مقدمة المصحح
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين حمدا أزليا بأبديته و أبديا بأزليته حمدا للذي تفرد بالسرمدية و جعل العقل قطرة من قطرات جبروته و النفس شعلة من شعلات ملكوته المتجلي لخلقه بخلقه الظاهر في الآفاق بمظاهر أسمائه و صفاته الذي هو اختفى لفرط نوره الظاهر الباطن في ظهوره و الصلاة و السلام على أنوار خير بريته محمد المصطفى لا سيما وصيه و خليفته علي المرتضى و ذريته من الصلوات أزكاها و من التحيات أنماها.
فبعد: لما ختم طبع المجلد الأول من التفسير على القرآن الكريم للفيلسوف الإلهي و الحكيم الرباني حجة الحكماء الإسلاميين و خادم شريعة سيد المرسلين و قرة عيون السالكين محمد المعروف بصدر المتألهين قدس اللّه سره العزيز من قبل هذا في بضعة من الزمان و كان في قصدي أن أشرع في طبع المجلد الثاني من التفسير و لكن طوارق الحدثان و عوائق
الزمان كانت تعوقني عن هذا الأمر العظيم حتى يكاد أن لا يمكن طبعها كما لا يخفى على من ورد في هذا المشرع أو يطلع على ما يمضي في المطبع و كان مشوقي في تلك الفترات الماضية و الأزمنة القاضية في تصحيحه و تنقيحه و تصديره على المجلدات الباقية أستاذي الكبير و الحبر المنير السيد جلال الدين الآشتياني مد ظله العالي حتى بلغ الكتاب أجله فبينما أصاب السيد الأستاذ عارضة حتى طالت إلى الآن و منعه عن طبع ذلك السفر النفيس و لكن كلما لا يدرك كله لا يترك كله.
فحينئذ شرعت في طبع واحد من كتبه الشريفة الذي هو قرة عيون أولي الألباب المسمى بأسرار الآيات و أنوار البينات في العلوم القرآنية و العجائب التنزيل الربانية و هي هذا الكتاب الذي انفتح بها باب نزول البركات و تواتر الرشحات و قطرات أمطار الرحمة من بحار خزائن المكاشفات على الدوام على القارئ العزيز إن كان من المؤمنين الموحدين و مرض لقلوب الجاحدين إن كان من المنكرين فيها هدى للمتقين «كما قال و عمي و غشاوة على أبصار المنافقين المتكبرين» يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ.
و عندي أربعة نسخ واحدة منها المطبوعة المعروفة التي طبعت في سنة 1319 طبعة حجرية و الثانية و الثالثة نسختان مخطوطتان من متملكاتي و الرابع صورة فتوغرافية لمكتبة المجلس أما النسخة المطبوعة فيها أغلاط و سقطات لا تحصى و يكاد أن لا يستفاد منها و مشوبة بالتصحيفات و التحريفات إلى درجة فظيعة و أن بعض الكلمات و الجمل ممسوحة
تماما و بالنسختين المخطوطتين مع الصورة فتوغرافية تم تصحيح الكتاب و إني لا أدعي في طبع هذا التأليف الشريف إلا أن أقول: لا يجد القارئ و المستبصر الخبير فيه غلطا و لا سقطا إلا ما زاغ عنها البصر و لا يغير المعنى المقدر و ذلك فضل اللّه العلي العظيم.
و أما شرح حاله و ثقافته و أساتذته و آراؤه الخاصة مضبوطة في كتب السير لا سيما في أوائل مؤلفاته المنيفة التي طبع في هذه الأواخر.
و للأستاذ الجليل و الحبر النبيل السيد جلال الدين الآشتياني دام إفاضاته العالية تأليف جمع فيه آراءه و حققها مع شرح حاله و سيرته و للأستاذ الفقيد الشيخ أبي عبد اللّه الزنجاني تغمده اللّه برحمته أيضا كتاب سماه «الفيلسوف الفارسي الكبير» استوعب فيه آراءه مع سيرته من نشوه إلى وفاته و إني اطردت في مقدمة التفسير الكبير لهذا الفيلسوف الإلهي التي طبع قبل ست سنين كل مقال قيل فيه و يليق بمقامه الشريف فمن شاء فليراجع إليه.
