذا من مادة النقيض و التناقض، فيكون بمعنى قلب الشي‏ء إلى نقيضه و إعدامه. امّا حقيقة أو حكما، و في مقام







ترتيب الأثر، و منه نقض الغرض، و يطلق ذلك على إبطال العمل و إلغائه عن الأثر بعد الإتمام، كإبطال رفع الصدقة بالمنّ و الأذى، و







على رفع اليد عنه في الأثناء. و من الحقيقة إطلاق نقض الغزل، و من التوسع إطلاق نقض الدليل و البرهان.















ثم التوسع: امّا أن يكون من جهة واحدة، و من جهة عدم كون الابطال حقيقيا بل حكما حاصلا من جهة عدم ترتيب الأثر، و امّا أن يكون







من جهتين: من الجهة التي ذكرناها، و من جهة عدم كون الأثر الّذي لم يرتب على الشي‏ء أثرا حقيقيا له، بل أثرا جعليّا تعبديّا ظاهريا، كما







هو كذلك في المقام. فانّ اليقين بتحقق شي‏ء سابقا لو كان أثره الجري عليه لا حقا، كان حينئذ عدم الجري عليه نقضا له، مسامحة من







الجهة الأولى فقط، امّا لو لم يكن أثره ذلك إلاّ تعبدا ظاهريا، و في مقام الشك في الاستمرار، كان عدم الجري عليه نقضا مسامحيا من







جهتين، فلو لم يكن لا هذا و لا ذاك لم يصح إطلاق النقض على رفع اليد عنه، و من أجل ذلك يحكم























الصفحة 176







بدلالة الاقتضاء عند قوله: «لا تنقض اليقين بالشك» انّ اليقين بشي‏ء أثره تعبدا هو الجري عليه ظاهرا حتّى يأتي اليقين بالخلاف، فتكون







الروايات دلالتها على اعتبار الاستصحاب من باب دلالة الاقتضاء، و إلاّ لم يصح إطلاق النقض إلاّ بمسامحة ثالثة، هي إلغاء خصوصية







الزمان، بحيث لو لا تلك المسامحة كانت الرواية دليلا على اعتبار قاعدة اليقين.















و من ذلك يظهر انّ لا فرق بين افراد اليقين بين ما كان متعلقا بما أحرز فيه مقتضى الاستمرار و الدوام، و كان الشك في طرق الرافع و







بين ما كان متعلقا بما لم يحرز فيه ذلك، و من أجل ذلك شكّ في الاستمرار، فان الاستكشاف المزبور بعد عموم «لا تنقض» يعم







المقامين، و توهم الفرق انّما هو على غير المسلك الّذي سلكناه، أعني مسلك التمسك بنفس قضية «لا تنقض» و بمدلولها المطابقي على







حكم الاستصحاب.















قوله: بملاحظته لا بملاحظة متعلقه:















مقتضى ذلك أن يكون اليقين ملحوظا بالنظر الاستقلالي، فينافي ذلك ما سيجي‏ء منه، من لحاظه آليّا و مرآة إلى متعلقه، بحيث يكون







لحاظه فانيا في حين لحاظ المتعلق، و لم يقصد من ذكره إلاّ إراءة المتعلق، كما إذا لم يذكر إلاّ لفظ المتعلق.















قوله: فلا موجب لإرادة:















تارة يقال: انّ حقيقة النقض هو حلّ الأمر المبرم، و أخرى يقال: انّ حقيقة قطع الأمر المتصل و إزالة الهيئة الاتصالية. فعلى الأول:















التنزل عن تلك الحقيقة لا يكون إلاّ بما فيه، نحو إبرام أو تخيل إبرام، و ذلك لا يكون إلاّ في نفس صفة اليقين. و امّا ملاحظة المتيقن و ما







هو عليه من تخيل الدوام، لمكان وجود مقتضى الدوام، فذلك أجنبي لا يصح إطلاق مادة النقض، كما انّه على الثاني ينعكس الأمر، و كان







لحاظ إبرام اليقين لغوا، لا يصحح إطلاق مادة النقض.















و لكن عبارة الكتاب هاهنا و فيما بعد لا يخلو عن الخليط، فانّه يظهر منه بعد أن اختار انّ حقيقة النقض هو حل الأمر المبرم، ان ملاحظة







المتعلق و شبهه بالمتصل حيث يكون فيه مقتضى الدوام موجودا، يجدي، و لكن لا حاجة إليه، مع انّ ذلك























الصفحة 177







لغو محض، على تقدير كون النقض حلّ الأمر المبرم لا قطع الأمر المتصل.















قوله: الظاهر انّ وجه الإسناد:















مجرد ذلك لا يصحح إطلاق لفظ النقض، فانّ اليقين بهذا المتعلق الواحد باق غير منتقض، إلاّ أن يعتبر الاستمرار أيضا متعلقا لليقين، حتى







يكون منتقضا بالشك الحادث، فيصحّ حينئذ إطلاق «لا تنقض اليقين» و هذا الاعتبار انّما يصحّ في الشك في الرافع مع إحراز المقتضي







للدوام.















قوله: فلا محالة يكون المراد:















يعني بقرينة مورد الاخبار و بقرينة نسبة النقض إلى اليقين، و كون ذلك بسبب الشك بعد أن كان اليقين لا محالة منتقضا بالشك، لا بدّ







أن يراد من لا تنقض النهي عن المعاملة معه معاملة الانتقاض بعدم ترتيب أثر الكون على اليقين السابق، و إلاّ فالنقض الاختياري لنفس







صفة اليقين بإزالته و إذهابه بتحصيل الشك بالنظر في الأمور المورثة للشك، و كذا النقض الاختياري للمتيقن، كالطهارة مثلا، بإحداث







الحدث، بمكان من الإمكان، لكنه بمعزل من مفاد الأخبار. و إذا أريد النقض العملي و معاملة نقض اليقين، فترك ترتيب آثار المتيقن







نقض للمتيقن و نقض لليقين، فصحّ بملاحظته أن يقال: لا تنقض اليقين كما صحّ أن يقال لا تنقض المتيقن، و إذا صحّ فلا وجه لحمل اليقين







على المتيقن، و الظاهر انّ مقصود من يحمل اليقين على إرادة المتيقن، هو ما ذكرناه، و لم يرد: انّ اليقين مستعمل في المتيقن على نحو







التجوز في الكلمة أو في الإسناد بل أراد: انّ النقض لليقين هنا قد أطلق باعتبار عدم الالتزام بأحكام المتيقن. فقد ظهر بما ذكرناه ما في







كلام المصنف «ره» بداهة انّه كما لا يتعلق النقض الاختياري القابل لتوجه النهي إلى آخر.















نعم، عدم الالتزام بالحكم عملا ليس نقضا للحكم، بل نقض الحكم لا يكون إلاّ من الحاكم نفسه، فلا يصحّ أن يقال: لا تنقض الحكم. فتأمّل.















قوله: و منها صحيحة أخرى لزرارة:















هذه الصحيحة مروية عن العلل مسندا عن أبي جعفر عليه السلام.















قوله: و قد ظهر ممّا ذكرناه في الصحيحة الأولى بتقريب الاستدلال:















لكن دلالة























الصفحة 178







كلتا فقرتي الرواية على عموم القاعدة لمكان الفاء التفريعية ممنوعة، ففي الفقرة الأولى قلت: لم ذلك؟ قال: «لأنّك كنت على يقين من







طهارتك ثم شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا». و في الفقرة الثانية: «لأنّك لا تدري، لعله شي‏ء أوقع عليك، فليس







ينبغي لك أن تنقض اليقين أبدا بالشك». و امّا استفادة العموم من التعليل فذلك لا يكون إلاّ بإلغاء الخصوصيات، المشتمل عليها مدخول







لام التعليل، و إلاّ فمفاده لا يزيد على علية الكون على اليقين من الطهارة، ثمّ الشك في استمرارها. و لذا عدّ شيخ مشايخنا في رسالة







الاستصحاب رواية عبد اللّه بن سنان الواقع فيها السؤال عمّن يعير ثوبه الذمي، و انّه يجب عليه غسله أم لا؟ و فيها قوله: «لا، لأنّك أعرته







إيّاه و هو طاهر و لم تستيقن انّه نجّسه» من الروايات الخاصة، مع انّها مثل هذه الصحيحة طابق النعل بالنعل. فإن كان التعليل مفيدا







للعموم استفيد العموم في المقامين، و إلاّ لم يستفد في المقامين.















نعم، الرواية عندي أجنبية من باب الاستصحاب، و انّما تدلّ على عدم وجوب الغسل لعدم تحقق سببه، و هو العلم بالنجاسة. و قد بيّنه عليه







السلام موضّحا عن شقوقه، بقوله: «أعرته و هو طاهر» فلست أنت الّذي تنجّسه و لا الذمي يعلم انّه نجسه، فلا سبب لوجوب الغسل.















قوله: ثمّ انّه أشكل على الرواية:















إشكالات الرواية ثلاث:















الأولى: هي انّ الإعادة ليست نقضا لليقين و لا عدمها إبقاء و مضيّا على اليقين، و ذلك من جهة انّ عدم الإعادة ليس من آثار الصلاة، مع







الطهارة الواقعية شرعا.















نعم، هو أثرها عقلا، من جهة اقتضاء امتثال الأمر الواقعي للاجزاء، الّذي لا يشمله خطاب «لا تنقض». الثانية: انّ الإعادة ليست نقضا لليقين







بالشك، بل هو نقض له باليقين، أعني اليقين بوقوع الصلاة في النجس، فلا يندرج تحت خطاب «لا تنقض اليقين بالشك» بل يندرج تحت







خطاب «و لكن تنقضه بيقين























الصفحة 179







آخر»، و هذا بناء على انّ من آثار وقوع الصلاة في النجس إعادتها متى علم.















الثالث: معارضة الفقرة الأولى من الرواية مع فقرة أخرى بعدها، هي قوله:















ان رأيت في ثوبي و أنا في الصلاة. قال: «تنقض الصلاة و تعيد» و الإشكالان الأخيران مبنيان على أن يكون معنى الفقرة، رؤية ما ظنّ







انّه اصابه أولا، لا ما إذا احتمل إصابة جديدة.















و امّا الإشكال الأول، فمتّجه على كلّ حال علم انه المرئي هو ما أصابه أولا أو لم يعلم، بل احتمل ذلك غيره، و احتمل انّه اصابه بعد الصلاة.















و الجواب: امّا عن الشبهة الأولى: فبان كلّ أثر مترتب على المتيقن السابق.















كان ذلك شرعيا أو عقليا أو عاديا، يكون عدم ترتيبه نقضا لليقين، و مشمولا لخطاب «لا تنقض». غاية الأمر كان ترتبه عند اليقين







بحكم العقل، و عند الشك يكون ذلك بحكم الشارع و بخطاب «لا تنقض»، و لو لا ذلك لم تكن لقاعدة الفراغ و التجاوز معنى، لعدم أثر







شرعي مترتب فعلا، و بعد الفراغ و التجاوز على صحة ما أتى به، فلو لم يكن المنشأ بخطاب «امضه» كما هو عدم الإعادة، لم تكن







للقاعدة مسرح و مجال بعد عدم قبول الصحة للجعل.















و امّا عن الشبهة الثانية، فيمنع المبنى، و كون أثر وقوع الصلاة في النجس، إعادتها لدى العلم بذلك، بل مقتضى حكمه عليه السلام بأنّ







الإعادة نقض لليقين بالشك، هو عدم تأثير اليقين بعد الفراغ، بوقوع الصلاة في النجس في إعادتها، ليكون الوجه في الإعادة منحصرا







في وقوع الصلاة مع الشك في طهارة الثوب، إلاّ أن يقال: انّ القضية خبرية، حاكية عن توجه خطاب «لا تنقض» حال الصلاة، لا توجهه في







الحال و بعدها، و يكون التعليل بها بملاحظة اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء، أو بملاحظة كون الشرط أعم من الطهارة الواقعية و







الظاهرية، لكن ذلك كلّه خلاف ظاهر الرواية، فانّ هذه الفقرة ظاهرة في كون الإعادة بنفسها نقضا لليقين بالشك، و انّ القضية قضية







إنشائية، قد توجهت فعلا بعد اليقين بوقوع الصلاة في النجس، لا في حال الصلاة و حال الشك في الإصابة. هذا مضافا إلى























الصفحة 180







ما سيجي‏ء من الجواب عن ثالث الشبهات.















و حاصل ذلك: منع ظهور الفقرة في العلم بكون النجاسة المرئية، هي المظنونة اصابتها أولا، و لو سلّم فهو أول. مرتبة من الظهور و







الفقرة الأخرى أقوى ظهورا منها بملاحظة اشتمال قوله: «إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته»، على الضمير المنصوب، بل لا يبعد







صراحتها بملاحظة التفصيل بين ذلك و بين قوله: «و إن لم تشك ثم رأيته رطبا إلى آخره»، في العلم بكون النجاسة المرئية هي الواقعة







أولا، فيتعين الجمع بين الفقرتين برفع اليد عن ظهور هذه الفقرة و حملها على صورة احتمال الحدوث، سيّما و يقرب ذلك تمسكه عليه







السلام في آخر الرواية بهذه القضية عينا، على عدم الإعادة في صورة احتمال تجدد الإصابة، مفصلا بينها و بين صورة القطع بسبقها.















قوله: إلاّ بأن يقال: انّ الشرط:















ذلك لا يصح كون الإعادة نقضا لليقين بالشك، الّذي هو عنوان الإشكال، كما لا يصححه الالتزام باقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء، فما







أفاده في الإشكال على ذلك متجه عليه بأبلغ وجه.















نعم، لو كان الإشكال هو عدم ارتباط العلة بالحكم المعلل به صحّ كلّ من الجوابين و انذب بهما الإشكال.















قوله: بل هو شرط واقعي اقتضائي:















مجرد كونه شرطا واقعيا اقتضائيا لا يصحح التنزيل، لعدم أثر فعلي مترتب على الشرط الاقتضائي ليصح بلحاظه التنزيل، فالوجه أن







يقال: انّها شرط فعلي، لكنه تخييري يتخير بينها و بين استصحاب الطهارة على أن يكون الشرط أحد الأمرين، من الطهارة الواقعية و







استصحاب الطهارة، و عليه صحّ التنزيل منزلتها بلحاظ ما لها من الأثر من فعلية الاشتراط.















قوله: هذا مع كفاية:















لكن الكفاية انّما تكون إذا كان الشرط و ذات المقيد محرزا بالوجدان أو بأصل آخر، حتى يترتب الأثر فعلا بتنزيل القيد، و دعوى انّ







الإحراز الاستصحابي محرز من الشارع في المقام بالوجدان.















يدفعها: انّ ذلك لا يصحح التنزيل، و إلاّ لزم تصحيح التنزيل بنفس























الصفحة 181







التنزيل، مع انّ الشي‏ء لا يصحح نفسه، مع انّ الطهارة الواقعية إذا اعتبرت جزءا من الموضوع الّذي عليه يبتنى جريان الأصل فيها دون







مجرد كون اليقين يقينا بالطهارة، مقابل كونه يقينا بأمر آخر، عاد الإشكال الأول، و لم تكن الإعادة نقضا لليقين بالشك، و لم يجد







إضافة العلم بها و اعتباره في الشرط، في إزالة الإشكال، كما هو واضح.















قوله: لنكتة التنبيه:















التنبيه كان يحصل على كلّ حال، فلا يبقى ما يكون مسوغا للعدول.















قوله: و إلاّ لما كانت الإعادة:















قد عرفت انّ الإعادة ليست نقضا على كلّ حال، بل عدم كونها نقضا على التقدير الأول، أوضح، لأنّ عدمها حينئذ من آثار الاستصحاب لا







من آثار المستصحب، الواجب ترتيبها بالاستصحاب.















قوله: إلاّ أن يقال:















هذا القول لا أثر له في صيرورة الإعادة نقضا.















نعم، إن كان اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء في غاية الوضوح و البداهة، بحيث لم يكد يتطرق إليه الإنكار، كشفت الإعادة حينئذ عن







النقض و عدم الالتزام بالأمر الظاهري، بالنسبة إلى حال قبل ظهور الخلاف، لا انّ الإعادة بنفسها كانت مصداقا للنقض، كما هو ظاهر







الآية. إلاّ أن يمنع ذلك الظهور، كما في حاشية من المصنف على الكتاب.















قوله: إشكالا في دلالة:















أيّ إشكال أعظم من بقاء الرواية على الإجمال، و التردد بين إرادة الاستصحاب و إرادة القاعدة، و عدم اتضاح المراد من ذلك بملاحظة







مورد الرواية، كما في الرواية السابقة، مع انّ العجز عن دفع الإشكال و توجهه لا محالة يورث الوهن في صدور الرواية و يخل بسنده.















قوله: مبني على إرادة اليقين بعدم الإتيان:















أو اليقين بالكون في الثالثة، و الشك في الانتقال عنها. و هذا الاحتمال أقرب إلى النّظر. بل هو المتعيّن بملاحظة قوله في صدر الرواية







«إذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع، و قد أحرز الثلاث»، فان الظاهر:















انّ المراد من اليقين و الشك هو ذلك الّذي وقع التصريح به مضافا إلى انّ أصالة























الصفحة 182







عدم الإتيان بالرابعة لا يثبت انّ ما بيده ثالثة، ليترتب عليه وجوب الإتيان بركعة متصلة، و أيضا بقاء الأمر لازم عقلي، لعدم الإتيان







بالمأمور به.















قوله: و على هذا يكون المراد باليقين:















إطلاق لفظ «نقض اليقين» على ترك تحصيل اليقين الغير الحاصل فعلا، بسبب ترك الاحتياط، من الغرابة بمكان، فانّ النقض بعد تنزيله







عن معناه الأصلي الّذي هو حلّ المبرم على مذهب المصنف «ره» ينحصر في ان يراد منه عدم الأخذ و الالتزام باليقين، الحاصل فعلا، فانّه







الّذي يناسب معناه الحقيقي، فالمتعين على تقدير لزوم التصرف، حمل اليقين على اليقين بالاشتغال، و توجه خطاب أقيموا الصلاة، و







النهي عن نقضه بالشك، في حصول البراءة، ثم الأمر بنقضه بيقين البراءة الحاصل ذلك بالاحتياط، بما هو عليه من الكيفية.















قوله: لا يأبى عن إرادة اليقين:















يأباه أشدّ إباء، فانّ أصل الإتيان و خصوصية كونه متصلا، ليسا أثرين عرضيين، كي يجري الاستصحاب بلحاظ أحدهما، و يخصص دليل







الاستصحاب بالنسبة إلى الآخر، بل هما أثر واحد بسيط ينحل إليهما، فانّ جري الاستصحاب كان مقتضاه وجوب الإتيان بها متصلة، كما







انّه إن لم يجب الإتيان متصلة، لم يكن للاستصحاب مجال أصلا، و العجب انّ المصنف صرّح بما ذكرناه في مبحث الأقل و الأكثر من







مباحث البراءة، و مع ذلك خالف نفسه هنا.















و التحقيق: انّ المراد من اليقين و الشك، هو اليقين و الشك المصرّح بهما في الرواية بقوله عليه السلام: «و إذا لم يدر في ثلاث هو أو







أربع، و قد أحرز الثلاث»، و عدم نقض هذا اليقين، و هو اليقين بالثلاثة بهذا الشك، أعني الشك في الرابعة، يراد منه عدم إبطال العمل و







رفع اليد عنه في الخارج، كما يصنعه الشاك، فيكون قد عامل مع يقينه عمل الشك و هذا هو المراد من إدخال الشك في اليقين، و كذا لا







يعتد بشكه بأن يعدّ مشكوكه متيقن الوقوع، فيكون قد أعطى للشكّ حكم اليقين، بل يعطي لكل من يقينه و شكّه حكم نفسه بلا خلط







بينهما، و لو لا























الصفحة 183







ما ذكرناه، و كان المراد هو الاستصحاب، كان التعبير بعدم الخلط غير مناسب، ثمّ لو سلمنا ظهور الصحيحة في الاستصحاب، تعين







حملها على ما ذكرناه، لمخالفة الاستصحاب لمذهب الخاصة، و يحتمل أن يراد من إدخال الشك في اليقين، عدّ مشكوكه، أعني الركعة







الرابعة متيقن الوقوع، فيقتصر عليه و يسلّم و يمضي، فيكون ذلك عكس الفقرة الأولى، و يكون مؤدّى مجموع الفقرتين هو النهي عن







معاملة الشك مع المتيقن و معاملة اليقين مع المشكوك، و انّه يجب أن يعامل مع كلّ معاملة نفسه، فيعامل مع اليقين معاملته بعدم تركه و







نقضه، و مع الشك معاملته بعدم عدّه يقينيا مفروغ التحقق، مقتصرا عليه، من غير إضافة ركعة، فيعطي كلّ ذي حقّ حقّه، و لعلّ ذلك هو







المراد من قوله: و لا يخلط أحدهما بالآخر.















و امّا الفقرات الثلاث الاخر، فهي على عكس الفقرات الأول فمجموع الفقرات الثلاث الأخيرة نسبته إلى مجموع الفقرات الثلاث الأول،







نسبة قوله عليه السلام في الصحيحة المتقدمة «و لكن تنقضه بيقين آخر» إلى قوله: «لا تنقض اليقين بالشك».















ثمّ انّ الفقرات ان ثبت بناؤها للمفعول فهو، و إلاّ كان الضمير المستتر فيها عائدا إلى «من لم يدر في ثلاث هو أو في أربع» و لم يثبت







العموم في شكوك الصلاة فضلا عن غيرها، و قوله في الفقرة الأخيرة: «و لا يعتد بالشك» في حال من الحالات. لا يجدي في التعميم بعد







اختصاص موضوعها بالشاك بين الثلاث و الأربع، و تكون الحالات حالات هذا الشاك من القيام و القعود.















قوله: لظهورها في اختلاف زمان الوصفين:















لا ظهور لها في اختلاف زمان الوصفين وجودا، الّذي هو مناط القاعدة.















نعم، هي ظاهرة في اختلافهما حدوثا، بأن يكون مبدأ حدوث اليقين قبل المبدأ حدوث الشك، و هذا يجتمع مع الاجتماع من حيث الوجود







الّذي هو مناط الاستصحاب، و مع الافتراق، الّذي هو مناط القاعدة. و لعل الأول هو المتعين بملاحظة قوله عليه السلام: «فليمض على







يقينه» الظاهر في اليقين الفعلي دون ما كان عليه























الصفحة 184







سابقا من اليقين الزائد، و لعل نكتة ذلك التعبير غلبة سبق اليقين حدوثا على الشك في موارد الاستصحاب.















و ليس ظهور الرواية في وحدة المتعلق وحدة حقيقية يزاحم ما ذكرناه من الظهور. و على فرض المزاحمة تستفاد قاعدة الاستصحاب







من عموم التعليل في الرواية، بناء على ما سيجي‏ء من إمكان الجمع بينهما في العبارة، و حمل اللام على العهد، مع توقفه على القرينة







المفقودة في المقام يوجب أن يكون التعليل لمجرد التأكيد، إذ لا يفيد توسعة و تضييقا مع انّ التأسيس أولى. و امّا الكلام في الرواية







الأخرى، أعني قول أبي الحسن عليه السلام: «إذا شككت فابن علي اليقين»، فهو كالكلام في هذه الرواية بعينه، فانّها ظاهرة أيضا في







البناء على اليقين، الّذي هو عليه فعلا، و في حال البناء لا اليقين، الّذي كان عليه سابقا. و امّا توهم اختصاصها بشكوك الصلاة فلعله ناش







من ذكر صاحب الوسائل للرواية في عداد اخبار شكوك الصلاة، و إلاّ فلا وجه له أصلا، مع انّ قوله في ذيل الرواية قال:















قلت: هذا أصل؟ قال: نعم، كالصريح في العموم، فهي من هذه الجهة أقوى ما في الباب من الروايات.















قوله: حيث دلّ على انّ اليقين بالشعبان:















قال شيخنا المرتضى بعد نقل الرواية، و الإنصاف انّ هذه الرواية أظهر ما في هذا الباب من اخبار الاستصحاب، إلاّ انّ سندها غير سليم.















أقول: بل الإنصاف انّها أوهن ما في الباب، من حيث الدلالة، امّا أولا:















فلاحتمال العهد فيها. و امّا ثانيا: فلأنّ اليقين و الشك فيها يحتمل أمورا: الأول:















اليقين بدخول كلّ من هلال شعبان و رمضان، و الشك في خروجه، فتدلّ الرواية على الاستصحاب الثاني، اليقين بكلّ من دخول رمضان







و خروجه و الشك في ذلك الدخول و الخروج، فتكون الرواية كاشفة عن إناطة حكمي الصيام و الإفطار باليقين، فيكون وجوب الصوم







دائرا مدار اليقين بدخول شهر رمضان و حرمته مدار اليقين بخروجه، فيكون الواجب صوم ما بين اليقينين لا صوم الشهر الواقعي، و







عليه























الصفحة 185







تكون قضية اليقين لا يدخل فيه الشك على حقيقته بلا تعبد.















و تنزيل الثالث: أن يكون المراد من اليقين، اليقين بهلال شعبان و رمضان، و المراد من الشك الشك في دخول ما يقابله، فيكون كلّ من







دخول الهلالين من قبيل المقتضي للحكم، و كلّ ما يقابله من قبيل المانع، فيفطر يوم الشك من شعبان و يصوم يوم الشك من رمضان،







لأجل اليقين بالمقتضي و الشك في المانع.















