استقامت طريقته و صلحت سريرته ملكا مقرباملتذا بلقاء اللّه تعالى و قربه و إن اعوجتسبيله و انسلخت فطرته فيصير مطرودا عن باباللّه معذبا عذابا أليما و معلوم أن فيالاستحالات و الانقلابات الطبيعية كان لهذهاب من طور أدنى إلى طور أعلى و كان كلماانخلع عنه صورة ناقصة تلبس بما هو أعلىمنزلة و أجود من الأولى و كان له في كل موتحياة جديدة أشرف من الحياة السابقة فهكذاينبغي أن يتحرى في مذهب نفسه في العلم والعمل فلا يروم أن يرقى إلى درجة من الكمالإلا و يخلع عن نفسه آراء و أخلاقا و عاداتاكانت مألوفة له معتادا بها أولا حتى يمكنهأن يفارق الصور البشرية كلها و يصعد إلىملكوت السماء و يجازي هناك بأحسن الجزاء ويكون «مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُعَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَرَفِيقاً».
(2) قاعدة في الحشر
اعلم أن الزمان علة التعاقب و التسابق فيالوجود و المكان علة التكثر و الافتراق فيالحضور فهما سببان لاختفاء الموجوداتبعضها عن بعض فإذا ارتفعا في القيامةارتفعت الحجب بين الخلائق فيجتمع الخلائقكلهم الأولون و الآخرون «قُلْ إِنَّالْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَلَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍمَعْلُومٍ» فهو يوم الجمع «يَوْمَيَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَيَوْمُ التَّغابُنِ» و بوجه آخر هو يومالفصل لأن الدنيا دار الاشتباه و الاختلاطمتشابك فيها الحق مع الباطل و يتخالط فيهاالوجود و العدم و الخير و الشر و الخبيث والطيب و في الآخرة يتفرق المتخالفاتلقوله: يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُيَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ و فيها يتميزالمتشابهون لقوله لِيَمِيزَ اللَّهُالْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ الآية وينفصل الخصمان لقوله لِيُحِقَّ الْحَقَّوَ يُبْطِلَ الْباطِلَ و قوله:لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍوَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ولا منافاة بين هذا الفصل و ذلك الجمع بلهذا يوجب ذاك كما قال: هذا يَوْمُالْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ و الحشر أيضا بمعنى الجمعقوله: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْمِنْهُمْ أَحَداً.