و للحكيم الإلهي و العالم الرباني علي بن جمشيد النوري قدس اللّه سره القدوسي على هذا الكتاب تعليقات متفرقة و نظرات عالية انتخبنا بعضها و وضعناها في مواضعها.
و اعلموا يا إخواني الإلهيين و أخلائي المؤمنين أني ألقيت إليكم الكتاب الكريم و جئتكم بالنبإ العظيم و آتيكم بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ تعالوا إلى كلمات طيبة إيمانية و تلقوها فإن الإيمان يمان و الحكمة يمانية أوقدت من النفس الرحماني على شجرة مباركة إلهية لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ.
قل للأولى فاقوا الورى و تقدموا
قدما هلموا شاهدوا المتأخرا
قدما هلموا شاهدوا المتأخرا
قدما هلموا شاهدوا المتأخرا
و ليست داعيتي على طبع هذا الكتاب المستطاب إلا أن أتشبه بهذا القوم كما قيل: من تشبه بقوم فهو منهم.
سالكى را گفت آن پير كهن
گفت خوش آيد زبان را بر دوام
گر نيم ز ايشان از ايشان گفتهام
خوشدلم اين قصه از جان گفتهام
چند از مردان حق گوئى سخن
تا بگويد حرف مردان را مدام
خوشدلم اين قصه از جان گفتهام
خوشدلم اين قصه از جان گفتهام
و لعمري هذا الكتاب الذي قال أحد من الحكماء في إطرائه: يقذف بالحق و ينطق بالصدق مشتملا على أصول كافية ينكشف بها رموز الدقائق و يزول بنورها ظلمة الشك و الريب محتويا على قواعد ينجلي بها الأنوار الجلية و مسائل يعلن بها الواردات القلبية من الأصول الحكمية و العلوم الإلهية و الفنون البرهانية و المعالم الدينية و المسالك العرفانية و المعارف الربانية بعبارات لطيفة يفصح عن بدائع الأسرار و كلمات رشيقة تنبئ عن لطائف الأفكار مع ما اندرجت فيها من رموز الفصاحة و فنون البلاغة و لطائف الحكمة و سرائر المعرفة قل من يهتدي إلى رشحة من رشحات زخار بحارها أو يطلع على لمعة من لمعات مطالع أسرارها اللهم إلا الألمعي الفطن الذكي الذي أشرق عقله و تنور قلبه و استنارت سريرته و استضاءت بصيرته مع رياضات علمية و مجاهدات نفسانية و مع أهميته و ندرته و كثرة طالبيه لم يقدر له أن يطبع مرة أخرى و لذا قام بطبعها مجمع
الفلسفة الإسلامية (انجمن اسلامى حكمت و فلسفه ايران) و نرجو من اللّه تعالى أن يوفقنا لطبع بقية المجلدات من التفسير الكبير لصاحبنا قدس سره.
و الرجاء من قراء هذا السفر النفيس و العاملين عليه لا سيما أولي الألباب و البصائر النافذة الدعوة الحسنى و أن ينظروا في تصحيحه و تنقيحه بعين العناية و الرضا لأن: عين الرضا عن كل عيب كليلة و اللّه ولي الحق و المدافع عن الذين آمنوا وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ و أنا أحوج خلق اللّه إلى رحمة ربه الباري محمد الخواجوي أحسن اللّه حاله في الأيام و الليالي آمين.
و كانت الفراغة عن تحرير هذه المقدمة في ثلث آخر ليلة القدر من شهر رمضان المبارك سنة أربع مائة بعد الألف من الهجرة النبوية على هاجرها آلاف الثناء و التحية.
محمد خواجوي