قوله: و انّه لا بدّ في وجوب الصوم و وجوب الإفطار:















يعني انّ حكمي الصوم و الإفطار غير متوجهان إلى واقع الرمضان و واقع الشوال، بل إلى المعلوم منهما، على أن يكون العلم دخيلا في







الموضوع، فتكون قضية اليقين لا يدخل فيه الشك منزلا على حقيقته، من عدم الدخول الخارجي الوجداني دون التنزيلي التعبدي، فانّ ما







أخذ في موضوعه القطع لا يعقل دخول الشك فيه، بل هو: امّا قطعي الثبوت أو قطعي الانتفاء، من غير أن يكون له حالة ثالثة.















قوله: أن يقال: انّ الغاية فيها:















من الواضح انّ الغاية في القضية المغياة حدّ من حدود تلك القضية، كاشفة عن كون المغيا محدودا من جانب الانتهاء بتلك الغاية، و لأجل







ذلك سميت الغاية غاية، فليست هي قضية مستقلة في عرض المغيا، فإذا قيل: كلّ شي‏ء حلال حتى تعرف انّه حرام، كان معنى حتّى، هو:















انّ الحكم الّذي أفيد في كلّ شي‏ء حلال، محدود بحد و هو خاص العلم بالحرمة، و ينتهي و ينفد عند العلم. و ما لم ينته إلى ذلك فهو على







حليته. و حيث انّ من الواضح: انّ الحكم الواقعي لا يكون محدودا بحد العلم، فلا بدّ أن تكون القضية المغياة بالعلم بالخلاف، امّا حكما







ظاهريا فقط، مسوقا لبيان الحكم في مجهول الحل و الحرمة، أو مختلطا من الحكم الواقعي و الظاهري، فتكون القضية مفيدة لأمرين







حلية الأشياء بعناوينها الواقعية، فتكون بهذا الاعتبار مخصصة بالعناوين المحرمة بأدلتها، و أيضا حلية مشتبه الحل و الحرمة، و لا ضير







في احتواء عبارة واحدة للحكمين، كما يقال: ما عدى معلوم الحرمة حلال و إذا كانت الحرمة المحتملة طارئة مسبوقة بالحلية القطعية







الواقعية، كانت من موارد الاستصحاب، و يكون حكمها























الصفحة 186







بمقتضى ما عرفت من القضية، هو الحلية الموافقة للحالة السابقة، لكن مجرد ذلك لا يصير الحكم الظاهري من الاستصحاب ما لم يكن







ذلك بعنوان إبقاء اليقين السابق و بلحاظ الحالة السابقة، و إلاّ كان كلّ حكم ظاهري موافق للحالة السابقة، استصحابا.















و بالجملة: فرق بين الحكم الظاهري، بلسان إدامة الحالة السابقة، و بين الحكم الظاهري، الّذي يكون مصداقا للإدامة، و صحّ بعد جعله أن







يقال: انّ الحكم المتيقن مستمر إلى زمان الشك، بل صحّ التعبير بمثل كلّ شي‏ء طاهر أو حلال حتى تعلم انّه قذر أو حرام، فان ذلك غير







كون مناط الدوام هو الثبوت أو القطع بالثبوت، و ليس تستفاد هذه الإناطة من تلك العبارة.















نعم، ذلك مفاد «لا تنقض اليقين» و مفاد «إذا تيقنت انّك توضأت فإياك أن تحدث وضوءا حتّى تستيقن انّك أحدثت» أو شبههما، ممّا







يؤدّي علية اليقين للحكم بالدوام.















قوله: إلاّ انّه بغايته دلّ على الاستصحاب:















بل بغايته دلّ على أنّ مورد الحكم في جانب المغيا، كلّما هو كلّ ما عدى الغاية، و ليست الغاية مفادها حكما مستقلا في عرض المغيا، بل







شأنها تحديد المغيا، سواء كان التحديد تحديدا للموضوع في المغيا ليكون مفاد «كلّ شي‏ء طاهر حتّى تعلم انّه قذر» كل شي‏ء لم يعلم







نجاسته طاهر، أو تحديدا للمحمول، فيكون مفاده انّ كل شي‏ء طاهر طهارة خاصة كذائية، محدودة بحد العلم بالقذارة، أو تحديدا







للنسبة و بيانا لأمدها، فيكون مفاده انّ اتصاف كلّ شي‏ء بالطهارة يكون إلى زمان العلم بالقذارة، ثم لا اتصاف بعد ذلك. و الفرق في







التعبيرات مجرد فرق في التعبيرات من غير أن يسري إلى مقام واقع الحكم، فانّ معنى جميع التعبيرات يكون مخلوطا من الطهارة







الواقعية للأشياء و قاعدة الطهارة في المشتبهات، و الكل أجنبي عن الاستصحاب.















ثمّ لو سلّمنا: انّ مفاد الغاية استمرار ما أفيد في المغيا، فليس مطلق ما هو مصداق الاستمرار من الاستصحاب، و إلاّ فقاعدة الطهارة في







المتيقن طهارته























الصفحة 187







سابقا، مصداق للاستمرار، بل الاستصحاب ما كان بعنوان الاستمرار بل و لا مطلق ما كان الحكم فيه بعنوان الاستمرار ما لم يكن اليقين







السابق دخيلا في الحكم بالاستمرار، و منه يظهر.















قوله: ليدلّ على القاعدة و الاستصحاب:















إن كان المراد من الاستصحاب استصحاب الطهارة الواقعية للأشياء، ففيه: انّ القضية المغياة غير متعرضة لها، و إن كان المراد







استصحاب ما أفادته القضية المغياة، أعني طهارة المشكوك، ففيه: انّ طهارة المشكوك غير محكومة بالاستمرار في ظرف الجهل، بل







هي بنفسها في ظرف الجهل، فالحالة السابقة بنفسها مستوعبة لأزمنة الجهل، فلا يبقى جهل آخر حتى يستصحب ما في هذا الجهل في







ذلك الجهل، بل كلّ ما يفرض من جهل فهو بنفسه داخل في حكم المغيا، ثمّ انّ استفادة القاعدة من الرواية لا بأن تكون الغاية حدا من







حدود الموضوع، بل تستفاد القاعدة منها. و إن كانت الغاية من حدود المحمول أو من قيود النسبة، أعني ثبوت المحمول للموضوع، فانّ







المعنى لا يتغير بذلك، بل كان مفاد الجميع طهارة المشتبه، و كان الاختلاف في مجرد التعبير. فيقال تارة:















مشكوك الطهارة طاهر، و أخرى: المشكوك طهارته طاهر طهارة مستمرة إلى زمان العلم بحدوث القذارة. و ثالثة: الأشياء في ظرف







الجهل بقذارتهما طاهر.















نعم، لو كان الحكم بالطهارة عند الشك بملاك عدم نقض يقين الطهارة، كان ذلك من الاستصحاب، لكنه بمعزل عن الرواية.















بيان الفرق بين الحكم التكليفي و الحكم الوضعي















قوله: و يؤيد ما استظهرنا منها:















بل يشهد ذلك على خلاف ما استظهره، فانّ قوله:















فإذا علمت تصريح بما هو المستفاد من قضيته حتى تعلم، مفهوما، و قوله: ما لم تعلم، فليس عليك بيان لمنطوقه. فيعلم انّ منطوق الرواية







لا يزيد على ان ما لا يعلم قذارته، لا إلزام على المكلف من قبله. و امّا ما أفاده في مقام التعليل بقوله: لظهوره في انّه متفرع على الغاية







فذلك حق، لكن لا ينتج ما ادعاه. فان الغاية هي التي أوجبت























الصفحة 188







تشكل تطور القضية المغياة بهذا الطور، و أعني كونها في مقام بيان حكم مجهول الطهارة و النجاسة، فلو لا الغاية كان ظاهر القضية







المغياة هو طهارة الأشياء واقعا و بعناوينها الأوّلية، فالغاية من قبيل قرائن المجاز التي توجب صرف المعنى، من غير أن يكون لها







مدلول عرضي ينضم إلى المغيا على سبيل تعدد الدال و المدلول، كما في قرائن المشتركات المعنوية.















قوله: هو انّ الوضع كالتكليف في انّه مجعول تشريعا:















المراد من المجعولية على ما فسّره هنا، و فيما يأتي من كلامه: هو تحقق حقيقة الشي‏ء بمجرد إنشاء تحققه، فيكون وجوده الحقيقي متولّد







من إنشائه، فاما التحقق الإنشائي بالإنشاء فذلك ممّا لا ريب فيه، و البحث في التحقق الحقيقي، و انّ حقيقة الحجية و الولاية و السببية هل







في حقيقة إنشائية، حاصلة بمجرد إنشائها، كحصول الملكية بعد الفراغ عن كون حقائق التكاليف من الإيجاب و التحريم، و سائر ما







عداها، حقائق إنشائية حاصلة بإنشائها.















و التحقيق: انّ شيئا من التكليف، فضلا عن الموضع، ليس ممّا يحصل بالإنشاء، فليس التكليف أمرا جعليا، فضلا عن الوضع، بل التكليف







أمر واقعي، كسائر الأمور الخارجية، من أبوة زيد و حياة عمرو و قيام بكر، و هو عبارة عن الإرادة المتعلقة بفعل الغير، و هذه الإرادة







صفة واقعية قائمة بنفس المريد، فان كانت تلك الصفة متحققة، كان هناك تكليف، و إلاّ لم يكن، و لو أنشأ ألف مرّة، بل كانت إنشاءاته







المنشأة خالية عن اللّب و الجدّ، و لم تكن من التكليف بشي‏ء، فالتكليف ينفك عن الإنشاء كما تنفك الإنشاء عن التكليف، فهو سابق على







الإنشاء و علة للإنشاء و محرك نحو الإنشاء لا انّه لا حق به و معلول له و متولد منه مجعول به. هذا حال التكليف.















و امّا الوضع: فمنه أمر واقعي أجنبي عن التكليف، بل سبب للتكليف، كالسببية و الشرطية و المانعية للتكليف، و منه أمر منتزع من







التكليف ليست حقيقته سوى حقيقة التكليف و لا واقع له وراء واقع التكليف، و هذا كالحجية و الولاية























الصفحة 189







و الشرطية و الجزئية و المانعية للمكلف به. فإنّا لا نعقل معنا محصلا للحجية سوى وجوب المتابعة، و لا للولاية، سوى نفوذ التصرفات، و







لا الشرطية و الجزئية و المانعية، سوى الأمر بالمركب من اجزاء و قيود، و كلّ من فسّرها بغير ذلك فقد أتي بألفاظ جوفاء خالية عن







اللب، و إن أعدت القول معه و طلبت منه زيادة البيان تلجلج لسانه، حتى أنهاها إلى التكليف، فاستراح.















و تفصيل المقال بأزيد ممّا قلناه خارج عن وضع التعليقة، و خذ تفصيل ذلك من صدرك، فليس كلّ علم يحويه القرطاس.















قوله: و تلك الخصوصية لا يكاد:















لم لا يكاد يوجد، فلعلها بحسب التكوين تتولد من الإنشاء، أو انّ نفس الإنشاء عبارة عن تلك الخصوصية، فإذا التحقت بذات ما هو







السبب، صار ذات ما هو السبب سببا فعليا مؤثرا فيما هو مسببه، فلا تقصر الإنشاء عن النفخ في النار الموجب لاشتعال الحطب أو تنور







الفحم.















قوله: حيث انّها، و إن كان من الممكن:















يعني في عالم الإمكان، كلا الأمرين من الجعل و الانتزاع ممكن، لكن بالنظر إلى عالم الفعلية، و ملاحظة ما بأيدينا من الأدلة، لا يمكن إلاّ







الجعل، لعدم منشئية الأحكام، التي في مواردها، من إباحة التصرفات و نحوها، للانتزاع، فانّها أحكام مشتركة تكون مع عدم الملك، كما







تكون مع المالك، لما عرفت عدم معنى معقول لها وراء التكليف، ليتجه الحكم بأنه منتزع أو أصيل، بل هو و التكليف عبارتان يعبر بهما







عن معنى واحد تفسيره بخلاف اليقين.















تنبيهات الاستصحاب















قوله: يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك:















قد تقدّم عن قريب انّ بذلك الملاك الّذي يتجاوز من الشك إلى الظنّ فيحكم بجريان الاستصحاب مع الظنّ، يتجاوز إلى الغفلة أيضا، بل







عن الصحاح.















قوله: و للزم أن لا يقع ما قصد:















يعني لا يقع ما قصد و هو الملك و يقع ما لم يقصد و هو























الصفحة 190







إباحة التصرفات: و فيه: انّما قصد، أعني الملك لا محالة يقع، و كون ذلك بتبع ما أنشأه الشارع من الأحكام عند وقوع العقد، ممّا لا يضرّ







بحديث العقود تتبع القصود.















قوله: أو المقولية كملك:















الصواب أن يقال: أو الاعتبارية بدل أو المقولية، و قد اعتبر هو «ره» قبل أسطر و في أول المبحث، اليقين و الشك الفعليين في موضوع







الاستصحاب، فما هذا التناقض؟















قوله: بخلاف من التفت قبلها و شك ثم غفل:















انّ الغفلة الطارئة بعد الالتفات و الشك توجب انقطاع الاستصحاب، فلا فرق بين الغفلة ابتداء و الغفلة بعد الشك في عدم جريان







الاستصحاب معها. فالتفصيل بين الصورتين لا وجه له ظاهرا.















و امّا ما أفاده «ره» في وجه ذلك بقوله: لكونه محدثا قبلها بحكم الاستصحاب، مع القطع بعدم رفع حدثه.















ففيه: انّ الاستصحاب لا يجعل الشخص محدثا واقعيا، بل يجعله محدثا حكميا، أعني ممّن توجه إليه خطاب توضأ ظاهرا، فإذا حدثت الغفلة







انقطع هذا الخطاب، و كان كما إذا لم يلتفت أصلا.















قوله: و هذا هو الأظهر:















هذا استحسان محض، و إلاّ فعنوان الدليل عدم نقض اليقين الغير الصادق من دون يقين فعلي، و لذا اعتبر الشك الفعلي في المسألة







السابقة، و لم يكتف بالشك على تقدير الالتفات.















و بالجملة: موضوع الحكم بالبقاء في الاستصحاب هو اليقين بحالة سابقة لا مجرد تحقق الحالة السابقة، فالملازمة التي تكون انّما هي







بين اليقين بثبوت شي‏ء و بين.















دوامه في الظاهر لا بين ثبوته واقعا و دوامه، كي تكون الحجة على الثبوت حجة على الدوام.















قوله: فتكون الحجة على ثبوته حجة على بقائه:















فيكون دليل التعبد بالبقاء هي أدلة الأحكام الواقعية دون أدلة الاستصحاب، لأنّ أدلة الاستصحاب دليل على الملازمة، و الحجة على







ثبوت أحد المتلازمين هي الحجة على الملازم الآخر لا























الصفحة 191







على الملازمة، و على ذلك فالاستصحاب معناه قيام الحجة على الحكم الظاهري لا نفس الحكم الظاهري، مع انّ رأي المصنف في الأصول







جعل الحكم الظاهري لا الحجية، و قد صرّح بذلك في خصوص الاستصحاب في بعض المباحث الآتية، إلاّ أن يكون ذلك في خصوص ما







إذا كانت الحالة السابقة ثابتة باليقين، لا بقيام الحجة.















قوله: أو ما يشترك بين الاثنين منها:















إذا كان معنى الاستصحاب هو إنشاء المماثل فأيّ معنى يكون لإنشاء القدر المشترك بين الحكمين، فانّ إنشاء القدر المشترك غير







معقول، بل المنشأ لا بدّ أن يكون امّا محدودا بحد الوجوب مثلا، أو بحد الاستحباب. و امّا إنشاء خصوص الوجوب أو خصوص







الاستحباب، فهو غير مسبوق باليقين، فإنشاؤه يكون خارجا عن وسع الاستصحاب، الّذي هو إنشاء المماثل، فكيف ينشأ بالاستصحاب







حكم لم يجتمع فيه الأركان؟ و بالجملة: الكلي المجتمع فيه الأركان غير قابل للاستصحاب، و القابل للاستصحاب، و هو كلّ من الوجوب







و الاستحباب، غير مجتمع في الأركان، فلا محيص من الرجوع إلى سائر الأصول، اللهم إلاّ أن يقال: أن المتيقن إذا كان هو القدر







المشترك بين الوجوب و الاستحباب، كان استصحابه بمعنى إنشاء الاستحباب، إذ يكون المتيقن من الرجحان هو الرجحان الغير المانع







من النقيض، فينشأ بالاستصحاب هذا الرجحان المتيقن، و الاستحباب ليس إلاّ عبارة عن ذاك، و لا يحتاج إلى حدّ وجودي آخر.















قلت: هب انّ استصحاب الكلّي لا يجري، و لكن في استصحاب الفرد المردد غنى و كفاية.















قلت: كما لا يمكن إنشاء القدر المشترك، كذلك لا يمكن إنشاء الفرد المردد بين الوجوب و الاستحباب واقعا، و امّا المعين واقعا، المردد







عندنا، فهو غير معلوم لنا لنستصحبه، و الاستصحاب يتبع العلم دون الواقع.















قوله: كان استصحابه كاستصحابه:















معنى جريان الاستصحاب في كلّ من























الصفحة 192







الكلي و الفرد هو شمول خطاب «لا تنقض» لكلّ منهما، و مقتضى ذلك أن يكون اليقين الشخصي بوجود الفرد مشمولا لهذا الخطاب







مرتين: مرة بما هو يقين بوجود الفرد، و آخر بما هو يقين بوجود الكلي، و بحسبه ينشأ الحكم كل شمول مرة، فكان الحكم منشأ مرتين،







و هذا باطل بالقطع، و الصحيح انّ عموم «لا تنقض» يشمل افراد اليقين الموجودة في الخارج، فإن كان اليقين في الخارج متعلقا بالكلي







دون الفرد، كان هذا اليقين مشمولا للعموم، و كان معناه جريان استصحاب الشخص ليس إلاّ، و لا يجتمع اليقينان: اليقين بالكلي و اليقين







بالفرد في مورد ليجتمع الاستصحابان، بل مقتضى ما ذكرنا عدم جريان استصحاب الكلي في شي‏ء من الموارد، لأن الكلّي بما هو كلّي







لا يتعلق به اليقين، بل اليقين، امّا متعلق بالفرد المعين أو بالفرد المردد، و على كلّ حال يكون الاستصحاب جاريا في الفرد، امّا معينا أو







غير معيّن.















قوله: المحكوم بعدم حدوثه:















قيد كونه محكوما بعدم الحدوث، خير دخيل في الإشكال، الّذي هو عدم اجتماع أركان الاستصحاب.















بيان الإشكال انّ الكلي في الخارج ليس إلاّ عين الأفراد، و كلّ من الفردين لا يقين بوجوده، مضافا إلى انّ الفرد القصير لا شك أيضا فيه،







فالكلي أيضا ينبغي أن لا يجتمع فيه الأركان.















و يندفع: بأنّ اتصاف الكلي بالصفات الخارجية كالبياض و السواد، لا يكون إلاّ باتصاف الأفراد، فإذا لم تتصف الأفراد بصفة لم يتصف







الكلي بتلك الصفة، و امّا اتّصاف الكلي بالمعلومية و المشكوكية الّذي معناه وجود الكلي في النّفس وجودا تصديقيا، و وجود غير







تصديقي بل شكي، فذلك لا يكون بتبع اتصاف الأفراد، فربّما لا يكون شي‏ء من الفرد المعينة معلوما موجودا في النّفس وجودا تصديقيا،







و يكون الكلي موجودا فيه وجودا تصديقيا، كما في العلم الإجمالي.















ثمّ انّه يمكن الإشكال في استصحاب الكلي بإشكالين آخرين غير الإشكالين اللذين تعرض لهما المصنف «ره».























الصفحة 193







أحدهما: انّ المتيقن ليس إلاّ وجود الكلي في أحد فردين على سبيل الإجمال، و المشكوك ليس ذلك، بل وجوده في فرد معين، فكانت







القضية المشكوكة غير المتيقنة.















الثاني: انّ استصحاب الكلي يعارضه استصحاب عدم كلّ من الفردين فيما جرى فيه استصحاب عدهما، لعدم لزوم مخالفة قطعية عملية.















و يمكن الذبّ عن الأول: بأنّ نفس الكلي أيضا متيقن، بسبب اليقين بوجود فرد مردد، و كذلك نفس الكلي مشكوك بالشك في فرد







معين، فاتحدت القضيتان في الكلي و ان تعددت في غيره. فصحّ أن يقال: الكلي متيقن الوجود و الكلي مشكوك البقاء.















و يمكن الذبّ عن الثاني: بأنّ وجود الكلي في الخارج، و إن كان عين وجود الفرد، لكن التعبد به ليس عين التعبد بالفرد، حتى يحصل







التنافي بين التعبد بالكلي و التعبد بعدم الفردين، بل معنى التعبد بالكلي ترتيب آثار الكلي، و معنى التعبد بعدم الفردين عدم ترتيب







آثار الفردين، فيرتب آثار وجود الكلي دون آثار الفردين، بما هما فردان.















قوله: بل من لوازم كون الحادث:















بل من لوازم عدم حدوث الفرد الطويل العمر، لأنّ الكلي وجوده بوجود أفراده و عدمه بعدم أفراده، و المفروض في المقام انحصار ما







يوجد به الكلي في فردين، فينحصر أن يكون وجوده بوجود أحدهما و انتفائه بانتفائهما، و امّا الحادث فلا غرض مترتب على إحرازه،







و انّه الفرد القصير العمر، المرتفع قطعا، أو الآخر الباقي.















نعم، إذا كان أثر مترتب على عنوان الارتفاع، الّذي هو العدم بعد الوجود، توقف ترتيبه على إثبات كون الحادث ذلك القصير العمر،







لكن الأثر في المقام لوجود الكلي و عدمه، و هما متفرعان على وجود الفرد و عدمه. هذا كلّه بناء على تسليم أصل اللزوم، و سيجي‏ء







إنكاره و ادعاء العينية.















قوله: مع انّ بقاء القدر المشترك:















دعوى العينية تغلق بابا من الإشكال و تفتح























الصفحة 194







بابا آخرا، تغلق باب الحكومة و تفتح باب المعارضة، إذ على تقدير العينية استصحاب بقاء الكلي يعارض باستصحاب عدم حدوث الفرد







الطويل، فيتساقطان. لكنك عرفت آنفا جواب إشكال المعارضة، و انّ الكلي بوجوده الخارجي عين وجود الفرد لا بوجوده التعبدي،







حتى يكون التعبد بالكلي عين التعبد بالفرد، فيعارضه التعبد بعدم الفرد.















قوله: و امّا إذا كان الشك في بقائه:















و هناك قسم رابع، و هو أن يكون الشك في بقاء الكلي من جهة تردد المتيقن بين ما هو متيقن الحدوث و الارتفاع، و بين ما هو







مشكوك الحدوث، كمن وجد في ثوبه منيّا، علم انّه منه، و شك انّه من جنابة سابقة اغتسل منها، أو جنابة حادثة لم يغتسل منها، فانّ







الجنابة الحادثة بالقطع حال خروج هذا المنيّ الشخصي المردد بين الأولى الزائلة و الأخرى المحتمل الحدوث، مشكوك البقاء، و كذا من







علم بتعاقب حالتين، الطهارة و البول و شك في السابق منهما، مع علمه بالحالة السابقة على الحالتين، و انّه الحدث. استصحاب الطهارة







في حقّه معارض باستصحاب الحدث المتيقن، حال خروج البول المردد بين أن يكون نفس ذلك الحدث السابق، الّذي تطهر منه لأجل







كون البول واقعا عقيب الحدث، و بين أن يكون حدثا جديدا حادثا عقيب ارتفاع الأول.















لكن جريان هذا الاستصحاب عندي محل نظر، بل منع. لأنّ المردد بين ما هو منتقض بيقين آخر و بين غيره، مشكوك الاندراج تحت







قضية «لا تنقض» و المحتمل الاندراج تحت قضية «و لكن تنقضه بيقين آخر» و في مثل ذلك لا يتمسك بشي‏ء من القضيتين لحكمه.















قوله: ففي استصحابه إشكال:















منشأ الإشكال هو الإشكال في صدق البقاء على استمرار الكلي في ضمن الافراد المتبادلة، أو انّ تبادل الافراد يمنع عن صدق البقاء،







فالمتيقن من وجود الكلي مقطوع الارتفاع، و المشكوك مشكوك الحدوث، أو انّه يفصل بين احتمال وجود فرد آخر منضما إلى الفرد







الأول، فيكون بقاء الكلي ببقائه، و بين احتمال حدوثه مقارنا لارتفاعه، أظهرها هو الأول، فان الافراد و إن























الصفحة 195







كانت متبادلة بين حادث و مرتفع، لكن ذاك الخيط الرابط لشتاتها. و الكلي الجامع بين متفرقاتها، في نظر العرف واحد مستمر، فكما







ان تشتت الافراد لا يمنع عن وحدة ذلك الجامع، لذلك تبادلها لا يمنع عن استمراره. أ ترى انّ لحية زيد اليوم في نظر العرف غير لحيته







قبل عام، فيقال: انّ هذه اللحية حادثة له، أم يقال: انّها باقية من أوان نموها إلى الآن، و كذلك أظفاره و سائر الأمور المتدرجة منه، و







سائر النباتات، مع انّه عند اللاحق، ليس من السابق عين و لا أثر، و على ذلك يبتني جريان كثير من الاستصحابات الآتية، كالاستصحاب







في الزمان و الزمانيات المتدرجة، و استصحاب النبوات، و استصحاب الأحكام، الشرائع السابقة، ثمّ مع الإغماض عن ذلك، فالوجه







إطلاق القول بالمنع و بطلان القول بالتفصيل، فانّ مجرّد احتمال البقاء في صورة احتمال مقارنة فرد آخر للفرد الأول لا يجدي ما لم







يكن محتمل البقاء هو المتيقن الحدوث.















قوله: بنفسه أو بملاكه:















المقارنة في الأحكام التكليفية لا يكون إلاّ بين الملاكين و لا يعقل بين الفعليتين و إلاّ لزم اجتماع الأمثال فإذا بطل أحدهما عن التأثير







قام الآخر بالتأثير.















قوله: ليس إلاّ بشدة الطلب و ضعفه:















تقدم في مبحث الأوامر: عدم اختلاف الطلب بالشدة و الضعف، و انّه لا مراتب في الإرادة، و انّما الاختلاف في مراتب الحبّ و انّ الطلب لا







يكون إلاّ إيجابيا، و انّ الاستحباب خارج عن حقيقة الطلب.















قوله: و يكون رفع اليد عنها مع الشك:















الظاهر التباس الأمر، فان النقض يصدق على رفع اليد عن كلّ أمر تركيبي، حصل الشروع فيه، كما في نقض الصلاة و الصوم و الحج، و







بهذا الاعتبار يصدق النقض على رفع اليد عن الأمور التدريجية، كنقض التكلم و المشي و غيرهما. و امّا عنوان نقض اليقين بالشك فغير







صادق، سيما على مذاق المصنف، من كون مصحح إطلاق مادة النقض هو لفظ اليقين دون المتيقن، إذ اليقين لم يتعلق إلاّ بجزء من ذلك







الأمر التدريجي، و قد انتقض ذلك بيقين آخر، و الجزء الآخر المشكوك الحدوث لم يتعلق به يقين، بل اليقين تعلق























الصفحة 196







بعدمه، فعدمه هو المستصحب دون وجوده، مثلا صبح يوم الجمعة الّذي كان متيقّنا قد انقضى و تصرم باليقين، و عصره الّذي هو







مشكوك فعلا، و من أجل الشك فيه شك في بقاء النهار مشكوك الحدوث، فكيف يحكم بخطاب «لا تنقض اليقين» ببقاء النهار؟ و امّا ما قد







يقال في تصحيح إطلاق النقض من انّ نهار يوم الجمعة مثلا في نظر العرف شي‏ء واحد يصدق انّ الشخص على يقين منه باليقين بجزء







منه، و انّه قد شك فيه بالشك في جزء آخر منه، فصحّ توجيه خطاب «لا تنقض» إليه، فكلام ظاهري إذ لو أريد انّ صدق الشخص على يقين







من مجموع يوم الجمعة باليقين بجزء منه، فذاك باطل بالقطع. و لو أريد صدق انّه على يقين من جزئه فذاك لا يجدي في المطلوب، و







الالتباس كلّه في ما سمعت من صدق النقض و البقاء في الأمور التدريجية برفع اليد عنها في الأثناء، و الاستمرار عليها إلى المنتهى، مع انّ







ذلك النقض و البقاء، غير النقض و البقاء المبحوث عنهما.















قوله: و هي كونه بين المبدأ و المنتهى:















الكون بين المبدأ و المنتهى، الراسم للحركة القطعية، كلّي ذو أفراد. فالكون في كلّ جزء من أجزاء المسافة فرد من عنوان الكون بين







المبدأ و المنتهى، و قد حصل اليقين بهذا الكون الكلي باليقين بفرد منه ثم حصل الشك فيه بالشك في فرد آخر بعد اليقين، بارتفاع







الفرد الأول. فاستصحابه مبني على جريان الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، و هذا الكون الكلي، و إن كان







قارّا، و إلاّ لزم السكون، لكن قراره يكون بتبادل الافراد، كقرار الإنسان في الحمام بتبادل الأفراد، هذا إذا أريد استصحاب الكون بين







المبدأ و المنتهى، ككون الشمس في القوس النهاري أو الليلي، امّا إذا أريد استصحاب عدم الدخول في قوس مقابله كاستصحاب عدم







دخول الشمس في قوس الليل عند استصحاب النهار أو قوس النهار عند استصحاب الليل، فالأصل المذكور يكون معارضا بأصل آخر في







مرتبته، إذ الشمس لا محالة قد دخلت بعد الخروج عمّا كانت فيه في أحد قوسين، امّا في جزء من قوس النهار الّذي كانت فيه، أو في جزء







من قوس الليل، فاستصحاب عدم دخوله في قوس الليل، يكون























الصفحة 197







معارضا باستصحاب عدم دخوله في قوس النهار.















قوله: و ترتيب مالهما من الآثار:















يعني آثار نفس بقاء الليل و استمرار النهار، امّا آثار اتصاف الجزء الموجود فعلا بالليلية أو النهارية أو الشهر الموجود بالرمضانية أو







الشعبانية. فلا، إلاّ على القول بالأصل المثبت أو دعوى خفاء الواسطة.















قوله: من جهة الشك في انتهاء حركته:















يعني حركة ما حركته تدريجية، بأن كانت تلك الذات السائلة المتحركة أو لا قد شك في استمرار سيلانها، و حركتها أخيرا، و لازمه







وحدة الذات في الزمانين، كان علم مقدار من الماء قد أخذ في الجريان ثم شك في بقاء جريان هذا المقدار من الماء أو تبدله بالركود و







السكون، فصحّ أن يقال: انّ شخص ذلك الماء الّذي كان جاريا باق على جريانه، و انّه بعد بين المبدأ و المنتهى، و في الخروج من أين إلى







أين؟ لكن عرفت: انّ كلّ جزء من أجزاء الجريان غير الجزء الآخر، و انّ كلي الجريان باق بتبادل افراده، فاستصحابه مبني على جريان







الاستصحاب في القسم الثالث، و امّا استصحاب الجريان بمعنى تتابع اجزاء أخر من الماء و تواصلها من المنبع جاريا، و تواصل الدم من







الرحم سائلا بعد القطع بركود ما جرى و سال أولا أو بجريانه، فذلك يحتاج إلى مسامحة أخرى في جانب الذات، و عدّ الجريان







المستمر كالخيط الواحد المستمر واحدا، و هي الحركة القطعية، و إن كان راسمها متعددا، و هي الحركة التوسطية التي أشرنا إليها أولا







و ذات ما هو الجاري أيضا متعددا، فيقال: الجريان باق، ما لم يتخلل السكون، و لو في جريانات متعددة قائمة بمياه متعددة، ثمّ لا فرق







في الجهة المبحوث عنها في المقام















بين أن يكون الشك في الجريان لاحتمال وجود مقدار آخر من الماء في المنبع غير ما جرى، أو لاحتمال انسداد المجرى بما يمنع من







الجريان، مع العلم بوجود الماء.















نعم، التفصيل بين الصورتين راجع إلى التفصيل في اعتبار الاستصحاب بين الشك في المقتضي و الرافع.















قوله: ثمّ لا يخفى انّ استصحاب بقاء الأمر التدريجي:















الوحدة العرفية بين الاجزاء التدريجية متقومة باتصال تلك الاجزاء بعضها ببعض، سواء كان وجودها بداع























الصفحة 198







واحد أو بدواعي متعددة، فالقسمين الأخيرين من استصحاب الكلي لا يجريان في الأمور التدريجية، بل كلها من قبيل القسم الأول و







أيضا من قبيل استصحاب الشخص، فانّ الشخص شخص واحد من الحركة ما لم يتخلل السكون في البين، و إذا تخلل السكون لم يكن







محل للاستصحاب.















قوله: فلا بأس باستصحاب قيده:















مع جريان استصحاب القيد يتعين استصحاب القيد لحكومته، انّما الإشكال فيما إذا لم يجر لترتب الأثر على كون هذا الزمان، متصفا







بكذا، و ذلك لا يثبت باستصحاب بقاء النهار. و من ذلك يظهر ما في استصحاب المقيد الّذي في كلام المصنف «ره»، فان استصحاب







كون الإمساك في النهار لا يثبت انّ إمساكه هذا متّصف بكونه في النهار ليتصف بالوجوب، و لم يتيقّن في وقت اتصاف هذا الإمساك







بالكون في النهار ليستصحب اتصافه و ما هو مفاد كان الناقصة.















قوله: لا ظرفا لثبوته:















الكلام كان في المقيد بالزمان، ففرض الظرفية مع ذلك غريب، إلاّ أن يريد من المقيد بالزمان، في عنوان البحث المقيد بحسب الدقة







المجامع مع الظرفية العرفية.















قوله: لا يقال: فاستصحاب كلّ واحد من الثبوت و العدم يجري لثبوت كلا النظرين:















يعني انّ النّظر العقلي و العرفي كلاهما موجودان محققان، فبحسب كلّ نظر يجري استصحاب، فيتعارض الاستصحابان.















و حاصل الجواب هو: انّ مجرد ثبوت النّظر لا يجدي ما لم يكن الدليل مسوقا بذاك النّظر، و لا يعقل أن يكون دليل الاستصحاب مسوقا







بكلا النظرين، بل امّا مسوق بنظر العرف فقط أو بنظر العقل فقط، و أيّ منهما كان لا يكون إلاّ استصحاب واحد. هذا، و عبارة المتن







مضطربة جدا و لا تنتهي إلى نتيجة، فانّ ظرفية الزمان و قيديته انّما تؤثر في جريان الاستصحاب الوجوديّ و عدم جريانه، و امّا







الاستصحاب العدمي فلا يختلف بكون الزمان قيدا في جانب الوجوديّ أو ظرفا. و المصنف أراد بهذه العبارة التنبيه على ما قيل في







المقام، من معارضة























الصفحة 199







استصحاب الوجوديّ في الأحكام الشرعية دائما باستصحاب العدمي، و على جوابه، لكن سلك مسلكا زلقا و عرا ضرره أكبر من نفعه.















و الحقّ عندي صحة المعارضة، و بطلان ما أجيب به عنها. بيانه: انّ الحكم قبل الشريعة لم يكن بالنسبة إلى شي‏ء من الأزمنة، يعني انّ







الفعل في شي‏ء من الأزمنة لم يقع تحت الطلب، و قد جاء الطلب بمجي‏ء الشريعة، و المتيقن من الطلب الآتي هو الطلب للفعل إلى ما قبل







زمان الشك، فعدم الطلب للفعل إلى هذا الزمان قد انقلب إلى الطلب. و امّا عدم الطلب للفعل مما بعد هذا الزمان، فلم يعلم انقلابه،







فيستصحب عدم الانقلاب، كما يستصحب أيضا الحكم الوجوديّ من الزمان المتصل بهذا الزمان، فيحصل التعارض بين الاستصحابين.















و بالجملة: قبل ورود الشرع لم يكن طلب بالنسبة إلى الزمان الأول من الأزمنة اللاحقة، و لم يكن طلب بالنسبة إلى الزمان الثاني، و







هكذا. و المتيقن انقلاب بعض هذا الاعدام و البعض الآخر مشكوك الانقلاب، فيستصحب في البعض الآخر العدم، كما يستصحب من قطعة







الانقلاب - أيضا - الوجود.















و امّا ما جئت به عن المعارضة، فملخصه: انّ الاستصحابين لا يجتمعان في الجريان في شي‏ء من الموارد بل الجاري امّا الوجوديّ فقط أو







العدمي فقط، لأنّه ان أخذ الزمان ظرفا لمتعلق التكليف، جرى الاستصحاب الوجوديّ من قطعه بالتكليف، و إن أخذ قيدا، جرى







الاستصحاب العدمي، و أخذه ظرفا و قيدا في مورد واحد، لا يكون ليحصل التعارض بين الاستصحابين.















توضيحه: انّ الّذي أسس عليه الاستصحاب العدمي هو ملاحظة الزمان قطعة قطعة، و جعل التكليف بالفعل في زمان غير التكليف به في







آخر، حتّى صحّ أن يقال: انّ عدم التكليف بالنسبة إلى الزمان الأول قد انقلب إلى التكليف دون عدمه بالنسبة إلى الزمان الثاني،







فيستصحب عدم هذا التكليف، و في هذا الفرض لا يجري الاستصحاب الوجوديّ، لاختلاف الموضوع. فانّ المقيد بالزمان غير الخالي عن







القيد، فكيف يستصحب الحكم منه إليه؟ و امّا الّذي أسس عليه























الصفحة 200







الاستصحاب الوجوديّ فهو إلغاء الزمان عن الدخل في المتعلق، فيقال: الفعل كان واجبا، فهو واجب، و مع هذا الإلغاء و لحاظ نفس الفعل،







عاريا عن قيد الزمان متعلقا للتكليف، لا يكون تكاليف. و في مقابله إعدام تكاليف، حتى يقال:















انقلاب عدم من تلك الاعدام لا يضرّ باستصحاب عدم آخر، بل هناك عدم واحد لتكليف متعلق بذات الفعل، و قد انقلب هذا العدم إلى







الوجود بالنسبة إلى هذا الفعل، فأين العدم ليستصحب؟ و فيه: أولا: انّا نتكلم على تقدير أخذ الزمان ظرفا، الجاري فيه استصحاب







الوجود، و في عين هذا التقدير. نقول: استصحاب العدم أيضا جار و ليس التقطيع في الزمان المبتني عليه جريان استصحاب العدم،







مستلزما لاعتبار الزمان قيدا، و لذا هذا التقطيع بعينه موجود في جانب استصحاب الوجود المبني على أخذ الزمان ظرفا، فيقال: و لا







يضر بالاستصحاب وجوب الجلوس قبل الزوال معلوم و يشك في وجوبه بعده، و الأصل الاستصحاب، فلم هذا التقطيع؟ إذا فرضناه في







جانب عدم التكليف و استصحبنا عدم التكليف و عارضنا به الاستصحاب الأول، قلتم هذا تقييد بالزمان، و في تقديره لا استصحاب







وجودي.















و ثانيا: انّ التقطيع و أخذ الزمان قيدا في جانب العدم، لأجل إجراء استصحاب العدم لا يستلزم التقطيع أيضا في جانب الوجود لئلا







يجتمع الاستصحابان، بل يقطّع الأول على ما هو واقعه، فيجري استصحاب العدم، ثم يؤخذ بظاهر دليل الحكم الوجوديّ في كون الزمان







ظرفا، فيجري استصحاب الوجود، فيتعارض الاستصحابان.















ثمّ لا يخفى انّ الاتصال المعتبر في الاستصحاب حاصل في الاستصحاب العدمي، كحصوله في الاستصحاب الوجوديّ، و ثبوت التكليف







في الزمان الأول لا يخل باتصال عدم تكليف هذا الزمان بالشك في تكليفه.















و ربما يجاب عن إشكال المعارضة بأنّ عدم التكليف قبل الشرع قد انقلب إلى وجود التكليف المحكوم عليه بالاستمرار بحكم







الاستصحاب، فدليل























الصفحة 201







منضما إلى دليل الواقع يفيد عموم الانقلاب و عدم بقاء شي‏ء من الاعدام. و فيه:















انّ ذلك انّما يصحّ إذا سلم دليل الاستصحاب عن المعارض، و هل الكلام إلاّ فيه. فانّ ما يدلّ على عموم الانقلاب هو الّذي يدلّ على







خصوصه، و انّ عدم التكليف في سائر القطعات باق على عدمه، فكيف يؤخذ بأحد مدلوليه في الخروج به عن الآخر، و لا يؤخذ بالآخر







في الخروج به عنه؟ و كلّ منهما باطل و بلا مرجح.















و ممّا ذكرنا ظهر: انّ ما أفاده المصنف «ره» بقوله: لما عرفت من انّ العبرة في هذا الباب إلى آخر العبارة. لا يسمن و لا يغني، فانّه منع







من جريان الاستصحاب الوجوديّ على تقدير قيدية الزمان، و هذا ممّا لا إشكال فيه. و امّا عدم جريان الاستصحاب العدمي على تقدير







ظرفيته فلم يتعرض له.















قوله: فيما إذا كان الشك في بقاء حكمه:















هذا هو الّذي كان كلامه فيه ابتداء، كما أشرنا إليه. و قد خرج عن ذلك و سار سيرا إلى مسألة جريان الاستصحاب في فرض ظرفية







الزمان، ثمّ رجع رجوعا إلى ما كان فيه من فرض قيديته، أو انّه ذهل عن عنوان كلامه، و كيف كان، فلا مجال للاستصحاب في فرض







القيدية، كان القيد قيدا لتمام المطلوب أو لأصله، إذ الحكم الفعلي على كلّ تقدير متوجه إلى المقيد بالقيد، فكيف يستصحب في الخالي







عنه و هل ذلك إلاّ إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع.















قوله: فلا أصل لأصالة عدم جعل الوضوء سببا:















بل له أصل أصيل، فان معنى أصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي، معناه عدم جعل الشارع أحكام الطهارة بعد خروج







المذي، و إن كان ذلك لأجل خروج المذي الّذي هو معنى واقعية المذي لا لقصور الاقتضاء، فان النتيجة واحدة، و هي: عدم جعل الأثر، و







امّا كون ذلك لقصور الاقتضاء أو لوجود الرافع، فلا أثر له، فيما هو المطلوب. فصحّ أن يقال: في صورة الشك في رافعية الموجود: انّ







السبب لم يكن مؤثرا في جعل أحكام الطهارة قبل الشريعة أبدا. و ما علم من التأثير بورود الشرع هو التأثير ما لم يخرج مذي، فإذا خرج







المذي شك في تأثيره. و بعبارة أخرى في جعل أحكام الطهارة























الصفحة 202







و الأصل عدمه، كما صحّ هذا القول في صورة الشك في مقدار الاقتضاء، و هذا الأصل بحسب النتيجة يوافق جعل مشكوك الرافعية رافعا،







فيعارضه أصالة عدم جعل مشكوك الرافعية رافعا، إن كانت الرافعية من الأمور الجعلية، لكن الظاهر انتزاعها من عدم جعل الأثر المسبب







بعد تحقق ذات الرافع.















قوله: لا انّه لا يكون موجودا أصلا:















لم أفهم معنى كون الشي‏ء موجودا و مع ذلك لا يكون فعليا، فان كلّ موجود هو فعلي، و كلّ ما ليس بفعلي فهو ليس بموجود.















و بالجملة: لا شي‏ء من الحكم بفعلي في الحكم المشروط قبل تحقق شرطه، و انّما يصير فعليا بعد الشرط.















نعم، إنشاؤه يكون قبل الشرط، كما انّ مناط الحكم، أعني تلك الخصوصية التي تكون في الفعل، التي بها استحق الفعل لأن يتعلق به







الطلب المشروط أيضا تكون قبل الشرط كفعلية الملازمة بين الشرط و توجه الحكم، لكن كلّ هذه الثلاثة غير قابل للاستصحاب، امّا







الإنشاء فلانتفائه بالقطع، و امّا الأخيران فلعدم ترتب أثر شرعا عليهما، و ليست فعلية الحكم عند تحقق الشرط أثرا شرعيا مرتبا على







تلك الخصوصية و لا على الملازمة.















و الحاصل: لا شي‏ء من الحكم المجعول في الواجبات المشروطة موجودا قبل الشرط، و ما هو الموجود ليس بمجعول و لا له أثر مجعول و







صحة الخطاب معلقا على الشرط، لا يقتضي إلاّ ثبوت الحكم في وعاء الشرط، كما انّ في الجمل الشرطية الاخبارية ليس مفادها إلاّ ثبوت







التالي عند ثبوت المقدم.















نعم، إذا كان الحكم منجزا ثابتا فعلا، و إن كان متعلقه مقيدا بالشرط، و هو المسمّى في الاصطلاح بالتعليقي، لم نمنع من استصحابه، لكنه







خارج عن الاستصحاب التعليقي، و الّذي يهون الخطب و يحسم مادة الإشكال، هو: انّ المعتبر في الاستصحاب ليس إلاّ اليقين و الشك







الفعليين، و ذلك حاصل في الحكم المشروط، كحصوله في الحكم المطلق، و لا يعتبر أن يكون الحكم المتعلق به فعليا، و لم يدل دليل على







اعتبار ثبوت أمر في الاستصحاب، ما عدى اليقين و الشك، ليعتبر فعلية المتيقن.























الصفحة 203







قوله: إن قلت: نعم، و لكنه لا مجال:















ليست المعارضة بين استصحاب الحرمة و الحلية الثابتتين في حال العنبية، أعني الحرمة المعلقة على الغليان و الحلية الفعلية قبل الغليان،







كما يظهر من جواب الأستاذ العلامة «ره»، فانّ حلية العصير الزبيبي قبل الغليان قطعي لا يحتاج إلى الاستصحاب، انّما المعارضة بين







الاستصحاب، الحرمة التعليقية المشار إليه و بين استصحاب الحلية الثابتة في الزبيب قبل الغليان.















و هذه المعارضة عندي ممّا لا مفرّ عنها. و توهم انّ الشك في الحلية بعد الغليان ناش عن وجود خطاب تعليقي قبل الغليان بالاجتناب عنه







بعده، و الاستصحاب يقتضي ثبوت مثل هذا الخطاب، فلا يبقى مجال لاستصحاب الحلية معه، فاسد، إذ ليس هنا شكان أحدهما سبب و







الآخر مسبب، بل ليس إلاّ شك واحد تعلق بحرمة العصير الزبيبي المغلي و حليته. و هذا الشك يتعارض فيه استصحابان: أحدهما يعيّن







احتمال الحرمة و الآخر يعيّن احتمال الحلّ، و مجرد انّ أحدهما جار قبل الغليان، لا يجعله حاكما، مع انّ الآخر أيضا جار قبل الغليان، حين







الالتفات إلى حكمه فيما بعد الغليان، و الشك فيه. و لعل توهم الحكومة نشأ من توهم انّ الحكم التعليقي قبل حصول المعلق عليه و الحكم







التنجيزي بعده، حكمان: أحدهما ناش من الآخر، فإذا ثبت الأول بالأصل لم يبق مجال للأصل في الثاني، و هو باطل.















فانّ الحكم حكم واحد، و التعليق و التنجيز تعبيران عن حكم واحد، باعتبار ما قبل حصول المعلق عليه و ما بعده.















نعم، لو كانت الملازمة الخصوصية أو المستتبعة للحكم مما تترتب عليها فعليته شرعا، لم يبق مع استصحابها مجال الاستصحاب الحكم







الفعلي، و كان استصحاب الملازمة أو الخصوصية حاكما على استصحاب الحلّ، لكن عرفت: ان لا أثر مرتب عليها شرعا.















قوله: حيث كان ثابتا لأفراد المكلف، كانت محققة وجودا أو مقدرة:















لم أتعقل تكليف الافراد المقدرة و تكليف الافراد الموجودة مقطوع الزوال بانقراضهم، و قريب منه في عدم المعقولية ما يقال: انّ







التكليف لم يتعلق بالأشخاص ليزول بانقراضهم،























الصفحة 204







بل بكلي البالغ العاقل الباقي، على وجه تبادل الأفراد، فيستصحب حكم هذا الكلي إذا شك. و ذلك: انّ الكلي بما هو كلّي غير قابل







للتكليف، و الكلي في ضمن الأشخاص عين الأشخاص، و قد انقرض من تعلق اليقين بتكليفه، فلا شك في تكليفه، كما لا يقين بتكليف من







حدث منهم، مع انّ استمرار الكلي في الأفراد المتبادلة لا يجدي في جريان الاستصحاب إلاّ على القول بالاستصحاب في القسم الثالث، من







أقسام الكلي.















قوله: و إلاّ لما صحّ الاستصحاب:















و هو كذلك لا يصحّ. فانّ مناط المنع عام لا يختص بأحكام الشرائع السابقة إلاّ أن يتمسك في أحكام هذه الشريعة، بأصالة عدم النسخ،







بمعنى إطلاقات الأدلة إطلاقا أزمانيّا إن كان في المسألة دليل لفظي ذو إطلاق لا بمعنى الأصل العملي و الاستصحاب.















و الحقّ: انّ جريان الاستصحاب في هذه المسألة و في الأمور التدريجية مبني على جريانه في القسم الثالث من أقسام الكلي، فانّه منه.















و قد عرفت: انّ المختار جريانه، و عليه فلا إشكال في المسألتين، هذا لو لم يكن إطلاق لفظي، و إلاّ لم يكن مجال لأصالة عدم النسخ.







بمعنى الاستصحاب، و كان أصالة عدم النسخ بمعنى التمسك بالإطلاق و هو المحكم.















قوله: فيما إذا كان من أطراف ما علم ارتفاعه إجمالا:















بل لا يمنع، و لو كان من أطراف ما علم ارتفاعه إجمالا، إذا لم يجر الأصل في بعض الأطراف، من جهة عدم الأثر، فانّه يجري حينئذ الأصل







في طرف ذي الأثر، و ما نحن فيه من هذا القبيل، فان العلم الإجمالي بالنسخ حاصل بين مجموع موارد مخلوط مما قام عليه الدليل، و ما







لم يقم. و أصالة عدم النسخ بالنسبة إلى ما قام عليه الدليل لا محل لها، فتبقى فيما لم يقم عليه الدليل بلا مزاحم، إلاّ أن يكون علم إجمالي







آخر صغير بالنسبة إلى موارد عدم قيام الدليل، مع دخولها كلا في محل الابتلاء، و هو ممنوع. هذا كلّه في أصالة عدم النسخ بمعنى







الاستصحاب.















و امّا أصالته بمعنى التمسك بالإطلاق، فتلك يضرّها العلم الإجمالي و يهبطها عن























الصفحة 205







الاعتبار مطلقا، لأنّ هذه الأصالة تدور مدار بناء أهل اللسان، و لا بناء لهم على الأخذ بالظهور، مع العلم الإجمالي بالقرينة الصارفة، فضلا







عن العلم الإجمالي، بعدم تمامية مقتضى الظهور و مقدمات الحكمة في بعض الأطراف، كائنة ما كانت الأطراف، في الدخول في محل







الابتلاء جميعا و عدمه، و التأثير و عدمه.















قوله: و قد علم بارتفاع ما في موارد:















هذا مع العلم بالنسخ بمقدار المعلوم بالإجمال في موارد تلك الأحكام، امّا إذا احتمل عدم النسخ في تلك الموارد أو علم بالنسخ فيها، لكن







بأقل من ذلك المقدار، فلا انحلال، و لكن مع ذلك الأصل جار في الموارد الخالية عن الدليل، لما عرفت: من عدم جريانه في موارد قيام







الدليل.















قوله: يمكن إرجاع ما أفاده:















قد عرفت: بطلان كلا الجوابين، فلا جدوى في إرجاع باطل إلى باطل، و لا مفرّ من الإشكال إلاّ بالقول بالاستصحاب في القسم الثالث.















قوله: بواسطة غير شرعية عادية كانت أو عقلية:















انّ مناط الإشكال يعمّ الآثار الشرعية المترتب على المستصحب بواسطة شرعية، إذا كان الموضوع للأثر هو خصوص الحكم الواقعي







دون الأعم منه و من الظاهري.















قوله: أو بلحاظ مطلق ما له من الآثار:















و هذا يختص بآثار اللوازم و لا يشمل الملزوم و الملازم و آثارهما، و لا يمكن الجعل فيهما إلاّ بتنزيل مستقل متعلق بتلك الأمور، و هو







الطريق الأوّل، الّذي أشار إليه المصنف «ره» في كلامه، و هو ان يستلزم تنزيل لآخر، فيكون هناك تنزيلان: واحد مطابقي، و آخر







التزامي.















قوله: فانّ المتيقن انّما هو لحاظ آثار نفسه:















انّ عدم نقض اليقين بقول مطلق و من كلّ جهة يقتضي ترتيب جميع ما للمتيقن من الآثار بالأعم ممّا كان مترتبا عليه بلا واسطة أو معها،







و مجرد انّ المتيقن لحاظ آثار نفسه بلا واسطة لا يمنع من انعقاد الإطلاق، لأنّه متيقن خارجي لا خطابي. و لذا لا يفرق في الأمارات بين







الأثرين، فلو كان وجود القدر المتيقن الكذائي مانعا عن انعقاد الإطلاق كان مانعا هناك أيضا، و مجرد عمومه حكاية الأمارة لا يوجب







شمول دليل صدق لجميع حكاياتها،























الصفحة 206







بل لا بدّ مع ذلك من انعقاد إطلاق في جانب صدق. و قد فرض القدر المتيقن المانع من انعقاد الإطلاق، بل لا يبعد أن يقال: انّ العموم في







دليل «لا تنقض» لفظي. و من جهة وقوع الجنس في حيّز النهي، فهو أولى بالشمول و العموم من دليل صدق.















قوله: أو بواسطة ما لأجل وضوح لزومه له:















لم أدر كيف يكون وضوح اللزوم سببا لعدّ أثر كلّ من المتلازمين أثرا لصاحبه، فانّ ذلك شأن خفاء الواسطة و محوها في نظر العرف،







حتى كان أثر الواسطة أثر لذيها في نظرهم، و امّا وضوح اللزوم فهو مستلزم لجلاء التعدد و الاثنينية.















نعم، ان أوجب ذلك شيئا فانّما يوجب الملازمة بين التنزيلين، فكان تنزيل أحد المتلازمين مستلزما عرفا لتنزيل الآخر.















قوله: أو بواسطة عنوان كلّي ينطبق:















انّ الكلي بما هو كلي و الكلي بما هو محدود بحدّ كذا، منوع أو مشخص أمران، فربّما يقع أحدهما تحت التنزيل و لا يقع الآخر، و لذا وقع







الخلاف في انّ الأحكام متعلقة بالطبائع أو الأفراد، و على ذلك فلو فرضنا انّ الأثر للكلي لم يجد تنزيل الشخص في ترتيبه، فانّ الكلي و







ان حصل تنزيله بتنزيل الشخص، لكن حصل تنزيله بما له من الوجود ضمنا، فكل أثر يكون كان له بهذا الوجود الضمني، الّذي هو عبارة







عن أثر الشخص، يرتب دون ما يكون له بما هو كلي.















و الحاصل: انّ معنى تنزيل الشخص: جعل ما يماثل أحكام الشخص، كما انّ معنى تنزيل الكلي: جعل ما يماثل أحكام الكلي، فكما انّ الحكم







الواقعي لأحدهما غير الحكم الواقعي للآخر، كذلك الحكم الظاهري لأحدهما غير الحكم الظاهري للآخر.















نعم، إذا كان التنزيل للشخص بما هو مصداق للكلي لا بما هو شخص رتب آثار الكلي، و كان التنزيل في الحقيقة للكلّي لا للشخص.















قوله: كان منتزعا عن مرتبة ذاته:















يعني إذا استصحبنا حياة زيد رتبنا عليه آثار























الصفحة 207







الإنسان و الحيوان، و هكذا إلى جنس الأجناس، و رتّبنا عليه آثار الأب و الابن و ما كان من عنوان منتزع من الذات بلحاظ أمر عرضي







اعتباري، و لكن لا ترتب عليه آثار أبيض و عالم، و كل ما كان من العنوان منتزعا من الذات بلحاظ أمر متّصل منضم إليها في الخارج، بل







احتاج ترتيب هذه الآثار إلى استصحاب الذات بما لها من العنوان. فيقال: زيد العالم كان و الآن كما كان. أو يقال: زيد كان عالما و الآن







أيضا عالم. هذا، و لكن عرفت الإشكال في استصحاب الشخص لترتيب آثار الكلي المنتزع من مرتبة الذات، فكيف بالمنتزع من مرتبة







العرضيات؟ فانّ ما بإزاء العنوان في الخارج ليس هو الذات الأطلس، بل الذات بتلك الخصوصية الموجبة لانتزاع العنوان المتحدة مع







الذات في الخارج، و مجرد الاتحاد الخارجي لا يصير منشأ لترتيب آثار جميع العناوين، إذا كان التنزيل متوجها إلى محض الذات لا إلى







الذات بعناوينها، بل احتاج ترتيب آثار العنوان إلى تنزيل للذات بما لها من العنوان، كما في العناوين المحمولة بالضميمة.















و الحاصل: انّ العنوان المحل للأثر لا بدّ أن يكون هو المجرى للأصل و المصب للتنزيل، حتى يرتّب عليه الأثر، و لا يجدي تنزيل المعنون







لترتيب آثار العنوان هذا مع انّ الفرق في العناوين بين ما كان منها خارج محمول و ما كان محمولا بالضميمة، ممّا لا وجه له أصلا، بل امّا







أن يترتب أثر الكل أو لا يرتب أثر الكل.















قوله: و كذا لا تفاوت في الأثر المستصحب:















الاستصحاب عبارة عن جعل حكم ظاهري استقلالا، فلا بد أن يكون المجعول به قابلا للجعل الاستقلالي، فمثل الجزئية و الشرطية الغير







القابلين للجعل الاستقلالي لا يكون مجرى للأصل المتكفل للجعل الاستقلالي، إلاّ ان يوجه الجعل و التنزيل إلى منشأ انتزاعهما، كما يوجه







الجعل الواقعي إلى ذلك، فالتعميم في كلام الأستاذ العلامة لا وجه له. و قد صرّح بمثل ما ذكرنا في رسالة البراءة في بحث الأقل و







الأكثر، و امّا استصحاب الشرطية و المانعية فمآله إلى استصحاب بقاء الأمر بالمقيد بوجود الشرط و بالمقيد بعدم المانع.















قوله: فليس استصحاب الشرط و المانع:















عدم كون الاستصحاب المذكور مثبتا،























الصفحة 208







ليس من فروع هذه المسألة، بل من فروع المسألة السابقة. و امّا نتيجة هذه المسألة فهي جريان هذا الاستصحاب في مقابل عدم جريانه







رأسا، و لو قلنا بالأصل المثبت، حيث لا أثر مرتب على ذلك و لو مع الواسطة، و امّا على ما ذكرناه فاستصحاب ذات الشرط انّما يكون







لترتيب الحكم المتوجه إلى الصلاة متطهرا و الطواف متطهرا، و هكذا سائر ما يشترط بالطهارة، لما عرفت: انّ الشرطية غير قابلة







للجعل الاستقلالي.















قوله: أو نفيه و عدمه:















ليس النفي حكما مجعولا، بل عبارة عن نفي الجعل، و من ثمّ لا يقبل الإنشاء أيضا، و انّما يخبر عنه. و مجرى الأصل لا بدّ أن يكون مجعولا







بنفسه أو بأثره، و المفروض ان لا أثر مجعولا أيضا مترتب على نفي الجعل. و امّا عدم استحقاق العقاب فهو ليس حكما شرعيا، بل حكم







من أحكام العقل في موضوع عدم عصيان التكليف الفعلي. و هذا الإشكال سيان في جميع الأصول العملية من غير فرق بين استصحاب







البراءة و أصالة البراءة، و امّا دليل كل شي‏ء حلال، و كلّ شي‏ء مطلق، فمفاده جعل الإباحة، التي هي أحد الأحكام الخمسة. و سيصرّح







المصنف «ره» بأنّ عدم التكليف ليس بمجعول في الأزل و لا ذا حكم مجعول.















نعم، قال: بأنّه حكم مجعول فيما لا يزال، و يشكل عليه بعدم الفرق بين الاعدام، و ان عدم الفرق بين عدم و عدم أوضح من عدم قبول







العدم للجعل، مع انّ عدم الجعل فيما لا يزال عبارة عن استمرار عدم الجعل في الأزل، و كيف يكون هذا مجعولا و ذاك غير مجعول، مع







انّ الاستصحاب عبارة عن جعل المماثل؟ فإذا كان العدم فيما لا يزال مجعولا دون ما زال، لم يماثل أحد العدمين للآخر، ليجعل







بالاستصحاب.















قوله: أو بواسطة أثر شرعي:















قد عرفت: انّ مناط عدم اعتبار الأصل المثبت يعمّ ما كان من الآثار بواسطة شرعية ما لم يكن موضوعه أعم من الحكم الواقعي و







الظاهري.















قوله: إلاّ انّه حكم مجعول فيما لا يزال:















قد عرفت: انّ ما زال و ما لم يزل سيان في























الصفحة 209







عدم الجعل، و انّه لا يعقل الفرق بينهما، إذ لا ميز في الاعدام، مع انّ المجعول لا يماثل غير المجعول، حتى يجعل بالاستصحاب.















قوله: السابع: لا شبهة في انّ قضية اخبار الباب:















لا إشكال في انّ خطاب «لا تنقض» كخطابات سائر الأصول، خطاب سيق لجعل الحكم، فلذلك اعتبر أن يكون مجراه حكما أو موضوعا







ذي حكم، انّما الإشكال و الخلاف في انّ مفاده هل هو جعل الأحكام المترتبة على مجراه بلا واسطة، أو بواسطة أمر شرعي، أو يعمّ







الأحكام مع الواسطة، أو لا يعتبر أن يكون حكما مترتبا أيضا، يشمل جعل الملزوم و الملازم؟ فالمثبتة يكون ببعد الأثر عن المجرى،







أعني كونه مع الواسطة كما تكون بعدم كون الحكم أثرا، بل ملزوما أو ملازما، ثم انّ منشأ الإشكال في المسألة هو:















انّ مفاد «لا تنقض» هو هل تنزيل المشكوك منزلة المتيقن في مطلق ما للمتيقن من الأحكام، أو في خصوص ما يتنجز عليه الأحكام بما هو







متيقن، فكل ما يكون له بما هو متيقن بهذا اليقين السابق يرتبه لذي الشك دون ما يكون بتوسيط يقين آخر يتولد من هذا اليقين،







كاليقين بالواسطة و بالملزوم و الملازم، فانّه عند اليقين السابق كانت يقينات متعددة مرتبطة بعضها ببعض، فامّا الغير المرتبطة فلا







كلام فيها، و كلّ من تلك اليقينيات كان منجزا لحكم. فإذا توجه خطاب «لا تنقض» بواحد منها كان مفاده جعل ما يماثل ما يتنجز بذلك







اليقين دون ما يتنجز بغيره مما هو متولد منه. و هذا هو الحق، و لكن مع ذلك دليل الاستصحاب يشمل الأثر مع الواسطة، و انّما لا يشمل







الملزوم و الملازم خاصة، امّا كون ذلك هو الحقّ، فلوضوح انّ كلّ حكم يرد على عنوان يتقوم بذلك العنوان الّذي يرد عليه، فإذا قيل:















«لا تنقض اليقين» كان معناه انّ كلّ ما كان يتنجز لأجل هذا اليقين فهو ثابت لدى الشك دون كلّ حكم كان عند اليقين، و لو لأجله، بل







لأجل يقين آخر حصل منه.















و امّا شمول دليل الاستصحاب مع ذلك للأثر مع الواسطة: فلأنّ النقض أريد به معاملة النقض دون النقض الحقيقي. و المفروض انّ اليقين







أطلق مرآة إلى متعلقه.























الصفحة 210







فكان محصل المعنى: وجوب أن يعمل الشاك عمل المتيقن، بالالتزام بأحكامه، و من المعلوم انّ عمل بقاء المتيقن لا يختص بما يترتب







عليه بلا واسطة، بل يعمّه و ما يترتب عليه مع الواسطة، إلاّ ان تتباعد الواسطة و تصل إلى حدّ لا يعدّ العمل عملا لليقين، و لا ترك العمل







نقضا له. و دعوى: انّ ذلك و ان كان كذلك إلاّ انّه لا إطلاق في الاخبار يشمل الأثر مع الواسطة. مدفوعة بمنع عدم الإطلاق، مع انّه لو صحّ







ذلك لزم ان لا يرتب ما كان بواسطة أمر شرعي أيضا، مع انّه لا إشكال في ترتيبه.















و الحاصل: انّ معنى «لا تنقض» جعل كلّ حكم يتنجز باليقين، بالأعم من المتصل و المنفصل، هذا و لكن الأصل بالنسبة إلى الأثر مع







الواسطة متعارض متساقط، و بالنتيجة لا يعتبر الأصل المثبت، بل عدم الاعتبار بسبب المعارضة يكون أشد من عدم الاعتبار لأجل عدم







المقتضي، فانّه يشمل الوسائط الخفية أيضا، لأنّ المعارضة موجودة هناك أيضا.















بيان المعارضة: انّ مورد ثمرة النزاع في اعتبار الأصل المثبت، هو ما لو كان الأصل في الواسطة على خلاف الأصل في ذيها و في هذه







الصورة بعينها، يعارض الأصل في الواسطة مع الأصل في ذيها، فكما انّ الأصل بقاء حياة زيد، كذلك الأصل عدم نبات لحيته. و لا حكومة







لأحد الأصلين على الآخر لعدم ترتب مجرى أحدهما على مجرى الآخر ترتبا شرعيا، و ما لم يكن ترتب شرعي لا تكن حكومة، و إن كان







أحد الشكّين ناشئا من الآخر. و امّا بالنسبة إلى أثر نبات اللحية فكلا الأصلين موضوعيان: أحدهما في موضوع بعيد و الآخر في موضوع







قريب، فكما انّ استصحاب حياة زيد يقتضي ترتيب آثار نبات لحيته كذلك يقتضي استصحاب عدم نبات لحيته عدم ترتيبه،







فيتعارضان ثمّ يتساقطان، فيرجع إلى الأصول الاخر.















هذا ان اعتبر الأصل المثبت على المسلك الّذي سلكناه، و كذلك تكون المعارضة على المسلك الآخر الّذي أشير إليه في المتن، و هو:







استفادة تنزيل الوسائط من تنزيل ذويها. فيكون مفاد أدلّة الاستصحاب تنزيلان: تنزيل استصحابي،























الصفحة 211







منها بالمطابقة، و آخر غير استصحابي، مستفاد منها بالالتزام.















نعم، طرفي المعارضة لا يكونا استصحابين، بل يكون أحدهما استصحابا و يكون الآخر ذلك الأصل الآخر، المستفاد اعتباره من دليل







الاستصحاب.















قوله: الحادي عشر: لا إشكال في الاستصحاب:















لا ينبغي الإشكال في: انّ العلم بانتقاض الحالة السابقة في الجملة لا يمنع عن الاستصحاب بالنسبة إلى زمان الشك، فإذا علم بالحادث و







شك في زمان حدوثه، استصحب عدمه إلى زمان اليقين بوجوده. و يرتب على ذلك آثار عدم حدوثه في زمان الشك، لا آثار حدوثه







بعده، أو آثار عنوان تأخره أو عدم تقدمه.















و بالجملة: كلّ عنوان ما عدى عنوان عدم الحدوث في زمان الشك لا يرتب أثره، حتى انّه لا يرتب آثار عدم كون الموجود حادثا في







زمان الشك، لعدم اليقين بهذا السلب الناقص، و انّما المتيقن السلب التام، فيستصحب السلب التام، و يرتب كلّ أثر كان للسلب التام. هذا







إذا قيس الحادث إلى اجزاء الزمان، و هكذا الحال إذا قيس إلى حادث آخر معلوم التاريخ أو مجهوله، فانّه يستصحب عدم حدوثه في







زمان الآخر، و يرتب كلّ أثر يكون لهذا السلب التام، و لا يرتب كلّ أثر يكون للسلب الناقص، أعني كون هذا الموجود غير حادث في







زمان الآخر، أو كان مرتبا على كون هذا مقدما على الآخر أو مؤخّرا عنه أو مقارنا معه.















نعم، لو كان لهذه العناوين أثر نفي ذلك بأصالة عدم التقدم، و عدم التأخر، و عدم التقارن، على سبيل السلب التام، فانّه حين لم يكن







وجود لم يكن وجود مقارن و لا وجود متقدم و لا وجود متأخر، فكما يستصحب عدم الوجود المطلق عند الشك كذلك يستصحب عدم







الوجود المقيد عند الشك فيه، بشرط عدم معارضته بمثله في جانبه أو جانب الحادث الآخر.















ثم انّ المصنف أشكل فيما ذكرناه من استصحاب عدم حدوث أحدهما في زمان الآخر، بعدم إحراز اتصال زمان المشكوك بالمتيقن. و







هو مما يعتبر في صدق النقض و البقاء، فانّ الزمان الّذي يراد بالاستصحاب أن يحكم بعدم حدوث الحادث فيه،























الصفحة 212







هو عبارة عن زمان الحادث الآخر، و زمان الحادث الآخر مجهول، مردد بين متصل و منفصل، فيكون الزمان الّذي يراد أن يحكم بعدم







حدوث هذا الحادث فيه مجهولا مرددا بين متصل و منفصل.















و فيه: أوّلا: انّ زمان الآخر حيث كان مجهولا مرددا بين متصل و منفصل، كان كلّ أطراف الشبهة زمان الشك، فيكون متصلا لا محالة،







لأنّ الكلّ متصل بزمان اليقين، فيحكم بعدم الحادث في كلّ هذا الزمان.















و ثانيا: انّ المستصحب إذا لم يكن لاستمراره في قطعة من قطعات زمان شكّه المتصلة بزمان اليقين أثر شرعي، لم يمنع ذلك من اجزاء







الاستصحاب في القطعة الأخرى المنفصلة، فيحكم باستمرار المتيقن من زمان اليقين إلى زمان يكون لوجوده أثر من أزمنة الشك، و لو







كان ذلك الزمان منفصلا.















و الوجه: انّ رفع اليد عن اليقين في القطعة المنفصلة نقض لليقين بالشك، و المقام من هذا القبيل، فانّ القطعة و إن كانت منفصلة، لكن







يحكم ببقاء المتيقن مستمرا من القطعة المتصلة إليها.















قوله: انّما هو خصوص ساعة:















بل مجموع الساعتين المحتمل كلّ منهما أن تكون ساعة ثبوت الآخر، فزمان الشك هو ساعة الشك في ثبوت الآخر، و هو عبارة عن







مجموع الساعتين لا خصوص ساعة ثبوت الآخر واقعا، فكما انّ مجموع الساعتين زمان الشك في ثبوت كلّ منهما، كذلك هو زمان







الشك في حدوث كلّ منها في زمان الآخر، و ذلك لوضوح انه ليس لنا شكّان، بل شك واحد في حدوث كلّ منهما، و هذا الشك يراعى







نسبته إلى الزمان بما هو زمان: تارة، و بما هو زمان الآخر أخرى، فكما يستصحب عدم أحدهما عدما مطلقا إلى زمان اليقين بوجوده







كذلك يستصحب عدم أحدهما عدما مقيدا و عدما في زمان حدوث الآخر، لتحقق هذا العدم الخاصّ في الزمان الأول، كتحقق ذاك العدم







المطلق في الزمان الأول، و يشك في انقلابه إلى الوجود في الزمان الثاني، لاحتمال انّه هو الحادث أولا، فيكون موجودا في زمان حدوث







الآخر، فيستصحب عدم كونه موجودا في زمان























الصفحة 213







حدوث الآخر، لكن هذا الاستصحاب يرجع إلى نفي الوجود الخاصّ و الوجود المقدم على الآخر، الّذي تقدم في كلام المصنف «ره». و







المصنف هاهنا يريد نفي الوجود المطلق، و لكن في زمان الآخر، على أن يكون زمان الآخر ظرفا للسلب لا ظرفا للمسلوب.















و يمكن تصحيحه: بأنه إذا سلب الحادث في جميع أزمنة الشك، و انتهى السلب إلى زمان العلم بوجودهما جميعا، فقد سلب وجود أحدهما







في زمان حدوث الآخر، و لا يحتاج السلب بالقياس إلى زمان الآخر إلى مئونة زائدة على ذلك الّذي اعترف بالاستصحاب فيه، فانّ







الزمان المتصل بزمان حدوث الحادث الأخير، الّذي هو زمان القطع بهما هو زمان الشك فيهما جميعا، فينفى حينئذ حدوث أحدهما







المرتب عليه الأثر. فيقال: لم يكن موجودا أولا، فهو غير موجود أخيرا، و ذلك بعينه عبارة عن عدم وجوده في زمان حدوث الآخر الغير







الخارج عن هذه الأزمنة الكائنة بين يدي حدوث الحادث الأخير، التي استوعبها السلب الاستصحابي، و لذا يجري هذا الاستصحاب في







جانب مجهول التاريخ، و يحكم بعدمه في زمان الآخر المعلوم التاريخ. و سيجي‏ء في كلام المصنف «ره».















و لا فرق بينه و بين المقام، إلاّ بأنّ العلم بالتاريخ هنا على سبيل الإجمال و هناك على وجه التفصيل. فكما يستصحب عدم الحادث







المشكوك في التاريخ التفصيليّ، فليستصحب في أطراف الإجمال من التاريخ الإجمالي.















قوله: كما انقدح انّه لا مورد للاستصحاب:















لا ريب انّ إحدى الحالتين، و هي الحالة الأخيرة، مستمرة بالقطع، كما انّ الحالة الأولى، منتقضة كذلك، و حيث اشتبهت إحداهما







بالأخرى، احتمل انتقاض كلّ منهما و استمرارها، فيحتمل أن تكون الطهارة من زمان وجودها مستمرة إلى هذا الحال، من غير أن







ينقضها حدث، كما يحتمل أن يكون الحدث من زمان وجوده مستمرا، من غير أن ترفعه طهارة، و لا يعتبر في الاستصحاب أن يكون







الشك في البقاء بحيث يكون الاستمرار على اليقين إبقاء، و رفع اليد عنه نقضا له، و المقام كذلك، فانّ زمان الشك الّذي























الصفحة 214







هو ما بعد الحالتين المتعاقبتين، و إن لم يحرز اتصاله بما يراد استصحابه، إلاّ انّه صحّ لنا أن نقول: انّ الطهارة في ظرفها الواقعي







المتحقق هي فيه، لم يقطع بزوالها، بل يحتمل استمرارها، فإذا احتمل استمرارها حكم باستمرارها. و كذلك في جانب الحدث. و لسنا







نقول: انّ الطهارة و الحدث مستمران من الزمان المتصل بزمان الشك إلى زمان الشك، حتّى يقال: انّ اتصالهما بزمان الشك غير معلوم،







فكيف يستصحب؟















قوله: و كذا موضوعا فيما:















و هذا كما في استصحاب الأحكام الشرعية العملية، لأجل الالتزام و عقد القلب، إذا قلنا بوجوب الالتزام بتفاصيل الأحكام. فانّ استصحاب







الأحكام لأجل ترتيب هذا الأثر أصل موضوعي، بل ربما لا يجري لو لا هذا الأثر، كاستصحاب التكليف المعلوم بالإجمال بين أطراف أتى







ببعضها، فانّه لا أثر عملي مرتب على هذا الاستصحاب، لعدم إثباته تعلق الوجوب بالباقي و وجوب الاحتياط بإتيانه حكم عقلي، موضوعه







العلم الإجمالي، و هو موجود بلا حاجة إلى الاستصحاب.















قوله: إلاّ إذا كان حجة من باب افادته:















بل إلاّ إذا أفاد الظنّ فعلا و لو لم يكن حجة، أو كان حجة من باب التعبد.















قوله: و قد انقدح بذلك انّه لا مجال له:















إذا شك في بقاء صفة النبوة الّذي لا يكون ذلك إلاّ مع كون هذه الصفة قابلة للزوال، أو محتمل لقبولها له، أو شك في بقاء منصب







الرسالة، بمعنى المأمورية بالتبليغ من قبل اللّه جلّ و علا، و كان وجودها الواقعي دون الإذعاني الاعتقادي موضوعا لأثر، و قام الدليل







على الاستصحاب من صاحب الشريعة اللاحقة، المحتمل حقّيّته، و كان الشخص ممّن بلغ حدّ التكليف في عصر القطع بنبوة النبيّ السابق،







استصحبت صفة النبوة أو منصب الرسالة: فامّا إذا انتفى واحد من هذه القيود، لم يكن للاستصحاب مجال، امّا مع عدم الأثر للوجود







الواقعي فواضح، بعد أن كان الاستصحاب لا يؤثر في حصول اليقين.























الصفحة 215







و امّا مع عدم قيام الدليل من صاحب الشريعة اللاحقة، فلأنّه لا يكفي قيام الدليل من صاحب الشريعة السابقة، لأنّ المفروض الشك في







استمرار نبوته، فكيف يؤخذ بأحكامه؟ و امّا مع قيام الدليل منه، فتستصحب الشريعة السابقة من غير حاجة إلى قيام الدليل من صاحبها،







لأنّ الحقّ لا يخلو عن أحدهما. فإن كان الأول فقد عمل عليه، و إن كان الثاني فهو الّذي ارجع إلى الأول. و في الحقيقة قد عمل بشريعته







بالعمل بشريعة الأول.















و امّا مع عدم البلوغ حدّ التكليف إلاّ في عصر الشك، فلأنّه لم يتيقّن ثبوت نبوة النبي السابق في حقّه كي يستصحبه، و استصحاب النبوّة







من الأمم السابقة إسراء للحكم من موضوع إلى موضوع.















نعم، بناء على جريان استصحاب القسم الثالث من الكلّي صحّ هذا الاستصحاب، يعني يستصحب جنس النبوة و إن تبادلت أشخاصه و







كانت نبوته فعلا نبوة بالنسبة إلى أشخاص اخر، لكن استصحاب الجنس لا يثبت به الفرد، و كون النبي السابق نبيّا بالنسبة إلى







اللاحقين أيضا، فيختص أثر هذا الاستصحاب، بما إذا كان لبقاء جنس النبوة أثر شرعي.















و امّا الاحتياط بالجمع بين أحكام الشريعتين في مورد العلم الإجمالي، فذلك منوط بعدم توقف صحّة الأعمال على الإذعان التفصيليّ







بحقيّة إحدى الشريعتين، و إلاّ لم يتمكن من الاحتياط.















قوله: نعم، لو كانت النبوة من المناصب:















أو كانت عبارة عن أمر الشخص بتبليغ الأحكام، فيكون الشك في النبوة شكّا في بقاء أمره بالتبليغ، فيستصحب بقاء أمره إذا كان ذلك







موضوعا لأثر بالنسبة إلى المستصحب، فان هذا الأصل أصل موضوعي بالنسبة إلى المستصحب، محتاج إلى أثر شرعي، و إن كان حكميّا







بالنسبة إلى النبي نفسه، لو فرض في حقّه الشك.















قوله: مع انّه لا يكاد يلزم به:















لعلّ امتياز هذا الجواب عن سابقه، هو: انّه مع























الصفحة 216







الشك أيضا لا يتحقق إلزامه ما لم يعترف بشكّه.















و فيه: انّ الإلزام في مقام المناظرة، و ان لا يحصل بحيث يظهر ذلك للغير الجاهل بشكّه، ما لم يعترف بالشك، لكن إلزامه في نفسه مع







شكّه واقعا، يحصل بحيث يعرف هو من نفسه انّه أفحم.















قوله: لا عقلا و لا شرعا:















الظاهر انّ أصالة عدم النسخ ممّا عليها بناء العقلاء و عمل جميع أهل الملل و الأديان، و لولاها لاختلّ أمرهم في ديانتهم لانسداد سبيل







القطع بالاستمرار غالبا، إلاّ أن يقال: انّ القطع بالواقع، و إن كان كذلك، لكن القطع بالحجة على الاستمرار من عموم لفظ أو إطلاقه،







غالبا حاصل، فلعلّ حكمهم بالاستمرار كان ناشئا من أدلّتهم اللفظية. هذا، مع انّ دعوى عدم الدليل على اعتبار الاستصحاب في الشرائع







السابقة، تخرّص و رجم بالغيب، و عدم الدليل عندنا على ذلك لا يستلزم عدمه عندهم.















قوله: و وجوب العمل بالاحتياط عقلا:















هذا إذا لم تتوقف صحّة الأعمال على الاعتقاد بحقية الدين تفصيلا، كما هو كذلك في شريعتنا، و إلاّ لم يمكن الاحتياط.















قوله: إلاّ إذا علم بلزوم البناء:















كما إذا كان الاستصحاب من جملة أحكام الشريعة اللاحقة المشكوكة، أو من أحكام كلتا الشريعتين.















قوله: و التحقيق: أن يقال انّ مفاد العام:















اعلم، انّ البحث في هذا التنبيه يقع في مقامين:















الأول: في مرجعية العام عند الشك و عدمه. الثاني: في مرجعية استصحاب حكم المخصص و عدمه.















امّا المقام الأول، فتوضيح الحال فيه: انّ العام يكون على أقسام أربعة: فانّ قطعات الزمان، تارة: تكون قيدا دخيلا في موضوع الحكم و







مكثرا لأفراد العام، فيكون للعام افراد عرضية و افراد طولية، و هي عبارة عن تلك الافراد العرضية بعينها، لكن ملاحظا لكل من تلك







الافراد مع كلّ قطعة قطعة من قطعات الزمان.















و أخرى: تكون ظرفا غير مكثر للموضوع، فلا يكون للعام إلاّ سنخ واحد من الافراد،























الصفحة 217







و هي الأفراد العرضية فقط.















ثمّ كلّ من هذين القسمين أيضا ينقسم إلى قسمين: فإنّ ما كان الزمان قيدا فيه مكثرا لافراد العام، تارة: يكون مكثرا لحكمه أيضا، بأن







كان العموم استغراقيا و بإزاء كلّ فرد حكم، فكانت الأحكام متعددة بتعدد الأفراد العرضية و الطولية.















و أخرى: لا يكون مكثرا للحكم، بل كان مكثرا لأفراد العام فقط، و كان الحكم حكما واحدا متعلق بمجموع الأفراد على سبيل العموم







المجموعي. و ما كان الزمان ظرفا فيه ينقسم إلى ما كان الزمان ظرفا محضا فيه بلا شائبة القيدية، كما في مثل أكرم العلماء، فإنّ







الإكرام حيث انّه زماني يحتاج إلى الزمان، و إلاّ فتمام موضوع الحكم نفس الإكرام بلا دخل للزمان فيه، و إلى ما كان الزمان دخيلا مع







ذلك في الجملة، كما في أكرم العلماء في شهر كذا أو يوم كذا أو ساعة كذا، فانّ الأزمنة المذكورة دخيلة في الحكم، و لذا كان الواقع من







الإكرام في غير تلك الأزمنة أجنبيّا عن المطلوب، لكن اجزاء هذه الأزمنة بخصوصياتها لا دخل لها، بل في كلّ جزء من أجزائها، إذا أتى







بالإكرام فقد أتى بالمأمور به، فكان المأمور به طبيعة الإكرام الواقع في شهر كذا، المنطبقة على كلّ جزئي من جزئيات الإكرام في هذا







الشهر.















هذه تمام الأقسام الأربعة. لا إشكال في حكم القسمين الأولين منها، و هما قسما القيدية، فإنّ العموم مرجع في أحد القسمين دون القسم







الآخر.















فأمّا الّذي يرجع فيه إلى العموم فهو ما كان الزمان مكثرا للموضوع و الحكم جميعا، فانّه بعد خروج قطعة من قطعات فرد واحد يرجع







إلى العموم في باقي قطعاته، لأنّ خروج كلّ قطعة تخصيص مستقل، و الأصل عدم التخصيص، زائدا على ما ثبت تخصيصه.















و امّا القسم الّذي لا يرجع فيه إلى العموم: فهو ما كان الزمان مكثرا فيه للموضوع و لأفراد العام فقط لا لحكمه، بل كان الحكم حكما







واحدا متوجها إلى مجموع القطعات، فانّه إذا خرجت قطعة أضر ذلك بالعموم و هدمه هدما كليّا، فانّ الحكم الواحد المتوجه إلى المجموع







من حيث المجموع ينافيه كليّا خروج فرد كما























الصفحة 218







ينافي خروج جميع الأفراد.















و امّا القسمان الأخيران، و هما قسما الظرفية: فالحقّ، انّ خروج الخاصّ في بعض قطعات زمان استمرار إطلاق العام تقييد لإطلاق العام،







و التقييد لا يمنع من الرجوع إلى الإطلاق في غير مورد القيد، و أيّ فرق بين أن يحكم بإكرام زيد صريحا ثمّ يقيد إطلاقه، بمثل لا تكرمه







يوم الجمعة في انّه يرجع فيما عدى يوم الجمعة، بإطلاق أكرم، و بين أن يوجب إكرامه في ضمن أكرم العلماء ثمّ يقيده بهذا التقييد.















فتلخص: انّ تمام الأقسام الأربعة يرجع فيه إلى العموم أو الإطلاق ما عدى قسما واحدا، و هو ما أخذ فيه الزمان قيدا غير مكثر للحكم.















ثم اعلم: انّه لا فرق فيما يتمسك فيه بالعموم، بين أن يكون الخارج من مبدأ زمان شمول العام أو من منتهاه و وسطه، فانّ العموم







المجموعي ينهدم في كلّ ذلك، فلا يبقى ما يرجع إليه، كما لا فرق في عدم الرجوع إلى العام بين ما قبل قطعة الخارج و ما بعده، يعني لو







خرج زمان منه لا يرجع إلى ذلك العام في زمان سابق عليه، كما لا يرجع في زمان لا حق به، فانّ ملاك عدم الرجوع، و هو انهدام العام







المجموعي بذلك، مشترك بين الجميع، و حفظ صفة الاجتماع، فيما إذا كان الخارج من المبدأ و المنتهى لا يجدي، فانّ مجموع ما عدى







الخارج غير مجموع الخارج مع الباقي.















و امّا المقام الثاني: فملخص الكلام فيه هو: انّه ليس كلّ ما لا يرجع فيه إلى العام يرجع فيه إلى استصحاب المخصص، بل يختص الرجوع







إلى الاستصحاب بما إذا كان الزمان ظرفا في دليل المخصص، و هذا يجتمع مع كونه ظرفا أيضا في دليل العام أو قيدا هناك، كما انّ







القيدية في دليل المخصص يجتمع مع كلّ من الظرفية و القيدية في دليل العام، و ربّما يلوح من كلام شيخ أساتيذنا المرتضى «ره«







الملازمة بين الأمرين، و انّ الظرفية و القيدية من جانب يلازم مثله من جانب آخر، و هو واضح الضعف.















قوله: ثبوت حكمه لموضوعه على نحو:















يعني انّ الزمان كان خارجا عن الموضوع غير























الصفحة 219







مشخص للحكم، و كان ظرفا لاستمرار فرد واحد شخصي من الحكم، كأزمنة وجود زيد، و مثله ما إذا كان الزمان قيدا، لكن لا كلّ زمان







زمان، بل مجموع الأزمنة، فيكون الموضوع موضوعا واحدا مقيدا بمجموع الأزمنة، فإذا خرج فرد في زمان، كان عدم جواز التمسك







بالعموم في ذلك الفرد فيما بعد ذلك الزمان، أوضح من صورة الظرفية.















قوله: و كذلك مفاد مخصصه تارة:















جواز التمسك بالعموم و عدمه، يدور مدار قيدية الزمان و ظرفيته فيه خاصة.















نعم، في صورة عدم التمسك بالعموم يحتاج الرجوع إلى استصحاب المخصص، إلى كون الزمان ظرفا في دليل المخصص.















قوله: نعم، لو كان الخاصّ غير قاطع لحكمه:















لم أعرف، كيف لا يكون قاطعا لحكمه.















نعم، من حين وجود الحكم لا ينقطع استمراره، بل يبقى مستمرا بخلاف الخروج من الوسط، و بالجملة: خروج قطعة من جانب المبدأ أو







المنتهى لا يضر باستمرار الحكم فيما عدى ذلك الخارج من الأزمنة، بخلاف الخروج من الوسط، لكن أين الدليل على الحكم؟ و امّا العام







فان لم يضره خروج قطعة عن إطلاق استمراره من جانب المبدأ أو المنتهى، في الأخذ به، فيما عداها، لم يضره الخروج من الأثناء أيضا،







و مجرد أنّ عنوان الاتصال و الاستمرار موجود، فيما عدى الخارج في الأول دونه في الثاني، لا يصلح لأن يكون فارقا. و الحق: هو







الرجوع إلى العام في المقامين، فانّ الدليل إذا أفاد دوام الحكم بإطلاقه الأزماني انحلّ ذلك إلى أحكام عديدة، حسب كثرات اجزاء







الزمان، كما في صورة قيدية الزمان، فإذا خرج فرد من ذلك أخذ بالإطلاق فيما عداه، و لذا لو قال: أكرم زيدا في كلّ وقت، ثمّ خرج







وقت من الأوقات، أخذ بعموم أكرم في سائر الأوقات، من غير فرق بين الأوقات السابقة على الخارج و الأوقات اللاحقة، كما لا فرق بين







أن يكون الإخراج من الابتداء أو من الوسط، و لا يعقل الفرق بين المثال و بين أن يكون استفادة الدوام























الصفحة 220







من الإطلاق و قرينة الحكمة، كما لا فرق بين أن يكون حكم زيد مستفادا في ضمن العام أو صريحا.















و الحاصل: لا فرق في جواز التمسك بالعامّ، بين كون الزمان قيدا أو ظرفا، بل القيدية مستبشعة جدا، حتّى في مثل قوله تعالى: (نساؤكم







حرث لكم فأتوا حرثكم انّى شئتم) و مع ذلك لا يتوقف من الرجوع إلى العام بعد زمان التخصيص.















نعم، فيما كان الحكم حكما واحدا شخصيا مقيدا بمجموع الأزمنة لم يكن مجال للرجوع إليه، و لا يبعد أن يكون من هذا القبيل، قوله







تعالى: (أوفوا بالعقود) فانّ معنى الوفاء هو القيام بما يقتضيه العقد دائما، و عدم التخلف عن مقتضاه في وقت من الأوقات. فانّ القائم







بمقتضى الآخرة طول دهره ما عدى يوم لا يعد وفيا، فيكون التأبيد مأخوذا في مادة الوفاء، فإذا دلّ الدليل على عدم وجوب القيام







بمقتضى عقد في زمان، فقد انهدم دليل أوفوا بالنسبة إلى ذلك العقد، انهداما كليّا، لا رجعة فيه.















ثمّ لو سلّمنا عدم جواز الرجوع إلى العموم عند خروج قطعة من الأثناء، فلا نسلم الفرق بين القطعتين الحافتين، بل هما مشتركتان في







الحكمين، فكما لا يجوز الرجوع في القطعة اللاحقة، كذلك لا يجوز الرجوع في القطعة السابقة.















قوله: نفيا أو إثباتا:















فانّه «ره» نفى الرجوع إلى الاستصحاب، فيما إذا كان الزمان في جانب العام قيدا، حتى لو فرض عدم جواز الرجوع إلى العام، كما انّه







«ره» أثبت الرجوع إلى الاستصحاب في صورة الظرفية، حتّى لو كان الزمان قيدا في جانب المخصص، كما هو قضية إطلاق كلامه، و إن







لم يصرح بذلك.















أقول: يلوح من كلامه «ره» انّه يرى الملازمة العرفية بين قيدية الكلام في جانب و قيديته في جانب آخر، و كذلك بين ظرفيته من جانب







و ظرفيته من جانب آخر، فلا إطلاق في كلامه ليتوجه اعتراض المصنف «ره»، و كيف يسوغ نسبة ذلك إليه، مع تصريحه في تنبيه







جريان الاستصحاب في الزمان و الزمانيات، بعدم جريان الاستصحاب في المقيد بالزمان؟















قوله: و قوله بعده: و «لا تنقض اليقين بالشك» يدلّ على:















كلمة قوله: مبتدأ























الصفحة 221







جملة. يدلّ على أنّ الحكم في المغيا مطلقا، هو: عدم نقض اليقين بالشك.















و المقصود بهذه العبارة تتميم الدليل السابق، و انّ التعبد بالطهارة، المستفاد من الفقرة السابقة، الشامل لصورة المظنة، ليس تعبدا







مستقلا في عرض التعبد بالاستصحاب، بل هو هو، و قد حكم من جهة انطباقه على الاستصحاب، كما يشهده قوله في الفقرة اللاحقة: «و لا







تنقض اليقين بالشك».















قوله: و ان كان مما شكّ في اعتباره:















إذا لم يقم على عدم اعتباره دليل خاص، كفى عموم الآيات و الاخبار، الناهية عن العمل بالظن للدلالة على عدم الاعتبار، فانّه لا فرق بين







قيام دليل خاص و دليل عام، فلا موقع للشقيق و إفراز كلّ شقّ بوجه، مع انّ ما أفاده في هذا الشقّ يختص بما إذا كان ذلك الظن مشكوك







الاعتبار، و لا يشمل الظنّ المظنون الاعتبار بلا أن ينتهي إلى شك أصلا.















قوله: لعدم الدليل على اعتباره:















ما أفاده جواب عن الشق الأول، و امّا الشقّ الثاني فهو باق بلا جواب، بل مقتضى ما سيجي‏ء منه في تقديم الأمارات على الاستصحاب، من







انّ ذلك على سبيل الورود، و كون النقض في مورد قيام الأمارة نقضا بالحجة، هو الاعتراف بما ذكره المستدلّ في الشقّ الثاني.















لا بدّ في الاستصحاب من بقاء الموضوع















قوله: بمعنى اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة:















و التعبير بالبقاء عن ذلك باعتبار استمرار الموضوع في النّفس من صفة اليقين إلى صفة الشك، فكان في النّفس حال اليقين مستمرا إلى







حال الشك. و الدليل على اعتبار بقاء الموضوع، هو: توقف صدق عنوان النقص، المأخوذ في لسان الدليل على ذلك، فلولاه لم يكن







الاستمرار على المتيقن إبقاء و لا رفع اليد عنه نقضا، و هذا الدليل انّما يفي بلزوم أن يكون المحكوم عليه عند الشك، هو الّذي كان







محكوما عليه عند اليقين. و عليه:















فاستصحاب حياة زيد عند الشك في حياته، أو استصحاب بياضه عند الشك في بياضه، أو استصحاب كونه أبيض عند هذا الشك كلّه مما







كان الموضوع فيه باقيا،























الصفحة 222







و إن لم يحرز في جميع ذلك وجود زيد في الخارج، فانّ زيد المحكوم بالحياة في زمان الشك هو الزيد المحكوم بالحياة في زمان







اليقين، و كذا بياض زيد، أعني هذا القيد و المقيد المحكوم بالوجود في زمان الشك، هو بياض زيد، المحكوم بالوجود في زمان اليقين،







و ان لم يحرز وجود زيد، و كذا كون زيد أبيض، فانّ المستصحب هو الاتصاف و ثبوت الربط الخاصّ بين زيد و بين البياض، و هذا







الربط و الاتصاف المحكوم عليه في زمان الشك، هو ذاك الربط و الاتصاف المحكوم عليه في زمان اليقين، لا شي‏ء غيره، و ليس يلزم في







التعبد بالاتصاف إحراز وجود زيد في الخارج.















نعم، الاتصاف الخارجي لا يكون إلاّ في زيد الخارجي، كما انّ البياض الخارجي لا يكون إلاّ قائما بزيد الخارجي.















و بالجملة: استصحاب بياض زيد على سبيل مفاد كان التامة أو الناقصة، كلّ منهما لا يحتاج إلى إحراز استمرار وجود زيد في الخارج،







كما لا يحتاج استصحاب حياته.















نعم، لا يثبت بهذا الاستصحاب اتصاف الشخص الخارجي المشكوك كونه زيدا، بالبياض. فلو كان الأثر الشرعي لاتصاف الشخص







الخارجي لم يرتب، و احتاج إلى أن يقال: هذا كان أبيض، فهو إلى الآن أبيض، و هو يحتاج إلى اليقين أولا باتصاف هذا، ثمّ الشك في







اتصاف هذا مع اليقين بوجوده، ثمّ الظاهر: انّ النقض سواء كان هو قطع الأمر المتصل أو حال الأمر المبرم أو غير ذلك: ليس له إلاّ







مفهوم واحد، لا يختلف مفهومه بحسب نظر العرف و نظر العقل.















نعم يختلف مصداقه بحسب الأنظار، فربما مصداق للنقض عرفا، لاتحاد الموضوع في القضيتين، بحسب نظرهم ليس بمصداق للنقض







حقيقة و عقلا، لاختلاف الموضوع دقّة، كما في مفهوم التعظيم المختلف مصداقه بحسب الأنظار و العرف، متبع في تعيين المفاهيم لا في







تعيين المصاديق، إلاّ أن يقال: انّ ذلك يوجب أن يكون للنقض مفهوم عرفي مستقل في عرض النقض العقلي، فينزل خطاب «لا تنقض«























الصفحة 223







على مفهومه العرفي، و فيه تأمّل، أو يقال: انّ عدم ردع الشارع عن المصداق العرفي كاشف قطعي، عن انّ المصداق عنده هو المصداق







عندهم. ثمّ انّ معنى تحكيم العرف، هو الرجوع إليهم في تشخيص اتحاد القضيتين و تعددهما، و قال: ذلك دوران صدق النقض و البقاء







مدار اتحاد ما هو بنظرهم من الموضوع بحسب مناسبة الحكم و الموضوع، و إن كان خلاف ما هو في لسان الدليل. فالموضوع في حكم







جواز النّظر إلى الزوجة في نظر العرف، هو بدن الزوجة، فلو ماتت و شك في جواز النّظر إليها و لم يكن في الدليل إطلاق، استصحب







جواز النّظر إليها، و إن كان لفظ الزوجة في لسان الدليل لا يصدق عليها، و يحتمل أن تكون العبرة بالموضوع في لسان الدليل، فلا







يجري الاستصحاب في الصورة المفروضة، لعدم صدق عنوان الزوجة بالموت، فانّ دليل: «لا تنقض» كأنّه ناظر إلى الأحكام الموجودة







في لسان الأدلة، و يوسع تلك الأحكام في موضوعاتها، فلا يتجاوز و يتخطّى عن تلك الموضوعات.















قوله: و الاستدلال عليه باستحالة:















مع انّه لو تمّت الاستحالة اقتضت عدم جريان الاستصحاب في شي‏ء من الأعراض، حتى على سبيل مفاد كان التامة، فلا يقال: كان السواد







موجودا فهو إلى الآن موجود، إلاّ إذا أحرز وجود الجسم في الزمان الثاني، مع انّ موضوع المستصحب في هذه القضية ليس هو الجسم،







بل نفس ماهية السواد، كما في استصحاب وجود الإنسان في الدار.















بل قد عرفت: انّ الموضوع في استصحاب السواد على سبيل مفاد كان الناقصة أيضا، ليس هو الجسم، بل هو نفس الربط و الاتصاف، فلا







يعتبر في استصحاب كون الجسم أسود، إحراز بقاء الجسم عند الشك.















و بالجملة: نتيجة هذا البرهان: اعتبار إحراز موضوع العرض في استصحاب الأعراض، لا موضوع المستصحب، و أحدهما غير الآخر.















قوله: لا يحتاج إلى إحراز حياته لجواز تقليده:















يعني للبقاء على تقليده، لكن هذا بناء على جواز البقاء على تقليد الميت، و إلاّ احتاج إلى إحراز حياته، و لو بالاستصحاب، فيستصحب







عدالة زيد على تقدير الحياة، و يستصحب أيضا حياته،























الصفحة 224







فيرتّب على مجموع الاستصحابين جواز تقليده ابتداء و استدامة.















قوله: هل هو بنظر العرف:















قد عرفت: انّ هذا الاختلاف راجع إلى الاختلاف في ما هو مصداق للنقض، مع اتحاد مفهومه بحسب جميع الأنظار، كالاختلاف بين







الطوائف في مصداق التعظيم، مع الاتفاق على مفهوم واحد، و العرف انّما يكون مرجعا في تعيين المفاهيم المشتبهة لا في تعيين المصداق







للمفاهيم المبينة، مضافا إلى ما عرفت: أيضا أن دليل «لا تنقض» موسع للأحكام التي في لسان سائر الأدلة في موضوعاتها، فما دامت







موضوعاتها المأخوذة في لسان الدليل قائمة، حكم فيها بحكم «لا تنقض»، و إذا انقطعت انقطع، فتكون العبرة بالموضوع في لسان







الدليل، و يعتبر بقاء هذا الموضوع دقّة.















قوله: و لكن العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم:















العرف بحسب هذه بالمناسبات المرتكزة في أذهانهم، يلغون اعتبار بعض الخصوصيات حكومة و استبدادا، لا تمييزا للدخيل في نظر







الشارع عن غير الدخيل، و لذا ربّما يلغون خصوصية يقطعون بدخلها في نظر الشارع، و يعدّون زوال الحكم بزوال تلك الخصوصية،







ارتفاعا للحكم، و وجود الحكم بعد تلك الخصوصية بقاء له، فلو بنى على تحكيم نظر العرف، اقتضى عدم الفرق بين القطع بدخل هذا







السنخ من الخصوصية، و بين الشك في دخله، مع انّ الظاهر: انّ أحدا لا يلتزم بالاستصحاب بعد انتفاء الخصوصية المقطوع دخلها، لا







يقال: انّ ذلك من جهة القطع بزوال الحكم بزوال هذه الخصوصية، فلا يبقى شك حتى يستصحب. فانّه يقال: القطع انّما يكون بزوال







شخص ذلك الحكم بالدقة، لتقومه بالخصوصية الزائلة، امّا المعدود في نظر العرف شخص ذلك الحكم، و إن كان دقة سنخه، فلا قطع







بزواله، و حيث لا قطع، حكم دليل «لا تنقض» ببقائه.















قوله: فالتحقيق أن يقال: انّ قضية إطلاق خطاب «لا تنقض»:















التمسك بالإطلاق لإثبات انّ المعيار، هو نظر العرف، كالتمسك بإطلاق «أحلّ اللّه البيع» بناء على القول بوضع ألفاظ المعاملات، للصحيح







المؤثر، لإثبات: انّ الصحيح























الصفحة 225







المؤثّر في نظر العرف، هو الصحيح عند الشارع. و ليس هذا حقيقة من التمسك بإطلاق الخطاب، فانّ الإطلاق انّما يكون في مقابل







التقييد و ليس الشك في المقام في التقييد، بل هذا تنزيل للخطاب على المصاديق العرفية، ما لم يثبت ردع من الشارع، فان ثبت ذلك من







قانون أهل المحاورة فهو، و كان أصلا برأسه، في مقابل أصالة الإطلاق، و إلاّ لم تكن به عبرة.















عدم جريان الاستصحاب مع الأمارة















قوله: و التحقيق انّه للورود:















توضيحه: انّ الأخذ بدليل الأمارة في الخروج عن الحالة السابقة ليس من نقض اليقين بالشك، بل باليقين بالحجّة بخلاف الأخذ







بالاستصحاب، فانّه وظيفة للشك، و لا يوجب الأخذ به خروج الشك عن كونه شكّا، و إلاّ نافى الحكم موضوعه، فموضوع الأمارة باق مع







جريان الاستصحاب بخلاف العكس، و كلّما دار الأمر بين دليلين، كذلك وجب الأخذ بالذي يرفع موضوع صاحبه و في الحقيقة لا







معارضة بينهما، إذ بشمول أحدهما يقصر الآخر عن الشمول، و المعارضة فرع انحفاظ كلّ من الشمولين في عرض شمول الآخر، و من







ذلك يظهر بطلان التخصيص، فانّ التخصيص فرع شمول العام في عرض شمول المخصص، و المفروض انّ دليل الأصل لا يشمل في







عرض شمول دليل الأمارة ليخصص به.















و فيه، أولا: انّ دليل الاستصحاب و إن كان مغيا باليقين بالخلاف، لكن الظاهر: انّ متعلق اليقين فيه هو اليقين بالواقع، كما انّ متعلق







الشك فيه، هو ذلك لا بمطلق اليقين، و لو بالحجة.















و ثانيا: انّ اعتبار الأمارة أيضا انّما يكون في موضوع الشك، و عدم قيام حجة على الواقع و التصريح بذلك، و ان لم يقع في دليل







الاعتبار. لكن معلوم: انّ الأمارة لا تكون مع اليقين بالواقع أو اليقين بالحجة، فكان الأخذ بدليل الأصل أيضا رافعا لموضوع دليل الأمارة.







فحصلت المعارضة، و كان ترجيح أحد الدليلين على الآخر بلا مرجح.























الصفحة 226







قوله: و امّا حديث الحكومة فلا أصل له أصلا:















كيف يسوغ لأحد منع الحكومة في مثل قوله صلّى الله عليه وآله: «لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه ثقاتنا» أو في مثل







قوله: «ما يقوله عنّي فعنّي يقول».















نعم، في مثل آية النبأ أو النفر و أشباههما، مجال الإنكار واضح. هذا، مع انّ الحكومة لا تنحصر في أن يكون أحد الدليلين ناظرا إلى







الآخر شارحا لمؤدّاه، بحيث كان هذا لغوا لولاه، بل كل دليل وسع الحكم المأخوذ في الدليل الآخر أو ضيقه، لكن كان بلسان التوسعة و







التضييق في موضوع لا بلسان المزاحمة للحكم، كان ذلك حاكما، فلا معارضة بين دليل أكرم العلماء مع مثل دليل زيد ليس بعالم مع كونه







عالما واقعا أو مع دليل زيد عالم، مع كونه ليس بعالم واقعا، و إن لم يكن أحد الدليلين ناظرا إلى الدليل الآخر، بل كان ناظرا إلى واقع







ما ثبت من الحكم للعلماء.















و التحقيق: أنّه لا وجه لتقديم دليل الأمارة على دليل الأصل بقول مطلق، بل لا بدّ في كلّ مورد مورد من ملاحظة دليل ذلك المورد، فربّما







يقدم دليل الأمارة و ربّما يعكس، و ربّما يحصل التعارض المنتهي إلى التساقط. و الضابط انّ كلّ دليل كان بلسان تنزيل الظن أو الشك







منزلة اليقين أو تنزيلا لمؤدّى منزلة الواقع، سواء كان بمناط الكشف عن الواقع أو بمناط التعبد، يقدم على ما ليس بذلك اللسان، بل







بلسان جعل الوظيفة في موضوع الشك، و إن كانت حكمة التعبد هو الكشف الأمارية، و إذا كان مجموع الدليلين بذلك اللسان أو







مجموعهما لا بذلك اللسان، لم يقدم أحدهما على الآخر، و حصل التعارض بينهما. و من ذلك يظهر: انّ دليل الأصل ربّما يكون حاكما على







دليل الأمارة، و ذلك فيما إذا كان دليل الأصل بلسان انّ اليقين حاصل، كما في دليل الاستصحاب، و كان دليل الأمارة مجرد التعبد، و







إن كان بمناط الكشف.















قوله: هذا مع لزوم اعتباره معها:















لا أعلم كيف يلزم على الحكومة ذلك فانّ دليل الأمارة حيث كان بلسان إلغاء الشك، اقتضى إلغاء كلّ حكم كان في























الصفحة 227







موضوع الشك، و مترتبا على الشك، سواء كان موافقا أو مخالفا، فلا يبقى موضوع لدليل الأصل ليشمله دليله، و من أجل ذلك لا يفرق







القائل بالحكومة بين الحكم الأصل الموافق و المخالف، و لا يعتبر الأصل مع الأمارة، على كلّ حال، مع انّه لا ثمرة لهذا البحث عملا، و انّما







هو علمي محض، فانّه ان قلنا باعتبار الأصل الموافق أو لم نقل، لم يكن له أثر بعد لزوم العمل، على وفق الأمارة على كلّ حال.















خاتمة: بيان النسبة بين الاستصحاب و سائر الأصول العملية















قوله: فالنسبة بينه و بينها هي بعينها:















يشكل ذلك إذا كان كلّ من دليل الأصلين مغيا بالعلم بالخلاف، كدليل الاستصحاب مع دليل كلّ شي‏ء حلال، إذ الغاية في كلّ منهما امّا هو







اليقين بالواقع أو الأعم منه و من اليقين بالحجة، و على كلّ حال حصل التعارض فيما إذا اقتضى الاستصحاب حرمة شي‏ء و أصالة البراءة







حليته.















امّا على الأوّل: فلعدم حصول الغاية في كلّ منهما، و هو العلم بالواقع، فيكون المورد تحت المغيّيين. و امّا على الثاني: فلأنّ كلاّ منهما







صالح لأن يكون غاية للآخر، لحصول اليقين بسببه بالحكم الظاهري. و مع هذا الوصف كان تقديم أحدهما على الآخر ترجيحا على الآخر







بلا مرجّح. و امّا جعل الغاية في الاستصحاب، اليقين بالواقع و في دليل «كلّ شي‏ء حلال»، اليقين بالأعم من الواقع و الظاهر و الحجة،







ليكون دليل الاستصحاب واردا على دليل البراءة، فذلك جزاف. ثمّ انّ من يقدم دليل الاستصحاب على دليل البراءة حكومة ينظر إلى انّ







لسان دليل الاستصحاب، الأخذ باليقين و طرد الشك، و امّا لسان دليل البراءة، فهو جعل الحكم و الوظيفة في موضوع انحفاظ الشك. و







معلوم ان لا مزاحمة بين هذين اللسانين. و فيه: انّ التعبير بعدم نقض اليقين بالشك ليس معناه جعل الحكم بلسان «انّك متيقّن»، بل معناه







الأخذ بالاحتمال المطابق لليقين السابق من احتمالي الشك.























الصفحة 228







و قد حكم دليل البراءة بالأخذ بالاحتمال المخالف، و هو احتمال الحل، فقد تعارض اللسانان.















تعارض الاستصحابين















قوله: كاستصحاب وجوب أمرين حدث بينهما:















مع حدوث التضاد يحصل القطع بارتفاع الحالة السابقة على وجه الإجمال في أحدهما، مع احتمال أهمية أحدهما أو العلم بالأهمية و







اشتباه الأهم بغيره، و يحصل القطع بارتفاع الحكم في كليهما و انقلاب حكمهما إلى الحكم التخييري، مع العلم بعدم الأهمية، لا سبيل إلى







الاستصحاب في الثاني. و الاستصحابان متعارضان في الأول، كسائر صور العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة.















و بالجملة: التزاحم يؤدّي إلى العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة، المميت للاستصحابين، فلا يبقى صورة لتعارض الأصول ليكون







الحكم فيه التخيير، كما في تعارض الأمارات، و كذا فيما إذا علم إجمالا بعدم حجية أحد الاستصحابين تخصيصا لدليل الاستصحاب مع







اجتماع أركانه في كلّ واحد، فانّه يسقط الاستصحابين عن الاعتبار في الجميع لحصول الإجمال في دليل الاستصحاب بخروج فرد







مشتبه عن تحته، فيسقط عن الحجية في كلاهما، لا أنّه يحكم بالتخيير في العمل بالاستصحاب في كلّ منهما.















قوله: فإن كان أحدهما أثرا للآخر فلا مورد:















الاحتمالات في هذا أربع: الأول:















العمل بكل من الأصلين في نفسه، لكن هذا انّما يتمشّى إذا كان كلّ منهما حكما مجعولا، امّا إذا كان السببي موضوعا لا يصحّ جعله إلاّ







بلحاظ أثره، لم يكن معنى للعمل بالاستصحاب فيه و في أثره جميعا.















الثاني: عدم العمل بهما جميعا، لمعارضة الاستصحابين. الثالث: العمل بالسببي دون المسببي. الرابع: عكس الثالث، و هذا لا قائل به، و







لنذكر وجه تقديم الأصل السببي المستقر عليه الرّأي اليوم، و به يتضح وجه البقية. فنقول: استدلّ لذلك























الصفحة 229







بوجوه، عمدتها وجهان:















أحدهما: ما أشار إليه المصنف، و حاصله: انّ كلاّ من السبب و المسبب، و إن اشتمل على أركان الاستصحاب، إلاّ انّا لو أبقينا الشك السببي







تحت الأدلة لم يلزم تخصيص في الأدلة بخروج المسببي، بل خرج المسببي تخصصا، لأنّه يكون من نقض اليقين باليقين بالحجة و هو







دليل «لا تنقض» الشامل للشك السببي، المقتضي لوجوب ترتيب آثاره، و منه هذا المسبب. و لو أبقينا الشك المسببي لزم التخصيص في







الأدلة بخروج الشك السببي، و ذلك لأنّ شمول الدليل للوازم لا يقتضي ترتيب الملزومات، و كلّما دار الأمر في الدليل بين التخصيص و







التخصص، كانت القاعدة، - أعني حفظ أصالة العموم - قاضية بالتخصص، هذا مضافا إلى انّ تخصيصه يكون بلا وجه أو بوجه دائر، و







كلاهما باطل، فانّه ان لم يكن معتمدا على مخصص، فهو الأول، و إن كان المخصص شمول العموم للشك في جانب المسبب، فهو الثاني،







حيث انّ فردية الشك المسبب للعموم و شمول العموم له موقوف على عدم شمول العموم للشك السبب، فلو كان عدم شمول العموم







للشك السبب لأجل شمول العموم للشك المسبب، لزم الدور.















الثاني: انّ الشك السبب لازمان واردان عليه في عرض واحد، أحدهما من جانب الإله، و هو حكم «لا تنقض»، و الثاني من جانب العبد، و







هو الشك المسبب، فإذا كان الشك المسبب و ذلك الحكم في عرض واحد، فكيف يمكن أن يشمل عموم ذلك الحكم للشك المسبب، مع انّ







الحكم ينبغي أن يكون متأخّرا عن موضوعه بمرتبة؟ و يتّجه على الأول: انّ عموم «لا تنقض» انّما يشمل حكما أو موضوعا ذي حكم، امّا لا







هذا و لا ذاك، فلا يشمله تخصصا. و عليه: فيدور الأمر في المقام بين تخصصين لا بين تخصص و تخصيص، فانّه ان شمل عموم «لا تنقض«







للشك المسبب يكون الشك السبب خلوا عن ما يصحح التنزيل، و هو هذا الأثر الّذي شمله استقلالا دليل «لا تنقض» فلا يشمله عموم «لا







تنقض» تخصصا، كما انّه ان























الصفحة 230







شمل الشك السبب كان النقض في المسبب باليقين لا بالشك، فيحصل التزاحم في مدلول «لا تنقض» بين شمول هذا و شمول ذاك،







فيسقط الدليل عن الاعتبار في كليهما.















و يتّجه على الثاني: بأنّ حكم العام و إن كان أحد اللازمين المترتبين على الشك السبب، لكن ترتبه انّما يكون إذا خلى عن المزاحم، و هو







أول الكلام، فكيف يحكم بعدم المزاحم من جهة ترتبه، و كونه في عرض الشك السبب، و تأخر مرتبة الشك المسبب لا يوجب عدم







مزاحمة شمول العموم له، لشموله للشك السبب، فانّ إكرام العلماء يشمل الأب و الابن العالمين، في مرتبة واحدة، فلو حصل التزاحم







بينهما لا يتعين الا لوجوب الإكرام؟















قوله: فالأظهر جريانهما فيما لم يلزم:















اعلم: انّ هنا صورا ثلاثا، لأنّ الأصلين امّا أن يكون كلاهما ذا أثر أو يكون الأثر لأحدهما، ثمّ الّذي كان الأثر لكليهما، امّا أن يلزم من







اجزاء الأصل في كليهما مخالفة قطعية عملية للتكليف المعلوم بالإجمال، أو لا يلزم إلاّ مخالفة التزامية، و أيضا هنا احتمالات ثلاث في







عبارة «لا تنقض اليقين بالشك و لكن تنقضه بيقين آخر»: على أحد الاحتمالات لا يجري الأصل في شي‏ء من الصور الثلاث. و على الآخر







يجري في مجموع الصور الثلاث، ما لم يمنع مانع، و هو لزوم طرح التكليف في مقام العمل. و على الثالث يجري في ما كان الأثر







لأحدهما في طرف ذي الأثر و لا يجري في الصورتين الآخرتين.















امّا الاحتمال الأول، الّذي لا يجري معه الأصل في شي‏ء من الأطراف، فهو:















أن يكون منصرف الشك في القضية هو الشك البدوي، فيخرج المقرون بالعلم الإجمالي عن تحته، و لو اختص الأثر بأحدهما، فلو علم







بجنابته أو جنابة جاره، لم يجري استصحاب عدم الجنابة في حقّه، لكن الانصراف لا وجه له.















و امّا الاحتمال الثاني، فهو: ان يشمل الشك للشك المشوب بالعلم الإجمالي، و لكن لمزاحمة فقرة، و لكن تنقضه بيقين آخر، الشامل لذلك







اليقين الإجمالي، الحاصل على خلاف الحالة السابقة. و عدم مرجح لإحدى الفقرتين يحصل























الصفحة 231







المسقط للرواية عن صلاحية الاستدلال في شي‏ء من الأطراف.















و معلوم: انّ مورد التزاحم انّما يكون هو مورد شمول، و لكن تنقضه، و مورد شموله هو ما إذا كان لذلك المتيقن بالإجمال أثر شرعي،







و ليس لذلك المتيقن بالإجمال المردد بين ذي أثر و غير ذي أثر أثر شرعي. فتبقى هذه الصورة تحت قضية «لا تنقض» و تخرج بقية







الصور بالمزاحمة.















و امّا الاحتمال الثالث، فهو: شمول الشك لكلّ شك ذاتا، و عدم المزاحم له امّا لعدم الفقرة الثانية في جميع الروايات، فيؤخذ بعموم







الروايات الخالية عن هذه الفقرة، و لا يضرّ بها إجمال المشتمل منها على ذلك. و امّا لأن اليقين في الفقرة الثانية لا يشمل اليقين الإجمالي،







أو لأنّه و إن شمل اليقين الإجمالي، لكن الظاهر ورود اليقين بالخلاف، مورد اليقين الأول، و هو غير حاصل في اليقين الإجمالي في







المقام، و إن كان حاصلا فيما إذا كان يقينه الأول أيضا إجماليا، كما إذا تيقّن بغيبة أحد الشخصين على سبيل الإجمال، ثمّ علم بموت ذلك







الشخص الغائب، فانّ هذا اليقين يندرج تحت «و لكن تنقضه»، و امّا اليقين الإجمالي في المقام، فهو غير مندرج تحته، لا لكونه إجماليا، بل







لكونه غير وارد على محل ورود اليقين الأول، لأنّ اليقين السابق هو اليقين التفصيليّ في كلّ من الطرفين، لا اليقين الإجمالي بأحد







الأطراف، و هذا الوجه ممّا لم يسبقني إليه أحد فيما أعلم.















و امّا لأن شمول «لا تنقض» لأفراده بالعموم و شمول «و لكن تنقضه» بالإطلاق، و الإطلاق لا يزاحم العموم، بل يكون العموم بيانا له. و







امّا لأن كلمة «و لكن تنقضه» ليست كلمة جعل و تشريع و تعبد، بل إشارة إلى حكم العقل، بلزوم العمل بالقطع.















و من المعلوم: اختصاص حكم العقل بمورد يلزم من ترك العمل بالقطع مخالفة عملية، و لا حكم للعقل فيما إذا علم إجمالا بتطهير أحد







نجسين، و لذا لا يكون مانع عقلا من التعبد بنجاسة كليهما، فتختص الرواية التي هي للإرشاد إليه بذلك المورد، و يبقى سائر صور







العلم الإجمالي تحت كلمة «لا تنقض».























الصفحة 232







و الحق من الاحتمالات الثلاث، هو: هذا الاحتمال الأخير، و عليه، فالمقتضى لجريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي، و هو عموم الدليل







موجود، و المانع ليس إلاّ حكم العقل، و هو يختص بمورد يلزم من الترخيص في الأطراف طرح تكليف في مقام العمل.















ثمّ إن قلنا: انّ العلم الإجمالي بالتكليف يمنع من الترخيص في بعض الأطراف، فلا إشكال.















و إن قلنا: انّه لا يمنع عن الترخيص في بعض الأطراف، و انّما يمنع عن الترخيص في المجموع، احتاج عدم جريان الأصل في شي‏ء من







الأطراف إلى ضمّ مقدمة أخرى، و هي انّ الأخذ بواحد معين من الأطراف ترجيح بلا مرجح، و الواحد المردد لا وجود له خارجا، و مفهوم







أحدهما ليس من أفراد العام، و شمول العام لجميع الأطراف عن كون الحكم تخييريا، مستلزم لاستعمال اللفظ في معنيين:















التعييني و التخييري، فيحصل الإجمال المميت للعموم عن الحجية في جميع الأطراف.















و امّا الحكم بالتخيير في العمل بين الاستصحابين، كما في كلّ حجتين اعتبرتا على وجه السببية إذا تعارضتا، فقد يمنع عنه بعدم العلم في







المقام بوجود المقتضي للاستصحاب في جميع الأطراف، ليدخل في باب التزاحم بين المقتضيين، و يحكم بالتخيير.















و فيه: انّ المقام لا يمتاز عن سائر المقامات فكل طريق لاستكشاف الملاك في سائر المقامات بعد فرض سقوط التكليف، عن الفعلية،







موجود هنا أيضا و لو تمّت المناقشة هنا عمّت سائر المقامات، و صحّ أن يقال: لا يعلم بوجود ملاك وجوب الإنقاذ في إنقاذ الغريقين







المتزاحمين بعد سقوط التكليف عن الفعلية، الّذي كان هو الكاشف عن الملاك انّا.























الصفحة 233







المقصد الثّامن:















مبحث التعادل و التراجيح























الصفحة 235







مبحث التعادل و التراجيح















تعارض الأدلة و الأمارات















قوله: التعارض هو تنافي الدليلين أو الأدلة:















اعلم: انّ كلّ دليلين أو أزيد لا يمكن درجهما جميعا تحت دليل الاعتبار، سواء كان بين مدلوليهما أو دلالتيهما تعارض، كما في







المتعارضين لأجل العلم الإجمالي بكذب أحدهما، أو لم يكن، كما في المتعارضين لأجل التناقض أو التضاد، داخل في محل البحث، و







ينبغي أن يبحث عنهما في مقامات ثلاث:















الأول: في شمول أدلة الاعتبار عموما لهما، و عدم شمولها، بل بقائهما تحت أصالة عدم الحجية، بل القطع بعدم الحجية.















الثاني: بعد الفراغ عن شمول الأدلة وضعا في اقتضاء المانع، و هو العلم بكذب أحدهما، و انّه هل يقتضي رفع اليد عن ظهور الأدلة







بالنسبة إلى كليهما أو لا يقتضي رفع اليد إلاّ عن أحدهما، المعلوم الكذب، و هو أحدهما، لا على سبيل التعيين، فيكون الباقي أيضا







أحدهما، لا على التعيين. و بعبارة أخرى: هل الأصل هو التساقط أو التخيير.























الصفحة 236







الثالث: فيما هو قضية الأدلة المختصة بالمتعارضين.















امّا الكلام في المقام الأول: فالظاهر انّ الأدلة الدالة على اعتبار الاخبار دلالة كلّها بالنسبة إلى حال التعارض، إن كان فبالإطلاق و لا







عموم وضعي أحوالي فيها، و إن كان فيها عموم وضعي أفرادي، لكنه غير نافع في المقام، و لا يكاد ينعقد الإطلاق و تتم مقدمات الحكمة







بالنسبة إلى المتعارضين بعد المانع العقلي عن الإطلاق بالنسبة إلى كليهما، و خروج أحدهما لا بعينه عن افراد المطلق، إذ ليس وراء







الآحاد المعيّنة فرد آخر لا بعينه يكون فردا للطبيعة، و الفرد المعيّن أيضا لا يقتضيه الإطلاق، فانّه يحتاج إلى بيان التعيين، و المفروض







عدم بيان التعيين.















فعليه تكون أدلة الاعتبار خالية عن التعرض لحال المتعارضين، فيبقى المتعارضان تحت أصالة عدم الحجية، حتى يرى قضية الأدلة







الخاصة ما ذا؟ و امّا الكلام في المقام الثاني: فلو سلّمنا عموم لفظي يشمل المتعارضين و أغمضنا النّظر عمّا ذكرناه سابقا، و قلنا: بأنّ







قضية العموم الأفرادي في قوله:















«اعتمدا في دينكما كلّ مسنّ في حبّنا» إذا أخبر أحد المسنين بخبر و أخبر المسنّ الآخر بخبر آخر يخالفه، هو حجية كلا المتعارضين، و







إلاّ لزم التخصيص في لفظ «كلّ» كان الأخذ بهذا العموم اللفظي بالنسبة إلى كلا المتعارضين غير ميسور. امّا في المتعارضين بالتناقض







و التضاد فواضح، و امّا في المعلوم كذب أحدهما من غير تناقض و تضاد، فلأنّ ظاهر أدلة الاعتبار، الحكم لرعاية احتمال الواقع،







فيختص بما إذا احتمل الواقع لا ما علم بعدمه تفصيلا أو إجمالا، و إلاّ فلا مانع عقلي من شموله له، لأنّ معنى صدّق ترتيب آثار الصدق، و لا







مانع من الحكم بترتيب آثاره، مع العلم بعدم كونه هو الواقع، بناء على مسلك السببية و حدوث المصلحة بأخبار العادل، و انقلاب عنوان







الواقع بعنوان ثانوي مؤثر في الحكم الفعلي على خلاف الواقع، فإذا خرج أحدهما، لا بعنوان: و هو أحدهما معلوم الكذب، عن تحت عنوان







الدليل، بقي أحدهما لا بعنوان، تحته، و هذا صار كذلك ببركة خروج اللا بعنوان،























الصفحة 237







فانّ خروج اللا بعنوان يقتضي بقاء اللا بعنوان، و إلاّ فالدليل بحسب طبعه الأوّلي لم يدل على اعتبار اللا بعنوان، و هذا كما إذا اخرج







الفرد الغير المعين واقعا بدليل متصل، فقال: أكرم العلماء إلاّ واحدا منهم. فانّ الباقي أيضا يكون وحدات غير معيّنة، و هو ما عدى ذلك







الواحد في أيّ أفراد عيّن و اختار، و إن كان اللفظ بحسب شموله الأولي لم يشمل إلاّ وحدات معيّنة، إذ لم يكن الفرد المردد من أفراد







العام، ثم انّ لازم ما ذكرناه من اعتبار الواحد اللا بعنوان هو التخيير كما في كلّ نكرة، فصار الأصل في المتعارضين بحسب العمومات،







و أدلة الاعتبار هو التخيير دون التساقط، و لا يصغى إلى ما قد يقال: من انّ الفرد الغير المعيّن إذا خرج أجمل اللفظ في جميع أطراف







الترديد و سقط عن الحجية، و هو معنى أصالة التساقط، إذ بعد عدم إمكان حمل اللفظ على ظاهره في كلا الفردين، لمنافاة ذلك لخروج







الواحد، لا على التعيين و حمله على أحد الفردين معيّنا، يحتاج إلى معيّن، و ليس الواحد، لا على التعيين من أفراده، ليحمل عليه بعد عدم







إرادة الجميع، و ذلك لما عرفت: انّ خروج الواحد، لا على التعيين بنفسه قرينة على إرادة الواحد لا على التعيين، كما يتّضح ذلك في







صورة اتصال القرينة المخرجة، و ليس ذلك من التخصيص و الأخذ















بالعامّ فيما عدى المخرج، حتّى يقال: انّ الفرد المردد لم يكن من افراد العام، و داخلا فيه ابتداء، حتّى يكون باقيا تحته انتهاء و بعد







التخصيص، بل هذا من قبيل قرينة المجاز و إرادة معنى جديد من اللفظ، بمعونة القرائن، ثمّ لا فرق بين المتعارضين بحسب الأصل الأوّلي







و قبل ملاحظة دليل الحجية، و كذلك بحسب الأصل الثانوي، و بلحاظ عموم أدلة الاعتبار، الّذي هو التخيير أو التساقط، فانّه يعمّ كلّ ما







هو داخل تحت عنوان التعارض، من غير اختصاص له، بما لم يكن بينهما جمع دلالي عرفي. فانّ شمول صدّق لكلّ من المتعارضين يزاحم







شموله للمعارض الآخر، و إن كان بينهما جمع دلالي عرفي، إذ مقتضى صدّق هو الأخذ بالظهور الأوّلي لكل من المتعارضين، و الفرض







عدم إمكان الأخذ بالظهور الأولي لكلّ منهما، على ان يؤخذ بالعموم بحدّ عمومه، و كذلك يؤخذ بالخصوص، و الأخذ بما هو قضية























الصفحة 238







الجمع، أعني الأخذ بالعامّ فيما عدى مورد الخاصّ، و بالخاص في مورد الخاصّ، خارج عن وسع صدّق.















و توضيح هذا الإجمال: انّ مؤدّى دليل الاعتبار المعبّر عنه بصدق، ليس اعتبار سند الاخبار و لا اعتبار دلالتها، بل الاعتبار سندا و دلالة







بنفس سند دليل الاعتبار القطعي سندا و بنفس دلالته، فهو الحجة سندا، و هو الحجة دلالة، و انّما الأخبار و دلالتها مقدرة لدلالة دليل







الاعتبار و محددة لمضمونه، و منها يعرف تفصيل ذلك الإجمال و ما في بطنه و تحت طيلسانه، فالأخبار المفصلة ساقطة عن الاعتبار، و







ليست إلاّ كالأخبار الفاقدة لشرائط الحجية و تتميّز عنها. انّ بملاحظة مضامينها يتعيّن عندنا مدلول دليل الاعتبار و يتفصل عندنا







إجماله، فنحن نتّكل عليه و نعتمد عليه في كلّ الجهات، و تعيين مدلوله بالرجوع إلى الأخبار المفصلة ليس اعتبارا بوجه للأخبار







المفصلة، و ليس شأنها إلاّ كشأن كتب اللغة في تعيين الألفاظ المشتبهة، و حصول العلم بمداليلها بالرجوع إليها. فلا يتوهّم: انّ دليل صدّق







يوجب القطع بصدور ألفاظ الأخبار أو التعبد بصدور ألفاظها، بل دليل صدّق ينشأ أحكاما و يحكي عن أحكام على طبق ما في الروايات







من الألفاظ، فالألفاظ هناك و المعاني هنا و القشور هناك و اللباب هنا، و ليس ظهور صدّق إلاّ ظهورا واحدا بالنسبة إلى جميع الأحكام







المنشأة به المطابقة للأخبار المختلفة في الكشف















و الدلالة.















و فيها صريح و ظاهر، على تفاوت مراتب الظهور، لكن المختلفات الدلالة هناك متحدة الدلالة هنا، و في بطن صدق الّذي عليه المدار و







به الاعتبار، فإذا توجه صدّق إلى عام و توجه أيضا إلى خاص، أفاد صدّق بالنسبة إلى العام حكما عامّا و أفاد بالنسبة إلى الخاصّ حكما







خاصا، و كان إحدى الإفادتين في مرتبة الظهور مساوية للإفادة الأخرى، فالظهوران متساويان و الحكمان بحدّيهما متناقضان أو







متضادان، فليطرح ظهور صدّق بالنسبة إلى الجميع بناء على انّ الأصل في المتعارضين التساقط، و يؤخذ في الواحد لا بعينه، بناء على انّ الأصل التخيير، فليس























الصفحة 239







يمتاز هذان المتعارضان عن المتعارضين الغير المشتملين على جمع دلالي عرفي.















نعم، لو كان مفاد صدّق التعبد بصدور ألفاظ الروايات، حتّى يكون معنى التعبد بصدورها الأخذ بظواهرها الأوليّة أو الثانوية، الحاصلة







بسبب الجمع بين القرينة و ذي القرينة، حسب معاملة أهل اللسان في ألفاظ محاوراتهم، كان المتبع هو الجمع الدلالي العرفي في مورد







كان، فكانت الأخبار لأجل دليل صدق كمقطوع الصدور، فيعامل معها معاملة مقطوع الصدور، فتقع ألفاظ الروايات حينئذ تحت القوانين







المعمولة في باب الألفاظ من الأخذ بظهور غير المتعارض منها، و الأخذ بالأظهر أو النصّ في الظهور المتعارض.















بل أقول: مع ذلك يشكل ذلك، فإنّ دليل صدق لو فرضنا كونه مصلحا لسند الأخبار و جاعلا لمتونها بمنزلة المتون القطعية، حتّى يرجع







تكليفنا إلى العمل بظواهرها، و ما هو قضية الأصول و القواعد اللفظية فيها، لكن يختص ذلك بكل خبر يجري تحت دليل صدق و يدخل







تحت حيطته دون ما لا يجري و يخرج عن تحت حيطته، و المتعارضان اللذان يجري فيهما الجمع الدلالي لا يدخلان تحت مدلوله، حتّى







يؤخذ بما هو قضية الجمع الدلالي فيهما، و ذلك لأنّ مدلول صدّق هو وجوب تصديق كلّ خبر خبر، على أن يكون الافراد المشمولة له هذا







الخبر و ذاك الخبر و ذاك الخبر الثالث، كلّ على حياله و على استقلاله، و مع قطع النّظر عن الآخر، و بشموله لكل يجي‏ء أصالة الظهور







فيه، فإذا تعارض أصالة الظهور في واحد مع أصالة الظهور في الآخر، فكما لا يمكن الجمع بين أصالة الظهورين، و لذا يلغي العرف







أحدهما، الظاهر، و يأخذ بالآخر الأظهر أو النص كذلك لا يمكن شمول صدق لهما جميعا، و شموله لهما جميعا، ثم اقتضاء هذا الشمول







للجمع بينهما برفع اليد عن أحدهما، فيه من الغلط ما لا يخفى، فانّ شمولا يكون مآله رفع اليد و الطرح، كشموله للمتعارضين، الغير







الممكن فيه الجمع العرفي، ثمّ اقتضاء شموله لهما لطرحهما، لا يتصور له معنى،















فضلا عن أن يتصور و يكون لغوا.















و القول: بأنّ شموله لهما يقتضي من ابتداء الأمر الأخذ. بالظهور الثانوي،























الصفحة 240







الحاصل لأحدهما بقرينة الآخر، حسب ما هو قضية الجمع العرفي، لا انّه يقتضي الأخذ بالظهور الأولي لهما، ثمّ لمّا لم يمكن ذلك يرفع اليد







عن ظهور أحدهما بقرينة الآخر، ليتّجه عليه عدم المعقولية، و لذا في نفس أصالة الظهور أيضا الأمر على هذا المنوال، لا تكون أصالة







الظهور عند التعارض إلاّ مع الأقوى ظهورا لا انّه يكون الأصل في الجانبين، ثمّ يرفع اليد من أحدهما عملا بالآخر، فانّه غلط فاحش،







محجوج بأنّ ذلك انّما يصحّ إذا كان مفاد صدّق تصديق أحد الخبرين المتعارضين، منضما إلى الآخر، و على صفة الاجتماع، فانّ قضية







هذا التصديق الأخذ بالظهور الثانوي أو الاعتبار الثانوي الحاصل من الانضمام.















و قد عرفت: انّ مؤدّى صدّق التعبد بصدور كلّ خبر خبر لا بكل خبرين خبرين أو ثلاثة ثلاثة، و الفرض عدم إمكان الأخذ في صورة







التعارض بما هو قضية كلّ خبر خبر من الخبرين المتعارضين، لعدم إمكان الأخذ بظهورهما. فدليل «صدّق» بمنزلة أصالة الظهور







الموجودة في كلّ منهما، مع قطع النّظر عن الآخر و محيية لها، و المفروض عدم إمكان حياتهما جميعا في صورة التعارض، كان هناك







جمع دلالي و أصل ثانوي، بملاحظة انضمامهما، أو لم يكن إلاّ أن يكون على صفة الانضمام مشمولا لصدّق أيضا، فيكون مصاديقه هذا







وحده و ذاك وحده، و كلاهما منضما، فإذا رفعنا اليد عن شموله للأولين لمانع التعارض بقي شموله للثالث على حاله، لكن الواقع خلافه







بل يلزم التكرر في شمولات العام، و يكون كلّ فرد داخلا تحت العام و مشمولا له دفعات لا تحصى، بانفراده دفعة و بانضمامه انضماما







ثنائيا و ثلاثيا و رباعيا و هكذا، و أيضا باختلاف منضماته في كلّ عقد من العقود الثنائية و الثلاثية.















نعم، فيما لا يلزم من شمول صدّق لكلّ من المتعارضين، قصر في اقتضاء صدّق في أحدهما بوجه. و بعبارة أخرى: لم يلزم التصرف في







ظاهر أحد المتعارضين و التنزل من ظاهره الأوّلي إلى غيره، لم يكن مانع من شمول صدّق لكليهما، و إن لزم من شموله لهما، قصر







أحدهما أو كلاهما، مصداقا، و خروج بعض مصاديقه























الصفحة 241







المصداقية، امّا حقيقة أو تعبدا من دون قصر في المفهومين، بل المفهومان كانا على سعتهما الأولى مثلا من شمول صدق للاخبار الحاكية







عن الأحكام الواقعية، و للاخبار الحاكية عن الأحكام الظاهرية في الشبهات الحكمية، و هي الأصول الأربعة العملية، حيث انّه بلسان تحقق







الواقع، و ان «ما أدّاه عنّي فعنّي يؤدّي» و إنّ مؤديات الاخبار هي معالم الدين، يجعل في حقّنا في عرض واحد مؤديات جميع الاخبار،







فكأنّما علمنا بدليل صدّق دفعة واحدة الأحكام الواقعية التي هي مؤدّى طائفة منها، و الأحكام الظاهرية الأصلية المعمولة لدى الشك في







تلك الأحكام الواقعية، التي هي مؤدّى طائفة أخرى. فإذا كانت الأصول معتبرة بدليل صدّق، لا جرم كانت الأمارات الحاكية عن الأحكام







الواقعية معتبرة أيضا في عرضها، بدليل صدّق، و هذان الاعتباران يؤخذ بهما جميعا من غير نقص في أحد الجانبين، مقدار شعرة.















نعم، يلزم من الأخذ بما هو قضية «صدّق» في الاخبار الحاكية عن الأحكام الواقعية تنقيص في مصاديق الأصول، بخروج الشكوك







الموجودة في مورد قيام الخبر الحاكي عن الحكم الأوّلي عن المصداقية لها، امّا خروجا حقيقيّا كما يراه المصنف «ره»، بناء على انّ







المأخوذ في موضوعها ليس هو مطلق الشك في الحكم الواقعي، بل مع التحير و عدم وجود ما يعتمد عليه من الشارع أبدا، كما لا تبعد







دعواه في أدلّة أصل البراءة، و مع شمول دليل «صدّق» للخبر الحاكي عن الحكم الواقعي، يرتفع هذا التحير، و امّا خروجا حكميا، كما يراه







شيخه الأنصاري.















و تقريب الخروج الحكمي: امّا بالقول: بأن مفاد صدق إلغاء احتمال الخلاف، الّذي مآله إلى كون مؤداه تتميم الكشف، و جعل الظنّ علما،







و هذا خلاف ظاهر دليل الاعتبار، أو بالقول: بأنّ مفاده تنزيل المؤدّى و جعله واقعا في حقّ المكلف، كما هو ظاهر «ما أدّاه عنّي فعنّي







يؤدّي» و انّه معالم الدين، فيكون العلم تحقيقيا بما هو واقع تنزيلا، و مع العلم بهذا الواقع لا شك تعبدا بالواقع. و إن كان الشك حاصلا







فيه بالعيان، فدليل «صدّق» يخرج موارد الاخبار عن موضوع























الصفحة 242







الأصول، الّذي هو الشك، إخراجا تعبديا حكميا.















و يمكن تقريب الورود بوجه آخر لطيف، و هو: انّ الشك شكّان: شكّ في صدور الروايات، بالأعم ممّا كان حاكيا عن حكم أوّلي واقعي،







و ممّا كان حاكيا عن حكم الشك، و شكّ آخر تعلّق بالحكم الواقعي، و قد أخذ موضوعا للأصول في الاخبار التي دلّت على حكم الأصول،







فإذا جاء دليل «صدّق» سدّ مسدّ الشك الأول، الّذي هو الشك في الصدور. ففي عرض الحكم بصدور أدلة الأصول قد حكم بصدور سائر







الاخبار، فصارت تمام الاخبار كالمسموع من الإمام دفعة واحدة. و من المعلوم: انّا لو كنّا قد سمعنا هذه الاخبار جميعا من الإمام لم نكن







نرتاب في عدم الموضوع للأصل في مورد سمعنا منه حكما واقعيا، و إن كان شكّنا بالنسبة إلى الواقع باقيا، لعدم صراحة كلامه، بل







كانت دلالته بالظهور أو احتمل أن لا يكون صدر لبيان الواقع، و ذلك لأنّ المراد من الشك في موضوع الأصل شك لم يكن في مورده







لفظ حال عن الواقع متبع ظهوره عند العقلاء.















و بالجملة: الشك الموجود في مورد سائر الأخبار إن كان هو الشك في الصدور، و من أجله يقال: انّ هذه الموارد مشمول لأدلّة الأصول،







كما هي مشمولة لدليل «صدّق»، فلا ريب انّ الشك الكذائي موجود في نفس الاخبار الدالة على حكم الأصول، فنفس صدور اخبارها يلزم







أن يكون مورد متونها، و ذلك للشك في كون حكم الشك ذاك الّذي افادته لاحتمال الكذب و الخطأ في الحكاية، و ذلك باطل بالقطع. و







إن كان هو الشك في الواقع من أجل كون الدلالة فيها بالظهور، أو جهة الصدور فيها محتملة ان لا تكون بيان الواقع، و من باب بناء







العقلاء، قد حكم انّه لغرض بيان الواقع، فهذا لو لم يجر مثله في أدلة الأصول، لكون دلالتها بالنصوصية و جهتها قطعية، لا يوجب صدق







موضوع الأصول، لوضوح انّ موضوع الأصول شك لم يكن في مورده بيان للواقع، و لو بالألفاظ و الظواهر.















نعم، فيما إذا كانت أدلة الأصول قطعي السند، و لم يكن اعتبارها بدليل «صدّق» لم يجر ما ذكرناه من التقرير.























الصفحة 243







قوله: بحسب الدلالة و مقام الإثبات:















الدلالة و الكشف ليس شي‏ء يعقل فيه التنافي و اللا تنافي، فان اتّصف بالتنافي أو اللاتنافي، فبحسب التنافي و اللا تنافي، الثابتين في







المدلول، فصحّ أن يقال: انّ التعارض تنافي الدليلين أو الأدلة، بحسب المدلول، و ليس يعقل أن يكون المدلولان متنافيين، و مع ذلك لا







يكون تناف في الدلالة، كما زعمه المصنف، في مورد الحكومة و موارد الجمع الدلالي، و كان ذلك نشأ من خيال: انّ كيفية الكشف







يختلف، فعن أمرين متنافيين واقعا، يمكن الكشف على نحو لا يكون بين الكشفين تناف، و يمكن الكشف على نحو يكون بين الكشفين







تناف. و أنت خبير: بأنّ كلّ كشف عن المتنافيين متناف، و جمع العرف برفع اليد عن أحد الكشفين بأقوائية الآخر لا يرفع المنافاة من







البين.















و امّا الحكومة: فالحقّ، انّه ليس لها عنوان مستقلّ، بل هي من أقسام التعارض الّذي هو تنافي الدليلين بحسب مدلولهما، و التقديم فيها







بملاك الأقوائية و الأظهرية، و إن كان الحاكم لسانه لسان التفسير، و بعبارة «أعني: و أي» فانّ المحكوم بظهوره كشف عن إرادة







معنى، و هذا الحاكم كشف عن إرادة خلاف ذلك المعنى و هل ذلك إلاّ المعارضة و تنافي الدليلين بمدلوليهما؟ و هل يعقل لتقديم دليل







الحاكم وجه إلاّ قوة كشفه عن إرادة الخلاف، فتحصل عن كشف نفسه عن إرادة الوفاق.















كلّ ما كان المدلولان متنافيين كان الدليلان متنافيين و تنعكس هذه القضية كنفسها كليّا، يعني كلّ ما لا يكون الدليلان متنافيين لا







يكون مدلولهما متنافيين، و أيضا كلّ جمع بين دليلين فهو بملاك أقوائية الظهور من غير فرق بين ما يسمّى حاكما و غيره، فما يسمّى







حاكما، شعبة من شعب مطلق المعارض، و التسمية مجرد اصطلاح لا أثر مترتّب عليه.















قوله: أو عرضا، بأن علم بكذب أحدهما:















التناقض و التضاد لا يكون بالعرض، بل الدلالة على إثبات المتناقضين الحقيقيّين، تكون بالعرض، مثلا: التعارض بين دليل يجب صلاة







الجمعة مع دليل يجب صلاة الظهر، يكون بالعرض، و معنى ذلك انّ دلالة أحد الدليلين على نفي ما يثبته الآخر، تكون بالالتزام الناشئ







من العلم























الصفحة 244







بالملازمة بين ثبوت أحد الوجوبين انتفاء الآخر، فتكون المناقضة بين المدلول الالتزامي لأحدهما، و هو النفي لما يثبته الآخر و المدلول







المطابقي للآخر، فالمناقضة حقيقة، و الدلالة حدثت بسبب العلم بالكذب.















و فيه: انّ العلم لا يوجب الدلالة الالتزامية، بل و لا مطلق اللزوم يوجبها ما لم يكن بيّنا جليّا، فالصواب: انّ يعمم محلّ البحث إلى غير صورة







المعارضة و لا يخص بالمعارضة حتّى يحتاج إلى تكلف إدراج صورة العلم بكذب أحدهما، تحت المعارضة، الّذي سمعت عدم تماميته، و







قد عرفت: انّ الضابط في محل البحث:















كلّ دليلين لا يمكن إدراجهما تحت دليل «صدّق»، و تلك كلمة جامعة، تشمل ما إذا كان عدم إمكان الإدراج، هي المعارضة أو العلم







الإجمالي بكذب أحدهما، مع دعوى: انّ المعلوم كذبه، و لو على سبيل الإجمال، خارج عن مدلوله.















قوله: قد سبق ناظر إلى بيان كمية ما أريد من الآخر:















إن كان المراد ممّا أريد، و ما أريد واقعا و بالإرادة الجديدة، فالخاص أيضا سبق لبيان كمية ما أريد واقعا من العام، و انّ المراد منه ما







عدى الخاصّ. و إن كان المراد، ما أريد في مقام الإثبات و بالإرادة الاستعمالية، فهذا لا يكون إلاّ مع تأخر دليل الحاكم، و المفسّر عن







دليل المحكوم، و المفسّر إلاّ على سبيل الاخبار، بأن يخبر بأنّ مراده من الألفاظ التي يتلفظ بها فيما بعد كذا و كذا. هذا، و قد عرفت: انّ







كلّ جمع عرفي تحت كلمة واحدة هي كلمة تقديم الأظهر على الظاهر، فهذه الإطالة التي أطال بها المصنف المقام، ليست بمهمة.















قوله: و في أحدهما المعيّن:















امّا إذا كان مجموعهما قرينة على التصرف في أحدهما لا بعينه، لم يزل التعارض بينهما مستمرا، لعدم ترجيح التصرف في هذا بعينه على







التصرف في الآخر بعينه، فيحكم بحكم التعارض من التساقط أو التخيير، عند عدم الترجيح.















قوله: حيث لا يلزم منه محذور تخصيص أصلا:















إذا كان الأخذ بالأمارات من باب انّه لا يلزم منه محذور التخصيص، و التصرف في ظهور أدلة الأصول بخلاف























الصفحة 245







العكس، كان الأخذ بها من باب اقتضاء أصالة الظهور ذلك، إذ كلّ ما دار الأمر بين التصرف في ظاهر الأدلة و بين عدم التصرف فيها،







كان المتعين بحكم أصالة الظهور، عدم التصرف فيها، فيكون ذلك أجنبيا من تعارض الظهورين بدوا، ثمّ تقديم الأظهر، و التصرف في







الظاهر بحكم العرف، كما ادعاه.















و منه يظهر: انّ لزوم التخصيص و التصرف في الظاهر على أحد التقديرين دونه على التقدير الآخر، كاف في تعيين الأخذ بما لا يلزم







منه التخصيص من غير توقف، على كون تخصيصه بلا وجه أو بوجه دائر، فانّ أصل ارتكاب التخصيص محذور مع إمكان عدم ارتكابه،







و كونه بلا وجه أو بوجه دائر، محذور آخر.















قوله: هذا مع احتمال أن يقال:















قضية الحجية ان كانت إنشاء الحكم الظاهري، أو كانت مجرد تنجيز الواقع مع المصادفة و التعذير مع الخطأ، لم توجب اختلافا في نسبة







أدلة الأمارات إلى أدلّة الأصول، إن كانت حكومة أو كانت ورودا، بل و لا يزيد بذلك وضوح ما هي عليها من النسبة، فلعل التعبير بلفظ







مع، ليس إلاّ لأجل استدراك ما صدر منه، بقوله: و قضية حجيتها، ليست إلاّ لزوم العمل على وفقها شرعا من غير دخل له بأصل المطلب، و







إن كان ذلك خلاف الظاهر منه.















قوله: لأجل انّ الحكم الواقعي ليس حكم احتمال خلافه:















نعم، الحكم الواقعي الّذي تحكيه الأمارة ليس حكم احتمال خلافه، لكن ليس الكلام في مفاد الأمارة و نسبته مع دليل الأصل، بل في نسبة







دليل اعتبار الأمارة مع دليل اعتبار الأصل، و من المعلوم: انّ دليل اعتبار الأمارة يعتبر الأمارة في مورد عدم العلم بالواقع، كدليل







اعتبار الأصل نعم، ليس في لسانه مأخوذ عنوان الشك و الجهل، كما هو مأخوذ في لسان دليل الأصل، لكنه بحسب واقعه، هو و الأصل







سواء، في كونه حكما واقعيا في موضوع الجهل بالواقع.















قوله: كيف، و هو حكم الشك فيه و احتماله:















يعنى حكم احتمال الخلاف هو























الصفحة 246







حكم الشك في الواقع، فالواقع يكون مقدما على الشك برتبة، و على حكم الشك برتبتين. و المقدم برتبتين كيف يعقل أن يكون مؤخرا







برتبتين، و يكون هو بنفسه حكم احتمال الخلاف في نفسه؟















قوله: هذا و لا تعارض أيضا:















عطف على قوله في صدر المبحث: و عليه فلا تعارض بينهما إلى آخر ما ذكره. و لا يخفى انّ هذا تكرار، و قد تقدم قوله: أو كانا على







نحو إذا عرضا على العرف وفق بينهما بالتصرف في خصوص أحدهما. و هذا الّذي ذكره هنا مندرج تحته، و ليس مراده من ما ذكره







هناك، ما كان اجتماعهما قرينة، على التصرف في خصوص أحدهما، حتّى يمتاز هذا عنه، بكون أحدهما فيه قرينة على الآخر، و ذلك لأنّ







صورة قرينية الاجتماع للتصرف في خصوص أحدهما المعيّن ذكرها بعد ذلك، و لا يبعد أن يكون مراده ممّا ذكره هناك، أن يكون







أحدهما قرينة على التصرف في الآخر بحكم العرف، تعبدا، لا بملاك الأظهرية، كما في العناوين الثانوية و الأولية، فيمتاز حينئذ عن ما







هنا، بأنّ ذلك بمناط الأظهرية. لكن قد عرفت: انّ الجمع في جميع صوره، حتى صورة الحكومة، بمناط الأظهرية و الأخذ بالأظهر و ترك







الظاهر.















قوله: و انّما يكون التعارض بحسب السند فيما:















هذه العبارة تكرار لسابقتها، فالأولى الاقتصار عليها و ترك السابقة، لكونها أبسط و أوفى في بيان المقصود منها.















قوله: أو لأجل أنّه لا معنى للتعبد بصدورها مع إجمالها:















لا يلزم الإجمال على مذاقه، من أنّ القرائن المنفصلة لا تخل بالظهور و انّما تذهب بالحجية، فالأولى أن يقال: أو لأجل انّه لا معنى للتعبد







بصدورها مع وجوب طرح بعضها، لعدم إمكان الأخذ بأطراف المعارضة جميعا.















قوله: فصل التعارض و إن كان لا يوجب إلاّ سقوط:















اعلم: انّ الخارج عن دليل الحجية، امّا أن يكون إحدى الروايتين على سبيل التعيين، و إن لم نعلم به بعينه، كما إذا علم انّ راوي إحداهما







فاسق أو غير إمامي، فلا ريب انّ الحجة حينئذ هي الأخرى التي راويها جامع للشرائط المعتبرة، لكن حيث لا يعلم بها بعينها، لا يسع























الصفحة 247







الأخذ بمدلول شي‏ء منهما، و لكن نفي الثالث يكون بتلك الحجة المعينة واقعا، فيرجع إلى أصل لا يخالفهما، و امّا أن يكون أحدهما لا على







سبيل التعيين واقعا، كما في المقام المعلوم كذب أحدهما، فانّ معلوم الكذب الخارج لا تعين له، و ليس الكذب واقعا خارجا، فلعل كلاهما







كذب. و قد عرفت: انّه إذا خرج عن تحت العام فرد أو أفراد، لا على سبيل التعيين، انقلبت الأفراد الباقية بافراد لا على سبيل التعيين، فإذا







قال: أكرم العلماء إلاّ واحدا، كان الباقي تحت أكرم، ما عدى واحد القابل الانطباق على كثيرين، على سبيل البدل، كقبول انطباق نفس







الواحد الخارج.















ففي المقام: إذا خرج عن تحت دليل «صدّق» أحد المتعارضين، لا بعنوان، كان الآخر، اللا بعنوان، حجة بدليله، فانّ افراده ابتداء و إن لم







يكن هو الواحد، اللابعنوان، بل كلّ واحد من المتعينات، لكن خروج اللا بعنوان اقتضى ذلك، فهو كقرينة المجاز، فلا يكون ذلك من باب







الأخذ بعموم العام فيما بقي، و من المعلوم انّ حجيّة مقتضى واحد لا بعنوان الّذي هو مفاد النكرة، هو التخيير عقلا، كما في كلّ حكم تعلّق







بمفاد النكرة، فيتخيّر في الأخذ بأيّ الروايتين، و يكون المأخوذ حجة في مدلوله المطابقي و الالتزامي جميعا، و العجب كلّ العجب انّ







المصنف مع اعترافه بأن خروج اللابعنوان يقتضي حجية اللا بعنوان، و مع ذلك تركهما جميعا في مدلولهما المطابقي.















نعم، نفي الثالث بذاك الواحد، اللا بعنوان، مع انّ قضية حجية الواحد، اللا بعنوان، هو التخيير دون التساقط، و انّما التساقط قضية حجية







واحد معين مشتبه عندنا، و هي الصورة الأولى.















قوله: و هو بناء العقلاء على أصالتي الظهور:















فانّ بناءهم، و إن لم يحتمل أن يكون من باب السببية و حدوث المصلحة، بل كان من باب الطريقية المحضة أو لمجرد التعبد، لكن







تقرير الشارع لهذا البناء، الّذي هو علة اعتباره، يحتمل أن يكون من باب للسببية، و حيث انّ بناءهم في غير معلوم الكذب خاصة، و لو







إجمالا، فتقرير الشارع أيضا يكون في ذلك الموضوع.























الصفحة 248







قوله: و امّا لو كان المقتضى للحجية:















اعلم: انّه مع حدوث المصلحة في كلّ من المتعارضين، و عدم منع العلم بكذب أحدهما إجمالا، عن شمول دليل الحجية شرعا، كما انّه غير







مانع عقلا، بل العلم بالكذب التفصيليّ أيضا غير مانع عقلا، لا تخلو الحال، امّا أن لا يكون بين المتعارضين تضادّ أو لا تناقض، بل كان







مجرد العلم بكذب أحدهما. و امّا أن يكون بينهما تضاد أو تناقض.















لا إشكال على الأول، و إنّ كلاّ منهما يؤثر في حدوث المصلحة في مؤدّاه، فيؤخذ بكليهما جميعا. فلو أخبر أحد العدلين بوجوب صلاة







الجمعة، و أخبر الآخر بوجوب صلاة الظهر، أخذ بكلا الخبرين، و يحكم بوجوبهما جميعا، بعنوان ما أخبر به العادل، و إن علم بعدم







الوجوب كذلك، بالعنوان الواقعي.















و امّا على الثاني: فامّا أن يكون الخبران في حكم موضوع واحد، كأن أخبر أحدهما بوجوب فعل، و أخبر الآخر بحرمته أو كراهته أو







استحبابه أو إباحته، و امّا أن يكون في حكم موضوعين متضادين، كأن أخبر أحدهما بوجوب أحد الضدين، و أخبر الآخر بوجوب الآخر







أو استحبابه أو كراهته أو إباحته.















و بالجملة: إذا دلّ الدليلان على فعلية حكمين في موضوع واحد لا يمكن فعليتهما فيه، أو دلاّ على فعلية حكمين في موضوعين لا يمكن







فعليتهما فيهما، كان الحكم على طبق أقوى الملاكين، إن كان، و مع التساوي، كان الحكم في الصورة الأولى، و هي في صورة الدلالة على







حكم موضوع واحد، هو: الإباحة، لا عن اقتضاء. و في الصورة الثانية، هو: التخيير بين الفعلين، أو إباحتهما، هذا حكم الصورتين على







سبيل الإجمال.















و التفصيل: انّه لو دلّ دليل على وجوب فعل و دلّ الآخر على حرمته، كان المؤثر أقواهما ملاكا، و مع التساوي كان الحكم الإباحة إباحة







لا عن اقتضاء. و كذا الحال فيما إذا دلّ الدليل الآخر على إباحته، فانّ الإباحة الثابتة بدليل صدق إباحة اقتضائية، يزاحم بها الوجوب، بل







ربّما تغلب عليه. و امّا إذا دلّ الآخر على كراهته أو استحبابه، غلب جانب الملاك الإلزاميّ، لقوته، و بقي الملاك الغير الإلزامي غير























الصفحة 249







مؤثر في الحكم الغير الإلزاميّ، و منه يظهر الحال فيما لو دلّ دليل على وجوب فعل و دلّ الآخر على وجوب ضده، و انّ أقواهما ملاكا إن







كان هو المؤثّر، و إلاّ كان الحكم التخيير و مثله ما لو دل الآخر على إباحة ضده، إلاّ انّ هاهنا لو تساوى الملاكان لم يؤثرا جميعا، و كان







الحكم في الضدين، هو الإباحة، لا عن اقتضاء، و امّا لو دلّ الآخر على استحباب الضد الآخر أو كراهته، كان ما دلّ على الوجوب هو







المؤثر فعلا، لقوة ملاكه على ملاكيهما، و بقيا هما بلا تأثير.















قوله: إلاّ أن يقال: بأنّ قضية اعتبار:















هذا القول هو المتعين، فليته لم يذكر ما ذكره أوّلا، الّذي ليس إلاّ الخلف. فانّ عدم حدوث المصلحة و السببية في موارد الأمارة على







الأحكام الترخيصية، خلاف ما فرض من انّه تحدث باخبار العادل، المصلحة في الحكم الّذي أخبر به، و الّذي لازمه أن ينشأ حكم على طبق







ما أخبر به عن اقتضاء، و إن كان ما أخبر به حكما غير اقتضاء.















قوله: و يحكم فعلا بغير إلزامي:















بل يقتضي أقوى المناطين من الإلزاميّ و غير الإلزاميّ، و يحكم بفعليته، و مع المساواة يحكم بإباحة غير اقتضائية، بعد سقوط







المقتضيين بالتكاسر عن درجة التأثير، ففيما إذا كان الدليلان في موضوع واحد، يحكم بإباحة ذلك الموضوع، و فيما إذا كانا في







موضوعين متضادين، يحكم بإباحة كلا الموضوعين، إباحة غير اقتضائية. و ظاهر عبارة المصنف هو: انّ الإباحة المحكوم بها، هي تلك







الإباحة الاقتضائية، و انّه لا يزاحمها ما يقتضي الحكم الإلزاميّ، و هو واضح الضعف، لا ينطبق على شي‏ء من المباني.















قوله: نعم، يكون باب التعارض من باب التزاحم مطلقا:















انّما يكون باب التعارض من باب التزاحم مطلقا، حتى فيما إذا دلّ أحد الخبرين على حكم غير إلزامي، مع دلالة الآخر على حكم إلزامي







إذا كانت قضية دليل الاعتبار لزوم البناء و الالتزام بمؤدّى الخبر على وجه القيدية للعمل، ليكون الواجب العمل به، متدينا و ملتزما. امّا







إذا كان قضيته لزوم البناء في سطح وجوب العمل، على أن يكون مفاد «صدّق» وجوب العمل و وجوب الالتزام عرضا، بلا ارتباط







أحدهما























الصفحة 250







بالآخر و تقيده به، لم يتغير الحال في جانب العمل بسبب القول بوجوب البناء، بل كان الحكم في جانبه، كما كان. نعم، جانب وجوب







البناء، يدخل في باب التزاحم، و يشكل الأمر حينئذ، فيما إذا كانت قوة الملاك في جانب رواية الإباحة، حيث كان الواجب حينئذ الالتزام







برواية الإباحة، و البناء على الإباحة مع وجوب الأخذ في مقام العمل برواية الحكم الإلزاميّ و الالتزام بالفعل أو الترك، فانّ هذا أمر







غريب.















قوله: لو لم يكن أحدهما معلوم الأهمية:















الأهمية تارة تكون بقوة ملاك الحكم في دليل الاعتبار، و دليل صدق، كأن يكون أحد الخبرين، راويه أعدل من الآخر أو نحو ذلك، ممّا







هو مناط للحكم وجوب التصديق، و أخرى تكون بقوة ملاك الحكم، المخبر به في إحدى الروايتين على ملاكه في الآخر، كما إذا أخبر







أحد العدلين بوجوب فعل و أخبر الآخر بوجوب ضدّه وجوبا آكد من الأول، أو أخبر بحرمة نفس ذلك الفعل، بملاك يقوى على ملاك







الإيجاب. فانّ الظاهر: انّه لا إشكال في انّ الحكم المنشأ باخبار العادل يكون في الشدة و الضعف و التأكد و عدمه كنفس الحكم المخبر







به، كما انّ في أصله يكون كهو، فإذا أخبر بإيجاب فعل إيجابا متأكدا أو باستحبابه، كذلك حدث باخباره إيجاب متأكد و استحباب







متأكد، لا أنّه يحدث أول مرتبة من الإيجاب أو الاستحباب، كما إذا أخبر بأول مرتبته.















قوله: أو محتملها في الجملة:















و هو ما إذا كانت المزية المقطوعة أو المحتملة بمرتبة توجب بنفسها حكما إلزاميا، امّا لو لم تكن كذلك، بل كانت مقتضية في حدّ نفسها،







لو كانت في فعل لحكم غير إلزامي، فانضمامها لا توجب تعين ذلك الفعل عند التزاحم، و انّما توجب رجحانه طبق الرجحان الّذي كان







تقتضيه هذه المزية، لو كانت منفردة.















و الوجه في ذلك واضح، فانّ المقدار المتساوي من الملاكين المتزاحمين يكون صفرا بالتزاحم و ساقطا عن درجة التأثير، و المقدار







الباقي في أحد الجانبين، و هو ما























الصفحة 251







التفاضل، يكون هو المؤثر، و لازمه أن يكون أثره كأثره، إذا كان منفردا، انّ إلزاميا فإلزامي، و إن غير إلزامي فغير إلزامي. و يحتمل







أن يقال بتعين ذي المزية مطلقا باعتبار ان سقوطهما جميعا عن التأثير بعد عدم إمكان تأثيرهما جميعا، كان بمناط بطلان الترجيح بلا







مرجح، و يكفي للترجيح مطلق المزية، و لو كانت غير إلزامي. ثمّ انّ المصنف أشار إلى تفصيل المقام في الجملة، في رسالة البراءة عند







الكلام في المتزاحمين، و دوران الأمر بين وجوب شي‏ء و حرمته. و لم أر في مبحث الضد ذكر منه.















قوله: لا، الجمع بينهما بالتصرف في أحد المتعارضين:















اعلم: انّ صور التعارض ثلاث، صورة الجمع العرفي: و قد عرفت الكلام فيها، و تقدم إنكارنا للجمع العرفي، فلا تمتاز عن غيرها من







الصور في الحكم.















و صورة التباين الغير الممكن فيها الجمع بوجه، حتى بما لا يساعد عليه العرف، و هذه هي: كلّ صورة لم ينحل ما أخبر به المتعارضان







إلى أحكام متعددة، نحو العمومي الاستغراقي، بل كان حكما واحدا بسيطا، و ان تعلق بمتعدد اعتبر واحدا على نحو العموم المجموعي،







فانّ الأخذ حينئذ في بعض الأجزاء بأحد الخبرين و في الآخر بالآخر، لا يعدّ جمعا بين الخبرين، بل كان طرحا لهما رأسا، و هذه







الصورة، هي الصورة المتفق على عدم الجمع فيها، و لا يمكن أيضا فيها الجمع. و قد تقدم الكلام فيما هو قضية الأصل الأوّلي فيها.















و ثالث الصور: صورة التباين الممكن فيها الجمع بالأخذ بكلّ من الخبرين في جزء مدلوله، و ان لم يساعد عليه العرف، و هذه الصورة







هي عكس الصورة الثانية، أعني انحلال مفاد كلّ من الخبرين إلى أحكام متعددة، و هي محلّ البحث فعلا، و يبحث عن أنّه هل يجمع بين







الخبرين بالتبعيض و الأخذ بكلّ منهما أو في الجملة، كما ينسب إلى صاحب غوالي اللئالي، أو انّ الحكم فيها هي الحكم في الصورة الثانية،







بحسب الأصل الأوّلي و الثانوي، و انّما يختص الجمع من بين الصور بالصورة الأولى؟ و لكن التحقيق اشتراك الصور الثلاث في جواز







الجمع فيها بين الخبرين























الصفحة 252







بأيّ أنحاء الجمع، كما جاز الأخذ بأحدهما و ترك الآخر، و هو التخيير الّذي اخترناه سابقا، فيكون المحصل تخييرا عامّا و تخييرا بين







التبعيض بأنحائه، و بين الأخذ بواحد و ترك الآخر رأسا، مخيرا أيضا في المأخوذ و المتروك.















نعم، حيث لا يمكن الجمع و التبعيض في الصورة الثانية، يتعين التخيير بأخذ أحدهما و طرح الآخر رأسا.















و توضيح المدعى يتوقف على بيان معنى «صدّق» و ما هو قضية دليل الاعتبار.















فاعلم: انّ دليل «صدّق» نسبته إلى خبرين و ثلاثة اخبار و أربعة و هكذا، و إلى خبر عدل واحد مشتمل على حكاية حكمين و ثلاثة أحكام







و أربعة و هلمّ جرّا، و لو بلفظ واحد، نسبة واحد، فلا يكاد يختلف الحال في ساحة هذا الدليل، بين أن يكون مجموع مجلدات كتاب







وسائل الشيعة قد حكى عدل واحد، و بين أن يكون كلّ حكم، حكم تضمنته رواية واحدة رواه عدول، مستقلا، مستقلا، فانّ «صدّق» ينشأ







مماثل ما حكاه العدل أو يصير حجة عليه، فإذا حكى عدل واحد ألف حكم أنشأ «صدق» هناك ألف حكم، كما إذا أخبر ألف عدل لذلك







الألف حكم بلا تفاوت شعرة، و حينئذ فإذا أخبر عدل بحكم عام، كوجوب إكرام العلماء و أخبر العدل الآخر على خلافه، كوجوب







إهانتهم، فلا ريب انّه لا يمكن الأخذ بدليل «صدق» فيهما بتمام مدلولهما، و امّا الأخذ بدليل «صدق» في أحدهما دون الآخر، أو في بعض







مدلول أحدهما منضما إلى بعض مدلول الآخر، فكلّ ممكن، و معه لا وجه لتعين الأول، كما لا وجه لتعين الثاني، بل المتعيّن هو التخيير، و







جواز الجمع كجواز الأخذ بأحدهما و طرح الآخر رأسا.















و يظهر وجه ذلك ممّا ذكرناه سابقا، وجها للتخيير في مقابل من قال بالتساقط. و نحن و ان ذكرنا سابقا التخيير لكن كان ذلك في







مقابل القول بالتساقط، و الآن نعمّم دائرة التخيير بما يشمل الأخذ بكلّ في جزء مدلوله، فيكون المحصّل تخييرا عامّا إلى آخر العبارة







التي قدّمناها. و هذا الأمر أوضح على السببيّة منه على الطريقية، مثلا إذا أمر المولى بإطاعة الأب، و أمر الأب بإكرام العلماء























الصفحة 253







و إهانتهم في وقت لا يسع ذلك، بل يسع امّا لإكرامهم فقط أو إهانتهم فقط أو إهانة بعضهم و إكرام بعضهم، فانّ العقل يحكم بإنفاذه







أوامرهما أمكن، من غير فرق بين صور الإمكان، و ترجيح بعضها على بعض، بل يحكم بالتخيير بين تلك الصور.















و بالجملة: بعد ما بينّاه في المقدمة، يظهر: انّه لا فرق بين إلغاء «صدّق» في أحدهما رأسا و أخذه في الآخر، و بين إلغائه في جزء من كلّ







منهما و أخذه في الجزء الآخر، فانّ المتروك من الدليل على كلّ حال مقدار واحد لا يختلف كما ليتعين الأقل. نعم، إلغاء مورد الإلغاء







مختلف، و هذا الاختلاف حاصل في فرض الأخذ بأحدهما و ترك الآخر رأسا أيضا، فانّ مورد الإلغاء قد يجعل هذا و قد يجعل ذاك، و







هذا ليس محذورا.















و بالجملة: إذا لم يمكن الأخذ بعموم الدليل يؤخذ منه بما أمكن، مخيّرا بين مصاديقها من غير وجه لترجيح بعض المصاديق الممكنة على







بعض، في لزوم الأخذ، فعموم أكرم إذا لم يمكن الأخذ به أخذ به، فيما أمكن، فيكرم حسب المجهود، مخيرا في اختيار كلّ فرد شاء من







العلماء للإكرام، و كذلك المقام إذا لم يمكن الأخذ بعموم صدق في الخبرين المتعارضين بما لهما من المدلول أخذ به فيما أمكن من







مجموع مدلولهما، مخيرا في الأخذ من هذا المجموع نحو ما إذا أخبر عدل واحد بمجموع المدلولين و تعذّر الأخذ به، فيدخل التبعيض في







أطراف التخيير.















فاتّضح: انّه لا الجمع أولى من الطرح و لا الطرح أولى من الجمع، بل كلّ في عرض الآخر، يتخيّر بينهما.















إن قلت: هذا في المخصص العقلي، أعني فيما إذا لم يتمكن من الأخذ و العمل بعموم الدليل، لكن المقام بمعزل منه، فانّ أحد الخبرين







المعلوم كذبه خارج عن تحت دليل صدق تخصصا، فامّا هذا كذب أو ذاك كذب، و الأخذ بقبضة من هذا و قبضة من ذاك، أخذ بالكذب







القطعي.















قلت: قد أشرنا سابقا إلى: انّه إذا خرج عن تحت الدليل، امّا تخصيصا أو تخصصا اللا بعنوان، انقلب الباقي أيضا إلى اللا بعنوان، بحكم







العرف، و الخارج في























الصفحة 254







المقام المعلوم الكذب، و هو غير منطبق واقعا على شي‏ء معين من الخبرين، بل و لا ينحصر أيضا أطراف تردده بين هذا الخبر بتمام







مدلوله، و ذاك الخبر الآخر بتمام مدلوله، إذ من المحتمل أن يكون الكاذب، بمعنى الغير المطابق للواقع، مقدار من هذا و مقدار من ذاك،







بأن كانا صادرين جميعا و لم يكن ظاهرهما مقصود القرينة، اختفيت، فصار المحصل انّ المعلوم هو كذب المجموع من حيث المجموع







من مؤدّى الخبرين، و ما عدى هذا المجموع - أي شكل فرض - محتمل الكذب، فيكون الواحد المردد بين هذا الماعدى، تحت دليل صدق،







و لازم ذلك ثبوت التخيير العقلي بينها جميعا.















إن قلت: هذا على السببية واضح، و امّا على الطريقية إذا علم بوجود الكذب في عدة أطراف إجمالا، سقط تمام تلك الأطراف عن الطريقية







و الكاشفية.















قلت: السببية و الطريقية مسلكان في كيفية اعتبار الأمارات، لا يكاد يختلف بذلك اقتضاء اللفظ و ظهور دليل الاعتبار. و نحن قد بيّنا:







انّ هذا التخيير، قضية دليل الاعتبار بعد خروج معلوم الكذب اللا بعنوان، فلا يختلف بأن يكون اعتبار الأمارة من هذه الجهة أو من تلك







الجهة.















نعم، لا كشف فعلي لشي‏ء من أطراف العلم بالكذب، لكن المدار في الطريقية ليس على الكشف الفعلي.















قوله: إذ لا دليل عليه فيما لا يساعد عليه العرف:















قد عرفت: انّ الدليل عليه هو دليل الاعتبار بعد خروج معلوم الكذب المبهم واقعا، فيكون الباقي أيضا مبهما واقعا، و لازمه التخيير، في







كل ما يحتمل صدقه منهما و من جملته بعض كلّ منهما، كما في كلّ مقام توجه الحكم إلى مدلول النكرة، نعم، لا يتعين التبعيض المعبر عنه







بالجمع، و لا هو أولى من الأخذ بأحدهما و ترك الآخر رأسا، بل هما في عرض واحد، لأن التصرف في دليل «صدق» فيهما يكون بمقدار







واحد بلا زيادة و نقيصة، ليتعين صاحب النقيصة.















قوله: مع انّ في الجمع كذلك أيضا طرحا للأمارة و الأمارتين:















ليس للظهور اعتبار لو لا دليل «صدق» الشامل للسند، فحياة أصالة الظهور، الّذي يكون تركه محذورا،























الصفحة 255







يكون بشمول دليل «صدق» لسند ذاك الظهور، و في مرتبة متأخرة عن شمول دليل صدق، و مع الجمع، الّذي مآله إلى إخراج بعض كلّ







من الخبرين عن تحت دليل صدق، لا تكون أصالة الظهور جارية، كي يكون رفع اليد عنها محذورا يزاحم به محذور الطرح، و مع ذلك







حقّ القول، ما سمعت آنفا.















في بيان التعارض بين الأمارات















قوله: و قد عرفت: انّ التعارض بين الظهورين:















هذه توطئة و صغرى للكبرى، التي يذكرها، بقوله: و قد عرفت: انّ قضية التعارض إلى آخر عبارة فالمقصود الأصلي هو تلك الكبرى،







التي عين المدعى، أعني كون حكم التعارض سواء كان في الظهور، و ذلك فيما إذا كان السند قطعيا أو في السند، و ذلك فيما إذا كان







السند قطعيا، هو التساقط.















و فيه: انّ ذلك حقّ في التعارض في الظهور، فان العقلاء لا يعتنون بشي‏ء من الظهورين المتعارضين، و امّا في التعارض في السند، الّذي







كان اعتباره بدليل تعبدي و بظهور «صدق». فقد عرفت: انّ عموم دليل صدق يقتضي التخيير بالمعنى الشامل للجمع، بالأخذ ببعض كلّ







منهما، و للأخذ بأحدهما و طرح الآخر رأسا.















قوله: و لا ينافيه الحكم، بأنّه أولى مع لزومه حينئذ:















الأولوية هنا بمعنى اللزوم و التعين على كلّ حال، لأنّ الجمع التبرعي عند من يقول: بأنّ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح أولى على وجه







التعين لا سبيل إلى الطرح ما كان إلى الجمع سبيل.















نعم، على ما اخترناه لا تعين له، بل قد عرفت: ان عليه لا أولوية له أيضا، بل هو و الطرح في حدّ سواء.















قوله: و لا يخفى: انّ اللازم فيما إذا لم تنهض حجة:















يعني بعد نهوض الحجة، و هو الإجماع على عدم التساقط، إذا دار الأمر بين أن تكون الحجة ما اختاره المكلف أو خصوص ذي المزية،







كانت حجية ذي المزية معلومة و حجية الأخرى مشكوكة، المساوق ذلك للقطع بعدم حجيته، فيقتصر على معلوم الحجية. و لو قلنا: ان







الأصل























الصفحة 256







في دوران الأمر بين التعيين و التخيير في التكليف: هو التخيير بإجراء أصالة البراءة عن خصوصية التعين، و من ذلك يظهر حكم ما إذا







دار الأمر بين أن تكون الحجة ما اختاره المكلف من المتعارضين أو خصوص واحد معيّن واقعا، غير معين لدى المكلف. فانه لا بدّ من







معاملة حجية ذلك المعين بالاحتياط في الأطراف، إذا دلّ أحد الخبرين على وجوب شي‏ء و دلّ الآخر على وجوب آخر، و بالرجوع إلى







البراءة لو دلّ أحدهما على حكم إلزامي و دلّ الآخر على حكم ترخيصي.















قوله: كخبر الحسن بن جهم عن الرضا عليه السلام قلت: يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة:















الدال على التخيير من هذه الأخبار هو هذا الخبر فقط، لقوة احتمال أن يكون خبر ابن المغيرة في مقام أصل اعتبار خبر الثقة، فانه في







سياق سائر ما دلّ على حجية خبر الواحد، و لا إشارة فيه إلى انّ المقصود صورة التعارض.















نعم، في قوله: حتى يرى القائم فيرد عليه إيهام بذلك، حيث ان حجية خبر العدل غير مغيا برؤية القائم، إلاّ أن ينتقض بأن التخيير بين







المتعارضين أيضا عند من يقول به غير مغيا برؤيته، و اما مكاتبة عبد اللّه بن محمد، فالظاهر: انّ التوسعة و التخيير فيه تخيير في الحكم







الفرعي لا في الحجة، و ان ركعتي الفجر يجوز في كلّ من المحمل و الأرض، اختيارا، سيما و من المستبعد ان يترك الإمام بيان حكم







المسألة الفرعية، و يحيل السائل إلى التخيير في المسألة الأصولية، و مثل ذلك الكلام في مكاتبة الحميري، و لا ينافيه قوله عليه السلام







فيها: «و بأيّهما أخذت» من باب التسليم، كان صوابا، فان المراد من التسليم هو التسليم لقول المعصوم، و المروي عنه، و الانقياد و الطوع







له لا التسليم لقول الثقة الراوي، ليكون ذلك شاهدا على انّ المراد هو التخيير في العمل بقول كلّ من الرّاويين، بما هو قول الراويين.















قوله: و منها ما دلّ على التوقف مطلقا:















لعل ارتباط هذه الطائفة بالمدعى، و هو عدم التساقط كشفها عن وجود حجة فعلية مبهمة في البين، و من باب الرعاية لها أوجب التوقف







و الاحتياط في العمل، فلو كان التساقط حقا لم يكن مجال للتوقف، و كان المحكم هو الأصل الموافق لأحدهما أو مطلقا، و لو كان مخالفا







لهما.

/ 248